مجلة حكمة
بيتر أبيلارد

بيتر أبيلارد

الكاتببيتر كينج وأندرو أرلينج
ترجمةمنال محمد خليف
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول بيتر أبيلارد؛ نص مترجم لد. بيتر كينج وأندرو أرلينج، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


كان بيتر أبيلارد Peter Abelard (1079-21 نيسان 1142) [“أبيلارد” أو “أبيلارد” أو “هابالارز” وما إلى غير ذلك] فيلسوفاً ولاهوتياً بارزاً في القرن الثاني عشر. وهو معلم لأبناء جيله وعُرف أيضاً كشاعرٍ وموسيقي، وله الفضل في إيصال التقليد اللاتيني الأصلي في الفلسفة إلى مكانةٍ مرموقة بإحيائه لـ فلسفة أرسطو. وبرزت عبقريته في كلّ ما قدمه، ويمكن القول: إنَّه أعظم منطقي في العصور الوسطى، وعُرف بالقدرِ ذاته كأول فيلسوف اسمي عظيم. حيث دافع عن استخدام العقل في مسائل الإيمان (أول من استخدم “اللاهوت” بمعناه الحديث)، وكان تحليله المنهجي للعقائد الدينية رائعاً؛ نظراً لتعمقه الفلسفي ودقته، ولجرأته. وبدا بالنسبة لمعاصريه مفعماً بالحياة، ولم ييتح لاحد أن يباريه في النقاش نظراً لنباهته وفصاحته وذاكرته المثالية وغطرسته التي لا حدود، وقال له المؤيدون والمنتقدون على حدٍ سواء: إنّه لم يخسر أيّ جدال، وأثّرت قوة شخصيته بشكلٍ واضح على كلّ من ارتبط به. وحولته علاقته الغرامية مع إلواز Héloïse إلى شخصيةٍ رومانسية مأساوية، وكان بطلاً من أبطال التنوير نتيجة معارضته لـبرنارد من كليرفو Bernard of Clairvaux فيما يتعلق بالعقل والدين. وكانت إنجازاته الفلسفية هي أساس شهرته وحياته كلها كانت مفعمة بالحيوية.


حياته وأعماله

1-1 الحياة

حياة أبيلارد معروفة إلى حدٍ ما، بالإضافة إلى ما تكشفه الأحداث التي أُرّخ لها في السجل العام عن حياته الداخلية في رسالة سيرته الذاتية Historia calamitatum [“تاريخ المِحنْ”] وفي مراسلاته الشهيرة مع إلواز.

ولدَ أبيلارد في طبقة النبلاء الأقل شأناً حوالي عام 1079 في “باليه”، وهي بلدةٌ صغيرة في بريتاني بالقرب من نانت. وتلقى تدريباً في سنٍ مبكرة على الحروف، وكرس نفسه للدراسة. وتُظهر كتاباته اللاحقة اطلاعه على شيشرون Cicero، وهوراس Horace وجوفينال Juvenal وأوفيد Ovid، ولوكان Lucan، وسينيكا Seneca، وفيرجيل Vergil. ولكن أبيلارد تخلى في نهاية المطاف عن ميراثه، بما في ذلك الفروسية المصاحبة له، لمتابعة الفلسفة. وكان له ذلك من خلال سفره من أجل الدراسة مع فلاسفة معروفين، أبرزهم روسلان Roscelin وويليام شامبو William of Champeaux..

وفي غضون العقد الأول من القرن الثاني عشر، شعر أبيلارد بالثقة الكافية لتعيين نفسه كمحاضر، أولاً في ميلون ثم في كوربيل، وتنافس بشكلٍ رئيسي مع ويليام شامبو (باريس) من حيث الطلاب والسمعة. وبذل جهداً أكثر من اللازم، فتدهورت صحته وعادَ إلى بريتاني لعدة سنوات.

وعاد أبيلارد إلى باريس فيما بين عامي 1108 و1113 وهو بصحةٍ جيدة وذو طموح عالٍ. وحضر محاضرات ويليام شامبو، وأقحمَ نفسه في مناظرة مع ويليام حول مشكلة الكليات. ووفقاً لتقرير أبيلارد، فقد تفوق على معلمه في المناظرة، واكتسب سمعته كجدلي ذائع الصيت، ودرّس في العديد من المدارس. وحوالي عام 1113 قرر دراسة اللاهوت، وبحث عن المعلم الأبرز لعلم اللاهوت في عصره، أنسلم من لاون Anselm of Laon (لا ينبغي الخلط بينه وبين أنسلم كانتربري)، وأصبح تلميذه. ولم يكن خياراً جيداً؛ إذ لم تكن مناهج أنسلم التقليدية تروق له، وبعد قليل من الأخذ والرد، عاد إلى باريس ليتابع الدراسة لوحده. وستكون هذه هي المرة الأخيرة التي يتتلمذ فيها على يد أيّ شخص.

وعند عودته إلى باريس، أصبح أبيلارد باحثاً مقيماً في نوتردام، وهو المنصب الذي شغله حتى قادت علاقته الرومانسية مع إلواز إلى إخصائه، ودخل على إثرها دير القديس دينيس، ودخلت إلواز دير أرجنتويل. وبعد تعافيه، استأنف التدريس في ديرٍ قريب، وفي المقام الأول عن اللاهوت وخاصة عن الثالوث. واعتبرَ منهجه في التحليل الفلسفي تحدٍ مباشر للطرق الأكثر تقليدية، وعُقد المجلس في سواسون لدراسة كتاباته، وأدانها وطلب منه أن يفصح على الملأ عن إيمانه، وهي تجربة وجدها مهينة. وبعد ذلك بفترة قصيرة أُتيح له الاستقرار في مكان غير مأهول، ليكرّس نفسه للتأمل.

ويقول أبيلارد: إنَّ الأمرَ لم يكن كذلك؛ حيث أجبره الفقر على استئناف التدريس. ونظّم بمساعدة الطلاب الذين توافدوا عليه بأعدادٍ هائلة خطاباً نثرياً باسم (المعزي أو الشفيع أو الروح القدس Paraclete)، واستمر في الكتابة والتدريس والبحث. وانتهى من هذه القصيدة القصصية الملحمية (idyll) حوالي عام 1126، حينما لبى دعوة ليصبح رئيس دير القديس غيلداس دي رويس في بريتاني. وبعد ذلك بفترةٍ قصيرة سلّم الخطاب النثري إلى إلواز والراهبات الأخريات، اللواتي تعرض ديرهن للمصادرة. ووجد أبيلارد أنَّ رهبان القديس غيلداس ذو مزاج معقد ومعيقين – بل وجسورين – ويدعي وجود عدة محاولات لاغتياله أثناء إقامته. وكتب خلال هذه الفترة “تاريخ المِحنْ” وتراسل مع إلواز.

وبحلول منتصف الثلاثينيات 1130 مُنح أبيلارد الإذن بالعودة إلى باريس (مع الاحتفاظ برتبته كرئيس للدير) والتدريس في المدارس في مونت سانت جينيفيف. وخلال هذا الوقت، لفتت أطروحاته اللاهوتية انتباه برنارد كليرفو، الذي اعترض على بعض استنتاجاته وكذلك على نهجه في مسائل الإيمان. وبعد محاولات عديدة غير حاسمة لحل خلافاتهما، طلب أبيلارد من رئيس أساقفة سينس ترتيب مناقشة علنية بينه وبين برنارد في3 حزيران 1140، لتسوية خلافاتهما. ورفض برنارد الدعوة في البداية من باب أنَّه ينبغي ألا يناقش المرء مسائل الإيمان، لكنه قبلها بعد ذلك، ورتّب من دون معرفة أبيلارد لعقد لجنة تحقيق أخرى لمراجعة أعماله بتهمةِ الهرطقة. وعندما اكتشف أبيلارد أنَّها لم تكن مناظرة بل محكمة صورية وغير عادلة، رفض المشاركة، معلناً عن نيته في الاستئناف إلى البابا مباشرة. وانسحب من الإجراءات وشدّ الرحال إلى روما. وأدان المجلس تسعة عشر قضية ادعى أنَّه وجدها في أعماله وأرجأها. وأطلق برنارد حملةً ناجحة لتقديم التماس إلى المحكمة البابوية قبل أن يخرج أبيلارد من فرنسا. ووصلت رسالة من البابا تؤيد قرار مجلس سواسون إلى أبيلارد أثناء وجوده في كلوني، وطُلب منه الصمت. ولاعتبارات كثيرة، امتثل على الفور، حتى أنَّه عقد اجتماعاً ودياً مع برنارد لتسوية الخلاف. وكتب بطرس المبجل، وهو رئيس دير كلوني، إلى البابا عن هذه الأمور، ورفع البابا العقوبة عن أبيلارد الذي بقي تحت حماية بطرس المبجل أولاً في كلوني، ثم القديس مارسيل، حتى تدهورت صحته تدريجياً، وتوفي في 21 نيسان 1142. ووريَّ الثرى عند الروح القدس، وهو اليوم (مع إلواز) في مقبرة بير لاشيز في باريس.

وكان تلامذة أبيلارد نشيطين كملوك وفلاسفة وشعراء وسياسيين ولاهوتيين ورهبان. ومن بينهم ثلاثة باباوات والعديد من رؤساء الدول. وكانت الدلالات الصريحة على تفكير أبيلارد في نهاية العصور الوسطى قليلة، وعلى الأرجح بسبب التعتيم الذي ألقاه عليه حكم مجلس سواسون، ولكن من الواضح أنَّ له تأثيرٌ أساسي على فلسفة القرن الثاني عشر وربما على تكهنات القرن الرابع عشر اللاحقة أيضاً.

 1-2- الأعمال

لا تزال تواريخ التأليف وحتى عدد كتابات أبيلارد غامضة إلى حدٍ كبير، ومثار جدلٍ بين العلماء. ومن أسباب ذلك هو مراجعة أبيلارد باستمرار وإعادة كتابته، بحيث يمكن تداول عدة نسخ متميزة من عمل معين، والسبب الآخر هو أنَّ العديد من كتاباته قد تمثل “ملاحظات تعليمية” تتطور باستمرار أثناء الدروس والندوات. وبالتالي ليس من الواضح أنَّ “تاريخ التأليف” مفهوم محدد جيداً عند تطبيقه على متن عمله الذي نمتلكه الآن. وبصرف النظر عن مراسلاته، والتي يمكن تأريخها بدقة نسبية، فإنَّ عمله الحالي ينقسم إلى ثلاث فئات.

تتكون الفئة الأولى من أعماله عن الديالكتيك أو الجدل – تناولت الكتب المنطق وفلسفة اللغة والميتافيزيقيا وفلسفة العقل. وروائعه هما:

  • مكونات المنطق “المنطق” (بدءاً من الكلمات “لأولئك الذين يبدأون …”).
  • – ” الجدل”.

ويعقب هذين العملين كتاب نمط المنطق القديم، أو “المنطق القديم” الموروث من العصور القديمة: “مقدمة بورفيري لأرسطو”، “إيساغوجي”. وكتابي أرسطو “المقولات”  و”العبارة”. و”مقدمة في القياس المنطقي الفئوي عند بوثيوس Boethius”، و”الأقيسة المنطقية الفئوية”، و”الأقيسة المنطقية الفرضية”، و”اختلاف الموضوع”، و”عن القسمة”. وتتناولت أعماله المواد المقدمة في “المنطق القديم”، على الرغم من أنَّها تناولتها بطرق مختلفة.

 وكان كتابه “الحدود المنطقية”  “Logica Compinibus” تعليقاً نصياً محكماً على المنطق القديم، على الرغم من إحياء بعضاً منه فقط، أي التعليقات على “إيساغوجي”، و”المقولات”، و”العبارة”، و”الفروقات الموضعية”. ويمثل كتابه “الجدل” أطروحةً مستقلة عن الجدل تتناول المادة ذاتها موضوعياً، على الرغم من عدم الحفاظ على البداية (التي تحيط بـ إيساغوجي وبداية المقولات) ولا على النهاية (على القسمة والتعريف). بالإضافة إلى ذلك، هناك أربعة أعمال تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد كتاب الجدل:

  • مقدمات المنطق.
  • “المنطق” (بدءاً من الكلمات “بناء على طلب أصدقائنا …”).
  • رسالة في التفاهمات
  • آراء السيد بيتر

وتبدأ أولاً بسلسلة من التعليقات الأولية على المنطق القديم (على الرغم من عدم الاحتفاظ بها بالكامل مرة ثانية)؛ وقد اعتقد بعض العلماء نتيجة مستواها البسيط بأنَّها تعود إلى كتابات أبيلارد الأولى، ولم ينسبها البعض الآخر بالمطلق إلى كتبه. وثانياً: يمثل “المنطق” (بدءا من الكلمات “بناء على طلب أصدقائنا) جزءاً من عمل قيد التنفيذ، ويفترض معرفة المنطق “المكونات” السابق لـأبيلارد ويناقش النقاط المتقدمة التي لم يتناولها فيه، ولكنه أيضاً عبارة عن إعادة صياغة مباشرة أو تعليق مباشر على إيساغوجي لبورفيري، ويشبه في بعض جوانبه من حيث السياق بعض أعمال أبيلارد الأخرى، ويُظهر معرفةً ما باللاهوت. ويتناول العمل الثالث المفاهيم، أو “التفاهمات”، من وجهة نظر المنطق (كما يقدم معاني المصطلحات تقريباً) والعقل من وجهة نظر فلسفة (كوسائل للمحتوى العقلي). وقد لا يكون العمل الأخير أكثر من تقريراً لبعض محاضرات أبيلارد، حيث يهتم بالألغاز المنطقية والميتافيزيقية المتعلقة بالكل والأجزاء.

وتتكون الفئة الثانية من أعمال أبيلارد في الأخلاق:

  • علم الأخلاق، أو إعرف نفسك.
  • المقتطفات، “المحاورات” المعروف أيضاً باسم: ” حوار بين فيلسوف ويهودي ومسيحي”

ويقدم علم الأخلاق تحليلاً للقيمة الأخلاقية ودرجة الثناء على الفاعلين وأفعالهم أو لومهم. ويتطور في بداية الكتاب الثاني. وتمثل المحاورات جدل بين اثنين (بين الشخصيات التي تظهر لأبيلارد في الحلم) حول طبيعة السعادة والخير الأسمى، والفيلسوف الذي يدّعي أنَّه يتّبع الفطرة فقط، ويحاور أولاً اليهودي، الذي يتّبع الشريعة القديمة، ثم الفيلسوف المسيحي الذي يدافع عن الأخلاق المسيحية من وجهة نظر فلسفية. وكتب أبيلارد أيضاً كتاباً بسيطاً عن النصائح العملية لابنه:

  • قصيدة عن الاسطرلاب.

حيث وجِدت النصائح الأخلاقية والمشاعر البناءة في هذه السلسلة من الأشعار الموزونة.

وتتكون الفئة الثالثة من أعماله في اللاهوت الفلسفي. وتكرّس أعماله الرئيسية الثلاثة للتحليل الفلسفي للثالوث، والإصدارات العديدة التي تمثّل المراحل المتعاقبة من فكره وتجاربه في الأرثوذكسية (أعيد كتابة كلّ منها عدة مرات):

  • اللاهوت “الخير الأسمى” (الذي يبدأ بعبارة “الخير الأسمى…”).
  • اللاهوت المسيحي.
  • اللاهوت “المدرسي”، (الذي يبدأ بالكلمات “في المدارس …”).

ويبدو أنَّ النسخة الأولى من اللاهوت كانت العمل الذي أُدين في مجلس سواسون، وآخر عمل أدين في مجلس سينس، وكتب أيضاً العديد من التعليقات بالإضافة إلى هذه الأعمال الثلاثة التي تناولت مشكلات اللاهوت الفلسفي بشكل موضوعي، وهي:

  • تحليل الصلاة الربانية.
  • تحليل عقيدة الحواري.
  • تحليل الإيمان في العقيدة الأثناسية
  • – “هيكساميرون” تعليق على سفر التكوين 1-2: 25.
  • شروح على رسالة بولس الرسول إلى الرومانيين

وكانت التعليقات الثلاثة الأولى موجزة، لكن مناقشات أبيلارد للآيات الأولى من سفر التكوين ورسالة بولس كانت مستفيضة ومفصلة (الأخيرة ذات صلة أيضاً بنظرية أبيلارد الأخلاقية). وتناول أيضاً أسئلةً عن الإيمان والعقل في كتاب صغير:

  • “المناجاة”

وأدى هذا الحوار الباطني القصير، على غرار المناجاة عند أوغسطينوس، إلى جعل “بيتر” يتحدث عن الأمور مع “أبيلارد“. وأثارت إلواز أسئلة لاهوتية ذات طبيعة عملية أكثر في سلسلة من الأسئلة التي طرحتها نيابة عنه ونيابة عن راهبات الروح القدس أو الشفيع:

  • “قائمة مشكلات إلواز (وحلول أبيلارد) “.

وتتناول خطب أبيلارد وترانيمه ومرثياته (بكاءه) والقضايا العملية أيضاً. وأخيراً، ألّف أبيلارد عملاً لاهوتيا مؤثراً للغاية لا يحتوي على أيّ تكهنات نظرية على الإطلاق:

  • “مع وضد”.

حيث يجمع أبيلارد سلسلة من 158 سؤالاً، وكلّ منها مزود باقتباسات من آباء الكنيسة، وتنطوي على إجابة إيجابية (هو كذلك) عن السؤال وغيرها من الاستشهادات المتعلقة بآباء الكنيسة المنطوية على إجابة سلبية (ليس كذلك). ويبدو أنَّه لا يحاول التوفيق بين هذه الملاحظات غير المتناسقة، لكنه يضع في مقدمته قواعد للتحقيق التأويلي المناسب: ابحث عن الغموض، وتحقق من السياق المحيط، وارسم الفروق ذات الصلة، وما شابه ذلك.

ودوَّن طلاب أبيلارد وتلاميذه أيضاً العديد من وجهات نظره، على الرغم من أنَّ هذه المادة لم تُكتشف بدقة بعد. وهناك إشارات في أعماله الموجودة إلى كتبٍ أخرى لم نذكرها: “القواعد”، و”البلاغة”، وتعليق على ذو الكفل المكتوب في بداية دراسته في اللاهوت وغيرها. ومن الممكن العثور على بعض هذه الأعمال.

2- الميتافيزيقيا

تمثل ميتافيزيقا أبيلارد أول مثال عظيم على الاسمية في التقاليد الغربية. وفي حين أن وجهة نظره القائلة إنَّ الكليات مجرد كلمات (أسماء) تبرر التسمية، فإنَّ الاسمية – أو الأفضل أن نقول اللاواقعية؛ وهي السمة المميزة لميتافيزيقيا أبيلارد بأكملها. وكان غير واقعي ليس فقط فيما يتعلق بالكليات، ولكن أيضاً حول القضايا والأحداث والأزمنة الأخرى غير الحاضر، والأنواع الطبيعية، والعلاقات، والكل، والمكان المطلق، والمركبات تامة الشكل، وما شابه ذلك. إذ يرى أبيلارد أنَّ الفرد الملموس، بكلّ ثرائه وتنوعه، أولى بأن يرث العالم. وفضّل الشروحات المختزلة والذرية والمادية كلما أمكنه ذلك. وبذل جهداً كبيراً لكي يتلافى التجاوزات الميتافيزيقية لأسلافه ومعاصريه.

ويدافع أبيلارد عن أطروحته التي تفيد أنَّ الكليات ليست سوى كلمات من خلال القول: إنَّ الواقعية الأنطولوجية المتعلقة بالكينونات غير منطقية. ويرى بشكلٍ أدق، أنَّه لا يمكن أن يكون هناك أيّ كائن حقيقي في العالم يفي بمعايير بوثيوس للكلي، أي أنَّ الشيء الموجود ككل يشكّل في كثيرٍ من الأحيان جوهره (أي، جعل الفرد الموجود على ما هو عليه). ومن ثم، يخلص أبيلارد إلى أنَّ الكلانية ليست سمة أنطولوجية للعالم بل سمةً لغوية دلالية.

لنفترض أنَّ الكليات تمثل موضوعات العالم، بحيث يكون العنصر الواحد وذاته موجوداً تماماً في كلّ من سقراط والحمار في الوقت ذاته، مما يجعل كلّ منهما حيواناً بالكامل. ويشير أبيلارد إلى أنَّ الشيء ذاته، أي الحيوان، سيكون عقلانياً (بسبب دوره في تكوين النوع البشري) وغير عقلاني (بسبب دوره في تشكيل النوع حمار) في الآن ذاته. ولكن توجد رغم ذلك التناقضات في الشيء ذاته ككل في الآن ذاته، وهو أمرٌ مستحيل.

ورداً على التعقيب بأنَّ العقلانية واللاعقلانية غير موجودتين في الواقع في الشيء ذاته، يقدم أبيلارد رداً ذو شقين. أولاً: يرفض الادعاء بأنَّها موجودة فقط على نحوٍ محتمل. ويُبلغ عن كلّ نوع في الواقع بعكس ذلك، والجنس موجود بالفعل في كلّ منها ككل؛ وبالتالي يُبلغ عنه في الواقع من خلال الأضداد في نوعٍ واحد والآخر في الآخر؛ وبما أنَّها واحدة تماماً ومتشابهة في كلّ منها، يُبلغ عنها في الواقع من خلال الأضداد، وما ينتج من تناقض. ثانياً، يتعهد أبيلارد بإثبات أنَّ الأضداد ستكون موجودة ليس فقط في الجنس ولكن حتى عند الفرد ذاته؛ لأنَّ سقراط (حيوان)، وكذلك برونيلوس الحمار. ولكن من خلال اللزوم والتعدي – بما أنَّ كلّ منهما حيوان تماماً وبالكامل – فإنَّ سقراط هو برونيلوس، وبالتالي فهو عقلاني وغير عقلاني. وبعبارة أخرى، كلّ منها حيوان في الأساس، وعلاوة على ذلك عقلاني وغير عقلاني بشكلٍ أساسي.

وإذا اعترضنا على هذا المنطق الأخير، على أساس أنَّ الأفراد فريدون بحكم ميزاتهم غير الأساسية، فإنَّ أبيلارد يرد بأنَّ هذا الرأي “يجعل الأعراض سابقة على الجوهر”. أيّ أنَّ الاعتراض يفيد أنَّ الأشياء الفردية تكون فردية بحكم الميزات التي تميزها على نحوٍ مشروط، مما يخلط بين الأشياء وميزاتها.

ولكن الاحتمالات أفضل للواقعية إذا لم يُحددَ الكلي بشيءٍ واحد بل بمجموعة من الأشياء. ويشير أبيلارد إلى أنَّ المجموعات تأتي بعد (بعدية) أجزائها، وعلاوة على ذلك، لا تشترك المجموعة بين أجزائها بالطريقة التي يقال بها: إنَّ الكلي مشترك بين كثيرين. كما أنَّه لا يفيد في محاولة تحديد الكلي مع الجزئي بطريقة ما، ومثال على ذلك هو الادعاء بأنَّ سقراط بوصفه إنسان يؤخذ على أنَّه الإنسان الكلي. ويقول أبيلارد: إنَّه إذا كان الكلي هو الجزء حقاً، فإنَّنا مرتبطون بالنتيجة المتمثلة في أنَّ جزئيات مثل سقراط مشتركة بين الكثير أو أنَّ هناك العديد من الكليات مثل الجزئيات، وكلّ منهما لا معنى له.

ويخلص أبيلارد إلى أنَّ الكلانية مجرد سمة لغوية، وليست سمة من سمات العالم. وبتعبيرٍ أدق، يرى أنَّ الأسماء المشتركة (مثل “الحيوان”)، والأفعال، والأسماء السلبية (مثل “ليس سقراط”) يمكن التنبؤ بها بشكلٍ صحيح من بين العديد من الأسماء، وبالتالي تعتبر كليات. وتكون هذه المصطلحات عامة من الناحية الدلالية، بما أنَّ معناها ينطبق على أكثر من شيء واحد، لكنها لا تُسمي بالتالي شيئاً عاماً ما. وتشير بدلاً من ذلك، وبشكلٍ توزيعي إلى كلّ فرد من الأفراد الذين ينطبق عليهم المصطلح. ومثال على ذلك مصطلح “الحيوان” له معنى “جوهر حي”، وهو عام بطبيعته، ويشير إلى كلّ حيوان مفرد على حدة؛ لأنَّ كلّ منهم جوهر حي – كما يقول أبيلارد: لأنَّ لكلّ منها وضع كونه جوهر حي. ولكن هذا يفسح في المجال للميتافيزيقيا بسبب الدلالات. انظر مناقشة فلسفة أبيلارد في اللغة في القسم 4.

ويؤكد أبيلارد أنَّ كلّ ما في العالم باستثناء الله والملائكة يكون إما صورة أو مادة أو مركب من الصورة والمادة. ومادة الشيء هي ما يُصنع منها، سواء كانت قائمة في المنتج النهائي (مثل الطوب في المنزل) أو مستغرقة فيه (كدقيق في الخبز). وتتكون جميع الكائنات المادية في نهاية المطاف من العناصر الأربعة: التراب والهواء والنار والماء، لكنها لا تحتفظ بصورها الأولية في معظم المركبات. وشكل الكائن المادي مكوّن بشكلٍ عام من أجزائه المادية: “نحن نسمي الصورة بدقة ما يأتي من تكوين الأجزاء”. ومثال على ذلك صورة التمثال، وهي شكله الذي ليس سوى تنظيماً لمادته – منحنى الأنف، وحجم العينين، وما إلى ذلك. وبالتالي فإنَّ الصور تابعة للمادة، وليس لها مكانة أنطولوجية مستقلة عنها. وهذا لا يعني إنكار وجود الصور بل تقديم شرحٍ معين لما نعنيه بتلازم الصورة لموضوع معين، أي أنَّ مادة هذا الموضوع قد تكونت بطريقةٍ معينة. ومثال على ذلك تلازم الصورة في التمثال هي طريقة تنسيق البرونز. وبالتالي فإنَّ الأشياء المادية متطابقة مع ما تُصنع منه – باستثناء واحد هم البشر الذين تكون صورهم أنفسهم غير مادية (وخالدة). وبالمعنى الدقيق للكلمة، بما أنَّ النفوس البشرية يمكن أن توجد باستقلال عن الجسد، فهي ليست صوراً على كلّ حال، على الرغم من أنَّها تفيد كأشكالٍ جوهرية طالما أنَّها مرتبطة بالجسد.

وتكوّن المركبات المادية من الصورة والمادة، باستثناء البشر، كلٌّ متكامل يتكون من أجزائه المادية المنفصلة كما تكونت بطريقة معينة. ويؤيد أبيلارد أنواعاً كثيرة من المجموعات المتكاملة: المجموعات، بغض النظر عن كيفية اختيار أعضائها، والمواد المركبة، سواء كانت موحدة بشكلٍ طبيعي (مثل سقراط وأطرافه) أو موحدة بشكلٍ مصطنع (مثل جدران المنزل وأرضيته وسقفه)؛ الكميات المتصلة التي هي “جواهر” مادية متجانسة، أي المواد الخام، مثل الماء أو الذهب؛ وموضوعات هندسية، مثل الخطوط، محددة بالموضع النسبي لأجزائها، والكليات الزمنية، مثل اليوم والساعات التي تشكله. ومعظم هذه الكليات لا شيء يتجاوز أجزائها المادية من الناحية الأنطولوجية. ويعتمد ما إذا كانت المواد المركبة لها أيّ مكانةٍ أنطولوجية مستقلة على حالة صورها المنظمة.

ولم تكن نظرية أبيلارد عن الكليات التامة جوهرياً مجرد علم قياس بالمعنى الحديث؛ لأنَّه يرى أنَّ هناك تقسيمات متميزة: فكما ينقسم الجنس تماماً ليس فقط إلى كلّ نوع بل إلى أنواعه القريبة، كذلك يجب أن يكون تقسيم الكل إلى أجزائه الرئيسية. وتمتلك بعض الكليات بشكلٍ حدسي، تقسيماً طبيعياً له الأسبقية على غيره. فالجملة على سبيل المثال، مقسمة إلى كلمات ومقاطع وحروف، بهذا الترتيب بالضبط. ووفقاً لـأبيلارد، يؤدي اقتران الأجزاء الرئيسية بالكل على الفور إلى الكل التام. ويبدو أنَّه يقصد أنَّ طبيعة المركب (إن وجد) الذي يحدد الكل التام توضح أيضاً أجزائه الرئيسية. حيث يتكون المنزل من أرضية وجدران وسقف مجمعة بطريقة صحيحة. والسؤال متاح عمّا إذا كان كلّ جزءٍ رئيسي (مثل الجدار) يفترض وجود جميع أجزائه الفرعية (كلّ لبنة). فالأجزاء الرئيسية من المجموعة على سبيل المثال، ليست سوى كلّ عضو من أعضاء المجموعة، مهما كان الحال مع الأجزاء الفرعية لأيّ عضو معين؛ حيث تمثّل الأجزاء الرئيسية من التجميع الأعضاء الموجودة بالقرب من بعضها البعض.

إذ يمتلك الأفراد طبائع، وينتمون بحكم طبيعتهم إلى أنواعٍ طبيعية محددة. لكن طبيعة الفرد ليست شيئاً مشتركاً حقاً مع أفراد آخرين. وأظهر دحض أبيلارد للواقعية أنَّ هذا مستحيل، ولكنه يعتبر أنَّ النوع الطبيعي يمثل مجموعة محددة جيداً من الأشياء التي لها الميزات ذاتها، أي ما يجعلها على ما هي عليه. ويُفسر سبب احتواء شيء معين على بعض الميزات بدلاً من غيرها بطريقة حدوثها على هذا النحو – تؤدي العمليات الطبيعية التي أوجدته إلى امتلاكه للميزات التي يتمتع بها، أي كونه من هذا النوع الذي هو عليه. وتؤدي عمليات مماثلة إلى نتائج مماثلة. وتوضح هذه القراءة، أنَّ الأنواع الطبيعية ليس لها وضع خاص. فهي ليست سوى كليات تامة منفصلة، ومبدأ عضويتها هو التشابه، مما يعكس فقط حقيقة أنَّ العالم مقسم إلى فئات من الأشياء المنفصلة المتشابه. وعلاوة على ذلك، فإنَّ علاقات التشابه الحقيقية هذه ليست في حدّ ذاتها بمنأى عن الأشياء المتشابهة. ومن المفترض أن يكوّن التقسيم إلى أنواع طبيعية “حقيقة ضحلة” عن العالم: حيث كان من الممكن أن تكون الأمور على خلاف ذلك، لولا أن رتبها الله بطريقةٍ مختلفة. وقد تكون النار باردة، والأجسام الثقيلة تسقط إلى أعلى، والضفادع ذات عقل. وإذا كانت هذه القوى السببية مختلفة، فقد تكون الأنواع الطبيعية مختلفة أيضاً، أو ربما لم تكن متباينة بشكلٍ دقيق كما هي الآن. وبالنظر إلى الأمور على ما هي عليه، فإنَّ الأنواع الطبيعية تقطّع أوصال العالم، لكن تلك الأخيرة اختارها الله.

3- المنطق

كان أبيلارد أعظم منطقي في العصور القديمة؛ حيث ابتكر منطق القضايا – دالة الصدق البحت، مدركاً التمييز بين القوة والمحتوى الذي نربطه بـجوتلوب فريجه Frege، وقدم نظرية كاملة للتضمّن أو اللزوم المنطقي إضافة للدوال في الحجة (والتي نعتبرها الآن نظرية النتيجة المنطقية). وانتقد نسقه المنطقي كونه يتناول الاستدلال الموضوعي، ولكن هذا لا يمنع اعترافنا بإنجازاته.

ولاحظ أبيلارد أنَّه يمكن التعبير عن محتوى القضية ذاته بقوة مختلفة في سياقات مختلفة؛ إذ يُعبر عن المحتوى الذي يوجد فيه سقراط في المنزل في تأكيد “سقراط في المنزل“؛ وفي السؤال “هل سقراط في المنزل؟”؛ وفي الأمنية “لو كان سقراط فقط في المنزل!” وهلم جرا. ومن هنا تمكن من أن يميز على وجه الخصوص القوة الحازمة للجملة عن محتواها الفرضي، وهو تمييزٌ يسمح له بالإشارة إلى أنَّ الجمل المركبة في عبارة شرطية غير مؤكدة، على الرغم من أنَّها تحمل المحتوى ذاته الذي تتضمنه عند تأكيدها – “إذا كان سقراط في المطبخ، فإنَّ سقراط في المنزل” لا تؤكد أنَّ سقراط موجود في المطبخ أو أنَّه في المنزل، لا المقدم ولا التالي، على الرغم من أنَّ شكل الكلمات ذاته يمكن أن يُستخدم خارج نطاق الشرط لتقديم مثل هذه التأكيدات. وبالمثل، يسمح التمييز لـأبيلارد بتعريف النفي، وغيره من روابط القضية، والصدق الدلالي البحت من حيث المحتوى، بحيث نتعامل مع النفي على سبيل المثال، على النحو التالي: ليست p كاذبة / صادقة إذا كانت وفقط إذا كانت p صادقة / كاذبة.

ويرى أبيلارد أنَّ أساس نظرية الحجة قائمٌ في الاستدلال الذي يُفضَّل تقديمه على أنَّه “تضمُّن”؛ لأنّهَ يفترض أن تكون العلاقة بين القضايا المعنية ضرورية وذات صلة. أي أنَّ الاستنتاج المفترض بمعنى العبارة (العبارات) السابقة وبشكلٍ أدق معنى العبارة الأخير لا يمكن أن يكون خلاف ذلك. وغالباً ما يتحدث أبيلارد عن معنى “احتواء” العبارة الأخيرة بمعنى العبارة (العبارات) السابقة، بقدر ما نتحدث عن الاستنتاج الوارد في المقدمات. ويكون التضمُّن كاملاً (تاماً) عندما يكون قائماً بحكم الصورة المنطقية (المركب) للقضايا المعنية. ويخبرنا أبيلارد أنَّه يقصد بذلك أنَّ التضمُّن ينطبق على أيّ استبدال موحد من حيث حدوده، وهو المعيار المرتبط الآن ببولزانو Bolzano. كما أنَّ الأشكال والأنماط الأربعة التقليدية للقياس المنطقي مستمدة من أرسطو، وعقيدة القياس الفرضي المستمد من بوثيوس، كلّها حالات من اللزوم التام، أو كما ينبغي أن نسميه: “الاستدلال الصحيح”.

وهناك طريقة أخرى يمكن أن تكون فيها الاستنتاجات ضرورية وذات صلة بمقدماتها، ولكنها لا تكون صحيحة صورياً (لا يكون لزوماً تاماً). وقد يكون التضمّن الضروري بين القضايا، والعلاقة بين معانيها، دلالة على الحقائق الميتافيزيقية غير الصورية الموجودة في جميع العوالم الممكنة. ومثال على ذلك، “البشر نوع من الحيوانات”، وبالتالي فإنَّ النتيجة “إذا كان سقراط إنسان، إذن سقراط حيوان” تحمل ضرورة ومعنى التضمّن الذي يفرض ذلك الاستنتاج، لكنها ليست صحيحة صورياً بموجب الاستبدال الموحد. ويأخذ أبيلارد حالات التضمّن غير التام هذه للاحتفاظ بها وفقاً لنظرية الموضوعات (على أنَّها أشكالاً لما يُسمى الاستدلال الموضوعي). وتكون صحة الاستدلال البسيط أعلاه مؤيدة من خلال موضوع “الأنواع”، وهي مجموعة من العلاقات الميتافيزيقية التي يُعبَّر عن أحدها في القاعدة “أيا كان النوع الذي يُحمل عليه، فكذلك الجنس” الذي يكوّن القوة الاستدلالية للتابع. وأكد أبيلارد خلافاً لـبوثيوس أنَّ القواعد الموضوعية ضرورية فقط للتضمّن غير التام، وتكون غير ضرورية على وجه الخصوص في تأكيد صحة الأنماط التقليدية من القياس المتعلق بالمقولات والافتراض المذكور في الفقرة السابقة.

ويبذل أبيلارد قدراً كبيراً من الجهد لاستكشاف تراكيب نظرية الاستدلال الموضوعي، وخاصة رسم العلاقات الدقيقة بين الجمل الشرطية والحجج وما يسميه “الجدل” (تقريباً ما يلي من المقدمات المقبولة). ومن النتائج المذهلة لبحثه هي إنكاره لوجود روابط بين نظرية الاستنباط، مؤكدا أنَّ الحجة الصحيحة ليس من الضروري أن تتوافق مع جملة شرطية مقبولة، ولا على العكس من ذلك، لاختلاف المتطلبات المتعلقة بالحجج والجمل الشرطية.

وفي النهاية، يبدو أنَّ مبادئ أبيلارد عن الاستدلال الموضوعي غير صالحة، وأصبح من الواضح في الحقيقة فيما يتعلق بموضوع “الأضداد” أنَّ مبادئه تؤدي إلى نتائج غير متسقة، وهي نتيجةٌ أشار إليها ألبيريك من باريس Alberic of Paris. وأدى ذلك إلى أزمةٍ في نظرية الاستدلال في القرن الثاني عشر، حيث حاول أبيلارد أن يتهرب من المعضلة ولكن دون جدوى. ويبدو أنَّ هذه المناقشات قد حدثت في الجزء الأخير من الثلاثينات 1130، حيث كان على وشك الدخول في صدام مع برنارد، ولكنه انشغل في موضوعٍ آخر.

 4- فلسفة اللغة

يُخصص جزءٌ كبيرٌ من فلسفة أبيلارد في اللغة لتحليل طريقة تعبير معين أو فئة معينة من الدلالات التعبيرية بشكلٍ منطقي، وسبب تحديد الكلمات للكميات، ومن ضمنها النفي، وما شابه ذلك، بحيث يطبق المنطق الذي وصفناه أعلاه. ولذلك يعتمد على القسمة التقليدية المستمدة من أرسطو الذي ينظر إلى المقولات اللغوية الرئيسية كالاسم والفعل ودمجها في الجملة.

ويعتبر أبيلارد أنَّ الأسماء كلمات بسيطة ذات أهمية اصطلاحية، لا تعود إلى زمن. ومن الواضح جداً أن هناك مجموعة واسعة من الأسماء: الأسماء الملائمة والشائعة، والصفات والظروف، والضمائر سواء كانت شخصية أو تتعلق بالملكية أو فعل منعكس أو نسبي؛ وعلامات التعجب المألوفة مثل “الخير!”؛ ويمكن القول: إنَّ حروف العطف وحروف الجر (على الرغم من افتقارها إلى دلالة محددة)، إلى جانب النعوت والجمل الفعلية (التي لها زمن). وغالباً ما كان أبيلارد يتناول الأسماء المركبة مثل “عامل النظافة” بشكلٍ مقتضب. ومع ذلك، فإنَّ قائمته لم تكن عامة بما يكفي لفهرسة جميع التعبيرات الدلالية. إذ يتحول قسم كبير من مناقشته لدلالات الأسماء إلى حالة معينة ترمز إلى البقية؛ أي الأسماء الشائعة. وهذا هو جوهر مشكلة الكليات، وما يخلقه من صعوباتٍ خاصة للدلالات.

وعندما يطرح أبيلارد ادعاءه بأنَّ الكلانية ليست سوى ظاهرة لغوية، بمعنى أنَّ الكليات “ليست سوى كلمات”، يعترض على أنَّه ما لم تكن الأسماء الشائعة هي أسماء العناصر المشتركة، فإنَّها ستكون خالية من المعنى، وبالتالي فإنَّ وجهة نظره ليست أفضل من وجهة نظر معلمه روسلان (الذي رأى أنَّ الكليات كانت مجرد تجشأ). وفي رده عليه يميز أبيلارد بوضوح بين خاصيتين دلاليتين يسميهما الخاصة: دلالة (التعيين)، وهي مسألة تتعلق بما ينطبق عليه الحد؛ ودلالة المعنى؛ أي بما يحدثه سماع الحد في الذهن، أو بشكلٍ أدق المحتوى المعرفي للمفهوم الذي تعنيه الكلمة، وهو مفهوم سببي. وبعض الملاحظات حول كلّ منها بالترتيب.

وتشير الأسماء سواء كانت ملائمة أو شائعة إلى الأشياء بشكلٍ فردي أو على نحوٍ منفصل. ويرتبط الاسم بآخر كما لو كان هناك شخص ابتكر الاسم لتسمية شيءٍ معين أو نوع من الأشياء، وهي عملية تُعرف باسم “الوجوب أو الفرضْ” (على غرار تسمية آدم للحيوانات في تكوين 2: 19)، بدلاً من المعمودية. ولا يفترض هذا البناء العقلاني للدلالة ألا تكون لدى الشخص الذي يفرض الاسم “المودع”، أيّ نية غير محددة لاختيار الشيء أو نوع الشيء، مهما كانت طبيعته.

ويقصد مخترع [الأسماء] أن يفرضها وفقاً لبعض الطبائع أو الخصائص المميزة للأشياء، حتى لو كان هو نفسه لا يعرف كيف يفكر بشكلٍ صحيح في طبيعة الشيء أو خاصيته المميزة.

ويمتلك الاسم “تعريفاً من حيث طبيعة فرضه، حتى لو كنا لا نعرف ما هو”. وبعبارة حديثة، يحمل أبيلارد نظرية الدلالة المباشرة، حيث لا يكون امتداد الحد دالاً على معناه. وغالباً ما نجهل تماماً المحتوى المفاهيمي المناسب الذي يجب أن يرتبط جيداً بالحد المفروض.

ويدل الاسم الملائم – اسم لجوهر أولي – على فرد ملموس (هذا الشيء)، واختيار حامله كتميزٍ شخصي عن أيّ شيء آخر. ولذلك، فإنَّ الأسماء الملائمة عبارة عن تعبيرات مرجعية ذات دلالة مفردة، ومرتبطة ارتباطاً وثيقا بالفهارس والعروض التوضيحية والأوصاف المفردة (أو الحدود الوصفية). وعلى النقيض من ذلك تتحد الأسماء الشائعة دلالياً مع التعبيرات التي لها ما يسميه أبيلارد “دلالة الجمع”. وتشبه الأسماء الشائعة أسماء الجمع من ناحية أولى، فالاسم الشائع “رجل” هو مفرد نحوي ولكنه يفيد كمصطلح الجمع “رجال”؛ حيث يشير كلّ منها إلى كلّ رجل، على الرغم من أنَّ مصطلح الجمع يدل على الأفراد كجزء من مجموعة، في حين أنَّ الاسم الشائع ينطبق على كلّ فرد. وتشبه الأسماء الشائعة من ناحية أخرى، مصطلحات مثل “المثلث” أو “الزوج”، من حيث أنَّها تختار عدداً محدداً من الأفراد، ولكن فقط فيما يناسب الاستخدام؛ لأنَّ امتدادها متغير.

وبالتالي فإنَّ الاسم الشائع ينطبق على أفراد ملموسين، ولكن ليس لهم بوصفهم أفراد،  بل اختيار عدة أفراد لديهم طبيعة معينة؛ حيث تشير كلمة “بشر” إلى سقراط وأفلاطون، بحكم أنَّ كلّ واحد منهم يمثل بشراً. وهذه ليست ميزة مشتركة بأيّ نوع. فسقراط هو هو، أي الإنسان، وبالمثل أفلاطون هو هو، أي الإنسان أيضاً. ويذكر أبيلارد موقفه الارتدادي بوضوح في كتابه “مكونات المنطق”

وينبغي أن نبتعد الآن عن قبول الاتفاق بين الأشياء وفقاً لما هو عدم – كما لو أنَّنا يجب أن نتحد مع أشياء غير موجود الآن! – أي عندما نقول: إنَّ هذا [الإنسان] وذلك المرء يتفقان في الوضع البشري، أي في أنَّهما بشر. لكننا نعني بالضبط أنَّهما بشر ولا يختلفان في هذا الصدد – اسمحوا لي أن أكرر: [لا يختلفان] من حيث أنَّهما بشراً، على الرغم من أنَّنا لا نحتكم إلى أيّ شيء [في هذا الشرح].

ويكون سقراط وأفلاطون واقعيان، واتفاقهما متعين أيضاً، لكن لا ينبغي تفسيره باللجوء إلى أيّ شيء – ويتفقان فقط في أنَّ كلّ منهما إنسان. ويمتلكان من وجهة نظر ميتافيزيقية مكانة البشر ذاتها. وهذا لا ينطوي على أيّ مكون ميتافيزيقي مشترك، أو يراعي في الواقع أي مكونٍ على الإطلاق. وهذا هو المعنى الذي يوجد به “سبب مشترك” لفرض اسمٍ مشترك.

ونظراً لأنَّ كلّ دلالة لاحقة للمصدر، فإنَّ الأسماء لها دلالة أيضاً. ويرى أبيلارد أنَّ دلالة المصطلح هي المحتوى المعرفي للمفهوم المرتبط بالمصطلح عند سماعه، وفي مجرى الأحداث الطبيعي. وبما أنَّ الأسماء مهمة بشكلٍ تقليدي فقط، فإنَّ المفهوم المرتبط باسم معين يعتمد إلى حدٍ ما على التكييف النفسي لمستخدمي اللغة، والذي يستطيع أبيلار أن يتعامل بموجبه مع الدلالة على أنَّها فكرة سببية ومعيارية: يجب أن تخلق كلمة “أرنب” عند الناطقين الأصليين باللغة الإنجليزية تصوراً للأرنب عند سماعها. وهنا يؤكد أبيلارد أنَّ الدلالة مسألة تتعلق بالمحتوى المعلوماتي الذي يحمله المفهوم – مجرد ارتباطات نفسية، حتى الصور الذهنية المميزة لمفهوم معين، ليست جزءاً مما تعنيه الكلمة. وسوف يتطابق المفهوم من الناحية المثالية مع تعريف حقيقي يستحوذ على طبيعة الشيء، والطريقة التي يعتقد بها أنَّ “حيوان عاقل فان” هي التعريف الحقيقي لـ كلمة “الإنسان”، بغضِ النظر عن الميزات الأخرى المرتبطة به (الميزات الضرورية أيضاً مثل القدرة على الضحك) أو الصور السعيدة (لأنَّ أيّ صورة ذهنية للإنسان ستكون لشخص لديه ميزات محددة). ويمثل تحقيق مثل هذا الوضوح في مفاهيمنا عملاً مضنٍ بالطبع، ويتطلب فهماً لكيفية عمل الفهم بحد ذاته (أنظر مناقشة فلسفة أبيلارد للعقل في القسم 5). ومع ذلك، ينبغي توضيح نقطة في المثال، ألا وهي أنَّ دلالات بعض الأسماء، مثل تلك المطابقة للمصطلحات الطبيعية، تمثل “تجريدات” بمعنى أنَّها تتضمن فقط ميزات معينة للأشياء التي يشير إليها المصطلح. ومع ذلك، فهي لا تستبعد بشكلٍ إيجابي جميع الميزات الأخرى، وقادرة على تحديد المزيد من التعيين: “حيوان فان عاقل” كما يدل محتوى مفهوم “الإنسان” على جميع البشر، مهما كانت ميزاتهم الأخرى – طويل القامة أو قصير القامة، سمين أو نحيف، ذكر أو أنثى، وما إلى ذلك.

وما ينطبق على دلالات الأسماء ينطبق في الغالب على الكثير من الأفعال. والميزة التي تميز الأفعال عن الأسماء، أكثر من زمن الفعل أو التعبير عن الشخص نحوياً، هي أنَّ الأفعال لها قوة الربط (قوة الجمع). وهي ميزة الأفعال الأولية وغير القابلة للاختزال التي لا يمكن البتّ بها إلا عند ربطها بالأسماء بطريقة ملائمة نحوياً، مما يُذكّرنا بـ “عدم تشبّع” المفاهيم عند فريجة. وتتكون الجمل من أسماء وأفعال بطريقةٍ تجعل معنى الجملة بأكملها دالاً على معنى أجزائها. أي أنَّ دلالات أبيلارد هي في الأساس تركيبية بطبيعتها. وتكون تفاصيل كيفية عمل التكوين معقدة، كونه يتعامل مباشرة مع اللغة المعتادة (لاتينية) التي على الرغم من كلّ تكلفها، لا تزال لغة ثانية أصلية. وبالتالي هناك العديد من الظواهر اللغوية التي يضطر أبيلارد إلى تحليلها، ولا يُسمح بها ببساطة في إطار أكثر صورية.

ويلاحظ أبيلارد على سبيل المثال أنَّ معظم الأفعال يمكن أن تظهر كمحمولات بطريقتين، أي كشكل لفظي محدود أو كشكل اسمي مقترن برابط مساعد، بحيث يمكننا أن نقول: “يجري سقراط” أو “سقراط جاري”؛ وينطبق الشيء ذاته على المحمول المتعدي، على سبيل المثال “يتفق أفلاطون مع سقراط” و”أفلاطون متفق سقراط”.([1]) ويقول أبيلارد: إنَّ الصيغة اللفظية الخالصة للمحمول بشكلٍ عام هي الشكل الأساسي الذي يشرح ويوضح الصيغة الطويلة. وهذا الأخير ضروري للغاية فقط عند الافتقار للأشكال اللفظية البسيطة. (الفعل الموضوعي “هو” يفترض معاملة خاصة.) ومن هنا يقرر التحليل الأساسي للعبارة الحملية برأي أبيلارد، بأنَّ فئتين لغويتين مختلفتين اختلافاً جوهريا يرتبطان معاً: الاسم n والدالة اللفظية البسيطة V( )، مجتمعة  في الجملة النحوية V(n).

ويقول أبيلارد: يجب أن تدل الجمل (القضايا) على أكثر من مجرد فهم الاسم والفعل الأساسيين. أولاً: هناك جملة مثل “سقراط يجري” تتناول سقراط والجري، وليس فهم أي شخص. ونحن نتحدث عن العالم، وليس فقط فهم شخص ما للعالم. ثانياً: تكون جمل مثل “إذا كان شيءٌ ما إنساناً، فهو حيوان”، كاذبة إذا كانت تُعبّر عن التفاهمات؛ لكون الشخص يمكن أن يقبل مفهوم الإنسان دون أن يقبل مفهوم الحيوان، وبالتالي سيتحقق المتقدم دون ما يترتب على ذلك. ثالثاً: تمثل التفاهمات تفاصيل مضمحلة، ومجرد رموز عقلية للمفاهيم. ولكن بعض الجمل الناتجة تكون ضرورية على الأقل، ولا يمكن أن تستند الضرورة إلى أشياء عابرة، وبالتالي لا تستند إلى التفاهمات. ولذلك يجب أن تدل الجمل على شيء آخر بالإضافة إلى التفاهمات، وهو شيءٌ يمكن أن يفعل ما لا تستطيع مجرد التفاهمات القيام به. ويصف أبيلارد هذا بأنَّه يدل على ما تقوله الجملة، ويطلق على ما تقوله الجملة منطوقها (القول المأثور العام).

وقد تبدو إملاءات أبيلارد في نظر المستمع الفلسفي الحديث وكأنَّها قضايا، وكيانات مجردة حاملة للصدق والكذب الخالدين. ولكن أبيلارد لا علاقة له بأيّ من هذه الكيانات. ويعلن مراراً وتكراراً وبشكلٍ قاطع أنَّه على الرغم من كونها زائدة عن الجمل التي تعبّر عنها ومختلفة عنها، فإنَّ المنطوق ليس له أي مكانة أنطولوجية على الإطلاق. ويقول في جزءٍ صغير من فقرة واحدة: إنَّها “ليست أشياء حقيقية على الإطلاق” ويصفها مرتين بأنَّها “لا شيء على الإطلاق”. وهي تتضمن الجمل، لكنها ليست أشياءً حقيقية؛ لأنَّه على الرغم من أنَّ الجملة تقول شيئاً ما، إلا أنَّه لا يوجد ما تقوله. وتمثل الوظيفة الدلالية للجمل “قول شيء ما”، والذي لا ينبغي الخلط بينه وبين تسمية شيء أو الإشارة إليه. وهي بدلاً من ذلك مسألة افتراض كيف تسير الأمور، شريطة ألا يُعطى ذلك قراءة واقعية. وبالمثل، فإنَّ حقيقة الجمل الصادقة ليست خاصية ملازمة لكينونة خالدة، وليست أكثر من تأكيد ما تقوله الجملة – أي أنَّ أبيلارد يتبنى تفسيراً ارتدادياً للصدق. وتكون الجملة صادقة إذا كانت الأشياء تقف حجر عثرة أمام ما يُقال، وتجعل الأشياء الجمل صادقة أو كاذبة بحكم ما هي عليه (وكذلك بحكم ما تخبر به الجمل)، ولا يلزم شيءٍ آخر. وتكون جملة “يجري سقراط ” صادقة؛ لأنَّ سقراط يجري، وهو كلّ ما يمكن قوله أو من الضروري قوله.

5- فلسفة العقل

تقدم الفلسفة الأرسطية للعقل تحليلين للقصدية: إذ ترى نظرية المطابقة أنَّنا نفكر في كائنٍ ما من خلال وجود صورته في العقل، ونقدم نظرية التشابه من خلال وجود صورةٍ ذهنية في العقل تشبه الكائن بالطبع. ويرفض أبيلارد كلّ من هذه النظريات ويقترح بدلاً من ذلك نظرية ظرفية للفكر، مما يدل على أنَّه لا يلزم اعتبار أنَّ الصور الذهنية أو المحتويات العقلية مستقلة من الناحية الأنطولوجية عن العقل. ويقدم شرحاً سياقيا للقصدية يستند إلى تفسير لغوي للتمثل العقلي، معتمداً المبدأ التركيبي للفهم.

ويعتبر التحليل الأرسطي الأول أنَّ الفهم عبارة عن اكتساب العقل لصورة الشيء الذي يُفهم، من دون مادته. فأن يكون الفهم لشيء ما، ولتكن قطة على سبيل المثال، هو أن تنطبع صورة القطة في العقل أو النفس الفكرية. والتلازم القائم بين الصورة والمادة يجعل المادة شيئاً من نوع معين، بحيث ينتج عن تلازم صورة  القطة  في المادة قطة فعلية، في حين أنَّ التلازم (غير المادي) لصورة القطة في العقل تحيل العقل إلى فهم القطة: إذ يصبح العقل متطابق (صورياً) مع موضوعه. ونظراً لأنَّ “تمثّل” الفهم يُحلل على أنَّه شمول أو هوية للصورة في الفهم والشيء المفهوم، فقد نسمي هذا النهج نظرية مطابقة الفهم. وتستحوذ هذه النظرية على الحدس القائل: إنَّ الفهم يستلزم بطريقةٍ أو بأخرى أو يتضمن خصائص ما يُفهم، وذلك من خلال اختزال قصدية الفهم إلى الهوية الموضوعية للصورة في العقل والصورة في العالم.

ويعتبر التحليل الأرسطي الثاني أنَّ الفهم يمثل امتلاك العقل لتصور مماثل بطبعه، أو يشبه بالطبع، الموضوع الذي هو مفهوم له. وأن يتعلق الفهم بشيءٍ ما مثل القطة، هو أن يكون هناك مفهوم غامض في العقل يشبه القط الطبيعي. والدافع لوصف الشبه بأنَّه “طبيعي” يضمن أن يكون التشابه بين الفهم وما هو مفهوم موضوعياً، وأن يتمكن جميع الأشخاص من الحصول على المخزون ذاته من المفاهيم. (تقوم نظرية المطابقة بذلك عن طريق افتراض الوجود الموضوعي للصور في الأشياء ومن خلال عملية مماثلة في جميع الأشخاص في استيعابهم أو اكتسابهم للصور.) ويمكننا أن نسمي هذا النهج نظرية التماثل في الفهم: تُصنف الأفعال العقلية وفقاً لدرجة ونوع التشابه المتميزين لديها مع الأشياء المفهومة.

وتواجه نظرية التماثل مشكلات معروفة من حيث توضيح محتوى التشابه أو التماثل. ومن الواضح على سبيل المثال أنَّ المفهوم غير المادي، يختلف على هذا النحو اختلافاً جذرياً عن أيّ موضوع مادي. وعلاوة على ذلك، يبدو أنَّه لا توجد خاصية صورية لفعل عقلي يمكن القول بفضلها: إنَّه يشبه أي شيء آخر. وللتغلب على هذه الصعوبات، لجأ فلاسفة العصور الوسطى مثل التجريبيين البريطانيين بعد قرون إلى نوعٍ معين من التماثل، وهو التماثل التصويري. فصورة سقراط تمثله بحكم أنَّها تشبهه بصرياً بطرقٍ مناسبة. وكما أنَّ هناك صوراً تصويرية تتمحور حول موضوعاتها، كذلك هناك صوراً ذهنية تتمحور حول الموضوعات. وتشرح هذه الصور الذهنية، سواء كانت مفاهيم أو متضمنة في المفاهيم، الطريقة التي يكون بها المفهوم “حول” الموضوع. فأن يكون الفهم حول قطة هو أن تكون صورة ذهنية لقطة أو تحتوي عليها. وتُشرح ظاهرة “التمثّل” العقلي من خلال الحالة الأكثر شيوعاً للتمثّل التصويري، والتي تُختزل في حد ذاتها إلى علاقة تماثل حقيقية.

غير أنَّ نظرية المطابقة ونظرية التماثل ليستا متكافئتين على الرغم من تراثهما الأرسطي المشترك. حيث لا يكون تحول العقل من خلال تلازم صورة ما هو ذاته بالضرورة امتلاك العقل للتصور. وبالمثل، لا يلزم فهم التماثل أو التشابه الطبيعي على أنَّه هوية للصورة. ولا يجب أن تنطوي الهوية الصورية على تشابهٍ حقيقي، بسبب الموضوعات المختلفة التي تتجسد فيها الصورة.

والطريقة المعيارية للتوفيق بين نظرية المطابقة ونظرية التماثل هي أن تعتبر امتلاك العقل لمفهوم ما على أنَّه قدرته على تحويل نفسه من خلال ملازمة الصورة، وتفسير الهوية الصورية على أنَّها شبه طبيعية، إذ أنَّ وجود صورة في العقل مطابقة لصورة الموضوع المفهوم هو حصول صورة ذهنية لهذا للموضوع بالذات.

ويقول أبيلارد عن المطابقة ما يلي: أنظرْ في برج، وهو يعبر عن موضوع مادي ذو طول وعمق وارتفاع معين، وافترضْ أن هذه الميزات تشكّل صوره، تماماً كما أنَّ شكل التمثال هو صورته. ووفقاً للميتافيزيقا الأرسطية، فإنَّ تلازم الصورة في موضوع يجعل الموضوع شيئاً يتميز بهذه الصورة، على سبيل المثال تلازم البياض لسقراط يجعله شيئاً أبيضاً. وبالمثل، فإنَّ صورة البرج تجعل من تلك التي توجد فيها طويلة وواسعة وضخمة – وكلّها خصائص مادية. وإذا كانت هذه الصور موجودة هنا في العقل، فيجب أن تجعل العقل طويلاً وواسعاً وضخماً، وهو استنتاج سخيف: العقل “لا يستطيع أن يمتد من حيث الطول أو العرض”. ومع ذلك، تقول الأطروحة الأساسية لنظرية المطابقة: إنَّ العقل لديه الصورة ذاتها التي يمتلكها الموضوع الخارجي، البرج، على الرغم من أنَّ صورة الطول (على سبيل المثال) مادية بالطبع. وهكذا، يخلص أبيلارد إلى أنَّ المطابقة غير متسقة.

واعتراض أبيلارد الرئيسي على نظرية التماثل هو أنَّ الصور الذهنية تكون غير واضحة مثل أي رمز، وتتطلب تفسيراً. والرمز مجرد موضوع، ويمكن أن يضطلع بدورٍ دلالي على الرغم من أنَّه ليس من الضروري أن يكون كذلك. ويلاحظ أنَّ هذا التمييز ينطبق على الرموز غير العقلية على حدٍ سواء: يمكننا التعامل مع التمثال على أنَّه كتلة من البرونز أو على أنَّه يشبهها. والصور الذهنية غير واضحة أيضاً، ولكي يؤدي الرمز بالتالي وظيفته الدلالية، نحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد حضوره أو وجوده. ولكن نظرية التماثل لا تعترف بالحاجة إلى تفسير الصورة الذهنية على أنَّها صورة، وبالتالي تحدد عن طريق الخطأ الفهم بمجرد وجود صورة ذهنية في العقل. ويخلص أبيلارد إلى أنَّ الصور الذهنية لها دورٌ أساسي فقط عند التفكير، واصفاً إياها بأنَّها “رموزاً وسيطة للأشياء” (intersigna rerum). وتكون القصدية مستمدة بالأحرى من فعل الانتباه الموجه إلى الصورة الذهنية. ووجد دليلاً في حقيقة أنَّه يمكننا “تغيير الفهم” ببساطة من خلال الاهتمام بالسمات المختلفة للصورة الذهنية، إذ يمكن استخدام الصورة نفسها كصورة شجرة التين مثلاً، للتفكير في شجرة التين هذه، أو الأشجار بشكلٍ عام، أو الحياة النباتية، أو فؤادي الهائم الذي أجلسني تحتها، أو أيّ شيء على الإطلاق. ولا توجد سمة جوهرية للصورة الذهنية التي تتعلق بفضلها بأيّ شيء معين. ويرى أبيلارد أنَّنا نستطيع إذا جاز التعبير أن نحدد من خلال دراسة ما هو الرمز – لكننا لا نستطيع. وبالتالي، لا يمكن للصور الذهنية أن تشرح قصدية الفهم؛ لأنَّ دورها مجرد أداة. ونحن نفكر بها ولا يمكننا تجنبها، لكنها لا تشرح القصدية.

ويستخلص أبيلارد استنتاج مفاده أنَّ القصدية سمة بدائية للعقل وغير قابلة لاختزال أفعالنا المرافقة للأشياء. وتختلف أعمال الاهتمام المختلفة اختلافاً جوهرياً عن بعضها البعض، وهي على ما هي عليه بحكم نوع الاهتمام الذي يرافقها. ولذلك يتبنى ما نسميه اليوم نظرية الفكر الظرفية.

وبالنظر إلى أنَّ القصدية أولية، يتبنى أبيلارد نهجاً سياقيا للمحتوى العقلي؛ فيدمج أعمال الانتباه غير القابلة للاختزال هذه في بنية يساعد التعبير عنها على تحديد طبيعة العناصر المكونة لها. وتكون البنية التي يقدمها أبيلارد لغوية، ومنطقاً للأفعال العقلية، وكما يمكن أن يُقال: إنَّ الكلمات تعبّر عن الأفكار، كذلك يمكننا استخدام منطق اللغة المنطوقة لتقديم نظرية الفهم. وباختصار، يقدم أبيلارد ما يشبه إلى حدٍ كبير تفسير لغوي للتمثيل العقلي أو القصدية. وتحقيقاً لهذه الغاية، يتبنى مبدأ التركيبية، معتبراً أنَّ ما يدور حوله الفهم يمثل وظيفة لما تدور حوله التفاهمات المكونة له. وتدل وحدة فهم المركب على بساطته المنطقية، والتي تتميز بوجود ما يسميه أبيلارد “اقتران السائد الوحيد” (المؤثر المنطقي واسع المدى). ومن ثم يمكن التعامل مع فهم المركب على أنَّه مركب من التفاهمات المتميزة، ومجمعٌ في الفكر ذاته، وبنيته (المنطقية) الناجمة عن “الاقتران السائد” وفقاً للعمليات المنطقية الأخرى التي تحكم التفاهمات المكونة له. وهكذا تُظهر أعمال الاهتمام التي قام بها البنية المنطقية للفهم الذي تعبّر عنه، وبالتالي تعطي دلالات اللغة المكتوبة أو المنطوقة. وتزودنا الكثير من كتاباته عن المنطق والجدل بالتفاصيل التي تفيد كمخططٍ لشرح المحتوى العقلي.

6- الأخلاق

يعتبر أبيلارد أنَّ الجوهر العقلاني للأخلاق المسيحية التقليدية قصدياً بشكلٍ أساسي، استناداً إلى المبدأ التالي: نية الفاعل وحدها تحدد القيمة الأخلاقية للفعل. وتتحول حجته الرئيسية على العلاقة الأخلاقية للعواقب إلى ما يسميه الفلاسفة المعاصرين بالـ “الحظ الأخلاقي”. ومثال على ذلك: لنفترض أنَّ رجلين لديهما المال والنية لإنشاء ملاجئ للفقراء، ولكن أحدهما يتعرض للسرقة قبل أن يتمكن من التصرف بينما يتمكن الثاني من تنفيذ نيته. ووفقاً لـأبيلارد، فإنَّ الاعتقاد بأنَّ هناك فرقاً أخلاقية بينهما هو الاعتقاد بأنَّ “الرجال الأكثر ثراءً أصبحوا بأفضل حال… وهذه هي ذروة الجنون!” وأنَّ الأخلاق التي تركز على الفعل تفقد أيّ نوع من الحديث عن الرشوة عما قد يكون عليه الحال. وبالمثل، لا يمكن تقديم أيّ أساس للنظر في الوضع المعرفي للفاعل، على الرغم من أنَّ معظم الناس يعترفون بأنَّ الجهل يمكن أن يبرئ الفاعل أخلاقياً. ويوضح أبيلارد هذه النقطة بالمثال التالي: تخيل حالة التوائم المتماثل، الأخ والأخت، الذين انفصلا عند الولادة وظل كلّ منهما في جهلٍ تام حتى بوجود الآخر؛ والتقيا عند البلوغ ووقعا في حب بعضهما، وتزوجا قانونياً ومارسا الجنس. وهذا يُسمى من الناحية العملية سفاح القربى، لكن أبيلارد لا يعيب إلقاء اللوم عليهما.

ويخلص أبيلارد إلى أنَّ الأفعال في حدّ ذاتها محايدة أخلاقياً. والموضوع الملائم للتقييم الأخلاقي هو الفاعل من خلال نواياه أو نواياها. وقد يُعترض على أنَّ أداء الفعل أو عدم أدائه يمكن أن يؤثر على مشاعر الفاعل، مما قد يؤثر بدوره على نواياه، بحيث تكون الأفعال بالتالي ذات علاقة أخلاقية (على الأقل بشكلٍ غير مباشر). ويرفض أبيلارد ذلك:

على سبيل المثال، إذا أجبر شخص ما راهباً على الاستلقاء مقيداً بالسلاسل بين امرأتين، فسيشعر بالمتعة (مع أنَّها غير مرضية) بسبب نعومة السرير ولمسة النساء بجانبه، فمن الذي قد يفترض أن يطلق على هذه المتعة التي جعلتها الطبيعة ضرورية، خطأً؟

فهكذا ترعرنا بحيث أصبح شعورنا بالمتعة أمرٌ لا مفر منه في مواقف معينة، كالجماع الجنسي، وتناول الطعام اللذيذ، وما شابه ذلك. وإذا لم تكن المتعة الجنسية في الزواج معيبة، فإنَّ المتعة بحدّ ذاتها بزواج أو من دونه، ليست خطيئة؛ فلو كانت خطيئة، لما قدسها الزواج – وإذا توصلنا إلى استنتاج مفاده أنَّ مثل هذه الأعمال يجب تأديتها بالكامل دون متعة، فإنَّ أبيلارد يعلن عدم القدرة على القيام بها بالمطلق، ولا يُعقل أن يبيحها (الله) بطريقةٍ لا يمكن فعلها.

ويقول أبيلارد من ناحية إيجابية: ما لم تكن النوايا عنصراً رئيساً في تقييم القيمة الأخلاقية، فليس من السهل أن نفهم لماذا ينبغي وجوب تبرأة الفاعل، واجبار المرء على فعل شيءٍ خارج عن إرادته،؛ وبالمثل بالنسبة للجهل،رغم إشارته إلى أنَّ المفهوم الأخلاقي المهم ليس مجرد جهل بل إهمال بالمعنى الدقيق للكلمة. ويأخذ حالةً متطرفة لتوضيح وجهة نظره. ويجادل بأنَّ صالبي المسيح لم يكونوا أشراراً عند صلبهم ليسوع. (ورَّط هذا المثال وغيره من الأمثلة المماثلة، أبيلارد مع السلطات، ولا يخفى السبب على أحد). ولم يجعلهم جهلهم بطبيعة المسيح الإلهية في حد ذاته أشراراً. كما أنَّهم لم يتصرفوا بناءً على معتقداتهم (الزائفة والخاطئة)، في صلب المسيح. ويبعد جهلهم الواضح اللوم عن أفعالهم. وفي الواقع، يقول أبيلارد:  لو اعتقدوا أنَّ صلب المسيح كان مطلوباً ولم يصلبوا المسيح؛ لكانوا مخطئين؛ إذ أنَّ عدم التزام المرء بضميره في الفعل الأخلاقي يجعل الفاعل جديراً باللوم، بغض النظر عن وقائع القضية.

وهناك اعتراضان واضحان على قصدية أبيلارد. أولاً: كيف يمكن ارتكاب الشر طواعية؟ ثانياً: بما أنَّ النوايا لا يمتلكها سوى الفاعل، ألا تنطوي وجهة نظر أبيلارد على استحالة إصدار الأحكام الأخلاقية؟

ولدى أبيلارد فيما يتعلق بالاعتراض الأول، إجابة ذات شقين، أولاً: من الواضح أنَّنا غالبا ما نرغب بأداء الفعل ولا نريد أن نتكبد العقوبة في الآن ذاته. فالرجل يرغب بممارسة الجنس مع امرأة، ولكن ليس بارتكابه للزنا، ويفضل أن تكون غير متزوجة. ثانياً: من الواضح أنَّنا في بعض الأحيان “نرغب بما لا نريد فعله بأيّ حال من الأحوال”؛ حيث تنغمس أجسادنا بمتعةٍ ورغبة مستقلة عن إرادتنا. وإذا تصرفنا بناءً على هذه الرغبات، فإنَّ عملنا يتم “بـ” الإرادة، كما يسميه أبيلارد، وإنْ لم يكن طواعية. ولا تحتوي الرغبة على شيء شرير: لا يوجد سوى الشر في التصرف بناءً على الرغبة، وهذا يتوافق مع وجود رغبات معاكسة.

وفيما يتعلق بالاعتراض الثاني، يؤكد أبيلارد أنَّ البشر الآخرين لا يستطيعون معرفة نوايا الفاعل، ويمتلك الله بالطبع، إمكانية الوصول إلى الحالات العقلية الباطنية، وبالتالي يمكن أن يكون هناك قضاءً نهائي. ومع ذلك، لا يتخذ أبيلارد حكماً أخلاقياً لطرح المشكلة. والله وحده من يمتلك الحق في إصدار الأحكام. ومع ذلك لا تمنعنا هذه الحقيقة من فرض شرائع العدالة الإنسانية؛ لأنَّ العدالة الإنسانية، كما يرى أبيلارد، تمتلك في المقام الأول وظيفة مثالية ورادعة. لذلك يقول: يمكن أن تكون مجرد معاقبة للفاعل الذي نعتقد اعتقاداً راسخاً أنَّه لم تكن لديه نية شريرة. ويستشهد بحالتين، أولا: تخنق امرأة طفلها عن طريق الخطأ أثناء محاولتها إبقائه دافئاً في الليل، ويتغلب عليها الحزن. ويؤكد أنَّنا يجب أن نعاقبها ليكون عقابها عبرةً لمن اعتبر: فقد يجعل الأمهات الفقيرات الأخريات أكثر حرصاً على عدم خنق أطفالهنَّ عن طريق الخطأ أثناء محاولة إبقائهم دافئين. وثانياً: قد يكون لدى القاضي دليلاً ممتازاً (ولكنه غير مسموح به قانوناً) على أنَّ الشاهد يحنث بقسمه؛ وبما أنَّه لا يستطيع إثبات أنَّ الشاهد فعل ذلك، يضطر القاضي إلى الحكم على أساس شهادة الشاهد بأنَّ المتهم الذي يعتقد أنَّه بريء، مذنب. وقد تتجاهل العدالة الإنسانية ببراعة مُسائلة النية. وبما أنَّ هناك عدالة إلهية، فإنَّ المفاهيم الأخلاقية ليست ساكنة – ولا ينبغي أن تكون كذلك، بناءً على فهم أبيلارد للعدالة البشرية؛ لكونها الوسيلة التي نحدد بها النوايا التي يجب تعزيزها أو تثبيطها عندما نعاقب الناس كعبر للآخرين أو من أجل ردعهم.

وبالتالي يفيد المعنى أنَّ الخطيئة الوحيدة القابلة للتصديق هي التصرف بما يخالف ضمير المرء، ما لم يكن المرء جاهل أخلاقياً. ومع ذلك، إذا لم نتمكن من النظر إلى القيمة الجوهرية للأفعال أو عواقبها، فكيف يمكننا تحديد الأفعال المسموح بها أو الإلزامية؟ وما لم يكن لدى الضمير دليلاً يُحتذى به، يبدو أنَّ موقف أبيلارد يفتح الأبواب على مصراعيها أمام الذاتية ذات النوايا الحسنة.

ولكن أبيلارد يحل المشكلة من خلال الإمتثال لإرادة الله؛ لكون مسألة نية الفاعل مطابقة لمعيار صوري بحت، وهو القاعدة الذهبية (“عامل الآخرين كما تحب أن يعاملونك”)، وتكون السمة المميزة للسلوك الصحيح أخلاقياً، في حد ذاتها مثالاً على القانون الطبيعي. ويمكن اكتشاف هذا المعيار عن طريق العقل وحده، دون أيّ وحيٍ خاص أو معتقد ديني، وهو كافٍ لضمان حسن نية الفاعل. لكن حلَّ هذه المشكلة يؤدي على الفور إلى مشكلةٍ أخرى. وحتى لو منحنا أبيلارد أخلاقياته الطبيعية، فلماذا يجب أن يهتم الفاعل إذا كانت نواياه تتوافق مع القاعدة الذهبية؟ وباختصار، حتى لو كان أبيلارد محقاً بشأن الأخلاق، فلماذا تكون أخلاقياً؟

ويجيب أبيلارد بأنَّ سعادتنا – التي لا يتجاهلها أحد – مرتبطة بالفضيلة، أي بالسلوك المعتاد الصحيح أخلاقياً. في الواقع، وهدفه في المقطفات هو القول: إنَّ العقل يمكنه اثبات عدم كفاية الأخلاق الطبيعية فقط، وأنَّ سعادة الفاعل مرتبطة بالضرورة بقبولِ مبادئ الإيمان المسيحي التقليدي، بما في ذلك الإيمان بالله والحياة الآخرة. ويقول بالتحديد: إنَّ الحياة الآخرة تمثل حالة يجب أن نطمح إليها، وأنَّها تطوير أخلاقي حتى في الحياة الفاضلة في هذا العالم، وأنَّ الاعتراف بذلك هو أساس الرغبة في فعل مشيئة الله؛ أي العيش وفقاً للقاعدة الذهبية التي تضمن بقدر ما أن يحقق أيّ شيء (التعلق بالنعمة الإلهية) غبطتنا إلى ما بعد الموت.

ويجادل الفيلسوف أولاً اليهودي الذي يتبنى نظرية “الالتزام الصارم” الأخلاقية، أي طاعة ناموس موسى. ومن الحجج التي يقدمها اليهودي هي رهان العبد (وهي أقدم رؤية على ما يبدو معروفة عن رهان باسكال). تخيل أنَّ عبداً أخبره شخص في صباح أحد الأيام، ولا يعرف ما إذا كان يثق في أنْ سيده القوي وصعب المراس، وليس الأمر كذلك اليوم، قد ترك تعليمات تخص ما يجب القيام به في حال غيابه. ويمكن للعبد اتباع التعليمات أو لا يمكنه ذلك. ويفسر أنَّه إذا ترك السيد التعليمات بالفعل، فسيُثاب باتباعها وسيعاقب بشدة لعدم اتباعه لها، ولكن إذا لم يترك السيد التعليمات فلن يعاقب على اتباعها، على الرغم من أنَّه قد يعاقب عقاباً لا بأس به لعدم اتباعها. (يتوافق هذا مع مصفوفة العائد المعياري لرهان باسكال.) وهذا هو الموقف الذي يجد اليهودي نفسه فيه: يبدو أنَّ الله قد أمر بالطاعة غير المشروطة لناموس موسى، والتعليمات التي تركها وراءه. ويجادل الفيلسوف بأنَّ اليهودي قد يمتلك خيارات أخرى للعمل، وعلى أيّ حال، هناك دواعٍ عقلانية للتفكير في أنَّ الأخلاق ليست مسألة عمل وفقاً للقانون بل مسألة نوايا الفاعل، كما رأينا أعلاه.

ثم يجادل الفيلسوف المسيحي، ويؤكد في البداية أنَّ الفضيلة تنطوي على السعادة، وبالتالي ليس هناك من داعٍ للحياة الآخرة؛ لأنَّ الشخص الفاضل يبقى في الحالة ذاتها سواء كان ميتاً أو حياً. ومع ذلك، يفسر المسيحي بأنَّ الحياة الآخرة أفضل؛ لأنَّه بالإضافة إلى المنافع التي يمنحها العيش الفاضل، لم تعد الظروف عقبةً أمام إرادة الفاعل. ولم نعد خاضعين في الحياة الآخرة للجسد، على سبيل المثال، وبالتالي لسنا ملزمين بالضروريات الجسدية مثل الطعام والمأوى والملبس وما شابه ذلك. وبالتالي يمكن أن يكون الفاعل مسروراً تماماً كما تسمح به الحياة وفقاً للفضيلة، في حال عدم تأثير أيّ ظروف خارجية على تصرفات الفاعل. ويسلّم الفيلسوف بأنَّ الحياة الآخرة المفهومة على هذا النحو عبارة عن تحسينٍ واضح أيضاً على الحياة الفاضلة في هذا العالم، وينضم إلى المسيحي مشاركاً إياه في تحديد طبيعة الفضائل والخير الأسمى. وأنَّ الفضيلة ثوابها الخاص، وفي الآخرة لا شيء يمنعنا من أن نثيب أنفسنا بالفضيلة إلى أقصى حدٍّ ممكن.

7- اللاهوت

رأى أبيلارد أنَّ الاستدلال يضطلعُ بدورٍ محدود في مسائل الإيمان. ولكونه منحه هذا الدور دخل في صراعٍ مع أولئك الذين نسميهم الآن “المناهضين للديالكتيكيين”، بما في ذلك زميله رئيس الدير برنارد، ومع أولئك الذين أسماهم “الجدلية الزائفة”، بما في ذلك معلمه السابق روسلان.

واعتقد برنارد وغيره من المناهضين للديالكتيك على ما يبدو أنَّ معنى قضية الإيمان واضحة إلى درجة يمكن فهمها. وبعيداً عن هذا المعنى الواضح، لا يوجد ما يمكننا فهمه على الإطلاق، ومن الواضح في هذه الحالة أنَّ العقل ليس مفيداً. أي أنَّ المناهضين للجدل كانوا واقعيين دلاليين فيما يتعلق بالمعنى (البسيط) للجمل (الدينية). ومن هنا جاء نفاد صبرهم مع أبيلارد الذي بدا عازماً ليس فقط على التغاضي عن المعنى الواضح لقضايا الإيمان، وهو أمر سيئ للغاية، بل عن القيام بذلك عن طريق الاستدلال الذي لا مكان له سواء في فهم المعنى البسيط (لأنَّ وضوح المعنى البسيط يتكون من فهمه على الفور دون استدلال) أو في الوصول إلى فهمٍ أعمق (لأن المعنى العادي فقط واضح لنا بإطلاق).

ولم يطق أبيلارد صبراً على الواقعية الدلالية التي تكمن وراء الموقف المتطور المناهض للجدلية. وبدلاً من أن يجادل ضدها صراحة، حاول تقويضها. ومن تعليقاته على الكتاب المقدس والعقيدة إلى أعماله في اللاهوت التأملي، يهتم أولاً وقبل كل شيء بإظهار كيف يمكن فهم الادعاءات الدينية، وكيف يمكن لتطبيق الأساليب الجدلية على وجه الخصوص أن يوضح قضايا الإيمان ويبينها. ويرفض علاوة على ذلك، الادعاء بأنَّ هناك معنى واضحاً ينبغي فهمه. وعند إيضاحه لمنهجه في مقدمة كتاب “مع وضد”، يصف كيف يطرح في البداية سؤالاً، على سبيل المثال عما إذا كان يفترض بالكهنة أن يكونوا عازبين، ثم يرتب استشهادات من السلطات الإنجيلية والباباوية التي يبدو على الأقل أنَّها تجيب عن السؤال مباشرةً في إجابات إيجابية وسلبية. (يقدم أبيلارد المشورة في المقدمة لحلِ التناقضات الظاهرة بين السلطات باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات: اعرفْ ما إذا كانت الكلمات تُستخدم في المعنى ذاته في كلا الجانبين، وميزْ بين الفروق ذات الصلة لحل المشكلة، وانظر إلى سياق الاقتباس، وتأكدْ من أنَّ المؤلف يتحدث بصوته وليس مجرد الإبلاغ عن موقف شخصٍ آخر أو إعادة صياغته؛ وهلم جرا.) والآن يبدو أنَّ كل سلطة يستشهد بها أبيلارد تتحدث بوضوحٍ ودون لبس عن إجابة إيجابية عن سؤال معين أو إجابة سلبية. وإذا كانت هناك حالات ذات معنى واضح، ووجدها على ما يبدو في السلطات عند الجانبين المعارضين للقضايا المثيرة للجدل. وترقى نصيحته في المقدمة إلى القول: إنَّ الجمل التي تبدو نماذج مثالية للمعنى الواضح في الواقع يجب فحصها بعناية لمعرفة ما هو معناها. ومع ذلك، فإنَّ هذا لا يعني سوى أن معناها غير واضح على الإطلاق. وعلينا أن نستخدم العقل للكشف عن معناها. وهكذا لا يمتلك المناهضين للجدل قضية.

وهناك تهديد أخطر بكثير للاستخدام الملائم للعقل في الدين، كما يعتقد أبيلارد (Theologia christiana 3.20)، وهو أنَّ أولئك الذين يدّعون أنَّهم جدليين عادة ما يؤدي جدلهم بسهولة أكبر إلى [الهرطقة] كلما اعتبروا أنَّهم يمتلكون ما يكفي من المبررات ليفترضوا بدرجةٍ عالية من الثقة أنَّهم كانوا أكثر حرية، ويهاجمون أيّ موقف أو يدافعون عنه. ووتكون غطرستهم كبيرة لدرجةِ اعتقادهم بعدم وجود ما لا يمكن فهمه وشرحه من خلال سلسلة صغيرة تافهة من الاستدلال. ويتفاخرون باحتقارهم لجميع السلطات، بأنَّهم لا يؤمنون سوى بأنفسهم – لأنَّ أولئك الذين يقبلون فقط ما يقنعهم به عقلهم، يجيبون بالتأكيد على أنفسهم وحدهم، كما لو كانوا يمتلكون عيون خفية.

ويعتبر مثل هؤلاء الجدليين الزائفين أنَّ العقل هو الحكَم النهائي في جميع الادعاءات، بما في ذلك الادعاءات المتعلقة بمسائل الإيمان. ولكن أبيلارد يتهمهم بالقول: إنَّ (أ) يمكن شرح كلّ شيء بالعقل البشري؛ (ب) ينبغي ألا نقبل إلا ما يقنعنا به العقل؛ (ج) النداءات الموجهة إلى السلطة ليس لها قوة عقلانية مقنعة. ويؤكد أنَّ الجدليين الحقيقيين يرفضون (أ) – (ج)، والاعتراف بأنَّ العقل البشري له حدود، وأنَّ بعض الحقائق المهمة قد تكمن خارج تلك الحدود وليس خارج نطاق الاعتقاد. وتعتمد الادعاءات المتعلقة بمسائل الإيمان التي يجب أن نقبلها على الموثوقية المعرفية بمصادرها (السلطات) وتوافقها مع العقل إلى الحد الذي يمكن التحقق منه.

وتكون حجج أبيلارد لرفض (أ) – (ج) متطورة ودقيقة. ويقدم بالنسبة للادعاء بأَّنَّ العقل يمكن الاحتكام إليه بشكلٍ فعّال في بندٍ معين من الإيمان، دراسة حالة خاصة في كتاباته الخاصة. ويكرّس الجزء الأكبر من كتابه في اللاهوت لبحثه الجدلي في الثالوث. ويضع نظرية أصلية للهوية لتناول القضايا المحيطة بالثالوث، وهي نظرية تقبل التطبيق على نحو موسع في الميتافيزيقيا. وتتلخص أبحاثه في أنَّ الإيمان بالثالوث له ما يبرره عقلانياً؛ لأنَّه بقدر ما يمكن أن نستغرق في العقل نجد أنَّ العقيدة منطقية – على الأقل، بمجرد استخدام أدوات الجدل بشكلٍ صحيح.

ويرى التفسير التقليدي للهوية، والمستمد من بوثيوس، أنَّ الأمور قد تكون ذاتها بالعموم أو بالتحديد أو كمياً أو مختلفة. ويقبل أبيلارد هذا التفسير لكنه يجده غير دقيق بما يكفي لتناول مسألة الثالوث. ويتكون جوهر نظريته في الهوية، كما هو واضح في كتابه اللاهوت المسيحي، من أربعة أنماط إضافية للهوية: (1) التماثل والاختلاف الأساسيين. (2) التماثل والاختلاف الكمي الذي يربطه أبيلارد على نحوٍ وثيق بالتماثل والاختلاف الأساسيين، مما يسمح بتمييز أدق من تمييز بوثيوس؛ (3) التماثل والاختلاف من حيث التعريف؛ (4) الماثل والاختلاف من حيث الخاصة. ومن الناحية التقريبية، يهدف وصف أبيلارد التماثل الأساسي والكمي إلى تحسين شروط هوية الأشياء في العالم الذي يقدمه التفسير التقليدي، ويهدف تفسيره للتماثل في التعريف إلى توفير شروط الهوية لسمات الأشياء؛ ويتيح تفسيره للتماثل من حيث الخاصة إمكانية وجود شروط هوية مختلفة لشيء واحد له العديد من الميزات المميزة.

ويرى أبيلارد أنَّ تشابه شيئين من حيث الماهية يكونان الشيء ذاته الملموس كمياً (جوهرياً)، ويختلفان اختلافاً جوهرياً بخلاف ذلك. فنجمة الصباح هي في الأساس نجمة المساء ذاتها على سبيل المثال؛ لأنَّ كلّ منهما هو ذاته كوكب الزهرة. ونقول مرة أخرى: إنَّ العناصر الصورية التي تشكل شيئاً ملموسا تماثل في الأساس بعضها البعض وكذلك أساس الشيء الملموس الذي تشكل مكوناته الصورية، وسقراط يمثل ماهيته (سقراط يكون على ما هو عليه سقراط). ومع ذلك، لا تنطبق الأطروحة العامة المطابقة على الأجزاء. ويؤكد أبيلارد أنَّ الجزء يختلف اختلافاً جوهرياً عن الكل التام الذي هو جزءٌ منه، معللاً ذلك بأنَّ أيّ جزءٍ متضمن في الكل إلى جانب أجزاء أخرى بالكامل، يكون أقل من الكل من حيث الكم.

ولكن الاختلاف الكمي لا يحدد الفرق الأساسي بدقة. وقد يعود فشل التماثل الكمي إلى أحد السببين. أولاً: الكينونات ليست هي ذاتها من حيث الكم متى كان لأحدها جزء لا يمتلكه الآخر، وفي هذه الحالة تتفاوت الكينونات بشكلٍ أساسي أيضاً. ثانياً: تختلف الكينونات كمياً عندما لا يكون لأيّ منهما جزء ينتمي إلى الآخر. وبالتالي فإنَّ الاختلاف الكمي يستلزم فشل التماثل الكمي، وليس العكس؛ إذ أنَّ الجزء ليس هو ذاته كمياً ككل، لكنه لا يختلف كمياً عن كله. وبالتالي يختلف شيءٌ واحد اختلافاً جوهرياً عن الآخر متى لم يكن لأيّ منهما جزءاً مشتركاً، وفي هذه الحالة لا يكونان متشابهان كمياً. أو ليس لديهما أجزاء مشتركة، ويختلفان في هذه الحالة ولا يتشابهان من حيث الكم. وبما أنَّ الأمر على هذا النحو، يبدو أنَّ السؤال: “كم عدد الأشياء الموجودة؟” غير مكتمل الصورة كما يجب، ولابدّ من أن يكون أدق من ذلك، وتلك حقيقة يستغلها أبيلارد في مناقشته للثالوث.

وينطبق التماثل والاختلاف الأساسي والكمي مباشرةً على الأشياء في العالم، وهي صورٌ ممتدة عن الهوية. وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ التشابه والاختلاف من حيث التعريف يتشابهان تقريباً مع النظريات الحديثة لهوية الخصائص. ويرى أبيلارد أنَّ الأشياء تكون ذاتها في التعريف عندما يفترض أحدهما وجود الآخر، وعلى العكس من ذلك، وإلا فإنَّها تختلف من حيث التعريف.

أخيراً، تكون الأشياء هي ذاتها من حيث الخاصية عندما تحدد السمات التي تميزها عن بعضها. ويقدم أبيلارد مثالاً لتوضيح هذه الفكرة: مكعبٌ من الرخام يجسد كلّ من البياض والصلابة. فما هو أبيض مماثل في الأساس لما هو قاسٍ؛ لأنَّها الشيء الملموس ذاته كمياً، أي مكعب الرخام؛ ومع ذلك، فإنَّ البياض والصلابة في مكعب الرخام يختلفان بوضوح من حيث التعريف – ولكن على الرغم من ذلك، فإنَّ ما هو أبيض يتميز بالصلابة (الشيء الأبيض قاسٍ)، وعلى العكس من ذلك، يتميز ما هو قاسٍ بالبياض (الشيء القاسي أبيض). وتكون خصائص البياض والصلابة “مختلطة”؛ لأنَّه على الرغم من اختلافها من حيث التعريف، ينطبق كلّ منها على الشيء الملموس ذاته (أي مكعب الرخام) على هذا النحو وأيضاً كما يتميز به الآخر.

وتكون الحالة مهمة عندما يكون لشيء ما خصائص “تظل غير مختلطة تماماً”، بحيث تكون العناصر التي تميزها مختلفة من حيث الخصائص. ونظراً لصورة المادة المركبة فيما يتعلق بمادتها. فإنَّ المادة التي يتكون منها مركب المادة – الصورة هي في الأساس المادة المركبة ذاتها؛ لأنَّ كلّ منها هو مركب المادة ذاتها بأكملها. ومع ذلك، وعلى الرغم من تشابههما الأساسي، ليستا متطابقين. فالمادة ليست مركبة، ولا العكس من ذلك. والمادة ليست مركبة؛ لأنَّ المركب ينتج عن المادة، لكن المادة لا تنتج من ذاتها. والمركب ليس هو المادة؛ لأنَّه “لا شيء بأيّ شكلٍ من الأشكال جزءاً مكوناً من نفسه أو سابق عليه بالطبع”. وبدلاً من ذلك، تكون المادة سابقة للمركب؛ لأنَّ لها خاصية قبلية فيما يتعلق بالمركب، في حين أنَّ المركب لاحق لمادته؛ لأنَّ له الخاصية البعدية فيما يتعلق بمادته. وعلى الرغم من كونها هي ذاتها في الأساس، إلا أنَّ المادة على عكس المركب لا تتميز بأنَّها بعدية، ولا يتميز المركب بأنَّه قبلي، على عكس المادة. وبالتالي فإنَّ المادة والمركب مختلفان من حيث الخاصية.  ولا تختلط الخصائص القبلية والبعدية، وتختلف من حيث الخصائص.

وللحصول على الفائدة الآن، يوسّع أبيلارد نظريته في الهوية لإلقاء الضوء على الثالوث على النحو التالي: الأقانيم الثلاثة مماثلة في الأساس لبعضها البعض؛ لأنَّها كلّها الشيء الملموس ذاته (أي الله). وتختلف عن بعضها البعض من حيث التعريف؛ لأنَّ الأب ليس هو ذاته الابن أو الروح القدس. فالأقانيم الثلاثة مختلفة كمياً عن بعضها البعض، وإلا فإنَّها لن تكون ثلاثة، لكنها لا تختلف كمياً عن الله: لو كانت كذلك لكان هناك ثلاثة آلهة، وليس واحداً. وعلاوة على ذلك، لكلّ أقنوم خصائص تنطبق عليه بشكلٍ فريد – الأب غير مولود أما الابن فمولود، وينتقل إلى الروح القدس – بالإضافة إلى خصائص مميزة لها، مثل القوة للأب، والحكمة للابن، والخير للروح القدس. والخصائص الفريدة غير مختلطة بالمعنى التقني لـأبيلارد؛ لأنَّ الأقانيم تختلف عن بعضها البعض من حيث خصائصها الفريدة، ولا تنطبق هذه الخصائص على الله. ومع ذلك، فإنَّ الخصائص المميزة مختلطة من حيث أنَّ الله يتميز بكلّ منها (الإله القوي هو الإله الحكيم وهو الإله الخير). ويرى أبيلارد أبعد من ذلك أنَّ العقل البشري لا يمكن أن يستمر، إلا أنَّه يتحقق من صحة التحليل (بالمعنى الدقيق للكلمة فقط “التماثل” أو القياس) بقدر ما يمكنه الاستمرار.


المراجع

  • النصوص الأساسية في اللاتينية
  • Carmen ad Astralabium. Edited by J. M. A. Rubingh-Bosscher in Peter Abelard: Carmen ad Astralabium, a Critical Edition. Groningen: phil. diss. Rijksuniversiteit 1987.
  • Collationes a.k.a. Dialogus inter Philosophum, Iudaeum, et Christianum. Edited by Giovanni Orlandi, with introduction, translation, and notes by John Marenbon, in Peter Abelard: Collationes, Oxford University Press 2001.
  • Commentaria in Epistolam Pauli ad Romanos. Edited by Eligius M. Buytaert in Petri Abaelardi opera theologica. Corpus christianorum (continuatio mediaevalis) Vol. 11. Brepols: Turnholt 1969, 389–340.
  • Dialectica. Edited by L. M. De Rijk in Petrus Abaelardus: Dialectica, Assen: Van Gorcum 1970 (second edition).
  • Epistolae: Ep. 1 edited by Monfrin (see the entry below for the Historia calamitatum); Epp. 2–5 edited by J. T. Muckle, Mediaeval Studies 15 (1953) 68–94; Epp. 6–7, edited by J. T. Muckle, Mediaeval Studies 17 (1955) 241–281; Ep. 8, edited by T. P. McLaughlin, Mediaeval Studies 18 (1956) 242–297; Epp. 9–14 edited by E. R. Smits in Peter Abelard: Letters IX–XIV, Groningen: Rijksuniversiteit 1983; Ep. 15 edited by Josef Reiners, BGPTM 8 (1910) 63–80; Ep. 16, edited by Victor Cousin and Charles Jourdain, Petri Abaelardi opera Vol. 1 (Paris 1849) 703–707, corrected against Van Den Eynde, Antonianum 38 (1963) 219; Ep. 17, edited by Charles Burnett, Mittellateinisch Jahrbuch 21 (1986), 152–155; Apologia contra Bernardum (Ne iuxta Boethianum), edited by Eligius M. Buytaert in CCCM 12 359–368; Epistola contra Bernardum edited by Raymond Klibansky, Medieval and Renaissance Studies 5 (1961), 1–27; Confessio fidei “Uniuersis” edited by Charles Burnett, Mediaeval Studies 48 (1986), 182–189.
  • Ethica seu Scito teipsum. Edited by R. M. Ilgner in Petri Abaelardi opera theologica. Corpus christianorum (continuatio mediaevalis) Vol. 190. Brepols: Turnholt 2001.
  • Expositio orationis dominicae. Edited by Charles Burnett, “Expositio orationis dominicae ‘Multorum legimus orationes’” in Révue Benedictine 95 (1985) 60–72.
  • Expositio symboli Apostolorum. Edited by Victor Cousin and Charles Jourdain, Petri Abaelardi opera Vol. 1 (Paris 1849) 603–615. [Available online thanks to the Bibliothèque nationale de France].
  • Expositio fidei in symbolum Athanasii. Edited by Victor Cousin and Charles Jourdain, Petri Abaelardi opera Vol. 1 (Paris 1849) 615–617.
  • Hexaëmeron. Edited by Mary F. Romig with the assistance of David Luscombe, in Corpus christianorum continuatio mediaevalis Vol.15. Brepols: Turnhout 2004.
  • Historia calamitatum. Edited by Jacques Monfrin in Abélard, Historia calamitatum: texte et commentaires, J. Vrin: Paris 1974 (fourth edition), 62–109.
  • Hymnarius Paraclitensis. Edited by Chrysogonus Waddell in Hymn Collections from the Paraclete Vol. 2. Trappist Monastery, Ky.: Gethsemani Abbey (Cistercian Liturgy series) 1987.
  • Introductiones parvulorum. Edited by Mario Dal Pra in Pietro Abelardo: Scritti di logica, Firenze 1969 (second edition).
  • Logica ‘ingredientibus’ (LI):
  • LI 1: Commentary on Porphyry’s Isagoge. Edited by Bernhard Geyer in Beiträge zur Geschichte der Philosophie und Theologie des Mittelalters 21 (1). Aschendorff: Munster 1919.
  • LI 2: Commentary on Aristotle’s Categories. Edited by Bernhard Geyer in Beiträge zur Geschichte der Philosophie und Theologie des Mittelalters 21 (2). Aschendorff: Munster 1921.
  • LI 3: Commentary on Aristotle’s De interpretatione. Edited by Klaus Jacobi and Christian Strub, Corpus christianorum continuatio mediaevalis Vol.206. Brepols: Turnhout 2010.
  • LI 7: Commentary on Boethius’s De topicis differentiis. Edited by Mario Dal Pra in Pietro Abelardo: Scritti di logica, Firenze 1969 (second edition).
  • Logica ‘nostrorum petitioni sociorum’. Commentary on Porphyry’s Isagoge. Edited by Bernhard Geyer in Beiträge zur Geschichte der Philosophie und Theologie des Mittelalters 21 (4). Aschendorff: Munster 1933.
  • Planctus. Planctus 1, 4, 6: edited by Peter Dronke, Poetic Individality in the Middle Ages (London 1986). Planctus 2, 5: edited by Giuseppe Vecchi, Pietro Abelardo, I “Planctus” (Modena 1951). Planctus 3: edited by Wolfram von den Steinen, Mittellateinisches Jahrbuch 4 (1967), 122–144. There are several modern recordings.
  • Problemata Heloïssae cum Petri Abaelardi solutionibus. Edited by Victor Cousin and Charles Jourdain, Petri Abaelardi opera Vol. 1 (Paris 1849): 237–294.
  • Sententiae secundum Magistrum Petrum. Edited by Lorenzo Minio-Paluello in Twelfth-Century Logic: Texts and Studies Vol. 2 (Abaelardiana inedita), Roma 1958.
  • Sermones. Edited by Paola De Santis in I sermoni di Abelardo per le monache del Paracleto, Leuven University Press 2002. (Mediaevalia Lovaniensa ser. 1, studia 31.)
  • Sic et non. Edited by Blanche Boyer and Richard McKeon in Peter Abailard: Sic et Non. A Critical Edition. University of Chicago Press 1977.
  • Soliloquium. Edited by Charles Burnett in “Peter Abelard’s ‘Soliloquium’: A Critical Edition” in Studi Medievali 25 (1984), 857–894.
  • Theologia ‘summi boni’. Edited by Eligius M. Buytaert and Constant Mews in Petri Abaelardi opera theologica. Corpus christianorum (continuatio mediaevalis) Vol. 13. Brepols: Turnhout 1987.
  • Theologia christiana. Edited by Eligius M. Buytaert in Petri Abaelardi opera theologica. Corpus christianorum (continuatio mediaevalis) Vol. 12. Brepols: Turnhout 1969.
  • Theologia ‘scholarium’. Edited by Eligius M. Buytaert and Constant Mews in Petri Abaelardi opera theologica. Corpus christianorum (continuatio mediaevalis) Vol. 13. Brepols: Turnhout 1987.
  • Tractatus de intellectibus. Edited by Patrick Morin in Abélard: Des intellections. Paris: J. Vrin 1994.

النصوص الأساسية في الترجمة الإنجليزية

  • Fairweather, E. R., 1995, A Scholastic Miscellany, Westminster: John Knox Press. (Excerpt from Abelard’s commentary on Romans.)
  • King, Peter, 1982, Peter Abailard and the Problem of Universals in the Twelfth Century, Ph.D. Dissertation, Philosophy Department, Princeton University. (Volumes 2 contains a complete translation of Abelard’s Tractatus de intellectibus.)
  • Luscombe, David, 1971, Ethics, Oxford: Oxford University Press. (Complete translation of Abelard’s Ethica.)
  • Marenbon, John and Giovanni Orlandi (eds. and trans.), 2001, Peter Abelard: Collationes, Oxford: Clarendon. (Complete translation of Abelard’s Conversations.)
  • McCallum, James Ramsay, 1948, Abelard’s Christian Theology, Oxford: Blackwell. (Includes substantial selections from Abelard’s Theologia christiana.)
  • Minnis, A. and Scott, A. B. (eds.), 1988, Medieval Literary Theory and Criticism 1100–1375, Oxford: Oxford University Press. (Includes Abelard’s preface to the Sic et non.)
  • Payer, Pierre, 1979, Peter Abelard: A Dialogue of a Philosopher with a Jew and a Christian, Toronto: The Pontifical Institute of Mediaeval Studies Publications.
  • Radice, Elizabeth, 1974, The Letters of Abelard and Heloise, New York: Penguin Books.
  • Spade, Paul Vincent, 1994, Five Texts on the Mediaeval Problem of Universals, Indianapolis: Hackett Publishing Company. (Abelard’s discussion of the problem of universals from his Logica ‘ingredientibus’.)
  • Spade, Paul Vincent, 1995, Peter Abelard: Ethical Writings, Indianapolis: Hackett Publishing Company. (Complete translations of Abelard ‘s Ethics and Conversations.)
  • Tweedale, Martin and Bosley, Richard, 1997, Issues in Medieval Philosophy, Peterborough: Broadview Press. (Includes selections from Abelard on foreknowledge, universals, and ethics.)

مؤلفات ثانوية مختارة باللغة الإنجليزية

  • Allen, Julie, 1996, A Commentary on the Second Collatio of Peter Abailard’s Dialogus, Ph.D. Dissertation, Philosophy Department, University of Toronto.
  • Arlig, Andrew, 2007, “Abelard’s Assault on Everyday Objects”, American Catholic Philosophical Quarterly, 81: 209–227.
  • –––, 2012, “Peter Abelard on Material Constitution”, Archiv fur Geschichte der Philosophie, 94: 119–146.
  • –––, 2013, “Some Twelfth-century Reflections on Mereological Essentialism”, Oxford Studies in Medieval Philosophy, 1: 83–112.
  • Astroh, Michael, 2001, “Abelard on Modalities de re and de dicto”, in Potentialität und Possibilität. Modalaussagen in der Geschichte der Metaphysik, Thomas Buchheim, C. H. Kneepkens, and Kuno Lorenz (eds.), Stuttgart: Frommann Holzboog, 79–95
  • Bejczy, I., 2003, “Deeds Without Value: Exploring a Weak Spot in Abelard’s Ethics”, Recherches de théologie et philosophie médiévale, 70: 1–21.
  • Binini, Irene, 2022, Possibility and Necessity in the Time of Peter Abelard, Leiden/Boston: Brill.
  • Blackwell, Daniel, 1988, Non-Ontological Constructs: The Effects of Abaelard’s Logical and Ethical Theories on his Theology, Berne, Paris, New York: Peter Lang.
  • Boler, John, 1963, “Abailard and the Problem of Universals”, The Journal of the History of Philosophy, 1: 104–126.
  • Brower, Jeff, 1998, “Abelard’s Theory of Relations: Reductionism and the Aristotelian Tradition”, The Review of Metaphysics, 51: 605–631.
  • –––, 2004, “Trinity”, in The Cambridge Companion to Abelard, J. Brower and K. Guilfoy (eds.): 223–257. [Preprint available online]
  • Brower, Jeff and Guilfoy, Kevin (eds.), 2004, The Cambridge Companion to Abelard, New York: Cambridge University Press. [Introduction available online]
  • Freddoso, Alfred, 1978, “Abailard on Collective Realism”, The Journal of Philosophy, 75: 527–538.
  • Gracia, Jorge, 1984, Introduction to the Problem of Individuation in the Early Middle Ages, Washington, D.C.: Catholic University of America Press.
  • Guilfoy, Kevin, 1999, Abelard’s Theory of the Proposition, Ph.D. Dissertation, Philosophy Department, University of Washington.
  • –––, 2004, “Mind and Cognition”, in J. Brower and K. Guilfoy (eds.), 200–222.
  • Henry, D. P., 1985, “Abelard’s Mereological Terminology”, in Mediaeval Semantics and Metaphysics, E. P. Bos (ed.), Ingenium: Nijmegen, 65–92.
  • Hause, Jeff, 2007, “Abelard on Degrees of Sinfulness”, American Catholic Philosophical Quarterly, 81: 251–270.
  • Jacobi, Klaus, 1983, “Abelard and Frege: the Semantics of Words and Propositions”, in Atti del Convegno Internazionale di Storia della logica, V. Abrusci (ed.), Bologna: Ed. CLUEB, 81–96.
  • –––, 1986, “Peter Abelard’s Investigations into the Meaning and Function of the Speech Sign ‘Est’”, in The Logic of Being, Simo Knuutila and Jaakko Hintikka (eds.), Dordrecht: D. Reidel, 145–180.
  • –––, 2004, “Philosophy of Language”, in J. Brower and K. Guilfoy (eds.) 2004, 126–157.
  • King, Peter, 1982, Peter Abailard and the Problem of Universals in the Twelfth Century, Ph.D. Dissertation, Philosophy Department, Princeton University.
  • –––, 1992, “Peter Abelard (1079–1142)”, in The Dictionary of Literary Biography (Volume 115: Medieval Philosophers), Jeremiah Hackett (ed.), Detroit/London: Gale Research: 3–14.
  • –––, 1995, “Abelard’s Intentionalist Ethics”, The Modern Schoolman, 72: 213–231. [Preprint available online].
  • –––, 2004, “Metaphysics”, in The Cambridge Companion to Abelard, in J. Brower and K. Guilfoy (eds.), 65–125. [Preprint available online].
  • –––, 2007a, “Abelard on Mental Language”, The American Catholic Philosophical Quarterly, 81: 169–187.
  • –––, 2007b, “Abelard’s Answer to Porphyry”, in Documenti e studi sulla tradizione filosofica medievale, 18: 249–70. [Preprint available online].
  • Kretzmann, Norman, 1982, “The Culmination of the Old Logic in Peter Abelard”, in Renaissance and Renewal in the Twelfth Century, R. L. Benson and J. Constable (eds.), Cambridge, MA: Harvard University Press, 488–511.
  • Lenz, Martin, 2005, “Peculiar Perfection: Peter Abelard on Propositional Attitudes”, Journal of the History of Philosophy, 43: 377–386.
  • –––, 2007, “Are Thoughts and Sentences Compositional? A Controversy between Abelard and a Pupil of Alberic on the Reconciliation of Ancient Theses on Mind and Language”, Vivarium, 45: 169–188.
  • Lewis, Neil, 1987, “Determinate Truth in Abelard”, Vivarium, 25: 81–109.
  • Luscombe, David, 1969, The School of Peter Abelard, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Mann, William, 2004, “Ethics”, in J. Brower and K. Guilfoy (eds.), 279–304.
  • Marenbon, John, 1997, The Philosophy of Peter Abelard, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2006, “The Rediscovery of Peter Abelard’s Philosophy”, Journal of the History of Philosophy, 44: 331–351.
  • –––, 2013, Abelard in Four Dimensions: A twelfth-century philosopher in his context and ours, Notre Dame: University of Notre Dame Press.
  • Martin, Christopher J., 1986, “William’s Wonderful Machine”, Journal of Philosophy, 83: 564–572.
  • –––, 1987, “Something Amazing About the Peripatetic of Le Pallet”, Argumentation, 1: 420–436.
  • –––, 2001, “Abaelard on Modality: Some Possibilities and Some Puzzles”, in Potentialität und Possibilität. Modalaussagen in der Geschichte der Metaphysik, Thomas Buchheim, C. H. Kneepkens, and Kuno Lorenz (eds.), Stuttgart: Frommann Holzboog, 97–122
  • –––, 2004, “Logic”, in J. Brower and K. Guilfoy (eds.), 158–199.
  • Mews, Constant, 1987, “Aspects of the Evolution of Peter Abelard’s Thought on Signification and Predication”, in Gilbert de Poitiers et ses contemporains, J. Jolivet and A. de Libera (eds.), Naples: Bibliopolis.
  • –––, 2005, Abelard and Heloise, New York: Oxford University Press.
  • Pinziani, Roberto, 2003, The Logical Grammar of Abelard. Dordrecht: Kluwer Academic Publishers. (Translation of La grammatica logica di Abelardo, Parma 1992.)
  • De Rijk, L. M., 1980, “The Semantical Impact of Abailard’s Solution of the Problem of Universals”, in Petrus Abaelardus: Person, Wirk, und Wirkung, Rudolf Thomas (ed.), Trier: Paulinus-Verlag, 139–152.
  • –––, 1986, “Peter Abailard’s Semantics and his Doctrine of Being”, Vivarium, 24: 85–127.
  • Tweedale, Martin, 1976, Abailard on Universals, Amsterdam: North-Holland.
  • Wilks, Ian, 1993, The Logic of Abelard’s Dialectica, Ph.D. Dissertation, Philosophy Department, University of Toronto.
  • –––, 1997, “The Role of Virtue Theory and Natural Law in Abelard’s Ethical Writings”, Proceedings of the American Catholic Philosophical Association, 71: 137–149.
  • –––, 1998, “Peter Abelard and the Metaphysics of Essential Predication”, Journal of the History of Philosophy, 36: 356–385.
  • –––, 2008, “Peter Abelard and his Contemporaries”, in Handbook of the History of Logic (Volume 2: Medieval and Renaissance Logic), Dov Gabbay and John Woods (eds.), Amsterdam: Elsevier, 85–155.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

  • Pierre Abelard of Le Pallet (information and short biography)
  • Abelard’s Logic and the Origins of Nominalism, by Raul Corazzon, which includes an annotated bibliography.
  • Peter Abelard, by James E. Kiefer.
  • Prologue to Abelard’s Sic et non, by W.J. Lewis (and S. Barney), online at the Internet History Sourcebooks Project (Fordham).
  • First Lecture on Abelard and Second Lecture on Abelard, by R. J. Kilcullen (Politics and International Relations, Macquarie University).
  • Some older print editions and manuscripts (Gallica (gallica.bnf.fr), the website of the Bibliothèque nationale de France, now has images of several older print editions (including Cousin’s still valuable editions) and a few manuscripts, which in some cases are the only known surviving copies of those works)
  • Logicalia Medievalia, website maintained by Caterina Tarlazzi (Ca’ Foscari University of Venice), which aims to draw together recent research on Latin logical texts before 1220 with particular attention to research on William of Champeaux and Peter Abelard.

مدخلات ذات صلة

Aristotle, General Topics: logic | mereology: medieval | relations: medieval theories of | syllogism: medieval theories of | universals: the medieval problem of | William of Champeaux


[1] – الفرق بين العبارتين نحوي ويخالف من حيث قواعد اللغة، وهي تختلف من اللغة اللاتينية والفرنسية وكذلك الإنكليزية من حيث ترتيب الكلام وزمن الفعل. (المترجم)