مجلة حكمة
أرسطو هيلومورفية المادصورية ستانفورد

هيلومورفية (المادّصورية) عند أرسطو – كريستوفر شيلدز


هيلومورفية أو المادصورية

من الأفكار التي تتبوّأ موقع القلب من التفسير العلّي الرباعي للكفاية التفسيرية عند أرسـطو: أفكار المادّة (hulê) والصورة (eidos أو morphê)، وكلاهما يكوّنان أحد أبرز التزاماته الفلسفية الرئيسية، أي: المادصورية (Hylomorphism): أو هيلومورفية

المادصورية (هيلومورفية) = (صَ) أشياء عادية تتركّب من المادة والصورة.

وإنّ اللجوء في هذا التعريف لـ”الأشياء العادية” يدعو إلى التأمّل، لكن إذا نظرنا إليه باعتباره أوّل اقتراب من هذه المسألة فسنجد أنّه يخدم تناول هذه المسألة من ناحية الاعتماد على النوع نفسه من الأمثلة التي يوظّفها أرسطو في ترويجه لـ المادصورية (هيلومورفية): التماثيل والمنازل والخيول والبشر. وبشكل عامّ: إنّنا قد نركّز تفكيرنا على أشياء وكائنات حيّة مألوفة. والمادصورية (هيلومورفية) تعتقد بأنّه ما من شيء يمكن أن يكون بسيطًا من الناحية الميتافيزيقية، وإنّما يتركّب من عنصرين ميتافيزيقيين مميّزين: أحدهما صوري، والآخر مادّي.

وقد صيغت المادصورية (هيلومورفية) عند أرسطو في الأصل من أجل التعامل مع الألغاز المتنوّعة المحيطة بالتغيّر؛ فمن بين المسلّمات التي واجهت أرسطو في كتابه (الطبيعة) بعض الطعون الصادمة في انسجام فكرة التغيّر نفسها، وقد طرحها پارمنيدس وزينون من قبل. وكان الحافز الأوّلي الذي دفع أرسطو لمواجهة هذه التحدّيات، كما رأينا في موضع سابق، هو المحافظة على الظاهرات (phainomena) من أجل شرح الكيفية التي يكون بها التغيّر ممكنًا. ومن العناصر الرئيسية في ردّ أرسطو على التحدّيات التي وصلته من أسلافه: إصراره على أنّ التغيّر لا يخرج عن احتوائه لعاملين على الأقلّ: شيء يستمرّ، وشيء يكتسب أو يفقَد. وعلى هذا الأساس، فإنّ سقراط عندما يذهب إلى الشاطئ ويعود وقد غيّرت لونه أشعّة الشمس، فهنالك شيء ما قد استمرّ (وهو سقراط تحديدًا) حتّى وإن كان هنالك شيء قد فقِد (البياض) وشيء آخر قد اكتسِب (السمرة). وهذا التغيّر يطال مقولة (الكيفية)، ومن هنا جاءت العبارة الشائعة “التغيّر الكيفي”. وإذا ازداد وزن سقراط ففي هذه الحالة أيضًا هنالك شيء يبقى على حاله (سقراط) وشيء يكتسَب (في هذه الحالة: كمّية المادّة)، وعلى هذا الأساس نكون أمام تغيّر كمّي، وليس كيفيًا.

ويحاجج أرسطو، بشكل عامّ، بأنّه مهما كانت المقولة التي يحدث التغيير فيها، فهنالك شيء يفقَد وشيء يكتَسب (ضمن) تلك المقولة، حتّى وإن كان التغيير يحدث بينما يبقى شيء آخر (جوهر) في الوجود باعتباره معرّضًا لهذا التغيّر. ولا شكّ في أنّ الجواهر قد تظهر في الوجود وقد تختفي منه، وذلك في حالات التوليد أو الهدم؛ وهي تغيّرات تحدث في مقولة الجوهر. لكنّ من الواضح أن هنالك ما يستمرّ حتّى في حالات التغيّر ضمن هذا الصنف. ولنطرح هنا مثالًا يحبّه أرسطو: ففي حالة توليد تمثال ما، يستمرّ البرونز لكنّه يكتسب بعدها صورة جديدة، وهي صورة جوهرية، وليست عرضية. وفي كلّ الحالات، سواء كانت جوهرية أو عرضية، فإنّ التحليل المعتمد على العاملين السابقين ينتج عنه: شيء ما يبقى على حاله وشيء يكتَسب أو يفقَد.

وفي الصياغة الأبكر لـ المادصورية (هيلومورفية) نجدها تطلق اسمين على العاملين السابقين: فما يتبقّى هو (المادّة) وما يكتَسب هو (الصورة). لكنّ المادصورية (هيلومورفية) سرعان ما تتعقّد بشكل أكبر بكثير لدى أرسطو عندما تجبَر أفكار المادّة والصورة على خدمة الفلسفة. ومن المهمّ أن نشير إلى أنّ المادّة والصورة تقرنان بتمييز اساسي آخر، وهو التمييز بين (الإمكانية) و(الحقيقية). وبالعودة إلى حالة توليد التمثال: قد نقول بأنّ البرونز هو (في الممكن) تمثال، لكنّه لا يكون تمثالًا (حقيقيًا) إلّا حينما، وفقط حينما، يشكَّل على صورة تمثال. ولا شكّ في أنّ البرونز قبل أن يصنَع تمثالًا كان أيضًا (في الممكن) عددًا كبيرًا من الأشياء الأخرى (مدفع، أو محرّك بخاري، أو مرمى في ملعب لكرة القدم)، ومع ذلك فإنّه لم يكن في الممكن زبدة أو كرة مطّاطية، وهذا يبيّن لنا كيف أنّ الإمكانية والاحتمالية لا تتطابقان: فالقول بأنّ (س) هو في الإمكانية (ص) يعني القول بأنّ (س) يمتلك ميزات حقيقية قد يعتمد عليها لصناعته ليكون (ص) عبر فرض الصورة (ص) عليه. ولذلك يصبح من الممكن، على ضوء هذه الصلات المتنوّعة، أن نعرّف جنسي الصورة والمادّة على أنّهما:

  • الصورة = (صَ) ما يجعل مادّة ما هي (ص) في الممكن لتكون (ص) في الحقيقة.

  • المادّة = (صَ) ما يستمرّ وما هو في الممكن (ص) وفقًا لنطاق ما من حالات (ص).

ولا شكّ في أنّ هذين التعريفين يتّصفان بالدائرية، لكنّ هذه الصفة ليست مشكلة في ذاتها: إذ يرى أرسطو بأنّ الحقيقية والإمكانية مفهومان أساسيان يقبلان التفسير والوصف لكنّهما لا يقبلان التحليلات الاختزالية.

وإذا لخّصنا مناقشات أرسطو للتغيّر في كتابه الطبيعة (Physics i 7 and 8)، وقدّمنا المادّة بشكل أوضح ممّا فعل، فسنجد أمامنا الحجّة البسيطة التالية حول المادّة والصورة: (1) من الشروط الضرورية لحدوث التغيّر هو وجود المادّة والصورة. (2) يوجد تغيّر، إذن: (3) يوجد مادّة وصورة. والمقدّمة الثانية من الظاهرات (phainomenon)، فإذا قبلناها دون دفاع فلا يبقى حينها سوى المقدّمة الأولى بحاجة إلى تبرير. والمقدّمة الأولى تبررّها فكرة مفادها أنّه ليس هنالك توليد من عدم (ex nihilo)، ففي كلّ حالة من حالات التغيّر هنالك شيء يستمرّ بينما هنالك شيء آخر يكتسَب أو يفقَد. وفي التوليد أو الهدم الجوهري هنالك صورة جوهرية تكتسَب أو تفقَد؛ وفي التغيّر الذي لا يحدث إلّا عرضيًا تكون الصورة المكتسَبة أو المفقودة هي نفسها عرضية. وبما أنّ طريقتي التغيّر هاتين تشملان كلّ أنواع التغيّر، فإنّ (كلّ) حالات التغيّر يتواجد فيها العاملان، أي: المادّة والصورة.

ولهذه الأسباب ينتوي أرسطو من مفهومه لـ المادصورية (هيلومورفية) أن يكون أكثر من مفهوم تفسيري استكشافي بسيط، فهو يصرّ على العكس من ذلك بأنّ المادّة والصورة ميزتان للعالم مستقلّتان عن الذهن، ولذلك يجب أن يشار إليهما في أيّ تفسير كامل لطريقة عمله.

هيلومورفية أو المادصورية