الكاتب | ألين بوكانان |
ترجمة | آلاء جرادات |
إن القضايا الأخلاقية التي تطرحها الثورات مهمة عمليًا ومعقدة نظريًا، كما أن هناك أسئلة مفاهيمية مثيرة للاهتمام حول كيفية التمييز بين الثورة والمقاومة والتمرد والانشقاق، والتي تنطوي جميعها كذلك على معارضة للسلطة السياسية القائمة. وإنه لمن المؤسف أن النهضة قريبة العهد في نظرية الحرب العادلة تركز ضمناً على الحروب بين الدول لذا فقد تجاهلت إلى حد كبير أخلاقيات الثورة، على الأقل بوصفها موضوعا يستحق التنظير المنهجي في حد ذاته [1]. تقدم المؤلفات الأخيرة حول أخلاقيات الحرب غير المتكافئة والإرهاب والتدخل العسكري الإنساني مصادر قيمة لبناء نظرية لأخلاقيات الثورة، إلا أنه إلى حين ظهور كتاب كريستوفر فينلي Christopher Finlay الإرهاب والحق في المقاومة: نظرية في الحرب الثورية العادلة Terrorism and the Right to Resist: A Theory of Just Revolutionary War (2015) لم يكن هناك بحث في أخلاقيات الثورة بمقاربة منهجية [2]. وبعبارة أخرى، إن النظرية الأخلاقية ذات الصلة بالثورة كانت متشظية وعرضية إلى حد ما، لأنها ظهرت بشكل أساسي كموضوع لاحق لموضوعات أخرى، بدل أن تكون جزءًا من بحث موجه بشكل مباشر إلى ظاهرة الثورة. وعلاوة على ذلك، فإنه وعلى الرغم من امتلاك شخصيات بارزة في تاريخ الفلسفة لآراء حول الثورة، إلا أنها ركزت في المقام الأول على قضية السبب العادل (وفي بعض الحالات على قضية السلطة الشرعية في شن حرب ثورية) دون الإشارة إلى عدد من المشاكل الأخلاقية الأخرى التي تثيرها الثورات، كمسألة ما إذا كان الثوار قادرين على استخدام أشكال العنف التي يُحظر على القوات المسلحة للدول استخدامها أخلاقيًا، وما إذا كان بإمكانهم تجنيد المقاتلين، ومعاقبة المنشقين والخونة، ومصادرة الممتلكات اللازمة للنضال. ومع ذلك، فإن هناك علامات تبعث على الأمل في أن المنظرين الأخلاقيين سيعطون الثورة قريبًا الاهتمام الذي تستحقه.
يأتي تقسيم هذا المدخل كما يلي: يناقش القسم الأول القضايا المفاهيمية، حيث يميز بين الأفهام المختلفة للثورة، وبين الثورة العنفية والثورة اللاعنفية؛ ويميز أيضًا بين الثورة والمقاومة والتمرد والانشقاق. وبما أن الثورة العنفية تطرح القضايا الأخلاقية الأكثر خطورة وصعوبة، فستكون محور الحديث لبقية المدخل. إن أخلاقيات المقاومة اللاعنفية للسلطة السياسية، تعد في حد ذاتها مميزة ومهمة ومعقدة بما يكفي لتبرير كتابة مدخل منفصل خاص بها.
يسلط القسم الثاني الضوء بشكل واضح على بعض الرؤى التاريخية الرئيسية بشأن أخلاقيات الثورة، ويوضح إلى أي مدى تبتعد هذه الآراء عن تقديم وصف شامل للحرب الثورية العادلة. ويوضح القسم الثالث سبعة اختلافات أخلاقية ذات صلة بين الحروب الثورية والحروب بين الدول، والتي ينبغي لنظرية الحرب الثورية العادلة أن تأخذها في الاعتبار. ويتناول القسم الرابع التفريق الخاص بالنظرية التقليدية للحرب العادلة بين البدء العادل للحرب jus ad bellum والسلوك العادل للحربjus in bello ؛ وفيما يتعلق بالأول، فإنه يُزعم أن من الضروري التمييز بين القضايا الأخلاقية المختلفة التي تواجهها الأطراف المختلفة: كالقيادة الثورية الطموحة التي تأخذ على عاتقها المبادرة إلى شن الحرب الثورية، والأفراد العاديون الذين يواجهون قرار الانضمام إلى النضال الثوري من عدمه. ويُحدد هذا القسم -مستعينًا بالسمات المميزة للحروب الثورية الموضحة في القسم السابق- القضايا الأخلاقية الخاصة التي تواجهها القيادة الثورية الطموحة، مظهرا أن الإجراءات التي يجب أن تتخذها هذه القيادة لتحقيق إمكانية جيدة للنجاح في الحرب ضد أكثر الأنظمة قمعًا، هي اجراءات إشكالية للغاية من الناحية الأخلاقية؛ كما يُظهِر هذا القسم أيضا أن هذه المشاكل الأخلاقية الخاصة، يحجبها تركيز النظرية السائدة للحرب العادلة على مسألة الحرب بين الدول، أو بعبارة أخرى بين الكيانات التي لديها بالفعل قيادة حرب معترف بها، وقادرة بالفعل على حشد قوات مسلحة فعّالة، ولديها مؤسسات سياسية شرعية أو على الأقل لديها القدرة على الوصول إلى الموارد اللازمة لبناء الشرعية؛ بينما على النقيض من ذلك، يتعين على القيادة الثورية الطموحة أن تكافح من أجل تحقيق الاعتراف بقيادتها في مواجهة المطالبين المنافسين على الزعامة، ويتعين عليها حشد القوات للحرب على الرغم من فرض النظام لتكاليف باهظة للمشاركة في الثورة، ويتعين عليها “معاقبة” الخونة والمخبرين، ومع ذلك تفتقر عادة إلى الفرص اللازمة لإثبات شرعيتها فيما يخص تنفيذ أي من هذه المهام؛ ويبرز هذا القسم صعوبة تحقيق شرط امتلاك “السلطة الشرعية” لشن الحرب في حالة الحروب الثورية، كما أنه يتضمن مناقشات نقدية لوجهات نظر متنافسة حول قضيتين جوهريتين في نظرية الحرب الثورية العادلة ألا وهما: ما إذا كان يجوز للمقاتلين الثوريين استخدام تكتيكات واستراتيجيات محظورة على المقاتلين في الحروب بين الدول، وما إذا كانت الحرب الثورية للإطاحة بـ “الأنظمة الأقل استبدادية” أي الأنظمة التي تنتهك الحقوق المدنية والسياسية، لكنها لا تلحق القتل أو التشويه أو الاستعباد بشعوبها، حربا مبررة.
يبرز الختام بعض النتائج الرئيسية للاستقصاء، ويقترح موضوعين آخرين يجب أن تتطرق اليهما النظرية الشاملة للحرب الثورية العادلة وهما: أخلاقيات التدخل في الثورة وكيف تتشكل من خلال أخلاقيات الثورة؛ والتقييم الأخلاقي للمعاملة غير المتكافئة التي ينتهجها قانون النزاعات المسلحة الدولي تجاه حقوق المقاتلين الذين يقاتلون نيابة عن الدول ونيابة عن المقاتلين الثوريين.
في الوقت الحاضر، لا تتوفر مجموعة من النظريات المتنافسة فيما يخص أخلاقيات الثورة لإقامة مقارنة نقدية، وبالتالي فإن التركيز سوف ينصب بشكل أكبر على تحديد المشاكل التي ينبغي لهذه النظريات أن تتناولها، بدلاً من تحديد كل البدائل لمعالجتها.
1- مسائل مفاهيمية حول الثورة
تُستخدم عدة مصطلحات للدلالة على الرفض غير الدستوري لسلطة الحكومة القائمة، سواء بشكل كامل أو في مجال معين، ومن هذه المصطلحات: المقاومة، التمرد، الانشقاق [3] الثورة. إن المقاومة ليس من الضرورة أن تكون شاملة؛ بل يمكن أن تتضمن عصيان قانون أو قوانين معينة أو تتضمن جهودًا تهدف إلى إحباط سياسات الحكومة أو محاولتها القيام بأعمال معينة؛ كما يمكن أن تتخذ المقاومة عددًا من الأشكال، بما فيها أعمال العصيان، والتي لا تكون علنية فحسب، بل مصممة كذلك لتحقيق أقصى قدر من الانتشار (كما في حالة العصيان المدني)، ذلك فضلاً عن أعمال عدم الامتثال غير الظاهرة؛ وقد تكون المقاومة كذلك سلمية أو غير عنفية و مخلة بالنظام أو غير مخلة. إن التمرد -الذي يتم تمييزه على نحو مفيد عن المقاومة- ينطوي على رفض شامل لسلطة الحكومة ولكن مثل هذا الرفض يمكن أن يتم لأسباب مختلفة تمامًا، سواء أكان ذلك للتخلص من الحكومة تمامًا (هدف الفوضويين/الأناركيين) [4]، أو إنشاء حكومة جديدة بنفس نطاق السلطة الإقليمية، أو إنشاء وحدة إقليمية جديدة من جزء من أراضي الحكومة القائمة (الانشقاق)، أو فصل جزء من أراضي الحكومة وضمه إلى دولة أخرى قائمة (الانشقاق الوحدوي). من المفهوم عمومًا أن الثورة تتضمن مكونين هما: رفض سلطة الحكومة القائمة ومحاولة استبدالها بحكومة أخرى، بحيث ينطوي كلا المكونين على استخدام وسائل غير دستورية، ووفقًا لهذا القراءة، تشترك الثورة والتمرد في مسعى سلبي يتمثل في الرفض الشامل لسلطة الحكومة، لكن الثورة تنطوي بالإضافة إلى ذلك على مسعى إيجابي يتمثل في إنشاء حكومة جديدة بدلاً من تلك التي قامت بتدميرها.
يمكن العثور على بعض الأدبيات التجريبية المهمة ذات الصلة بأخلاقيات الحرب الثورية في دراسات الحرب الأهلية، وأحيانا تُعرَّف هذه الاخيرة بأنها صراع مسلح واسع النطاق بين قوات الدولة وطرف أو أكثر من الأطراف غير الحكومية، ومع ذلك قد يكون هذا التعريف ضيقا للغاية، ذلك أنه يستبعد الصراع المسلح واسع النطاق بين طرفين أو أكثر من الأطراف غير الحكومية في ظل ظروف تفككت فيها الحكومة بالكامل، أو كانت لا تزال قائمة لكنها غير قادرة على نشر قواتها؛ إن فهما أوسع للحرب الأهلية التي قد تتضمن هذا النوع من الحالات سيكون ببساطة عن طريق عدها صراعا مسلحًا واسع النطاق داخل الدولة.
إن المصطلحات السابقة لا يتم تصنيفها في الخطاب السياسي الفعلي بهذه الطريقة دائما، فعلى سبيل المثال، وصفت حكومة الولايات المتحدة انفصال الولايات الجنوبية عن الاتحاد بأنه تمرد، في حين أطلق العديد من الكونفدراليين على مشروعهم اسم الثورة الأمريكية الثانية؛ وكان المستعمرون الأمريكيون الذين سعوا إلى الانشقاق عن الإمبراطورية البريطانية يميلون إلى تسمية أنفسهم بالثوريين بدل الانفصاليين/المنشقين أو المتمردين (قد يعود السبب في ذلك إلى أن الأميركيين تجنبوا استخدام مصطلح “المتمرد” لأنهم اعتقدوا أنه يحمل دلالات سلبية)، وعلى نحو مماثل، غالبا ما يعبر عن انفصال الجزائر عن فرنسا بالثورة الجزائرية حيث يكون من النادر أن تُسمى حروب التحرير الاستعماري بالصراعات الانفصالية، على الرغم من أن هدفها هو الانفصال عن نظام سياسي يتمركز حول دولة حضرية [5]. وهنا سيقتصر مصطلح “الثورة” على التعبير عن المحاولات غير الدستورية لتدمير حكومة مركزية قائمة واستبدالها -بكامل سلطتها الإقليمية- بحكومة جديدة. وعلى هذا النحو من فرز المصطلحات المختلفة يكون الانفصاليون والثوريون متمردين بالضرورة، في حين لا يلزم أن يكون المتمردون انفصاليين ولا ثوريين (قد يكونون فوضويين) وكذلك فإن الانفصاليين ليسوا ثوريين.
في بعض الأحيان، يستخدم مصطلح “الثورة” بمدلول أقوى ليس فقط للإشارة إلى محاولة غير دستورية لاستبدال حكومة بأخرى، بل أيضًا لإحداث تغيير أساسي في نمط الحكومة، كما هو الحال في الثورة التي تهدف الى الإطاحة بالحكم الاستبدادي لخلق ديمقراطية بديلة عنه، وبالتالي زعم بعض الباحثين من اليسار أن ما يسمى بالثورة الأمريكية لم تكن ثورة حقًا، لأنها لم تخلق أو حتى تهدف إلى أي شيء عدا تحقيق شكل جديد من أشكال الدولة البرجوازية – أي دولة تسيطر وتعمل لصالح الطبقة التي تحكم وسائل الإنتاج (زين 1980، جينينجز 2000)- بينما خلص العديد من المؤرخين الأمريكيين إلى خلاف ذلك، مؤكدين أنها كانت ثورة بالمعنى الأقوى لأنها أفضت إلى جمهورية بدلاً من ملكية (ناش 2005؛ وود 1993). ووفقا لهذا الفهم الأقوى للثورة باعتبارها تنطوي على تغيير جوهري في نمط الحكومة، سيكون الانفصاليون ثوريين بدورهم في حال كانت الحكومة الجديدة التي يسعون إلى تأسيسها في جزء من أراضي الدولة ذات نمط مختلف جوهرياً. ومن الواضح أن هذا المفهوم الأقوى للثورة ليس أكثر وضوحاً وأقل إثارة للجدال من محاولات التمييز بين الأنماط المختلفة جوهرياً من الحكومات (ومن هنا جاء الجدل حول ما إذا كانت الحرب في سبيل استقلال المستعمرات الأميركية عن بريطانيا تعد “ثورة” حقاً). وفي بقية النقاش سأستخدم كلمة “الثورة” بالمعنى الأضعف، مع فهم أنها قد تشتمل أيضاً على الثورات بالمعنى الأقوى، لكن من الجدير بالذكر أن أخلاقيات الثورة بالمعنى الأقوى تعدّ أكثر تعقيداً من أخلاقيات المعنى الأضعف، وهذا لأن الأولى لا تنطوي فقط على الإطاحة غير الدستورية بالحكومة القائمة، بل وأيضاً على الإقامة غير الدستورية لنمط جديد منها.
يلزمنا تمييز آخر، فالثورات قد تكون عنفية أو غير عنفية، وقد تبدأ سلمية ثم تتحول إلى ثورات عنفية، وهذا التمييز رغم أهميته البارزة، إلا أنه ليس واضحاً كما قد يتصور المرء، وذلك لأن ما يعد عنفاً قد يكون مثار خلاف، فعلى سبيل المثال إن محاولات الإطاحة بحكومة ما باستخدام أساليب تخريبية (عن طريق إجراء إضرابات عامة أو تعطيل شبكات الطاقة، أو حجب طرق النقل الرئيسية على سبيل المثال) لا تعد عنفية بالقدر الذي تكون عليه أساليب استعمال الأسلحة النارية أو المتفجرات، ذلك على الرغم من أنها قد تتسبب في أضرار مميتة بدورها. إن الموضوع الرئيسي لهذا المدخل هو الثورة العنيفة حيث يُفهم “العنف” على النحو الأكثر قوة وبوصفه يحدث على نطاق واسع؛ وبعبارة أخرى، فإن الموضوع هو الحرب الثورية كما تفهم “الحرب” عادة (سينجر وسمول 1994: 5).
ولكن من الجدير بالملاحظة أن هناك موقفاً من الثورة يتحاشى الحاجة إلى نظرية للحرب الثورية العادلة، ألا وهو الرأي القائل بأن العنف الثوري واسع النطاق غير مبرر أبدا من الناحية الأخلاقية، وهذا لأن مخاطر مسعى كهذا عظيمة ولأن الثورة اللاعنفية أكثر فعالية، وقد زعم بعض علماء السياسة التجريبيين أن هناك أدلة قوية على أن الثورة اللاعنفية من المرجح أن تحقق غاياتها أكثر من الحرب الثورية (تشينويث وستيفان 2011) [6]، ولكن حتى لو كان هذا صحيحاً كتعميم، فإن السؤال يظل قائماً حول ما إذا كانت هناك استثناءات ــ أي حالات يكون فيها من غير المرجح أن يحقق اللاعنف أهداف الثورة العادلة أو سيحققها فقط بتكاليف باهظة على صعيد الرفاهية البشرية ــ وما إذا كان من الممكن تحديدها مسبقاً؛ إذا كانت هناك أي حالات من هذا القبيل، فإن هناك حاجة إلى نظرية للحرب الثورية العادلة.
2- آراء بعض الشخصيات البارزة حول أخلاقيات الثورة
لا يمكن هنا القيام بأي محاولة لاستعراض وجهات النظر حول الثورة عبر تاريخ الفلسفة الغربية، ناهيك عن استعراض يشمل تقاليد أخرى. وبدلاً من ذلك، يجب أن يكفي القول بإن الموقف النموذجي تجاه الثورة من قبل الشخصيات البارزة في التقليد الغربي قبل العصر الحديث، كان ينطوي على إدانتها أو الاعتراف بجوازها الأخلاقي فقط في ظروف ضيقة للغاية (موركيفيشيوس 2014). فعلى سبيل المثال، أدان كل من أوغسطين في مدينة الله والأكويني في الخلاصة اللاهوتية التمرد وبالتالي الثورة، مع الحث بشكل لا لبس فيه على طاعة السلطات القائمة، ويرى سواريز (1609) أن “القضاة الأقل شأناً” وحدهم لديهم السلطة لمحاولة الإطاحة بالحكومة القائمة، مما يشير ضمناً إلى أن الثورة من قبل أولئك الذين لا يشغلون أدوارًا رسمية لم تكن مبررة أبدًا. هوبز (1651)، الذي يعتبره البعض أول فيلسوف سياسي حديث حقيقي في التقليد الغربي، أنكر صراحة إمكانية تبرير الثورة على الإطلاق، معتبراً، بدلاً من ذلك، أن الفرد لا يمكنه مقاومة سلطة الحكومة بحق إلا كمسألة دفاع عن النفس وفقط عندما يكون ارتكاب ضرر مميت ضدها وشيكاً.
إن الآراء التي ترفض الثورة صراحة أو تعتبرها مسموحة فقط في ظل ظروف صارمة عادة ما تصرح بسبب من سببين أو كليهما، الأول هو أن النفور الشديد من الخطر المتصور الذي يتمثل في الفوضى العنيفة التي تفرضها محاولات الإطاحة بالحكومة (حجة المخاطرة غير المبررة) والثاني هو الاعتقاد بأن متطلب السلطة الشرعية لا يمكن -كضرورة منطقية- أن يتحقق في حالة الحرب الثورية (الحجة المفاهيمية).
أولاً، دعونا نفكر في حجة المخاطرة غير المبررة التي تستنتج أن الثورة لا يمكن تبريرها أبدًا أو نادرًا ما تكون مبررة؛ بعبارة أبسط، إن الفكرة هنا هي أن وجود أي حكومة تقريبًا يعد أفضل من عدم وجودها، وفي حين أنه من الصحيح أن الثورات (على النقيض من التمردات الصرفة) لا تهدف فقط إلى تدمير الحكومة القائمة بل وأيضًا إلى استبدالها بشيء أفضل، فقد تنجح فقط في المهمة الأولى المدمرة، أو لا تنجح في الثانية البناءة حتى يحدث تضاؤل غير مقبول في الأمن المادي، وكثيرًا ما كانت مثل هذه الآراء مبنية على رؤية متشائمة إلى حد ما للطبيعة البشرية، وفي حين أن بعض مفكري العصور الوسطى ربما نسبوا خطر العنف الشديد عند رفض سلطة الحكومة، إلى الطبيعة غير العقلانية والأنانية المفترضة للإنسان، فإن هوبز (1651) على النقيض من ذلك يمكن تفسيره على أنه يعزو الأمر إلى العقلانية البشرية، دون أي افتراض بأن جميع البشر أو حتى معظمهم يكون دمويا أو خاضعا لرغبات متعجرفة في الهيمنة، وفقًا لهذا التفسير لهوبز، فإنه حين لا توجد حكومة – أي لا توجد قوة قادرة على فرض قواعد تفضي للأمن المادي – يكون من المنطقي أن يحاول الأفراد السيطرة على الآخرين لأسباب دفاعية بحتة، حتى لو كانت هناك أقلية فقط من الأفراد الذين يسعون إلى الهيمنة في سبيل الهيمنة ذاتها. إن ما يجعل الافتقار إلى الحكومة خطيرًا للغاية ليس طبيعة الإنسان الآثمة، بل عقلانيته، جنبًا إلى جنب مع نموذج الألعاب النظرية للفوضى.
وعلى الأقل في التقليد الليبرالي الكلاسيكي، الذي يرى بأن الأفراد يتمتعون بحقوق سابقة على تأسيس الحكومة، والذي يُنظر فيه إلى الحكومات باعتبارها وصية على الشعب، فإن الموقف من الثورة يكون أكثر تساهلاً بشكل عام. فهناك حق للثورة عندما تنتهك الحكومة الحقوق الطبيعية التي أنشئت من أجل حمايتها. ويبدو أن لوك (1689) يذهب إلى أبعد من ذلك، ففي أحد التفسيرات يرى أن الشعب قد يلغي الوصاية بحق -أي يحل الحكومة- حتى في ظل غياب انتهاك الدولة للحقوق الطبيعية أو فشلها في حمايتها. فقد يحل الشعب الحكومة، على سبيل المثال من أجل تشكيل حكومة جديدة يعتقد ببساطة أنها أكثر كفاءة. ويبدو أن لوك يحاول تخفيف حدة هذا الاستنتاج الجذري إلى حد ما من خلال افتراض -غير مسوغ تماما- أن الثورة لن تحدث إلا إذا عانى الشعب كثيرا ككل تحت يدي الحكومة؛ وربما كان يعتقد أيضاً أنه في الحالات التي لا تنتهك فيها الحكومة الحالية الحقوق الطبيعية، فإن حلها لا يكون مسموحاً به إلا إذا تم من خلال عملية معتمدة دستورياً، وليس من خلال الثورة.
إن لوك لا ينظر صراحة في احتمالين كانا يتحققان في كثير من الأحيان في ظل الظروف الثورية الفعلية، أولهما يتمثل في أن القمع الحكومي قد لا يكون شاملاً بل قد يستهدف بدلاً من ذلك مجموعات معينة داخل المجتمع، ومنها على سبيل المثال الأقليات الدينية أو العرقية أو القومية أو أولئك الذين ينتقدون الحكومة؛ ثانياً، أنه حتى لو كان هناك قمع عام فقد لا يكون هناك تعبئة تلقائية للقوات بما يكفي للإطاحة بالحكومة، وبالتالي، فإن لوك يتجنب بشكل ملائم سؤالين ينبغي لنظرية أخلاق الثورة أن تتناولهما: (1) ما إذا كانت الثورة التي تهدف إلى إنهاء القمع الخاص في مقابل القمع العام مبررة؛ و(2) ما هي الوسائل التي قد يستخدمها أولئك الذين التزموا بالفعل بالثورة لحشد عدد كافٍ من الافراد الآخرين للمشاركة في الثورة في سبيل جعل النجاح ممكناً. إن السؤال الأول بارز لأن إمكانية أن الضرر الذي قد يلحق بالأبرياء – بما في ذلك الانخفاض العام في الأمن المادي – وهو ما قد يلزم تباعا كنتيجة للثورة، لا بد وأن يُقاس بطريقة أو بأخرى في مقابل فائدة الإغاثة من الظلم الذي قد تحصل عليه الأقلية المضطهدة إذا نجحت الثورة في نهاية المطاف، وحتى لو كان من الواجب إعطاء الظلم الواقع على الأقلية وزناً أكبر في عملية الموازنة، فقد تأتي مرحلة تفشل فيها الثورة في اجتياز اختبار التناسب إذا كانت الأضرار التي قد تلحق بالآخرين نتيجة لمعالجة انتهاكات حقوق الأقليات أضرارًا كبيرة بما يكفي. وينشأ السؤال الثاني لأنه حتى في الحالات التي يكون فيها القمع عاماً قد لا تكون هناك مشاركة واسعة النطاق في الثورة لتحقيق النجاح، إما لأن قسما كبير من السكان واقع في قبضة أيديولوجية تدعي تبرير النظام السياسي القائم ولا يرون أنفسهم مضطهدين بشكل جدي، أو بسبب الفشل في حل مشاكل العمل الجماعي. وإذا تحقق أي من هذين الشرطين، فقد يتطلب حشد عدد كافٍ من الناس لإتاحة فرصة جيدة لإنجاح الثورة الإكراه في ظل ظروف يفتقر فيها أولئك الذين قد يمارسونه إلى الشرعية، وحيث تكون الموارد المؤسسية التي يمكن أن تمنح الشرعية غير متاحة.
لقد اتخذ لوك موقفاً أكثر إيجابية من هوبز أو أسلافه من مفكري العصور الوسطى تجاه الثورة، لأنه لم يعتقد أن مخاطر انعدام الأمن المادي المصاحبة لتدمير الحكومة القائمة كانت عالية كما اعتقد أولئك المفكرون، وكانت هذه النظرة الأكثر تفاؤلاً ترتكز بدورها على اعتقاده بأن تدمير النظام السياسي لا يستلزم بالضرورة تدمير المجتمع، أي تدمير الممارسات والعادات الاجتماعية التي تضبط بفعالية أشكال العنف الأكثر خطورة. لكن من الخطأ أن نستنتج أن هوبز كان محقاً وأن لوك كان على خطأ أو العكس فيما يتصل بالعواقب المترتبة على الأمن المادي نتيجة لتدمير الحكومة، إن التعميم في كلتا الحالتين لن يكون مفيداً، والرأي الأكثر منطقية هو أن مخاطر تدمير الحكومة وعليه مخاطر الثورة تختلف، تبعاً للظروف. إذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت مبررات الثورة تعتمد ولو جزئياً على شدة مخاطر انعدام الأمن المادي التي تنطوي عليها، فإن محتوى نظرية الحرب الثورية العادلة لا بد وأن يتشكل وفقاً لاعتبارات تجريبية، لكن من الإنصاف أن نقول إن العديد من الفلاسفة الذين كان لديهم قول عن الحرب الثورية العادلة، سواء بشكل صريح أو ضمنياً في أعمالهم الخاصة في الحروب بين الدول، لم يأخذوا هذه النقطة على محمل الجد، فهم إما لم يفهموا أهمية الاعتبارات التجريبية المتعلقة بمخاطر الثورة، أو أقاموا اعتبارات تجريبية ذات صلة لكن دون تقديم أدلة كافية على صحتها. بدون وجود رواية تجريبية مدعومة بالأدلة فيما يتعلق بالظروف التي من المرجح أن تؤدي فيها محاولات الإطاحة بالحكومة إلى فوضى عنفية، ووجود رواية للظروف التي من المرجح أن تستمر فيها الفوضى العنفية لفترة زمنية كبيرة، فإن التشاؤم أو التفاؤل بشأن الثورة وحسابات التناسب التي من المفترض أن يعتمد عليها تبرير الثورة سيكون مسألة تتعلق بالإيمان أكثر من أن تكون مسألة عقل.
إن الحجة الثانية أو الحجة المفاهيمية أو فكرة إنكار أن الثورة مبررة تُنسب إلى كانط على ما يمكن أن نطلق عليه تفسير روسو لوجهة نظره، كما تم التعبير عنه ربما بأوضح شكل لدى كريستين كورسجارد (2008) وكاترين فليكشوه (2008). وتمضي هذه الحجة كما يلي: (1) حتى تكون محاولة الإطاحة بالسلطة السياسية القائمة مبررة، يجب أن تكون هذه المحاولة تعبيرًا عن الإرادة العامة أو مفوض بها من هذه الارادة؛ وإلا فإنها ستكون فرضًا لإرادة خاصة أو مجموعة إرادات خاصة وبالتالي مخالفة لفكرة الحق؛ (2) ولكن السلطة السياسية العليا القائمة هي وحدها التي يمكنها التعبير عن الإرادة العامة أو أن تكون الفاعل المصرح به؛ وبالتالي (3) لا يمكن تبرير الثورة أبدًا. إن هذه الحجة ضد الثورة -على عكس حجج المخاطرة غير المبررة على الطراز الهوبزي- لا تعتمد على افتراضات تجريبية غير مدعومة بشأن العواقب الوخيمة لانعدام الأمن المادي المتأتية من محاولات تدمير الحكومات القائمة. لكنها عرضة لاعتراض مختلف، وهو أن الحكومة عندما تكون مستبدة وهدامة بالقدر الكافي، فقد يتمثل الشر الأقل حينها في أن يتصرف شخص ما دون أن يمتلك السلطة. وبعبارة أخرى، فإن استخدام الإكراه، إذا كان ضروريا لتحقيق شروط العدالة الأساسية وإذا كان ينطوي على استعمال الحد الأدنى منه بما يلزم لتحقيق تلك الشروط، فإنه من الممكن تبرير هذا الإكراه أخلاقيا حتى لو لم يمارسه فاعل يمتلك الشرعية (بوكانان 2013، 2016). وإذا أطرنا لهذا الرأي بمصطلحات كانط، فهو يعبر عن وجهة النظر التي ترى بأنه في الحالات المتطرفة يمكن تبرير فرض النظام الأساسي اللازم لتوفير الحقوق حتى لو كان فرضا لإرادة خاصة، طالما كان هدف هذه الإرادة هو الخير العام المتمثل في العدالة كما تصورها الناس على نحو مناسب، وطالما كان الإكراه المستخدم لتحقيق المهمة هو الأقل ضرورة، وطالما كان الفاعل الذي يتعهد بخلق النظام قادرا على النجاح في القيام بذلك على الأرجح.
إن النسخة المفاهيمية لإنكار كانط لإمكانية تبرير الثورة تختلف عن حجة كانطية أخرى تعد أقرب إلى حجة المخاطرة غير المبررة، وهي تسير كما يلي(أ) كل البشر ملزمون بشكل لا يمكن نقضه بالمساهمة في الخروج والبقاء خارج ظرف لا يمكن فيه تحقيق حالة من الحق العالمي (ب) لا يمكن تحقيق الحق العالمي إلا حيث توجد حكومة وحيث يتم الاعتراف بسلطتها (ج) الثورة هي محاولة لتدمير الحكومة القائمة وإنكار سلطتها، وبالتالي (د) لا يمكن تبرير الثورة أبدًا. هذا التفسير الثاني لوجهة نظر كانط يرى أن الانخراط في الثورة لا يعني فقط خلق خطر غير مقبول من انعدام الأمن العام، بل إنه يمثل أيضًا انتهاك لالتزام أساسي بالمساهمة في إقامة الظروف اللازمة لتحقيق الحق العالمي، وبمصطلحات أكثر معاصرة، فهي حجة ضد الثورة تستند إلى تفسير قوي للواجب الطبيعي للعدالة، والالتزام بالمساعدة في تحقيق واستدامة الظروف اللازمة للعدالة.
إن حجة الواجب الطبيعي هي في عرضة اعتراض واضح، وهو أنه إذا كانت الحكومة القائمة سيئة إلى الحد الذي يعيق تحقيق قدر لائق من الحق العالمي، وإذا كانت الثورة تقدم احتمالات أفضل لتحقيق ذلك، فإن الالتزام الأخلاقي بخلق الظروف لتحقيق الحق العالمي يميل لصالح الثورة، وليس ضدها (فينلي 2015: 19-52).
في حين كان الفلاسفة السياسيون الليبراليون يميلون إلى تأطير مسوغ الثورة من ناحية معالجة انتهاك الحكومة للحقوق الطبيعية، أو فشلها في الاعتراف بإلغاء الشعب لوصايتها (على سبيل المثال من خلال رفض نتائج الانتخابات)، فإن الثورة في التقليد الماركسي تُفهم بشكل مختلف تمامًا. هناك اتجاه واحد في تأويل ماركس يشير بموجبه برفض تام لخطاب الحقوق إما لصالح خطاب المصالح المتضاربة، أو لصالح مفردات تحقيق الذات أو التغلب على اغتراب البشرية عن “وجودها النوعي” (بوكانان 1982)؛ وبناءً على هذا التفسير فقد رأى ماركس أن مفهوم الحقوق ذاته هو بناء أيديولوجي يتم تعزيزه عبر سيكولوجيا الأنانية الخاصة بالمجتمع البرجوازي ويعززها هو بدوره، وسيتم التخلص منه بمجرد التحول إلى المجتمع الشيوعي المتقدم. إذا كان مفهوم الحقوق ذاته آخذا في الفساد ومقدرًا له أن يصبح مهملا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن صياغة مبرر الثورة البروليتارية بطريقة أخرى (فينلي 2006). هناك إجابة واحدة متسقة على الأقل مع الكتابات المبكرة لماركس وهي أن الثورة البروليتارية ضرورية لتدمير ظروف الاغتراب وخلق الظروف اللازمة لتحقيق طبيعة الإنسان ككائن مبدع وجماعي، أي الكائن الذي سيضع العالم الطبيعي والاجتماعي بالكامل تحت السيطرة البشرية المتعمدة لتحقيق خير الجميع، وذلك من خلال عمليات اتخاذ القرار بشكل جماعي ومستنير علميا (Economic & Philosophical Manuscripts of 1844, in MER: 66–125).
وحتى لو كان ماركس يعتقد أن الثورة الناجحة يمكن وصفها بشكل صحيح بأنها تعني التغلب على الاغتراب أو بصورة أكثر إيجابية بوصفها تحقيق “الوجود النوعي” البشري، فإنه من المشكوك فيه أنه كان يعتقد أن الثورة البروليتارية بحاجة إلى تبرير بهذه الطريقة أو بأي طريقة أخرى؛ فبرغم كل شيء، فإن هناك ماركس الذي يسخر من الاشتراكيين “الأخلاقيين” والذي يعتقد على ما يبدو بأن الثورة البروليتارية الناجحة هي مسألة تحقيق حتمي تاريخي للمصالح المشتركة للبروليتاريا، وأن الثورة ستكون مدفوعة عمليا بهذه المصالح، وليس بالالتزام بأي مبدأ أخلاقي (On the Division of Labor in Production in MER: 683–717) .
يتناسب مثل هذا التفسير بشكل جيد مع فهم ماركس لنظريته في التاريخ باعتبارها علمية وواقعية. ووفقًا لهذا الاعتبار، فإن مسألة ما إذا كانت الثورة مبررة أم لا تعد مسألة فارغة؛ تظهر لأن الثورة في نمط الإنتاج والتي تمثل التحول من الرأسمالية إلى الشيوعية، ستنتج تحولاً جذرياً لكافة العلاقات الاجتماعية التي سوف تنقل البشر إلى ما هو أبعد من الدولة وما هو أبعد من السياسة (Critique of the Gotha Programme, Part IV, 1875 in MER: 525–541). يمكننا أن نطلق على هذا التفسيرإسم التفسيراللأخلاقي للثورة لدى ماركس.
إن الحد الذي يتضمن فيه التفسير اللأخلاقي اعتبارا لدوافع الثورة البروليتارية (على النقيص من تبريرها) [7] يعد بسيطا وعقلانيا، ففي نهاية المطاف سيدرك العمال أن الإطاحة بالنظام الرأسمالي يصب في مصلحتهم وسوف يتصرفون وفقًا لذلك. لكن هناك مشكلتين حاسمتين على ما يبدو في رؤية كهذه، الأولى هي أنه وفقًا لتفكير ماركس نفسه، سوف تُستنفر البروليتاريا ضد النظام الرأسمالي فقط عندما تصل الرأسمالية إلى مستوى من الاغتراب والاستغلال والإفقار بحيث لا يعود لدى العمال شيئًا ليخسروه سوى اغلالهم (Capital, Volume 1, 1894, in MER: 329– 343; Manifesto of the Communist Party, 1848, in MER: 500).
يعتقد ماركس أن من المحتم أن يحدث ذلك لأن النظام الرأسمالي يعطي كل رأسمالي حافزًا قويًا لمواصلة الضغط على أكبر قدر ممكن من العمال، وذلك حتى لو قرأ كل رأسمالي كتاب رأس المال واستطاع أن يتنبأ بأن التأثيرالإجمالي لمثل هذا السلوك سيؤدي إلى الإطاحة بالنظام. لكن هذا يعني أن ماركس افترض أن الرأسماليين كطبقة كانوا يعانون من مشكلة العمل الجماعي التي لم يتمكنوا من حلها، والتي تتمثل في أنه على الرغم من أن مصلحتهم الجماعية تكمن في تجنب إفقار البروليتاريا، فإن كل منهم سيجد أنه من المنطقي أن يتصرف بطريقة تساهم في إفقارهم. لكن على النقيض من ذلك، يمكن القول إن الرأسماليين قد حلوا مشكلة العمل الجماعي الخاصة بهم من خلال انتاج دولة الرفاه الحديثة، وهي الأداة التي تخفف بشكل كافٍ من محنة العمال وذلك في سبيل إحباط التعبئة للثورة، ودون تدمير هيمنة البرجوازية. والمشكلة الثانية هي أنه في حين لا يقدم لنا ماركس أي سبب وجيه للاعتقاد بأن الرأسماليين سوف يستسلمون لمشكلة العمل الجماعي غير القابلة للحل، فإنه يفشل في التعامل بجدية مع مشكلة العمل الجماعي التي تواجهها البروليتاريا (كوهين 1978، إلستر 1985)؛ فكما هو الحال مع الثورات عموماً، قد يستنتج كل فرد أن عدداً كافياً من الآخرين سوف يحتشدون لإنجاح الثورة أو أنهم لن يفعلوا، وأن المشاركة في الثورة من المرجح أن تكون باهظة الثمن، وأن فوائد الثورة سوف تحصد إذا نجحت، وبالتالي فإن المسار العقلاني للفعل يكمن في الامتناع عن المشاركة. إن النقطة الأساسية هنا هي أن العمال يفتقرون إلى الموارد اللازمة لحل مشكلة العمل الجماعي التي يمكن للرأسماليين استخدامها لحل مشاكلهم، والتي تتمثل في السيطرة على الدولة وبالتالي إنفاذ القواعد التي يمكن أن تغير حوافز الامتناع عن المساهمة في الصالح العام. لم يفشل ماركس في التعامل بجدية مع مشكلة العمل الجماعي التي تواجهها البروليتاريا فحسب؛ بل إن نظريته في الاغتراب تشير ضمناً إلى انها ستكون مشكلة شديدة، ذلك أن أحد تأثيرات الرأسمالية يتمثل في بث الخصام بين العمال مع بعضهم البعض في المنافسة على العمل، بالاضافة الى أنها تخلق بين العمال سيكولوجيا الأنانية النمطية لدى جميع الناس الذين يعيشون في ظل الرأسمالية (بوكانان 1979). وباختصار، فقد فشلت محاولة ماركس اللأخلاقية في تجاوز السؤال عما إذا كانت الثورة مبررة أخلاقياً أو تحت أي ظروف، لأن روايته للدوافع الثورية القائمة على المصلحة تجعل الثورة تعتمد على إفقار البروليتاريا، مفترضا بشكل خاطئ أن الطبقة الرأسمالية لن تكون قادرة على العمل بشكل جماعي لتجنب الإفقار، وتفترض خطأً أنه إذا أدركت البروليتاريا أن مصالحها تتطلب الإطاحة بالنظام فإنها في الواقع سوف تثور.
إن الرد الماركسي الطبيعي قد يتمثل في التخلي عن الادعاء بأن الدافع القائم على المصلحة يعد كافٍ سببياً لإنجاح الثورة البروليتارية، والقول بدلاً من ذلك بأن البروليتاريا قد تدرك أن الرأسمالية لا تتوافق مع كرامة البشر، أو مع تحقيق إمكاناتهم الكاملة في السيطرة المتناغمة والإبداعية والجماعية على العالم الطبيعي والاجتماعي وفي إلغاء كافة أشكال الاستغلال، ووفقاً لهذا الرأي فإن الدافع وراء الثورة يمثل نوعا من اخلاق الكمال، أو بشكل أكثر اعتدالا يمثل الرغبة في إنهاء الانحطاط البشري.
إن الفكرة هنا هي مواجهة البروليتاريين لمشكلة غير قابلة للحل بخصوص العمل الجماعي إذا عمل كل عامل (أو عدد كاف من العمال) في وضع حسابي، بحيث توزن تكاليف وفوائد المشاركة عند اتخاذهم لقرار الثورة. وقد يظن المرء أن من السمات المميزة لبعض أنواع الدوافع الأخلاقية أنها قد تدفع الأفراد إلى الهروب من الوضع الحسابي الذي ينتج مشاكل العمل الجماعي، ولكن بطبيعة الحال ليست كل أنواع الدوافع الأخلاقية قادرة على القيام بهذه المهمة، فإذا كان العمال من أنصار تعظيم المنفعة الإجمالية، قد يقرر كل منهم الامتناع عن الثورة، معتقدين أن عدداً كافياً من العمال الآخرين سيشاركون في الثورة لتمكين نجاحها أو أنهم لن يفعلوا، وذلك بغض النظر عما إذا شاركوا هم وأن مشاركتهم ستكون ببساطة اقتطاع غير ضروري من المنفعة الإجمالية، وعلى النقيض من ذلك قد تمنع أنواع أخرى من الدوافع الأخلاقية، بما في ذلك تلك التي تشكل تعبيراً عن الالتزام بمبادئ الواجب، الفرد من إجراء الحسابات التي تنتج مشكلة العمل الجماعي للبروليتاريا، ومثل هذه المبادئ يمكن أن تشكل “أسباب استبعادية” حيث تستبعد حسابات التكلفة والفائدة من الاعتبار.
إن التخلي عن الرواية الماركسية اللأخلاقية للثورة يعني تجاهل عديد المقاطع “الواقعية العلمية” الواردة في كتابات ماركس وتجاهل ازدرائه للاشتراكيين الأخلاقيين، ولكن ستظل هناك مشكلتان احداهما داخلية في النظرة الماركسية والأخرى مستقلة عنها. المشكلة الأولى هي أنه من الصعب أن نرى -في ضوء وجهات نظر ماركس حول الإيديولوجيا- كيف يمكن للجماهير البروليتارية، وهي خاضعة لقوى الرأسمالية المشوهة للوعي، أن تتجمع حول أخلاقيات الكمال أو تشكل أي ولاء لأي مبدأ أخلاقي يتطلب الإطاحة الكلية بالرأسمالية؛ إذ يبدو أن ماركس كان يعتقد أن حجاب الإيديولوجيا سوف يتمزق بفعل إفقار البروليتاريا، فحين تصل إلى أعماق الحرمان والانحطاط فإنها ستدرك أن الرأسمالية يجب أن تزول، ولكن ماركس كان مخطئاً في تنبؤه بأن الافقار سيقع، ذلك أنه في ظل الرأسمالية فإن اغلب المجتمعات قد ارتفعت فيها الأجور الحقيقية كما خففت دولة الرفاه من محنة العمال بالقدر الكافي فقط. والمشكلة الثانية هي أن الكتابات التجريبية الأخيرة بشأن الثورات تشير إلى أن ما يحدد في كثير من الحالات- وربما أغلبها – ما إذا كان الفرد سيشارك في الثورة أو حتى يدعمها بأي شكل من الأشكال هو ما إذا كان النظام أو الثوار يسيطرون على المنطقة التي يعيش فيها الفرد (كاليفاس 2006، وينشتاين 2007). فإذا كان الأمر كذلك، فيبدو أن الدافع الأخلاقي في كثير من الحالات غير ذي صلة سببياً؛ فالمصلحة في تجنب الثمن الذي يفرضه أولئك الذين يمارسون السلطة القسرية على الفرد -سواء كانوا عملاء للنظام أو أولئك الذين التزموا بالفعل بالثورة- هي التي تحدد أمر المشاركة أو عدمه في الثورة. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن تجنب موضوع أخلاقيات الثورة، لأنه سيكون من المناسب دائمًا أن نسأل ما إذا كان ينبغي لأولئك الذين يمتلكون القوة القسرية أن يستخدموها، وإذا كان الأمر كذلك فكيف ينبغي لهم استخدامها.
وكما اقترحنا في وقت سابق، فإن الناس في العديد من السياقات الثورية يجدون أنفسهم محاصرين في تفاعل استراتيجي مدمر بين النظام وأولئك الذين التزموا بالفعل بالثورة، حيث يرفع النظام ثمن المشاركة ويرفع الثوار ثمن الامتناع عنها. كما تتعلق بعض القضايا الأخلاقية الأكثر صعوبة فيما يتصل بالثورة، بجواز استخدام الوسائل القسرية لحل مشكلة العمل الجماعي الثوري في سياق هذا التفاعل الاستراتيجي.
ومن باب الاختصار وكتعميم واسع، فإنه من الإنصاف أن نقول إنه منذ زمن لوك (1689) على الأقل، كانت النظرة السائدة إلى الثورة في الفلسفة السياسية الغربية، سواء في التقاليد الليبرالية أو الماركسية، وربما في الثقافة السياسية الشعبية أيضاً، أكثر تساهلاً إلى حد كبير من نظرة هوبز (1651) وكانط (1797) وأسلافهما في العصور الوسطى. في بقية هذا المقال، سأركز على المقاربات الليبرالية بمعناها الواسع في التعامل مع الثورة، وذلك على افتراض أن تطوير نظرية حقيقية للحرب الثورية العادلة في المستقبل المنظور من المرجح أن يتم من خلال الاستفادة من موارد النظرية السياسية الليبرالية. ربما لا تكون هذه الاستراتيجية محددة كما قد تبدو، لأن الفكر الليبرالي المعاصر لا يستوعب فكرة الحقوق الفردية فحسب، بل وأيضاً فكرة الحق الجماعي في تقرير المصير، وهذا شرط مهم لأن الثورة في الفترة الممتدة من خمسينيات القرن العشرين إلى سبعينياته كانت تعني بالنسبة للعديد من الناس في المجتمعات غير الغربية التحرر من الحكم الاستعماري؛ وفي بعض الحالات كان التحرر مؤطراً من حيث تقرير المصير الجماعي وليس من حيث الدفاع عن الحقوق الفردية. ومن بين الأسئلة المهمة التي ينبغي لنظرية الحرب الثورية العادلة أن تجيب عنها، سؤال ما إذا كان تحقيق حق تقرير المصير الجماعي يشكل في حد ذاته سبباً عادلاً للحرب الثورية أم أنه عادل فقط عندما يكون تقرير المصير الجماعي هو العلاج لانتهاكات الحقوق الفردية الأساسية. سوف نتناول هذه القضية في القسم التالي.
3-السمات المميزة للحروب الثورية
إن السؤال الرئيسي الذي سيثار في عدد من النقاط في هذا البحث هو ما إذا كانت نظرية الحرب العادلة السائدة -على الرغم من تركيزها الضمني على الحروب بين الدول- تقدم وصفًا كافيًا لأخلاقيات الحروب الثورية. وللإجابة عن هذا السؤال، فإن هناك على الأقل سبعة اختلافات أخلاقية محتملة ومهمة يجب أخذها في الاعتبار.
أولاً، إن تلبية المتطلب التقليدي الخاص ببدء الحرب والمتمثل في وجود “السلطة الشرعية” لشن الحرب -كما ذكرنا أعلاه- هو أكثر صعوبة في حالة الثورة، وخاصة في بداية الصراع، عندما تخوض أقلية صغيرة غالبًا صراعًا مسلحًا ضد الحكومة وتفعل ذلك باسم الشعب، في حين تكون الأنماط المعيارية المؤسسية أو عمليات إضفاء الشرعية على استخدام العنف غير متاحة للثوريين. وبعبارة أخرى، تكمن المشكلة في أن الثوار يزعمون أنهم يتصرفون نيابة عن الشعب، في ظل ظروف يصعب فيها تصور كيف يمكن تفويضهم للقيام بذلك، وسوف نرى لاحقاً أن محاولات حل هذه المشكلة من خلال استحضار مفاهيم القبول أو الموافقة أو التمثيل، تعد غير كافية في العديد من الظروف التي تحدث فيها الثورات ولا سيما في ظل تلك الظروف التي يكون فيها السبب العادل للثورة أكثر إلحاحاً.
حتى المنظرون المعاصرون يعترفون بأن مشكلة السلطة الشرعية صعبة بشكل خاص في حالة شن حرب ثورية، إلا أن المناقشة غالباً ما تكون مجردة للغاية لأنها تفشل في التمييز بين مجالات الفعل المختلفة التي قد تشكل الشرعية فيها مشكلة. فحتى إذا كان من الممكن على سبيل المثال إثبات أن مجموعة معينة من الثوار تمثل القيادة الشرعية، بمعنى أنه يمكن اعتبارها ممثلة للشعب ككل وتتصرف نيابة عنه بشكل صحيح، فإن الأمر يصبح مسألة منفصلة فيما يتصل بما إذا كانت تتمتع هذه المجموعة بالنوع المطلوب من الشرعية للقيام بأنشطة معينة كتجنيد الأفراد للقتال، أو استخدام الإكراه لقمع المنافسين المطالبين بالزعامة، أو “معاقبة” الخونة أو المخبرين.
ثانياً، في الحروب بين الدول، غالباً ما يكون هناك طرف واحد فقط (على كل جانب) يتولى دور المبادرة في استخدام وتوجيه العنف على نطاق واسع، ألا وهو رئاسة الدولة. ولكن في العديد من الحروب الثورية -على الأقل في البداية وغالباً في مرحلة متأخرة من الصراع- يتنافس طرفان أو أكثر مشاركان في العنف الثوري (في كثير من الأحيان بعنف) مع بعضهما من أجل الاعتراف بهما من قِبَل الشعب والدول الأخرى والمنظمات الدولية، باعتبار أحدهما هو الصانع الشرعي الوحيد للحرب الثورية. وعلى هذا فإن إحدى القضايا الأخلاقية الصعبة تتعلق بالوسائل التي قد يستخدمها المتنافسون على الزعامة في المنافسة مع بعضهم البعض، وكثيراً ما تتسم الثورات بالصراعات العنيفة على الزعامة في ظل ظروف لا يستطيع فيها أي متنافس عليها أن يزعم الشرعية الحصرية أو أي شرعية على الإطلاق.
ثالثاً، وكما لوحظ سابقاً، إن أولئك الذين يحاولون إشعال الثورات لا يملكون جيوشاً نظامية أو سلطة فعّالة لتشكيلها، ولهذا السبب فإنهم يواجهون مشكلة خطيرة تتعلق بالعمل الجماعي، نجحت الدول القائمة بالفعل في حلها: وهي أنه يتعين عليهم حشد نسبة كافية من السكان لشن الحرب بفعالية، على الرغم من حقيقة أنه سيكون من المنطقي بالنسبة لأي فرد في أحيان كثيرة الامتناع عن المشاركة، إذ قد يفكر أي فرد عادي فيما يلي: إن احتمال تحديد مشاركتي أو عدمها للنتيجة تكاد تكون معدومة؛ ولكن المشاركة تحمل تكلفة ربما تكون باهظة، بالنسبة لي وربما بالنسبة لأسرتي أو غيرهم من المقربين أيضاً، لذا -وبصرف النظر عما يفعله الآخرون- فإن الشيء العقلاني الذي ينبغي لي فعله -سواء وضعت في الاعتبار منفعتي الشخصية المبررة على نحو ضيق أو وضعت في الاعتبار منفعة أولئك الذين أهتم بهم- هو الامتناع عن المشاركة. إذا فكر عدد كاف من الأفراد على هذا النحو فلن يتم حشد عدد كاف من الناس لإنجاح الثورة. وبطبيعة الحال، فإن مشاكل العمل الجماعي ليست دائماً غير قابلة للحل، وسوف نتناول في وقت لاحق عدة حلول لما قد نطلق عليه “مشكلة العمل الجماعي للتعبئة الثورية” وسنبين أن هذه الحلول يثير قضايا أخلاقية خطيرة. أي بعبارة أخرى، فإن القول بأن هذه المشكلة يمكن حلها هو شيء، والقول بأنه يمكن حلها بطريقة مقبولة أخلاقياً هو شيء آخر، وكتقديم يجدر بالذكر أن “مشكلة العمل الجماعي للتعبئة الثورية” تمتع ببعد استراتيجي حاسم، ففي حين ستحاول القيادة الثورية الطموحة التغلب على الحوافز التي تدفع الناس إلى الامتناع عن المشاركة، سواء أكان ذلك من خلال منحهم منافع تكون مشروطة بالمشاركة أو بفرض تكاليف عليهم في حال عدم المشاركة، فإن النظام سيحاول إبطال الجهود الرامية إلى تحقيق التعبئة الثورية من خلال تقديم فوائد مشروطة بعدم المشاركة أو فرض تكاليف على المشاركة. تتخذ الديناميكية الناتجة هيكلاً نظرياً للألعاب يتمثل في سباق تسلح تستخدم فيه كل من القوى الثورية والنظام العنف وغالباً الإرهاب ضد الشعب (بوكانان 2013). إن دوامة العنف الاستراتيجي هذه ليست محض احتمال نظري، إذ تشير بعض الكتابات التجريبية الرائدة في مجال الثورات إلى أنها نموذجية في البيئة الثورية؛ إن أحد الاكتشافات التجريبية المثيرة للاهتمام بشكل خاص تكمن في أن أفضل مؤشر على ما إذا كان الفرد سيدعم الثورة أو النظام، يتعلق بأي قوة تسيطر على المساحة التي يشغلها الفرد (كاليفاس 2006: 131-132). وتوثق الدراسات التجريبية أن دورة الإكراه والإكراه المضاد في النضالات الثورية واسعة الانتشار (كاليفاس 2006: 10، 12، 215، 228-229). وإنه لمن غير المرجح أن تشير نظرية الحرب العادلة المصممة لبيئة مختلفة كليا تخص الحروب بين الدول، إلى المشاكل الأخلاقية التي تثيرها هذه السمة الخاصة بالحروب الثورية.
إن الفارق الأخلاقي الرابع بين الحرب بين الدول والحرب الثورية يتلخص في الآتي: في الحرب بين الدول لا يكون تغيير الحكومة هدفاً للأطراف المتصارعة عادة (رغم أن أحد الطرفين أو كلاهما قد يهدف إلى فرض شكل جديد من أشكال الحكم على الطرف الآخر). أما بالنسبة لمن يشن الحرب الثورية فإن الهدف يتلخص في تغيير الحكومة؛ وفي حال الفهم الأعمق لـ “الثورة” فإنه يتلخص في إحداث تغيير جوهري في شكل أو طبيعة الحكومة. ولكن حيث أن الثوار قد أنكروا العمليات السياسية القائمة لتحديد الأهداف السياسية أو لم يتمكنوا من الاستفادة منها، ولم يطوروا بعد عمليات جديدة لأداء هذه المهمة (على الأقل في المراحل المبكرة من النضال)، فإن خلافات خطيرة قد تنشأ بين الثوار حول هدف الثورة، وذلك في ظل غياب أي عملية غير عنفية أو شرعية لحسم الأمر، حيث قد يتفق كثيرون على أن النظام لابد وأن يسقط، ولكن قد تنشأ خلافات عميقة وعنفية حول ما ينبغي أن يتبع ذلك السقوط، وهذا أيضاً يجعل الثورة مشروعاً أكثر خطورة من الناحية الأخلاقية. لنفترض -كما اقترحنا في وقت سابق- أن الثورة تختلف عن مجرد التمرد في أن التمرد لا يمثل سوى رفض للسلطة الحكومية، في حين أن الثورة تنطوي على ذات الأمر بالإضافة إلى الالتزام بتشكيل نظام سياسي جديد. إذا كان الأمر كذلك، وإذا كان الثوريون يفتقرون إلى الموارد المؤسسية اللازمة لتحديد فهم مشترك لما ينبغي أن يكون عليه النظام السياسي الجديد، فإن مهمة تقييم عدالة النضال الثوري تصبح أكثر صعوبة، فقد يكون من الخطأ أن نقول “أن س تمثل هدف صناع الحرب الثوريين”، وذلك لأن الهدف قد لا يكون واحداً، وقد تكون الأهداف المتعددة متعارضة، بحيث يكون بعضها عادلاً وبعضها الآخر غير عادل. ومن الصحيح بطبيعة الحال، أن الدولة التي تخوض حرباً مع دولة أخرى غالباً ما يكون لها أكثر من هدف واحد للحرب، وقد تكون أهدافها متعارضة أيضاً، لكن على الأقل في حالة الدول التي تعمل بشكل جيد إلى حد معقول، فإنه توجد عملية سلطوية، أي عملية لمنح الشرعية لتحديد أهداف الصراع وتحديد أيها ينبغي منحه الأولوية في حال تعارضت مع بعضها البعض.
خامساً، إذا خسر أحد الأطراف في الحرب بين الدول، فإن هذا لا ينطوي عادة على تدمير كامل لنظامه السياسي، وإذا حدث ذلك فإن المنتصر غالباً ما يفرض بسرعة بعض النظام عند سيطرته على أراضي الدولة المهزومة. لكن الحروب الثورية تشكل خطراً أعظم يتمثل في الفوضى، وما تنطوي عليه عادة من تهديدات لحقوق الإنسان ورفاهيته، ذلك لأن الثوار حتى عندما ينجحون في هزيمة النظام فإنهم قد لا يمتلكون بعد (وفي بعض الحالات قد لا يطورون أبداً) القدرة على فرض النظام. وبهذا المعنى، فإن المخاطر غالباً ما تكون أعلى في الحروب الثورية، وقد يكون من الصعب تلبية شرط احتمال النجاح التقليدي لنظرية الحرب العادلة. ثمة عاملان أيضًا -كلاهما حاضر في العديد من الثورات العنيفة- يجعلان مشكلة إنشاء نظام سياسي جديد قادر على توفير مستوى مقبول من الأمن المادي مشكلة صعبة بشكل خاص، أولهما هو أنه غالباً ما تكون الصراعات الثورية -كحال غيرها من الحروب داخل الدولة- وحشية بشكل خاص لأن الخطوط الفاصلة بين المقاتلين وغير المقاتلين تميل إلى أن تكون غير واضحة، وذلك بسبب دوامة الإكراه الناجمة عن التفاعل الاستراتيجي فيما يتعلق بالتعبئة الثورية الموصوفة أعلاه، بالإضافة لأن الأفراد والجماعات غالباً ما يستغلون السياق العام للعنف في تسوية صراعات خاصة لا علاقة لها بالقضايا التي يُفترض أن الثورة تقوم من أجلها (كاليفاس 2006: 14). وبالتالي فإن بناء السلام الآمن قد يعوقه العداء المستمر، واتهامات ارتكاب الفظائع، والسعي إلى الانتقام، في الوقت الذي قد يكون فيه رأس المال الاجتماعي متمثلا في صورة الثقة شحيحا. وثانيهما هو أنه في السياق المعاصر، كثيراً ما نجد أن المجتمعات التي يكون فيها السبب العادل للثورة أكثر إلحاحاً -أي في ظل ما يمكن أن نطلق عليه حالة الاستبداد القاسي والحازم- تشهد انقسامات عميقة على أسس دينية أو عرقية وطنية، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن الطغاة قد عززوا مثل هذه الانقسامات من أجل منع الناس من تحقيق معارضة موحدة للنظام. وحيث توجد مثل هذه الانقسامات بالاضافة الى انعدام ثقافة التسامح وتقاسم السلطة، فإن تدمير النظام الاستبدادي قد يؤدي إلى صراعات عنيفة بين الجماعات، مع عدم وجود قوة محلية قادرة على فرض تسوية سلمية وبناء حالة من الأمن المادي المستمر. في ظل هذه الظروف، فإن القيام بثورة يعني إطلاق العنان لقوى قد تؤدي إما إلى فوضى عنيفة، أو إلى تدخل أجنبي غير مرغوب فيه يُنفَّذ بحجة إرساء النظام.
سادساً، إن الحروب الثورية -على الأقل في ظل الظروف الحديثة- تتمتع بالقدرة على الاستمرار لفترة أطول من الحروب بين الدول كما كانت تجري تقليديا، وبالتالي فمن المرجح أن تنطوي على دمار بشري ومادي أكثر -إذا تساوت العوامل الأخرى- وذلك بسبب التدخلات التي لا تهدف إلى إنهاء هذه الحروب بل إلى إطالتها؛ إن إحدى سمات الحروب الثورية المعاصرة يتمثل في أنها نادراً ما تظل متروكة بين الأطراف الأساسية، بل غالباً ما تدعم الدول المتنافسة أو مجموعات تابعة لها جوانب مختلفة. في الحروب بين الدول، ينتهي الصراع عادة عندما يتضح أن هناك جموداً مستمراً إلى أجل غير مسمى، وبالتالي يضطر كلا الجانبين إلى السعي إلى سلام تفاوضي، أو تنتهي عندما يتغلب أحد الجانبين على الآخر (ويتمان 1979؛ جونز، بريمر وسنجر 1996؛ فاغنر 2000). لكن عندما تصبح الثورات حروباً بالوكالة بين قوى متنافسة، فمن المرجح أن تتدخل دولة واحدة لإعادة إمداد أو دعم وكيلها لكسر الجمود أو منع الجانب الآخر من تحقيق النصر، وهذا هو السبب وراء توقع أغلب المنظرين التجريبيين للحرب داخل الدول، بأن الصراع في سوريا لا يبدو أن له نهاية تلوح في الأفق (جينكينز 2014). تتفاقم هذه المشكلة بفعل حقيقة أن أحد أو كلا الطرفين المتصارعين قد لا يكون هدفه الاستراتيجي الأول تحقيق النصر لصالحه، بل قد يكون الهدف الطاغي في الواقع هو إطالة أمد الصراع. وإلى الحد الذي يتعين على الثوار أو الأنظمة المعارضة لهم أن يأخذوا في الحسبان المتطلب التقليدي “للحق في اللجوء إلى الحرب” المتعلق باحتمال النجاح، وأن ينتبهوا أيضاً إلى شرط التناسب، فإن مهمتهم تصبح معقدة بسبب الديناميكية الاستراتيجية التي تحدث عندما لا تكون الثورات محصورة ببساطة بين طرفين، بل تصبح كذلك صراعات بالوكالة بين أطراف أخرى. إن التدخل يجعل الحسابات المتعلقة باحتمال النجاح والتناسب أكثر إشكالية. وفي حال كان هناك تسليم ضد الحرب ما لم يكن احتمال النجاح والتناسب مؤكداً نسبياً، فإن هذا يعني أن مبرر الحرب الثورية يعد أكثر إشكالية من مبرر الحرب بين الدول إذا تساوت باقي الأمور جميعها.
سابعا، وأخيرا، فإن الأنظمة الاستبدادية الراسخة – التي تعد الهدف الأكثر إلحاحا من الناحية الأخلاقية للثورة- تستخدم سيطرتها على التعليم ووسائل الإعلام لغرس الدعاية المصممة لمنع الناس من إدراك مدى فساد النظام، ومدى سوء أداء الاقتصاد، ومدى رداءة نوعية الحياة مقارنة بالدول التي تتمتع بحكم أفضل، ومدى انتشار السخط على النظام. ومن ثم فإن العمل الثوري الفعال قد يتطلب تبديد الوعي الزائف من جانب الناس، لذا فإن الزعامة الثورية الطموحة قد تواجه مهمة محاولة تفكيك الوعي الزائف لدى أولئك الذين تأمل في تجنيدهم في النضال الثوري. وفي الحالات الفعلية، كثيرا ما استخدم القادة الطموحون العنف وأحيانا الإرهاب في محاولة للتغلب على العقبات المعرفية التي تحول دون المشاركة الواسعة النطاق في الثورة، فيهاجمون على سبيل المثال “أهدافا سهلة”، أي رجال الشرطة أو المسؤولين الحكوميين، ليظهروا للناس أننا “نملك القدرة على إيذائهم”، كما أن هناك تكتيكاً آخر يستخدمه الثوار في كثير من الأحيان للتغلب على العقبات المعرفية، ألا وهو استفزاز النظام لشن ردود فعل وحشية على المظاهرات السلمية نسبياً، من أجل الكشف عن مدى وحشية النظام للجميع. ويقال إن مثل هذه الإجراءات، التي تدينها الأفكار السائدة حول السلوك العادل للحرب، ضرورية لغرس الشعور بالمسؤولية الذي قوضه الوعي الزائف، إن الحاجة إلى التغلب على الوعي الزائف أو بشكل عام التغلب على العقبات المعرفية الخطيرة التي تعترض الثورة، إلى جانب افتقار القيادة الثورية إلى الموارد السلمية الفعّالة للقيام بذلك، يفرض خيارات أخلاقية صعبة لا يواجهها قادة الدول في الحروب بين الدول.
ولهذه الأسباب جميعها، فإن الحروب الثورية تطرح مشاكل أخلاقية إضافية، فضلاً عن المشاكل المروعة التي تنطوي عليها الحروب بين الدول، أو كما في حالة احتمالات النجاح والتناسب، فإنها تنطوي على حالات أكثر خطورة من الصعوبات المشتركة بين النوعين من الحروب. لذا يتعين على نظرية الحرب الثورية العادلة أن تأخذ هذه الاختلافات على محمل الجد، وألا تبدأ بافتراض مفاده أن العمل الجدير بالثناء الذي تم إنجازه مؤخراً في نظرية الحرب العادلة، والذي كما لاحظنا موجه في الأساس إلى الحرب بين الدول، يمكن تكييفه دون تعديل أو إضافة كبيرين على المسألة الثورية. ويبدو الافتراض القائل بأن نظرية الحرب العادلة السائدة توفر كل أو حتى أغلب ما هو مطلوب لنظرية الحروب الثورية العادلة افتراضا معقولاً فقط إذا ما تمسك المرء بتجريدات غير مفيدة وفشل في النظر إلى الاختلافات التي تكشف عنها الأدبيات التجريبية حول الثورات، والقضايا الأخلاقية الخاصة التي تثيرها. إن إحدى الخلاصات الرئيسية لهذا المدخل تتمثل في أن النظرية الأخلاقية المعقولة للثورة لا بد أن تستنير بأفضل الدراسات التجريبية لما يجري بالفعل في النضالات الثورية.
4- البدء العادل للحرب الثورية والسلوك العادل للحرب الثورية
إن موضوع “أخلاقيات شن الحرب الثورية” واسع للغاية، ومن الضروري أن نحدد المشاكل الأخلاقية المميزة التي يواجهها أولئك الذين يشنون الحرب الثورية ويطمحون إلى تجنيد وقيادة الآخرين في النضال[8] وأولئك الذين ينضمون إلى الثورة بمجرد انطلاقها ويفعلون ذلك دون أي ادعاء بأنهم قادة، تواجه هاتان الفئتان بعض القضايا الأخلاقية المشتركة، ولكن يتعين عليهما أيضًا حل القضايا الأخلاقية الخاصة بوضع كل منهما.
لقد لاحظنا في القسم السابق أن سؤال “هل يتمتع الفاعل س بالسلطة الشرعية لشن حرب ثورية؟” لا بد وأن يُهجر لصالح أسئلة أكثر تعقيدًا مثل “هل يتمتع الفاعل س بالسلطة الشرعية لبدء حرب ثورية ومحاولة العمل كزعيم في النضال، وممارسة وظائف مختلفة مخصصة عادة للحكومات، مثل معاقبة المنشقين والمخبرين، وتجنيد الجنود، وامتلاك الموارد اللازمة للحرب، وقمع المنافسين المطالبين بالزعامة؟” إن الإجابة بالايجاب عن السؤال الأول لا تضمن إجابات بالايجاب عن بقية الأسئلة.
يمكن أن نبدأ بالسؤال الأول: متى يمتلك الفاعلون سلطة شرعية لمحاولة شن حرب ثورية؟ إن هذا سؤال مناسب للطرح إذا حاول المرء تطبيق النظرية السائدة في حق البدء العادل للحرب على حالة الحرب الثورية، وذلك لأن السلطة الشرعية يُفترض بها عمومًا أن تكون شرطا في حق البدء العادل في الحرب. إن الإجابة المعقولة أوليا هي أن الفاعل يجب أن يكون في علاقة معينة بالشعب الذي ستُشن الحرب الثورية نيابة عنه، وقد حاول منظرون مختلفون توضيح هذه العلاقة بطرق مختلفة، مؤكدين أن من يشن الحرب الثورية (أ) يجب أن يحصل على قبول من أولئك الذين يدعي التصرف نيابة عنهم (ب) يجب أن يحصل على موافقتهم (ج) يجب أن يمثلهم أو (د) يجب أن يتحمل المسؤولية عن خيرهم المشترك (وأن يكون لديه القدرة على السعي نحو هذا الخير بفعالية). وسيتم النظر في كل من هذه المقترحات على التوالي. كما يجب فهم التمييز بين القبول والموافقة على النحو التالي: إن القبول يجب أن يقدم مسبقًا، أي قبل الإجراء الذي يتم منح القبول له؛ أما الموافقة فهي تالية، أي تعبر عن تأييد عكسي متعلق بالماضي لإجراء قد حدث بالفعل.
هناك مشكلتان في الرأي القائل بأن قبول المضطهدين يعد أمرا ضروريا أو كافيا للسلطة الشرعية حتى تبدأ حرب ثورية، المشكلة الأولى تتمثل في أنه في كل موقف حقيقي في العالم تقريبا لن يكون القبول أمرا مجمعا عليه؛ وبالتالي فإن سؤالين يطرحان نفسيهما على الفور والإجابة المعقولة عن أي منهما بعيدة كل البعد عن الوضوح (1) إذا كان القبول ضرورة للسلطة شرعية، فكيف يمكن لأي شخص أن يتمتع بسلطة شرعية على أولئك الذين لا يقبلون و(2) إذا كان قبول البعض كافيا لجعل السلطة شرعية على الجميع، فكم عدد الذين يجب أن يقبلوا (أغلبية ضئيلة، أغلبية ساحقة، إلخ)؟ إذا كانت النقطة الأساسية للقبول هي أنه بدونه فإن أولئك الذين يشنون حرباً ثورية يعرضون أولئك الذين لا يقبلون للخطر بشكل تعسفي، فإن حقيقة أن البعض قد قبلوا لا يمكن أن تجعل فرض الخطر على أولئك الذين لم يقبلوا أقل تعسفاً. المشكلة الثانية تتمثل في أنه في ظل ذات الظروف التي يكون فيها السبب العادل للثورة أكثر إلحاحاً، أي حين يمارس النظام هيمنة شاملة ويرفض الإصلاح، سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل الحصول على قبول مشروع، إما لأن النظام لن يسمح بأي عملية معقولة للحصول على القبول أو لأن الناس سوف يخشون تأكيد قبولهم خوفاً من انتقام النظام، أو لأن قمع النظام سوف يشوه وعيهم وتفضيلاتهم إلى الحد الذي يجعلهم غير قادرين على إعطاء قبول مشروع. لقد زعم جون سيمونز (1979) أنه حتى حين تتوفر أفضل العمليات السياسية الديمقراطية، لا يمكن الحصول على قبول حقيقي؛ وإذا كان الحال كذلك، فمن غير المرجح أن يتم الحصول على القبول في ظل الظروف الأقل ملاءمة التي قد تسعى القيادة الثورية الطموحة الى الحصول على القبول في ظلها.
ونظراً لهذه الصعوبات المرتبطة بالقبول كمعيار للسلطة الشرعية، فقد يعتقد المرء أن الموافقة هي الفكرة المناسبة، ومع ذلك، فإن نفس المشاكل التي ابتلي بها القبول تجعل الموافقة إشكالية، ذلك أنه إذا لم تكن الموافقة بالإجماع، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن لموافقة البعض أن تمنح سلطة شرعية على الجميع أو تبرر فرض المخاطر على الجميع، ولكن إذا لم يكن الإجماع مطلوبًا، فسيكون مدى الموافقة المطلوبة غير واضح.
إن المشاكل المتعلقة بالموافقة والقبول قد تدفع المرء إلى اختيار فكرة القبول الافتراضي أو الموافقة الافتراضية بحيث يتمتع الفاعل بسلطة شرعية لشن (ومحاولة قيادة) حرب ثورية فقط إذا (أو إذا وفقط إذا) تم القبول أو الموافقة على قيامه بذلك من شخص عاقل يُقدر تحقيق الحرية من القمع في ظل هذه الظروف، إن هذه الخطوة تنطوي على صعوبتين: أولاً، إنها تفترض شيئًا إشكاليًا للغاية، ألا وهو أن القبول الافتراضي قوي أخلاقيًا كمثل القبول الفعلي -بالإضافة إلى افتراض أكثر إشكالا يتمثل في أن الموافقة الافتراضية يمكن أن تحل محل الموافقة الفعلية. ثانيًا، يبدو أنه إذا كان من الممكن تحديد ما قد يقبل به أو يوافق عليه فاعل عاقل يقدر تحقيق الحرية من القمع، فإن التمرين بأكمله يصبح عديم الفائدة، لأنه يمكن تحقيق نفس النتيجة من خلال حساب ما إذا كان شن الحرب يلبي المعايير التقليدية لاحتمال النجاح والسبب العادل والتناسب. وبعبارة أخرى، فإنه وإلى الحد الذي يمكننا فيه تحديد فكرة ما قد يقبل به أو يوافق عليه فاعل عقلاني يقدر تحقيق الحرية من القمع، فإنه يبدو أن مثل هذا الفاعل سيحدد ذلك من خلال استخدام أقل متطلبات قانون الحرب إثارة للجدال؛ وعلاوة على ذلك، فإن الأفراد المختلفين سيتأثرون بشكل مختلف بالثورة إذا حدثت وسيفكرون في المخاطر والمنافع بشكل مختلف، ويجب أن يفعلوا ذلك إلى الحد الذي يكونون فيه عقلانيين. إذا كانت فكرة الفاعل العقلاني مجردة من هذه الاختلافات، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أن يكون ما يقبل به أو يوافق عليه مرتبطًا بما إذا كان ينبغي للثوريين إخضاع الناس الفعليين لمخاطر الثورة. وإذا تم تخصيص فكرة الفاعل العقلاني لمواقف جميع الأفراد الفعليين الذين قد يتأثرون بالثورة، فإن بعضهم سيقبل أو يوافق والبعض الآخر لن يفعل، وبالتالي لن تكون هناك إجابة واحدة عن سؤال “هل يتمتع هذا بسلطة شرعية؟” لأنه لن تكون هناك إجابة واحدة عن سؤال “هل سيقبل الفرد العقلاني الذي يقدر تحقيق الحرية من القمع بأن يشن هذا الفاعل حربا ثورية ويقودها؟”.
ولنتأمل الآن في الادعاء القائل بأن أولئك الذين يبادرون إلى شن الحروب الثورية (ويتولون قيادتها) يتمتعون بالسلطة الشرعية للقيام بذلك إذا أو إذا وفقط إذا كانوا يمثلون الشعب (أو على الأقل يمثلون أولئك الأعضاء المضطهدين من الشعب).
إذا كانوا “يمثلون” تعني ما تعنيه في سياق السياسة الديمقراطية العادية (أي أن أ يمثل ب إذا وفقط إذا كان أ مفوضاً بالتصرف نيابة عن ب وذلك من خلال بعض العمليات السياسية العامة الملائمة (مثل الانتخابات)) فإن هذا التمثيل غير قابل للتحقق بما أن النظام القمعي من غير المرجح أن يسمح بأي عملية من هذا القبيل، إن هذا الفهم الاعتيادي للتمثيل بوصفه قائما على المؤسسات من شأنه أن يعمل كمعيار للسلطة الشرعية لتبادر بشن الحرب الثورية فقط في حال تم استيفاء أحد شرطين: الأول، أنه قد تم اختيار أولئك الذين يبادرون إلى شن الحرب الثورية كممثلين قبل ظهور النظام القمعي (كما هو الحال عندما يسيطر انقلاب استبدادي على حكومة منتخبة)؛ والثاني، هو أن يتضمن النظام الدستوري الإذن المسبق بالثورة في ظل ظروف معينة، ومن الجدير بالذكر أن الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن يتضمن صراحة الحق (بل والواجب) في مقاومة الاستبداد، وأن قانون الخدمة الداخلية للقوات المسلحة التركية (في المادتين 35 و85) يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يعين فاعلا للثورة من خلال تفويض الجيش مسبقا بإقالة الحكومة إذا انتهكت الشرط الدستوري للحكومة العلمانية؛ وكما أن الأمر التوجيهي المسبق للرعاية الطبية يسمح للمريض المؤهل بتفويض فاعل مسبقا للتصرف نيابة عنه في حالة فقدانه القدرة على ذلك، فإن حكماً دستورياً من ذات القبيل من شأنه أن يمكن الشعب وهو في ظل ظروف الحرية السياسية من تفويض فاعل مسبقا لشن ثورة نيابة عنه، إذا أدت إساءة استخدام السلطة الحكومية إلى تقويض قدرته على القيام بعمل من أعمال التفويض، ولا يمكن تلبية أي من هذين الشرطين إذا لم يكن للبلد المعني نظام سياسي ينتج ممثلين حقيقيين للشعب أو لم يكن له دستور يسمح مسبقاً بالثورة.
ومن المثير للاهتمام أن المناقشات الحالية حول السلطة الشرعية لشن حرب ثورية لا تأخذ في الاعتبار إمكانية الحصول على إذن مسبق لشن الثورات وقيادتها، وبالتالي فهي تتبع الممارسة التعيسة لكن واسعة الانتشار المتمثلة في مناقشة أخلاقيات الحرب كما لو كانت المؤسسات غير موجودة أو كانت ذات صلة فقط كأدوات لتطبيق نظام من المبادئ الأخلاقية التي يمكن التوصل إليها بالكامل من خلال استنطاق الحدس من حالات الأفعال الفردية، التي تم النظر إليها بمعزل عن أي خلفية مؤسسية (بوكانان 2006، 2015).
وفي ظل غياب أي أحكام مؤسسية لمنح تفويض مسبق، فإن المؤيد لمفهوم التمثيل قد يقدم فهمًا مختلفًا له بحيث يمثل الفاعل الشعب، بطريقة تمكنه أخلاقيًا من شن وقيادة حرب ثورية، إذا كان ملتزمًا بمصلحتهم المشتركة أو بالصالح العام وتصرف بشكل مناسب لتحقيق ذلك (بيغار 2013). ومن الجدير بالذكر مدى بعد هذا الرأي عن أي مفهوم مقبول على نحو واسع للسلطة الشرعية في شن الحرب في سياقات أخرى أو في أي سياق، سواء أكان خاصًا أو عامًا. إن حقيقة أن جونز ملتزم بصالح سميث وقادر على تعزيز صالحه بشكل فعال، لا تفيد شيئًا على الإطلاق في إثبات أن جونز لديه سلطة شرعية على جونز، ناهيك عن امتلاكه سلطة شرعية للقيام بأعمال من المفترض أنها نيابة عن جونز، وتشكل خطرًا عليه أو على الآخرين. علاوة على ذلك، فإن هذا المفهوم عاجز عن تأسيس سلطة مشروعة حصرية لأنه قد يكون هناك أكثر من طرف، كل منهم يتنافس على دور القيادة، وكلهم ملتزمون وقادرون على تعزيز الصالح العام، إن هذه مشكلة كبيرة، لأن المنطق التقليدي للسلطة الشرعية في نظريات الحرب العادلة هو أنه يجب أن تكون هناك سلطة واحدة على كل طرف من أطراف النزاع المسلح، سواء أكان ذلك لضمان الانضباط بين القوات المسلحة في سبيل الحد من الدمار، أو لتحقيق الالتزام بمبادئ القانون الدولي في الحرب، أو حتى يكون واضحا من ينبغي أن يكون طرفاً في المفاوضات لإنهاء النزاع وضمان السلام العادل.
إذا يئس المرء لهذه الأسباب من توضيح السلطة الشرعية من ناحية الموافقة الفعلية أو الافتراضية أو التمثيل أو الالتزام بالصالح العام، فقد يبدو أن ثمة نهج بديل أكثر جاذبية، إن هذا النهج يتمثل في التخلي عن الافتراض القائل بأن شن ومحاولة قيادة حرب ثورية يتطلب دائماً سلطة شرعية وبدلاً من ذلك، القول بأن الظروف على الأرض تجعل السلطة الشرعية غير قابلة للتحقيق، إلا أنه لا يزال من الممكن في بعض الأحيان تبرير قيام الفاعل بشن حرب ثورية ومحاولة قيادتها (فابر 2012). لقد اُتخذ هذا الموقف في وقت سابق، عند إلقاء نظرة نقدية على رفض كانط للثورة؛ ويمكن تطويره بشكل أكبر من خلال استخدام القياس مع تبرير الإكراه في حالة من الفوضى العنيفة، أي في حالة أشبه بحالة الطبيعة كما فهمها هوبز.
لنفترض أن هناك مجموعة من الفاعلين لديهم القدرة على خلق نظام مبدئي، وانتشال الجميع من الحالة الجذرية لانعدام الأمن المادي، ولكنهم لا يستطيعون تحقيق ذلك إلا من خلال فرض مجموعة من القواعد المدعومة بالإكراه في ظل ظروف لا توجد فيها موارد مؤسسية لمنح السلطة الشرعية لأداء هذه المهام، لنفترض بالإضافة إلى ذلك أنه لا توجد وسائل غير رسمية لمنح السلطة الشرعية، وأنه -لأسباب قدمت سابقًا- لا يمكن التثبت من القبول أو الموافقة بسبب القمع الشديد أو بسبب الفشل الكبير في تحقيق الإجماع، ولنفترض أيضاً أن هؤلاء الفاعلين ملتزمون بتوفير الأمن المادي للجميع بالوسائل العادلة والأقل قسراً والتي من المرجح أن تكون فعّالة في ظل تلك الظروف، وأخيراً لنفترض أنهم ملتزمون بالمساعدة في بناء المؤسسات التي من شأنها أن تجعل الاستخدام المشروع أو المسموح به بشكل قانوني للإكراه ممكناً، وأنهم ملتزمون علناً بالتنازل عن السلطة إذا كانت هذه العمليات تمنح الشرعية لأحد الفاعلين الآخرين. من المؤكد حينها أنه في ظل هذه الظروف، سيكون هؤلاء الفاعلون مبررين من الناحية الأخلاقية في ممارسة السلطة القسرية، حتى ولو افتقروا إلى السلطة الشرعية. وإذا كان الأمر كذلك، فبدلاً من القول بأن القوة القسرية لا يجوز ممارستها إلا من قبل السلطات الشرعية، فإنه ينبغي لنا القول بإن السلطة الشرعية مطلوبة حين تتوافر الشروط اللازمة لمنح السلطة، وحتى إذا لم توجد هذه الشروط فقد يظل من المبرر أخلاقياً ممارسة القوة القسرية رغما عن هذا، وذلك إذا تم الأمر على الأقل بطريقة تعزز ظهور الظروف التي يمكن أن توجد في ظلها الممارسة المشروعة للإكراه.
وفي الحالات المتطرفة، يشبه الاستبداد حالة الفوضى العنيفة إلى درجة كافية لجعلنا نستنتج أن ذات الاستنتاج ينطبق عليه أيضاً، فإذا كان بوسع مجموعة من الفاعلين أن تضع حداً لمثل هذا الاستبداد وتؤسس لنظام عادل بالحد الأدنى يمكن للجميع فيه أن يتمتعوا بالأمن المادي، وإذا التزمت بالقيام بذلك بأقل الوسائل قسراً مع مراعاة المبادئ الأساسية للعدالة، والتزمت أيضاً بالمساعدة في تهيئة الظروف التي يمكن بموجبها أن تصبح ممارسة القوة القسرية مشروعة أو مسموح بها بشكل قانوني بحق، فإنه يبدو أن من المبرر أخلاقيا لهؤلاء الفاعلين شن وقيادة حرب ثورية في سبيل خلق ظروف كهذه.
وسواء أكان هذا النوع من الحجج التي تؤيد التخلي عن الالتزام المطلق بمبدأ السلطة الشرعية في حالة الحروب الثورية مقنعاً، فإنه يبدو أنه يتمتع بالقدر الكافي من المعقولية الأولية لإثارة التساؤل حول الافتراض القائل بأنه في حال كانت السلطة الشرعية شرطاً للحروب العادلة بين الدول، فإنها ستكون كذلك بالنسبة للحروب الثورية في جميع الحالات. إن إحدى القضايا المركزية في النظرية الشاملة للحرب الثورية العادلة هي ما إذا كان متطلب الحصول على سلطة شرعية لشن وقيادة النضالات الثورية المسلحة متطلبا صالحاً دون قيد أو شرط، إذا كانت الإجابة هي نعم، فإن هذا يعني أن بدء الحرب الثورية نادراً ما سيكون مبررا أو ربما لن يكون كذلك على الإطلاق.
ولكن هذا لا يعني أن الانضمام إلى القتال بمجرد انطلاقه يعد غير مبرر، إذا كانت المبادرة في شن الصراع غير مبررة (بوكانان 2013). إن أمر ما إذا كان من المبرر أخلاقيا للأفراد المختلفين الانضمام إلى المجهود الحربي، يعتمد على ما إذا كان لديهم أسباب أخلاقية مقبولة للقيام بذلك، وليس على أخلاقية أو عدم أخلاقية الافعال التي اتخذها الآخرون للمبادرة في شن الصراع. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الاقتراح السابق بأن “أخلاق الحرب الثورية” يجب أن تقسم إلى أخلاقيات الأطراف المختلفة يصبح مبرراً، وعندها سيكون مُبرر بدء الثورة مختلفاً عن مُبرر الانضمام إلى الثورة. إن هذه النقطة لا تقتصر على الحروب الثورية، مع أنها قد تكون أكثر أهمية في حالتها في حال كان من الصعب بشكل عام تبرير بدء الحروب الثورية مقارنة ببعض الحروب بين الدول، وخاصة حروب الدفاع عن النفس أو الدفاع عن الآخرين ضد العدوان.
هناك عدة أسباب، كما ذكرنا من قبل، تجعل من الصعب بشكل خاص تبرير الحروب الثورية، إن أكثرها وضوحاً -كما ذكرنا في القسم الثالث- يتمثل في أن هناك العديد من الطرق التي قد تؤدي إلى إحباط هدف الحروب الثورية والمتمثل في إقامة نظام سياسي أكثر عدالة، وبالتالي قد يكون من الصعب تلبية شرط الاحتمال المعقول للنجاح. وهناك مشكلة أخرى تتمثل في صعوبة تحديد ما إذا كان شرط التناسب قد تم تحقيقه، إن بعض القضايا الأخلاقية الأكثر إثارة للمشقة في مسألة الحرب الثورية تنشأ عندما يحاول المرء تطبيق شرط الحرب العادلة النموذجي المتمثل في التناسب كشرط ضروري لبدء حرب ثورية مبررة.
ومن بين القضايا المطروحة هي مسألة ما إذا كانت الثورات العنيفة ضد “الأنظمة الأقل استبدادا” يمكن أن تكون متناسبة. ذلك أن “الأنظمة الأكثر استبدادا” تنخرط في انتهاكات واسعة النطاق لحق الأمن المادي، فتقتل وتشوه، أو تستعبد شعوبها حرفياً. إن “الأنظمة الأقل استبدادا” تمتنع عن القيام بهذه الأفعال، ولكنها تنتهك حقوقًا أخرى مهمة، بما فيها الحق في الحكم الديمقراطي وعدة حقوق مدنية وسياسية أخرى كالحق في حريات الاعتقاد والتعبير والتجمع.
وقد زعم بعض المنظرين أنه من غير المبرر شن حرب ضد أي طرف، سواء أكان القوات المسلحة لدولة أخرى أو حكومة الشخص التي تمارس “مجرد استبداد أقل مستوى”، لأن القوة المدمرة لا تتناسب إلا عندما تُستخدم لمكافحة الاستخدام الخاطئ للقوة المدمرة (أو لتجنب العبودية). وعلى سبيل المثال، يزعم ديفيد رودين (2003) أنه من الخطأ أن يستخدم شعب دولة ما القوة المدمرة لمقاومة غزو دولة أخرى كان قادتها عازمون فقط على فرض “استبداد أقل”، وبعبارة أخرى فإنه ينكر أن حق الدفاع عن النفس يمكن أن يبرر العنف ضد من قام بغزو برغبة في تدمير سيادة أمة “فحسب”، بل إنه يذهب إلى حد القول بأنه إذا قام فرد ما بغزو منزل المرء وكان لدى المرء سبب للاعتقاد بأنه إذا قاوم الغزو فإن الغازي سيستخدم القوة المدمرة، مما يُفعل حق المرء في استخدام القوة المدمرة للدفاع عن نفسه وعائلته، فإنه يجب عليه الاختباء من الغازي من أجل تجنب هذا التصعيد. ويزعم جيف ماكماهان (1994)، على النقيض من ذلك، أنه لا يوجد واجب لتجنب مثل هذا التصعيد، وأنه حتى لو كان من غير المتناسب المبادرة إلى استخدام القوة المدمرة ضد غازٍ ينوي فقط فرض “الاستبداد الأقل”، فلن يكون من غير المتناسب الرد بالقوة المدمرة على غازٍ وجه “تهديدًا مشروطًا” باستخدام القوة المدمرة أي أكد أنه سيستخدمها ردًا على أي شكل من أشكال المقاومة، بما في ذلك المقاومة اللاعنفية (فرو ولازار 2017). ويؤكد ماكماهان أيضًا أنه لا ينبغي للمرء أن ينتظر حتى يصبح “التهديد المشروط” للغزاة وشيكًا قبل استخدام القوة المدمرة لمواجهته إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للتأكد من سلامته (ماكماهان 1994). ويتفق فينلي (2015) مع استنتاج ماكماهان ويطبقه صراحةً على حالة الحروب الثورية، معتبرًا أنه من المبرر شن حرب ثورية ضد نظام لا يعدو كونه “استبداد أقل مستوى” إذا استجاب هذا النظام بالقوة المدمرة للمقاومة اللاعنفية، ويمكن تعزيز القضية التي طورها ماكماهان وفينلي ضد وجهة نظر رودين الصارمة، من خلال ملاحظة أنه في ظل النظام الدولي القائم فإن القاعدة التي تسمح بشن حرب لمنع فقدان السيادة- على الأقل في حالة البلدان الديمقراطية والمحترمة للحقوق بشكل معقول- تعد منطقية لأن الدولة هي المكان الأساسي لإقامة العدالة الأساسية وحماية حقوق الإنسان.
ومع ذلك، يشترك رودين وماكماهان وفينلاي في افتراضين يعدان موضع تساؤل. الأول يتمثل في أن استخدام القوة المدمرة لا يكون متناسبًا إلا إذا تم استخدامه ضد قوة مدمرة (أو ربما ضد الاستعباد أيضًا)؛ والثاني هو أن تقييم التناسب يجب أن يشمل فقط الأضرار التي تلحق بالأشخاص المتضررين بشكل مباشر. وضد الافتراض الأول زعم ماتياس إيزر (2017) أن احترام الحقوق المدنية والسياسية لا يخدم فقط حماية المصالح المهمة، بل له وظيفة تعبيرية كذلك تتمثل في الاعتراف علنًا بالوضع الأخلاقي الأساسي المتساوي. ونظرًا للأهمية الأخلاقية الأساسية لمثل هذا الاعتراف، فإن انتهاك هذه الحقوق -على الأقل عندما تكون سمة من سمات البنية الأساسية للمجتمع- بإمكانه أن يبرر الثورة العنيفة (إيزر 2017: 208-214)، وبعبارة أخرى، فإن أولئك الذين رأوا أن التناسب يحظر الحرب الثورية ضد “الاستبداد الأقل مستوى” قد فشلوا في إدراك أن المصلحة في الاعتراف بامتلاك المساواة من حيث المكانة الأخلاقية الأساسية -وليس فقط المصلحة في الأمن المادي أو تجنب العبودية- لها أهمية أخلاقية تبرر استخدام القوة المدمرة كملاذ أخير.
إن الافتراض الإشكالي الثاني الذي يشترك فيه رودين وماكماهان وفينلاي في مناقشاتهم للتناسب هو أن الأضرار التي تلحق بالأطراف المتضررة بشكل مباشر هي وحدها التي تهم. ولكن الحرب الثورية ضد “الاستبداد الأقل مستوى” قد تكون متناسبة إذا تمت موازنة الضرر الذي ستلحقه الثورة بالأبرياء، ليس فقط مقابل الضرر الذي يلحقه الاستبداد بالجيل الحالي من الناس، بل بمقابله عندما يقترن بالضرر الذي سيلحق بالأجيال القادمة إذا لم يتم الإطاحة بالاستبداد. وبطبيعة الحال، يحاول الثوار في كثير من الأحيان تبرير العنف الذي سينتج عن سلوكهم بالقول إنه سيتم تعويضه بالفوائد المكتسبة أو الضرر الذي سيتجنبه الكثير من الناس في المستقبل.
هناك طريقة أخرى يمكن من خلالها توسيع فئة الأضرار التي ينبغي النظر فيها في تقييمات التناسب، بحيث يكمن أن تشمل أيضاً التأثيرات المترتبة على الحرب الثورية ضد “الطغيان الأقل” فيما يتعلق بالامتثال للأعراف الصحيحة. لنفترض أن المعيار الصحيح هو أن الحكومات لا ينبغي لها أن تكون مستبدة، وعليها أن تمتنع عن القتل والتشويه والاستعباد، بل عليها أيضاً احترام الحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك على وجه الخصوص الحق في الحكم الديمقراطي، وذلك في المقام الأول لأن الحق في الأمن المادي يتحقق على أفضل وجه في الديمقراطيات، ولنفترض أيضاً أنه بسبب ضعف المؤسسات الدولية، فإن أفضل احتمال لفرض عرف الحكم الصالح هو التهديد بالثورة ضد الحكومات التي تنتهك هذا العرف، فإنه في ظل هذه الظروف سيكون من الإشكال أن نقتصر في تقييمات التناسب على الأضرار المباشرة الفورية، متجاهلين التأثيرات على فرض أعراف العدالة المهمة. إن أغلب الناقشات المعاصرة حول التناسب تتجاهل إمكانية تبرير العنف في سبيل فرض القواعد، لأنها تتوسع في الحديث عن الحدس الذي يحفزه النظر في حالات منفردة ينظر إليها بمعزل عن غيرها، بدلاً من الأخذ في الاعتبار تأثير أفعال معينة على أنماط السلوك التي تستمر مع مرور الوقت (فابر 2012، رودين 2011) وحيث أنها تتجاهل المؤسسات إلى حد كبير، فإنها لا تأخذ في الاعتبار متطلبات إنفاذ القواعد الدولية الفعالة في ظل الظروف التي تكون فيها المؤسسات الدولية المسؤولة عن إنفاذ القواعد ضعيفة.
إن أولئك الذين يستبعدون التأثيرات التي ستلحق الأجيال القادمة وتلحق إنفاذ القواعد من تقيمات النسبية قد يردون بأنه حتى لو كان من المنطقي من حيث المبدأ أن نأخذ في الاعتبار مثل هذه التأثيرات الأوسع نطاقاً، فإن أي محاولة للقيام بذلك عمليا ستتطلب حسابات صعبة للغاية وعرضة للخطأ، بحيث ينبغي لمتطلب التناسب بوصفه مبدأ لتوجيه الفعل، أن يفسر الأضرار على نحو أضيق. إن هذا الرد غير مقنع في الوقت الحالي لأنه يفترض دون جدال أن مخاطر الخطأ أو الإساءة المترتبة على التفسير الأوسع للأضرار ذات الصلة بالتناسب تفوق وزنا بشكل واضح الخطأ الظاهر المتمثل في تجاهل ما يبدو أنه فئات كاملة من الأضرار ذات الصلة الأخلاقية.
ثمة طريقة أخرى يمكن من خلالها للقدرة المؤسسية أن تؤثر على التناسب، فإذا اشترطت المؤسسات الدولية أو الإقليمية على التدخل الفعال لدعم الثورات العادلة، فإن مخاطر الثورات الفاشلة أو الفاسدة والفوضى العنيفة التي تدفع بعض المنظرين إلى إنكار إمكانية تبرير الثورة سوف تُخفف، وكنتيجة لهذا سيمكن للانخراط في الثورة أن يلبي متطلب التناسب. إن من الواضح مرة أخرى أن صحة نظرية الحرب الثورية العادلة تعتمد على صحة الافتراضات التجريبية حول القدرة المؤسسية، ومن المؤسف أن العديد من منظري أخلاقيات الصراع المسلح إما يتجاهلون قضايا القدرة المؤسسية أو يفترضون أن ضآلة الموارد المؤسسية الحالية لا يمكن علاجها.
حتى الآن كانت التعقيدات الأخلاقية لقانون البدء العادل للحرب الثورية هي محور النقاش، مع التأكيد بشكل خاص على صعوبة تلبية متطلبات السلطة الشرعية والتناسب. إن عنصر قانون اللجوء العادل للحرب في نظرية الحرب الثورية العادلة يعد معقدا من الناحية الأخلاقية كذلك. والقضية الرئيسية التي ينبغي لنظرية أخلاقيات الحرب الثورية أن تتناولها هي ما إذا كانت المعايير المقبولة على نطاق واسع لقانون اللجوء العادل للحرب تنطبق دون استثناء على الحرب التي شنت من قبل الثوار، أو ما إذا كان يُسمح للثوريين أخلاقياً القيام بأعمال حربية يُحظر على العسكريين في الدول القيام بها عادةً. إن هذه ليست قضية نظرية فحسب إذ انخرط المقاتلون الثوريون في كثير من الأحيان في أشكال مختلفة من الحرب “غير النظامية” التي تثير مشاكل أخلاقية، فقد قاموا باغتيال القادة المدنيين وغيرهم من المدنيين كالبيروقراطيين والقضاة، وهاجموا قوات النظام أثناء ارتداء ملابس مدنية (أي لم يرتدوا الزي الرسمي أو الشارات كما تقتضي قوانين الحرب ولم يحملوا الأسلحة علناً)، وانخرطوا في الإرهاب، فقتلوا أفراداً ليس لديهم أي صلة واضحة بالنظام من خلال تفجير القنابل في الأماكن العامة عن عمد.[9] وعلاوة على ذلك، فإنه ومن أجل حشد الناس للانضمام إلى الثورة أو ردعهم عن مساعدة النظام في قمعها، انخرطوا في أعمال إرهابية ضد المضطهدين.
إن المنظرين المعاصرين الذين تناولوا أخلاقيات الحرب غير النظامية قد زعموا بأن الإرهاب سواء كان هدفه إقناع النظام بالاستسلام، أو إجبار المضطهدين على الانضمام إلى الثورة أو عدم دعم النظام، يعد غير مسموح أخلاقياً. بينما تتعلق معظم الخلافات بما إذا كانت أي أو كل أشكال الحرب غير النظامية الأخرى مسموح بها، وإذا كان الأمر كذلك ففي أي الظروف يكون مسموحا. وقد جادل مؤلف هذا المدخل(بوكانان 2013) بأنه حتى وإن كان الارهاب المرتكب ضد المضطهدين من السكان غير مبرر، إلا أن بعض أشكال الإكراه قد يسمح بها، كما هو الحال عندما يتم تجنيد المقاتلين الثوريين من خلال التهديد بعقوبات كمصادرة الممتلكات أو ربما الحبس حتى أو وضع قيود أقل على الحرية. إن المبرر الأكثر ترجيحًا لمثل هذه الأساليب من التعبئة القسرية سيؤطر لأهداف الثورة بأنها شؤون عامة ذات أهمية أخلاقية استثنائية ويقدم الإكراه كحل لمشكلة العمل الجماعي. إن إمكان تبرير التعبئة القسرية يتوقف على عاملين على الأقل، أحدهما يتمثل فيما إذا كانت أشكال الإكراه المستخدمة ضرورية، وما إذا كانت الأقل تقييدًا بين البدائل الفعّالة، والعامل الآخر يشير الى ما إذا كانت أعباء الإكراه موزعة بشكل عادل (فينلي 2015: 87-124).
إن أولئك الذين يزعمون أنه يجوز للثوار استهداف المدنيين، يميلون إلى القول بأن المدنيين الذين يساهمون بطريقة مهمة في الأنشطة القمعية للنظام هم فقط الذين يقعون خارج نطاق حماية عرف قانون اللجوء العادل للحرب المتعلق بالتمييز. إن الفكرة الأساسية هنا، كما يقول فينلي، تتعلق بتبرير أفعال كهذه مثل استهداف الأفراد الذين من المحتمل أخلاقياً أن يُقتلوا لأنهم ليسوا أبرياء من الناحية الاخلاقية، ذلك أنهم مساهمون نشطون ومهمون في الظلم العنيف الذي يرتكبه النظام (فينلي 2015: 55-86، 217-218). لكن ما يعتبر مساهمة مهمة يعد أمرا غير واضح ومثير للجدال، فعلى سبيل المثال من الواضح أن المزارع الذي يزود الشرطة السرية للنظام المستبد بالطعام أو يصلح المركبات التي يستخدمونها لملاحقة المعارضين يساهم في أعمال النهب التي يرتكبونها، ولكن من غير الواضح ما إذا كان هذا النوع من المساهمة يجعله عرضة لهجوم مميت أو مدمر (فابر 2009، فروي 2014).
إن المجموعة الثانية من قضايا قانون السلوك العادل للحرب الثورية تتعلق بجواز انخراط المقاتلين الثوريين في “حرب العصابات” ـ وذلك بعدم ارتداء زي رسمي أو شارات أو حمل الأسلحة علناً أو القيام بكل ما سبق ثم تغيير ملابسهم إلى ملابس مدنية فور وقوع الهجوم حتى يتسنى لهم الاندماج بين السكان. إن أولئك الذين يزعمون أن مثل هذه الأفعال مسموح بها يستشهدون عادة بالعدالة، إن الفكرة هنا هي أن الثوار – على الأقل في المراحل الأولى من نضالهم- يكونون في وضع غير مؤاتٍ لحد كبير في مقابل القوات الحكومية، وهم غير مسؤولين عن هذا الوضع، كما لا ينبغي للثوار أن يرتقبوا من ذلك أن يجعل نضالهم ضد نظام ظالم بشكل خطير نضالا غير ناجح. إن الثوار عادة ما يكونون أقل تسليحاً وأقل إمكانية في القدرات اللوجستية، وليس لديهم مناطق آمنة خلف خطوط الجبهة تمكنهم من إعادة تجميع صفوفهم وإعادة التجهز وإلامداد وذلك لأنه لا توجد خطوط معركة على طراز تلك الموجودة في الحروب التقليدية، وعندما يواجهون استبدادًا لا يرحم فمن غير المرجح أن يلتزم خصومهم بأعراف قانون الحرب. ويؤكد فينلي أنه إذا تم شن هذه الأشكال من “حرب العصابات” للدفاع عن الأبرياء ضد الأذى غير المشروع الذي يلحق بهم من قبل النظام، فيجب النظر إليها باعتبارها جهودًا مبررة لحماية الأفراد الأبرياء أخلاقيًا وهو ما يشكل الأساس المنطقي لمعيار التمييز (فينلي 2015: 55-86، 217-218)
إن الحجة ضد جواز “حرب العصابات” هي أن شرط الزي الرسمي والشارات يسهل الامتثال بشكل أفضل لمعيار التمييز، مما يجعل من الأسهل على قوات النظام الامتناع عن قتل غير المقاتلين. إن هذه الحجة تعد محدودة القوة إذا كان من المرجح أن ينتهك النظام معيار التمييز على أي حال ذلك أنه من غير المرجح أن الاستبداد الذي ينتهك حقوق الإنسان الأساسية بشكل روتيني وقت السلم سيصبح يقظ الضمير في استعمال القوة في صراع ثوري (ميسلز 2008).
5- الخاتمة
إن موضوع الثورة يمثل مجالاً خصباً وصعباً للنظرية الأخلاقية والأخلاق التطبيقية أو العملية وهو مجال لا يزال يتعين إنجاز الجزء الأعظم من التفكير المنهجي فيه. إن الثورات العنيفة عادة ما تمثل القضايا الأخلاقية الأكثر جدية وصعوبة، وحتى وقت قريب، لم تمنح الكتابات الممتازة التي قامت بها نظريات الحرب العادلة المعاصرة للمشاكل الأخلاقية الغريبة التي تنطوي عليها الحرب الثورية الاهتمام الذي تستحقه، لكن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذا النقص سوف يُعالَج. ولأن نجاح الثورة قد يعتمد على ما إذا كان هناك تدخل لدعمها، فإن النظرية الشاملة لأخلاق الثورة لا بد وأن تتفق مع نظرية أخلاق التدخل (بوكانان 2016). وهناك موضوع آخر لا بد وأن تتناوله النظرية الشاملة للحرب الثورية العادلة وهو التقييم الأخلاقي لعدم التماثل في القانون الدولي للصراع المسلح فيما يتصل بحقوق المقاتلين الذين يعملون نيابة عن الدول والمقاتلين الثوريين. إن قانون الصراع المسلح يكلف المقاتلين الثوريين بنفس الواجبات القانونية التي يفرضها على الدول، ولكنه يمنحهم مجموعة حقوق قانونية أقل بكثير.
الملاحظات
1. تناول كل من سيسيل فابر (2012)، وستيفن لي (2012)، وألين بوكانان (1979، 2006، 2013) بعض القضايا المهمة المتعلقة بالحرب الثورية العادلة، لكن لم يقدم أي منهم وصفاً شاملاً.
2. إن كتاب نيد دوبوس القيم “التمرد والتدخل: وجهان للسيادة” (2011)، يعد خطوة نحو الأمام في معالجة موضوع أخلاقيات الثورة الذي تم إهماله، وهو أضيق نطاقاً من عمل فينلي لأنه يركز على مسألة ما إذا كانت نفس الظروف التي تبرر الثورة يمكن أن تبرر التدخل أيضاً.
3. يمكن أن يحدث الانشقاق عبر عمليات دستورية، ولكن هذا أمر نادر للغاية، ففي معظم الحالات يكون الانشقاق ظاهرة غير دستورية.
4. إن الرفض الشامل للسلطة الحكومية القائمة وتدميرها -وهو هدف الأناركيين- يمكن اعتباره ثورة بالمعنى الواسع، لأن الهدف سيكون إقامة ترتيب اجتماعي جديد بدون الدولة، وهو تغيير جذري.
5. الجزائر لم تكن مستعمرة، بل كانت قسمًا من فرنسا.
6. انظر-على سبيل المثال- إيريكا شينويث وماريا ستيفن: لماذا تنجح المقاومة المدنية: المنطق الاستراتيجي للصراع اللاعنفي (نيويورك: مطبعة جامعة كولومبيا، 2011).
7. إذا كانت النتيجة النهائية للتحول الجذري الحتمي المفترض للمجتمع، ليست شكلًا جديدًا ومختلفًا جوهريًا للحكم، بل شكلًا من أشكال المجتمع يتجاوز الدولة، فإن ما يسمى بالثورة البروليتارية يمكن وصفها بدقة أكبر بالقول أنها تمرد بروليتاري. ولكن إذا كانت هناك مرحلة أولية في النضال، وهي دكتاتورية البروليتاريا والتي يُفهَم أنها تعني سيطرة البروليتاريا على جهاز الدولة، فمن الصحيح أن نقول أن هذه ثورة، ولكن سيتبعها تحول أكثر جوهرية لا يعد تغييراً في نوع الحكومة.
8. إن أولئك الذين يبادرون إلى شن الحرب الثورية أو يحاولون القيام بذلك هم أقلية في العادة لذا يحاولون قيادة الآخرين في حرب ثورية، والتي يُفهَم أنها تنطوي على محاولة واسعة النطاق للإطاحة بالحكومة بالعنف وتتطلب تطوير استراتيجيات وتكتيكات يتطلب تنفيذها جهوداً جماعية منسقة، وفي بعض الأحيان يمكن أن يقوم بالعنف الثوري أفراد لا يطمحون إلى منصب القيادة في الحرب الثورية، كما هو الحال عندما يندلع العنف بشكل عفوي ولا يُنظَر إليه باعتباره جزءاً من خطة للحرب.
9. يسمح البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 للمقاتلين الثوريين بارتداء ملابس مدنية وإخفاء أسلحتهم عندما لا ينتشرون للقيام بعمل عسكري أو يشاركون فيه، ولكنه لا يسمح لهم باستخدام المظهر المدني لأغراض التربص أو تشكيل كمين، وهو ما يُعرف بأنه غدر (القسم الثاني، المادة 44).
الببلوغرافيا
- St. Augustine, City of God (De civitate Dei), Henry Bettenson (trans.), John O’Meara (introduction), London: Penguin, 1972.
- Aquinas, Thomas, Summa theologiae (Section IIaIIae 42: On Sedition), in Aquinas: Political Writings (Cambridge Texts in the History of Political Thought), R.W. Dyson (ed.), New York: Cambridge University Press, 2002.
- Biggar, Nigel, 2013, “Christian Just War Reasoning and Two Cases of Rebellion: Ireland 1916–1921 and Syria 2011–Present”, Ethics & International Affairs, 27(4): 393–400. doi:10.1017/S089267941300035X
- Buchanan, Allen, 1979, “Revolutionary Motivation and Rationality”, Philosophy & Public Affairs, 9(1): 59–82.
- –––, 1982, Marx and Justice: The Radical Critique of Liberalism, London: Methuen.
- –––, 2006, “Institutionalizing the Just War”, Philosophy & Public Affairs 34(1): 2–38. doi:10.1111/j.1088-4963.2006.00051.x
- –––, 2013, “The Ethics of Revolution and Its Implications for the Ethics of Intervention”, Philosophy & Public Affairs, 41(4): 291–323. doi:10.1111/papa.12021
- –––, 2015, “A Richer Jus ad Bellum”, in Lazar and Frowe 2015: .
- –––, 2016, “Self-Determination, Revolution, and Intervention”, Ethics, 126(2): 447–473. doi:10.1086/683639
- Chenoweth, Erica and Maria J. Stephan, 2011, Why Civil Resistance Works: The Strategic Logic of Nonviolent Conflict, New York: Columbia University Press.
- Cohen, G.A., 1978, Karl Marx’s Theory of History: A Defence, Princeton, NJ: Princeton University Press.
- Davis, Ryan W., 2004, “Is Revolution Morally Revolting?”, The Journal of Value Inquiry, 38(4): 561–568. doi:10.1007/s10790-005-7254-y
- Dobos, Ned, 2011, Insurrection and Intervention: The Two Faces of Sovereignty, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9781139049214
- Engels, Friedrich, [1880] 1892, Socialism: Utopian and Scientific, Edward Aveling (trans.). [Engels [1880] 1892 available online]
- Elster, Jon, 1985, Making Sense of Marx, Cambridge University Press.
- Fabre, Cécile, 2009, “Guns, Food, and Liability to Attack in War”, Ethics, 120(1): 36–63. doi:10.1086/649218
- –––, 2012, Cosmopolitan War, Oxford: Oxford University Press.
- Finlay, Christopher J., 2006, “Violence and Revolutionary Subjectivity: Marx to Žižek”, European Journal of Political Theory, 5(4): 373–397. doi:10.1177/1474885106067277
- –––, 2015, Terrorism and the Right to Resist: A Theory of Just Revolutionary War, Cambridge: Cambridge University Press.
- Flikschuh, Katrin, 2008, “Reason, Right, and Revolution: Kant and Locke”, Philosophy & Public Affairs 36(4): 375–404. doi:10.1111/j.1088-4963.2008.00146.x
- Frowe, Helen, 2014, Defensive Killing, Oxford: Oxford University Press.
- Frowe, Helen and Seth Lazar (eds.), 2017, The Oxford Handbook of Ethics of War, Oxford: Oxford University Press. doi:0.1093/oxfordhb/9780199943418.001.0001
- Gross, Michael, 2010, Moral Dilemmas of Modern War: Torture, Assassination, and Blackmail in an Age of Asymmetric Conflict, Cambridge: Cambridge University Press.
- Hill, Thomas E., 2002, “Questions About Kant’s Opposition to Revolution”, The Journal of Value Inquiry, 36(2–3): 293–298. doi:10.1023/A:1016156620402
- Hobbes, Thomas, [1651] 1994, Leviathan, Edwin Curley (ed.), Indianapolis, IN: Hackett.
- Iser, Mattias, 2017, “Beyond the Paradigm of Self-Defense? On Revolutionary Violence”, in The Ethics of War: Essays, Saba Bazargan and Samuel C. Rickless (eds.), Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199376148.003.0010
- Jenkins, Brian Michael, 2014, “The Dynamics of Syria’s Civil War”, Santa Monica, CA: RAND Corporation, PE-115-RC. URL = <http://www.rand.org/pubs/perspectives/PE115.html>
- Jennings, Francis, 2000, The Creation of America: Through Revolution to Empire, Cambridge: Cambridge University Press.
- Johnson, James Turner, 2013, “Ad Fontes: The Question of Rebellion and Moral Tradition on the Use of Force”, Ethics & International Affairs, 27(4): 371–378. doi:10.1017/S0892679413000336
- Jones, Daniel M., Stuart A.Bremer, and J. David Singer, 1996, “Militarized Interstate Disputes, 1816–1992: Rationale, Coding Rules, and Empirical Patterns”, Conflict Management and Peace Science, 15(2): 163–213.
- Kalyvas, Stathis N., 2006, The Logic of Violence in Civil War, Cambridge University Press.
- Kant, Immanuel, 1797, Metaphysics of Morals (Die Metaphysik der Sitten) in Practical Philosophy, Mary Gregor (trans.), Cambridge University Press, 1996.
- Kelsay, John, 2013, “Muslim Discourse on Rebellion”, Ethics & International Affairs, 27(4): 379–391. doi:10.1017/S0892679413000348
- Korsgaard, Christine, 2008, “Taking the Law into our own Hands: Kant on the Right to Revolution”, in Reclaiming the History of Ethics: Essays for John Rawls, Andrews Reath, Barbara Herman, and Christine M. Korsgaard (eds.), Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511527258.012
- Lee, Steven P., 2012, Ethics and War: An Introduction, Cambridge: Cambridge University Press.
- Locke, John, 1689, Second Treatise of Government: An Essay Concerning the True Original, Extent and End of Civil Government, Richard H. Cox (ed.), Arlington Heights, IL: H. Davidson, 1982.
- Marx, Karl and Friedrich Engels, 1978 [MER], The Marx-Engels Reader, Robert Tucker (ed.), New York: W.V. Norton. 2nd edition.
- McMahan, Jeff, 1994, “Innocence, Self-Defense and Killing in War”, Journal of Political Philosophy, 2(3): 193–22. doi:10.1111/j.1467-9760.1994.tb00021.x
- –––, 2014, “What Rights May Be Defended by Means of War?” in The Morality of Defensive War, Cécile Fabre and Seth Lazar (eds.), Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199682836.001.0001
- Meisels, Tamar, 2008, The Trouble with Terror: Liberty, Security, and the Response to Terrorism, Cambridge: Cambridge University Press.
- Morkevicius, Valerie, 2013, “Why We Need a Just Rebellion Theory”, Ethics & International Affairs, 27(4): 401–411. doi:10.1017/S0892679413000440
- Nash, Gary B., 2005, The Unknown American Revolution: The Unruly Birth of Democracy and The Struggle to Create America, New York: Viking.
- Rodin, David, 2003, War and Self-Defense, Oxford: Oxford University Press.
- –––, 2011, “Justifying Harm”, Ethics, 122(1): 74–110. doi:10.1086/662295
- Simmons, A. John, 1979, Moral Principles and Political Obligations, Princeton, NJ: Princeton University Press.
- Singer, J. David and Melvin Small, 1994, “Correlates of War Project: International and Civil War Data, 1916-1992,” Inter-University Consortium For Political And Social Research (ICPSR), Institute For Social Research, University Of Michigan, available online.
- Smith, Matthew Noah, 2008, “Rethinking Sovereignty, Rethinking Revolution”, Philosophy & Public Affairs 36(4): 405–440. doi:10.1111/j.1088-4963.2008.00147.x
- Suárez, Francisco, [1609] 2006, “Justice, Charity, and War” (Opus de triplici virtute theologica fide, spe & charitate), in The Ethics of War: Classical and Contemporary Readings, Gregory M. Reichberg, Henrik Syse, and Endre Begby (eds.), Oxford: Blackwell, chapter 29.
- Wagner, R. Harrison, 2000, “Bargaining and War”, American Journal of Political Science, 44(3): 469–484. doi:10.2307/2669259
- Weinstein, Jeremy M., 2007, Inside Rebellion: The Politics of Insurgent Violence, Cambridge: Cambridge University Press.
- Wittman, Donald, 1979, “How a War Ends: A Rational Model Approach”, Journal of Conflict Resolution, 23(4): 743–763. doi:10.1177/002200277902300408
- Wood, Gordon S., 1993, The Radicalism of the American Revolution, New York: Vintage.
- Zinn, Howard, 1980, A People’s History of the United States, New York: Harper & Row.
أداوت أكاديمية
How to cite this entry. Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO). Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.
مصادر أخرى على الإنترنت
مداخل ذات صلة
Aquinas, Thomas | Augustine of Hippo | Hobbes, Thomas | Kant, Immanuel | Locke, John | socialism | Suárez, Francisco | war