الكاتب | جيسون فاراجو |
ترجمة | عبدالله سليمان |
لن توقف اللوحات الفنية الصواريخ من السقوط، والموسيقى لن تهوّن من معاناة أحد، وبالرغم من ذلك تبقى الثقافة قوة عظمى —وهذا ما تبيّن لي أثناء زيارتي لأوكرانيا.
- عاليًا في سقف قصر “بتّي” (Pitti Palace) في مدينة فلورنسا الإيطالية، نرى أحد أهم لوحات الفنان “روبنز” التي أنهاها في آخر عمره.
- ونرى في وسط تكوين هذه اللوحة، الإله “مارس”، إله الحرب يندفع إلى المعركة من أبواب معبد جانوس، الذي يظل مغلقًا في أزمنة السلم، ولكن نرى في اللوحة أن الأبواب مفتوحة، معلنةً عن حرب قائمة.
- نجد تحت قدمي الإله “مارس” الضحايا الذي ينوي دعسهم، فهناك الأم الذي يعتريها رعب المشهد العنيف، وتحاول أن تحمي طفلها الباكي، وبجانبها جسدان قد سقطا على الأرض ليلقيا حتفهما، الأول لامرأة سقطت وانكسرت آلتها الموسيقية، والجسد الآخر للرجل الذي يمثل مهنة العمارة بحد ذاتها، تسقط من يديه أداة الفرجار.
- هذه هي لوحة “عواقب الحرب” كما تصوّرها “روبنز” في عام 1638، هناك معاناة للبشرية، والثقافة كانت الضحية.
كييف، أوكرانيا: لمعرفة كيف أن الإبادة الجماعية للمدنيين وسحق الثقافة تأتي متزامنة، لستَ مضطرًا للذهاب بعيدًا خارج كييف، حيث أنه في بوروديانكا، مركز الأعمال الوحشية الروسية على بُعد 45 دقيقة بالسيارة شمال كييف، التي أصبح الطريق إليها أبطأ الآن بعد أن تم هدم الجسور. تحطمت فيها نوافذ قصر الثقافة، وتراكم الغبار في قاعة الحفلات الخاصة بها، وأكشاك بيع التذاكر المكسورة، وفي منتصف الطريق بين العاصمة والحدود البيلاروسية، كان عليّ أن ألوي جسدي للدخول إلى متحف إيفانكيف التاريخي ومتحف التاريخ المحلي اللذان يحملان ثقل الحرب وثمنه، بتماثيلها المثقوبة الآن، والأقمشة المحترقة، وبالرغم من هذا، المشهد أسوأ بكثير في شرق أوكرانيا.
وهنا في كييف، بتحفها الفنية، ولوحاتها الجميلة، وبسكانها ومواطنيها، كلهم دفنوا تحت الأرض، حيث أنه في أحد القصور القديمة على شارع تريشتشنكيفسكا (Tereshchenkivsʹka)، كان هناك متحف كانينكو الوطني للفنون الذي يحتوي على لوحة صغيرة للفنان “روبنز”، وهي عبارة عن رسمة زيتية صغيرة لإله النهر، المعلّقة بالعادة على جدار أزرق، يعلوها سقف به على الطراز الفرنسي الكلاسيكي الجديد. ولكني عبرت تلك المنطقة مجددًا، واكتشفت أن المجموعة بأكملها اختبأت تحت الأنقاض.
في الأيام الأولى من الحرب، عندما كانت كييف محاصرة من جميع الجهات، وهرب منها نصف سكان المدينة، أراد العديد من الأمريكيين في الوسط الفني معرفة ما يمكنهم فعله لمساعدة أوكرانيا، بخلاف الأشياء التي يجب على الجميع القيام بها مثل دعم الجمعيات الخيرية ودعم اللاجئين. قدمت المتاحف والأوركسترا بياناتهم المطلوبة والمتعارف عليها للاشمئزاز والاستنكار تجاه الحرب، والولاء للقضية الأوكرانية، فمنهم من غنوا النشيد الوطني الأوكراني في أوبرا متروبوليتان، بالإضافة، افتتح برنامج “ساترداي نايت لايف” برنامجه المباشر بأغنية فولكلورية أوكرانية.
وأدركنا أنه يمكننا المساعدة عندما تعرّفنا أكثر على الامتيازات التشاركية لوسائل التواصل الاجتماعي، ودورنا المهم في التفاعل ومشاركة القصص عبر منصاتها، لأن خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي لا تفضّل الحكايات “الروبنزية” العنيفة.
ولكن الدور لم يقتصر فقط على العناصر الخارجية، لم تخجل السلطات في أوكرانيا من تشجيع الوسط الثقافي العالمي لدعم المجهود الحربي، وهذا الأمر الذي جعل الممثل الكوميدي الذي أصبح رئيسًا لأوكرانيا يعتلي أهم المنابر الثقافية، مثل بينالي البندقية، ومهرجان كان السينمائي، بل وصل لجوائز “الغرامي” ليلقي كلمته قائلاً لأوليفيا روديجو، وجازمين سوليفان، وبقية النجوم، مرتديًا قميصه الزيتوني، “في أرضنا، نحارب روسيا التي تجلب لنا صمتًا خانقًا – الصمت الميت.” ويتبعه في كلمته، المغني جون ليجند ليغني للجنود “املأ الصمت بموسيقاك،” متلألأً على المسرح، ليشجع الجميع على ترك أسلحتهم (لعلها رسالة محرجة أن تُلقى أمام مدافعين الغزو الإمبريالي).
ولكن التضامن الثقافي بالتأكيد هو شيء يفهمه الذين يعيشون في أجزاء من العالم التي ستظل ثرية وآمنة طالما الأسلحة النووية تظل خاملة في ترساناتها، وفي الحروب التي لا يوجد بها أي لبس أخلاقي مثل هذه الحرب، نتساءل، لماذا لا تصرّح الشركات، التي تدّعي أهميتها في الأحداث العالمية، بأعلى صوتها “المجد لأوكرانيا”؟ مثل هذه التصاريح، يقلل من شأن هذه الحرب إلى مجرد “شيء حالي“، وهذا الوضع الحالي والطاغي لدينا في الولايات المتحدة الأمريكية حيال أغلب القضايا المهمة، والعالمية. الجرائم ضد الأوكرانيين مستمرة، وعدد الموتى في ارتفاع مخيف، وإذا أردنا أن ندافع عن الثقافة في هذه الأوقات، لا يمكن أن يكون ببساطة عبر وسيط إعلامي آخر الذي لن يُلفت انتباهنا للاتجاه المناسب، وخصوصًا في وجود أصوات عالية تتحدث بلغة سهلة يفهمها الجميع.
لماذا يجب علينا أن نستمع للموسيقى؟ أو نتأمل لوحات فنية؟ أو نذهب لمسرحية معًا وهناك حرب دموية قائمة؟ قبل عشرين عامًا، وخصوصًا في هذه الصفحات، حينما كان الدخان يتصاعد من الأبراج التجارية العالمية بعد أحداث سبتمبر 11، والحرب ضد أفغانستان كانت في بدايتها، أجابت الناقدة مارجو جيفرسون على هذا التساؤل بشكل عبقري، مما يجعلني أتذكر الإجابة حتى يومنا هذا.
كتبت جيفرسون حينها أن سبب حاجتنا للفنون في زمن الحرب هو أن “التاريخ لن يكون حاضرًا إلا بوجود قواعد من الخيال،” واستنتجتُ من مقالتها أن من خلال الفن يمكننا تحديد نقاط الشبه ما بين الماضي والمستقبل، وبين القريب والبعيد، وبين التجريدي والمتماسك، للمساهمة في تحويل ما هو مؤكد ومحتّم إلى شكوك واردة للأوضاع الراهنة.
نحن ننظر ونستمع بطريقة تجعل التفكير والشعور يتوازيان مع بعضهما البعض. وفي الأوقات العصيبة، يمكن أن يرتفع هذا النوع من التقدير الثقافي من المستوى التحليلي إلى المستوى الأخلاقي، وإذا أولينا اهتمامًا وثيقًا للفنون– وهي مهمة تزداد صعوبة مع انتشار ثقافة الـ”ميم” memes، وإطلاق الـiPhone الجديد– يمكن أن يمنحنا الفن والأدب والموسيقى عدسة جديدة ومحسّنة لرؤية حاضرنا الجديد على أنه شيء أكثر من مجرد دفق من الكلمات والصور، وذلك حسب ما ذكرت جيفرسون بأن الفنانين يمكنهم “توفير طرق مختلفة لرؤية العالم وتنظيمه”
وأضافت جيفرسون في مقالتها، “ليس فقط عالمنا، ولكن تلك العوالم الموجودة في أماكن أخرى والتي لا نعرف عنها سوى القليل.”
تلك الشخصيات الثقافية التي نعتز بها دائمًا عاشت فترات الحروب، بدايةً من سوفوكليس إلى وولف، ومن جويا إلى شابلن، ومن كيكوجي كاوادا إلى وول سوينكا، وكلهم استوعبوا الوضوح الذي تقدمه الفنون الذي لا يمكن الحصول عليه من محاضرة أو بيان صحفي، ولكن هذا لا يعني أن الفن العالي يمكنه أن يُخرج الهمجية التي بداخلك، هناك دكتاتوريين يستمتعون بعرض باليه أو أوبرا، كما يستمتع غيرهم من الديموقراطيين والمسالمين.
وهذا لا يعني أن التمثيل أو التحدث عن الحرب هو مشروع مستحيل، أو أن أنماط الفيلم الوثائقي أو التزكيات لها أهداف محدودة لا تتعدى التجريد أو تحويلها لملحمة. بدأ الفنانون المحليون والأجانب هنا في أوكرانيا في تصوير الحرب وجهاً لوجه منذ أن بدأ القتال بالفعل قبل ثماني سنوات، وظهر ذلك في فيلم “دونباس” للمخرج الأوكراني سيرجي لوزنيتسا، و في رواية سيرهي زادان بعنوان “دار الأيتام“، وكذلك في سلسلة صور فوتوغرافية بعنوان “شرارات” الحائز على العديد من الجوائز، للمصورة البولندية “فيكتوريا وجيهوسكا” .
لنقل ببساطة، إن أفضل الفنون التي تمثل وتصوّر الحرب في أعمالها، هي الأعمال الفنية التي تأتي نتيجة تعبير فني للفنان، ولأنها أعمال فنية بذاتها، ولا تحمل أجندة خاصة بها، حينها يصبح العمل الفني قيّمًا في عالم يتجاوز التواصل والتزكية بشكل مباشر، وكلنا نعلم بذلك، فمثلًا، هناك سبب واضح لماذا لوحة بيكاسو الشهيرة “جورنيكا” لعام 1937 تم الحديث عنها مرارًا وتكرارًا في مشاهد حربية مختلفة، مثل قصف الفلوجة أو مدينة حلب، والآن تُذكر اللوحة مجددًا عندما تقصف ماريوبول، بالرغم من أن اللوحة تتحدث عن الغزو العنيف لقرية في الباسك الإسباني، وبينما لوحة ميرو “ساعدوا إسبانيا” التي أصبحت قطعة فنية تاريخية، تصرخ لنا بكل يأس بأن نساعد إسبانيا، وأينما نتجه، نجد أنفسنا دائمًا عالقون في رومنسية “كازابلانكا” عندما نستذكر اللاجئين في الحروب، والقصة المثيرة التي تبين معاناة الذين تم استعمارهم في فيلم “معركة الجزائر“، ونتساءل كذلك لماذا أغنية بوب ديلان “النفخ في الريح”، التي ممكن أن يقال عنها بأنها غامضة، استمرت واشتهرت أكثر من أغاني الاحتجاج الصريحة.
في مكان ما، في الفجوات ما بين البناء والمعنى، بين الصورة والحبكة، وبين التفكير والشعور، يعطينا الفن وجهة نظر عن المعاناة الإنسانية والقدرة البشرية التي لا يمكن نتلقاها عبر شهادة من أحد، أو حتى مباشرة من أعيننا. هذه الأعمال بمواضيعها الحربية ليست مهمة لأنها تحكي لنا موضوعًا، أو أنها–عذرًا عن استخدامي للكلمة الأكثر استهلاكًا–”ضرورية،” إنما تقع أهمية هذه الفنون في أنها تؤكد مكانة البناء والخيال في وقتٍ يُنكر احتماليتهما أثناء الحروب، ويسردان التاريخ بأعماق جديدة لا يمكن أن توضحها مجرد إشعارات هاتف ذكي، ولا يعتري اهتمام الدعايات السياسية القائمة، ويساعدنا الفن في هذه الأوقات على أن ندرك المعنى إن وجد في أي حالة من حالاته، بالرغم من موجات الصور والجنون المختلفة التي نستقبلها.
لنهرب من وضعنا الحالي قليلاً ونرجع للماضي، وتحديدًا في فلورنسا، وهي وجهة سياحية مميزة، وأحد أهم المعاقل العسكرية الإيطالية في الفترة التي عاشها فناننا، “روبنز.” بدأ الفنان وقتها في رسم اللوحة التي يحمل فيها الإله “مارس” سيف ملطٌخ بالدماء، متقدمًا به للأمام، وينظر خلفه لعشيقته، “فينوس” التي تحاول بكل يأس أن تكبح جماحه، وعنفه.
ولكن الحب خرج دوره، و”مارس” وقع تحت قبضة امرأة أخرى الآن، الغاضبة “أليكتو” بشعرها المتطاير، وعينيها الحمراوين. أثناء تأملك في اللوحة، عليك أن تنظر إلى ما هو أبعد من الوجوه، والأجسام، سترى أن الآلهة تتلوى، وتتعثر من اليمين إلى اليسار، والأجساد الصغيرة، والبريئة تحتها تنزلق وتتحطم.
عندما بدأ روبنز في رسم لوحته “عواقب الحرب” حوالي عام 1638، لم يمضي وقتها إلا 20 عامًا من “حرب الثلاثين عامًا،” لم يسبق أن عرفت أوروبا الموت مثل تلك التي عاشها “روبنز،” ولن يحدث ذلك مرة أخرى حتى القرن العشرين، ولكم أن تقارنوا هذه اللوحة بأعمال “روبنز” السابقة للأساطير الوحشية، مثل لوحة “مذبحة الأبرياء” التي من خلالها يمكنك أن ترى كيف تنزف الصورة وتتكوّن بركة دماء متدفقة أمام أعيننا.
بدلاً من رسم المعارك ومصائبها مباشرة، يبدو الأمر كما لو أن الألوان نفسها تقاتل في الحرب، وهنا أدرك “روبنز،” وسط أعمال عنف غير مسبوقة، أن حقبته بدأت تتجه لتحويل تجاوزات الباروك إلى نمط من الواقعية.
بمعنى آخر: استوعب واستنتج “روبنز” أن بناء وتكوين اللوحة بحاجة لتطرف وقسوة كما كانت حرب الثلاثين عامًا متطرفة وقاسية، وأن سرد الحكايات بإمكانها أن ترينا هذه القسوة التي قد لا نجدها في تصاوير أخرى، وبرز ذلك في لوحة “عواقب الحرب” عبر جسد موجود في أقصى يسار تكوين اللوحة، وهي امرأة شابة في فستان أسود ممزق من دون حزام، تمد يديها إلى السماء، ووجنتيها الورديتين اللتان تحملان دمعات المرأة الثقيلة، وذكر “روبنز” في مراسلاته مع فنان آخر في فلورنسا، أن هذه المرأة الباكية هي تعاسة القارة الأوروبية بذاتها، وأضاف قائلاً “هي أوروبا التعيسة التي عانت لسنوات عديدة من النهب والغضب والبؤس، وهي أمور ضارة جدًا للجميع لدرجة أنها لا تحتاج إلى مزيد من التفاصيل”، حتى في القرن السابع عشر، المشاهد القاسية كانت قوية ومستمرة طول فترة حرب الثلاثين عام لدرجة أنها أصبحت فستان أوروبا المتشابك، وشعرها الأشعث، ووجهها الوردي الساخن.
إذا كانت الصور الحربية متشبعة بهذا الشكل في ثلاثينيات القرن السابع عشر، فأنا لا أعرف كيف أبدأ في قياس التشبع الفائق اليوم. ومع ذلك، فإن صور النهب والبؤس في عصرنا لها تأثير أخلاقي أقل كل عام – كما تعلمنا بشكل مخيف خلال الحرب الأهلية السورية، التي من المحتمل جدًا أن تكون الأكثر توثيقًا في تاريخ البشرية (حتى هذا التاريخ).
وبالرغم من هذا التوثيق، والصور المنتشرة في كل مكان، والشهادات المستمرة عن الفظائع السورية على مدى 10 سنوات كاملة فقد كان تأثيرها معدوم، ويمكنني أن أشعر بهذا الفارق في يومنا هذا، وخصوصًا هذا الشهر. برز دور الكاميرات المحمولة باليد لهذه الحرب المروعة والدعاية المؤثرة لها، والبث المباشر لضربات صواريخ Kh-22، وتحديثات مباشرة عبر تطبيق “تيليقرام” للرعب الشرقي، ومشاركات الجمهور عبر تطبيق “الإنستقرام” عن طفل قتيل يبلغ من العمر 4 سنوات مصاب بمتلازمة داون بصاروخ روسي في حديقة بالمدينة. لقد أصبحت هذه الاعتداءات في أوكرانيا بالفعل شيئًا آخر مُشبع يمر علينا، تمامًا كما مررنا عبر دمشق وحلب.
أصبح الحرب هو الانعكاس النهائي للحيرة الرقمية التي حددتها الروائية البولندية أولغا توكارتشوك على أنها التحدي الأساسي للفنانين والجماهير اليوم، على شاشة الهاتف، كل مكان تعني “في مكان ما”، أعربت توكارتشوك عن أسفها في محاضرتها لجائزة نوبل عام 2019، وقالت: “يغرق بعض الناس ‘في مكان ما’ أثناء محاولتهم عبور البحر. ‘في مكان ما’ ، ‘لبعض الوقت’ ، كان هناك حرب من ‘نوع ما’. في طوفان المعلومات تفقد الرسائل الفردية معالمها وتتبدد في ذاكرتنا وتصبح غير واقعية وتتلاشى.” كيف يمكن لأي عمل فني حربي أو أي عمل فني تصويري للحرب أن يجبرنا أن نحافظ على أهميته، ولكن هذه الأعمال تجري في نهر متدفق من المعلومات لا تثير انتباه أحد؟ حتى الجنود، حاملين بنادق الـAK-47، مع هواتفهم الذكية كل يوم منذ 24 فبراير يتابعون أحدث المستجدات للشيء “الحالي.”
وفقًا لتوكارتشوك، إن فرصتنا الوحيدة للانتقال من “مكان ما” إلى مكان ما فعلي، تكمن في نموذج للإبداع الفني الذي يكسر الشخص الأول المفرد في تحديث الحالة، وكما ذكرت توكارتشوك، يسعى هذا النموذج للوصول إلى “قصة من شأنها أن تتجاوز السجن غير التواصلي للفرد نفسه”، أصبحت الثقافة الأمريكية خائفة من قصص مثل هذه–قصص أكثر عالمية ، وقصص أكثر شمولاً–لكن كتابتها كانت مهمة الفنانين في زمن الحرب منذ أن قام إسخيلوس بكتابة مسرحية “الفرس“. إن الالتزام الثقافي الذي يمكننا العمل به اليوم، كما يمر عالم الأمس في ضباب معرفيّ، هو إعادة اكتشاف التكلفة البشرية الكاملة لمعاركنا الدائمة، حتى لو كانت انعكاساتها في الفن مجزأة، ومن هذه الأجزاء قد نكوّن نظرة عن عواقب الحرب ومخاطرها، لأن حينها لن يكون لدينا رفاهية أن نصل إلى آخر الصفحة في تطبيقاتنا الإلكترونية.