الكاتب | أندرو فيلا |
ترجمة | وليام عوطة |
تحميل | نسخة PDF |
حول اللاسلطوية (أناركية) في الفلسفة السياسية والنشاط السياسي، وحول أنواع اللاسلطوية (أناركية) ؛ نص مترجم للـد. أندرو فيلا، والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.
ما هي اللاسلطوية؟
جدول المحتويات
1. تنوعيات اللاسلطوية
توجد أشكال متنوعة من اللاسلطوية (أناركية). ما يوحّد هذا التنويع هو النقد العام للسلطان و السلطة المركزيين و التراتبيين. أخذًا بالإعتبار أن السلطة، المركزة، و التراتبية تظهر بمظاهر و خطابات عديدة ، على شكل مؤسسات و ممارسات مختلفة، فليس من المفاجىء أن النقد الاناركي طُبِّق في صيَغ متعددة.
1.1 اللاسلطوية السياسية
تُفهَم اللاسلطوية (أناركية) في المقام الأول كنظرية تشكك في الشرعية السياسية. يُشتق المصطلح أناركيا من نفي المصطلح الاغريقي آركي arché، و الّذي يعني المبدأ الأول، الأساس أو السلطان الحاكمة. الفوضوية Anarchy هي بالتالي الحكم من قبل لا أحد أو لاحكم. يحاجج البعض أن اللاحكم يتحقق حيث الكل يحكم – عبر التوافق أو الإجماع موفّرًا بذلك هدفًا تفاؤليًّا. يركّز اللاسلطويون السياسيون نقدهم على سلطان الدولة، منظورًا اليها كسلطة ممركزة، إحتكارية، قمعية و أيضًا غير شرعية. لذلك، وجّه اللاسلطويون سهام نقدهم إلى “الدولة”؛ فهذا باكونين يقدّم مثلاً تاريخيًا نموذجيًا ، قائلاً: “منى كانت الدولة نجد هيمنة طبقة على أخرى، وبالنتيجة عبودية؛ لا يمكن التفكير بالدولة من دون العبودية – ولهذا السبب نحن أعداء الدولة”(Bakunin 1873 [1990: 178]) . ونجدُ عند جيرار كايسي [الأكاديمي اللاسلطوي الايرلندي] مثلاً أكثر جِدّة ، إذ يقول :” الدول تنظيمات اجرامية. كل الدول، وليس فقط تلك القمعية أو الشمولية”.(Casey 2012: 1.
يصعب الدفاع عن هذه التعميمات الجامحة؛ و لهذا السبب، تواجه اللاسلطوية (أناركية) من حيث هي فلسفة سياسية تحديّ التحديد، طالما تمّ تنظيم الدول بصيَغ عديدة. إنّ السلطان السياسي ليس احتكاريًا، و السيادة مسألة معقّدة تتضمن توزيعات و تقسيمات للسلطان. see Fiala 2015.. زد على ذلك، يحدث السياق التاريخي و الايديولوجي للنقد اللاسلطويّ فرقًا في مضمون النقد اللاسلطويّ السياسيّ. أصلاً، كان باكونين في وارد الرد على النظرية الماركسية و الهيجيلية للدولة، متقدّمًا بنقده من قلب الحركة الاشتراكية العالمية [فيما] يكتب كايسي في القرن الواحد والعشرين في عصر الليبرالية و العولمة، مقدِّمًا نقده من داخل حركة الليبرتارية libertarianism المعاصرة. تورّط بعض اللاسلطويين في التعميمات الواسعة، بغيةِ نقد شاملٍ للسلطان السياسيّ، و سوف يقدّم آخرون منهم نقدًا موضَعيًا لكيان سياسيّ معطى. يواجه هؤلاء الّذين يريدون فهم اللاسلطوية تحدّيًا مستمرًا حول مدى صلاحية مختلف المقاربات الايديولوجية و التاريخية للتواجد تحت المظلة اللاسلطوية العامة. و سوف نلقي نظرة على اللاسلطوية السياسية بشكلٍ تفصيليّ لاحقًا.
2.1 اللاسلطوية الدينية
توسّع النقد اللاسلطويّ نحو رفض السلطان والتمركز اللاسياسيين. وسّع باكونين نقده مضمِّنًا الدين، محاججًا في الوقت عينه ضد الدولة و ضد وجود الله. نفى باكونين الله من حيث هو السيّد المطلق قائلاً مقولته الشهيرة :” إن كان الله موجودًا فإلغاؤه سوف يكون ضروريًا” (Bakunin 1882 [1970: 28]).. و مع ذلك، نجد نسخّا دينية من اللاسلطوية توجّه سهام النقد الى السلطان السياسيّ من موقعِ من يأخذ الدين على محمل الجدّ. بيّن راب Rapp كيف يمكن أن نجد اللاسلطوية (الأناركية) في الطاوية، و تعرّف رامنناث Ramnath على الخيوط اللاسلطوية في التصوّف الإسلاميّ، في حركات بهاكتي الهندوسية المنضوية تحت راية الجهود السيخية المناهضة لنظام الطوائف، وفي البوذية. سوف نأخذ بعين الإعتبار، لاحقًا، علاقة اللاسلطوية بغاندي، ولكننا في البدء، سوف نركّز على اللاسلطوية المسيحية.
رأى اللاسلطويون المسيحيون أنّ مملكة الربّ تقوم خلف أيّ مبدإٍ بشريّ لبنية أو نظامٍ. قدّم هؤلاء اللاسلطويون نقدًا ضد-كهنوتيّ للسلطان السياسيّ و الكنسيّ. تولوستوي مثلٌ مؤثرٌ في هذا الصدد، فقد زعم أن من واجب المسيحيين ألاّ يخضعوا للسلطان السياسيّ وأن يرفضوا قسم الولاء للسلطة السياسية (see Tolstoy 1894).. هذا وكان تولوستوي سلاميّ pacifist. وقد رأي المسيحيون اللاسلطويون السلاميون أن الدولة لاأخلاقية لا يجب دعمها لأنّها متّصلة بالسلطان العسكريّ (see Christoyannopoulos 2011). بينما نجد، في المقابل، لاسلطويين مسيحيين غير سلاميين، منهم برداييف الّذي إستند على تولوستوي في تأمّلاته حول اللاهوت المسيحيّ، واستنتج أن “مملكة الربّ لاسلطوية”(Berdyaev 1940 [1944: 148]).
ذهب اللاسلطويون المسيحيون بعيدًا حتى بنوا تشاركيات معزولة يمكنهم العيش فيها بعيدًا عن بنى الدولة. أبرز الأمثلة على ذلك هو ترانسنتداليو نيو انغلاند New England transcendentalists وعلى رأسهم وليام غاريسون و آدِن بالّو Ballou و الّذين أثّروا على تولوستوي (see Perry 1973 [1995])..ومن بين المسيحيين ذوي النزعة اللاسلطوية نجد بيتر مورِن ودوروثي داي Peter Maurin and Dorothy Day وهما من أعضاء حركة العمال الكاثوليكية. في السنوات الاخيرة، وجدت اللاسلطوية المسيحية مدافعين عنها أمثال جاك إلّول Ellul الّذي ربط بين اللاسلطوية المسيحية و النقد الاجتماعي الشامل. إضافةً لكونه مناهضًا لللحرب، قال إلّول انّ على اللاسلطوية المسيحية أن تكون مناهضة للقومية و الرأسمالية ، أخلاقية و مناهضة للديمقراطية، و ملتزمة “بإسقاط كل أشكال السلطات”. Ellul 1988 [1991: 13]). وحين سئل عمّا إن كان على اللاسلطويّ أن يصوّت أجاب ايلّول بالنفي، معتبرًا أن الفوضوية Anarchy تفيدُ ضمنًا “إحتجاجًا ضميريًا”.(Ellul 1988 [1991: 15])..
3.1 اللاسلطوية النظرية
يجد الرفض الاناركي للسلطان تطبيقاتٍ في الابستسمولوجيا و النظرية الفلسفية و الادبية. ظهر استخدامٌ ذو دلالةٍ لمصطلح اللاسلطوية (أناركية) في البراغماتية الاميركية، وقد وصف وليم جيمس نظريته الفلسفية البراغماتية بإعتبارها نوعًا من اللاسلطوية: “البراغماتي الراديكالي هو لاسلطويّ خالي البال”(James 1907 [1981: 116]).. ارتبط تعاطف جيمس مع اللاسلطوية مع نقدٍ عام للفلسفة النسقية(see Fiala 2013. ، اذ تتخلّى البراغماتية، مثلها مثل الفلسفات ما بعد الهيغيلية و الضد نسقية، عن البحث عن أصلٍ arché أو أساس.
كذلك، توجّه اللاسلطوية (الـ أناركية) نقدًا عامًا للمناهج السائدة. نجد المثال الابرز في أعمال بول فايرابند Feyerabend الّذي قدّم في كتابه ضد المنهج مثلاً عن “اللاسلطوية النظرية” في الابستيمولوجيا و فلسفة العلوم (Feyerabend 1975 [1993]). . و يشرح فايرابند : ” العلم ، بالدرجة الأولى، مؤسسة لاسلطوية: ان اللاسلطوية النظرية أكثر انسانوية و هي الأقرب الى تشجيع التقدم أكثر من بدائله الآمنة”.(Feyerabend 1975 [1993: 9]). تفيد نظريته انه لا ينبغي تقييد العلم بمبادىء تراتبية مفروضة و بقواعد صارمة متبّعة.
يمكن لما بعد البنيوية و اتجاهات في ما بعد الحداثة كما للفلسفة القارية أن تكون لاسلطوية (أناركية) (see May 1994).. إنّ ما يسمّى ” ما بعد لاسلطوية” هو خطاب حرّ التدفّق، غير ممركز يحطّم السلطان، المسائل الجوهرانية و يقوّض أنساق السلطة. وبإتبّاع أعمالٍ تفكيكية و نقدية لمؤلفين مثل دريدا و دولوز كما فوكو وآخرين، يصل نقد الـ أصل إلى مداه. بغياب الـ أصل أو الأساس يتبّقى لنا تفتّح الإحتمالات. وتجعل الاتجاهات المنبثقة في العولمة، و الفضاء المعلوماتي و ما بعد الانسانوية النقد اللاسلطويّ للدولة أكثر تعقيدًا، طالما ان الاحتفاء اللاسلطويّ التقليدي بالحرية و الاستقلالية يمكن تفحصه نقديًا و تفكيكه. (see Newman 2016).
اهتم اللاسلطويون التقليديون في المقام الاول بالنشاط السياسيّ المركّز و المعزّز و الّذي يقود الى إلغاء الدولة. يمكن رؤية الفرق بين اللاسلطوية (أناركية) التقليدية و المابعد لاسلطوية (ما بعد أناركية) حرة التدفّق في مجال الأخلاقية: تقليديًا وجهت اللاسلطوية نقدًا للسلطان الاخلاقيّ الممركز – ولكن غالبًا استند هذا النقد على مبادىء تأسيسية و قيَم تقليدية، مثل الحرية و الاستقلالية. بينما تضع ما بعد البنيوية – جنبًا الى جنب النقد الّذي عبّرت عنه بعض النسويات، ونظريات النقد العرقي و المركزية الاوروبية – [تضع] هذه القيم و المبادىء تحت المساءلة.
4.1 اللاسلطويات المطبقة
إن الاطار النقدي العام الذي يمنحه النقد اللاسلطويّ للسلطان يصلح كنظرية مفيدة أو منهجية للنقد الاجتماعي. في تكرارات حديثة، استُخدِمت اللاسلطوية (الأناركية) في نقد التراتبيات الجندرية، والعرقية وما شابه – بما يتضمن ايضًا نقد هيمنة الانسان على الطبيعة. وهكذا، تتضمن اللاسلطوية ايضًا بعض التنويعات: اللاسلطوية النسوية أو النسوية اللاسلطوية (see Kornegger 1975)، اللاسلطوية المثلية أو النظرية اللاسلطوية المثلية (see Daring et al. 2010)، اللاسلطوية الخضراء أو البيئو-لاسلطوية المتعلّقة مع اللاسلطوية الاجتماعية الايكولوجية (see Bookchin 1971 [1986]), ، و حتى اللاسلطوية الخَضرية [النباتية] أو النباتانركية (see Nocella, White, & Cudworth 2015). .
نجد في الادب الخُضُري اللاسلطويّ الوصف التالي للاسلطوية شاملة وجامعة: إنّ اللاسلطوية نظرية اجتماعية سياسية تعارض كل انساق الهيمنة و القمع كالعرقية و المقدرية [التمييز على اساس المقدرة]، الجنسانية، النزعات المضادة للمثليين (ات) و المتحولين(ات) والعابرين(ات) و المتعددين(ات) و المحايدين(ات) جنسيًا، و العمرية [التمييز على اساس العمر]، و الحجمية [على اساس الحجم]، الحكومة، المنافسة، الرأسمالية، الكولونيالية، الامبريالية و العدالة العقابية، و هي تروّج للديمقراطية المباشرة، التآزرية، الاعتمادية، العون المتبادل، التعددية، السلام، العدالة التحويلية و الإنصاف. (Nocella et al. 2015: 7).
ان لاسلطوية (أناركية) شاملة يمكنها ان تقدّم نقدًا لأي شيء و لكل شيء يملك صبغة الهيمنة و المركزية و السلطة اللامبررة. إنّ اللاسلطويين الّذين يتشاركون هذه الالتزامات المختلفة غالبًا ما يستندون الى نقدهم للسلطان عبر الانخراط في ممارسات متمردة (الحب الحرّ، العريّ، الاختلال الجندريّ ..ألخ) أو عبر تشكيل تشاركيات قصدية تعيش “خارج الشبكة” و معايير الثقافة السائدة. الحالة المتطرفة تصبح لاسلطوية بدائية أو لاسلطوية مضادة للحضارة .لقد وُجدت المجتمعات اللاسلطوية البديلة في المشاعات communes الدينية في ما قبل عصر الاصلاح الاوروبي و في الولايات المتحدة المبكرة، في التشاركيات اليوتوبية الأميركية للقرن التاسع عشر ، مشاعات الهيبي في القرن العشرين، السكوات الاناركي [anarchist squats -حركة احتلال المباني الفارغة او المهجورة]، المناطق المستقلّة مؤقتًا، و التجمعات الظرفية لمتشباهي الفكر.
أخذّا بعين الإعتبار هذا الشكل من مناهضة القانونية و اللاإمتثالية فمن السهل ان نرى إنّ اللاسلطوية (الـ أناركية) غالبًا ما تتضمن ايضًا نقدًا راديكاليًا للمعايير والمبادىء الاخلاقية التقليدية . لهذا السبب، يمكن للأخلاقية الراديكالية اللاسلطوية أن تتعارض مع ما يمكن تسميته اللاسلطوية البرجوازية ( حيث ان اللاسلطوية الراديكالية تسعى الى الانقلاب على المعايير الاجتماعية التقليدية بينما تسعى اللاسلطوية البرجوازية الى الحرية من دون السعي الى انقلابٍ كهذا). و بالرغم من ان البعض يحاجج أن اللاسلطويين أخلاقيون الى حد كبير – بفعل التزامهم بالتحرر و التضامن – فإن البعض الآخر يعترض بالقول أنّهم عدميون أخلاقيًا و يرفضون كل الاخلاقيات أو على الأقل فكرة وجود مصدر واحدٍ للسلطان الأخلاقيّ(see essays in Franks & Wilson 2010).
2. اللاسلطوية في الفلسفة السياسية
تزعم اللاسلطوية (أناركية) في الفسلفة السياسية ان لا وجود لسلطان سياسيّ أو حكومية شرعية. تشكل اللاسلطوية في الفلسفة السياسية مبحثًا على قدرٍ من الأهمية – حتّى بالنسبة الى هؤلاء الّذين ليسوا لاسلطويين – بإعتبارها حالة خلفية لاسياسية تنتظم و تتشابه و يتم بالضد منها تبرير اشكال متنوعة من التنظيمات السياسية. غالبًا ما ينظر اللاسلطويون الى اللاسلطوية بإعتبارها حالة شقية وغير مستقرة لا تحتوي على سلطان مشروع.
لا تتصل اللاسلطوية بإعتبارها فكرة فلسفية، ضرورةً، بالنشاطية العملية. و نجد لاسلطويين سياسيين يشرعون بالفعل في سبيل اسقاط ما يعتقدون انه دول غير شرعية. و غالبًا ما ترى المخيلة الشعبية اللاسلطويين عدميين ورماة قنابل، بينما اللاسلطوية الفلسفية موقف نظري. بهدف أن نقررّ من يمكنه النفاذ الى البصيرة اللاسلطوية وهل يمكن له ذلك، نحتاج الى مزيدٍ من نظريات في الفعل السياسي و الإلزام و الإمتثال ترتكز على المزيد من التفكير الإتيقي. و يشرح سيمونز أن اللاسلطويات الفلسفية لا ” تنادي بلاشرعية الدولة من أجل ان تفرض اخلاق إلزامية تعارض أو تقصي فيها الدولة”. يبقى بعض اللاسلطويين خاضعين للسلطة الحاكمة، والبعض الأخر ينتفض أو يقاوم بطرق متعددة. يرتكز سؤال الفعل على نظرية حول نوعية الانخراط السياسي الّذي يتولّد من الالتزام الفلسفي، الاخلاقي، السياسي، الديني و الجمالي.
1.2 اللاسلطوية في تاريخ الفلسفة السياسية
هناك تاريخٌ طويل لـ اللاسلطوية (أناركية) السياسية. في العالم القديم، يمكن أن نجد شكلاً من اللاسلطوية في أفكار الأبيقوريين و الكلبيين؛ و قد ذكر كروبوتكين هذا الأمر في مقاله في موسوعة 1910. و بالرغم من أنهم لم يستخدموا مصلطح اللاسلطوية، فقد تجنّب الابيقوريون و الكلبيون النشاط السياسي، و أوصوا بترك الحياة السياسية لصالح السعي الى الطمأنينة (ataraxia) و التحكّم الذاتي(autarkeai).
و قد عرف عن الكلبيين انتصارهم للكوزموبوليتانية: الحياة من دون الانطواء تحت دولة ما أو نظام شرعي، بينما تستند الشراكة بين البشر على مبادىء اخلاقية خارجة عن بنى الدولة التقليدية. قدّم ديوجين الكلبي القليل من الاحترام الى السلطة السياسي و الديني، و كانت أهم أفكاره ” تشويه العملة”، التي لم تعني فقط الغاء قيمة العملة النقدية وتحطيمها بل رفضًا عامًا لمعايير المجتمع المتحضّر (see Marshall 2010: 69) .غالبًا ما سخر ديوجين من السلطات السياسية و لم يمنحها الاحترام. بينما احتقر ديوجين، وبكل نشاط، المعايير القائمة، اشار ابيقور الى الانسحاب، ونصح بحياةٍ لا يلاحظها أحد و بتجنّب الحياة السياسية كما دعا الى مناهضة السياسة (me politeuesthai).
ان الافتراض بأن اللاسلطوية (الـ أناركية) لن تؤدي الى السعادة و الى الاستقرار يقود الى تبرير السلطة السياسية. في مقولة هوبز الشهيرة، في حالة اللادولة – اللاسلطة – في شروط “الحالة الطبيعية” سوف تكون الحياة البشرية منفردة، فقيرة، قبيحة ، همجية وقصيرة. ان العقد الاجتماعي على طريقة هوبز – كما كل نسخات العقد الاجتماعي كما وجدت لدى روسو و لوك مثلاً – هي محاولات لشرح كيف و لماذا تنشأ الحالة السياسية من الحالة الأناركية للطبيعة.
يردّ اللاسلطوين بالإدّعاء بأن الدولة تميل الى أن تولّد شكلها الخاص من التعاسة: من حيث كونها قمعية، عنيفة، فاسدة و معادية للحرية. تدور النقاشات بخصوص العقد الاجتماعي حول مسألة كون الدولة أفضل من الفوضى – أو حول كون الدول و الكيانات التي تشبهها تنشأ بشكلٍ طبيعي و حتمي من الشرط الأصلي للفوضى. نجد نسخة عن هذه الحجة حول الظهور الحتمي للدول ( بما يشبه “اليد الخفية”) في كتاب نوزيك Nozick المؤثّر فوضى، دولة، يوتوبيا (1974). في حين يأخذ نوزيك و فلاسفة آخرون اللاسلطوية (الـ أناركية) على محمل الجدّ بإعتبارها نقطة انطلاق، يحاجج اللاسلطويون أن حجج اليد الخفية تلك تتجاهل الواقعة التاريخية للدول التي نمت عبر تاريخٍ طويل من الهيمنة ، غياب المساواة و القمع.
عارض موراي روثبارد Rothbard نوزيك و نظرية العقد الاجتماعي، قائلاً أنه لم يحصل انْ وُجِدت حالةٍ كهذه بشكلها النقيّ (Rothbard 1977: 46).. و ترى نسخ اخرى من نظريات العقد الاجتماعي، كما عند جون رولز، ان واقع العقد بإعتباره جهازًا إرشاديًا يتيح لنا رؤية العدالة من تحت “حجاب الجهل”. ولكنّ اللاسلطويين سوف يحاججون أن فكرة الوضع الأصلي لا يقود بالضرورة الى تبرير الدولة – بالأخص إذا أخذنا بالإعتبار، في الخلفية، معرفتنا حول ميل الدول الى ان تكون قمعية. يستخلص كريسبين سارتوِل : “حتى لو قبلنا تقريبًا كل الافتراضات التي يجمعها رولز في الوضعية الأصلية، فليس من الواضح لماذا لم يقم المتعاقدون بإختيار الفوضى”.(Sartwell 2008: 83) إنّ كاتب هذا المقال وصف اللاسلطوية التي تتأتّى من نقد العقد الاجتماعي التقليدي على انها ” لاسلطوية العقد الاجتماعي الليبرالي” (Fiala 2013a)…
يُعتبر وليام غودوين William Godwin مصداقًا تاريخيًا مهمًّا، فعلى عكس لوك و هوبز اللذين تحوّلا الى العقد الاجتماعي حتى يقوداننا الى خارج الحالة الأناركية للطبيعة، فإن غودوين يحاجج بأن ما يتأتّى من الحكومات ليس بالضرورة أفضل من الفوضى. و إذْ أتاح لوك المجال للثورة متى أصبحت الدولة مستبدة، فسوف يبني غودوين على هذا التبصّر، شارحًا ” أنه علينا ألاّ نستعجل في الإستنتاج بأنّ أضرار الأناركية هي أسوأ من تلك التي تولّدها الحكومة”. (Godwin 1793: bk VII, chap. V, p. 736). و يضيف زاعمًا: “نرغب، جديًا، بأن يمتلك كل رجلٍ ما يكفي من الحكمة كي يحكم نفسه بنفسه، من دون تدخل ايّ مانع قسري؛ و طالما كانت الدولة، حتى أفضلها، سيّئة، فإنّ الهدف الّذي يتوجب بلوغه بالدرجة الاولى هو أن يكون لدينا القليل منها [من الدولة] و بقدر ما يسمح به السلام الشامل للمجتمع الانساني.” (Godwin 1793: bk III, chap. VII, p. 185–6).
على شاكلة روسو الّذي ثمّن الهمجي النبيل الحرّ من الاصفاد الاجتماعية الى انْ تم ادخاله عنوةً في المجتمع، تخيّل غودوين لاسلطوية (أناركية) اصلية تتطور نحو دولة سياسية تميل، برأيه، الى أن تصبح استبدادية. متى ما ظهرت الدولة، يقترح غودوين ان الاستبداد هو المشكل الأوليّ طالما انّه “دائمٌ بقدر ما اللاسلطوية عابرة”.(Godwin 1793: bk VII, chap. V, p. 736).
غالبًا ما يُقال انّ اللاسلطوية (أناركية) تعني انّ على الفرد أن يُترك بمفرده من دون مبدأ موحّدِ أو سلطان حاكمٍ. في بعض الحالات تُربط اللاسلطوية بالليبرتارية ( أو ما سمّيَ بالـ “اللاسلطوية الرأسمالية”). و قد يتحقق اللاحكم حين يحصل اجماع أو توافق – و بالتالي تنتفي الحاجة الى سلطة خارجيّ أو بنة حاكمة من أوامرٍ و خضوع. إنّ توفّر التوافق بين الأفراد يقصي الحاجة الى “الحكم”، السلطة أو الحكومة. وترتبط فكرة الاجماع و التوافق مع المفهوم الايجابي لللاسلطوية باعتبارها اتحادًا حرًّا لأفرادٍ مستقلّين، ما يعزز القيَم المشاعية. و نجد نسخة من اللاسلطوية التي تملك تصوّرًا بتفويض سلطة سياسيّة مركزيّة، فاسحةً المجال لمشاعات ذات بنى تنظيمية مفتوحة العضوية و توافقية.
إذا أخذنا بالإعتبار تشديدها على التنظيم المشاعيّ، فليس من المفاجىء أن تكون لللاسلطوية (أناركية) السياسية صلة تاريخية مع الشيوعية، بالرغم من الصلة المذكورة آنفًا مع السوق الرأسمالية. لقد طوّر كتّاب مثل باكونين، كروبوتكين و جولدمان لاسلطويتهم ردًا على ماركس و الماركسية. دافع بيير برودون، أحد أوائل من أعلن صراحةً لاسلطويته، عن نوعٍ من الشيوعية معتبرًا إنّها ترتكز على شركات لاممركزة، مشاعات، و مجتمعات العون المتبادل. اعتقد برودون انّ الملكية الخاصة تولّد الاستبداد، وأنّ الحرية تشترط اللاسلطوية، مستنتجًا أن ” حكومة البشر على البشر (مهما كان الاسم الّذي تحتجب خلفه) تعني القمع. يجد المجتمع كماله الأعلى في اتحاد النظام مع الفوضى” Proudhon 1840 [1876: 286]).
على خطى برودون، باكونين و كروبوتكين و ما يسمّى “اللاسلطويين الكلاسيكيين”، ننظر الى اللاسلطوية من حيث هي نقطة محورية للفلسفة السياسية و النشاطية.
فلننتقل الى تحليل مفهومي لمختلف الحجج الموضوعة للدفاع عن اللاسلطوية.
2.2 اللاسلطوية المطلقة، والالتزامية، والقبْلية
غالبًا ما يزعمُ اللاسلطويون، وبشكّل قاطعٍ، أن لا وجود لدولة شرعية أو لا يمكن أن توجد هذه بإعتبارها حالة سياسية مبررة. بزعمٍ قبلي أو مطلق، يرى اللاسلطويون أنّ الدول هي ، دائمًا و حيثما كانت، غير شرعية و غير عادلة. ظهر مصطلح ” اللاسلطوية القبلية”عند سيمونز (2001)، ولكن سبق ان استعمله كروبوتكين في مقاله المؤثر حول اللاسلطوية سنة 1910، حيث زعمَ انّ اللاسلطويين ليسوا طوباويين يجادلون ضد الدولة كشكلٍ من الموضة المسبقة (Kropotkin 1927 [2002: 285]).. وبالرغم من ادعاء كروبوكين، وضع بعض اللاسلطويين حججًا قبلية ضد الدولة. و يستند هذا النوع من الزعم الى اعتبار مبررات السلطة التي عادةُ ما تستند الى شكلٍ من إدعاءات أخلاق الواجب حول اهمية الحرية الفردية و الزعم المنطقي لطبيعة سلطة الدولة.
نجد مثالاً نموذجيًا لهذه الحجة في عمل روبرت بول وولف Robert Paul Wolff. يشير وولف (Wolff 1970) الى ان السلطة الشرعية تستند الى ادّعاء حول الحق في الأمر بالطاعة، و ما يتضايف معه من واجب بالطاعة : على كلّ واحدٍ واجب الخضوع لسلطة شرعية. و كما يشرح وولف، بإستحضار أفكار كانط و روسو، إنّ واجب الطاعة على صلة بمقولات حول الاستقلالية، المسؤولية و العقلانية. ولكن، و في ما يتعلّق بوولف و غيره من اللاسلطويين، تكمن المشكلة في أن الدولة لا تملك سلطة شرعية. وكما يقول وولف عن اللاسلطويّ :” لن يرى أبدًا أن أوامر الدولة شرعيةً، كما لو انها قوة اخلاقية ملزمة” (Wolff 1970: 16).
إنّ الطبيعة القطعية لهذا الزعم يشير الى نسخة من اللاسلطوية المطلقة (أناركية مطلقة): إن لم تكن أوامر الدولة شرعية و لا تولّد ايّ واجب اخلاقيّ بالطاعة، فلن توجد ابدًا اي دولة شرعية. ويتصوّر وولف أنّ بالإمكان وجود دولة شرعية فقط حين تقوم على [اساس] “الديمقراطية الإجماعية المباشرة”- ولكنّه يشير الى انّ هذه الديمقراطية سوف تكون ” جدًا مقيّدة في اجراءاتها بحيث لا تقدّم ايّ أملٍ جاد بالتجسّد يومًا ما في دولة فعلية” (Wolff 1970: 55).، ويستخلص: “إن إلتزم كل الرجال دائمًا بالسعي الى تحقيق أعلى درجة من الاستقلالية الممكنة، سوف يُظهر أن لا دولة تمتلك اتباعًا ملزمين اخلاقيًا بالخضوع لأوامرها. وبالتالي، سوف يكون مفهومُ دولة القانون الشرعية فارغًا من المضمون، و سوف تظهر اللاسلطوية الفلسفية، أمام رجلٍ متنوّرٍ، بإعتبارها الإيمان السياسيّ العقلاني الأوحد”.
كما بيّن وولف ،هاهنا، ينتفي وجود أي دولة شرعية. يرتسم هذا الإدّعاء بإعتباره مطلقًا وقبليًا، على ما أظهر رايمن في نقده لوولف (Reiman 1972).. لا ينفي هذا الأخير، على أية حال، وجود دول شرعية قائمة بأمر الواقع، و غالبًا لا تحظى الحكومات بدعم و موافقة هؤلاء الّذين تحكمهم، و بالأحرى يكون الدعم و الموافقة مبنيين على التوافق و ليس على أرضية من الواجب الأخلاقي، كما يصنعهما و يتلاعب بهما سلطان قسري و ايديولوجيا الدولة بآلتها الدعائية.
لاحظنا هنا ارتباط لاسلطوية (أناركية) وولف بكانط. ولكنّ كانط ليس لاسلطويًا: فهو يدافع عن فكرة حكومة جمهورية متنورة يتم في كنفها الحفاظ على الاستقلالية. و يبدو روسّو قريبًا من تبنّي اللاسلطوية في بعض ملاحظاته – على الرغم من أنّ ذلك أبعد ما يكون عن النسقية (see McLaughlin 2007).. ويرى بعض الكتّاب أنّ روسّو يقترب ممّا هو قريب الى اللاسلطوية الفلسفية الما – بعدية” (see Bertram 2010 [2017])— و الّتي سوف نعرّفها في القسم اللاحق. من بين الفلاسفة السياسييين الكلاسيكيين يمكن أن نجد ان لوك على صلة بـ”اللاسلطوية الليبرترية” (see Varden 2015) أو انّه يقدّم نظرية “على عتبة اللاسلطوية”، كما اعتبره سيمونز (Simmons 1993). ولكن، و على الرغم من دفاعه عن الحقوق الفردية، و الطريقة الحازمة التي يدافع بها عن التوافق الإرادي كما و دفاعه عن الثورة، فإنّه يؤمن بإمكانية الدفاع عن الدول إنطلاقًا من نظرية العقد الاجتماعيّ.
بتركنا المؤلّفين القانونيين في الفلسفة السياسية الغربية جانبًا، فإن المكان الأفضل كي نجد لاسلطوية قبلية و إلتزامية هو عند اللاسلطويين المسيحيين. طبعًا، غالبية المسيحيين ليسوا لاسلطويين، ولكنّ هؤلاء الّذي يتبّنون اللاسلطوية، يفعلون ذلك برفع مطالب مطلقة، إلتزامية، وقبلية، كما عند تولستوي، بردائيف و إيلّول- كما ذكرنا سابقًا.
3.2 اللاسلطوية الاحتمالية، والاستتباعية، والبعدية
إنّ شكلاً أقل صرامةً من اللاسلطوية (أناركية) سوف يحاجج أن الدولة يمكن تبريرها في النظرية – بالرغم من أنه، و في الممارسة، لا وجود لدولة شرعية أو حتى عدد قليل من الدول. تعتبر اللاسلطوية الإحتمالية أن الدول في التشكيل الحاضر للأشياء تفشل في بلوغ مستوى معايير تبريرها. انها حجّة بعدية (see Simmons 2001) a posteriori ترتكز في الآن عينه على منطلق نظري لتبرير الدولة (مثلاً، نظرية العقد الاجتماعي والنظرية الليبرالية-الديمقراطية) وعلى إعتبارٍ تجريبيّ حول كيف و لماذا تفشل الدول المتحققة في تبرير نفسها استنادًا الى هذه النظرية. لقد قدمتُ نسخة عن هذه الحجة مرتكزة على نظرية العقد الاجتماعي، وافترضتُ انّ نظرية العقد الاجتماعي الديمقراطي الليبرالي تقدّم أفضل نظرية لتبرير الدولة، في حين انها تجادل أن دولاً قليلة ،راهنًا، تلتزم بوعد نظرية العقد الاجتماعي (Fiala 2013a).
تركّز نسخة من هذه الحجة اللاسلطوية الإحتمالية على مسألة عبء إثبات الإعتبارات التي تبرر السلطان السياسيّ. عبّر نوعام تشومسكي عن هذه المقاربة، شارحًا :” هذا ما فهمته دائمًا على انه جوهر اللاسلطوية (الأناركية): الاقتناع بأن على عبء الإثبات the burden of proof أن يوضع بوجه السلطان الّذي يلزم تفكيكه متى لم يكن بالمستطاع الوفاء بهذا العبء. واحيانًا لا يمكن الوفاء بذلك. (Chomsky 2005: 178)
يقبل تشومسكي بالسلطان الشرعي المرتكز على التجرية العادية، مثلاً حين يقوم جدُّ بمنع طفلٍ من الركض صوب الشارع. ولكنّ سلطان الدولة مسألة معقّدة أكثر بكثير. إنّ العلاقات السياسية تبدو ملفتة للنظر، إذ نجد إحتمالات الفاسد و المصلحة الذاتية تصيب الواقع السياسيّ، و نجد مستويات ودرجات من الوساطة التي تغرّبنا عن مصدر السلطان السياسيّ؛ [بينما] سلطان الراشدين يبدو مهمًا و أساسيًا. و بالتشديد على عبء الإثبات، يسلّم تشومسكي بإمكانية أساليبٍ لمجابهة عبء الإثبات من أجل تبرير الدولة. ولكنّه يشير الى وجود حجّة جلية ضد الدولة، و هي ترتكز على إعتبار تجريبي و تاريخي معقّد حول دور السلطة، السياسات و القصور التاريخي في خلق مؤسسات سياسية. ويوضحّ قائلاً :
" تواجه مؤسساتٌ كهذه عبء إثباتٍ ثقيل، إذ عليها أن تُظهِر أنه بفعل الشروط الموجودة، و ربّما بسبب بعض التجاوز لإعتبارات الحرمان أو التهديد، فإنّ شكلاً من السلطان، التراتبية و الهيمنة تكون مبررة، بالرغم من الحجة البادية ضدها – وهذا عبءٌ نادرًا ما يمكن تحمله". . (Chomsky 2005: 174)
لا ينكر تشومسكي إنّه يمكن الإلتزام بهذا العبء. بالأحرى، فكرته هي أنّ هناك حجة جلية ضد الدولة طالما أن البيّنة تبريرها لا يمكن، غالبًأ، الوفاء بها.
تستند اللاسلطوية (أناركية) الإحتمالية على تعقّلٍ إستتباعيّ، مركّزةً على تفاصيل الراهن التاريخيّة.سوف تلجأ اللاسلطوية الإستتباعية إلى الإعتبارات النفعية، محاججةً أن الدول تفشل عمومًا في تعزيز السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس – و أن سلطان الدولة يميل، بقوّةٍ، الى انتاج اللاسعادة. إنّ راهنية اللامساواة، الطبقية، النخبوية، العرقية و الجنسانية، و أشكالٍ أخرى من القمع يمكن استخدامها في دعم الحجة اللاسلطوية، معلنةً أنّه بالرغم من انتفاع عددٍ ضئيل من الناس من سلطان الدولة، فإن غالبية أوسع تعاني منه.
هناك فرقٌ معتبَرٌ بين اللاسلطوية المقدَّمة من أجل السعي إلى إنتفاعٍ من مثال السعادة الأكبر، و تلك التي تُقَدَّم في الدفاع عن الأقلية بوجه طغيان الأغلبية. كما سوف نرى في القسم التالي، يهتم اللاسلطويون الفردانيون بالدرجة الأولى في ميل السياسات النفعية الى التضحية بحقوق الأفراد تحت عنوان الخير الأكبر.
قبل أن ننتقل الى مفهوم اللاسلطوية (أناركية) هذا، دعونا نلحظ مؤلفيْن كلاسيكييْن أعطيا فكرة حول اللاسلطوية النفعية. أفصَح غودوين Godwin عن شكلٍ من اللاسلطوية متصلٍ بالهمِّ النفعيّ. كمفهومٍ أساسيّ، يبدو الفكر الأخلاقي لغودوين نفعيًا، بالرغم من أنه يحاجج إنطلاقًا من مبادىء أساسيةٍ مثل أهمية التحرر. ولكنّ حججَ غودوين بعديةٌ ترتكز على تعميماتٍ من التاريخ بالإضافة الى نظرةٍ ناحية التطور المستقبلي للسعادة و التحرر. يكتب غوديون: علينا، قبل كل شيء، ألاّ ننسى أن الحكومة شرٌ، سطوٌ على الحكمِ الخاصِ و الوعيّ الفردي للنوع البشريّ، و قد نكون، مع ذلك، مضطرين إلى التسليم بها بإعتبارها شرًاّ ضروريّاً في الحاضر. (Godwin 1793: bk V, ch. I, p. 380)
يشبه هذا الزعم زعمَ تشومسكي بقدرِ ما يسلّم بالطبيعة المعقّدة للجدل التاريخيّ. على التطور السياسيّ أن يسير في إتجاه يتجاوز الدولة (نحو تطوّر العقل الفردي و الخلُقية morality). ولكن في شرطنا الحاضر، قد تكون بعض أشكالِ الحكومات “شرًا لا بدّ منه”، ولكن علينا أن نسعى جاهدين الى التخلّص منه. الفكرةُ هنا أن أحكامنا حول تبرير الدولة عرَضيةٌ: فهي تعتمد على الظروف الحالية و على الشكل الحاضر للتطوّر. وبينما قد تكون الدول ملمحًا ضروريًا لعالمنا البشريّ المعاصر، في حين يتطوّر البشرّ بإضطراد، فمكن الممكن أن تفقد الدولةٌ جدواها.
يجبُ أن نلحظ أن الحجج النفعية غالبًا ما يتم استخدامها في دعمِ بنى الدولة بإسم الخير الأكبر، و سوف يرافعُ اللاسلطويون النفعيون أن الدول فشلت في ذلك. ولكنّ النتائج النفعية لا ترتكز، في العادة، على دعوة أساسية الى مبادىء خلُقية مثل التحرر أو حقوق الأفراد. هكذا، وصف بنتام المزاعم حول الحقوق البشرية بأنها ” مغالطات لاسلطوية” لأنها مالت نحو الفوضوية التي يرفضها. وصفَ بنتام الفرق بين الجهد النفعي المعتدل في الإصلاح و العقيدة اللاسلطوية الثورية في حقوق الإنسان، قائلاً: يجهّز اللاسلطويّ إرادته و مخياله لأجل قانونٍ يُدعى كل البشر للإنحناء أمامه في المقام الأول – ان اللاسلطويّ، وهو يدوس على الحقيقةِ و الكياسةِ، ينكرُ صلاحية هذا القانون موضع السؤال – يُنكرُ وجوده بصفةِ قانونٍ، ويدعو الكلّ إلى النهوض محتشدين و مقاومةِ تنفيذه. (Bentham 1843: 498)
سوف تحافظ اللاسلطوية (أناركية) الإلتزامية على فكرة أن الدوَل تنتهك الحقوق الأساسية و بالتالي لا يمكن تبريرها. ولكنّ اللاسلطوية النفعية لن تُعنى، بالمقام الأول، بإنتهاكِ حقوق القليل من الناس ( بالرغم من أنّ هذا هو إعتبارٌ وثيق الصلة، كما هو واضح). بالأحرى، تشتكي اللاسلطوية النفعية من أنّ بنى الدولة تنحو إلى إنتاجِ أضرارٍ تصيب غالبية الشعب. علاوة على ذلك، تستند ما يسمّيها أورن بن دور Oren Ben-Dor “اللاسلطوية ذات الأسّ النفعيّ” على فكرةِ إنتفاء وجود أيّ تبرير قبليّْ للدولة (Ben-Dor 2000: 101–2).. بالنسبة إلى النفعيّ، يعتمد كلّ هذا على الشروط و الظروف. يسمّي بن دور هذا الشيء لاسلطوية لأنه يرفض قبليًا مقولة تبرير الدولة؛ بعبارة أخرى، لا تفترض اللاسلطوية النفعية أن الدول مبررة؛ بالأحرى، يعتقد اللاسلطويّ النفعيّ أن عبء الإثبات يقع على المدافع عن الدولة من أجل أن يبيّن أن سلطانها مبررٌ على أرضيةٍ نفعيةٍ، وذلك بإستحضار بيانات تجريبية و تاريخية حول الطبيعة البشرية، الإزدهار الإنساني و التنظيم الاجتماعي الناجح.
4.2 الفردانية، الليبرتارية، واللاسلطوية الاشتراكية
تختلف أشكال اللاسلطوية (الأناركية) أيضًا من ناحية محتوى النظرية، محور النقد اللاسلطويّ و أثر اللاسلطوية العمليّ والمتخيَّل. تتضمن الأشكال الإشتراكية من اللاسلطوية لاسلطوية شيوعيةً متّحدة مع كروبوتكين و اللاسلطوية المشتركية communitarian. (see Clark 2013).. تركّز المقاربة الإشتراكية على نمو المجموعات الإجتماعية و المشاعية communal، التي يفترض أن تظهر خارج البنى السياسية الممركزة و التراتبية. يتضمن الشكل الفرداني من اللاسلطوية بعض أشكال الليبرتارية أو الأناركو-رأسمالية كما اللاناموسية أنوية الوجهة egoistically oriented antinomianism و اللا-إمتثالية. تستبعد بؤرة الفردانية individualistic هوية المجموعة و الأفكار حول الخير الاجتماعي / المشاعيّ، بينما تبقى متجذّرة في المزاعم الخلُقيّة حول إستقلالية الفرد. (see Casey 2012).
ترتبط اللاسلطوية (أناركية) الفردانية تاريخيًا، بأفكار شتيرنر القائل إنّ ” كل دولة هي إستبداد” (Stirner 1844 [1995: 175]).. حاجج شتيرنز أنّه لا وجود لواجب الخضوع للدولة و القانون لأنّهما يقوّضان النمو الذاتي و الإرادة الذاتية. تسعى الدولة إلى ترويض رغباتنا، و جنبًا إلى جنب الكنيسة، تقويض فرحنا الذاتي و نمو الفردانية الفريدة. ويصل شتيرنر إلى نقد التنظيمات الاجتماعية و الأحزاب السياسية. و في حين لا ينكر إمكان انتساب المرء إلى تنظيمات كهذه، إلاّ أنّه يحتفظ بالرأي القائل أن الفرد يحافظ على الحقوق و الهوية بوجه الحزب أو المنظمة الاجتماعية: يمدح الحزب ولكنّه يلتزم بألاّ يسمح لنفسه بأن “يحتويه الحزب و يستحوذ عليه” (Stirner 1844 [1995: 211]). لطالما نُسِبَت اللاسلطوية الفردانية إلى تنويعة من المفكّرين تتضمن جوسيا وارن، بنيامين تاكر، و ثورو. Josiah Warren, Benjamin Tucker, and Thoreau..
أيضًا، يبدو أن اللاسلطوية الفردانية تشترك مع نوع تلك الأنانية ذات الصلة بآين راند Ayn Rand. ولكنّ راند رفضت اللاسلطوية لأنها “تجريد ساذج و عائم” لا يمكن أن يتحقق في الواقع؛ و قد حاججت أن الحكومة وُجدَت فقط كي تحمي الحقوق . دافع موراي روثبارد Rothbard عن لاسلطوية شبه رأسمالية أكثر مناعةً، و قد رفض “اللاسلطوية اليسارية” المتّصلة بالشيوعية، في حين أثنى على لاسلطوية تاكر الفردانية. يتابع روثبارد بالشرحِ بأن مذ اعتُبرَت اللاسلطوية دومًا وبالأساس ظاهرة على يسار الشيوعية، فإن على الليبرتارية أن تتميّز عن اللاسلطوية من خلالها تسميتها بـ ” اللا-حكم” [نوناركية] non-archism. وفي الأدب، استُخدِم مصطلحٌ ذو صلةٍ هو “أقل – حكم” [ميناركية] من أجل وصفِ الحد الأدنى من الدولة الّذي يسمح به الليبرتاريون.
يبقى هؤلاء فردانيين يبرزون أهمية الحرية الفردية، على الرغم من أنّهم لا يوافقون مع اللاسلطويين “بالتمام و الكمال” full-blown anarchists حول الدرجة التي يمكن عندها تبرير الدولة.
في بعض الحالات، تكون اللاسلطوية الفردانية مجرّد مسألة “نمط حياة” تركِّزعلى الملبس، المسلك و غيرها من الخيارات و التفضيلات الإنفردية. نقد بوخين و آخرون لنمط الحياة الفرداني يعتبر أن اللا-إلتزامية المجرّدة تفعل القليل من أجل أن تغيّر الوضع القائم و تتخطّى بنى الهيمنة و السلطة. ولكنّ المدافعين عن نمط الحياة اللا-ملتزم سوف يحاججون بتوفّر قيمة في الإنسحاب من القواعد الثقافية و إظهار الإزدراء للإمتثالية عبر إختيارات فردية لأنماط الحياة.
إنّ شكلاً أكثرَ متانةً من اللاسلطوية الفردانية سوف يركّزُ على القيَم الأساسية كالإستقلالية و تقرير المصير الذاتيّ، مؤكّدًا أولوية الفرد على و ضدّ المجموعات الاجتماعية. يمكن لللاسلطوية الفردانية أن تعترف بأهمية العمل الجماعي و بأن التعاون الطوعيّ بين الأفراد يمكن أن يؤدي إلى تشاركية واقية، مستقلّة و مفيدة. سوف تنظر النقاشات المتبقية في ما إذا كانت نتائج تعاون الأفراد هي شكل من الرأسمالية أو من المشاركة الاجتماعية أو الشيوعية. سوف يدافع اللاسلطويون الليبرتاريون والرأسماليون عن أفكار السوق الحرّة المستندة على خيارات الفرد في تبادل و إنتاج البضائع للسوق.
على المقلب الآخر، سوف تركز اللاسلطوية (أناركية) الإشتراكية أو الموجّهة شيوعيًا communistically oriented أكثرَ على إقتصادٍ مشتركيّ. وهذا قد يكون شكلاً موسّعًا من التبادلية أوشيئًا محليًا ملموسًا مثل تشارك الحياة العائلية أو الهدايا التقليدية. ولكن تبقى هذه الأفكار لاسلطوية في حدود تجنبّها التحكّم الممركز و نمو البنى التراتبية للهيمنة. على عكس الدولة الشيوعية الممركزة كتلك التي طوّرها الماركسيون، تدافع اللاسلطوية الشيوعية عن اللامركزية. يقدّم كروبوتكين شعارَ هذه المقاربة :” كلّ شيء للجميع”. في كتابه الإستيلاء على الخبز (1892) ينتقد كروبوتكين المركزية الإحتكارية التي تمنع الناس من الوصول إلى الثروة المنتَجة إجتماعيًا.
الحلّ هو :” الكلُّ للكلِّ”، “ما نطالب به هو حق الحياة الرفاهية: الرفاهية للجميع”. تشترك الفكرة الشيوعية القائلة أن على البشر أن يتمتعوا بثمارِ الإنتاج البشري الجماعي مع الفكرة الماركسية التي تعلن أنّ ” لكلٍّ بحسب حاجته”. ولكنّ كروبوتكين يحاججُ بالحاجة إلى التطوّر في ما وراء التحكّم الشيوعي الممركز – ما ينتقده بإعتباره مجرّد “جماعانية” – و بإتجاه اللاسلطوية الشيوعية: تقود اللاسلطوية إلى الشيوعية، و الشيوعية الى اللاسلطوية، الاثنتان على حدّ سواء تعبيران عن الميل المهيمن في المجتمعات الحديثة، السعي نحو المساواة. . (Kropotkin 1892 [1995: 31])
يحاجج كروبوتكين حول أن النزوع المشاعي موجودُ مسبقًا، و أنّ تحسّن الثروة الاجتماعية الّذي أصبحَ ممكنًا بفعل نمو الرأسمالية الفردانية قد جعل من المحتمل أن نتطوّر بإتجاه التشارك المشاعيّ. يحاججُ أنّ ميل التاريخ بعيدُ عن السلطة الممركزة و ينحو صوب المساواة و الحرية – و نحو إلغاء الدولة. تستند لاسلطوية (أناركية) كروبوتكين الشيوعية على بعض المزاعم التاريخية و التجريبية: حول ما إذا كان يمكن للأمور أن تترتب بشكلٍ مُرضيٍ أكثر من دون تدخّل الدولة، و حول ما إذا كان يمكن للدولة أن تجسّد فعليًا اللاعدالة و القمع. تعتقد الليبرتارية و اللاسلطوية-الرأسمالية أيضأ أن السوق الحرّة سوف تعمل لتعزيز الرفاه الإنساني على نحوٍ كافٍ، و سوف تساعد الأفراد على تحقيق استقلالهم الخاص. ولكن بالنسبة الى اللاسلطويين الاشتراكيين و الشيوعيين، فإنّ مسألة التحقيق الذاتي للفرد أقلُّ أهميةً من فكرة التطور الاجتماعي. يشير مبدأ كروبوتكين ” الكلّ للكلّ” الى تركيز انطولوجي يختلف عمّا نجده عند اللاسلطويين الفردانيين.
ان الأشكال المتركزة لللاسلطوية الاشتراكية و الشيوعية تشدد على أهمية المجموعات الاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن ان ننظر إلى العائلات من ناحية كونها بنى لاسلطوية للتعاون و التضامن الإجتماعيين. يمكن للاسلطوي اشتراكي أن يوجّه سهام النقد إلى الأشكال التراتبية و المهيمنة للتنظيم العائلي (مثل البنية العائلية البطريركية). ولكنّ اللاسلطويين الاجتماعيين سوف يشددون على الرأي القائل أنّ الهوية و الإزدهار الإنسانيين يتحققان من داخل البنى الاجتماعية الممتدة – طالما بقيت تشاركية حرّة و سيّدة مصيرها.
يصل التوتر بين اللاسلطوية الفردية و تلك الاشتراكية الى اقصاه حين يُطرَح السؤال حول الدرجة التي يجب على الفرد أن يكون عندها تابعًا للتشاركية. ان مشكلة واحدة لما يسمّى النظريات “المشاعنية” للحياة السياسية و الاجتماعية تكمن في ان هذه النظريات قد تنتهي إلى طمس الأفراد في الهوية المشاعية. قد يردّ المشاعيون، كما يفعل كلارك، بالزعم أن مثال التشاركية الأصيلة للأفراد المستقلّين يبقى طامحًا بحلمِ “تشاركية مستحيلة” (Clark 2013). على المقلب الآخر، سوف تلفت النظريات الممركزة مشاعيًا الى أن البشر الأفراد لا يمكنهم أن يوجدوا خارج البنى المشاعية: نحن حيوانات اجتماعية تزدهر و تبقى في تشاركيات. هكذا، تبقى الفردانية الراديكالية حلمًا – وكما سوف يشير اللاسلطويون الموجَّهون سياسيًا فإن الفردانية تقوّض امكانية فعل سياسيّ منظّم، ما يعني أنّ اللاسلطويين الفردانيين لن يقدروا على أن يقاوموا بنجاحٍ البنى السياسية للهيمنة.
3. اللاسلطوية والنشاط السياسي
هكذا، فإنّ السؤال المحوريّ للاسلطويين هو هل يجب الإنفصال عن الحياة السياسية، أو الرضوخ للسلطان السياسيّ وطاعة القانون، أو الإنخراط في الجهود الفاعلة من أجل إلغاء الدولة، بكل فاعلية. هؤلاء الّذين يفضّلون العمل، بكل نشاط، من أجل إلغاء الدولة، غالبًا ما يفهمون ذلك على انه شكلٌ من “العمل المباشر” Direct Action أو “الدعاية بالأعمال”. غالبًا ما يُنظَر إلى فكرة العمل المباشر بإعتباره نموذجًا مثاليًا للاسلطويين الّذين يعتقدون بوجوب اتمام العمل من أجل الإلغاء الفعلي للدولة، بما يتضمنه ذلك العمل :الغرافيتي، مسرح الشارع، الإحتلالات المنظمة، المقاطعات، و حتى العنف. ونجد جدالاً بين اللاسلطويين حول مايجب القيام به، مع وجود خطٍ فاصلٍ مهمّ بالنظرِ إلى مسألةِ العنف و السلوك الإجرامي.
قبل أن ننتقل إلى النقاش هذا، فنلحظ أيضأ تمييزًا نظريًا مهمًّا بالنظر إلى سؤال القيام بالعمل، بالصلة مع التصنيف المقدَّم أعلاه: ما إذا كان العمل المباشر يجب تبريره بمصطلحات إستتباعية أو لا-استتباعية. حاجج فرانكز أن العمل المباشر اللاسلطويّ ينبغي أن يُعَد مثالاً لوحدة الوسائل و الغايات (Franks 2003). من وجهة النظر هذه، إن كان التحرير و الإستقلالية هما ما يسعى إليه اللاسلطويون، فيلزم على الوسائل المستخدمة في الوصول إليها أن تكون تحريرية و تحتفي بالإستقلالية، و تجسّد هذا الشيء داخل العمل المباشر. يؤكّد فرانكز أن فكرة “الغاية تبرر الوسيلة” أكثر نموذجيةً للحركات الدولتية الممركزة، مثل البلشفية، كما لحركات اليمين. بينما يعتقد البعض أن اللاسلطويين على استعداد للإنخراط في العمل “بكل الوسائل الممكنة”، وأنّ الأسلوب اللغوي و الاستتباعية الفجّة التي تضمرها هي أكثر نموذجيةً للحركات الراديكالية التي ليست لاسلطوية. يعيد الفرض القسريّ للمثال اللاسلطويّ تضمين مشكلة الهيمنة، التراتبية و المركزة و السلطة الإحتكارية التي يعارضها اللاسلطويون بالأصل
1.3 اللاعنف، والعنف، والإجرام
إحدى المسائل الفلسفية و الأخلاقية البارزة التي تخصّ اللاسلطويين الملتزمين هي مسألة كيفية تجنّب الدورة المستمرة للسلطة و العنف التي من المحتمل أن تندلع في ظل غياب السلطة السياسية المركزية. أحد الإقترحات، المذكور آنفًا، يفيد أن اللاسلطويين سوف يحرصون غالبًا على التأكيد على وحدة الوسائل و الغايات. تُظهِر هذه الفكرة لماذا يوجد تداخلٌ و إقترانٌ بين اللاسلطوية (الأناركية) و السلامية pacifism. بشكلٍ نموذجيّ، يحرص السلاميّ على وحدة الوسائل و الغايات، ولكن ليس كل السلاميين سلطويين. مع ذلك، بيّنا سابقًا وجود تواصلٍ بين اللاسلطوية و السلامية المسيحية، كما عند تولستوي على سبيل المثال.
تأثّر غاندي بهذا الأخير و باللاسلطويين، وبالرغم من كونه معروفًا كناشطٍ ضد الإستعمار، يُدخِل مارشال غاندي في خانة اللاسلطويين (Marshall 2010: chapter 26). من الممكن اعادة صياغة الحركات المضادة للاستعمار و الحجج حول التقرير الذاتي للمصير بإعتبارها شكلاً من اللاسلطوية (تهدف إلى إنهاء السلطة الاستعمارية و الدول الامبراطورية). وقد ذكَر غاندي وجود العديد من اللاسلطويين في الهند في أيامه. قائلاً ذلك، استخدم غاندي المصطلح لاسلطوية لتمييز المدافعين عن العنف رماة القنابل؛ يقول :
” أنا بنفسي لاسلطويّ، ولكن من نمطٍ آخر” (Gandhi 1916 [1956: 134]).
يتبنّى اللاسلطويون الغانديون، في حال وُجِدوا، اللاعنف. بشكلٍ عام، تناسب المقاومة اللاعنفية المطوَّرة في تقاليد تولستوي-غاندي-مارتن لوثر كينغ مقاربةً تبتعد عن السلطة السياسية و ترى إلى الدولةَ متعهّدة حروب وعائقًا أمام مساواة و نمو البشر.
أكثر من بعارض هذه المقاربة اللاسلطوية المسالمة هم المناضلون اللاسلطويون الّذي يدافعون عن العمل المباشر الّذي يتضمن أعمال التخريب و أشكالاً أخرى من العنف الساسيّ بما في ذلك الإرهاب. تشرَح إيمّا غولدمان Goldmann، مثلاً، أن التخريب المعادي للرأسمالية يقوَض فكرة التملّك الخاص. وبينما يرى النظام الشرعيَ أن هذه العمل إجرامي، تزعم غولدمان انه على العكس من ذلك، وتقول: هو عملٌ أخلاقيّ في أبهى معانيه طالما يساعد المجتمع على التخلّص من أسوأ أعدائه، أكثر عناصر الحياة الاجتماعية ضررًا. يهتم العمل التخريبيّ بعرقلة، بكل الوسائل الممكنة، السيرَ الإعتيادي للإنتاج، وبالتالي يدلّ على أن العمّال مصممون على الإعطاء بقدر ما يأخذون، لا أكثر و لا أقلّ. (Goldman 1913 [1998: 94])
حملت غولدمان لواء العنف طيلة مسيرتها. كانت، مبكِّرًا، نصيرة مفوّهة للعنف الثوري، ولم تعِد النظر في ذلك إلاّ آجلاً. ومع ذلك، مثل كلّ لاسلطويي جيلها، أحالت العنف إلى الدولة التي عارضتها. كتبت تقول: أعتقد أن اللاسلطوية هي الفلسفة الوحيدة للسلام، النظرية الوحيدة للعلاقات الاجتماعية التي تقدّر الحياة البشرية و تضعها فوق كل إعتبارٍ. أعلم بأنّ بعض اللاسلطويين قد ارتكبوا أعمالَ عنفٍ، ولكنّها اللامساواة الاقتصادية المخيفة و اللاعدالة السياسية التي بعثت على أعمالٍ كهذه، وليس اللاسلطوية. كل مؤسسة تستند اليوم على العنف، كل بيئتنا متخمة به. (Goldman 1913 [1998: 59])
تنظر غولدمان الى العنف اللاسلطويّ بإعتباره مجرّد ردّة فعل. جوابًا على عنف الدولة، يجادل اللاسلطويون أنهم كانوا يستخدمون العنف فقط كدفاعٍ عن النفس. مدافعٌ آخر عن العنف هو مالاتستا الّذي كتب أن الثورة ضد عنف الطبقة الحاكمة يجب أن تكون عنيفة: أعتقد أن نظامًا نشأ من العنف و استمر عن طريق العنف لا يمكن إسقاطه إلاّ بعنفٍ مقابلٍ و متناسبٍ. (Malatesta 1925 [2015: 48]).
مثل جولدمان، حذّر مالاتستا من العنف الّذي يصير غاية في حد ذاته و يفسح المجال للشراسة و الضراوة لذاتها. وقد وصف اللاسلطويين، ايضًا، بأنهم مبشرّي حبّ و مدافعين عن السلام. قال: ما يميّز اللاسلطويين عن الكل هو، في الواقع، خوفهم من العنف، رغبتهم و ميلهم الى استبعاد العنف الجسديّ من العلاقات الانسانية.
ولكن، على الرغم من هذا الرفض للعنف، يدافع مالاتستا عن العنف بإعتباره شرًّا لا بد منه.
يظهر العنف اللاسلطويّ على شاكلةِ عنف الفردِ ضد الدولة. يسهل أن نرى لماذا يوصف هذا العنف بالإرهابي و الإجراميّ. إنّه لأمرٍ إجراميّ أن يعلن الفردُ الحربَ على الدولة و يعمل من أجل تعطيلها. هكذا اهتمّ اللاسلطويون أيضًا بنقد الجريمة و الإجرام، مجادلين بأنّ من ينتج الجريمة و الإجرام هما القانون و النظام الشرعيّ. تقدّم كروبوتكين بهذا النقد في بداية 1870 حين سمّى السجون “مدارس الجريمة”. نجد أفكارًا شبيهة عند فوكو وفي إنتقادات الآونة الأخيرة للإعتقالات الجماعية. يجادلُ اللاسلطويون المعاصرون أن الاعتقال الجماعي هو مثلٌ على الاندفاع الجنوني لسلطة الدولة.
2.3 العصيان، والثورة، والإصلاح
يقودنا سؤال العنف إلى قضية أبعد : سؤال الخضوع و العصيان، المقاومة و الإلزام السياسيّ. يمكن ان يقال الكثير هنا في ما تعلّق بطبيعة الإلزام السياسي و الخضوع، بما في ذلك ما إذا كان الخضوع براجماتي أو استراتيجي فحسب، أو يستند على مقولات حول الولاء و مزاعم التماهي مع الأمّة وقوانينها. لكن من الواضح أن اللاسلطويون لا يملكون أي سبب مبدئي للخضوع السياسيّ. إذا وجد اللاسلطويّ الدولةَ غير شرعية، يكون الخضوع و المشاركة مجرّد مسألة خيارٍ، نزعة وبراجماتية، وليس مسألة ولاء أو واجب.
سوف يتطلع اللاسلطويون المسيحيون، مثلاً، إلى حالة المسيح و فكرته في إعطاء ما لقيصر لقيصر. يزعم التأويل اللاسلطويّ لهذا المقطع [من الإنجيل] أنه مؤشّرٌ على سخط المسيح على الدولة و قبوله الضمني بتكبيل السلطان السياسيّ. يناقش كريستويانوبولس قائلاً :” تحقق الإنقلاب السياسي للمسيح من خلال الإذعان بدلاً من الثورة”. تبعًا لهذا التأويل، يكون صلب المسيح حدثًا هدّامًا “يفضح” السلطة السياسية بإعتبارها “شيطانية” و غير شرعية. لا يعترف المسيح بالسلطان الديني و الأخلاقي المطلق لقيصر أو لبيلاطس، ولكنه يجاري النظام السياسيّ. هكذا، يمكن لبعض اللاسلطويين أن يكونوا، بكل بساطة، مذعنين و خاضعين. (Christoyannopoulos 2010: 156)
لكن، مدفوعين سياسيًا، يدعم اللاسلطويون مقاومة سلطة الدولة، بما في ذلك العصيان الاستراتيجي و المبدئي. قد ينطوي عصيانٌ كهذا على أعمال رمزية – الغرافيتي و ما شابه – أو أعمال المقاومة المدنية، التظاهرات ، مقاومة الضرائب و إلى ما هناك، وصولاً إلى، و ربّما بما في ذلك، التخريب، جرائم الملكية، والعنف الخالص. مرةً أخرى، نجد تداخلاً في ما يخصّ نقاش العنف، ولكن فلندَع السؤال جانبًا و لنركّز على مقولة العصيان المدني.
نجدُ مثلاً مهمًا عند ثورو Thoreau ، الذي شرح، على نحوٍ ممتاز، تصرفه في العصيان المدني عبر مقاومة الضريبة ، كالتالي: “في الحقيقة، بعد ندائيّ العالي، أعلِن، بصمتٍ، الحرب على الدولة، على الرغم من أنني سوف أتّخذ و أنال المفيد و النافع منها، كما هو معتاد في حالاتٍ شبيهة.” (Thoreau 1849 [1937: 687])
عصيان ثورو مبدئيّ. يعترف بأن إعلان الحرب على الدولة هو عمل اجراميّ. وهو يتوجّه إلى السجن عن طيب خاطر، ولكنّه يقرّ بأنه سوف يتعاون مع الدولة في الحالات الأخرى، طالما هناك منفعة من التعاون. هذا يؤشّر إلى تعقّد سؤال التعاون، الإحتجاج و العصيان. غالبًا نُظِرَ إلى اطروحة ثورو “العصيان المدني” (1849) على انها بيانٌ لاسلطويّ، وقد ناقشه كروبوتكين بإعتباره لاسلطويّ، واحترم تولسوتي موقفه في العصيان المدني، وكذلك فعل غاندي.
يستمرُ اللاسلطويون بمناقشة استراتيجيات و تكتيكات العصيان. يخترق هذه المناقشة مشكلٌ واحد هو المتعلّق بمدى فعّالية العصيان. إن اُريدَ لحملة عصيانٍ لاسلطوية (أناركية) أن تكون ناجحة فعلى اللاسلطويين أن يكونوا منظمّين ومنتشرين على نطق واسع. وحول إمكانية أن تفكك هذه الحملة فعليًا، أجهزة الدولة يبقى سؤال مفتوحًا.
بإنتظار حلول ثورتهم التي يحلمون بها، على اللاسلطويين أن يأخذوا بعين الإعبتار درجةً يستلزم عندها التعاون مع الدولة والترويج للوضع القائم. ربّما يوجد بعض الإصلاحات و المكتسبات قصيرة الأمد التي يمكن الحصول عليها جرّاء الوسائل السياسية التقليدية: التصويت، جماعات ضغط المشرّعين…الخ ولكن غالبًا ما تمسّك اللاسلطويون بمقاربة من نوع “كل شيء أو لا شيء” في ما خصّ المشاركة السياسية. وقد ذكرنا سابقًا أن اللاسلطويّ المسيحيّ جاك إلّول قال أنّه لا يصوّت لأن اللاسلطوية تتضمن الإعتراض الضميريّ. ولكن ها هنا يكمن اللغز الاستراتيجي. إذا إختار اللاسلطويون أصحاب العقل التدرّجي الإنسحاب من النظام السياسيّ، فإنّ هذا يعني أن السياسات الأقل تنويرًا سوف تسود. من خلال الإمتناع عن التصويت أو الإنخراط في السياسة الإعتيادية، سوف ينتهي اللاسلطوي مع نظامٍ يكون هو أو هي أقل سعادةً فيه مقارنةً بما إذا كان قد شارك أو شاركت في التصويت بكل فاعلية ضمن السيستام.
هذه بالفعل مشكلة ثورة مقابل إصلاح. يريد الثوريون الثورةَ الآن، مؤمنين بأنها سوف تجري عن طريق العمل المباشر من مختلف الأشكال. ربّما يعتقد الثوريون أيضًا أن التطوّر النفسي، الثقافي و الروحانيّ نحو الوعي الثوري لا يمكن أن يحصل إلاّ عند حصول العمل المباشر: بهدف إحلال اللاسلطوية (الأناركية)، قد يفكّر اللاسلطويّ، يجب على المرء التصرّف و التفكير كما لو كان لاسلطويًا. ولكن بغياب ثورة واسعة تعدّها الأمة كلّها، لن تظهر الأعمال الثورية سوى على شاكلة إنسحابٍ أنانيّ، أبيقوريّ فقط، ما ينتقده بوخين على أنه “لاسلطوية كأسلوب حياة”.
بالمقابل، قد ينتهي أصحاب التفكير الإصلاحي الّذين يعملون من داخل سيستام السلطة السياسية و الشرعية إلى مناصرة هذا السيستام الّذي يشككون فيه. نجد هذا المشكل الفلسفي حول التناقض بين الإصلاح و الثورة في كل الأجندات السياسية الراديكالية. إلاّ أنّ المشكّل يصيب بشكل خاصٍ و حادّ اللاسلطويين، لمّا كانت اللاسلطوية في الغالب مسألة كل شيء أو لا شيء: إن كانت الدولة مبررَة، فالتدريجية و الإصلاحية تبدو معقولة؛ ولكن إن لم يكن بالإمكان تبرير الدولة، فما يُسمّى أحيانًا “اللاسلطوية الإصلاحية” تكون مجهَضة منذ البداية.
3.3 التشاركيات اليوتوبية واللاسلطوية اللاثورية
العديد من اللاسلطويين ثوريون يريدون صناعة التغيير من خلال العمل المباشر. ولكن، أخذًا بالحسبان نقاشنا السابق حول العنف، العصيان و إمكانات نجاح النشاط الثوري، يظهر السؤال حول الإنسحاب من الحياة السياسية، و يشير الإبيقوريون و الكلبيون صوب هذه الوجهة. يحفل تاريخ اللاسلطوية (أناركية) بجهود بناء المشاعات اللاسلطوية المستقلّة و المنفصلة عن ما تبقّى من الحياة السياسية الممركزة للدولة.
بإمكاننا، هنا، أن نتناول التاريخ لدى اللاسلطويين المسيحيين و مسالمي الإصلاح: المينونيت Mennonites، على سبيل المثال. أو الكويكرز Quakers الّذين يرفضون التخلّص من كرههم للسلطات السياسية و الّذين يسعون إلى الحصول على منفى لهم في بنسلفانيا. بالفعل، هناك مسار لاسلطويّ لإستيطان شمال أميركا، مثل هؤلاء الّذين أغضبتهم التراتبية الدينية و السياسية في أوروبا، فغادروا الى “العالم الجديد” أو تم طردهم من قبل السلطات الأوروبية. في القرن السابع عشر، طُرِدَت آن هاتشنسون Anne Hutchinson من مستوطنة ماساشوستس باي و أُرغِمَت على ايجاد تشاركية جديدة، حين اسخلصت أن الحكومة فكرة فاسدة. تُعتبَر هاتشنسون من أوائل لاسلطويي شمال أميركا. وقد وجِدَت تشاركيات إنفصالية على يد المناهضين للرق، و المتعالين transcendentalists، و جوزيا وارن Warren و غيرهم.
تشكّلت المشاعات في أوروبا خلال القرن التاسع عشر و في إسبانيا في ثلاثينات القرن العشرين. وُجِدَت بشكلٍ مستمرٍ حركاتٌ و منظمات للسكان الأصليين و آخرين عاشوا على هامش الحياة السياسية الرئيسية. في الستينات و السبيعينات، أُعيد إحياء الإنفصالية اللاسلطوية (الأناركية) في المشاعات الهيبية و حاولت أن تستمر خارج نطاق الشبكات [السياسية] و أن ترجع إلى الطبيعة. و ما زالت المشاعات البديلة، كما حركات الإحتلال [السكوات] و التجمعات العفوية مستمرة بالحدوث.
على التشاركيات الإنفصالية أن تأخذ بعين الإعتبار: درجة إنقطاعها عن العمل اللاسلطويّ المباشر ضد القوى السياسية المهيمنة، مدى ما يمكن أن تصل إليه في ملاءمة نفسها مع الواقع السياسيّ، و مخاطر إعادة بروز تراتبيات مألوفة داخل المشاعة. بالنسبة إلى اللاسلطويّ الثوري، تبدو الإنفصالية استراتيجيا للتفادي تعرقل العمل السياسيّ. على المشاعات الإنفصالية أن تطيع، غالبًا، قواعد التنظيم السياسي المهيمن بهدف التجارة و التواصل مع بقية العالم.
و في الختام، يؤخَذ على المشاعات الإنفصالية انها قد تنتهي مهيكَلة structured بالتحيّز الجنسي، الطبقوية، وبالمبادىء التنظيمية التراتبية الأخرى. قد يجادل أحدعم أن الثقافة المهيمنة قد تم تثويرها، وسوف تكون الإنفصالية إنعكاسًا باهتًا للمثال اللاسلطويّ. أمّا بعد، و على المقلب الآخر، سوف يجادل أنصار الإنفصالية أن أفضل سبيل لتطبيق المثالات اللاسلطوية هو في البرهنة على انها تعمل و في توفير أساس مبرهن تجريبي و ملهِم لللاسلطوية.
إذا تم إستبعاد النشاط الثوري، سوف يُترَك اللاسلطويون مع أشكال متنوعة من التدريجية و الإصلاحية. إحدى الطرق التي قد تبرز هي من خلال بناء ” مناطق مستقلة مؤقتة” كتلك التي وصفها باي Bey. إلى جانب ذلك، يقدم ديفيد جرايبر Graeber وصفًا للعمل الثقافي و الروحي الّذي قد يكون مطلوبًا في سبيل تعبيد الطريق أمام الثورة اللاسلطوية. يقول جرايبر أن ذلك يتطلب “تحررًا في الخيال”، أي ما يعنيه أنه من خلال النشاطية، التشاركيات الطوباوية و ما شابه يمكن أن يتحقق تغييرٌ تدريجيّ في كيفية تخيّل وفهم السلطة السياسية . سوف يردّ اللاسلطويون الثوريون على هذا الكلام بالقول أن التحرير في الخيال هو مجرّد تحرير خياليّ: من دون تغيير فعليّ في الوضع القائم، سوف يبقى القمع و اللامساواة حجر عثرة.
4. اعتراضات وردور
فلنستخلص آخذين بالإعتبار بعض الإعتراضات القياسية على اللاسلطوية (أناركية) و الردود النموذجية
1.4 اللاسلطوية عدمية وهدّامة
الاعتراض: إنّ اللاسلطوية (الأناركية) هي مجرد تسمية أخرى للفوضى و لرفض النظام. اللاسلطويون عنيفون و هدّامون ولديهم نيّة لتدمير كل شيء بما في ذلك الأخلاق بحد ذاتها.
الرد: لا يبدو أن هذا الإعتراض يلاحظ أن اللاسلطويين متعددون. هناك الكثير منهم ممّنهم مسالمين ولا يدافعون عن الثورة العنيفة. يلتزم لاسلطويون آخرون، بشكلٍ ثابتٍ، بمبادىء خلُقية مثل الاستقلالية، الحرية، التضامن، و المساواة. يوجّه بعض اللاسلطويين نقدًا للسلطة بمنحى عدميّ ينكرالمبادىء الأخلاقية، ولكن يمكن للمرء أن يلتزم باللاسلطوية (الأناركية) في الوقت الّذي يدافع به عن تشاركيات الرعاية. بالفعل، آمن الكثيرُ من المؤلفين في التراث اللاسلطويّ بأن الدولة و البنى التراتبية و الستلطية الأخرى في المجتمع المعاصر تمنع الإزدهار الإنسانيّ.
2.4 اسوف تنمو اللاسلطوية بشكل يعود بها إلى الدولة
الاعتراض: يرى هذا الإعتراض أن اللاسلطوية (الأناركية) أصلاً متزعزعة. أثبت هوبز و نظريات العقد الاجتماعيّ الحديثة أن الدولة تظهر كجوابٍ ضروريّ على الفوضى الطبيعية ما يحفظ النظام و يحمي مصالحنا. تصلنا نظرية أخرى من نوزيك Nozick الّذي يجادل بأن “الدولة الحارسة” سوف تتنبثق من الفوضى بفعل عملية من يدٍ خفية: كون الناس سوف يمارسون حريتهم و يبتاعون الحماية من وكالة حماية، وهذه سوف تنمو في نهاية المطاف كي تتحوّل إلى ما يشبه دولة الحد الأدنى.
الرد: قد يناقش اللاسلطويون بالقول أن حالة الطبيعة ليست بكل بساطةٍ حالة حربٍ ، وأنّ توصيف هوبز مغلوط. يجادل بعض اللاسلطويين البدائيين أن الأمور كانت أفضل للبشر في الحالة الأصلية للطبيعة في التشاركيات الصغيرة التي تعيش قريبةً من الأرض. لاسلطويون آخرون قد يجادلون أن مساوىء تنظيمات الدولة – تشكيل التراتبيات، الاحتكارات، اللامساواة وما شابه – تفوق بكلّ بساطة منافع بنى الدولة، وأن الكائن العقلاني سوف يختار أن يبقى في الفوضى بدل أن يسمح للدولة بأن تنمو. و قد يحاجج بعض اللاسلطويين أنه في كلّ مرة تنبثق فيها الدولة يلزم تدميرها، ولكنّ آخرين سوف يحتجون أن التعليم و النمو البشري (بما في ذلك النمو التقني) سوف يمنع إنبثاق الدولة من جديد.
3.4 اللاسلطوية يوتيوبية
الاعتراض: يزعم هذا الإعتراض أنّه، بكل بساطة، لا يوجد سبيل لتدمير الدولة أو تفكيكها، وهكذا لن تجني الممارسات في النظرية السياسية اللاسلطوية أي ثمار. سوف يكون من الأفضل، إنطلاقًا من رؤية كهذه، التركيز على نقد التراتبية، اللامساواة، و التهديدات التي تطال الحرية، وذلك من وجهة نظر النظرية السياسة الليبرالية أو الليبرتانية، وأن يتم الإلتزام بالإصلاح الّذي يتحقق داخل الوضع القائم والتنظيم السياسي السائد.
الرد: تعارض النظرية المثالية، دومًا، تلك اللامثالية، ولكن يمكن للتأمل الطوباويّ أن يكون مثمرًا في توضيح القيَم. هكذا، يمكن لللاسلطوية الفلسفية أن تكون تمرينًا نافعًا يساعدنا على فهمِ قيَمنا و إلتزامنا، بالرغم من أن اللاسلطوية السياسية لن يكتب لها أمل النجاح. زد على ذلك، نجد أمثلةً على تشاركيات لاسلطوية ناجحة على نطاقٍ محليّ صغير. يمكن أن ننظر إلى هذه الأمثلة العينية كتجارب في النظرية و الممارسة اللاسلطويتين.
4.4 اللاسلطوية غير متجانسة
الاعتراض: يزعم هذا الإعتراض أن نظرية سياسيةً تلغي البنى السياسية لا معنى لها. يظهرُ شأنٌ متصلٌ بذلك حين تؤخذ اللاسلطوية (الأناركية) بكونها نقدًا لكل سلطانٍ، في كلّ حالةٍ، وبكل المعاني. إذا أنكر اللاسلطويون إمكانية وجود أي سلطة ، فهم يطالبون بما هو متناقض: سوف يكون لدينا نظرية حكم تقرر أن لا وجود لنظرية حكم. يرتبط هذا النوع من النقد بالنقد النموذجي للنسبوية و العدمية. ما يتعلّق بهذا هو إعتراض أكثر عينيةً وإعتياديةً يعلن أن لا وجود لحركة لاسلطوية أو فعل جماعي، طالما أن اللاسلطوية تعارضُ، جوهريًا، فكرة الحركة أو الجماعية (طالما لا يمكن أن يوجد تحت حكم اللاسلطوية أي حكم رسميّ أو عُدّة قوانين)
الرد: يصحّ هذا الإعتراض فقط حين نأخذ اللاسلطوية (الأناركية) بإعتبارها نظرية الكل شيء أو اللاشيء للتعددية المطلقة. لا يوافق السياسيون اللاسلطويون بالضرورة مع النقد التشكيكي ما بعد الأسسيّ الّذي يقرر أنه لا يمكن أن يوجد مبدأ حاكم أو سلطان من أي نوعٍ كان. بالأحرى، يرى السياسيون اللاسلطويون أن هناك سلطات شرعية ولكن السلطة السياسية سرعان ما سوف تخسر شرعيتها و سلطويتها. إضافة إلى ذلك، يميل اللاسلطويون إلى الدفاع عن مبدأ و طريقة في التنظيم تستند على التطوعية و التعاون المتبادل، كما على الإجماع و / أو التوافق.
من وجهة النظر هذه، يمكن للتشاركيات اللاسلطوية أن تعمل بشكلٍ جيدٍ جدًا، وأن تبيّن إنها تتجنب السلطة القهرية. من أجل دعم هذه الوجهة سوف يشير اللاسلطويون الى أمثلة تاريخية عن مشاعات لاسلطوية ناجحة، كما سوف يشيرون إلى العلاقات البشرية العادية – في العائلات و في المجتمع المدني – والتي تشتغل بشكلٍ ناجحٍ بعيدًا عن السلطان السياسيّ التراتبيّ و القهريّ.
5.4 اللاسلطوية الفلسفية عديمة الفعالية
الاعتراض: أحد الإعتراضات لللاسلطوية الفلسفية التي ناقشناها سابقًا هي انّها تبقى نظرية فحسب. لا يصبر بعض اللاسلطويين على الخطابات المجرّدة التي لا تنخرط في العمل المباشر. إحدى شجون اللاسلطوية (الأناركية) الفلسفية تكمن في فشلها بالممارسة – و في تحمّل مسؤولية أفعالها التي يجب أن تنبع من الفكر – وتبقى اللاسلطوية الفلسفية رفاهية برجوازية تخدم فعليًا الوضع القائم. هكذا، حين يبقى اللاسلطويون الفلسفيون غير ملتزمين بشروط المسائل الملموسة التي ترفعها اللاسلطوية – ما إذا كان عليهم إطاعة القوانين، التصويت…ألخ – وهم يميلون إلى دعم مصالح المدافعين عن الوضع القائم.
الرد: ردًا على هذا الإعتراض، يمكن الدفاع عن أهمية التفكير الفلسفيّ. و من المهمّ أن نكون واضحين في ما يخصّ المبادىء و الأفكار قبل الإنطلاق إلى الفعل. و في ما يتعلّق باللاسلطوية، المخاطر مرتفعة تمامًا. عميقة هي الألغاز التي أنشأتها اللاسلطوية (الأناركية) الفلسفية، وهي تقودنا إلى سؤال المقولات التقليدية للسيادة، الخضوع السياسيّ، وما شابه؛ كما تقودنا إلى التساؤل حول الموافقات الأخلاقية، بما في ذلك مبادئنا الأولية المتصلّة بنظرية و تنظيم الحياة الاجتماعية.
أخذًا بالإعتبار صعوبة حلّ العديد من هذه المسائل، يمكن لللاسلطوية الفلسفية أن تأخذ هذا التنبيه بعين الإعتبار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لللاسلطوية الفلسفية أن تدافع عن أهمية هذا التساؤل؛ ويمدّنا النقد اللاسلطويّ بالدافع لكي نساءل ما نعتقد أنه بديهي. قد لا يغيّر التساؤل العالمَ بشكلٍ مباشر أو أن يقود إلى العمل المباشر، ولكنّ التساؤل هو خطوة مهمّة على طريق العمل المدروس و الأخلاقي.
المراجع
Bakunin, Mikhail, 1873 [1990], Statism and Anarchy(Gosudarstvennost’ i anarkhii͡a), Marshall S. Shatz (trans.), Cambridge: Cambridge University Press.
–––, 1882/1908 [1910/1970], God and the State(Dieu et l’État), New York: Dover Publishing
Ben-Dor, Oren, 2000, Constitutional Limits and the Public Sphere: A Critical Study of Bentham’s Constitutionalism, Oxford: Hart Publishing.
Bentham, Jeremy, 1843, “Anarchical Fallacies”, in The Works of Jeremy Bentham, Volume 2. Edinburgh: Tait. [Bentham 1843 available online]
Berdyaev, Nicolas, 1940 [1944], Slavery and Freedom(O rabstve i svobode cheloveka), R.M. French (trans.), London: Geoffrey Bless.
Bertram, Christopher, 2010 [2017], “Jean Jacques Rousseau”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Summer 2017 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = https://plato.stanford.edu/archives/sum2017/entries/rousseau/
Bey, Hakim, 1985, The Temporary Autonomous Zone, Ontological Anarchy, Poetic Terrorism, Anti-Copyright. [Bey 1985 available online]
Bookchin, Murray, 1971 [1986], Post-Scarcity Anarchism, Montreal: Black Rose.
–––, 1995, Social Anarchism or Lifestyle Anarchism: An Unbridgeable Chasm, Oakland, CA: AK Press.
Camus, Albert, 1951 [1991], The Rebel(L’homme révolté), Anthony Bower (trans.), New York: Vintage
Casey, Gerard, 2012, Libertarian Anarchy: Against the State, London: Bloomsbury.
Chomsky, Noam, 2005, Chomsky on Anarchism, Barry Paterman (ed.), Oakland: AK Press.
Clark, John P., 2013, The Impossible Community: Realizing Communitarian Anarchism, London: Bloomsbury.
Christoyannopoulos, Alexandre J.M.E., 2010, “Christian Anarchism: A Revolutionary Reading of the Bible”, in Jun & Wahl 2010: 149–168.
–––, 2011, Christian Anarchism: A Political Commentary on the Gospel(Abridged Edition). Charlottesville, VA: Imprint Academic/Philosophy Documentation Center.
Daring, C.B., J. Rogue, Deric Shannon, and Abbey Volcano (eds.), 2010, Queering Anarchism: Addressing and Undressing Power and Desire, Oakland, CA: AK Press.
Davis, Laurence, 2012, “Anarchism and the Future of Revolution”, in Ruth Kinna (ed.), The Continuum Companion to Anarchism, London: Continuum.
Davis, Richard A, 2009, “Love, Hate, and Kierkegaard’s Christian Politics of Indifference”, in Alexandre J.M.E. Christoyannopoulos, (ed.), Religious Anarchism: New Perspectives, Newcastle upon Tyne: Cambridge Scholars, pp. 82–105.
Depuis-Déri, Francis, 2010, “Anarchy in Political Philosophy”, in Jun & Wahl 2010: 9–24.
Ellul, Jacques, 1988 [1991], Anarchy and Christianity(Anarchie et christianisme), Geoffrey W. Bromiley (trans.), Grand Rapids, MI: Eerdmans
Feyerabend, Paul, 1975 [1993], Against Method: Outline of an Anarchist Theory of Knowledge, third edition, London: Verso. First edition is 1975.
Fiala, Andrew, 2013a, Against Religions, Wars, and States: Enlightenment Atheism, Just War Pacifism, and Liberal-Democratic Anarchism, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
–––, 2013b, “Political Skepticism and Anarchist Themes in the American Tradition”, European Journal of Pragmatism and American Philosophy, V(2). doi:10.4000/ejpap.545
- –––, 2015, “Sovereignty”, in Andrew Fiala (ed.), Bloomsbury Companion to Political Philosophy, London: Bloomsbury Publishing, chapter 2.
- Franks, Benjamin, 2003, “Direct Action Ethic”, Anarchist Studies11(1): 13–41.
- Franks, Benjamin and Matthew Wilson (eds.), 2010, Anarchism and Moral Philosophy, New York: Palgrave MacMillan.
- Gandhi, Mohandas K, 1916 [1956], “Benares University Speech, February 4, 1916”, in The Gandhi Reader: A Sourcebook of His Life and Writings, Homer A. Jack (ed.), New York: Grove Press, pp. 128–135.
- Gans, Chaim, 1992, Philosophical Anarchism and Political Disobedience, Cambridge: Cambridge University Press.
- Godwin, William, 1793, An Enquiry Concerning Political Justice, volume 2, London: G. G. J. and J. Robinson. [Godwin 1793 available online]
- Goldman, Emma, 1913 [1996], “Syndicalism: Its Theory and Practice”, in Red Emma Speaks: An Emma Goldman Reader, third edition, Alix Kates Shulman (ed.), Atlantic Highlands, NJ: Humanities Press, pp. 87-100.
- Graeber, David, 2004, Fragments of an Anarchist Anthropology, Chicago: Prickly Paradigm.
- James, William, 1907 [1981], Pragmatism, Indianapolis: Hackett.
- Jensen, Derick, 2006, Endgame, 2 volumes, New York: Seven Stories Press.
- Jun, Nathan J. and Shane Wahl, (eds.), 2010, New Perspectives on Anarchism, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
- Jun, Nathan J. (ed.), 2017, Brill’s Companion to Anarchism and Philosophy, Leiden, NL: Brill.
- King, Martin Luther Jr, 1961 [1991], “Love, Law, and Civil Disobedience”, reprinted in A Testament of Hope: The Essential Writings and Speeches of Martin Luther King, Jr., James Melvin Washington (ed.), San Francisco: HarperCollins, pp. 43–53.
- Kornegger, Peggy, 1975, “Anarchism: The Feminist Connection”, The Second Wave, Spring. [Kornegger 1975 available online]
- Kropotkin, Peter, 1892 [1995], The Conquest of Bread(La Conquête du Pain) reprinted in The Conquest of Bread and Other Anarchist Writings, Marshall Shatz (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 1–202.
- –––, 1910, “Anarchism”, in The Encyclopaedia Britannica, 1910 edition. Reprinted in Kropotkin 1927. [Kropotkin 1910 available online]
- –––, 1927 [2002], Anarchism: A Collection of Revolutionary Writings, Roger N. Baldwin (ed.), New York: Vanguard Press. Reprinted 2002 New York: Dover.
- Machan, Tibor, R., 2002, “Anarchism and Minarchism: A Rapprochement”, From Journal des Économistes et des Études Humaines12(4): 569–588.
- Malatesta, Errico, 2015, Life and Ideas: The Anarchist Writings of Enrico Malatesta, Vernon Richards (ed.), Oakland, CA: PM Press.
- Marshall, Peter H., 2010, Demanding the Impossible: A History of Anarchism, updated edition, Oakland, CA: PM Press.
- Marx, Karl, 1875, Critique of the Gotha Program(Part I, Section 3), abridged version first published in Die Neue Zeit, 1(18) (1890-91). For the famous quote, see Section 3 in Part I, of the version available online.
- May, Todd, 1994, The Political Philosophy of Poststructuralist Anarchism, University Park, PA: Pennsylvania State University Press.
- McLaughlin, Paul, 2007, Anarchism and Authority: A Philosophical Introduction to Classical Anarchism, New York: Routledge.
- Newman, Saul, 2016, Postanarchism, Cambridge: Polity.
- Nocella, Anthony J. II, Richard J. White, and Erika Cudworth (eds.), 2015, Anarchism and Animal Liberation: Essays on Complementary Elements of Total Liberation, Jefferson, NC: McFarland.
- Nozick, Robert, 1974, Anarchy, State, Utopia, New York: Basic Books.
- Ostrom, Elinor, 1990, Governing the Commons: The Evolution of Institutions for Collective Action, Cambridge: Cambridge University Press.
- Perry, Lewis Wayne, 1973 [1995], Radical Abolitionism: Anarchy and the Government of God in Antislavery Thought, Knoxville, TN: University of Tennessee Press.
- Proudhon, Pierre-Joseph, 1840 [1876], What is Property? First Memoir, Benjamin R. Tucker (trans.), Princeton, MA: Benjamin R. Tucker.
- Ramnath, Maia, 2011, Decolonizing Anarchism: An Antiauthoritarian History of India’s Liberation Struggle, Oakland, CA: AK Press.
- Rand, Ayn, 1964, “The Nature of Government”, in The Virtue of Selfishness, New York: Penguin.
- Rapp, John A., 2012, Daoism and Anarchism: Critiques of State Autonomy in Ancient and Modern China, London: Continuum.
- Reiman, Jeffrey, 1972, In Defense of Political Philosophy: A Reply to Robert Paul Wolff’s “In Defense of Anarchism”, New York: Harper & Row.
- Rothbard, Murray N., 1977, “Robert Nozick and the Immaculate Conception of the State”, Journal of Libertarian Studies1(1): 45–57.
- –––, 2008, “Are Libertarians ‘Anarchists’?”, at Mises Daily: Friday, January 04, 2008. URL = <https://mises.org/library/are-libertarians-anarchists>
- Sartwell, Crispin, 2008, Against the State: An Introduction to Anarchist Political Theory, Albany, NY: SUNY Press.
- Scrivener, Michael Henry, 1982, Radical Shelley: The Philosophical Anarchism and Utopian Thought of Percy Bysshe Shelley, Princeton, NJ: Princeton University Press.
- Simmons, A. John, 1980, Moral Principles and Political Obligations, Princeton, NJ: Princeton University Press.
- –––, 1993, On The Edge of Anarchy: Locke, Consent, and the Limits of Society, Princeton, NJ: Princeton University Press.
- –––, 2001, Justification and Legitimacy: Essays on Rights and Obligations, Cambridge: Cambridge University Press.
- Stirner, Max, 1844 [1995], The Ego and Its Own(Der Einzige und sein Eigentum), David Leopold (ed.), Cambridge: Cambridge University Press. doi:9780511815959
- Stringham, Edward P., 2007, Anarchy and the Law: The Political Economy of Choice, New Brunswick, NJ: Transaction.
- Thoreau, Henry David, 1849 [1937], “Civil Disobedience” in Walden and Other Writings, Brooks Atkinson (ed.), New York: Modern Library, pp. 667-693.
- Tolstoy, Leo, 1894, The Kingdom of God is Within You(T͡Sarstvo Bozhie vnutri vas), London: William Heinemann.
- Varden, Helga, 2015, “John Locke: Libertarian Anarchism”, in Philosophie de la justice/Philosophy of Justice, Guttorm Fløistad (ed.), Netherlands: Springer, pp. 157–176.
- Wolff, Robert Paul, 1970, In Defense of Anarchism, New York: Harper and Row.
- Zerzan, John, 2008, Running on Emptiness: The Pathology of Civilization, Port Townsend, WA: Feral House.
- –––, 2012, Future Primitive: Revisited, Port Townsend, WA: Feral House.
أدوات أكاديمية
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. | |
Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO). | |
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database. |
مصادر أخرى على الإنترنت
مداخل ذات صلة
authority | autonomy: in moral and political philosophy | Feyerabend, Paul | Godwin, William | libertarianism | Nozick, Robert: political philosophy | pacifism | political obligation | sovereignty | Stirner, Max
[1] Fiala, Andrew, “Anarchism”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2018/entries/anarchism/>.