مجلة حكمة
هيجل، فيورباخ وماركس دياليكتيك

هيجل، فيورباخ وماركس أو ديالكتيك الاحتفاظ والتخطي – الحسين بوتبغة


هيجل، فيورباخ وماركس 

شكلت الفلسفة الماركسية منذ أواخر القرن 19 وطوال القرن 20 مركز ثقل الفكر الفلسفي والاجتماعي والسياسي العالمي. فجميع المذاهب والتيارات الفلسفية التي كانت موجودة خلال فترة تبلور هذه الفلسفة، وتلك التي ستنشأ في فترات لاحقة، تحددت معالمها بشكل أو بآخر في علاقة مع الماركسية: فهي إما تتبنى تصورها العام للكون والإنسان والمجتمع، كلا أو جزءا، صراحة أو ضمنا (الوجودية  في بعض تجلياتها مثلا) أو إنها على العكس تبلورت في مواجهة هذا التصور (الفينومينولوجيا والوضعية المنطقية نموذجان).

وبقدر ما أثرت الفلسفة الماركسية في مجرى تاريخ الإنسانية المعاصر و في أبرز وقائعه، فإن مسارها و تطورها اللاحق سيكونان نتيجة لهذه الوقائع التاريخية نفسها. فقد ساعدت ثورة 1917 في روسيا، ثم الثورة الصينية في وقت لاحق على إعطاء دفعة قوية للفلسفة الماركسية، من خلال ما ولدته من آمال في التحرر وفي تحقيق العدالة الاجتماعية، ومن خلال تكريسها “فلسفة رسمية” للدولة. و كان لإنشاء مراكز الدراسات والابحاث، ورصد الإمكانات المادية الهائلة للترويج لها في القارات الخمس. كما كان لنشأة الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في عموم أوروبا ثم في اغلب بلدان آسيا وإفريقيا، دور أساس في احتلال الفلسفة الماركسية مركز الصدارة في الساحة الثقافية العالمية.

لقد تبلورت الفلسفة الماركسية نفسها خلال القرن 19 في تفاعل عميق مع فلسفات عصرها ومع نتائج العلوم الطبيعية والاجتماعية في ذلك العصر. غير أن تفاعلها، خاصة مع التيارات الفلسفية، لم يكن على الدوام سلسا وايجابيا. فقد كانت الفلسفة الهيجلية في أوجها ، وكان و.ف.هيجل (1770 – 1831 )يفرض نفسه بقدرته على تقديم أجوبة نسقية على مجموع القضايا التي كانت تشغل الفكر في عصره، في مجالات الطبيعة والسياسة والأخلاق والدين والفن الخ… وكان ل.فيورباخ (1804-.1872) –  في اتجاه مناقض لهيجل – يجهد نفسه ليقدم كذلك أجوبة على الأسئلة الفلسفية الكبرى ، مرتكزا  على بعض نتائج علوم الطبيعة، وعلى ما وصل عصره من أفكار تنتمي إلى الاتجاه المادي في الفلسفة، منذ الذريين  والابيقوريين إلى ماديي القرن 18 الفرنسيين أمثال دولباخ وهلفيتوس ولامتري وغيرهم.

لقد أشاد إ.كانط (1724-1804) في مستهل كتابه «مقدمة لكل ميتافيزيقا مقبلة يمكن أن تصير علما “بالتأثير الايجابي للفيلسوف الانجليزي د. هيوم (1711 – 1776) على الفلسفة النقدية، فكتب يقول: “إني أقر صراحة أن إخطار هيوم لي هو الذي أيقظني في البداية من سباتي الدوغمائي، وهو الذي أعطى لأبحاثي في الفلسفة التأملية اتجاها جديدا. “[1]

وبعد كانط بعقود، أقر هيجل بدوره بفضل كانط في اكتشاف أهمية التناقض في سياق كشفه لطبيعة العقل وهو يعمل في مجال الميتافيزيقيا، فيثبت القضية ونقيضها بصدد وجود الله وحرية الإنسان الخ… (ما سماه نقائض العقل الخالص). غير أن هيجل كان يؤاخذ على سلفه أن التناقض ضل عنده محصورا في مجال العقل ،والحال -يقول هيجل- أن التناقض يدخل في نسيج الوجود  بكل تجلياته، وأنه أساس الحركة الدياليكتيكية التي يخضع لقوانينها كل ما هو موجود، ماديا كان او غير مادي.

وفيا لهذا التقليد الايجابي في اعتراف الفلاسفة بعضهم ببعض (وهو مالا يلغي بالطبع أصناف الاختلاف والصراع بينهم) أشاد ك. ماركس ( 1818 – 1883 ) في أحد ابرز مؤلفات النضج وهو “رأس المال” بهيجل وبفضله على تشكل النظرية الماركسية :” حين كنت أكتب الجزء الأول من “رأس المال” ،كان أبناء الجيل الجديد ،أولئك الأدعياء التافهون، يتباهون بأنهم ينظرون إلى هيجل(…) نظرتهم إلى “كلب ميت”. لذا، بادرت وأعلنت صراحة أنني لست إلا تلميذا لهذا الأستاذ العملاق.”[2]

وبنفس الصيغة الحماسية، أشاد كذلك بالدور الأساس لفيورباخ في تشكل الفكر الماركسي. فقد كتب: “إنني أنصحكم، أنتم أيها اللاهوتيون والفلاسفة التأمليون، بان تتخلصوا من مفاهيم الفلسفة القديمة وأرائها المسبقة، إن كنتم تريدون الوصول إلى الأشياء كما هي في الواقع، أي إلى الحقيقة. وليس أمامكم من طريق آخر إلى الحقيقة والحرية غير “نهر النار “(FUER-BACH) هذا. أن فيورباخ مطهر عصره.” [3]

وإذ يؤكد ك. ماركس و رفيقه ف.انجلز (1820 – 1895 )  أن الفلسفة الهيجلية وفلسفة فيورباخ- إلى جانب مادية القرن 18 الفرنسية والاقتصاد السياسي الانجليزي والاشتراكية الطوباوية الفرنسية- مصدران أساسان من مصادر الفلسفة الماركسية، فإنهما من جانب أخر يعتبران أن أفكارهما الخاصة بتصور الطبيعة والمجتمع والسياسة، قد تبلورت بالأساس في تناقض مع تصورات هيجل وبتخطي أطروحات فيورباخ حول المادية و حول الإنسان والمجتمع.

فقد تسلحا بالمادية في قراءة هيجل والتعامل معه، وبلورا فلسفة مادية تتجاوز مظاهر النقص في مادية فيورباخ التي هي وريثة المادية الميكانيكية ذات الأصول الانجليزية (هيوم ولوك) والفرنسية (ماديو القرن 18 الفرنسيون)، مستفيدان من نتائج علوم الطبيعة في عصرهما، خاصة نتائج الاكتشافات الحاسمة في الكيمياء والبيولوجيا (اكتشاف الخلية، اكتشاف قانون تحول الطاقة، بروز نظرية التطور).

لم ينكر ماركس وانجلز ،إذن، أنهما تلميذان لهيجل، كما التزما في أكثر من مناسبة بتأكيد فضل فيورباخ ودوره في تخليصهما من التأمل الفلسفي المثالي وتوجيهما نحو أفق جديد يتم فيه تخطي شراك الايديولوجيا التي كان واقع ألمانيا ينصبها للمفكرين، والتي كان من “ضحاياها” مجموعة من المفكرين الشبان المنتمين إلىى”اليسار الهيجلي” أمثال دافيد شتراوس وبرونو باور  و إدغار باور وماكس شترنر وغيرهم.

1– هيجل (1770 -1831 )

في مؤلفاته الرئيسية أي “فينومينولوجيا الروح” و”فلسفة الحق” و “فلسفة التاريخ“، وهي ما درج بعض الباحثين على تسميتها “مؤلفات النضج”، تبلورت النظرة الكلية والجدلية للوجود لدى هيجل. فالوجود في مختلف مظاهره المادية والروحية كل عضوي مترابط يتجلى عبر التاريخ في جميع ماحقته الإنسانية من تقدم فكري واجتماعي واقتصادي. لهذا الوجود الكلي “ذات” تشكل موضوع التطور، وهي تتجلى في جميع أشكال الوجود وهي ما يسميه هيجل “الروح المطلق” أو “الفكرة المطلقة” أو ” الفكرة”. والفكرة المطلقة -حسب هيجل – روح خالص يشمل كل شيء بالقوة (ما هو موجود وما سيوجد)، وجد قبل العالم وقبل التاريخ في حالة لا واعية، وهي تكتسب وعيها بذاتها بشكل تدريجي سعيا وراء التحقق الذاتي.

إن مجرى تاريخ الفكر والطبيعة والإنسان يشهد باستمرار تحقق “الفكرة”. فهي تتجسد -في مرحلة أولى –بشكل جنيني في الطبيعة ثم يرتقي تجسدها نحو الكمال في التاريخ لتصل في الأخير إلى أقصى تجل لها في ثلاثة مظاهر هي بالترتيب: الفن والدين والفلسفة. والنتيجة التي تلزم عن ذلك، أن التحقق الفعلي للفكرة تم في الفلسفة الهيجلية التي تتوج تاريخ الفلسفة. والتي يتحقق فيها التطابق بين الفكر والوجود، بين الذات والموضوع في إطار وحدة صوفية.

وهذه الوحدة التي اعتقد هيجل أنها حلت بشكل نهائي المشكل الفلسفي الأول وهو مشكل العلاقة بين الفكر والوجود، هي ما سينتقده ف. انجلز في كتاب شهير هو “ضد دوهرينغ” وذلك ببيان أن وحدة العالم الحقيقة ليست ــــــ كما يعتقد هيجل ــــــــــ في وجوده، بل في ماديته، وهذه المادية هي ما يبرهن عليه التاريخ الطويل لتطور الفلسفة ولتطور علوم الطبيعة: ” كان هيجل مثاليا. فبالنسبة إليه ليست أفكارنا انعكاسا لحد ما للأشياء وللعمليات الواقعية، وإنما بالعكس كانت الأشياء وتطورها بالنسبة إليه مجرد تجسيد “لفكرة” معينة كانت موجودة في مكان ما قبل نشوء العالم. وبهذا، وضع كل شيء رأسا على عقب وشوهت تماما العلاقة بين الظواهر.”[4]

وفي كتابه “دروس في فلسفة التاريخ يكد هيجل لبيان أن “الفكرة” تحقق نفسها بشكل أسمى مما هو عليه الأمر في مجال الطبيعة في مجرى التطور التاريخي للإنسانية. فالتاريخ في نهاية الامر مجرد مستوى من مستويات تحقق “الفكرة”. صحيح أن هذا المستوى أكثر “عقلية” مما هو في مجال الطبيعة، ولكنه مع ذلك لا يخلو – مثله مثل الطبيعة ـــــ من إحداث طارئة أي لا عقلية، لهذا فالفيلسوف لا يفسر جميع أحداث التاريخ بل ينتقي منها تلك التي تحدد الخطوات المتعاقبة لتطور وتحقق “الفكرة” والتي تحوز بذلك طابع العقل وطابع الضرورة. وفي هذا الصدد يعتبر إنجلز أن “كل ما هو موجود ليس واقعيا لمجرد كونه موجودا فقط ، بل صفة الواقعية عند هيجل لا تنطبق إلا على ما هو ضروري في الوقت نفسه” 2.وما هو ضروري في نهاية الأمر هو ما ينسجم مع التصور العام للكون والإنسان لهيجل.

إن هيجل في “فلسفة التاريخ” يفرض على تطور التاريخ طابعا منطقيا يفضي إلى اعتبار التسلسل التاريخي للأحداث الفعلية أمرا ثانويا بالنسبة لتسلسلها المنطقي، وينتهي بالتالي إلى إخضاع هذه الأحداث للضرورات المنطقية لمجمل مذهبه الفلسفي وهو ما سيتجسد في دفاعه الفلسفي عن دولة ف. غيوم الثالث التي انتهى في كتابه “فلسفة الحق” إلى تبريرها من الزاويتين الأخلاقية والحقوقية، جاعلا منها التعبير الاسمي عن “الأخلاقية الموضوعية” التي تحققت في البداية، ولكن بشكل أقل كمالا، في “العائلة” ثم في “المجتمع المدني “.

لقد شدد انجلز على تضمن المذهب الهيجلي لتناقض داخلي، تناقض بين الحركة الديالكتيكية التي تتحكم في تطور التاريخ وبين توقف هذه الحركة في لحظة تاريخية محددة هي عصر هيجل بالذات، حيث حققت “الفكرة” غايتها السامية وتجسدت في الدولة البروسية.

والحق أن منهج هيجل القائم على ألا شيء ثابت ومطلق إلا الحركة الدياليكتيكية نفسها هو ما هلل له ماركس وكل المنتمين إلى ما يعرف باليسار الهيجلي. فقد كان بالنسبة إليهم أعلانا بالطابع الانتقالي لكل ما هو قائم، وبالتالي ايدانا بتغيير الواقع. وفي هذا الصدد كتب لينين :”[5]كان ماركس وإنجلز يريان في ديالكتيك هيجل أوسع مذهب من مذاهب التطور وأوفرها مضمونا، وأشدها عمقا وأثمن كسب حققته الفلسفة الكلاسيكية الألمانية. وكانت كل صيغة أخرى لمبدأ التطور تتراءى لهما وحيدة الجانب فقيرة المضمون، تشوه وتفسد السير الواقعي للتطور في الطبيعة والمجتمع”.(1 )

لقد كانت التطورات المتلاحقة داخل المجتمع الألماني رغم بطئها الملحوظ، وكذا التطورات النوعية في مختلف التخصصات العلمية تدفع في اتجاه     تخطي هيجل. فقد كانت العبارة الشهيرة المحفوظة عن هيجل “كل ما هو عقلي واقعي، وكل ما هو واقعي عقلي” تقود في مجال المذهب إلى تصورين مختلفين في مجالي الممارسة الفكرية والسياسية: تبرير عقلاني أخلاقي وقانوني للحكم الاستبدادي المطلق من جهة، ودعوة للتغيير أي لاستشراف أشكال جديدة للدولة وللعلاقات الاجتماعية من جهة ثانية. وكان هذا الطابع المزدوج وراء تصدع المدرسة الهيجلية داخل ألمانيا القرن 19 إلى “يمين هيجلي” يميل إلى إضفاء سمة الضرورة والعقل على الدولة البروسية وعلى ما يرتبط بها من علاقات إقطاعية، ومن ممثليه ف.غوشل، ج.أ غابلر .ل.فون هينينغ الخ.. ، وإلى “يسار هيجلي ” مثله د.ستراوس و ا.باور وبرونو باور وماكس شترنر وكارل ماركس إلخ.. نبذ ممثلوه المضمون المحافظ في فلسفة هيجل وشددوا على الطريقة الدياليكتيكية وسعوا أن يستخلصوا من تعاليم هيجل ومنهجه طريقة تفكير وأسلوب عمل متكيف مع تطلعات الفئات الاجتماعية البورجوازية الناشئة ومتناغم مع روح العصر (الثورة الفرنسية، الحياة البرلمانية الانجليزية).

انضم ك.ماركس إلى حركة “اليسار الهيجلي” في وقت مبكر، لكنه اتخذ بسرعة مسافة من هذه الحركة واتجه تدريجيا إلى بلورة مواقف فلسفية متميزة من مجمل القضايا المطروحة آنذاك، خاصة ما له صلة بالدين وبالدولة أي بالنظام السياسي القائم. وعلى عكس باقي الهيجليين الذين ركزوا جهودهم على نقض هيجل، كان لكارل ماركس موقف متميز من هيجل. فقد انتقده في جميع مؤلفات الشباب حتى 1845، ولكنه عمل على إنصافه والدفاع عنه في “رأس المال” وهو أبرز مؤلفاته. وهو إذ يشيد بمكانة وبدور هيغل في تبلور الفلسفة الماركسية، فانه في الوقت نفسه ينتقد، وبحدة، التوجه المثالي لهيجل الذي بموجبه يتم التعامل مع حركة الفكر التي تتجسد عنده في ما يسميه “الروح المطلق” أو “الفكرة” باعتبارها خالقة الواقع. كما انتقد في أكثر من مناسبة الطابع الصوفي الذي غلف الديالكتيك عند هيغل، وانتهى إلى أن إحدى المهام التي أنجزتها الماركسية هي أنها أعادت الديالكتيك إلى وضعه الطبيعي أي جعلته يمشي على قدميه، بعد أن كان -عند هيجل – يمشي على رأسه. كتب ك.ماركس في «رأس المال”: “إن منهجي الديالكتيكي ليس فقط مختلفا عن منهج هيغل، بل هو الضد المقابل له تماما. فبالنسبة لهيجل، إن حركة الفكر التي يشخصها تحت اسم”الفكرة”هي خالقة الواقع، هذا الواقع الذي ليس إلا التجلي الخارجي للفكرة. أما بالنسبة إلي، على العكس، فإن حركة الفكر ليست إلا انعكاسا لحركة الواقع وقد تم نقلها وتمت ترجمتها على مستوى دماغ الانسان.” (1 )

2– فيورباخ

أشاد إ.كانط كما أشرنا إلى ذلك من قبل بالتأثير الايجابي للفيلسوف الانجليزي د.هيوم ،مثلما أشاد هيغل بدور كانط في تبلور التصور الدياليكتيكي للوجود. وفي نفس الاتجاه، أشاد ك.ماركس و ف.إنجلز بالدور الأساس لفلسفة ل. فيورباخ.على الفلسفة الماركسية وعلى الفلسفة بشكل عام.

فقد كتب انجلز في مرحلة متأخرة (1888) كتابا متميزا تضمن عرضا دقيقا ومركزا للفلسفة الماركسية ومصادرها النظرية أسماه “ل.فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية”. وكان ربط اسم فيورباخ بنهاية الفلسفة الكلاسيكية في ألمانيا إقرارا واضحا بدوره في تيسير تجاوز الفلسفة التأملية بوجه عام، باستشراف أفاق فلسفة مادية تضع الوجود، الواقع، الطبيعة، الإنسان، العلاقات الاجتماعية، في المستوى الأول في التحليل.

نشر فيورباخ سنة 1839 مقالا بعنوان “إسهام في نقد فلسفة هيجل” كان أول تشريح نقدي لفلسفة المعلم ركز بشكل خاص على الكشف على طابعها التأملي ونزوعها الشمولي. فقد أعلنت الهيجلية نفسها-يقول فيورباخ-الفلسفة المطلقة، أي ” الفلسفة ذاتها”، وهذا يعني أن العقل البشري توقف، وصل غايته في هذه الفلسفة  لكن-يضيف – لو كان الأمر كذلك، فان توقف العقل في فلسفة هيجل كان لابد أن يؤدي إلى توقف الزمان.  ولكن الزمان تابع مسيرته المتقدمة، وهو ما حتم أن تفقد الهيجلية بالضرورة طابعها المطلق”.(2 )

إن الفرضية التي تتأسس عليها فلسفة هيجل هي اعتبار الوجود المجرد هو المنطلق، أي أنها تبدأ من الوجود الخالص اللامتعين. يقول فيورباخ: “يقع على الفلسفة الهيجلية نفس اللوم الذي يقع على كل الفلسفة الحديثة من ديكارت حتى سبينوزا، لوم ناتج عن انفصالها بدون واسطة عن اليقين الحسي”.[6] ووفيا للتقليد الذي سار عليه اغلب المنتمين إلى اليسار الهيجلي في ذلك الوقت (دافيد ستراوس، ماكس شترنر ادغار وبرونوباور…)، عمل فيورباخ في كتاب نال شهرة كبيرة هو “جوهر المسيحية” (1841) على إخضاع النصوص الدينية المسيحية للنقد، لا لاستخراج حقيقتها التاريخية أو للكشف عن محتواها الفلسفي، وإنما في محاولة للكشف عن طبيعة الدين ومنشئة وذلك بالنظر إلى كونه مقوما أساسا من مقومات حياة الإنسان.

وقد عمد فيورباخ إلى معالجة الواقع الإنساني من خلال مقولة الاستلاب، فانتهى إلى أن الدين بشكل عام هو إسقاط الإنسان لواقعة، لقواه الذاتية واكسابها صفة خارقة. إن الدين استلاب لماهية الإنسان. فأسمى صفات الإنسان، أي صفات النوع البشري الأكثر سموا وكمالا، تصبح في مجال الدين مجردة، ويتم تجسيدها في كائن أسمى يقف الإنسان حياله في وضع تبعيه مطلقة.

لقي الكتاب صدى كبيرا في أوساط المثقفين في ألمانيا، وواصل فيورباخ نقده للفلسفة الهيجلية وللمسيحية في مقالتين هامتين هما “أطروحات مؤقتة لإصلاح الفلسفة” و”مبادئ فلسفة المستقبل” صدرتا على التوالي سنتي 1842 و1943. فقد اعتبر أن الفلسفة الهيجلية، رغم اعتقاد صاحبها أنها استطاعت تحقيق وحدة الفكر والوجود، لا تختلف كثيرا عن الدين. باعتبارها تجرد صفات الإنسان وتقدم ماهية الأشياء الواقعية في صورة مجردة، يقول فيورباخ: “إن فلسفة هيجل لم تتجاوز تناقض الفكر والكيونة. فالكينونة التي تبدأ بها “الفينومينولوجيا” متناقضة مع الكائن الواقعي بصورة لا تقل جذرية عن تناقض الكينونة التي يبدأ بها “المنطق” مع الكائن الواقعي”[7].

وقد استخلص فيورباخ من نقده المزدوج للهيجلية وللديانة المسيحية مذهبا اجتماعيا إنسي النزعة ينتهي إلى ما أسماه ف.انجلز “ديانة جديدة” قوامها الغيرية والانتصار للعلاقات الاجتماعية وحب الإنسانية، ديانة تحقق في نظر صاحبها الماهية الحقيقية للإنسان التي تتشكل من العقل ومن الإرادة ومن القلب، هذه الماهية التي تم استلابها في المسيحية وأضحت تتخذ شكل كائن مجرد، مهيمن، مستقل عن الإنسان.

ورغم الاعتراف بالتأثير الايجابي لفلسفة فيورباخ عليه، فان ك.ماركس سيعمل في غير ما مناسبة على بيان مظاهر القصور النظري في ما انتهى إليه فيورباخ من تصورات، سواء تلك المتعلقة بالمبدأ الموجه لفلسفته المادية، أو تلك الخاصة بتصوره للإنسان والمجتمع. فقد سعى ماركس – وانجلز- في “المسالة اليهودية” وفي «العائلة المقدسة” و “الايديولوجيا الألمانية”، إلى “بيان التناقض القائم بين وجهة نظرنا (اقصد بذلك التصور المادي للتاريخ الذي أعده ماركس بصفة رئيسية) وبين النظرة الإيديولوجية للتاريخ في الفلسفة الألمانية. والواقع أننا كنا حينئذ نعمل على تصفية الحساب مع وعينا الفلسفي القديم، الأمر الذي حققناه على صورة نقد الفلسفة للفلسفة بعد الهيجلية.”[8]

وقد خصص كارل ماركس وثيقة مركزة بعنوان ” أطروحات حول فيورباخ” صدرت كملحق لكتاب انجلز حول ل.فيورباخ  عبارة عن أحد عشر أطروحة كان اغلبها موجها لنقد فلسفته فيورباخ، وكانت تتضمن مشروع نقد أكثر شمولية للمادية الميكانيكية لفيورباخ وان لم يعد إليها ك.ماركس في مابعد. لقد اعتبر ماركس أن كل التيارات المادية في الفلسفة، السابقة على المادية الجدلية كما تبلورت في مؤلفاته، وضمنها مادية فيورباخ، كانت قاصرة. بطبيعتها، إذ لم تكن تتجاوز التصور الاختباري الذي يعتبر الواقع مجرد موضوع معطى للمشاهدة المباشرة، أي أنها كانت تقيم انفصالا مطلقا بين الذات والموضوع في عملية المعرفة ولا تعتبر “الحسية” فعالية انسانية، أي ممارسة موضوعية. صحيح أن فيورباخ يعطي أهمية للحواس ويؤكد أهمية الموضوعات المستقلة عن الذات العارفة، لكنه توقف عند هذا الحد، ولم يجرؤ على اعتبار الفعالية الإنسانية فاعلية عملية، وانتهى به الأمر إلى اعتبار إلغاء الاستلاب مسالة نظرية أي تغيير أفكار بأخرى، تغيير وعي بوعي أخر.

وقد عاد ماركس في “الايديولوجيا الألمانية” (1845)إلى تقييم وجهات نظر فيورباخ في شتى القضايا التي تطرق إليها: الطبيعة ، الإنسان، الدين، الأخلاق، وانتهى إلى أن قصور فلسفة فيورباخ بشكل عام يكمن في عدم قدرتها على تصور الإنسان كفاعلية حسية، وفي عدم قدرتها على إدراك البشر  في سياقهم الاجتماعي ، في شروطهم الحياتية التي تجعل منهم ما هم عليه، ولهذا كان طبيعيا أن تنتهي هذه الفلسفة إلى تصور ميتافيزيقي عن الإنسان وعن المجتمع الذي تقلصه إلى مفهوم “النوع البشري” ملغية بذلك الصراعات الفعلية بين البشر، رادة هذه الصراعات إلى مجرد تناحر بين “الأنانية” و”الغيرية” ومرجعة العلاقات الإنسانية إلى مجرد علاقات “الصداقة” و “الحب”.

إن عدم اهتمام فيورباخ بدور الفاعلية المنتجة للبشر، أدى إلى اعتبار الطبيعة ليس في شكلها الحقيقي باعتبارها تتغير تدريجيا بفعل البشر فيها بل باعتبارها “طبيعة خالصة، الطبيعة في شكلها البدائي، كما لم تعد موجودة إلا في بعض المناطق غير المأهولة”.[9]

فضلا عن ذلك، فإن فيورباخ كثيرا ما يلح على تأثير الطبيعة في الإنسان، وهو في ذلك يسير في نفس المنحى الذي سارت فيه المادية الفرنسية في القرن 18، لكنه لا يعير اهتماما لتأثير الإنسان في الطبيعة وفعله فيها عن طريق العمل. وكان طبيعيا جدا، وفقا لما سبق، أن يعجز عن إدراك أن الطبيعة، أي العالم الحسي، هي نتاج الفاعلية المنتجة لأجيال متلاحقة من البشر، يكمل اللاحق منها عمل السابق ويقوي من قدرة الجنس البشري على تسخير الطبيعة لصالحه.

ونتيجة لما سبق، فان المنظور التاريخي ظل غائبا في تصور فيورباخ للطبيعة والإنسان. فالطبيعة تبدو وكأنها معطاة بهذا الشكل منذ الأزل، والإنسان يبدو وكأنه كائن أزلي يحمل ماهية طبيعية ثابتة لا كائنا تطور من خلال التاريخ وبالتاريخ عن طريق فاعليته المنتجة وما يترتب عليها من علاقات. يقول ك.ماركس: “إن فيورباخ،  في حدود كونه ماديا، لا يجعل التاريخ يتدخل قط. وفي حدود إدخال التاريخ في حسابه، فهو ليس ماديا. “[10]

أما المسالة الدينية وهي التي كانت في مركز اهتمامات أبرز معاصري فيورباخ، فقد تمت معالجة فيورباخ لها من منظور أيديولوجي لا من منظور اجتماعي وتاريخي. فهو يكتفي بالنظر إلى الدين باعتباره استلابا لماهية الإنسان، ويؤكدأن وسيلة تجاوز وضع الاستلاب هذا، تكمن في تبني البشر وعي ماهيتهم الحقة.

3 –ك.ماركس

إن انطلاقة فيورباخ المادية – يقول انجلز- لا تذهب في الحقيقة أبعد مما ذهبت إليه مادية القرن 18 الفرنسية. فقد ظلت في عمقها ميتافيزيقية ، ولم تدرك من الحركة إلا الحركة الميكانيكية. ثم إن فيورباخ لم يدرك من العلاقات الاجتماعية القائمة إلا الجانب العاطفي، ولذلك اقترح كحل لجميع المشاكل الاجتماعية الحب والصداقة. «إن الخطوة التي لم يحققها فيورباخ (أي النظر إلى البشر الواقعيين في خضم عملهم في التاريخ) لم يكن بد من القيام بها. ولم يكن بد من استبدال علم البشر الواقعين وتطورهم التاريخي بعبادة الإنسان المجرد الذي يشكل مركز الدين الجديد الذي أعلن عنه فيورباخ. وهذا التطور اللاحق لوجهة نظر فيورباخ، بصورة تتجاوز فيورباخ نفسه، قد أخذه ماركس على عاتقه سنة 1845 في “العائلة المقدسة”.[11]

وبالفعل سيشكل كتاب “العائلة المقدسة” وكتاب «الايديولوجيا الألمانية” وقبلهما “مخطوطات 1844” محطات متميزة في مسار تشكل الفكر الماركسي وتميزه عما سبقه، اذ تمت في هذه المؤلفات الثلاثة تصفية الحساب مع إرث المثالية التأملية لهيجل ومادية فيورباخ وريثة المادية الميكانيكية في القرن 18.

وفي مقابل تصور التاريخ الذي ساد في أوساط ورثة هيجل طور ماركس وإنجلز تصورا جديدا للتاريخ يضع الايديولوجيا (أي مجموع الأفكار السائدة في مرحلة تاريخية معينة) في مكانها الحقيقي ضمن التطور العام للمجتمعات. هذا التصور الجديد للتاريخ ينطلق من البشر الواقعيين في خصم عملية إنتاجهم لشروط ووسائط وجودهم المادية لتلبية حاجاتهم الأساسية وما يتولد عنها من حاجات ثانوية، و”إنتاج” بشر آخرين.

لقد دأبت الايديولوجيا الألمانية، منذ كانط وهيجل، على ألا ترى في التاريخ إلى الأحداث الكبرى، إلا نزاعات نظرية، أي حرب أفكار جديدة ضد أخرى قديمة. أما في التصور الجديد، فان النزاعات التاريخية الكبرى تجد تفسيرها في القاعدة الاقتصادية – المجتمعية القائمة. انها تفسر بالتناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج السائدة في مرحلة تاريخية محددة، إذ يحدث أن تصل قوى الإنتاج مستوى من التطور تصبح معه علاقات الإنتاج السائدة عائقا أمامها، بحيث يصبح تغيير تلك العلاقات ونمط الإنتاج المرتبط بها أمرا ضروريا، أي حتميا.

لم تكن ألمانيا القرنين 18 و19 معاصرة أبدا للتاريخ الأوروبي في كل الميادين. فقد كانت تبدو بالمقارنة مع فرنسا وانجلترا، وكأنها من عصر آخر: حكم لامركزي استبدادي، دويلات مشتتة، تأخر اقتصادي، استبداد سياسي، استمرار العلاقات ذات الطابع الإقطاعي. مع ذلك، ففي الوقت الذي كانت فيه انجلترا تعيش عصر الثورة الصناعية وتؤسس للحياة البرلمانية وما يرتبط بها من نقاشات تعكس جزءا منها الصحافة الحرة ،  وكانت فرنسا تعيش أعمق ثورة اجتماعية وسياسية عرفها تاريخها، كانت ألمانيا تبدع أكبر الملامح الفكرية وأروع الآثار النظرية التي خلدت أسماء كانط وهيجل وفيخته و شيلينغ وجوته وهولدرلن وغيرهم.  وكان ماركس (وانجلز)من الأوائل الذين أدركوا أن هذا الإنتاج النظري الضخم الذي تميزت به ألمانيا المتخلفة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، لم يكن سوى تعويض عن تأخرها التاريخي ” فالنقص في تطور ألمانيا التاريخي وجد معادلة في فرط التطور الايديولوجي والنظري.”[12] فعجز ألمانيا عن دخول التاريخ المعاصر بإنجاز وحدتها القومية وثورتها البورجوازية، أدى بالمثقفين إلى الارتداء إلى سماء التأمل والى معاصرة أوروبا على مستوى الفكر.

وعلى عكس حركة الهيغليين الشبان الذين قرأوا هيجل، كما وضح التوسير، قراءة إسقاطية، أي قراءة تسقط على النصوص المقروءة همومها المجتمعية والفكرية، فإن قراءة ماركس لهيجل كان هدفها اكتشاف واقعية الموضوعات التي أخفاها هيجل تحت غطاء التجريد. ومن ثمة فان رجوعه إلى الفكر الفرنسي والفكر الانجليزي كان عبارة عن رجوع إلى الموضوعات الواقعية ذاتها، رجوع سوف يمكن ماركس وانجلز من اكتشاف حقيقة انجلترا الصناعية التي كانت تجسد استغلال رأس المال للعمال، ومن اكتشاف حقيقة الممارسة السياسية في فرنسا التي أنجز فيها الشعب الثورة واحتكرت نتائجها طبقة البورجوازية. لقد انتهت قراءة ماركس لهيجل ولفيورباخ من خلال أبرز مؤلفاته الخاصة، وتلك المشتركة مع ف.انجلز إلى ما اعتبره ألتوسير اكتشاف قارة جديدة هي قارة التاريخ. وبناء عليه، فكل ما سيلي من مؤلفات بقلمه وحده أو بمعية انجلز، سيكون تطبيقا على أحداث التاريخ وعلى الحركات الاجتماعية لما اعتقد أنه القوانين المتحكمة في تاريخ الإنسانية.

خاتمة:

      شكلت قراءة ك.ماركس لهيجل وفيورباخ تجسيدا حيا للطريقة الديالكتيكية التي يحتل فيها نفي النفي مكانة خاصة لأنه مصدر الجديد، والذي لا يلغي ما سبقه بشكل نهائي بل يحتفظ به ويستوعبه وفي الوقت نفسه يتخطاه ويؤسس لبديله. لذا، سجلنا في جميع مؤلفات ماركس إقرارا واضحا بأفضال هيجل و فيورباخ على تشكل النظرية الماركسية وفي الوقت نفسه تدقيقا كبيرا في ضبط جدة المفاهيم التي نحتها ك.ماركس أو تلك التي استعارها على مضض حتى يكون حديثه مفهوما لمعاصريه، و شحنها بحمولة معرفيه جديدة.

       وقد أثمر الحوار الذي أقامه ماركس مع الفلاسفة السابقين عليه والمعاصرين له-سواء منهم من أشاذ بهم كهيجل وفيورباخ أو من أمعن في نقدهم بقوة وشراسة أمثال ماكس شترنر و  برونو باور وغيرهما من أقطاب اليسار الهيغلي-تصورا متكاملا للطبيعة والانسان والمجتمع والتاريخ كان من الشمولية والعمق بحيث دشن حقبة جديدة في الفكر الفلسفي والسياسي وشكل لحظة استثنائية في تاريخ الفلسفة الأوروبية: أولا لأنه كان تركيبا نظريا لما وصل إليه الفكر منذ القرن السابع عشر في أوروبا في ميادين علوم الطبيعة والفلسفة والفكر الاجتماعي-الاقتصادي. وثانيا لأنه فتح المجال واسعا أمام حركات اجتماعية وسياسية، ليس فقط في أوروبا بل في القارات الخمس، احتضنت آمال فئات اجتماعية عريضة في تحقيق إنسانية الإنسان والعدالة الاجتماعية، فكان بذلك وراء أحداث اجتماعية ذات وزن كبير في مجرى التاريخ المعاصر مثل الثورة الروسية والثورة الصينية. وثالثا لأن كثيرا مما سيكتب في مجالي الفلسفة والعلوم الاجتماعية، على الأقل حتى العقد الأخير من القرن العشرين، ينطلق بشكل عام مما كتبه ماركس: إما معه، أو ضده.
وكان طبيعيا، بالنظر إلى ما تقدم، أن تكون كتابات ك. ماركس موضوعا لقراءات وتأويلات مختلفة تحركها هموم وانشغالات متنوعة. فقد كانت أولى ردود الفعل النظرية -مباشرة بعد موت ف.إنجلز سنة 1895-هي إعلان إدوارد برنشتاين (1850-1932) تحفظه على بعض النتائج التي انتهى إليها ماركس بشأن حتمية زوال الرأسمالية ودور البروليتاريا. وبعد برنشتاين تناسلت في عموم أوروبا، ثم خارجها، الكتابات الشارحة والمؤولة لفلسفة ماركس والباحثة على الدوام عن “ماركس الأصيل “،”ماركس الحقيقي” أو «ماركس الماركسي”. وسيحتفظ تاريخ الفكر في هذا الصدد بأسماء روزا لوكسمبورغ و جورج سوريل وف.إليتش لينين و ليون تروتسكي، وماو تسي تونغ وهنري لوفيفر و لوسيان غولدمان وهربرت ماركوز و جورج لوكاش و لوي ألتوسير وغيرهم.

ويبدو أن سقوط جدار برلين-وهو الحدث الذي يِؤرخ به بعض مناوئي ماركس نهايةالماركسية -ونهاية “الدوغما” التي حنطت فيها بعض الأنظمة السياسية فكر ماركس وحولته إلى عقيدة،و مجموع التحولات التي يعرفها العالم اليوم على مستوى إنتاج الخيرات المادية وما يرتبط به من علاقات جديدة و بروز المعرفة كقوة فاعلة في النظام الاقتصادي العالمي السائد، كل ذلك يشكل فرصة ملائمة للعودة مجددا إلى كارل ماركس، في أفق قراءات جديدة تتعامل مع كتابات ماركس وإنجلز وفق مقاربة لا يشغلها هوس البحث عن “أصالة” فكر أو عن”حقيقته”،قراءة قد تكون مماثلة لتلك التي قرأ بها ماركس نصوص سابقيه ومعاصريه أمثال هيجل وفيورباخ .1


Péquignot Bruno. Karl Marx : l’utopie, la raison et la science. In: Quaderni, n°40, Hiver 1999-2000. Utopie I : la fabrique de-1
l’utopie. pp. 97-111


[1]-E.Kant :   Prolégomènes…. » trad. J. Gibelin – Paris – Vrin 1965 p.13

[2] – K.Marx  le capital – livre 1– traduit par Joseph Roy-Quadrige PUF-Introduction.

[3] – R.GARAUDY : Karl Marx -1964- Edit. Seghers- p :26

[4]ف.إنجلز : “ضد دوهرينغ” ترجمة محمد الجندي وخيري الضامن- دار التقدم ،موسكو -1984 –ص:30 .  

 2- ف.انجلز – ل فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية – ترجمة وتقديم فؤاد أيوب – المكتبة الاشتراكية –دمشق– دون تاريخ – ص : 34 .

[5]V.I.Lénine : Article paru pour la première fois en 1915 dans le “Dictionnaire encyclopédique Granat”.7e édition, tome 28.

1-«  Pages de Karl Marx » ,Tome1 – Choisies, traduites et présentées par Maximilien Rubel –P.B.Payot ,1970 –P :23.

2 – L. Feuerbach : contribution à la critique de la phlilosophie de Hegel – in : les manifestes philosophiques –Trad.L.Althusser. Ed. 10/18- p :51

[7] – ل. فيورباخ: “مبادئ فلسفة المستقبل” ترجمة الياس مرقص دار الحقيقة- بيروت 1975-  ص :231

[8] – ماركس/ انجلز: “الايديولوجيا الالمانية” ترجمة فؤاد ايوب –الطبعة الاولى 1976 – دار الطليعة –بيروت – ص : 19 .

[9] – إنجلز : “ل. فيورباخ ونهاية الفلسفة…” -ص37

[10] – ماركس / إنجلز : “الايديولوجيا الألمانية”- ترجمة فؤاد أيوب – الطبعة الأولى، دار دمشق 1976 – ص: 37  .

[11] – انجلز: ل.فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية”ترجمة وتقديم فؤاد أيوب – دار دمشق، دون تاريخ،ص : 76

[12] –  L.ALTHUSSER: Pour Marx – collection Maspero -1972-p :73