مجلة حكمة
شهاب الدين السهروردي

السهروردي


مدخل فلسفي شامل حول سيرة شهاب الدين السهروردي وأعماله، وفلسفته في السياسية والأخلاق، والإلهيات، والطبيعيات؛ نص مترجم لد. روكسان ماركوت، ترجمة: عبد العاطي طلبة، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها تعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


من هو السهروردي؟

أصبح شهاب الدين السهروردي «1191-1154» المتمرِّس في الفلسفة المشّائيّة علمًا على مدرسة الإشراق في التقليد الفلسفيّ. ولأنّ أعماله لم تترْجم إلى اللّاتينيّة، فإنها بقيتْ غير معروفة لدى الغربيِّين، على الرّغم من قيام عدد من دوائر الشّرق الإسلاميّ الفلسفيّة بدراسة أعماله بدايةً من القرن الثالث عشر وما بعده. ولقد عمل هنري كوربان بلا كللٍ منتصف العشرينيّات على تحقيق ونشر أعماله، وعلى بذل جهودٍ ساعدتْ على توليد اهتمام جادٍّ بنظامه الفلسفي المبْتكر؛ ذلك النّظام الذي أعاد إحياءه جيلٌ جديد من الباحثين في التسعينيّات.

         يطرح شهاب الدين السهروردي نقدًا أفلاطونيًّا أصيلًا لفلسفة ابن سينا المشّائيّة التي كانت مهيْمِنةً آنذاك على مجالات المنطق، والطبيعيّات، ونظريّة المعرفة، وعلم النفس، والإلهيّات. وفي هذا الإطار النقديّ، يطوِّر السهروردي حكمته الإشراقيّة، وقوانينه، ومفاهيمه في سِياقيْ ما بعد الطبيعة «علم الوجود، وعلم الكون»، ونظريّته الخاصّة في المعرفة «المنطق، وعلم النفس»، فيخالف مفهوم الماهيّة في فلسفة ابن سينا المشّائيّة، ويقسِّم المنطق أقسامًا ثلاثة؛ مخْتزِلًا القياس المنطقيّ في أشكالٍ أقلّ، أمّا في الطبيعيّات فإنّه يرفض مادّصوريّة [هيلومورفيّة] ابن سينا؛ [نظرية فلسفية أرسططاليسيّة تفسِّر تكون الأجسام من الهيولى والصّورة]، ويرى أنّ الأجسام تأخذ امتدادها عن طريق تواردِ الهيئاتِ عليها.

         يقود المنظور الإبستمولوجيّ للسهروردي إلى نقد نظريّة ابن سينا المشّائيّة في الحدود [التّعريف] من أجل إفساح الطّريق أمام نظريّتِه في العلم الحضوريّ «الكشف الصّوفي»، ولتطوير أنطولوجيا الأنوار المعقّد، ولإضافة عالم أنطولوجيّ رابع «عالم الصّور» حيث يشغل الخيال وظيفةً أخرويّة جديدة، متوسِّعًا في إشاراتِ ابن سينا الثّاقِبة.


1. سيرة السهروردي وأعماله

1.1 حياة السهروردي

لا تخبرنا المصادر الكثير عن حياة شهاب الدين السهروردي نظرًا لندْرتِها. ولِد في بلدةِ سهْرورْد شمال غرب إيران حوالي 1154، وتابع تعليمه في مدينة مراغة مع مجد الدين الجيلي؛ أحد أشياخ فخر الدين الرازي «توفي 1210». يسافر بعد ذلك إلى أصفهان طالبًا العلم على يدي المنطقيّ ظهير الدين الفارسيّ «أو القاري» الذي قرأ عليه «البصائر المنطقيّة في علم المنطق»، وهو كتاب من تصنيف القاضي زين الدين عمر بن سهلان السّاوي «توفي حوالي 1158»، لينطلق بعدها في رحلةٍ يبحث فيها عن المعرفة. يحكي شمس الدين الشهْرزورِي «توفّي حوالي 1288» عن السهروردي أسفاره وانتقالاتِه الحثيثة بين أرجاءِ الأناضول، ومصاحبته عددًا من أشياخ الصوفيّة الكبار كفخر الدين المارديني «توفي 1198»، والذي كان يدرِّس الطِّبّ وأعمال ابن سينا أيضًا.

إنّه على ما يبدو، لقد كان في أسفاره تلك ساعيًا تجاه الحكمة والخبرة الرّوحيّة، حاملًا نفسه على حياةٍ زهْدِيّةٍ تأمّلِيّةٍ كالعزْلةِ وممارساتِ التّنسّك «الشهرزوري 1988». يضع كتّاب السِّيرِ والسهرورديّ نفسه نسبًا روحانيًّا شهيرًا يدّعى فيه إحياء التّراث الفكريّ لسلسلة عرفانيّة طويلة من الحاملين لمعرفة القدماء الحقيقيّة «الخسرانيّون» (لاندولت 2008، 240-242). وما كان السهروردي بِدْعًا بين علماء عصره في توسّلِه الدّعْم من حكّامِ الأناضول خلال أسفاره تلك.

يصل شهاب الدين السهروردي حلب عام 1183 في الوقت نفسه الذي يقتحم فيه صلاح الدين الأيوبيّ المدينة، ويسْلِم زمامها ولده الظّاهر «توفي 1216». سطع نجم السهروردي بدايةً وعلا بين علماء حلب كعالمٍ سنيّ شافعيّ (ماركوت 2001، 399-400)، وبالتدريج استطاع تكوين جمهور له داخل القصر، بل وصادق الملك الظاهر نفسه، وفي عام 1186 ينتهي وهو في عمر الثالثة والثلاثين من كتابه «حكمة الإشراق»؛ أهمّ أعماله على الإطلاق.

التقى عبد اللطيف البغداديّ السهرورديّ في غضون 1189، أو بعد ذلك بقليلٍ بعد اطِّلاعه على كِتابيِ «اللّمحات»، و«المعارج» بينما كان في الموصل. لم تلق أفكار السهرورديّ لدى البغداديّ قبولًا، بل رآها خِلْوًا من الفائدة، وقد يرجع سبب ذلك إلى إنكار السهروردي «هذا الأنوك [الأحمق]» مقولاتٍ رئيسة في الفلسفة المشّائيّة والتي كان البغدادي مولعًا بها (مارتيني بونادو 2015، 2013، 124-125)، ولعل لقاءً آخر مشكوكًا في وقوعِه قد جرى بين السهروردي وفخر الدين الرازي (نصر، وأمين رضوي 2010، 185).

تظاهرتْ مجموعة من العوامل أدّتْ إلى مأساةِ شهاب الدين السهروردي، ومن ذلك حقيقة ظهورِه على سلطةِ النّخبة الدينيّة في حلب –والتي كان عليها اعتماد الأيّوبيّين في شرْعنةِ سيطرتهم السياسيّة على المدينة- فكانت له اليد العليا دائمًا في مناظراته مع علمائها، ولم يكن ثمة أحد قادرًا على مجاراته عقليًّا، بالإضافة إلى إظهاره نوعًا من التّعالِي والكِبر على علماء حلب كما بدا الأمر (ماركوت، 400-401). على صعيدٍ، اتّهِم السهروردي باعتناقه أفكار الزنادقة، وهي تهمة غامضة دعِّمتْ باعتمادِه على أعلام ورموز فارس ما قبل الإسلام التي وجِدتْ مبْثوثةً في بعض كتبه، وادِّعائِهِ الإلهام الإلهيّ، ومساءلتِه أخيرًا عن قدرة الله المطلقة وعلاقتها المنطقيّة بختْمِ النّبوّة.

وعلى صيعد آخر، قام البعض بتفسير شيء من سلوكه كمؤامرة سياسيّة؛ كارتباط الملك الأيوبيّ الظاهر به، وعلاقاته السابقة مع الدولة الأرتقيّة المهزومة مؤخّرًا، إذ قام بتحرير كتابه «الألواح العماديّة» المكتوب في حلب؛ استجابةً لطلبٍ من عماد الدين، أحد حكّامِ الأناضول المحلِّيِّين. أما على أسوأ الأحوال، فقد كان يتهم بِتبنِّيهِ آراء الإسماعيليّة فيما يتعلّق بخليفة الله على الأرض؛ هذا المفهوم التّراتبِيّ واضح المعالِم، والذي تمّ تأسيس بنائه على مفهومي العِشق والقهْر، بمصطلحات تقترب من آراء إمبادوقليس كما وجِدتْ في أعمال السِّجستاني «توفي بعد 971»، أو إخوان الصفا، وغيرهم (لاندولت 2008، 242-244).

على كلٍّ، اتّهِم السهروردي نهايةً بالزندقة بدلًا من الخيانة، وما يزال كتّاب التّراجِمِ والمؤرِّخون يتنازعون حول تهمة السهروردي الحقيقة وجريان الأحداث التي أدّتْ إلى إعدامِه نهايةً عام 1191، أو بدايات 1192 (ماركوت 2001a).

2.1 مؤلفات السهروردي

تتعدّد تصنيفات أعمالِ شهاب الدين السهروردي لدى دارسيه، فهي ثلاثة (ماسينيون)، أو أربعة (كوربان، ووالبريدج، وضياء)، أو خمسة (نصر 1964، 58-9)، أو ستة (كديور 2011)، (السهروردي، 1993a، vii-xvii، xviii-xx). وعلى الرغم من عدم إمكان التعرّف على تاريخ أعماله بالضبط إلا إذا استثنينا منها عددًا قليلًا، إلا أنّ والبريدج (2017، 257-8) قد استرشد بمجموعة من الإشارات الواردة في كتبه، وأقام عليها التّصنيف التّالي آخذًا بعين الاعتبار التّداخل الكائن في بعض نصوصه:

  • (1) أعماله المبكِّرة «قبل 1182»، مثل «هياكل النور» (السهروردي 1996)، وقصصه الرّمزيّة «معظمها بالفارسيّة» التي تصوّر فيها رحلة الرّوح (السهروردي 1976، 1993c، 1999b، 2001، 2007)، كما تناول بعض أعمال ابن سينا؛ كترجمته الفارسيّة لـ«رسالة الطّير»، وشرحه على «الإشارات والتنبيهات»، ومعالجته الخاصّة لرسالته «في ماهيّة العشق».
  • (2) أعماله المشّائيّة المسْتقِلّة «من 1180 حتى 1186»، مثل «اللّمحات»، و«التّلْويحات»، واللّذانِ أكملهما قبل «حكمة الإشراق»، ولخّص فيهما أطروحات ابن سينا المشّائيّة (السهروردي 1993a، 121-1 [ما بعد الطبيعة]، 2009a، [المنطق، والطبيعة، وما بعد الطبيعة]؛ ينْظر أيضًا: ابن كمّونة 2003، 2009).
  • (3) حكمة الإشراق، وهو عنوان الكتاب الذي أنهاه عام 1186؛ يفصِّل فيه السهروردي النظام الفلسفيّ للحكمة الإشراقيّة، وأسسها، ومبانِيها، ومقولاتِها الأساسيّة، كما يشرح مفهوم النّور كرمز قابع في أحشاءِ إعادةِ هيكلته لعددٍ من أطروحات ابن سينا المشّائيّة حول الأنطولوجيا والكوزمولوجيا.
  • (4) أعماله المشّائية الأخرى؛ اكتملتْ بحلول 1186، مثل «المشارع والمطارحات»، «لعلّه أنهاه بدايات 1180 وهو يتاخِم الثلاثين من عمره» (السهروردي، 1993a، 124-92 [ما بعد الطبيعة]، 2006 [المنطق]، ينْظر أيضًا: 2015 [الطبيعيّات])، و«المقاومات» (السهروردي 1993a ،124-92 [ما بعد الطبيعة]، ينْظر أيضًا 2009b)؛ يجول فيهما السهروردي بنظره مرة أخرى في المسائل التي طرِحتْ من قبل في «حكمة الإشراق».
  • (5) أعماله الموجزة الأخرى «بداية من 1180 حتى 1185» كـ«الألواح العماديّة» (السهروردي 2001، 31-98 [بالعربيّة]، 1993c، 110-95 [بالفارسيّة]، 1976، 99-116 [كوربان])، وكتابه الآخر شديد الإيجاز: «الواردات والتّقديسات»، كما كتب رسائل أخرى صغيرة الحجم كـ«أدعية متفرِّقة»، و«المناجاة»، و«الواردات الإلهيّة بتحيّرات الكواكب وتسبيحاتها» (والبريدج 2011، السهروردي 1976)، «وتفسير آيات من كتاب الله» (نوربخش 2007»، وديوانه الشّعريّ (السهروردي 2005).

لعلّ شهاب الدين السهروردي لم يمرّ في رحلته الفكريّة بمرحلة مشّائيّة خالصة كما ينتبه كوربان «توفي 1978» إلى ذلك، على الرّغم من أنّه يؤكّد بنفسه على أنّه كان شديد الذّبِّ عن طريقة المشّائين، عظيم الميْلِ إليها وهو في شبابه (حكمة الإشراق، الفقرة 166)، هذا إذا كانتْ أطروحاته قد ألِّفتْ بالفعل في مقدار قصير جدًّا من الزمن؛ خلال عشر سنوات تقريبًا.

بالإضافة إلى ذلك، يبسط في عدد من كتبه المبادئ المشّائيّة والإشراقيّة ممْتزِجتيْنِ معًا كما فعل في «هياكل النور»، و«الألواح العماديّة» التي كتبها بعد «حكمة الإشراق»؛ خلال آخر خمس سنوات من حياته (السهروردي 1996، 1976، 139-47)، والأمر نفسه إذا ما تعلّق بـ«التّلويحات»، فعلي الرّغم من أنه قد أكّد قيامه بكتابته وترتيبه على طريقة المشّائين (حكمة الإشراق، فقرة 3) الّذين أعاد النظر في طريقتهم (السهروردي 1993a، 2)، إلّا أنّه يمهِّد فيه الطريق إلى «حكمة الإشراق»، ويمكن الوقوف فيه على مواضع فارقة تخصّ فلسفته الإشراقيّة (السهروردي 1993a، 70-8، 105-21، ينْظر أيضًا: والبريدج 2017/ 256-9).

ينبغي الالتفات هنا أيضًا إلى ترابط أعمال شهاب الدين السهروردي الفلسفيّة الرئيسة وتداخلها، فتتقاطع أجزاؤها ويحيل بعضها على بعض، وبالتّالي، يمكن لنا أنْ نفهم نظامه الفلسفي كمنظومة كليّة واحدة. يقترح والبريدج (2017، 258) الترتيب التّالي لـ أعمال السهروردي الرئيسة:

  1. «التّلويحات»، والذي أنهاه قبل «حكمة الإشراق».
  2. «حكمة الإشراق»، والذي أكمله عام 1186.
  3. «المشارع والمطارحات»، و«اللّمحات»، واللّذان بدأهما بالتّزامن مع «حكمة الإشراق»، ولكنّه انتهى منهما لاحقًا (ينْظر: السهروردي 1991، 142.10، 146.14 [تحقيق: نجفقلي، 175.19-20]، وينْظر أيضًا: 1988، 207.5، 215.6، 2001، 241.2-4).
  4. «المقاومات»، والذي كتبه بعد انتهائه من «حكمة الإشراق»، و«المشارع والمطارحات».

يمكننا أخيرًا الأخذ بهذا التّرتيب؛ مبتدئين بـ«التّلويحات»، ومِن ثمّ «المشارع والمطارحات»، و«اللّمحات»، انتهاءً إلى «حكمة الإشراق»، متبوعًا بـ«المقاومات».

سعى السهروردي حثيثًا إلى إحياء التّراث الفكري لكلِّ هؤلاءِ الّذين تمكّنوا من تحصيل المعرفة الحقّة أيًّا كان نوعها؛ سواء كانتْ عن قدماء الشّرق أو الغرب، غير متوانٍ عن الاستفادة من تجاربهم المعرفيّة. يذكر شهاب الدين السهروردي في «حكمة الإشراق» أنّ عزمه على كتابةِ هذا العمل كان بغْية الكشف عما يصفه بقوله:

«ما حصل لي بالذّوق في خلواتي ومنازلاتِي […] وهذا سياق آخر، وطريق أقرب من تلك الطريقة [المشّائيّة]، وأضبط وأنظم، وأقلّ إتعابًا في التّحصيل. ولم يحصل لي أوّلًا بالفكر، بل كان حصوله بأمرٍ آخر؛ ثم طلبت عليه الحجّة حتى لو قطعت النّظر عن الحجّةِ مثلًا، ما كان يشكِّكني فيه مشكِّك. وما ذكرته من علم الأنوار، وجميع ما يبْتنى عليه وغيره يساعدني عليه من سلك سبيل الله عز وجلّ، وهو ذوق إمامِ الحكمة ورئيسها أفلاطون» (حكمة الإشراق، الفِقر 2-4).

تلك هي الطّريقة الإشراقيّة، بجميع أصولها ومبادئها؛ منْبنِيةً على صميم أقوالِ المشّائين مع تنقيحها، وتعديلها «ولا سيّما آراء ابن سينا»، ومن ثمّ كان في إمكانه أن يضمِّنها بناءه الفلسفيّ الجديد. ولعلّه يكون من المعقول اعتبار فلسفة السهروردي مشروعًا أفلاطونيًّا لنقد لابن سينا، والنّسْخة المشّائية من الأفلاطونيّة المحْدثة. إنّ ما قدّمه السهروردي في هذا الصّدد يشبه إلى حدٍّ بعيد الانتقاداتِ العديدة التي قدّمها الشّهرستاني «توفي 1153»، وأبو البركات البغدادي «توفي حوالي 1142»، وفخر الدِّين الرّازي «توفي 1210»، وأبو حامد الغزالي «توفي 1111»، وغيرهم.

3.1 مصادر السهروردي الفكرية

إنّ محاولة رسم خريطة تعْرِب عن المساقِ الفكريّ للسهروردي، وتحدِّد مصادره التي ربما اعتمد عليها تثبت صعوبة الأمر إلى حدٍّ بعيد، إذ يذكر حماسته بدايةً للطريقة المشّائيّة ودفاعه عنها، ثمّ استعانته بعد ذلك بِمنْ «سلك سبيل الله عزّ وجلّ»، وصار رئيسًا في علم «الذّوق» كـ«إمام الحكمة ورئيسها أفلاطون، صاحب الأيدِ والنّور، وكذا من قبله من زمانٍ والد الحكماء هرمس إلى زمانه من عظماء الحكماء وأساطين الحكمة؛ مثل إمبادوقليس، وفيثاغورس، وغيرهما» من حكماء اليونان، أمّا حكماء الفرس، فيذكر منهم «جامسف، وفرشاوشير، وبزرجمهر، ومنْ قبْلهم» (حكمة الإشراق، الفقرة 4، ينْظر أيضًا: السهروردي 1993a، 502-4).

يسعى مشروع شهاب الدين السهروردي إذن إلى إحياء حكمة القدماء، متلمِّسًا طريق الحِكْمتيْنِ «الشرقيّة/ الغربيّة» معًا، من أجل استئناف هذه السّلالة الروحيّة مرةً أخرى من فلاسفة اليونان والعرب المتألِّهِين؛ مِنْ السّالكين طريق الله.

تلقّى السهروردي تعليمه الفلسفيّ على الطّريقة المشّائيّة، فقام على دراسة آراء أرسططاليس، وأفلاطون، والأفلاطونيّين المحدثين، ومنْ كتب بالعربيّة مِن الفلاسفة المتأخِّرين، ولا سيّما ابن سينا «توفّي 1037»، والّذي اتّخذتْ أعماله الأساسيّة مقامًا مركزيًّا وبقيتْ على ذلك. وما يزال البحث قائمًا لمعرفة طبيعة التّأثير الذي مارستْه أعمال ابن سينا الأخرى عليه؛ نذكر على سبيل المثال: «المباحثات» (1992)، «التّعليقات على حواشي كتاب النفس لأرسططاليس» (1984)، وكذلك التّأثير الذي مارسه عليه فلاسفة ما بعد ابن سينا؛ نخصّ بالذِّكر أبا البركات البغداديّ «توفّي حوالي 1157»، والنّاقد الكبير لمنطقِ وعلمِ نفسِ وميتافيزيقا ابنِ سينا، صاحب الطريقة الانتقائيّة في البحث؛ فخر الدّين الرّازيّ «توفّي حوالي 1210»، ولا ينسى أيضًا المنطقيّ المبدِع عمر بن سهلان السّاوي «توفّي حوالي 1158».

إنّه ما يزال من الصّعوبة بمكان معرفة الرّحلة الفكريّة للسهروردي على وجه التّحديد، فضلًا عن اشتباكاتِه الفكريّة مع التّصوّف، أو غنوصيّة وهرمسيّة اليونان القديمة، أو التّقليد الزّرادشتيّ لفارس القديمة، علاوةً على كلِّ هذه الرّموز التي كانت تلقى منه قبولًا وإعجابًا (موحِّد 1995). ولقد حاول البعض تتبّع التّأثيرات اليونانيّة فيه في شخصيّاتٍ مثل إمبادوقليس، وفيثاغورس، وهرمس، وغيرهم. إنّنا نجد في أعماله نوعًا من المعالجات التي تضعه في مصافِّ الأفلاطونيِّين المحدثين (والبريدج 2000، 2001)، سواء كان نجاحه في ذلك كبيرًا أو صغيرًا (غوتاس 2003، 308).

كثيرًا ما يتوسّل شهاب الدين السهروردي سلطة أفلاطون، ومن ذلك اعتماده على ما جاء في «أثولوجيا» المنسوب خطأً إلى أرسططاليس، لأنه ليس في الحقيقة إلّا إعادة صياغة لأجزاء من «التّاسوعات» لأفلوطين (IV-VI). يعزو السهروردي الـ«أثولوجيا» إلى أفلاطون، ولعلّ سبب ذلك تكرار اسمه كثيرًا في نهايات الفصل الأوّل (دانكونا 2004).

تثبت المقاطع الّتي يقتبسها السهروردي أو يلمِّح فيها إلى نصٍّ من الـ«أثولوجيا» ما ذكرناه (I.21-26، ينْظر أيضًا: التّاسوعات 4.8.1)، والّتي يعزوها إلى أفلاطون كما أشرنا (حكمة الإشراق، الفقرة 171، ينْظر أيضًا: السهروردي 1993a)، إذ يستشهد في هذه الفقرة بأفلاطون صراحةً، ويعزو إليه كلامًا، كما يفعل ذلك مرةً أخرة، لكن بصورة أقلّ في «التّلويحات» (السهروردي 1993a، 122، ينْظر أيضًا: والبريدج 2000، 134-137)، ولمزيدِ مطالعةٍ حول هذا التّداخل ينْظر: أرنزن 2001، 119-150، سيْناي 2011 [تعليقًا على الفِقر 4، 94، 109، 171 من «حكمة الإشراق»]). ومِمّا يبدو عليه الأمر أنّ الشهرزوري قد عرف الـ«أثولوجيا» باسم «كتاب المِيمر»؛ وهو مصطلح استخدِم في الـ«أثولوجيا» العربيّة بمعنى «فصل»، أو «قول»، أو «باب».

علاوةً على ذلك، يحتوي جزء الإلهيّات على فِقراتٍ من (التّاسوعات IV، 8.1)؛ تتضمّن أسماء فلاسفةٍ من التّقليد اليونانيّ يدّعِي السهروردي وراثتهم. لعلّ سؤالًا يطرح نفسه؛ لماذا فضّل السهروردي تقديم نفسه متابِعًا هؤلاء الفلاسفة القدماء، ولا سيّما أفلاطون، في حين تجاهل ابن سينا؟ لم يتضِحْ هذا الأمر بجلاءٍ حتى الآن (غوتاس 2003، 9-308).

إلى جانب ذلك، لم يكتشف تمامًا نوع التّأثير الإسماعيليّ أو الصّوفيّ فيه حتى الآن. نعم، توجد بعض العناصر المبثوثة في فلسفته الإشراقيّة يمكن لها الانسجام مع الفكر الإسماعيليّ، ولا سيّما التّخطيط الهرميّ للكيان الوجوديّ كما تجسّده أعمال القرنِ العاشر الميلاديّ لأبي يعقوب السّجستانيّ، ولعلّ هذه التأثيرات الإسماعيليّة تكون أكثر حضورًا في فكره من العقائد التقليديّة لدى الصوفيّة التي يدّعِي هو متابعتها (لاندولت 1987)، وعلى الرّغم من الوقوف على أوجهِ شبهٍ بينه وبين بعض النظريّاتِ الصّوفيّة المعينة (لاندولت 2008، كما سيأتي بيانه).

على صيعد آخر، لا يتردّد كتاب التّراجِمِ في العصور الوسطى في تقرير النّزوع الصّوفيّ لدى الرّجل، ووصْفِ اتّصاله بصوفيّة عصرِه، فضلًا عن ممارساتِه التّقشّفيّة العجيبة، وحياة القدِّيسين التي كان يحياها. لقد كان يعتبر هذه الممارسات شرطًا ضروريًّا في التّهيئةِ لحيازة العلم الحضوريّ، والتّحقّق بمشاهدة الأنوار.

يعتمد شهاب الدين السهروردي أيضًا على الزرادشتيّة وتصاويرها، ومصطلحاتها، وشخصيّاتها الأسطوريّة، درجة حضورِ اللّاهوتِ المزديّ لديه أيضًا؛ انظر على سبيل المثال: «الواردات الإلهيّة بتحيّرات الكواكب وتسبيحاتها»، و«أدعية متفرِّقة» (السهروردي 1976، معِين 1950، ينْظر: غفّاري 2001، 85-375، وكذلك أعماله الغامضة ذات الطابع النّسكِيّ التي قام والبريدج بكشف اللِّثام عنها 2011).

يؤدي علم الملائكة دورًا مركزيًّا في فكر السهروردي؛ الأمر الذي يراه البعض تجسيدًا لمبادئ النّور العقليّة كما وجِدتْ في الفكر الزّرادشتيّ القديم (كوربان 1971، 3-111، 5-124)، أو المزديّ (نصر 1964، 71)، ويرى البعض الآخر هذا الحضور ليس إلا صدىً لعلم الملائكة الموجود في «الكتاب المعتبر» لأبي البركات البغداديّ، والذي قام على تأمّلاتٍ شخصيّة خاصّة بمؤلِّفه (1939، المجلّد الثاني، 157، ينْظر أيضًا: بيْنِس 1979، 5-235)، ولا نرى فيه أثرًا لأيِّ رمزيّةٍ فارسيّة قديمة على الإطلاق. ويمكن للنّاظر أخيرًا أن لا يضع في حسبانه تلمّس علاقة تاريخيّة واضحة بين السهروردي ونصوص تقليديّة بعينها، وله أنْ يعتمد على ما جاء عنه من ادِّعاءٍ خاصّ؛ أنّه قصد في أعماله تقديم مزيج معرفيّ للتّراثيْنِ الشّرقيّ والغربيّ.

2. المنطقيات

1.2 وظيفيّة المنطق

لم يكتب الكثير حول أطروحات شهاب الدين السهروردي المنطقيّة أو منطقه على وجه العموم، إذ ظلّتْ معظم أعمالِه المنطقيّة غير محقّقة أصلًا، بالإضافة إلى أنّ دارسي الفلسفة الإسلاميّة قلّما يوغلون في دراسة المنطق. لعلّ حسن ضياء (1990) الوحيد الذي قدّم لنا نظرةً محلِّقةً فوق منطق السهروردي، ونقْدِهِ تعريفاتِ الماهيّة لدى أرسططاليس وابن سينا، بالإضافة إلى نظريّته الإشراقيّة في الحدود [التّعريف]. وبينما تتضمّن أعمال السهروردي الرئيسة سجالاتٍ منطقيّة كـ«حكمة الإشراق»، فإنّه يقوم بنقدِ وإعادةِ صياغة لبعض مفاهيمِ المنطق المشّائيّ.

يرى الشهرزوري (1988) أعمال السهروردي معبّأةً بالأثر الذي تركتْه دراسته المكثّفة لـ«البصائر المنطقيّة في علم المنطق»، من تأليف ابن سهلان السّاوي (1988، 378)، وهو منطقيّ فارسي غير أرسططاليسيّ؛ قام بإعادة ترتيب محتويات الـ«أورغانون»، ولعلّ هذا التّرتيب قد ألهم السهروردي في إعادةِ بناء المنطق بناءً جديدًا كما فعل في «التّلويحات» حيث عالج الأقوال الشّارِحة، واحتلّ الحدّ والرّسْم مكانًا في نظريّتِه الدلاليّة والبرهانيّة (ضيائي 1990، 45، 51-6).

وممّا تجدر الإشارة إليه محاولة ضياء إعادة صياغة المفاهيم حول الاستخدام النّفعيّ للمنطق لدى السهروردي، وقيامه بتقسيمه إلى ثلاثة أقسام؛ أوّلًا: منطق التصوّرات أو نظريّة التصوّر [يبحث الحدود بدون اعتبار العلاقات التي قد تكون بينها]، وثانيًا: منطق التّصديقات أو نظريّة الحكم [يبحث في ارتباط فكرة بأخرى في صورة الحكم]، وأخيرًا: منطق القياس، أو نظريّة الاستدلال [يبحث في القياس وضروبه، وعمليّات التّزاوج بين قضيّتيْن] (ضياء 1990، 73-75).

لا يجري شهاب الدين السهروردي في فلسفته الإشراقيّة على التّقسيم الثّلاثيّ الشّائع في الكلام عن المنطقيّات، والطبيعيّات، والإلهيّات كما جرت العادة في أعمال الفلسفة المشّائيّة لما بعد ابن سينا. إنّه ينزع إلى تقسيم ثنائيّ؛ يأتي الجزء الأوّل منه مشتملًا على ثلاث مقالاتٍ تمثِّل «ضوابط الفكر»، ولا تتناول هذه الضّوابط المنطقيّات فحسب، ولكنّها تتضمّن كذلك عناصر من الطبيعيّات وما بعدها (حكمة الإشراق، الفِقر 7-106). تحتوي المقالة الأولى على ضوابط سبعة تعالِج العِلم والحدود «ينْظر 2.2 من هذا المدخل» (حكمة الإشراق، الفِقر 7-15).

تتعلّق الضّوابط الخمسة الأولى بالمنطق، وتدرس مسائل ذكِرتْ من قبل في «إيساغوجي»، وتستند على ما جاء في المنطق المشّائيّ السّينويّ (ضيائي 1990، 58-67). يبدأ السهروردي مقالته الأولى بالبحث عن دلالة اللفظ على المعنى، ومن ثمّ يناقش مشكلات المعنى، ويقوم بالتّمييز بين التّصوّر والتّصديق، ثمّ البحث في تعريفِ وبيانِ معنى الحقيقة التي ساوى قطب الدّين الشّيرازي «توفّي 1311» بينها وبين مفهوم الماهيّة.

يفرِّق السهروردي بعد ذلك بين الأعراض الذّاتيّة والمفارِقة «الأنطولوجيا الاسميّة لديه»، متبوعًا بالكلام عن طبيعة المعارف الإنسانيّة، سواء كانتْ فطريّة «التّنبيه، والإخطار بالبال، والمشاهدة الحقّة»، أو غير فطريّة «مكتسبة؛ لابدّ لها من معلوماتٍ توصِل إلى مجهولها»، ولا يتعلق علم المنطق إلا بهذا الأخير (موسويان 2014a، 478، ينْظر أيضًا: والبريدج 2014، وموسويان 2014b).

وتتناول المقالة الثانية الحجج ومبادئها في ضوابط سبعة كذلك (حكمة الإشراق، الفِقر 16-33). يبتدئ شهاب الدين السهروردي هذه المقالة بقولٍ موجزٍ يرسم فيه القضيّة والقياس، ومن ثمّ يتناول القضايا وانقسامها وجهاتِها؛ مقترحًا بعد ذلك ردّها كلّها إلى الموجبة الضروريّة فحسب، كما ينتقد الفهم المشّائي للنّفي [السّلْب]، ويناقش الاختلاف بين النّظرة المشّائيّة وآرائه الجديدة المتعلِّقة بعددٍ من الأقيسة الفاسدة، ويردّ الشّكْليْنِ الثّاني والثّالث إلى الضّربِ الأوّل من الشّكل الأول، «ويحصر القضايا الممكنة جميعها في صورة واحدة.

قام ستريب (2008، 165،175) بتوضيح فكرة أنّ السهروردي يردّ القضايا الممكنة كلّها إلى قضيّة واحدةٍ بشرط أنْ تكون ضروريّةً وملائمة»؛ يمكنه عن طريقها وباستخدام المنطق السينويّ «أنْ يعبّر عن الحقائق الجوهرية» اللّائقة لـ«ما بعد الطبيعة الماهويّة لديه»؛ الأمر الذي جعله «منافِحًا عن المنطق السينويّ، وشارِحًا له». أيضًا، يتناول السهروردي في هذه المقالة التّناقض وحدّه، والعكس، والاقترانيّات الشرطيّة، والأقيِسة البرْهانيّة، وقياس الخلْف الّذي تناوله مرّة أخرى في المقالة الثالثة (ضياء 1990، 67-72). وفي «التّلويحات»، يعالج السهروردي القياس في صور أخرى مختلفة كهذا المسْتخْدم في الجدل، والخطابة، والشّعر، ويصف فيه القياس الشعريّ بغيرِ البرهانيّ لما يحويه من مقدّمات متخيّلة، وغير علميّة (ضياء، 1990، 45).

تقدِّم المقالة الثالثة تفنيدًا سفْسطِيًّا للمغالطات التي يقع فيها المنطق المشّائيّ بِقسِيميْهِ الصّوريّ والمادِّي «نموذج للنّقد الجدليّ للأورغانون» (حكمة الإشراق، 34-106).

ويتناول الفصل الثّالث منها مجموعةً من الحكومات [القواعد] الإشراقيّة في مواجهة عدد من المسائل المشّائيّة الدّائرة حول الطبيعيّات والإلهيّات «ينْظر 3، و4 من هذا المدخل»، كما يقوم في هذا الفصل على صكِّ مجموعة من المصطلحات الفنِّيّة كـ«الجوهر والهيئة، والوجوب والإمكان، والعِلل والمعلولات وما يلزم فيها التّناهِي وما يمكن وما يستحيل» (حكمة الإشراق، 52-55)، كما يتناول حكومةً يسميها الاعتبارات العقليّة «الوجود، والواجب، وغيرهما» (حكمة الإشراق، 56-68)، ويعِيد النّظر في النظريّة التّقليديّة التي تقسِّم المقولات إلى عشر؛ متبنِّيًا وجهة نظر أخرى غير مشّائية تختصرها في خمس مقولاتٍ فحسب؛

هذه المقولات وهي: الجوهر، والكمّ، والكيف، والنِّسبة «شبيه بردِّها إلى أربع في المذهب الرّواقيّ» (ينْظر: والبريدج 1996، 527)، بالإضافة إلى مقولة الحركة «لا وجود لها عند ابن سهلان»، وينبغي ملاحظة كونه يرى عرضيّة المقولات الأربع الأخيرة (حكمة الإشراق، الفقرة 71، السهروردي 1993a، 4-12، 93-284، ضياء 1990، 72 n.2، 73 n.3، بيدوختي 2018، 394-400). تنزل هذه المقولات الخمس مقامًا من الكمال والإحكام بحيث يمكن التّأسيس عليها في حضور القوّة النوريّة «مع الأخذ في الاعتبار نقصها البديهيّ» كواحدةٍ من خصائص كلٍّ من الجواهر والأعراض (ضياء 1990، 5-73).

2.2 الحدود [التعريفات]

يكرِّس شهاب الدين السهروردي الضّابط السّابع من المقالة الأولى لمفهومه عن التّعريف بالحدّ وشرائطِه، ومن ثمّ يعمل على إعادةِ صياغتِه مرةً أخرى على أصولٍ إشراقيّة جديدة (حكمة الإشراق، الفِقر 13-15، ضياء 1990، 77-114)، إذ يبتدئ نقده برفضِ مفهوم المشّائيّة للتعريف، ويتنكّر له لصالح المقاربة الاستقرائيّة التي يمكن للبرهان والمعرفة العلميّة أنْ يتأسّسا عليهما حقًّا، كما يستخدم حججًا دلاليّةً ومنطقيّة لمناقشةِ اصطلاح الأرسططاليسيِّين في القول الدّالّ على ماهيّة الشيء [الحقيقة]، والذي تعتمد عليه النظريّة السّينويّة في التّعريف.

يرفض السهروردي الادّعاء القائل بإمكانيّة الإتيان بتعريف كامل؛ يملك القدرة على استيعاب جميع العناصر الجوهريّة المطلوبة من أجل الوصول إلى معرفة كانتْ مجهولةً في السّابق وتحتاج إلى تعريف؛ يكتب قائلًا: «فتبيّن أنّ الإتيان على الحدِّ كما التزم به المشّاؤون غير ممكن للإنسان، وصاحبهم [أرسططاليس، أو ابن سينا] اعترف بصعوبة ذلك، فإذن ليس عندنا إلا تعريفات بأمور تخصّ بالاجتماع» (حكمة الإشراق، الفقرة 15). يصرّ السهروردي على أنّ التعريف ينبغي أن يكون بترتيب أمورٍ لا أمرٍ واحدٍ، في قولٍ جامعٍ يحتوي على ذاتيّاتِ الموضوع المعرّفِ كلِّها؛ إما ببسْطِ عناصر عديدة وإدخالها في التّعريف؛ عن طريق تعديد الفصول وإيرادها، أو عن طريق التّعريف بالاجتماع وهو الأقوى؛ بتعديد ما يتعلّق بالمعرّف سواء كان خاصّةً أو عرضًا عامًّا. على ذلك،

 «يجب أن تكون ماهيّة الإنسانِ، أي حقيقته المضْمرة في لفْظتِه الدّالّة عليه، شيئًا يمكن استرداده […] في المعرّفِ وحده لا غير؛ استردادًا يترْجِم عن متعلِّقاتِ الملْفوظِ كما هي في قاع الموضوع المعرّف أو ذاته» (ضياء 1990، 127).

يسمِّي ستريت هذا التّيّار بـ«نقيض الماهويّة»؛ وهو الّذي يرى عجزًا كامنًا في إدراك جواهر الأشياء والاستدلال عليها؛ يفسّر ذلك عدم احتلال المثل الأفلاطونيّة مكانًا في النِّظام المنطقيّ لدى لسهروردي؛ وفي ذلك ينْظر: «المشارع والمطارحات» حيث يشرح مفهومه عن التّعريف بإسهابٍ أكبر (السهروردي 2006، 83، 90-100). إنه ممّا لا شكّ فيه أنّ السهروردي قد استوحى نقده الإبستمولوجيّ الموجّه صوب نظريّة التّعريف المشّائيّة من مساءلات أبي البركات البغدادي ونقدِه الخاصّ لـ«إيساغوجي»؛ والّذي عمل على تطويره في كتابِ «المعْتبر» (1939، المجلّد الأول، 7-55، ينْظر أيضًا: ضياء 1990، 4-183)، وأنّه قد استفاده كذلك من فهمِه الإبستمولجيّ الخاصّ للدّور الحضوريّ الّذي تلعبه الذات في التّحقّقِ بالمعارف.

يقدّم شهاب الدين السهروردي في «حكمة الإشراق» وهو يعرض لنظريّته الإشراقيّة في التّعريف ما أسماه البعض بإشاراتٍ؛ تعدّ نوعًا من التّحوّل الأفلاطونيّ أو الأفلاطونيّ الحديث (ضيائي 1990، 114-128). والآن، لم يعدْ يوجد من سبيل إلى التّحقّق بالمعرفة الحقّة إلا عن طريق الكشف والعيان، إذ تكمن الاعتبارات الإبستمولجية لدى السهروردي في القلب من إعادةِ بنائِه لنظريّةٍ خاصةٍ في التّعريف. تنبني نظريّته في التّعريف على أصول معرفيّة تتوسّل الأفلاطونيّة، أو ربّما حتى الأفلاطونيّة الحديثة.

إنّ العلم بحقيقةِ الأشياء يتحقّق فقط عن طريق الإدراك المباشر للطبيعة النوريّة «الشّيء في حقيقة نفسِه» المسْتقِرّة في الموجودات جميعها «ينْظر 4 من هذا المدخل». ويحدث العلم الحضوريّ عن طريق كشف إشراقيّ عندما يدرك الإنسان أنّ ما هو بصددِ تعريفه قد صار متحقّقًا لديه عن طريق وعيه الذّاتيّ الخاصّ؛ عندما تفطن الرّوح في الوقتِ ذاته إلى حقيقةِ الشّيء المراد معرفته، وتعِيهِ وعيًا مباشرًا. إنّ الأرواح تصير حينئذٍ قادرةً على إدراك الماهيّات [الجواهر]؛ التي يمكن لأجزائها أن تترْجم إلى براهين ومسلّماتٍ عقليّة من أجل تطوير نوع من المعرفة الاستدلاليّة عن طريق إداراكٍ أصيل للحقيقة.

يرى السهروردي في «المشارع والمطارحات» أنّ تعريف الشّيء لا يمكن أن يكون إلا عن طريق رؤيتِه على ما هو عليه حقًّا (ضياء 1990، 14-104). يفتتح السهروردي القسم الثاني من «حكمة الإشراق» بهذا المبدأ: «إنْ كان في الوجود ما لا يحْتاج تعريفه وشرحه فهو الظاهر، ولا شيء أظهر من النّور، فلا شيء أغنى منه عن التّعريف» (حكمة الإشراق، الفقرة 107).  إنّ النّور الظّاهر في نفسه لنفسه ليس في حاجة إلى تعريف، لأنّه في حقيقةِ نفسِه الدليل على نفسِه.

إنّ السهروردي يطرح النّور هنا مفهومًا إبستمولوجيًّا أنطولوجيًّا في المركز من فلسفته، ويدافع عن تجربة الحدس المباشر الّتي تقود إلى العلم الحقيقيّ بالأشياء، ويرى أنّ طلب التعريفات لا يكون إلّا للوصف والشّرح عن طريق الاستدلالات والمسلّمات العقليّة (ضياء 1990، 81). يرى قطب الدّين الشّيرازيّ نظرية المعرفة في الفلسفة الإشراقيّة منْبنِيةً على ذلك النّوع من العلم الحدسيّ الذّاتيّ الّذي لا يحْتاج معه إلى أيّ نوع من التّعريف (ضياء 1990، 133).

3. الطبيعيات عند السهروردي

على الرّغم من أنّ أعمالًا كـ«التّلويحات»، و«المشارع والمطارحات»، و«اللّمحات» لم توضعْ قيْد الدِّراسة حقًّا إلا أنّها تتناول الطبيعيّات في أقسامٍ كثيرة منها. نعم، حقِّقتْ طبيعيّات «اللّمحات» (2001، 185-209، 1991[تحقيق: نجفقلي])، وكذلك «التّلويحات» المنشور محقّقًا ومشفوعًا بشرح ابن كمونة (2003). يعيد شهاب الدين السهروردي النّظر على استحياءٍ في بعضِ المبادئ العامّة المرساةِ في علم الطبيعيّات، وذلك في المقالة الثّالثة من «حكمة الإشراق»، وكذلك في «المشارع والمطارحات»، على الرغم من عدم ظهور ذلك في كِتابيْهِ: «اللّمحات»، و«التّلويحات».

يرفض السهروردي -مثله في ذلك مثل ابن سينا- القول بالجزْءِ الّذي لا يتجزّأ كما جاء به اللّاهوتيّون (حكمة الإشراق، الفقرة 89)،  كما يرسِي قاعدةً في إبطالِ الخلاء (حكمة الإشراق، الفِقر 89-90). وينتقد أيضًا مادّصوريّة [هيلومورفيّة] المشّائيّة الأرسططاليسية، ويبْطِل القول بثنائيّة المادّة والصّورة المكوِّنة للأجسام؛ رافضًا مفهوم الهيولى [المادّة البسيطة]، سائقًا مجموعةً من الحججِ في إبطال هذا المذهب (حكمة الإشراق، الفِقر 72-88)؛ تعتمد إحدى هذه الحجج على نظريّته القائلة بأن «الجسم ليس إلا نفس المقدار القائم بنفسه، مضافةً إليه أعراضه» (والبريدج 2017، 266-7)، أي أنّه «القابل للامتدادات والخصائص، تمامًا مثل سيمبليسيوس».

علاوةً على ذلك، لقد كان السهروردي محْتاجًا إلى «أن تكون الأعراض قادرةً على إحداثِ المسبّباتِ، فالقول بعِلِّية الأعراض تجعل تفسير وجودِ المثل الأفلاطونيّة أمرًا ممكنًا مرورًا إلى التّكثّر الموجود في الفلك العلويّ وما دون فلك القمر نهايةً». إضافةً إلى رأيه في أنّه «لا يمكن إدراك الموجودات لا عن طريق حواسّ الجسد، ولا عن طريقِ الحدس الذي لا معنى له»، فـ«الصّور» على سبيل المثال «لا يمكن معرفتها حقًّا، وإن كان لها وجود، فإنه لا يخرج عن كونه اعتبار عقليّ ليس إلّا». تعبِّد عمليّة إعادة بنائه الطّبيعيّات مع انتقاداتِه الهامّةِ الطريق أمامه ليؤسّس ميتافيزيقاه، فتصير الأجسام في نظامه الفلسفيّ «برازِخ»، أو «أشياء تفتقر في وجودها إلى مخصِّصاتِ النّور» اشتدّ فيها أو ضعف (والبريدج 2005، 240-242).

لا تتماشى النظريّة المادّصوريّة [الهيلومورفيّة] هنا مع القول بإمكان معرفة الجواهر الحقيقيّة، الجوهر المضيء ذو الوجود الحقّ للكائنات جميعها؛ المتعلِّق بالأنوار المدبِّرة في نفسِها لنفسِها، والّتي لا يمكن معرفتها من خلال أيِّ «نظام» مفْترض (ضيائي 1990، 131، 151-2). إنّ التّمييز بين الأجسام المختلفة الآن «يعتمد على جوانب متعدّدة من الحركة، والتّفاوت الداخليّ من جهةِ شدّةِ الأنوار وضعفها»، ليصبح هذا التفاوت المقداريّ المعيار في التّمييز الأنطولوجيّ لديه (أرسلان 2014، 150، «حكمة الإشراق»، الفقرة: 74».

يؤسِّس شهاب الدين السهروردي في فلسفته عن الأنوار -رغمًا عن أيّ شيء- أركانًا جديدةً للطبيعيّات.  على سبيل المثال، تتألّف الموجودات غير المادّيّة، والأجسام المادّيّة -في نظامه الفلسفيّ- من طبيعةِ تفاوت النّور في درجتِه وشِدّتِه، كما يتألّف العالم الجِسْميّ من الجوهرِ الغاسق، والهيئة الظّلمانيّة، ليتّخذ القائم بذاته مكانه كبديل عن الهيولى [المادّة البسيطة]؛ الذي لا يصبح له أيّ معنىً خارج العقل، اللّهم إلا أنْ يكون مفهومًا عقليًّا خالصًا، مثله مثل غيرِه من المفاهيم الماديّة الأخرى التقليديّة. لم يعد يحتلّ إدراك صورِ الأشياء مكانًا معرفيًّا ما، لأنّ مدار الأمر كلّه يصبح متعلِّقًا بإدراكِ الأنوار القارّة في الأشياء؛ وهذا هو الهدف الحقيقيّ وراء عمليّة البحث المعرفيّة عند السهروردي (والبريدج 2000، 3-22).

1.3 علم النفس

في إطار التّأصيل لعلم النّفس الإشراقيّ، يقوم شهاب الدين السهروردي بإعادة النّظر في علم النّفس الّذي جاء به ابن سينا، فينفي المادِّية عن النّفس، ويصفها بالحياة، والعِلْم، والقيام بالذّات، وقدرتها الهيْمنة على الجسد، في حين أنّه يرى في الوقت نفسه الاستدلالاتِ التي قدّمتْها المشّائيّة على خلودها غير كافية بالمرّة (حكمة الإشراق، الفِقر 91-93).

على كلٍّ، يحدِّد السهرورديّ جوهر النّفسِ الخاصّ عن طريق قياسِ تفاوتِ نوريّة آحادها شِدّةً وضعفًا، وبذلك يمكن لعلاقةِ القهر والمحبّة أو العشق أنْ تظهر بين الجوهر النورانيّ للنّفسِ، والجوهر الظّلمانيّ للجسم (حكمة الإشراق، الفِقر 147-148)، وهنا تلعب الرّوح -وهي جوهر لطيف- دور الوصلِ، فتصير وسيطًا بينهما؛ يفتح الباب أمام عمليّة تلقِّي صور وأشكال الحقائق الميتافيزيقية منْعكِسةً أخيرًا على مرآة النّفس، متكشِّفةً فيها (حكمة الإشراق، الفِقر 216-217).

يستقرّ الإبصار -أهمّ الحواسِّ المدْرِكة- في القلبِ من نظريّةِ الرّؤية الإشراقيّة لدى السهرروديّ، والّتي عن طريقها يمنح الإدراك معنىً جديدًا، ويقول بنمطٍ يمكن معه صياغة نظريّته في العلم الحضوريّ. لذلك يقوم بنقْدِ ونقضِ التّداعيات المادّيّة للقول بانطباع الصّور في القوام المادّيّ للعين، كما يرفض نظريّة «الانبعاث»، ونظريّة «الإدراك البصريّ»، وإنْ شاعا.

وعلى الرّغم من حدوث عمليّة الإبصار عن طريق عضو مادِّيّ، إلا أنّه في الأساس عملية تقع ضِمن نشاط النّفسِ «النّور» الإنسانيّة، بحيث تتحقّق بالغاية المعرفيّة الحقّة من وراء الإبصار (حكمة الإشراق، الفِقر 101-104). يضع السهروردي في «حكمة الإشراق» شروطًا من أجل إبصار المرْئيّاتِ المادِّيّة؛ أوّلها: مقابلة حضوريّة -حاصِلة وجهًا لوجْهٍ- بين كلٍّ من المبْصر، والعين الباصِرة، وطالب الرؤية [المسْتنِير]. وثانيها: غياب ما يمنع الرؤية بين الباصِرةِ والمبْصر، وهو ما يصفه عادةً بمصطلح صوفيّ؛ «عدم الحجاب»؛ وفي عدمه تستنير النّفس عن طريق «النور الجوهريّ، أو النّور العارض» للمبْصر.

وأخيرًا: حضور النّور، وهو شرط ضروريّ لإقامة هذه الصِّلة الإشراقيّة. وعلى هذا يتجلّى الإبصار تدريجيًا على مسْتوييْنِ مخْتلِفيْنِ معًا، ويتمّ تقليل الإدارك المادِّيّ لصالح إدراك النّفس، أو الوعي بالنّور الحقيقيّ والجوهريّ القارّ في الشّيء المنْظور، والّذي يشاركه الحقيقة النّورانيّة نفسها. لذلك، لا يتطلّب الإبصار الحقيقيّ القيام بعمليّة اكتساب أو نقْل للصّور، لأنها تحدث من خلال قدرةِ النّفسِ على أن تكون واعيةً بحقيقة النّور الجوهريّة القابعة في المبْصرات.

وهنا، تتداخل الطبيعيّات والإلهيّات، وتمتلك المبْصرات قدرةً على استقبالِ النّور وإرسالِه، وإنْ بصورة عرضيّة، وبذلك يصبح النّور أو بالتّحديد ما أسماه: «الرّوح المدبِّرة»، أو «النّور الإِسْفهْبد»؛ ذاتًا مدْرِكةً، سواء كان الإدراك عن طريق الحواسّ، أو النّفس/ العقل، أو الحدس، أو الخيال (حكمة الإشراق، الفِقر 145-146). يوجد نوع من المعرفة البديهيّة/ الفطريّة التي تقبع بدورها باطن كلّ إبصار (حكمة الإشراق، الفقرة 226)، واعتمادًا عليها يمكن بالتّالي للمعرفة الاستدلاليّة أنْ تتحقّق عقليًّا انطلاقًا من مسلّماتِ العقل (حائري يزدي 1992، الدّيناني 1985).

لا يرى شهاب الدين السهروردي القوى الباطنة مستقرّةً في أجزاءٍ مختلفة من الدماغ، فالقول بأنْ يكون عضوٌ مادِّيٌّ ما مستودعًا لها يؤدِّي إلى إكساب التّمثيل العقليّ صبغةً مادِّيةً يرفضها. تصبح القوى الباطنة هنا ظِلال ما في النّفس، أو مجرّد وظائف لها؛ يمكن حصرها معًا في قوةٍ واحدةٍ تكون مسؤولةً عن التّمثيليّة العقليّة. يأتي النّور الإِسْفهْبد حائزًا قدرة الوصول إلى الأنوارِ القاهِرة؛ ويتجلّى قاعدةً إشراقيّةً تنقهر في طيّاتِهِ المتخيِّلة المحكومة به، وتنعكس فيه الأنوار التي يستقبلها ويتحقّق بها. إنّ قوّة التّمثيل العقليّ تقدر على إدراكِ الجزئيّات، بينما يضمن النّور المدبِّر، والقاعدة الإِسْفهْبديّة وحْدة النّفس، والقدرة على إدراكِ الكلِّيّاتِ والموجودات غير الماديّة.

إنّ التّأكيد على وحْدةِ النّفس كموجودٍ أساسٍ في عمليّةِ الإدراك، إضافةً إلى حصر القوى السِّينويّة التّقليديّة المسؤولة عن التّمثيل العقليّ في قوّة واحدة، يمكن أن نجد أصوله عند أبي البركاتِ البغداديّ في «المعْتبر» (1939، المجلّد الثّاني، 24-318، ينْظر أيضًا: بيْنِس 1979، 31-227). أمّا عن التّذكّر، يأتي السهروردي على تعريفه بطريقةٍ أفلاطونيّة إلى حدٍّ ما، فيعني عنده نوعًا من استرداد الصّور «أو الأفكار»، المحفوظة في «عالم الذِّكْر»؛ والّتي لا تتِمّ استعادتها إلا عن طريق الجزء الإشراقيّ من النّفس، لكنْ ليس على طريقة النظريّة الأفلاطونيّة القائلة بأنّ العلم نوع من تذكّر النّفسِ ما كان قابعًا فيها من معارف قبل التباسها بالجسد زمانيًّا.

يصبح الإشراق بالنّسبة إلى شهاب الدين السهروردي مجالًا استعاريًّا للعمليّة العقليّة كلِّها، إذ تأخذ العلاقات الإشراقيّة مكانها بين المبادئ الميتافيزيقيّة للنورِ المتّقِد، وبين النّفس الإنسانيّة «كما سيأتي بيانه»، ويكون الجزء العاقل من نور النّفسِ الإِسْفهْبديّ -ليس غيره- موجودًا إلى غير النِّهاية. على كلٍّ، يشير السهرورودي إلى إمكانيّةِ القوة المتخيِّلة للنّفسِ والّتي لم تحقِّق كمالها الخاصّ بعد أنْ «[تتخلّص] إلى عالم المثلِ المعلّقةِ الّتي مظهرها بعض البرازخ العلويّة»، لتلعب دور جسمٍ فلكيٍّ يملك قوّة إحضارِ الصّور إلى الوجود (حكمة الإشراق، الفِقر 244، 246). وبينما ينفتح على النّفوس الكاملة فيض الأنوارِ المدبِّرة «الظّاهرة» (حكمة الإشراق، الفقرة 250)، فإنّ خلاص المتخيِّلة الإنسانيّة يظلّ مرهونًا بالتّعامل مع  الجزاء الإلهيّ، وإضفاء طابع الكمال على النّفوسِ النّاقِصة في العالم الآخر.

اعتبِرتْ كرة الأثير، وكرة الزّمهرير -الواقعتانِ تحت فلكِ القمر، والمرْتبِطتانِ بعالمِ العناصِر- أساسًا روحانيًّا/ أثيريًّا لحركةِ قوى هذه النّفوس المتخيِّلة في العالم الأخرويّ (السهروردي، 1993c، 245)، على الرّغم من إمكانيّة أن «يعْتبرا -ببساطةٍ- جزءًا من الأجرام العلويّة الأخرى كالقمر، وعطارد، والزّهرة، وغير ذلك» (فان لِت 2017، 47). يطرح السهروردي فكرة وجود مملكة مستقلّة للأخرويّات؛ اعتمادًا على الإدراكاتِ الشّاعرة التي يمكن حدوثها عن طريق التّمثّلاتِ التّخيّلِيّة (حكمة الإشراق، الفِقر 244-248، السهروردي 1992a، 90، ماركوت 2011، ينظر أيضًا: الكتبي 2015، 93-6).

يقدِّم «عالم الصّور» الذي جاء به السهروردي حلًّا أخْرويًّا لمحاولةِ ابن سينا تفسير مصدر السّعادة الأخرويّة للنّفوس ما بعد الموت؛ عن طريق خبرةٍ تخيّليّة للّذّة والألم «ينْظر 4.3، ولشرح المنظومة الأخلاقيّة لعلم الأخرويّات ينْظر 5 من هذه المدخل»

وأخيرًا، بينما ينكر شهاب الدين السهروردي التّناسخ في أعماله المشّائيّة؛ أعني «اللّمحات»، و«التّلويحات»، إلّا أنّه يميل إليها في «حكمة الإشراق» كما يبدو، إذ يقوم بعرض الحججِ الدّاعِمة والرّافِضة لها دون أن يقول فيها قولًا فاصلًا، ولا يظهر رافضًا تمامًا للقول بإمكانيّة حدوثِ أنواعٍ بعينها من تناسخ الأرواح (ينْظر: «تاسوعات أفلوطين»)، وخاصّة عند حديثه عن النّفوس الناقصة/ الشّقيّة، كما يرى بعض الشّرّاح كالشّهرزوري قوله بالتّناسخ صراحةً (حكمة الإشراق، الفِقر: 229-245، شميدتك 1999، والبريدج 2017، 271-73).

2.3 نظرية المعرفة

يشكِّل مفْهوما «الشّعور بالذّات»، و«العِلْم الحضوريّ» ركنيْنِ أساسيْنِ في فلسفةِ شهاب الدين السهروردي الإشراقيّة، ويقعانِ في القلب من اهتمامه الإبستمولوجيّ (حكمة الإشراق، الفِقر 114-117). إنّ ما نحن بصددِه هنا هو طبيعة كسب المعارف، وأساسها الأنطولوجيّ المنْبنِية عليه. يبدأ السهروردي بحثه، ويضع بعض المسائل التي أثارتْها التّجربة الافتراضيّة الفكريّة حول رجلِ ابن سينا «الطائر»، أو «المعلّق» تحت مطرقةِ السّؤال.

ناقش ابن سينا هذه الفكرة في «المباحثات»، و«التّعليقات على حواشي كتاب النّفس لأرسططاليس»، ومعالجاتِه للنّفس في «الشِّفاء»، و«النّجاة». ينتقد السهروردي في «التّلويحات» مثلًا إبستمولوجيا ابن سينا التّمثِيليّة المشّائيّة الّتي تتصوّر المعرفة على أنها مكْتسبٌ يتحقّق عن طريق «التّمثيل»، أو «الصّورة» المنطبعة عند العارف لما هو معروف أصلًا (كوكْوا 2015، 106-17). ويعتمد في رفضها على القول بوجود النّفس مجرّدةً عن المادّة، ويدّعي أنّ العلاقة التي تحكم الجسم «المادّيّ»، والنّفس «غير الماديّة» علاقةٌ «أكثر حضوريّةً وحميميّةً»، علاقة يلعب فيها الحضور دور الوصْلِ بين التّعقّل «غير المادّيّ»، وبين أنشطةِ الحواسّ الباطنة «الماديّة/ الدِّماغيّة»، وسيسْتخْدم هذا الدّليل برهانًا يدعم وجود النّفس.

في المقام الأوّل، يعالج شهاب الدين السهروردي «الإدراك الشّعوريّ» في «حكمةِ الإشراق»، فيحِلّ عنده مكان التّمثيل أو الصّورة. ويقوم بتحليل مفْهومي الإدراك والشّعور بالذّات عن طريق استكشاف هذا النّمط من الإدراك استكشافًا غير محكوم بالمنطق، ويعمل على تمييزه عن عمليّة التّعقّل، ومِنْ ثمّ يناقش شعور النّفس الأوليّ بالوجود، وهويتها الذاتيّة، والطبيعة المباشرة لهذا النّوع الخاصّ من المعرفة، وأخيرًا، مسائل تتعلّق بمفهومِ التّفرّد.

يقوم السهروردي بتطوير نظريتِه في المعرفة عن طريق تقديم مجموعة متنوّعة من الحجج المثْبِتة لوجود نوع من المعرفةِ البدهِيّة [الأنائِيّة]، والفِطْرِيّة، والّتي لا تحتاج إلى وسيطٍ ما من التّجريد، أو تمثيل الصّور، وبغضّ النّظر عن أن تكون من خلالِ صورة، أو شكل، أو مفهوم، أو نعْتٍ من نعوتِ الذات (ماركوت 2006).

يمثِّل الشعور بالألم نموذجًا لهذا النّوع من الإدراكِ أو الوعي الذي يتصوّره شهاب الدين السهروردي عند مناقشةِ مسألة الشّعور بالذّات على أنّه ليس مفْتقِرًا إلى وسيط؛ على أنّه نوع من الإدراك غير الاستدلاليّ، ولا يعتمد على التّصوّرِ أو توسّلِ القضايا المنطقيّة، بل ويشكِّل نمطًا من المعرفة يختلف تمامًا عن المعرفة المنطقيّة. على غرار الألم؛ يساعد الشّعور بالذاتِ في تبْيينِ صورة هذا النّوع من العمليّة الإبستمولوجيّة، وهكذا يمكن للسهرورديّ أن يشرح المعرفة القائمة على كلٍّ من الإدراك الفرديّ للّذّاتِ بالذّاتِ، وإدراك الموضوعات الخارجيّة الأخرى.

تتميّز طبيعة عمليّة انتفاء الوساطة المعرفيّة إذن بكلٍّ من شعور النّفسِ بذاتها، وإدراكها أو معرفتها بالموضوعات الخارجيّة؛ المقصودة للمعرفة، مثل الموجودات النورايّة القاهرة «المجرّدة»، ومن خلال هذه الطبيعةِ تتوفّر الظروف المهيِّئة لِتلقِّي إشارات اللّهِ «نورِ الأنوار» الممْكِنة (السهروردي 1993a، 72-3، 487-9، ينْظر أيضًا: كوكْوا 2015، 130-1).

يوقِفنا مفهوم الشّعور بالذّات على الجوانب الإبستمولوجيّة والأنطولوجيّة لميتافيزيقا الأنوار لدى السهرورديّ. واعتمادًا على النّوع المبدئِيّ من الشّعور بالذّات كما هو موجود عند ابن سينا «لكن دون أيّ إشارةٍ إلى جوهريّة النّفس الإنسانيّة»، والفردانيّة «فردانيّة النّفسِ التّأمليّة» الموجودة عند أفلوطين العربيّ؛ يقدِّم السهروردي مستوىً آخر من المعرفة التّبصّريّةِ المسْبقة من الشّعور بالذّات أو الوعي الذاتيّ، غير القائم على المنطق، ولا يفرِّق بين الذّات [العارف]، والموضوع [المعروف] (كوكْوا 2011، 141-4). يقابل شعور الكائنات الإنسانيّة بذاتها بالشّعور بالذّات الّذي تحوزه الأنوار المجرّدة وتشاركه. يقول السهروردي:

«إذا تبيّن أنّ أنائِيتك نور مجرّد، ومدْرِكٌ لنفسِه، والأنوار المجرّدة غير مختلفةِ الحقائق، فيجب أن يكون الكلّ مدْرِكًا لذاتِه، إذْ ما يجب على شيءٍ، يجب على مشارِكِهِ في الحقيقة» (حكمة الإشراق، فقرة 127، كوكْوا 2011، 150). 

يقدّم السهروردي هذا النّوع من التّمييز إذن بين «موضوع الإدراك»، و«المدْرِك» المعبّر عنه بمفهوم الـ«أنائِية» المصوغ للتّعريف بهذا «النّمط الّذي يتلاءم فيه مع ذاتٍ معرفيّةٍ ما»، فالشعور بالذّات لديه مجرّد إدراكٍ ووجودٍ يختلف تمامًا عن الشّعور بموضوع مفارِق (كوكْوا 2015، 113، ماركوت 2006).

يعتمد شهاب الدين السهروردي على نظريّتِه في الشّعور بالذّات في التّأسيس لـ«لمفهومه الإصلاحيّ عن العلم الحضوريّ» (كوكْوا 2015، 125-42). يقدم لنا حلم السهروردي الشّهير بأرسسطاليس الأفلوطينيّ (ينْظر «تاسوعات أفلوطين» V 3.6») مثالًا إشراقيًّا لما يتأسّس عليه العلم الحقيقيّ اعتمادًا على المعرفةِ المباشرة والحدسيّة بمجرّدِ «الرّجوع إلى النّفس» (السهروردي 1993a، 70) حيث يتحصّل الإنسان على المعرفةِ القابعة داخل نفسِه الخاصة.

يتابع المعلِّم الأوّل شرحه في منام شيخِ الإشراقِ؛ مبيّنًا الكيفيّة التي يكون بها العِلم، فيعْلِمه أنّ التّعقّل معناه «حضورِ الشّيء للذّاتِ المجرّدةِ عن المادّة»، فيكون حضور أو ظهور موجودٍ ما ليس إلا شيئًا من لوازم الإشراق. يوقفنا نصّ «التّلويحات» هذا على عناصر رئيسيّة في نظريّة السهروردي عن العلم الحضوريّ (السهروردي 1993a، 71-4، ينْظر أيضًا: والبريدج 2000، 225-9، أيشنر 2001، 127-40، كوكْوا 2013، 310-7، 2015، 127-33، فنائي إشكوري 1996).

إنه لا يمكن الاستدلال المنطقيّ على موضوع الإدراك [النّور] في علم الأنوار الذي جاء به شهاب الدين السهروردي، بل يمكن هذا فقط من خلال حضوره في الآنِ، أو الشعور بإشراقِه مِن قبل أن يتشيّأ. تؤسِّس العمليّة الذّوقيّة للرّؤى والكشف الصّوفي وهي في طريقها إلى التعرّف على الأنوار الميتافيزيقيّة، إذ يمكن لآحاد النّاس التحقّق بهذه الحالاتِ عن طريق ممارساتٍ روحيّة وتنسّكِيّة؛ تمهِّد الطريق أمام تحريرهم من إسارِ الظّلمات في هذا العالم، وتحقيق مساعيهم في إدراك هذه الأنوار. يأتي العِلْم الذّوقيّ إذن كوسيلة مفارِقة؛ عن طريقها تتلقّى الحقيقة الإشراقيّة، وحقائق العالم الإلهيّ الميتافيزيقيّة.

يضْفِي السهرورديّ مسْحةً روحانية على فلسفة ابن سينا المشّائية كما يبدو؛ عن طريق تقديم هذه القراءة الأفلاطونيّة الفريدة من نوعها، والّتي معها يصبح الحصول على الحقيقة المطلقة مسموحًا به من خلال أنوار الإشراقِ الإلهيّة.

ولعلّ تصنيفه الطّالبين طبْقًا لمرْتبتِهم في البحث «الفلسفة» والتّألّهِ «التّصوّف» يجْلِي لنا حقيقة هذا الأمر، فيرى البعض -مثل قطب الدِّين الشِّيرازي- أنّه في حين أعْلى المشّاؤون من التّعقّل، فإنّ السهروردي قد استبدله بالذّوق، أو المشاهدة الصوفيّة «تتوهّج بالممارسات التّعبّديّة»، بل وجعلهما في مقدِّمةِ هذا الأمر كأساسٍ أكثر موثوقيّة؛ لليقين أن ينبني عليهما، وبهما يمكن لهذا الحضور أنْ يأخذ طوره الوجوديّ من خلالِ الإدراك الذّوقيّ، أو المشاهدة الصوفيّة؛ طلب الوصول إلى الحقيقةِ الحقّة المتبوعةِ بممارسةٍ مستمرّة للمجاهدات الرّوحيّة.

إنّ للذّوقِ أو المشاهدة الصوفيّة دورًا مهمينًا حتى بالنِّسبة إلى الأنبياء، فالمعرفة النبويّة هي المعْتمِدة على لوازمِ الوظيفة الّتي تلعبها القوّة المتخيِّلة في المحاكاة وتعيينِ الحقائق الكلِّيّة؛ وبذلك تختبر النّبوّة عالم الأنوار اختبارًا مباشرًا. وهنا، يعرض شهاب الدين السهروردي أيضًا لـ«عالم الصّور» المستقلّ، للإبانة عن قدرة الأنبياء وغيرهم من النّفوسِ المتألِّهةِ الأخرى على التّخلّص إلى عالمِ القدْسِ الميتافيزيقيّ حيث وجود الصّور المتخيّلة، وإمّا أن يتمتّع هؤلاء الأفراد باصطفاءٍ إلهيٍّ فيه أمر بتلقِّي الرسالة الإلهيّة وإبلاغها، وإما لا، ولا غرو أن يكون الأنبياء هم أهل هذا الاصطفاء.

يحتلّ الحدس المباشر المركز من علم النّبوّات لدى السهروردي، فيشهد هذه الحقائق الحكيم المتوغِّل في البحث، صاحب الحكمة المتعالِية، كان نبيًّا أو لم يكنْ، لكونه مسْتحِقًّا للخلافة الإلهيّة، وسواء كان استيلاؤه ظاهرًا أو خفِيًّا. ويكون لهؤلاء الّذين انفتحتْ أبصارهم على الأنوار العلويّة تحصيل هذه الخلافة طبقًا لدرجةِ استعداد قلوبهم للتّلقِّي فضلًا عن نقائها (حكمة الإشراق، الفقرة 5).

على كلٍّ، فإنّ العمليّة المعرفيّة الّتي قدِّمتْ عن طريق عرفاء من أمثالِ أبي يزيد البسطامي «توفّي 874»، وسهْل التسْترِي «توفّي 896»، والحلاح «قتِل 912»، وحكماء كزرادشت، وإمبادوقليس، وفلاسفة في طبقةِ فيثاغورس، وأفلاطون، أو السهروردي نفسه؛ لها قدْرة التّخلّصِ إلى هذه الحقائق العلويّة، ولا تزال عوالم القدْسِ تشبه إلى حدٍّ ما تلك العمليّة التي من خلالِها استطاع الأنبياء التخلّص إلى نفس الحقائق الإلهيّة والميتافيزيقيّة. إنّ نفوس النّور الإِسْفهْبد لهؤلاءِ المتألِّهِين أصبحتْ أكثر قابليّة وإدراكًا للحقائقِ الّتي يتحقّق بها الأنبياء؛ وذلك بعد أن استطاعوا تحرير أنفسِهم من أسْرِ العالم المادِّيّ.

تنتقل المعرفة النبويّة والباطنيّة إلى طور من الوجودِ عندما تقدر النّفس الإنسانيّة على الانغماسِ في هذه الأنوار الميتافيزيقيّة، فللصّور والأشكال أن توجد عن طريقِ متخيِّلةٍ فعالةٍ تشبه مرآةً ينْعكس عليها؛ وبذلك يمكن للنّفسِ أنْ تتحصل على قوىً إشراقيّةٍ وسيميائيّة (سيْناي 2015). ولهذه المعارف المتلقّاة عن طريق العوالم غير المعقولة أنْ تحاكى وأنْ يعاد إنتاجها، ولا سيّما وأنّ جميع المعارف الخارجيّة والمعقولة تختصر داخلها وتدور فيها. تضْفِي هذه القوة المتخيِّلة الفعالة تلك المدْركاتِ في «الحسّ المشترك»؛ الّذي يقدّم صورةً معقولةً لحقائق الميتافيزيقا الإلهيّة الّتي ليس له أنْ يحوزها دون مساعد.

4. الإلهيات عند السهروردي

يطوّر شهاب الدين السهروردي في «حكمة الإشراق» ميتافيزيقا معقّدة تتوسّل الأنوار الإلهيّة؛ يقع النّور فيها موقع القطبين مِن الرّحى، فهو الأساس الّذي ينبني عليه علم الوجود «الأنطولوجيا»، والكونيّات «الكوزمولوجيا» لديه، كما تتراتِب في باطنهما سلسلةٌ من النّور والظّلْمةِ؛ عليها يقوم الوجود كلّه. يقسّم السهروردي الحكمة في «التلويحات» (السهروردي، 1993a، 2-3) إلى قسمين؛ الحكمة النّظريّة، والحكمة العمليّة، ثم يسلك في تقسيم العمليّة منها مسلك التّقليد المشّائيّ، فيقسِّمها تقسيمًا ثلاثيًّا إلى خلقِيّة، ومنْزِليّة، ومدنِيّة، أمّا عند الانتقال إلى الحكمة النّظريّة فإنّه يراها تتعلّق بالأمور غير الماديّة أصلًا، وهي العِلم الأعْلى، وموضوعه أعمّ الأشياء؛ وهو الوجود المطْلق.

1.4 ماهية الوجود عند السهروردي

يلعب مفهوم النّور لدى شهاب الدين السهروردي دورًا تعطيليًّا لأنطولوجيا فلسفة المشّائين الكلاسيكيّة عن طريق إبطالِ التّفرِقةِ السِّينويّة بين الماهيّة والوجود فيما يتعلّق بالموجودات الممْكِنة (رضوي 2000). جاء ابن سينا متابعًا أرسططاليس في القولِ بأوّليّةِ الماهيّة وتقديمها على الوجود الّذي عدّه مفهومًا تجريديًّا. يرفض السهروردي هذه التفرقة المنطقيّة بين المفهومين ويعمل على إبطالها مصِرًّا على إلحاق مفهوم الوجود بالماهيّة حتى يظلّ التعميم العامّ لمفهوم الوجودّ محمولًا ذهنيًّا، لا حقيقة له.

إنّ الكينونة والشيئيّة وغيرهما من المفاهيم التي يضعها المشّاؤون في مقامٍ مِن الأوّليّة والوجود، لا تعدّ في سياق السهررودي إلّا اعتباراتٍ عقليّة؛ «ليس لها ما يناظِرها في الوجود» (رضوي 1999، 222، «حكمة الإشراق»، الفقرة 68، السهروردي 1993a، 175-6). يسِم البعض موقف السهروردي هذا بـ«التّصوّرِيّ»، للقول بعدم وقوع تفرقة بين الماهيّة والوجود إلا داخل العقل فحسب، وهي مقاربة للوجود «تناقض الواقعيّة»، حيث لا وجود للوجودِ هنا إلا من خلال مفاهيم العقل ليس إلّا (بينيفيتش 2017، 206، 251)، ولهذه الاعتباريّة صداها في أعمالِ نصير الدين الطوسي بعد ذلك.

إنّ القول بأصالةِ النّور يوقفنا على تحوّلٍ في فهم الطّبيعة الأصليّة لـ«ماهيّة» الأشياء، فتمايز الماهيّات بعضها عن بعضٍ يحصل من خلال شِدّةِ وضعفِ أنوارِها، وعلى الرّغم من تشاركها جميعًا النور ذاته الّذي لا ينفكّ بحالٍ عن نور الأنوار. يتقاسم كلّ شيء النّور في نفسِه لنفسِه، أو لغيرِه في تساوقٍ لا يتناهى إلى حدٍّ بعيد. وتبقى التّفرقة بين الماهيّة والوجود اعتباريّة لا غير، ولا يعود لها أيّ اعتبار من أجلِ القول بالإمكانِ، لأنّ التّفرقة -في هذا السِّياق- بين الموجودات الضروريّة والممكنة تقوم على مدى حيازتِها للنّور في نفسِه لنفسِه، أو لغيرِه (رضوي 1999، 223، «حكمة الإشراق»، الفقرة 68). يقول السهروردي موضِّحًا:

«النّور ينقسم إلى نورٍ في نفسه لنفسه، وإلى نور في نفسِه وهو لغيرِه. والنّور العارض عرفت أنّه نور لغيره، فلا يكون لنفسِه وإنْ كان نورًا في نفسه، لأنّ وجوده لغيرِه» (حكمة الإشراق، الفقرة 121).

يوضّح رضوي (1999، 224) كيف أنّ الفلاسفة المتأخِّرين قاموا بنسبةِ القول بأصالةِ الماهيّة «أو الجوهر» الأنطولوجيّة إلى شهاب الدين السهروردي الّذي «يذكر صراحةً أنّ الماهيّة «الجوهر» في نفسها اعتبار عقليّ، ليس حقيقيًّا؛ تمامًا كمفهوم الوجود»، ويشير إلى أنّ «جوهر الإشراق -مثله مثل النّور- محيط عقليّ» (حكمة الإشراق، 141). وإنّه لصحيح أيضًا القول بأنّ «نظريّة المعرفة [الإبستمولوجيا] الظاهراتية [الفينومينولوجيّة] للإبصار التّخيّليّ» لدى السهروردي، يمكنها أن توحي بوضوحِ قولِه بأصالةِ الماهيّة (رضوي 1999، 224).

يعدّ موقفه السهروردي هذا موقفًا اسميًّا خالصًا، لأنّه لا ينْظر الآن إلى الوجود والماهيّة إلّا باعتبارهما مفهوميْنِ عقليّيْنِ، بل ويعاد تعريف الواقع من خلال القول الجديد بالأصالة النوريّة. وهكذا، تبقى نظريته في المعرفة الحضوريّة أيضًا «اسميّةً، وتجريبيّةً [بمعنى الخبرة الصوفيّة] إلى حدٍّ بعيد» (والبريدج 2000، 169). ولا يمكن مع ذلك القول بترادف النور والماهيّة في المعنى، إذ للنّور والظلمة وجودهما، ويكون «النور هو وجود الأشياء كقاعدةٍ تأسيسيّة، لا ماهيّة شيء» (المصدر نفسه).

وكذلك النور والجوهر لا يتطابقان ما دامت الجواهر الغاسقة والأنوار العارضة موجودةً (والبريدج 2000، 24). يلاحظ رضوي أنّ الموجوداتِ الّتي يدركها العلم الحضوريّ ضمن الماهيّات ما هي إلّا «جوانب واضحة لما يمكن اعتباره مونادات نوريّة»؛ وهي فكرة مصدرها أفلاطونيّ للغاية، أو أفلاطونيّ حديث «برقلس».

يقوم إدراك الوجود لدى شهاب الدين السهروردي (حكمة الإشراق، الفِقر 111-113) على حدْسِ الأنوار «غير الحِسِّيّ» القابعة داخل الذّوات، إذ يعتمد وجود الأجسام على الأنوار المجرّدة، فـ«كل من كان له ذات لا يغفل عنها، فهو غير غاسقٍ لظهور ذاته عنده؛ وليس هيئةً ظلمانيّةً في الغير، إذ الهيئة النوريّة أيضًا ليستْ نورًا لذاتها فضلًا عن الظلمانيّة، تف [غير موجودة]، فهو نور محْض مجرّد لا يشار إليه» (حكمة الإشراق، الفقرة 114). لهذا، يمكن من خلال الخبرة المباشرة للحقيقة النوريّة للأشياء إحراز الوصول إلى هذه الحقيقة المطْلقة للموجودات؛ الأمر الذي يجعل المعرفة الحدسيّة، غير الاستدلاليّة «المنطقيّة» مقدّمةً على أيّ نوع آخر من المعارف.

ولقد كان للنقد الّذي وجّهه السهروردي تجاه التّفرِقة الحادثة بين الوجود والماهيّة صداه في السِّجالات اللّاحقة، ولا سيّما الّتي قام بها ابن كمّونة «توفّي 1284» (أيشنر 2010)، وأثير الدّين الأبهري «توفّي حوالي 1265»، والكاتبي القزويني «توفّي حوالي 1276» (أيشنر 2012). بعد ذلك، يأتي ملّا صدرا «توفّي 1636» مشيرًا إلى اضطرابِ السهروردي بين مفْهومي الوجود وحقيقة الوجود، كما يقوم باستبدال مفهوم النّور لديه بمفهوم الوجود؛ مازجًا بين أنطولوجيا ابن سينا والتّراتبِ الإشراقيّ للأنوار (رضوي 1999، 225).

2.4 أنطولوجيا الأنوار

يقوم شهاب الدين السهروردي في القسم الثّاني من «حكمة الإشراق» بإرساءِ مبادئه الوجوديّة في الأنوار. وبينما يمكن الوقوف على أوجه شبهٍ بين أنطولوجيا أنوار صّوفيّة لدى الغزالي «توفّي 1111» في كتابه «مشكاة الانوار 1998» (ينْظر: حكمة الإشراق، الفِقرة 174، سيْناي 2016)، إّلا أنّ السهروردي قام على تطويرِ نظريّة أخرى عن الأنوار تتميّز بالأصالة. يعدّ النّور وتجلِّياته قواعد أنطولوجيّةً تأصيليّة في سياق إلهيّاتِه [ميتافيزيقاه] المعقّدة، إذ تتخلّق وحْدة الحقيقة، وتستمدّ قيّوميّتها من خلال استمرار نور الأنوار، وتتابع إشعاعه.

إنّه للنوّر وحده؛ طبيعته، ومصاديقه، وترابط أشكالِه، تقرير ما هو موجود. يمكن تقسيم الأشياء الموجودة جميعها إلى أربع طبقات وجوديّة «مستمدّة من علم الكونيّات [الكوزمولوجيا] لدى السهروردي». يعبّر عن أوّل طبقة وجوديّة بـ«النّور المحض»، أو «المجرّد»، وهو غنيّ في ذاته؛ يشبه إلى حدٍّ بعيد موناداتِ ليبينيز (والبريدج 2005: 244)، ويتّصِل هذا النّوع من الأنوار بالعقول المشّائيّة. وهو نور في حقيقةِ نفسِه؛ مدْرِك لنفسِه، ومدرِك لغيره.

تعدّ الأنوار المجرّدة إذن مبادئ عِلّيّةً في سياقيِ الوجود والكفاية، وعلى الرّغم من «إمكانيّة اختلافها في ذاتها من جهة الشِّدّة والضّعف، ومن جهةِ وجودِها في الهيئات الظلمانية والمضاءة [نواحي تفرّدِها]»، إلا أنّه ينْعم عليها بالقدرةِ على الجعْلِ أيضًا، و«الظّهورِ للأنوار المجرّدةِ الأخرى». تأتي الطّبقة الثّانية معبّرًا عنها بـ«البرازخ الغاسِقة»؛ وهي أجسام يعتمد وجودها على الأنوار العارضة في ظهورها وتجلِّيها «عن الأنوار»؛ بحيث «لا يمكن معرفتها إلا من خلالِ الأنوار المجرّدة [المحْضة] فحسب». والآن، يأتي «النّور العارض» طبقةً ثالثةً؛ وهو نور هيئةٍ تكون في غيرِه كالأنوار المحسوسة حيث تحدث هذه «الهيئات المضيئة في كلٍّ من البرازخ، والأنوار المدبِّرة».

وأخيرًا، يعبّر عن الطبقة الرّابعة بـ«الهيئة الظّلمانيّة»؛ وتعني «الخصائص المادّيّة للأشياء الّتي لا تظهر في نفسها»، ولكن بغيرها (والبريدج 1992، 49-51، 2004، 213-4، حكمة الإشراق، الفِقر 107-113، 121). لذا، فإنّ ما يميِّز ماهيّاتِ الأشياء بعضها عن بعض هو تفاوت شِدّةِ النّور وضعْفِه داخل التّرتيب الأنطولوجيّ للمنْزِلة حسب حيازتِها للنّور «قلّ أو كثر»، واستمدادِها من النّور الأشرف؛ نور الأنوار «الله»، ودرجةِ تجرّدِها عن المادّة.

يتبنى شهاب الدين السهروردي «بناءً هرميًّا [مألوفًا] لمستويات النّور»، ابتداءً بنور الأنوار وانتهاءً إلى عالمِ ما دون فلك القمر، ويعتمد في تدعيم القول بوجود سببٍ ضروريٍّ أوّلٍ [نور الأنوار]، وباقي الرّتبِ الوجوديّة والأساسيّة للكائناتِ «النّور والظّلمة، والجوهر والهيئة، وما هو قائم بذاته وما ليس قائمًا» على مبْدأيْنِ مشّائِيّيْنِ. يشير والبريدج إلى المبدأ الأوّل بأنّه «شكل من أشكال مبدأ العِلّةِ الكافية»؛ يسمّيه السهروردي بـ«قاعدة الإمكان الأشرف»؛ وتؤكِّد على «أنّ الممْكِن الأخس إذا وجِد، فيلزم أن يكون الممْكِن الأشرف قد وجِد» (حكمة الإشراق، الفِقر 164-173، ينْظر أيضًا: «المشارع والمطارحات»، و«في السماوات»، لمطالعة آراء أرسططاليس، السهروردي 1993a، 434-5).

تقع هذه القاعدة -أعني «الإمكان الأشرف»- في مركزِ التّفسير السهرورديّ لوجود نور الأنوار وانفصاله الأنطولوجيّ عن غيره، وعلى الرّغم من مشاركتِه في اقتضاءِ الممْكِن الّذي يكون سببًا أوّلًا له. ويستخدم السهروردي قاعدة «استحالة التسلْسلِ بالفعل للمترتِّباتِ إلى ما لا نهاية» مبدأً ثانيًا؛ متوافِقًا فيه مع الأرسططاليسيّين. وبضمّ هذه القاعدة إلى القاعدةِ الأولى يمكن القول بأنه «لا وجود لعدد لانِهائيّ من مستويات الموجودات، وأنّه لا بدّ من القول بموجودٍ يكون وجوده ضروريًّا في نفسه، وهو الّذي أسماه ابن سينا بواجب الوجود»؛ نور الأنوار لدى شهاب الدين السهروردي (والبريدج 2000، 24-5، 56-61، حكمة الإشراق، الفِقر 129-138، 55).

يلاحظ ماير (2001) عدم مركزيّة المبدأ الثّاني في حجج ابن سينا الكونيّة [الكوزمولوجيّة]، والوجوديّة [الأنطولوجيّة] وهو في معرِضِ تناولِه مسألة وجود الله. إنّه من خلال الواحد الّذي هو نور الأنوار؛ يمكن صدور العالم وموجوداته عبْر إشعاع متداخِل من النّور طبقًا لاختلافه في الشِّدّة (حكمة الإشراق، الفِقر 150-154)، من أجل ذلك يتفاوت النّور في درجته، مستحضرًا إلى الحياة «طبقات» مختلفةً من الموجودات الماديّة وغير الماديّة المشروطة. إنّها أنطولوجيا للأنوار شبه أحاديّة تتضمّن كلّ إمكان للموجودات المضاءة، والمتمايِزة تمامًا عن نور الأنوار (ينْظر: رضوي 2019، و2009، الفصل الثّاني).

وبينما يتجانس النّور دائمًا في نفسه، إلا أنّ اقترابه وابتعاده عن نور الأنوار هو المحدِّد لحقيقةِ النّور الوجوديّة للموجودات جميعها، فتتحدّد هيئاتها الأنطولوجيّة، وخصائصها، وتأثيراتها عن طريق درجة النّور في الشِّدّة. وما يميِّز الشّيء حقًّا هو مستوى الضّوء الّذي برز إلى الوجود من خلال شعاعات النّور، وكلّما كان الإشعاع أقوى، كلما كان كمالها الوجوديّ [الأنطولوجي] أكثر تمامًا.

يصدر العالم إذن عن نور الأنوار، ويفيض عن النّور الأول، وتؤدِّي تفاعلات الأنوار المتسارِعة -القاهرة منها والمدبّرة- إلى إعطاءِ الموجوداتِ كلِّها صفة الوجود، فعندما يتفاعل نور جديد مع غيره من الأنوار الموجودة؛ يتخلّق المزيد من الجواهر النورانيّة والظّلمانيّة. وعن النّور تصدر الأنوار المجردة، والأنوار العارضة، كالعقول الروحانيّة [الثّواني] «الملائكة»، ونفوس الإنسان والحيوان، كما تظهر بها الأجسام، وهي من الجواهر الغاسقة. وفي الحقيقةِ، تظهر الهيئات النورانيّة، مثل تلك الموجودة في الأنوار المجرّدة، والأنوار الماديّة، أو في الإشعاعات، كما تظهر الهيئات الظلمانيّة، سواء كانت مجرّدةً أو في الأجسام؛ يظهر كلّ هذا بالنّور (حكمة الإشراق، الفِقر 109-110).

وإلى جانبِ فكرةِ تفاوتِ النّور في الشِّدّة، يطرح السهروردي ترْتِيبيْنِ من الأنوار المحْضة [المجرّدة]، والّذي قد يكون طوليًّا أو عرْضيًّا. ينطلق التّرتيب الأّول «الطّوليّ» عن نور الأنوار متمثّلًا في الأنوار المحْضة والمجرّدةِ القاهرة. وما يؤكِّد التبعِيّة الأنطولوجيّة [الوجوديّة] لكلِّ ما يبرز إلى الوجود بنور الأنوار كون نورٍ مجرّدٍ واحدٍ صادرًا عنه أوّلًا؛ في متابعةٍ واضحةٍ للأفلاطونيّة المحْدثة في مبدئها القائل بأنّ «الواحد لا يصدر عنه من حيث هو واحد إلّا شيء واحد»، وهو مبدأ يكمن في القلب من علم الكونيّات الفيْضِي لدى ابن سينا (ينْظر: ليزيني، 2016، القسم 5.4).

وعن هذا النّور الأوّل يصدر نورٌ ثانٍ وكلّ البرازخ المحِيطة «العوالِي»، وعن الثّاني يصدر نور ثالث وبرزخ ثانٍ، أو كرة النّجوم الثابتة، وهكذا (حكمة الإشراق، الفِقر 141-143، 151-152). وينقسم التّرتيب الطّوليّ للأنوار المجرّدة إلى طبقتيْنِ من الأنوار؛ الأولى: الأنوار القاهرة العلويّة [العقول الثّواني المشّائيّة لدى ابن سينا]، والثّانية: الأنوار المدبِّرة؛ وهي النّفوس الرّوحانيّة عند ابن سينا والمشّائين، مرتبطةً بمختلف الأجسام «البرازخ»، مضافًا إليها النّور الإِسْفهْبد المدبِّر الّذي يملك سلطة الحكم على النّفوس البشريّة (حكمة الإشراق، الفقرة 155).

وتتكثّر الأنوار واقعيًّا في جميع مستوياتها وترتيباتها عن طريق القهر الذي يمارسه الإشعاع الصّادر عن الأنوار القاهرة العلْيا، في حين تتعشّق الأنوار السّفلى الأنوار العلْيا (حكمة الإشراق، فقرة 147)، لتكون العلاقة القائمة بين النّور العالي والسّافل مرتبكةً بين القهر والعشق «المحبّة» (حكمة الإشراق، فقرة 156).

يعكس التّرتيب الطّوليّ إذن العمليّة الفيضيّة للعقول كما جاء بها ابن سينا، والأفلاطونيّة المحْدثة، ورغم ذلك، يزيد عليها السهروردي عددًا من القواعد الفعالة، إذ تعرّضتْ نظريّة العقول الثّواني المشّائيّة إلى سهام ابن رشد النّقديّة وهو يعالج أنطولوجيا الأفلاطونيّة المحدثة عند ابن سينا.

يرتبط كلّ مستوى من مستويات الأنور القاهرة المجرّدة بفلك من الأفلاك العلويّة الّتي لم تعد منْحصِرةً في أفلاك الفارابي «توفي 950» التّسعة، ولم تعد مخْتزلةً فيها أو في «أجسامها العديدة السّافلِة» كالّتي اقترحها ابن سينا في «نموذجه الكينماتيكيّ [علم الحركة المجرّدة] الثّاني» (جانوس 2011، 172-9). لعلّ هذا التّطوّر قد ألهم السهرروردي؛ إنّه لم يقل بعدم التّناهِي، ولكنه أثبت عددًا غير محدّدٍ من الأنوار القاهرة المجرّدة؛ «أكثر من عشرة وعشرين، ومائة ومائتين، وألف وألفين ومائة ألف» من الأنوار الّتي تتكاثر في حقيقتها تمامًا مثل النّجوم في الكواكب الثّابتة (حكمة الإشراق، فقرة 151، أرسلان 2017، 138).

تتشارك الأنوار المجرّدة في ترْتِيبها الطّوليّ مع الأنوار الأخرى القاهرةِ في ترتيبها العرْضِيّ، وقد تتكافأ،

«فإنّ الأعلين بجهاتها الكثيرة النوريّة، أو مشاركة بعضها مع بعض يجوز أن يصدر عنها وجود أنوارٍ قاهرة متكافئة […]، ففي القواهر أصول طوليّة قليلة الوسائط الشّعاعيّة والجوهريّة، هي الأمّهات، ومنها عرْضية من أشعة وساطيّة على طبقات» (حكمة الإشراق، 183، 154-155).

وأحيانًا ما يتّصل التّرتيب العرْضِيّ الثّاني من الأنوار القاهرة بـ«الملائكة المدبِّرة» (حكمة الإشراق، 248، 259، 269-270)؛ ولعلّها تساوي في العدد الأجرام العلويّة، وتشير مرّاتٍ إلى التّراتبِيّةِ السامِيّةِ القديمة للملائكة، والأساطير [الميثولوجيا] الزرادشتيّة.

وما هو أهمّ من ذلك؛ أنّ بعض الأنوار العرْضِيّة المجرّدة، القاهرة، القائمة بذاتها، تعرّف على أنّها أنوار صوريّة قاهرة؛ يسمِّيها ـ«أرباب الأصنام»، وتلعب دورًا من النّمطِ البدائيّ، «وإنْ لم تكن منطبعةً [في البرازخ]، يحصل من كلِّ صاحبِ صنم في ظلِّه البرزخيّ باعتبارِ جهةٍ عاليةٍ نوريّةٍ» (حكمة الإشراق، الفقرة 155). يطْلق على أرباب الأصنام أحيانًا ما يسمّى بـ«مثل أفلاطون»؛ الواقعة ربّما عند العتبة السفلى من عالم الأرواح، فيقوم السهروردي بإدماجها في إلهيّاتِه [ميتافيزيقيّاته] المحكومة أصلًا بنور الأنوار (حكمة الإشراق، الفِقر 246-248، السهروردي 1999، 111). ق

د تختلف هذه الأنوار -الأبديّة، الخالصة، الثّابتة- بعضها عن بعض في النّوع، لكنّها لا تختلف بحالٍ في مستواها الوجوديّ [الأنطولوجي]، فهي «أنوار متكافئة في القوّة»؛ «يختلف بعضها عن غيرِها المكافِئ لها في القوّة عن طريق الهيئات النوريّة والظلمانيّة»، بل تصبح بعض أنوار التّرتيب العرْضيّ «العِلّة الكافية -لا العِلّة الصّوريّة- للأنواع الطبيعيّة» (والبريدج 2017، 270، السهروردي 1993a، 67-8، حكمة الإشراق، الفِقر 94-95، 164-171).

تتشابه الوظيفة الّتي تقوم بها المثل الأفلاطونيّة كثيرًا مع الأنماط البدائيّة لأفلاطون، لكن بالقدر الّذي تتحكّم فيه بالأنواع المتعدِّدة البارزةِ نماذجها إلى حيِّزِ الوجود [كبديل عن أن تكون مجرّد موجوداتٍ كلِّيّة]، ومثال ذلك أنواع الأجسام المحرِّكة للأجرام العلويّة، وفي نفس الوقت تلعب دور العِللِ الكافية لأجسامِ ما تحت فلك القمر، ومن ضمنها النّفوس الإنسانيّة (والبريدج 1992، 61-6، 2017، 270-1).

تصدر أجسام العالم السّفليّ عن تفاعل إشعاعات الأنوار الطّولِيّة والعرْضِيّة، ويتأسّس هذا التّسلسل النّوريّ على علاقةٍ تبادليّة تقوم على مبدأ «القهر» الذي تمارسه الأنوار العلْيا على السّافلة، وعلى مبدأ «العشق/ المحبّة» الّذي يصدر عن الأنوارِ السّافلةِ تجاه العالية (حكمة الإشراق، الفِقر 152-156). وعن طريق التّكثّر الحاصل في الأنوار المجرّدة القاهرة، وإقحام التّرتيب العرْضيّ الثّاني للأنوار «المثل الأفلاطونيّة» أمكن وجود تأثيراتٍ بسيطة عن العِللِ المركّبة (حكمة الإشراق، الفِقر 94-95).

يقدّم ترتيب الأنوار ثنائيّ الأبعاد مفهومًا جديدًا مركّبًا، وغير خطّيّ للعِلّةِ الميتافيزيقيّة. تزداد الشّقة إذن شيئًا فشيئًا بين نور الأنوار وعالم ما تحت فلك القمر بفعل التّكاثر ما بعد الطبيعيّ [الميتافيزيقي] للأشياء؛ ما يؤدّي تزامنِيًّا إلى نظرة أكثر إحاطة للواقع ما دام نوار الأنواع قابعًا في مركزِه. لذا، يمكن القول إنّ الإمساك بأصل مذهب شهاب الدين السهروردي الميتافيزيقيّ يكون عن طريق إضافة مفهومي شِدةِ النّور ودرجته جنبًا إلى جنبًا إلى مفهومي الحضور والظّهور الذّاتيّ، حتّى ينسجم النّور في الشِّدّة مع درجة شعور الأنوار بذاتها.

من أجل ذلك، يحيط شعور نور الأنوار بذاتِه -بجميع درجات شِدّتِه العديدة- كلّ الأنوار الأخرى الّتي يتأسّس عليها الوجود. تبنّى ملا صدرا «توفّي 1636» لاحقًا هذا القول عندما قال بنظريّة السهروردي حول شدّة الضّوء وتسلسله؛ مطوِّرًا بذلك علمًا للوجود [أنطولوجيا] منبنيةً على طبقات وجود الموجودات جميعها كبديلٍ عن الأنوار؛ ما يعدّ انقلابًا بشكل ما على أنطولوجيا السهروردي، لأنّه يعطي الوجود الأصالة، ويفهم الماهيّة كاعتبار عقليّ.

يأتي السهروردي من خلال ميتافيزيقا الأنوار بما قد يعتقد فيه أن يكون حجةً أكثر إرضاءً لمعالجةِ مشكلة لاهوتيّة فلسفيّة عويصة؛ ألا وهي مسألة علم الله بالجزئيّات، فالاعتماد على مفهومي العِلْم الذّاتيّ، والعِلْم الحضوريّ من خلال اجتلاب الموجودات النوريّة جميعها يساعد في بيانِ الكيفية الّتي يعِي الله بها ذاته كنورٍ للأنوار، إضافة إلى علمه بذاته وما عداه من الأغيار «الخلْق»؛ ومن أغيارِه الجزئيّات.

يساعد العلم الحضوريّ في تفسير حضور العلم الإلهيّ في ذاته لذاته، كما يحدث تمامًا في العلم بالذّات لدي جميع الموجودات النوريّة الأخرى، فـ«علمه بذاته هو كونه نورًا لذاته»، وفي الوقت الّذي يعي فيه الله ذاته، يكون قادرًا كذلك على أنْ يعِي غيره، فـ«علمه بالأشياء كونها ظاهرةً له، إمّا بنفسها أو متعلّقاتها» (حكمة الإشراق، 162).

يصير إدراك العلم الإلهيّ الآن ممكنًا عن طريق القول بـ«وجودِ إضافةٍ بينها وبين ما هو مدْرك لها»، إذ تمكِّن هذه الطّبيعة «الإضافيّة الخالصة» للعلمِ الإلهيِّ نور الأنوار من العلم بالجزئيّات المادِّيّة دون أيّ تغيير أو تأثير ما في جوهرها النّوريّ (سيْناي 2013، 320-1، 2016، 288-93، أيشنر 2001، 137-9). ولمزيد اطِّلاع على خلاصة مذهب السهروردي في علم الأنوار الوجوديّ [الأنطولوجي] ينْظر والبريدج (1992، 40-78، 2004، 212-6).

3.4 عالم الصور

قام شهاب الدين السهروردي بطرح عالمِه المستقلّ عن الصّور، وذلك قبل ابن عربي «توفّي 1240» بنصف قرن. يسمِّي كوربان «عالم الصّور» بـ«مونْدوسْ إِيماجِينالِسْ mundus imaginalis [عالم الخيال]»؛ وهو مستوى وجوديّ [أنطولوجي] رابع قام ملّا صدرا بالاعتراض عليه بعد ذلك «انظر: لاندولت 2017». يفضِّل فان لِت (2017، 7) ترجمة هذا العالم إلى «world of images عالم الصّور»، أو «imaginable world العالم الخياليّ» للإشارةِ إلى مفهوم السهروردي عن «عالم المِثال»، ولا يفضِّل كثيرًا استخدام ترجمة هنري كوربان. وهذا العالم هو واحد من عوالم أربعة هي:

  • (1) عالم المعقولات، أو الأنوار القاهرة.
  • (2) عالم الروحانيّات؛ ويعْنى باتِّصال النّفس بالجسد، سواء كان بشريًّا أو علويًّا، أو الأنوار المدبِّرة.
  • (3) العالم المادِّيّ، أو البرزخيّان.
  • (4) عالم الصّور؛ وهو محلّ البحث هنا. يشغل عالم «الأشباح المجرّدة»، أو «الصّور» مكانًا برزخيًّا، أو يقع كعالم يتوسّط الصّور المعلّقة الظّلمانيّة والمستنيرة.

يستقرّ هذا العالم في مكانٍ ما بين عالم الظّلمانيّة الماديّ وعالم أرباب الأصنام؛ عالم المثل الأفلاطونيّة للأنوار المحضة «الأنوار العرْضِيّة». تبرز في هذا العالم الرابع «عالم الصور» الموجودات الجديدة إلى الوجود «المثل المعلّقة»؛ الّتي تستوعبها النّفوس بعد مماتها من خلال التّخيّل. حقيقةً، يبسط السهروردي حديثه حول الاقتراح السينويّ الّذي يقترح للخيال وظيفةً أخرويّةً مهمّةً في تفسير مصير الأرواح في العالم الآخر (ينْظر: فان لِت، 2017، 20-47).

ومع القول بـ«عالم الصّور» هذا؛ يسعى شهاب الدين السهروردي في اعتبار الموجودات مالكةً وجودًا يخصّها «بعضه كان قبل بروزِها إلى الوجود في هذا العالم». يحتوي «عالم الصّور» على «الصّور المعلّقة» الّتي لا تكتنفها المادّة، ويجري تصوّره على أنّه صعيد تتجلّى فيه «الأشباح، وأشكال المرايا، والرّؤى، وعوالم أخرى تتجاوز عالمنا»، تملك الأنوار إيجادها (والبريدج 2000، 26).

يقدِّم «عالم الصّور» إذن سياقًا يظهر فيه التّبصّر الصّوفي، وخوارق الأمور. إنّه ملاذ أولئك «السّعداء من المتوسِّطِين، والزّهّاد من المتنزِّهِين؛ قد يتخلّصون إلى عالم المثل المعلّقة»، الّتي «لها إيجاد المثلِ والقوّة على ذلك»، وهناك تظهر أشكال وصور أخرويّة للنّفوس الميِّتة، وبها يمكنهم طلب الكمال والتّرقِّي فيه، وبهذا العالم «تحقّق بعث الأمثال، والأشباح الربّانيّة، وجميع مواعيد النّبوّة» (حكمة الإشراق، الفِقر 244-248)، وتوجد فيه كذلك عناصر لا تنسجم تمامًا والتّصوّر الأرسططاليسيّ للأشكالِ في المادّة.

يتمايز عالم «الصّور المعلّقة» عن عالم «المثل الأفلاطونيّة»، لأنّ «مثل أفلاطون نوريّة ثابتة، وهذه مثل معلّقة؛ منها ظلمانيّة، ومنها مستنيرة» (حكمة الإشراق، 246)، كما توجد المثل والصّور المعلّقة في «عالم الصّور» مدْركةً بالقوّة التّخيّليّة لدى النّفس (حكمة الإشراق، 225). يقول السهروردي: «ومنْ رأى ذلك المقام تيقّن وجود عالم آخر غير عالم البرازخ فيه المثل المعلّقة والملائكة المدبِّرة؛ يتخذ لها طلسماتٌ ومثل قائمة تنطق بها وتظهر بها» (حكمة الإشراق، 259)، على الرّغم من كون هذه الصور المعلّقة «لا في مكان، ولا في محلّ» (حكمة الإشراق، 225، انظر: فان لِت 2017).

والأهمّ من ذلك كلِّه كون «عالم الصّور» لدى السهروردي يشغل وظيفة أخرويّة مبتكرة؛ ألا وهي تحقّق النّفوس النّاقصة بخبرةٍ ممكنة؛ تتعلّق بالجزاء الإلهيّ شقاوةً وسعادةً، فيقدِّم إليهم مجالًا «موضوعيًّا» لاختبار هذه التّجارب «الحقيقيّة» (حكمة الإشراق، الفِقر 244-246، سيْناي 2015، 280-1، فان لِت 2017، 37-78)، (ينْظر 3.1 من هذا المدخل). لم يقم السهروردي بالتّنظير المنهجيّ لـ«عالم الصّور»، أو «الصّور المعلّقة» كما جاء بها. لذا، فإنّه بدايةً من القرن الثالث عشر وحتى القرن الواحد والعشرين، قام عدد قليل من الشّارحين بدراسة هذه المسألة دراسةً فيها نوع من العمق (فان لِت 2017، 142-75).

5. السياسة والأخلاق عند السهروردي

تحتمل فلسفة شهاب الدين السهروردي الإشراقيّة بعْدًا سياسيًّا، فيعرض ضياء «1992» موجزًا عامًّا لما يسمِّيه «العقيدة السياسيّة الإشراقيّة» الّتي تتأسّس على علاقةٍ تقوم بين السّلطة السياسيّة، والملْك العادل، وقدرة الملِكِ على التّألّقِ بالنّور الإلهيّ.

يستخدم السهروردي في «الألواح العماديّة» (السهروردي 1993c، 186-8 [الطّبعة الفارسيّة]) المصطلحينِ الزرادشتيّيْنِ «خرّة» و«فرّة» -وهما مصطلحان واردان في الـ«أبستاق» باللّغة البهلويّة- للإشارة إلى النّور الإلهيّ/ الملكيّ الممنوح لقدماء الملوك من خلال نور الأنوار الّذي يهبهم الجبروت والقوة النوريّة «كيان خرّة» كما جاء في «پرتو نامه رسالة الشّعاع» (السهروردي 1998، 84-5، ينْظر أيضًا: 1993c، 81، جنولي 1999)، أمّا في «حكمة الإشراق» فيرد أنّها خطفة من نور يتحصّلها عن طريق «الذّوات الملكوتيّة»؛ وهي الأنوار الّتي شاهدها كيخسرو وزرادشت (حكمة الإشراق، 165-166، ينْظر أيضًا: 1993a، 502-5).

تساعد هذه «الاعتقادات» السياسيّة في تلمّسِ إشاراتٍ لشروط السهروردي اللّازمة لضمان وجود الحكم العادل من خلال تقديم عناصر الأخلاق السياسيّة الإشراقيّة للتّحقّق بهذا الملك الحكيم. ورغم أيّ شيءٍ، فإنّ السّياق الأخلاقيّ العامّ الكامن في النّظام الإشراقيّ للسهروردي يحتاج إلى مزيد من الدراسة. وعلى كلٍّ، لا ينأى السهروردي بنفسه كثيرًا عن سهام النّقد ذاتها الّتي سدّدها بوبر تجاه أفلاطون؛ ولا سيّما فهمه الأفلاطونيّ الخاصّ للحاكم الصّوفيّ ووظيفته السياسيّة، والدّور الذي يلعبه التّخلّص الحدسيّ أو الصوفيّ إلى الأنوار الإلهيّة عن طريق الأنبياء، والعرفاء، والحكماء.

في الحقيقة، يلجأ السهروردي في ذلك أحيانًا وبطريقةٍ ما إلى القول بالنّسب «الأسطوريّ» لنقلةِ الفلسفات الإشراقيّة القدماءِ، سواء كانوا من اليونان/ الغرب، أو من الفرس/ الشرق، ويدّعِي إحياءها.

ينتهي ضياء (1992، 337، ينْظر أيضًا: والبريدج 2000، 201-10) بظنِّه إلى القول بمحاولة السهروردي تطبيق هذا البعد السياسيّ من فلسفته الإشراقيّة كعقيدة سياسيّة جديدة؛ معتمدًا اعتمادًا كلِّيًّا على بعض الفقرات من أعماله، وآخذًا في اعتباره الظّروف المحتملة الّتي أودتْ بحياتِه، وانتهتْ به إلى الإعدام. تحتاج الأخبار التّاريخية الدّاعمة لهذا الطّرْح، وعلاقة السهروردي بمن كانوا يناصرونه في هذا الأمر، والأغراض الّتي ترمي إليها هذه الفقرات المتعلِّقة بهذه الاعتقادات السياسيّة الإشراقية إلى مزيدِ مراجعةٍ للتّأكّد من هذا الادّعاء (ماركوت 2001a، 415-6).

يقدِّم لنا علم الأخرويّات/ الاتِّحاد الرّوحيّ، ومناقشاته المتعلّقة بمصير النّفس في الحياة الأخرى لمحةً عن كيفيّة التّحقّق بالخير والحياة الأخلاقيّة ونحن ما زلنا في هذا العالم. يتماهى شهاب الدين السهروردي مع تقسيم ابن سينا للنّفوس في الآخرة طبقًا لما اكتسبوه في الدّنيا من عِلم، سواء كان عمليًّا أو نظريًّا، ويتحدّد مصير النّفوس في العالم الآخر اعتمادًا على هيئاتِهم الأخلاقيّة الّتي تشكّلت لهم في هذه الدّنيا (حكمة الإشراق، الفِقر 244-248).

على النّفوس إذا ما أرادت سعادتها أنْ تحاول مفارقة أجسامِها الظّلمانيّة، وأن تنأى بنفسها عن كل ما هو دنيويّ وماديّ؛ سعيًا في التّخلّص إلى عالم الأنوار المجرّدة، أمّا تلك النّفوس المستغرقة في المادّة في هذه الحياة الدّنيا، فإنّه يتحدّد مصيرها جزئيًّا في الحياة الآخرة. لذا، يمكن القول إنّ السهروردي لا يختلف كثيرًا في هذا الباب عن فلسفة ابن سينا المشّائيّة في العالم الآخر (ينْظر 4.3 من هذا المدخل). إنّ الأنبياء، والحكماء، والعرفاء المصطفين الاستثنائيِّين هم وحدهم من يملكون القدرة على تحقيق هذا الاتِّحاد بعالم الأنوار المحْضة. وقد تعدّ ممارسات الزّهد عاملًا مساعدًا في تحقيق وعي الذّات بالطبيعة الوجوديّة [الأنطولوجيّة] لحقيقة النّفس النوريّة.

تقدّم بعض أطروحات السهروردي الرّمزيّة والصوفيّة كـ«رسالة الطّير»، و«قصّة الغرْبة الغرْبِيّة»، و«روزي با جماعت صوفيان يوم مع جماعة من الصّوفيّة» (السهروردي 1993b، 274-97، 1999b، 2001، 1976) أمثلةً للوظيفة التّعليميّة، وتعليماتٍ للشّيخِ المرْشِد، ولربّ الأصنام البشرّيّة، أو الموجودات الرّوحانية؛ توجيهًا للمرِيدِ المبْتدِئ -ذكرًا كان أو أنثى- وهو في طريقه/ طريقها إلى عالم الأنوار المجرّدة حيث الخلاص الكامن هنالك. يصبح بعث نفوس آحاد النّاس بعد مماتها، بالإضافةِ إلى قدرتها على التّحقّق بالثّواب والعقاب في العالم الآخر، من شروط الجزاء الإلهيّ في الآخرة.

6. تراث السهروردي

1.6 تقاليد ما بعد السهروردي

              كانت المأسأة الّتي تعرّض لها شهاب الدين السهروردي في نهاية مطافه نقطة البدء الّتي انطلق منها تاريخ طويل من الشروح والتّعليقات على فلسفته وإعادة تقييمه للتّقليد المشّائيّ السّينويّ؛ قام بها عدد من مؤيّديه ومعارضيه على حدٍّ سواء، وكان يوجد عملان من أعماله متاحين بسهولة، بل ويدْرسان في مدارس التّعليم في سوريا «دمشق، وحلب»، والعراق «بغداد»، وإيران «مراغة»، ولعلّ تداولهما كان قبل مقْتلِه على الأرجح. يمكن الوقوف على اتّجاهين أساسين في التّراث التّفسيريّ لأعماله في القرن الثالث عشر؛ عمِلا على تشكيل التّطوّرات اللّاحقة.

يشغل ابن كمّونة «توفّي 1284) مكانه في الاتّجاه الأول الّذي كان يركّز على جوانبِ «الاستدلال المنطقيّ الخالص، والفلسفة الأكثر نسقيّة» في أعمال السهروردي، أمّا الاتّجاه الثّاني فيمثِّله الشّهرزوري «توفّي تقريبا 1288»، والّذي كان يركّز على الجوانب الرّمزيّة والاستعاريّة المعروفة بالتّقليد الإشراقيّ، بل ويعمل على بسطها وتوسيعها (ضيائي 2003، 473-87).

         كان ابن كمّونة ذلك الفيلسوف اليهوديّ المتأثِّر كثيرًا بكلٍّ من ابن سينا والسهروردي، والشّارح الأول له (لانجيرمان 2005، 297-301، بورجوادي وشميدتك 2006، 23-32، أيشنر 2010)، ولقد قام بإنهاء شرحه على المنطق والطبيعيّات وإلهيّات «التّلويحات» عام 1268 بينما كان في بغداد (ابن كمّونة 2003، 2009). ولعلّه أنجز أعمالًا مثل «الكاشف» بعد أن أقام في حلب عام 1278 (2008، لانجيرمان 2005). أمّا بالنِّسْبة إلى الشّهرزوري، فإنّ ما يجمعه بالسهروردي شرحه المبكِّر جدًّا على «حكمة الإشراق» عام 1286 تقريبًا، بعد كتابتِه شرحًا آخر على «التّلويحات» (الشهرزوري 1993، ينْظر أيضًا: ماركوت).

وعند النّظر في كتابه الموسوعيّ «الشّجرة الإلهيّة» الّذي انتهى منه أيضًا قبل شرحه على «حكمة الإشراق» (الشّهرزوري 2004، و2005 [طبعة أفضل])، فإنّه يمكن العثور على عناصر إشراقيّة، ولم يتأكّدْ بعد إن كان كتابه «الرّموز والأمثال اللّاهوتيّة» ينحو نحو «الشّجرة الإلهيّة» في اقتباسه عن المبادئ الإشراقيّة أم لا (بريفوت 2004).

         لعلّ الحاجة ماسّةٌ إلى مزيد دراسةٍ حول مدى وطبيعة المساهمة الّتي قدّمها الشهرزوري فيما أصبح يعْرف بالتّقليد «الإشراقيّ». يطرح فان لِت (2017، 79-112) مثالًا لا بأس به لبيان الكيفيّة الّتي يمكن من خلالها معرفة حجم هذه المساهمة الشّهروزريّة؛ عن طريق التّركيز على عنصر عقديّ واحد من العقائد الإشراقيّة، كالتّأسيس لـ«عالم الصّور»، وإعطائه معنىً فنّيًّا منْضبِطًا، وبيان موقعه وطوبوغرافيّته [أساسه] من السّياق الإشراقيّ، والوسائل الّتي بها يتخلّص إليه، وإلى حقيقته، وغير ذلك (ينْظر أيضًا: ماركوت 2001b، 2002).

وفي عام 1295 يتِمّ قطب الدّين الشّيرازي شرحه الخاصّ على «حكمة الإشراق» (الشّيرازي 2001، السهروردي 1986)، ليحتلّ مكانة الشّرح الّذي قام به الشّهرزوي من قبل (والبريدج 1992). قام كثير من الكتّاب بمعالجة أفكار الفلسفة الإشراقيّة؛ واقعين تحت سلطانها، أو شارحين لها، أو مناقشين إيّاها؛ ومن هؤلاء إسماعيل بن محمد الرّيزي «عاش حوالي 1280» في كتابه «حيات النفوس حياة النّفوس» (ماركوت 2004)، وأثير الدّين الأبهري (توفّي 1242) في أكثر من عملٍ له (أيشنر 2012)، والعلّامة الحِلّي الّذي ألف شرحًا على فلسفة الإشراق «مفقود الآن»، كما ألّف «حلّ المشكلات من كتاب التّلويحات» ، وتعليقًا على «المقاومات»

ويكتب الشّريف الجرجاني شرحًا على «حكمة الإشراق» (كديور 2011، 290-2)، وكذلك ابن أبي جمهور الأحسائي «توفّي 1501»، ويأتي نجم الدّين النيريزي «توفّي تقريبًا 1526» ناقدًا السهروردي، منْهِيًا شرحه على «الألواح العماديّة» عام 1526 (بورجوادي 2011، 131-6، 137-52)، ويطِلّ علينا المتكلِّمان جلال الدّين الدّواني «توفّي 1501»، وغياث الدّين الدّشتكي بشرح على «هياكل النّور» (الدّواني 1953، الدّشتكي 2003، السهروردي 1996)، بل ويكتب عبد الرزّاق فياض اللّاهيجي «توفّي 1667» -أحد تلامذة ملّا صدرا- شرحًا على «هياكل النّور» أيضًا.

         يعدّ ملّا صدرا «صدر الدّين الشّيرازي» «توفّي 1636» واحدًا من أكثر المهتمّين بالنّقد الّذي ساقه شهاب الدين السهروردي تجاه المشائيّة السينويّة «الاعتباريّة العقليّة للوجود، والمثل الأفلاطونيّة، والعلم الحضوريّ، وعلم الأخرويّات»، فيكتب تعليقاتٍ كاشفة على «التّلويحات»، وشرحِ قطب الدّين الشّيرازي على «حكمة الإشراق» (ملّا صدرا 2010، ينْظر أيضًا: السهروردي 1986، لاندولت 2017). يقول ملّا صدرا بأصالة الوجود ويتابعه هادي السّبْزوارِي «توفّي 1873» في ذلك؛ وهي نظريّة تخالف ما يفهم عن السهروردي من القول بأصالة الماهيّة واعتباريّة الوجود، وهو ما يقول به المير داماد أيضًا «توفّي 1631» (ينْظر كتاباه: «القبسات» [2001]، و«جذوات ومواقيت» [2001]).

         وفي نفس هذه الحقبة الزمنيّة تقتحم أعمال شهاب الدين السهروردي الإمبراطوريّة العثمانيّة والتّقاليد الفلسفيّة في فارس والهند، فيقوم إسماعيل الأنقرويّ «توفّي 1631» -وهو عضو في الطريقة الصوفيّة المولويّة- بترجمة «هياكل النّور»، والتّعليق عليه في كتابه «إيضاح الحِكم» (کاسبينار 1996).

وفي غضون القرن السابع عشر، يترجم المؤلّف غير المعروف أحمد بن الهروي «لعلّه من هراة» -عاش في شبه القارّة الهنديّة- «حكمة الإشراق» إلى اللّغة الفارسيّة، شارحًا إيّاها كذلك (الهروي 1979). ويبتدئ آذر كيوان «توفّي تقريبًا 1615» مدرسةً إشراقيّة في الهند؛ وهو كاهن زرادشتي يحظى بمكانة عالية، وكان قد هاجر إلى غوجارات في غضون الحكم المغوليّ للهند وتولِّي الإمبراطور أكبر «حكم من 1556 حتى 1605» زمام الحكْم (والبريدج 2001، 91-3). ويكتب محمد علي حزين اللّاهيجي شرحًا على كتاب السهروردي «كلمة التّصوّف» (السهروردي 2001، 101-39، 1993d)، كما يكتب تعليقاتٍ وملاحظاتٍ على أعمال ثلاثة أخرى له، من ضمنها «حكمة الإشراق» (كديور 2011، 290-2).

وحتى القرن العشرون، لم يخْل من حضورٍ للسهروردي، فهذا محمد كاظم العصّار يظهر متأثِّرًا بالمبادئ الإشراقيّة في معالجته لـ«الموجود المتواطِئ equivocal being». يقدّم فان لِت مخطّطًا زمنيًّا لثمانين شارحًا للسهروردي، مضمِّنًا حتى هؤلاءِ الأقلّ شهرةً (2018، 548-53). إنّ القيام بفهرسة وتيسير الحصول على مئات الأعمال الفلسفيّة المكتوبة بالعربيّة والفارسيّة بدايةً من القرن الثّاني عشر وحتى القرن التّاسع عشر، كما حدث مؤخّرًا من طباعة الكتاب الفارسيّ «نور الفؤاد» لشهاب الدين كميجاني «توفّي 1895» (2012)؛ لا بدّ لكلّ هذا أن يلقي بضوئه على مناطق جديدة كانت معْتِمةً فيما يخصّ تراث السهروردي.

         والسؤال هنا؛ كيف يمكن للمرء أن يطمئنّ إلى الادّعاء القائل بوجود «تقليد إشراقي» أصيل حقًّا، ومتمايز عن غيره؟ إنّه لم يكْتبْ إلا عدد قليل جدًّا من الدّراسات المؤرِّخة لتراث السهروردي الفلسفيّ المتعلِّق بآرائه واعتقاداته الإشراقيّة المبْتكرة؛ ما دفع البعض إلى تقييم تراث السهروردي ومشروعه بنوع من الحيْطة. يطرح فان لِت (2017، 2-3، 6-7) بعض الأسئلة على كوربان وغيره مِنْ الّذين اعْتبروا ما أطْلِق عليه في كثير من الأحيان اسم «الإشراقيّة» أو التّقليد الإشراقي «مدرسةً فكريّة»، كما يقدِّم تصويبًا تقويميًّا في خضمّ دراسته مفهوم «الصّور المعلّقة».

قام لاندولت (2008، 235) أيضًا بتفنيد مثل هذه الادِّعاءات كالّتي قدّمها ضياء من بين آخرين؛ فيما يتعلّق بوجود تقليد «إشراقيّ» سهرورديّ حقيقي؛ يمكن اعتباره نظامًا فلسفيًّا يختلف أصوليًّا مع فلسفة ابن سينا المشّائيّة. إنّ المشروع السهرورديّ يحتاج إلى إعادة صياغة باعتباره نقدًا للطّابع المشّائيّ المتأخّر، مثله مثل الانتقادات العديدة الّتي وجّه سهامها الشّهرستاني «توفّي 1153»، وأبو البركات البغدادي «توفّي تقريبًا 1165»، وفخر الدّين الرّازي «توفّي 1210»، والغزالي «توفّي 1111»، وغيرهم.

2.6 المقاربات التاريخية

تهيمن مدرستان فكريّتان عمليّة التّأريخ للتّقليد الإشراقيّ. تعرض المدرسة الأولى للسهروردي على أنّه مؤسّس تقليدٍ في التّصوّف أو «الحكمة الإلهيّة [الثيوصوفيّة]»، ولعلّها الأقدم والأكثر شيوعًا من غيرها. يعدّ هنري كوربان -زعيم الدِّراسات السّهْرورْدِيّة المعاصرة- ممثِّلًا لهذا النّموذج (جوتاس 2002، 16-9). يستند اهتمام كوربان على عمل شهاب الدين السهروردي المتأخِّر «حكمة الإشراق»، كما يستند على «ثيوصوفيّته الاستشراقيّة»؛ وهي التّقاليد الميثولوجيّة القديمة لدى الحكماء القدامى من الشّرق والغرب؛ كان السهروردي يقوم على إحيائها، كما يعتمد على قصصه الرّمزيّة المكتوبة بالفارسيّة (يتابعه نصر في ذلك).

لم تحظ أعمال السهروردي في المنطق والطبيعيّات باهتمام كبير لدى كوربان، وإنّما وضع جلّ اهتمامه في آرائه الباطنيّة وميتافيزيقيّاته في الإشعاع والنّور. جاءتْ في أعمال السهروردي أبعاد تتعلّق بالحكمة الغنوصيّة/ الباطنيّة/ المضنون بها على غير أهلها/ الثيوصوفيّة، و الحكمةِ الخالدة ما قبل الأرسططاليسيّة، ونظريّتِه في الوحْدة؛ غالبًا ما تنال هذه الأبعاد اهتمام البعض مع مبالغة في عرض السّياقات الباطنيّة أو الثيوصوفيّته لديه، ومن ثمّ تتماهى الفلسفة مع اللاهوت والتّصوّف، وتنطمس بينها الفوراق (ينْظر بورجوادي 2013).

يسلّط الدّاعمون لهذا النّوع من المقاربات الضّوء على الغاية التي كان يسعى إليها السهروردي؛ وهي بسْط مشروع ابن سينا غير المكتمل في خراسان من أجل تطوير «حكمة مشرقيّة» لا إشراقيّة، على الرّغم من حقيقةِ أنّ حكمة ابن سينا المشرقيّة لم تكن مشروعًا صوفيًّا أصلًا، بل كانت تهدف إلى تطوير تقليد فلسفي يتمايز عن المدرسة الفلسفيّة الغربيّة في بغداد (جوتاس 2000). يتغاضى كثير من الباحثين عن حقيقة تكريس السهروردي أعماله الرّئيسة لمعالجة نظريّاتٍ ومشكلاتٍ فلسفيّةٍ فنّيّةٍ حتّى في قصصه الرّمزيّة، وأعماله الصغيرة أو الثّانويّة.

عمومًا، يفسِّر أصحاب المدرسة الثيوصوفيّة أطروحات السهروردي الإشراقيّة على أنّها انشقاق أو خروج على التّقليد الفلسفيّ. يذهب البعض -مثل فخري- إلى حدِّ التّشكيك في أصالة العناصر المكوّنة للإشراق في أعماله؛ معتبرينها مجرّد نقِلٍ عن فلسفة ابن سينا، واستخدامٍ لها بمفاهيم أكثر خِفّةً.

ترى المدرسة الثّانية -وهي الأحدث- عناصر فلسفةِ شهاب الدين السهروردي الإشراقية المبْتكرة «نقدًا فلسفيًّا» أصيلًا؛ كان ثمرةً لصحوة المراجعات الّتي قدّمها أبو البركات البغدادي، وفخر الدّين الرّازي، والغزالي، في محاولات إعادةِ بناءِ الطّريقة المشّائيّة السّينويّة، ويتبنّى وجهة النّظر هذه كثيرون جدًّا من دارسي العصور الوسطي.

يستكشف بعض هؤلاء الدّارسين -مثل إيزوتسو (1971)- الجانب التّحليليّ من أعمال السهروردي، ويقوم آخرون -مثل المهدي الحائري اليزدي (1992)، وجلال الدّين الأشتياني- بتقديم فرضيّة «سينويّة جديدة» في تفسير التّقليد الإشراقيّ (أمين رضوي 2013، xvii-xix)، أمّا ضياء (1990)، فإنّه يركّز أساسًا على منطقه، بينما يدرس والبريدج (1992) شرح قطب الدّين الشّيرازي «توفّي 1311» أوّلًا، ومن ثمّ الميراث الفلسفيّ للحكماء والحكمة قديمًا «اليونانيّة، والرّواقيّة، والأفلاطونيّة، والفارسيّة، وغير ذلك» الكامن في نظام السهروردي الإشراقيّ (2000، 2001، وغير ذلك).

وبينما يرى كوربان (1971)، ونصر (1964)، ومعين (1948، 1950) السهرورديّ محْيِيًا شيئًا من الفلسفة الفارسيّة القديمة، فإنّ البعض الآخر -مثل شهاب أحمد «توفّي 2015»- يبالغ في تثمين الدّور الذي قام به في الشّرق الإسلاميّ، وهذا ما لا يسلّم به آخرون حتّى الآن.

يشير ضياء (2003، 484) -على سبيل المثال- إلى غياب التّراث الفلسفي الفارسيّ كنصٍّ مستقلّ، على الرّغم من كونه يقول بأنّ التّقليد الفلسفيّ للإشراق الإسلاميّ يتضمّن «أنماطًا مزديّة بقيت على قيد الحياة في التقاليد الشّعبيّة والشّفهيّة، كما بقيتْ في الأدبيّات الشعريّة، والملحمية، والصّوفيّة».

ويشير جوتاس (2003) كذلك إلى قلّة المصادر النصّيّة الّتي يمكن لها أن تدعم الادّعاء القائل بمحاولة السهروردي إحياء تقاليد الغرب اليونانيّة القديمة، إلى جانب التّقاليد الغنوصيّة، والهرمسيّة، ويدعو إلى تركيز البحث في الأسباب الّتي جعلت السهروردي يتوسّل سلطة «قدماء» الشّرق والغرب، بدلًا من محاولة العثور على علاقة «حقيقيّة» تاريخية يمكن الوقوف عليها في مصادر قد تقع بين أيدينا.

بدايةً من التّسعينيّات، تجدّد الاهتمام مرةً أخرى بأعمال شهاب الدين السهروردي ونظام فلسفته الإشراقيّة، بل واشتعل دراسةً (ضياء 1990، والبريدج 1992، 2000، 2001، أمين رضوي 2004). وعلى الرّغم من تركيز بعض المنح الدّراسيّة مؤخّرًا على الاتّجاهات النّقديّة لمشّائيّة ابن سينا، كما سبِرتْ أغْوار مجموعة من المسائل المنطقيّة، الطبيعيّة، والنّفسيّة، والمعرفيّة، والوجوديّة بشكل خاصٍّ في أعمال السهروردي العربيّة الرئيسة، إلّا أنّ الحاجة ما زالتْ ماسّةً إلى مزيد من الدراسات للتعرّف على طبيعة التّأثير الّذي مارستْه أعمال ابن سينا الرئيسّة فيه كـ«الشِّفاء» و«الإشارات والتّنبيهات»، وحتّى «المباحثات» ، إضافة إلى تأثير التّقاليد الأفلاطونيّة العربيّة، والأفلاطونية المحْدثة في صورتها المتاحة أمامه آنذاك.

يرى أيشنر أنّ أيّ «تفسير للنصوص للسهرورديّة ينبغي عليه أنْ يتجنّب بساطة القول بأنّها قدِّمتْ صحيحةً من خلال التّفسيرات اللّاحقة؛ إذ سعت هذه التفسيرات إلى تقديم أطروحات توحيديّة ومتماسكة فيما يخصّ نظامه الفلسفيّ، وعلاقته بالطّريقة المشّائيّة».

تساعد هذه القاعدة المنهجيّة على إعادة النّظر إلى أعمال السهروردي، ومواصلة الإنتاج البحثيّ الّذي تشتدّ إليه  الحاجة حول الأعمال والمؤلِّفين المنتمين إلى السهروردي، أو المتأثّرين بعناصره الإشراقية الجديدة والعديدة (ينْظر علي الغيساري في ذلك 2018)؛ ما يعين على رسم مخطّط للتطوّرات التّاريخيّة والفلسفيّة المتداخِلة لما أصبح يعرف بالتّقليد «الإشراقيّ» المبتكر، بل سينفتح الباب ولا شكّ أمام رؤىً جديدة حول إصلاحه الطريقة السينويّة المشّائيّة عن طريق صياغته الأفلاطونيّة لها، وهو ما أسماه جوتاس (2002) بـ«بإشراقيّة [السهروردي] السّينويّة».


المراجع

●     المراجع الأساسيّة لـ السهروردي

  • al-Abhari, Athir al-Din, 2001 [1998], Kashf al-Haqa’iq fi Tahrir al-Daqa’iq [Keifu’l-hakaik fi tahriri’d-dekaik], ed. Hüsein Sarioglu, Istanbul: Çantay Kitapevi.
  • Avicenna (Ibn Sina), 1992, Al-Mubahathat, ed. and commentary Muhsin Bidarfar, Qum: Bidar.
  • –––, 1984, Al-Ta‘liqat, ed. and commentary Abdurrahman Badawi, Qum: Maktab al-I‘lam al-Islami [reprint of the Cairo ed.].
  • Al-Baghdadi, Abu al-Barakat, 1939, Al-Mu‘tabar fi al-Hikmah, 3 vols, ed. Serafeddin Yaltkaya, Haydarabad: Jam‘iyyat Da’irat al-Ma‘arif al-‘Uthmaniyya.
  • al-Dawani, Muhammad, 1953, Shawakil al-Hur fi Sharh Hayakil al-Nur, ed. T. Chandrasekharan, critical ed. M. Abdul Haq and M. Y. Kokan, Madras: Government Oriental Manuscripts Library.
  • al-Dashtaki, Ghiyat al-Din, 2003, Ishraq Hayakil al-Nur li-Kashf Zulumat Shawakil al-Gharur, ed. Ali Awjabi, Tehran: Mirath-i Maktub.
  • Ghaffari, Muhammad Khalid, 2001, Farhang-i Istilahat-i Athar-i Shaykh-i Ishraq, Shihab al-Din Yahya Suhrawardi, Tehran: Anjuman-i Athar va Mafakhir-i Farhagi.
  • Al-Ghazali, Abu Hamid Muhammad, 1998, The Niche of Lights [Mishkat al-Anwar]. A Parallel English-Arabic Text, trans., intro., and notes David Buchman, Provo, UT: Brigham Young University Press.
  • Harawi, Muhammad Sharif Nizam al-Din, 1979, Anwariyya: Tarjuma va Sharh-i Hikmat al-Ishraq-i Suhrawardi, ed. Hossein Ziai, Tehran: Amir Kabir [Persian trans. and commentary of Suhrawardi’s Philosophy of Illumination].
  • Ibn Kammuna, 2009, Sharh al-Tawihat al-Lawhiyya wa al-‘Arshiyya, 3 vols, ed. and into. Najafquli Habibi, Tehran: Mirath-i Maktub.
  • –––, 2008, al-Kashif (al-Jadid fi al-Hikma), ed. and intro. Hamid Naji Isfahani, Tehran: Institute of Islamic Studies / Berlin: Mu’assasa-yi Pazhuhishi Hikmat va Falsafa-yi Iran; Freie University.
  • –––, 2003, Al-Tanqihat fi Sharh al-Talwihat (Refinement and Commentary on Suhrawardi’s Intimations. A Thirteenth Century Text on Natural Philosophy and Psychology), critical ed., intro. and analysis Hossein Ziai and Ahmed Alwishah, Costa Mesa, CA: Mazda.
  • Kumijani, Shihab al-Din, 2012, Inner Light [Nur al-Fu’ad]: A 19th Century Persian Text in Illuminationist Philosophy, ed., intro. and notes Hossein Ziai and Mohammad Karimi Zanjani Asl, Costa Mesa, CA: Mazda.
  • Kuspinar, Bilal, 1996, Isma‘il Ankaravi on the Illuminative Philosophy, Kuala Lumpur: ISTAC [Ottoman text of Ankaravi with English trans. of Suhrawardi’s Temples of Light].
  • Mir Damad, 2001, Jadhawat wa Mawaqit, ed. Ali Nuri and Ali Awjabi, Tehran: Mirath-i Maktub.
  • –––, 1977, Al-Qabasat, ed. Mehdi Mohaghegh, Toshihiko Izutsu et al., Tehran: University of Tehran / McGill University, Institute of Islamic Studies, Tehran Branch.
  • Mulla Sadra (Sadr al-Din al-Shirazi), 2010, Addenda on the commentary on the Philosophy of Illumination: Part One on the Rules of Thought (al-Taʻliqat ʻala Sharh Hikmat al-Ishraq), critical ed., into. Hossein Ziai, Costa Mesa, CA: Mazda.
  • Nurbakhsh, Sima, 2007, Ayat-i Ishraq: Tafsir va Ta’wil-i Ayat-i Qur’an-i Karim dar Athar-i Suhrawardi, Tehran: Mihr Niyusha.
  • Shirazi, Qutb al-Din, 2001, Sharh-i Hikmat al-Ishraq, ed. Abdullah Nourani and Mehdi Mohaghegh, Tehran: University of Tehran / McGill University, Institute of Islamic Studies, Tehran Branch [commentary on Suhrawardi’s Philosophy of Illumination].
  • Shahrazuri, Shams al-Din, 2005, Rasa’il al-Shajara al-Ilahiyya fi ‘ulum al-Haqa’iq al-Rabbaniyya, 3vols, ed., intro and notes Najafquli Habibi, Tehran: Iranian Institute of Philosophy.
  • –––, 2004, Rasa’il al-Shajara al-Ilahiyya fi ‘ulum al-Haqa’iq al-Rabbaniyya, 3 vols., ed., Necip Görgün, Istanbul: Elif Yayınları.
  • –––, 1993, Sharh-i Hikmat al-Ishraq, critical ed., intro. and notes Hossein Ziai, Tehran: Mu’assasa-yi Mutala‘at wa Tahqiqat-i Farhangi [commentary on Suhrawardi’s Philosophy of Illumination].
  • –––, 1988, Ta’rikh al-Hukama’: Nuzhat al-Arwah wa Rawdat al-Afrah, ed. ‘Abd al-Karim Abu Shuwayrib, Tripoli: Jam‘iyyat al-Da‘wa al-Islamiyya al-‘Alamiyya: 375–392.
  • Spies, Otto and Sarfaraz Khan Khatak, 1935, Three Treatises on Mysticism by Shihabuddin Suhrawerdi Maqul; with an account of his Life and Poetry, ed. and trans. Otto Spies and Sarfaraz Khan Khatak, Stuttgart: Kohlhammer.
  • Suhrawardi, Shihab al-Din, 2014, al-Mashari‘ wa al-Mutarahat, al-Tabi‘iyyat, ed. and intro. Najafquli Habibi, Tehran: Kitabkhana-yi Majlis-i Shura-yi Islami [section on physics; metaphysics in Suhrawardi 1993a, 193–506].
  • –––, 2009, al-Talwihat al-Lawhiyya wa al-‘Arshiyya , ed. and intro. Najafquli Habibi, Tehran: Mu’assasa-yi Pazhuhishi Hikmat va Falsafa-yi Iran.
  • –––, 2009b, Kitab al-Muqawamat, ed. and study Yasin Husayn al-Wisi, Damascus: Dar al-Farqad lil-Tiba‘ah wal-Nashr wal-Tawzi‘.
  • –––, 2007, Lughat-i Muran: Bih Payvast-i Chand Athar-i Parakanda, ed. and intro Nasrallah Pourjavady, Tehran: Mu’assasa-yi Pazhuhishi-yi Hikmat va Falsafa-yi Iran / Berlin: Mu’assasa-yi Mutala‘at-i Islami-yi, Freie University.
  • –––, 2006, al-Mashari‘ wa al-Mutarahat; al-Mantiq, ed. Maqsud Muhammadi and Ashraf ‘Alipour, Tehran, Haqq-i Yavaran [Section on logic].
  • –––, 2005, Diwan al-Suhrawardi al-Maqtul, ed. and commentary Kamal Mustafa al-Shaybi, Beirut: Manshurat al-Jamal, 81–98.
  • –––, 2001 [1977], Opera Metaphysica et Mystica IV, ed. and intro. Najfaqoli Habibi, Tehran: Pazhuheshga-yi ‘Ulum-i Insani wa Mutala‘at-i Farhangi.
  • –––, 1999a, The Philosophy of Illumination. A New Critical Edition of the Text of Hikmat al-Ishraq, with English trans., notes, commentary and intro. John Walbridge and Hossein Ziai, Provo, UT: Brigham Young University Press.
  • –––, 1999b [1982], The Philosophical Allegories and Mystical Treatises. A Parallel Persian-English Text, ed., trans. and intro. Wheeler M. Thackston, Costa Mesa, CA: Mazda.
  • –––, 1998, The Book of Radiance (Partow-Nameh). A Parallel English-Persian Text, ed., trans. and intro. Hossein Ziai, Costa Mesa, CA: Mazda.
  • –––, 1996, Temples of Lights, trans. Bilal Kuspinar, Kuala Lumpur: ISTAC.
  • –––, 1993a [1945], Opera Metaphysica et Mystica I, ed. and intro. Henry Corbin, Tehran: Mu’assasa-yi Mutala‘at va Tahqiqat-i Farhangi.
  • –––, 1993b [1952], Opera Metaphysica et Mystica II, ed. and intro. Henry Corbin, Tehran: Mu’assasa-yi Mutala‘at va Tahqiqat-i Farhangi.
  • –––, 1993c [1970], Opera Metaphysica et Mystica III, ed. and English intro. S. Hossein Nasr, French intro. Henry Corbin, Tehran: Mu’assasa-yi Mutala‘at va Tahqiqat-i Farhangi.
  • –––, 1993d, The Sufi Stations (Maqamat al-Sufiyya), ed. Émile Maalouf, Beirut: Dar El-Machreq [= Words of Sufism (Kalimat al-Tasawwuf), cf. 2001, 101–39].
  • –––, 1991 [1969], Flashes of Light, 2nd ed., intro. and notes Émile Maalouf, Beirut: Dar al-Nahr li-l-Nashr, 57.3/5 [earlier editions: (1988) Flashes of Light, ed. and intro. Muhammad ‘Ali Abu Rayan, Alexandria: Dar al-Ma‘rifa al-Jami‘iyya; metaphysics only, cf. (1977) Sih Risala az Shaykh-i Ishraq, ed. and intro. Najaf-Ghuli Habibi, Tehran: Anjuman-i Shahanshahi-yi Falsafa-yi Iran, 131–76].
  • –––, 1986, Le livre de la Sagesse Orientale (Kitab hikmat al-ishraq). Commentaires de Qotboddin Shirazi et Molla Sadra Shirazi, trans. and notes Henry Corbin, intro. Christian Jambet, Paris: Verdier.
  • –––, 1976, L’archange empourpré: quinze traités et récits mystiques, trans., intro. and notes Henry Corbin, Paris: Fayard.

●     المراجع الثّانويّة حول السهروردي

  • Abu Rayyan, Muhammad ‘Ali, 1969, Usul al-Falsafa al-Ishraqiyya, Beirut: Dar al-Talaba al-‘Arab.
  • Aminrazavi, Mehdi, 2013 [1997], Suhrawardi and the School of Illumination, New York: Routledge.
  • –––, 2004, “The Status of Suhrawardi Studies in the West,” Journal of Religious Thought: A Quarterly of Shiraz University, 1(1): 3–17 [partial overview].
  • –––, 2003, “How Ibn Sinian is Suhrawardi’s Theory of Knowledge?,” Philosophy East and West, 53(2): 203–14.
  • Arslan, Ishak, 2014, “Pushing the Boundaries of the Universe: The Criticisms of Peripatetic Cosmology in Hikmat al-Ishraq and its Commentaries,” Nazariyat, 1(1): 129–55.
  • Arnzen, Rüdiger, 2011, Platonische Ideen in der arabischen Philosophie: Texte und Materialien zur Begriffsgeschichte von suwar aflatuniyya und muthul aflatuniyya. Berlin.
  • Beidokhti, Hanif Amin, 2018, “Suhrawardi on Division of Aristotelian Categories,” in Abdelkader Al Ghouz (ed.), Islamic Philosophy from the 12th to the 14th Century, Bonn, Bonn: University Press, V&R Unipress, 377–408.
  • Benevich, Fedor, 2017, “The Essence-Existence Distinction: Four Elements of the Post-Avicennian Metaphysical Dispute (11–13thcenturies),” Oriens, 45: 203–58.
  • Carra de Vaux, Bernard, 1902, “La philosophie illuminative (Hikmet el-Ichraq), d’après Suhrawerdi Meqtoul,” Journal asiatique, 19: 63–94.
  • Corbin, Henry, 1971, Sohravardi et les Platoniciens de Perse, Paris: Gallimard [vol. 2 of Henry Corbin, (1971–72), En Islam iranien, 4 vols, Paris: Gallimard]
  • D’Ancona, Cristina, 2004, “The Greek Sage, the Pseudo-Theology of Aristotle and the Arabic Plotinus,” in Rüdiger Arnzen and Jörn Thielmann (eds), Words, Texts and Concepts Cruising the Mediterranean Sea: Studies on the Sources, Contents and Influences of Islamic Civilization and Arabic Philosophy and Science Dedicated to Gerhard Endress on his Sixty-Fifth Birthday, Leuven: Peeters, 159–76.
  • Dinani, Ibrahim, 1985, Shu‘a‘-i Andisha va Shuhud dar Falsafa-yi Suhrawardi, Tehran: Hikmat.
  • Eichner, Heidrun, 2012, “Essence and Existence. Thirteenth-Century Perspectives in Arabic-Islamic Philosophy and Theology,” in Dag Nikolaus Hasse and Amos Bertolacci (eds), The Arabic, Hebrew and Latin Reception of Avicenna’s Metaphysics, Berlin: Walter de Gruyter 123–152.
  • –––, 2011, “‘Knowledge by Presence’, Apperception in the Mind-Body Relationship: Fakhr al-Din al-Razi and al-Suhrawardi as Representatives and Precursors of a Thirteenth-Century Discussion,” in ed. Peter Adamson (ed.), The Age of Averroes: Arabic Philosophy in the Sixth/Twelfth Century, London: Warburg Institute / Turin: Nino Aragno Editore, 117–40.
  • ––– 2010, “The Chapter ‘On Existence and Non-Existence’ of Ibn Kammuna’s al-Jadid fi l-Hikma: Trends and Sources in an Author’s Shaping the Exegetical Tradition of al-Suhrawardi’s Ontology,” in Y. Tzvi Langermann (ed.), Avicenna and His Legacy: A Golden Age of Science and Philosophy, Turnhout: Brepols, 143–77.
  • Fakhry, Majid, 1982, “Al-Suhrawardi’s Critique of the Muslim Peripatetics (al-Mashsha’un),” in Parviz Morewedge (ed.), Philosophies of Existence, Ancient and Modern, New York, NY: Fordham University Press, 279–84.
  • Fanaei Eshkevari, 1996, ‘Ilm-i Huduri. Sang-banai-yi Mar‘rifat-i Bashari va Payih-i barayi yek Marifatshinasi va Ma-bard al-Tabi‘a-yi Muta‘ali, Qum: Mu’assissa-yi Amuzishi va Pajhuhishi-yi Imam Khumayni.
  • Gaffari, Muhammad K., 2001, Farhang-i Istilahat-i Athar-i Shaykh-i Ishraq, Tehran: Ajnuman-i Athar va Mafakhir-i Farahangi.
  • Gheissari, Ali, Ahmed Alwishah and John Walbridge (eds), 2018, Illuminationist Texts and Textual Studies: Essays in Memory of Hossein Ziai, Leiden: Brill.
  • Gnoli, Gherardo, 1999 [1996– ], “Farr(ah),” Encyclopaedia Iranica, online edition, New York.
  • Gutas, Dimitri, 2003, “Essay-Review: Suhrawardi and Greek Philosophy,” Arabic Sciences and Philosophy, 13: 303–9.
  • –––, 2002, “The Study of Arabic Philosophy in the Twentieth Century. An Essay on the Historiography of Arabic philosophy,” British Journal of Middle Eastern Studies, 29(1): 5–29.
  • –––, 2000, “Avicenna’s Eastern (‘Oriental’) Philosophy. Nature, Contents, Transmission,” Arabic Sciences and Philosophy, 10: 159–180.
  • Ha’iri Yazdi, Mehdi, 1992, The Principles of Epistemology in Islamic Philosophy: Knowledge by Presence, Albany, NY: State University of New York Press.
  • Horten, Max, 1912, Die Philosophie der Erleuchtung nach Suhrawardi (1191), Halle: Strauss and Cramer; reprinted Hildesheim: Georg Olms, 1981.
  • Izutsu, Toshihiko, 1971, The Concept and Reality of Existence, Tokyo: Keio Institute of Cultural and Linguistic Studies.
  • Janos, Damien, 2011, “Moving the Orbs: Astronomy, Physics, and Metaphysics, and the Problem of Celestial Motion according to Ibn Sina,” Arabic Sciences and Philosophy, 21: 165–214.
  • Kadivar, Mohsen, 2011 [1998], “Kitabshinasi Tawsifi-yi Falsafa-yi Ishraq,” in Daftar-i ‘Aql: Majmu‘a-yi Maqalat-i Falsafi va Kalami, Tehran: Ittila‘at, 287–325.
  • Kaukua, Jari, 2015, Self-Awareness in Islamic Philosophy: Avicenna and Beyond, Cambridge: Cambridge University Press.
  • ––– 2013, “Suhrawardi’s Knowledge as Presence in Context,” in Sylvia Akar, Jaakko Hämeen-Anttila and Inka Nokso-Koivisto (eds), Travelling through Time, Helsinki: Finnish Oriental Society, 309–324.
  • –––, 2011, “I in the Light of God: Selfhood and Self-Awareness in Suhrawardi’s Hikmat al-ishraq,” The Age of Averroes: Arabic Philosophy in the Sixth/Twelfth Century, Peter Adamson (ed.), London: Warburg Institute , Turin: Nino Aragno Editore, 141–157.
  • al-Kutubi, Eiyad S., 2015, Mulla Sadra and Eschatology: Evolution of Being, Abingdon: Rouledge.
  • Landolt, Hermann, forthcoming, “Suhrawardi,” with Renate Würsch, in Ulrich Rudolph (ed.), Grundriss der Geschichte der Philosophie. Philosophie in der islamischen Welt III, 13.–18. Jahrhundert, Basel: Schwabe Verlag.
  • –––, 2017, “‘Being-Towards-Resurrection’: Mullâ Sadrâ’s Critique of Suhrawardî’s Eschatology,” in Sabastian Günther and Todd Lawson, with Christian Mauder (eds), Roads to Paradise: Eschatology and Concepts of the Hereafter in Islam, vol. I Foundations and Formation of a Tradition: Reflections on the Hereafter in the Quran and Islamic Religious Thought, Leiden: Brill, 487–533.
  • –––, 2008, “Les idées platoniciennes et le monde de l’image dans la pensée du Šaykh al-išrāq Yahya al-Suhrawardi (ca.1155–1191),” in Miroir et Savoir. La transmission d’un thème platonicien, des Alexandrins à la philosophie arabo-musulmane, eds. Daniel De Smet and Meryem Sebti, Leuven: Peeters.
  • –––, 1987, “Suhrawardi’s Tales of Initiation’.” Journal of the American Oriental Society, 107(3): 475–86 [review essay of Thackston’s trans. of Suhrawardi’s (1982) Mystical and Visionary Treatises].
  • Langermann, Y. Tzvi, 2005, “Ibn Kammuna and the ‘New Wisdom’ of the Thirteenth Century,” Arabic Sciences and Philosophy, 15: 277–327.
  • Lizzini, Olga, 2016, “Ibn Sina’s Metaphysics,”, in Edward N. Zalta (ed.), The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2016 edition), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/ fall2016/entries/ibn-sina-metaphysics/>.
  • Marcotte, Roxanne D., forthcoming, “La noétique de Shihab al-Din al-Suhrawardi (mort en 587/1191),” in Meryem Sebti and Daniel De Smet (eds), Noétique et théorie de la connaissance dans la philosophie arabo-musulmane des IXe-XVIIe siècles, Paris: Vrin.
  • –––, 2011, “Suhrawardi’s Realm of the Imaginal,” in Ishraq: Islamic Philosophy Yearbook (No. 2), ed. Yanis Eshots, Moscow: Vostochnaya Literatura, 2011), 68–79.
  • –––, 2006, “L’aperception de soi chez Shihab al-Din al-Suhrawardi et l’héritage avicennien,” Laval théologique et philosophique, 62(3): 529–51.
  • –––, 2004, “Resurrection (ma‘ad) in the Persian Hayat al-Nufus of Isma‘il Muhammad Ibn Rizi (fl. ca. 679 / 1280): The Avicennan Background,” in Interpreting Avicenna: Science and Philosophy in Medieval Islam, ed. Jon McGinnis, with David C. Reisman, Leiden: Brill, 213–35.
  • –––, 2002, “Les facultés internes selon le commentaire de Shahrazûrî (m. ca. 1288) du Hikmat al-Ishrâq de Suhrawardî (m. 1191) – notes préliminaires,” in Iran. Questions et connaissances, 3 vols, ed. Maria Szuppe, Leuven: Peeters, vol. 2, 411–25.
  • –––, 2001a, “Suhrawardi al-Maqtul, The Martyr of Aleppo,” Al-Qantara, 22(2): 395–419.
  • –––, 2001b, “L’anthropologie philosophique de Shams al-Dîn Shahrazûrî et ses racines suhrawardiennes — les facultés internes,” Quaderni di Studi Arabi, 19: 135–46.
  • Martini Bonadeo, Cecilia, 2015, “‘Abd al-Latif al-Baghdadi,” in Edward N. Zalta (ed.), The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2015 Edition), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/ fall2015/entries/al-baghdadi/>.
  • –––, 2013, ‘Abd al-Latif al-Badgadi’s Philosophical Journey. From Aristotles’s Metaphysics to the ‘Metaphysical Science’, Leiden: Brill.
  • Mayer, Toby, 2001, “Ibn Sina’s ‘Burhan al-Siddiqin’,” Journal of Islamic Studies, 12(1), 18–39.
  • Mo‘in, Muhammad, 1950, Hikmat-i Ishraq wa Farhang-i Iran, Tehran: Chapkhana-yi Danishgah.
  • –––, 1948, “Hurakhsh-i Suhrawardi,” Yaghma, 2: 84–89 [ed. of Suhrawardi’s Hurakhsh al-Kabir, 88–89; cf. Gaffari, 2001].
  • Mousavian, Seyed N., 2014a, “Did Suhrawardi Believe in Innate Ideas as A Priori Concepts? A Note,” Philosophy East and West, 64(2): 473–480.
  • ––– 2014b, “Suhrawardi on Innateness: A Reply to John Walbridge,” Philosophy East and West, 64(2): 486–501.
  • Muwahhid, Samad D., 1995, Sar Chishmaha-yi Hikmat-i Ishraq: Nigahi bih Manabi‘i Fikri Shaykh-i Ishraq, Tehran: Fararavan.
  • Nasr, S. Hossein and Mehdi Aminrazavi (eds.), 2010, “Fakhr al-Din Razi,” in S. Hossein Nasr and Mehdi Aminrazavi (ed.). An Anthology of PHilosophy in Persia. Vol. 3, Philosophical Theology in the Middle Ages and Beyond from Mu‘tazili and Ash‘ari to Shi‘i Texts , London: I.B. Tauris, 185–188.
  • Nasr, S. Hossein, 1964, Three Muslim Sages: Avicenna, Suhrawardi, Ibn ‘Arabi, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Pines, Slomo, 1979, “La conception de la conscience de soi chez Abu ‘l-Barakat al-Baghdadi,” in Studies in Abu’l-Barakat al-Baghdadi. Physics and Metaphysics,Jerusalem: The Magnes Press, The Hebrew University, 181–259.
  • Pourjavady, Nasrallah, 2013 [2001], Ishraq wa ‘Irfan: maqalah’ha wa naqd’ha, Tehran, Sukhan.
  • Pourjavady, Reza, 2011, Philosophy in Early Safavid Iran: Najm al-Din Mahmud al-Nayrizi and His Writings, Leiden: Brill.
  • Porjavady, Reza and Sabine Schmidtke, 2006, A Jewish Philosopher of Baghdad: ‘Izz al-Dawla Ibn Kammuna (d. 683/1284), Leiden: Brill.
  • Privot, Michaël, 2004, “Le moi d’Ibn Sina au Kitab al-rumuz d’al-Šahrazuri al-išraqi. Éléments de comparaison,” in Ultra Mare. Mélanges de langue arabe et d’islamologie offerts à Aubert Martin, ed. F. Bauden, Louvain: Peeters, 289–99.
  • Ritter, Helmut, 1938, “Philologika IX. Die vier Suhrawardi. Ihre Werke in Stambuler Handschriften,” Der Islam, 24: 36–46.
  • Rizvi, Sajjad H., 2019, “Mulla Sadra”, in Edward N. Zalta (ed.), The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2019 Edition), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/ spr2019/entries/mulla-sadra/>.
  • –––, 2009, Mulla Sadra and Metaphysics: Modulation of Being, London: Routledge.
  • –––, 2000, “Roots of an Aporia in Later Islamic Philosophy: the Existence-Essence Distinction in the Philosophies of Avicenna and Suhrawardi,” Studia Iranica, 29: 61–108.
  • –––, 1999, “An Islamic Subversion of the Existence-Essence Distinction? Suhrawardi’s Visionary Hierarchy of Lights,” Asian Philosophy, 9(3): 219–27.
  • Schmidtke, Sabine, 2000, Theologie, Philosophie und Mystik im zwölferschiitischen Islam des 9./15. Jahrhunderts: die Gedankenwelten des Ibn Abi Gumhur al-Ahsai (um 838/1434–35–nach 905/1501), Leiden: Brill.
  • –––, 1999, “The Doctrine of Transmigration of the Soul according to Shihab al-Din al-Suhrawardi (killed 587/1191) and his Followers,” Studia Iranica, 28: 237–54.
  • Sinai, Nicolai, 2015, “Al-Suhrawardi on Mirror Vision and Suspended Images (Muthul Mu‘allaqa),” Arabic Sciences and Philosophy, 25 (201/5): 279-297.
  • –––, 2016, “al-Suhrawardi’s Philosophy of Illumination and al-Ghazali,” Archiv für Geschichte der Philosophie, 93(3): 272–301.
  • –––, 2011, “Kommentar,” in Shihab al-Din al-Suhrawardi, Philosophie der Erleuchtung – Hikmat al-Ishraq. Trans. N. Sinai. Berlin, 223–454.
  • Street, Tony, “Suhraward’s Modal Syllogisms,” in Anna Akasoy (ed.), Islamic Thought in the Middle Ages, Leiden: Brill, 163–178.
  • Van Lit, L.W. Cornelis, 2018, “The Commentary Tradition on Suhrawardi,” Philosophy East and West, 68(2): 539-563.
  • –––, 2017, The World of Image in Islamic Philosophy: Ibn Sina, Suhrawradi, Shahrazuri, and Beyond, Edinburgh: Edinburg University Press.
  • Walbridge, John, 2018, “Illuminationist Manuscripts: The Rediscovery of Suhrawardi and its Reception,” in Ali Gheissari, Ahmed Alwishah and John Wallbridge (eds), Illuminationist Texts and Textual Studies: Essays in Memory of Hossein Ziai, Leiden: Brill, 19-41.
  • ––– 2017, “Suhrawardi’s (d. 1191) Intimations of the Tablet and the Throne: The Relationship of Illuminationism and the Peripatetic Philosophy,” in Khaled El-Rouayheb and Sabine Schmidtke (eds), The Oxford Handbook of Islamic Philosophy, Oxford: Oxford University Press, 255–277.
  • ––– 2014, “A Response to Seyed N. Mousavian: Did Suhrawardi Believe in Innate Ideas as A Priori Concepts? A Note,” Philosophy East and West, 64(2): 481–486.
  • –––, 2011, “The Devotional and Occult Works of Suhrawardi the Illuminationist,” in Ishraq: Islamic Philosophy Yearbook, No 2, ed. Yanis Eshots, Moscow: Vostochnaya Literatura, 2011), 80–97.
  • –––, 2005, “Al-Suhrawardi on Body as Extension: An Alternative to Hylomorphism from Plato to Leibniz,” in Todd Lawson (ed.), Reason and Inspiration in Islam. Theology, Philosophy and Mysticism in Muslim Thought. Essays in Honour of Hermann Landolt, London: I.B. Tauris, in association with The Institute of Ismaili Studies, 235–247.
  • –––, 2004, “Suhrawardi and Illuminationsim,” in Peter Adamson and Richard Taylor (eds), The Cambridge Companion to Arabic Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press, 201–23.
  • –––, 2001, The Wisdom of the Mystic East: Suhrawardi and Platonic Orientalism, Albany, NY: State University of New York Press.
  • –––, 2000, The Leaven of the Ancients: Suhrawardi and the Heritage of the Greeks, Albany, NY: State University of New York Press.
  • –––, 1996, “Suhrawardi, a Twelfth-Century Muslim Neo-Stoic?,” Journal of the History of Philoosphy, 34(4): 515–33.
  • –––, 1992, The Science of Mystic Lights: Qutb al-Din Shirazi and the Illuminationist Tradition in Islamic Philosophy, Cambridge, MA: Harvard Center for Middle Eastern Studies.
  • Ziai, Hossein, 2003 [1995]. “The Illuminationist Tradition,” in Seyyed Hossein Nasr and Oliver Leaman (eds), History of Islamic Philosophy, London: Routledge, 465–96.
  • –––, 2001, “Nur al-Fu’ad, A Nineteenth-Century Persian Text in Illuminationist Philosophy by Shihab al-Din Kumijani,” in Lewis E. Hahn, Randall E. Auxier, and Lucian W. Stone (eds), The Philosophy of Seyyed Hossein Nasr, Chicago/La Salle: Open Court, 763–74.
  • –––, 1992, “The Source and Nature of Political Authority in Suhrawardi’s Philosophy of Illumination,” in Aspects of Islamic Philosophy, ed. Charles Butterworth, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 1990, Knowledge and Illumination: A Study of Suhrawardi’s Hikmat al-Ishraq, Atlanta, GA: Scholars Press.

مصادر أخرى على الإنترنت

Suhrawardi Bibliography I and Suhrawardi Bibliography II (maintained by Stephen N. Lambden).

مداخل ذات صلة

| arabic-islamic-illumination | Arabic and Islamic Philosophy, historical and methodological topics in: influence of Arabic and Islamic Philosophy on Judaic thought | Arabic and Islamic Philosophy, special topics in: mysticism | Ibn Kammuna | ابن سينا [Avicenna] | Mulla Sadra

شكر وامتنان

في نهاية هذا المدخل، تودّ المؤلّفة التّوجّه بالشكر إلى كلٍّ من البروفيسور سعيد أنواري، وتثمين اقتراحاته الّتي لا يمكن تقديرها؛ ولقد ساعدتْ في تحسين النّسخة التّحديثيّة المنشورة في أبريل 2012، ونأسف كلّ الأسف أنّه لم يكن في مقدورنا الردّ على استفساراته قبل إكماله ترجمته الفارسيّة (ينظر: السهروردي، طهران، ققنوس، 2016)، كما تتوجّه بالشّكر أيضًا إلى البروفيسور سجّاد رضوي على اقتراحاته الّتي لا تقدر بثمن كذلك، إذ أدتْ إلى تطوير كبير للنّسخة المنشورة في مارس 2019.