
العقل و النزعة القومية (نسخة PDF)
لم يحض بأي فرصة، خطؤه الأول أنه كان يبحث عن الطعام وحيدا ؛ ربما الأمور كانت ستأخذ مجرى آخر لو كان برفقة شخص آخر . خطؤه الثاني والأكبر كونه يتجول بعيداً جداً في منطقة خطرة أقصى الوادي. ويقع المكان الذي يخاطر فيه بالجري إلى الآخرين بين التلال في أعلى الوادي. وفي بادئ الأمر كان هناك اثنان منهم ، وقد حاول القتال معهم ولكن أربعة تسللوا وحاصروه فأصبح محاطا ، وتركوه بعدها ينزف حتى الموت، ثم عادوا في وقت لاحق لتشويه جثته، وفي نهاية المطاف وقع حوالي عشرين عملية قتل ولم يتبقى بعدها أحد ، وسيطر الآخرون على الوادي بأكمله .
إن أبطال الرواية في ملحمة الغزو الدم هذه الذين قصهم عالِم الحيوانات جون ميتاني ليسوا أشخاصًا ، بل هم الشمبانزي في حديقة أوغندا الوطنية . فعلى مدار عقد من الزمان ، كان الشمبانزي الذكور في المجموعة الواحدة يقومون بشكل منهجي بقتل كل ذكر مجاور لهم وخطف الإناث الباقية على قيد الحياة والعمل على توسيع نطاق أراضيهم. كما تحدث هناك هجمات مماثلة في مجتمعات الشمبانزي في أماكن مختلفة . وفي عام 2014 أشارت دراسة إلى أنه من المرجح أن يقتل الشمبانزي فردا من جماعة أخرى أكثر بثلاثين مرة على أن يقتل فردا من جماعته. وفي المتوسط , يتحد ثمانية ذكور على ضحية واحدة.
إذا كان هذا هو الواقع العنيف للحياة باعتبارهم قرود , فهل من المفاجئ أن البشر الذين يشاركون أكثر من 98 في المائة من الحمض النووي الخاص بهم مع الشمبانزي. أن يقسمون العالم أيضًا إلى “نحن” و “هم” ويذهبون إلى الحرب على هذه الفئات ؟ المقارنات الاختزالية خطيرة بالطبع . يتشارك البشر نفس القدر من الحمض النووي الخاص بهم مع البابون، ومن هذه الموروثات السلوك الوحشي الذي لم يسمع به أحد.
وعلى الرغم من أن البشر لا يقتلون فقط من أجل الوصول إلى الوادي ولكن أيضًا بسبب التجريديات مثل الإيديولوجيات والميتافيزيقيات والقوة الاقتصادية ، فهم لا نظير لهم في قدرتهم على تغيير سلوكهم . (قضى السويديون القرن السابع عشر يعثون في أرجاء أوروبا ؛ أما اليوم فهم كما هم).
ومع ذلك ، تنشأ أفضل وأسوأ لحظات الجنس البشري من نظام يشمل كل شيء بدءا من الثانية التي تسبق النشاط العصبي إلى اخر مليون عام من التطور (إلى جانب مجموعة معقدة من العوامل الاجتماعية).
ولفهم ديناميكية هوية المجموعة البشرية ، بما في ذلك عودة النزعة القومية –هذا الشكل الأكثر تدميراً للانحياز داخل المجموعة– يتطلب فهم الأسس البيولوجية والمعرفية التي تشكلها. يقدم مثل هذا التحليل أسبابًا قليلة للتفاؤل. تميز أدمغتنا بين أعضاء المجموعة والأجانب في جزء صغير من الثانية ، فتشجعنا على أن نكون لطفاء مع الأول ولكن معادين للآخر . هذه التحيزات تلقائية وغير واعية وتظهر في سن مبكر بشكل مذهل وهي بطبيعة الحال تعسفية وسلسة غالباً.قد نصبح غدا مثل ما هم عليه اليوم ولكن هذا ليس سوى عزاء الفقراء
