مجلة حكمة
ابن رشد ثمرة خيرة

ابن رشد ثمرة أخيرة: للجدلية الداخلية للفلسفة العربية – خوسي لويس أبيان / ترجمة وتقديم: محمد بلال أشمل

تمثال ابن رشد
تمثال ابن رشد في إسبانيا

تقديـم:

تندرج مقالة الأستاذ “خوسي لويس أبيان” حول ابن رشد في سياق التأريخ للحياة العقلية الإسبانية بدون الانخراط في إشكالية المساجلات المعروفة حول “العلم الإسباني” ولا الانضباط لمعايير رؤيتها، ولا الرضى بما توصلت إليه من أحكام ونتائج مع “مينينديز بيلايو” أو “أدولفو بونيا”، فعوض الحديث عن فلسفة إسبانية، يمضي الأستاذ أبيان إلى الحديث عن الفكر الإسباني بعامة، ولذلك يروم له تأريخا نقديا يفتتحه بإثارة إشكالية التواريخ الوطنية للفلسفة وفحص السجال الدائر حول وجود أو عدم وجود فلسفة إسبانية أصيلة، وتجديد النظر فيها على شروط منهجية ومعرفية مغايرة، ثم الوقوف عند الوضع الحالي للبحث التاريخي حول الفلسفة بدءا بـ”بونيا” صاحب كتاب “تاريخ الفلسفة الإسبانية” في جزئين، والصادر في مدريد عام 1908 و 1912 إلى المشاكل الحالية الذي يواجهها البحث التاريخي.

وقد طرح الأستاذ أبيان مشكلة مشروعية البحث في تاريخ الفلسفة واستبدالها بتاريخ للأفكار معتبرا أن الفلسفة متى ارتبطت بالميتافيزيقا، عانت من الأزمة، ومتى ارتبطت بالعلوم الاجتماعية، كان بالإمكان النظر إليها من زاوية تاريخ الأفكار ومن ثم تحصيل العلم المفيد بها داخل أنثروبولوجيا ثقافية تسمح فعلا بتناول مشكلة الخصائص العامة للفلسفة الإسبانية على هدي حقائق مادية أقواها الدين، واشملها الكاثوليكية، رافضا بذلك النظر إلى التاريخ العام لإسبانيا في ضوء مفهوم الانحطاط الذي ينادى به جيل من المؤرخين الإسبان.

ولكي يبلور الأستاذ أبيان هذه المقاربة الجديدة في معطيات مادية، كان عليه إجراء دراسة نقدية لكل المسار الفكري والفلسفي الذي قطعه الفكر الإسباني على أرض إسبانيا وتحت سمائها منذ “سينيكا” إلى من أسميهم بأهل إسبانيا الجوهرية مرورا بـ”بابلو أوروزيو”، وكل فلاسفة الإسلام والمسيحية واليهودية في شبه الجزيرة الإيبيرية، وذلك على امتداد أجزاء خمسة أصدرتها منجمة دار نشر “إسباسا كالب” المجريطية خلال الثمانينات وخصص الجزء الأول برمته للمنهجية والتمهيد التاريخي.

وضمن مسار الفلسفة الإسلامية، يقع فيلسوف قرطبة، حيث يقف معه الأستاذ أبيان وقفة نقدية يراجع فيها حياته وأعماله وفلسفته جاعلا منه كبير الشان في تاريخ الفلسفة العربية (ج 1/ط 2/ص 187 مدريد 1988) له عظيم التأثير على الاسكولائية المسيحية، وخاصة القديس توماس الاكويني (نفسه/ص 192-193) وعلى الفلسفة اليهودية، وبخاصة ابن ميمون (نفسه/ص 204) ناظرا إليه كمحور للخصومات الميتافيزيقية المسيحية مثلما هو الشأن مع “غومز بيريرا” في القرن السادس عشر (ج2/ ط1 مدريد 1986/ ص 189) أو مع “سواريز” في القرن السابع عشر (ج2/ ط1/ مدريد 1986، ص 906) أو ” بييتو بيريريو” في القرن السابع عشر نفسه/ص 576).

وبالجملة، إن الأستاذ أبيان يؤرخ تاريخا نقديا لفلسفة ابن رشد ومنزلته في الحياة العقلية الإسبانية ضمن مشروع تاريخي نقدي للفكر الإسباني بعامة.

ونقدم فيما يلي ترجمة بإحدى تلك المحطات التي يراها الأستاذ أبيان محطة أساسية في تطور الفلسفة العربية والمسيحية على السواء في انتظار فحص مجمل آراء وأحكام سائر المؤرخين الإسبان للفلسفة الإسلامية في المغرب والأندلس.

وللإشارة، فإن صاحب التاريخ النقدي للفكر الإسباني يتحدث في هذه المقالة عن ابن رشد على أنه يمثل الثمرة النهائية للجدلية الداخلية للفلسفة العربية.

ليس هناك من فيلسوف في تاريخ الفلسفة العربية بقادر على التساوي مع ابن رشد باستثناء ابن سينا الذي ولد وعاش خارج شبه الجزيرة الإيبيرية، فابن رشد (قرطبة 1129/المغرب 1198) أول فيلسوف داخل ما يمكن تسميته بالفلسفة الإسبانية العربية فيما لو أعطينا لكلمة الإسبانية الدلالة الجغرافية(1).

ينحدر ابن رشد من أسرة فقهاء مالكية، درس الفقه والكلام في شبابه واشتغل بعد ذلك بالطب والعلوم الطبيعية، وعني أخيرا بتحصيل علوم الفلسفة. ألحقه ابن طفيل بالبلاط الموحدي للسلطان أبي يعقوب يوسف، وولي قضاء إشبيلية منذ العام 1169 إلى العام 1171 ثم رجع إلى قرطبة لكي يرافق السلطان يوسف، وبعده لوريثه يعقوب المنصور الذي تغير له بسبب مؤامرات القصر، فحوكمت أعماله، وأعفي من منصبه ونفي إلى “أليسانة”، وبعد عامين أو ثلاثة أعوام، انتقل إلى المغرب وفيه توفي ونقل جثمانه إلى قرطبة فيما بعد(2).

المتن الرشدي ضخم، وقد قدم ميغيل “كروث أيرنانديث”، الذي نشر اللائحة الأكثر كمالا بذلك المتن، 96 عنوانا أمر صحتها مقطوع فيه، وتسعة مشكوك في صحتها، وواحد وعشرون منحولة(3) وأغلب الأصول العربية ضاعت وليس يحتفظ منها إلا بالترجمات اللاتينية(4) وأما مسائل ذلك المتن، فهي موسومة بتنوع كبير يمتد من القانون والطب، ومن الفلسفة إلى الفلك فاللاهوت.

فيما يتعلق بالمسائل ذات الطابع الفلسفي المحض، تتميز منها شروحاته على “أرسطوطاليس” حتى جعلته ينال لقب الشارح الأكبر.

ومن سائر عناوينه ذات الأهمية الكبرى، كتابه “تهافت التهافت” ضدا على “تهافت الفلاسفةللغزالي و “مقالة في جوهر الفلك” و “مقالة ثانية في اتصال العقل بالإنسان” و “تلخيص كتاب أرسطوطاليس في المنطق” و”فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” و “كتاب المناهج في أصول الدين”، أما كتبه الطبية التي اشتهرت فلعلها” الكليات في الطب”.

ينبغي التمييز في شروحات أبي الوليد على “أرسططاليس” بين الجوامع والتلاخيص والشروح الكبرى(5) فدلالة العمل الفلسفي الرشدي تحتل مكانة عالية في التطور الفلسفي العربي لأنه يمثل الثمرة النهائية لجدليتها الداخلية، إذ يقطع ابن رشد مع الأستاذية الكونية لابن سينا على العرب لكي يبدأ أبحاثه في الآثار الأرسطوطالية على التخلص من تأثير الشيخ الرئيس.

وقد خصص ابن رشد أغلب جهده الفلسفي لشرح أعمال أرسطوطاليس والتعليق عليها مما مهد اللاتينية في العالم الوسيطي. بهذا المعنى فقد فتح ابن رشد سبيل الفلسفة والعلم بوساطة التلاقي الثقافي الدائم بين الممالك المسيحية والإسلام الإسباني، ولهذا فإن التأثير الرشدي ينبغي البحث عنه في هذا الاتجاه.

فيما يتصل بمشكلة العلاقات بين الفلسفة والوحي، يهاجم أبو الوليد الغزالي وابن سينا، بالنسبة إلى الأول، بسبب إنكاره للفلسفة، وبالنسبة إلى الثاني، بسبب موقفه من الدين.

وإن ابن رشد ليظهر هاهنا عقلانيا كثير الاستفادة من أرسطوطاليس غير أن ذلك لا يعني أنه يقوم بأرسطوطاليسية محض، الشيء الذي كان مستحيلا عهدئد حيث لم يكن يشك قط في تعقد النص الأرسطوطاليسي الذي ما يزال، إلى الآن، منبعا لكثير من الأخذ والرد.

وقد لقي موقف ابن رشد تجاه الدين كثيرا من الخلافات بين المؤرخين؛ ففي العصور الوسطى تم الحديث عن ابن رشد الملحد، ولكن البرهنة قامت على أنه كان مؤمنا مسلما ليس يمكن الطعن في عقيدته.

صحيح أنه في القرن 16 وجدت رشدية ملحدة، ولكنها كانت محض تأويلات لأبي الوليد وليس لها أية صلة بمذهب مؤسسها.

أما في القرن 19، فقد قدمه لنا “إرنست رينان” كفيلسوف عقلاني وكمفكر حر يدافع عن الدين كبشارة للعامة(6).

على أن “ليون غوتييه“، وبدراية تقنية عالية، ألح على نفس الأطروحة القائلة بعقلانية ابن رشد مع أولوية للفلسفة على الوحي، والعقل على الإيمان(7).

وضدا على هذه التأويلات، نهض بين أظهرنا المستعرب الكبير “ميغيل أسين بالاسيوس”(8) برأي مفاده أن ابن رشد كان مؤمنا سنيا في الديانة المحمدية بدون أن يؤثر ذلك في عقليته الفلسفية النيرة محاولا وصل حقائق الفلسفة بعقائد الدين.

وفي هذا المدى، نهض ابن رشد في الإسلام بذات المهمة التي نهض بها ابن ميمون في اليهودية، والقديس توماس الاكويني في المسيحية.

بالنسبة إلى ابن رشد، موسى وعيسى ومحمد أنبياء ثلاثة لنفس الإله ولا تتعارض رسالاتهم فيما بينها وإن كان يعتبر أن رسالة محمد أفضل من الرسالتين السابقتين؛ فالقرآن نص مقدس يقرر الحقيقية العليا والنهائية ويتوجه إلى كافة الناس، وإذا كانت هناك من صراعات بين الحقائق المقررة من طرف العقل، فينبغي الانصراف إلى التأويلات التي يقوم بها العلماء وحدهم. وبمقتضى هذه الأطروحة، فإن صورة ابن رشد الملحد والزنديق محض خرافة، بل إن نظرية الحقيقية المزدوجة التي تنسب إليه، لا تصدق عليه، وإنما تصدق على الرشديين اللاحقين عليه الذين فهموه خطأ.

إن الدين يقدم إلى الناس بكيفيات مختلفة حسب استعدادهم واستقلالهم. وحسب ابن رشد، هناك فئات ثلاثة من الناس يتواءم تقسيمها مع أنماط الاستدلال الأرسطوطالية. في السلم الأخير، هناك العامة الذين يقبلون الإيمان بلا برهان، أو على الأكثر، يكون قبولها له على قاعدة خطابية ومجازية.

ثم هناك المتكلمون أو أهل الحجاج الذين يستندون على الجدال، وفي الأخير هناك الفلاسفة أو أهل البرهان الذين يعتمدون البرهنة الضرورية.

فيما يخص البراهين على وجود الله، إن جميعها مستقاة من “أرسطوطاليس” كبرهان الحركة، وبرهان النظام، وبرهان الغائية، وسائرها مبثوثة بتفصيل في امتداد عمله الفلسفي.

وفيما يتعلق بصفات الألوهية، إن الله محدد باعتباره الموجود بامتياز، وفاعلا محض على الكمال، واحدا، وحيدا، وبسيطا…

ويختلف ابن رشد عن ابن سينا فيما يتصل بالمسافة بين العلم والوجود واعتبار الوجود صادرا عن العلم، ويتفق معه فيما يخص الذات الإلهية حيث الجوهر والوجود شيء واحد بالضرورة.

كما لا يقبل منه “الخلق” الضروري للكائنات الممكنة مثلما دافع عنها ابن سينا نظرا لأن الإمكان والضرورة يتعارضان. ولكنه بعد أن ينتقد موقف الشيخ الرئيس في هذا المقام، يسقط هو الآخر في موقف مماثل.

إن العالم، وإن كان متقابلا مع الله، فهو ممكن، لأن “خلق” العالم أبدي وضروري، لقد وجد العالم دائما، وإن كان وجوده ليس يملكه كجوهر، وإنما يكتسبه من الخارج، ولهذا وحده الله فعل محض بينما ليست باقي الكائنات إلا بعض قوة ومن هنا طابعها الممكن.

وبعبارة أخرى، إن خلقه العالم ضروري، ولكن وجوده ممكن. وهكذا يظهر أن مفهوم الخلق أساسي في الفلسفة الرشدية، فقد خلق الله العالم منذ الأبد، نظرا لأن الإرادة الإلهية لا يمكن أن تكون محددة بأية علة خارجية.

كان العالم ممكنا منذ الأزل، وعلى الدوام خلقه من طرف الله، وهذا يفسر مسألة أن “الخلق” ضروري، وإن كانت الكائنات المخلوقة ممكنة.

والمادة أيضا قديمة، ولكن لا يمكن أن تكون مخلوقة من طرف الله، لأنها محض قوة، أو عدم وجود، والعدم وجود لا يمكن أن يكون موضوع الفعل الإلهي. بالنسبة إلى ابن رشد، سائر الكائنات سوى الله، تتألف من مادة وصورة، ولو أنه ينبغي التمييز بين نوعين منها، مادة الأجسام السماوية حيث إنها مستغرقة في شكلها، ومادة الأجسام الأرضية حيث إن المادة قوة.

إن تصور ابن رشد للعالم يحمل طابعا تراتبيا ويصدر عن خليط من لأفكار الأرسطوطالية والأفلاطونية الجديدة والبطليموسية.

هناك نظام مؤلف من ثمانية وثلاثين فلكا مستديرا سابحا تحرك كل واحد منه نفس عاقلة حيث توجد النجوم، أولاها سماء النجوم الثابتة، التي تصدر مباشرة عن المحرك الأول، ثم بعد ذلك يأتي فلك زحل، والمشتري، والمريخ. إلى آخره، إلى أن يصل إلى فلك القمر حيث العقل الفعال شكله الذي منه تصدر كافة حركات العالم الأرضي ففي الوسط هناك الأرض مؤلفة من العناصر الأربعة، إذ هي ثمار الحركة الدائرية الكونية التي ينتج عنها بدورها كافة ظواهر الكون والفساد.

بيد أن مسألة العقل الفعال تأخذ لدى أبي الوليد أهمية قصوى، لذا علينا إيلائها اهتماما خاصا.

إن نظرية ابن رشد تنطلق من تفسير متميز لكتاب أرسطوطاليس في النفس (الكتاب الثالث) حيث يميز بين ثلاثة أنماط من العقل، اثنان منهما، الفعال والمادي، ذوا الطابع الأزلي، والمفارق والخالد، يخصان الجنس البشري، ويشترك فيهما كافة الناس، وعقل فردي يظهر كملكة بالقوة، زمني وفان وهو الذي يعطيه ابن رشد اسم ملكة الخيال.

العقلان الأولان يتطابقان مع العقل الفعال والمنفعل لدى “أرسطوطاليس” وبجمعهما في التمييز بين الفعل والقوة، يعطيان عقلا شغالا.

وبالنسبة إلى ملكة الخيال، التي بواسطتها يدرك كل إنسان تأثير العقل الفعال والمفارق، لا يمكن خلطها بهذا ولا بالعقل المادي المشترك بين جميع الناس.

وخلاصة القول، يعقد ابن رشد إشكالية العقل المدرك والممكن عند “أرسطوطاليس” محدثا زخما شديدا في السجالات التي خاضت فيها الاسكولائية الوسيطية حول هذا الموضوع ?


هوامش

(*) هذا النص مترجم عن:

Jose luis AbellanHistoira critica del pensamiento espanolTomo 1Segunda edition, Espasa-Calpe, Madrdi, 1988, p. 187-191.

1 – حول هذا الموضوع انظر المدخل المنهجي والتاريخي الذي يتقدم النص المترجم ص 29/60 والمقالة التي كتبها “مينينديث بيلايو” حول “مفهوم تاريخ الفلسفة الإسبانية” في “العلم الإسباني” والذي نشره “لاسكاريس” في مختارات بعنوان “الفلسفة الإسبانية“، ريالب، مدريد 1955، ص 49/70 وأيضا التقديم الذي وضعه” أورتيغا إي غاسين” للترجمة القشتالية لطوق الحمامة التي قام بها المرحوم “إيميليو غارسيا غومز” نشرت في “دراسات حول الحب“، أليانزا إيديطوريال، مدريد، 1984 ص 231/250 (المترجم)

2 – انظر في محنة ابن رشد، على سبيل المثال، عبد الواحد المراكشي، المعجب في تاريخ المغرب، دار الكتاب، الطبعة السابعة، البيضاء 1987 ص 435/437. (المترجم)

3 – ميغيل كروث إيرنانديث، تاريخ الفلسفة الإسبانو إسلامية، ج2/ص 48 وما يليها، الجمعية الإسبانية لأجل تقدم العلوم، مدريد، 1957.

4 – الحق أن مؤلفات أبي الوليد توجد في العبرية أيضا، وانظر في هذا الصدد الأب “موريس بويج” في كتابه الشهير عن ابن رشد والصادر في بيروت عام 1921 بعنوان:

Inventaire des textes arabes d’Averroés in, Mélange de l’universitéJoesef, Berouth, 1921.

5 – في هذا الشأن انظر المرحوم جمال الدين العلوي، المتن الرشدي، الطبعة الأولى، توبقال، البيضاء، 1986، ص 127/193.

6 – أرنست رينان، ابن رشد في العلاقات بين الدين والفلسفة، باريز 1909.

8 – ميغيل أسين بالاسيوس، الرشدية اللاهوتية للقديس توماس الأكويني، سرقسطة، 1904.

ندوة “العرب والعولمة”

مركز دراسات الوحدة العربية.

بيروت. 18-20 دجنبر1997

تقرير: ع. ب

عقد مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ندوة فكرية كبرى حول موضوع “العرب والعولمة” خلال أيام 18-19-20 ديسمبر 1997. شارك في الندوة زهاء ثمانين باحثا عربيا من مختلف الاختصاصات ومن مختلف الانتماءات القطرية ناقشوا في سبع جلسات تسع أوراق، واثنين وعشرين تعقيبا عليها، أنجزها باحثون بتكليف من المركز.

بعد افتتاح الندوة بكلمة المدير العام للمركز الدكتور خير الدين حسيب شددت على أهمية الموضوع والإشكاليات التي يحتويها برنامج جلسات الندوة، عقدت الجلسة الأولى في المحور النظري، برئاسة ليلى شرف، وقدم فيها مجدي حماد بحث السيد يسين (مصر) “في مفهوم العولمة”، ثم عقب عليه كل من سيار الجميل (العراق) وطلال عتريسي (لبنان) وعمرو محيي الدين (مصر) لتفتح في أعقاب ذلك مناقشة عامة للورقة والتعقيبات.

وعرضت في الجلسة الثانية التي خصصت لمحور العولمة والتطور التقاني ورقة أنطوان زحلان (لبنان) وعقب عليها كل من أسامة الخولي (مصر) وعبد الاله الديوه جي (العراق) ومحمد عارف (العراق) ومحمود عبد الفضيل (مصر) وحسن الشريف (فلسطين) وأدارها أحمد صدقي الدجاني.

كما تناولت الجلسة الثالثة محور العولمة والدولة فقرئ بحث جلال أمين (مصر) في الموضوع، وعقبت عليه كل من موصف الحمود (الكويت) ونيفين مسعد (مصر).

وخصصت الجلسة الرابعة لبحث بول سالم (لبنان) في موضوع “الولايات المتحدة والعولمة”، وتعقيب محمد محمود الإمام (مصر).

واهتمت الجلسة الخامسة التي أدارها محمد جابر النصاري (البحرين) بتناول محور العولمة والهوية الثقافية فقدم فيها محمد عابد الجابري بحثا بعنوان “العولمة والهوية الثقافية: عشر أطروحات”، كما قدم فيها عبد الإله بلقزيز بحثا بعنوان “عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة؟”، في حين عقب على البحثين كل من فهمية شرف الدين (لبنان) ومحمود عوض (مصر) ونبيل التجاني (لبنان).

وتناولت الجلسة السادسة محور “العولمة والاقتصاد والتنمية” قدم فيه اسماعيل صبري عبد الله بحثا بعنوان “العرب والكوكبة” وعقب عليه كل من حازم ببلاوي (مصر) وسمير المقدسي (لبنان).

أما الجلسة السابعة والأخيرة فقد انصرفت إلى التفكير في سؤال: ما العمل؟ وقدم فيها محمد الأطرش (سورية) بحثا في السؤال عينه عقب عليه كل من خلدون حسن النقيب (الكويت) وشفيق الأخرس (سوريا) ومحمد إبراهيم منصور (مصر) ومهدي حافظ (العراق)، وأدار الجلسة منح الصلح (لبنان).

لم تتمكن الندوة من مناقشة بحث عزمي بشارة (فلسطين المحتلة) حول “إسرائيل والعولمة” بسبب عدم السماح له بدخول الأراضي اللبنانية، كما أن اثنين من المشاركين ببحث حالت أوضاعهم دون مشاركتهما في الندوة فقرئت ونوقشت ورقتاهما في غيابهما.

وقد شهدت جلسات الندوة نقاشا ساخنا أحيانا حول عديد من القضايا المثارة في الأوراق أو في التعقيبات المكتوبة عليها، بينما ظل الحوار يراوح على هامش قضايا أخرى مركزية بسبب جدة الموضوع على الوعي العربي وما ينطوي عليه من تعقد ناجم عن تعدد وتداخل أبعاد ظاهرة العولمة.

وفي كل الأحوال يسجل مركز دراسات الوحدة العربية كعادته ريادة جديدة في مضمار المبادرة لعرض جديد للتحولات الكونية على نظر المفكرين والباحثين في أفق تنمية أسئلة أدق وبناء تراكم علمي حولها.