مجلة حكمة
الباطنية عند ابن ميمون ستانفورد

الباطنية عند ابن ميمون: تفسير بداية الخلق – كينيث سيسكن


  • الباطنية عند ابن ميمون

عانى الباحثون من قضية شائكة منذ نشر موسى ابن ميمون كتابه (دلالة الحائرين):. هل يأخذون كلام ابن ميمون على أساس قيمته الإسمية، أم على أنها إشارات ودلائل تشير إلى معنى خفي وأكثر عمقا. (Ravitzky 1981, 1990, 2005; Strauss 1952). حينما رفض موسى التفسير الحرفي ولعب على وتر أهمية المعجزات، كان على دراية بأنه يتخذ موقفا جدليا. مثلما ألمح في مقدمة (دلالة الحائرين)،. بأن الشريعة اليهودية تمنع الفرد من مناقشة المسائل الباطنية كتفسير بداية الخلق، أو تفسير المركبة بين العامة.

الغرض من ذلك هو أن تلك المسائل يجب أن تناقش فقط مع طالب علم متقدم يستطيع العثور على الحقيقة لوحده. يرى ابن ميمون أن الشروح الحاخامية التي نشأ عليها إلى جانب الكتاب المقدس كلاهما باطنيان،. بمعنى أن المعنى الحقيقي غالبا يختلف عن المعنى السطحي أو الواضح. وما مردّ ذلك إلا اختلاف الناس في مستويات إدراكهم عند القراءة. يذهب موسى إلى أبعد من ذلك حينما يقول بأن للمؤلف الحق في مناقضة نفسه في بعض الحالات.

من بين الأسباب السبعة لاستخدام التناقض، يقول ابن ميمون أنه سينتفع من نفسه من جانبين. الأول وهو غير مشكل نسبيا: وهو أن من الضروري أحيانا أن تقول المعلمة شيئا لطلابها لتنزل إلى مستواهم الفكري،. وتقول شيئا مختلفا عندما يصبح الطلاب في سن متقدمة. أما الثاني وهو ما يزعج أكثر: أنه في المسائل الغامضة جدا،. من الضروري الاستهلال بنقاش يتطور وفق افتراض واحد، ثم في وقت لاحق يجرى نقاش آخر يقوم على افتراض آخر. ثم يضيف،

 

“في مثل هذه الحالات يجب ألا يكون العاميّ مدركا للتناقض؛ بالتالي يلجأ المؤلف لاستخدام حيل لإخفائه بكل الوسائل”

وهذا يثير عدة مسائل.

  1. هل يوظف ابن ميمون تناقضات التنوع المزعجة؟

  2. إذا كان قد فعل، ففي أي موضع؟

  3. أكانت من نقاشين اثنين متناقضين، وأيهما الذي يمثل وجهة نظره؟

زعم ليو ستراوش في القرن الواحد والعشرين، بأن التناقضات مركزية لفهم (دلالة الحائرين)، وكلما قدم ابن ميمون دليلا على رأي معين كلما قلّت احتمالية تمسكه به (Strauss 1952). يوجد اتفاق جماعي على أن ما كتبه ابن ميمون باطني إلى درجة أنه يتناول موضوعات صعبة ولا يضع كل ما يقوله في أي موضوع معين في أي مكان. السؤال هنا هو هل لهذه الباطنية عند ابن ميمون معنى أعمق من ذلك. نرى على سبيل المثال أنه ينتقد أرسطو على فكرة خلود العالم. هل يعني ذلك أنه يؤمن بالخلق، أم أننا حينما نجرد ظاهر هذا المعنى يكون مؤمنا بالأبدية؟. مثلما يحدث في الغالب، سؤال واحد سيجرّ آخر: هل نسوّي المسألة من خلال فحص قوة حججه أو من خلال البحث عن دلائل خفية؟. على أي حال، خسرت القراءة الباطنية بريقها في الآونة الأخيرة (Davidson 2005, Ivry 1991, Manekin 2005, Ravitzky 2005, Seeskin 2000).

الباطنية عند ابن ميمون

  • الخلاصة

يعتمد تقييم المرء لفلسفة ابن ميمون على فلسفة المرء الشخصية. بالنسبة للمؤمن التقليدي مثل الأكويني، هو محقّ حينما يقول بأن هناك العديد من المسائل، على سبيل المثال:. مسألة الخلق، والتي لا يمكن أن تحل بالبرهنة والإصرار على أن كل محاولات تجسيد الإله مضللة. المشكلة هي أنه برفضه التجسيد، لربما ذهب بعيدا. إذا كان الإله لا يماثل أي شيء في هذا النظام المنشأ، وإذا كانت مصطلحات مثل الحكمة، القوة،. أو أن الحياة غامضة جدا حينما نطبقها علينا وعلى الإله، فإن مفهوم الألوهية الذي ولدنا به ضعيف للغاية ليقدّره العابد العادي.

بالنسبة لطبيعي مثل سبينوزا، فإن ابن ميمون كان مستعدا لنبذ العلم واللجوء إلى المفاهيم القديمة مثل الخلق والإرادة الإلهية. من المعلوم أن علم الفلك في العصور الوسطى لم يتوصل لتفسير حركة الكواكب. ومع حلول الثورة العلمية، كان هناك تفسير واحد- على الأقل في رأي سبينوزا. فإذا بقي موسى مخلصا لما قاله، واكتسب الحجة الأقوى مهما أدت إليه، على حد قول سبينوزا،. فقد كان بإمكانه أن يبني علما جديدا، خلود العالم، وضرورة أن كل حدث يأخذ حيزا فيه.

من أجل أن يقوم بذلك، يتوجب عليه أن يتخلى عن فكرة أن الكتاب المقدس يحمل الحقيقة الفلسفية والعلمية، ويطلع عليه فقط على ضوء ما يخص الكيفية التي يعيش بها المرء حياته. غني عن القول إن ذلك سيكون كارثة في نظر ابن ميمون. حتى لو اتخذ هذه الخطوة وقرأ الكتاب المقدس لمحتواه الأخلاقي، لن يلغي هذا الأمر المشاكل الموجودة. كان ابن ميمون نخبويا، قاس القرب الإلهي بكمية المعرفة التي يملكها المرء،. والنتيجة أن الأشخاص الذين حرموا من إكمال دراستهم بسبب الظروف لن يكونوا محبين للإله أو قريبين منه. وإن كان ذلك التفسير صحيح أو خاطئ، إلا أنه يسيء للتفسيرات الحديثة بالغة الديمقراطية.

وأخيرا، بالنسبة لملحد، فإن فلسفة ابن ميمون تظهر لنا ما يحدث عندما تقوم بتنحية محتوى التجسد في مفهومك عن الإله: فإنك تنحّي المحتوى بأكمله من أي نوع. وما يبقى لك في النهاية سوى جوهر الإله غير المعلوم وغير الموصوف. ولأي قيمة ممكنة يصبح هذا المفهوم فلسفيا أو دينيا؟

سئل سقراط في محاكمته عام 339 قبل الميلاد، كيف لأكثر الأشخاص حكمة في أثينا أن يزعم الجهل في المعرفة التي يسعى إليها. كان جوابه (Apology 23a-b)، بأنه حكيم لأنه، على عكس الآخرين، يدرك أنه إذا قيست مقابل الحكمة الإلهية،. فالحكمة البشرية ضئيلة وليس لها قيمة. رغم أنه لا يوجد ضمان على أنه قرأ ما كتبه سقراط، إلا أن هناك شك بأن هذه هي البصيرة التي سعى ابن ميمون للحفاظ عليها. ذلك الشخص الحكيم من ينكص برهبة وتواضع في حضرة من هو أعظم من أن يدرك ويفهم. تفسر هذه البصيرة سبب عدم عثور ابن ميمون على براهين للعديد من رؤاه حول الإله، الخلق، والتجلي رغم جهوده المضنية،. وظهر في الغالب راضيا على موازنته للمقاييس في اتجاه واحد أو في تقديمه تقييما صادقا للمشكلة. في عمل حديث، يؤكد ألفريد إيفري (2016, 4) على أن ابن ميمون بنفسه هو أحد الحائرين الذي كتب دلالة الحائرين لهم.

من منظور ودي، تنبع نخبوية ابن ميمون من معرفة أن هناك قلة من الناس سيرضون به. رغم أنه لن يتفق الجميع في تاريخ الفلسفة، إلا أنه ما من شك على أن وجهة نظر ابن ميمون لها تاريخ فلسفي طويل وما تزال بديلا قويا.

 

الباطنية عند ابن ميمون