مجلة حكمة
المنطق الصحيح - تشارلز ساندرز بيرس

نظرية بيرس في العلامة

الكاتبألبرت أتكين
ترجمةناصر الحلواني
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول نظرية بيرس في العلامة؛ نص مترجم، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


 

نظرية بيرس في العلامة، أو السيميوطيقا، هي عمل يتعلق بالدلالة، والتمثيل، والمرجع، والمعنى. على الرغم من أن لنظريات العلامة تاريخ طويل، إلا أن أعمال بيرس تعد مميزة ومبتكرة من حيث اتساعها وتعقيدها، وفي التقاط أهمية التأويل للدلالة. بالنسبة لبيرس، كان تطوير نظرية شاملة للعلامات هو شغله الشاغل في المجالين الفلسفي والفكري. أهمية السيميوطيقا بالنسبة لبيرس واسعة النطاق.

كما قال هو نفسه، “[…] لم يكن بمقدوري قط دراسة أي موضوع؛ سواء الرياضيات، أو الأخلاق، أو الميتافيزيقا، أو الجاذبية، أو الديناميكا الحرارية، أو البصريات، أو الكيمياء، أو علم التشريح المقارن، أو علم الفلك، أو علم النفس، أو الصوتيات، أو الاقتصاد، أو تاريخ العلوم، أو ألعاب الورق، أو الرجال والنساء، أو النبيذ، أو علم القياس، إلا باعتباره دراسة سيميوطيقية “(SS 1977, 85-6). تعامل بيرس أيضا مع نظرية العلامة على أنها مركزية لعمله في المنطق، ووسيلة للبحث والاكتشاف العلمي، بل وإحدى الوسائل الممكنة “لإثبات” مذهبه البراجماتي. بالتالي، فإن أهميتها عظيمة في فلسفة بيرس.

عبر مسار حياته الفكرية، كان بيرس يعود باستمرار إلى أفكاره حول العلامات والسيميوطيقا ويقوم بتطويرها، وهناك ثلاث مجموعات أعمال يمكن تحديدها على نطاق واسع: مجموعة أعمال موجزة مبكرة في ستينيات القرن التاسع عشر، ومجموعة أعمال مرحلية كاملة ومتقنة نسبيا، تم تطويرها خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر، وتم تقديمها عام 1903، وقد تم تطوير مجموعة أعماله الفكرية والمتفرقة وغير المكتملة النهائية بين عامي 1906 و1910.

يبحث المُدخل التالي مجموعات الأعمال الثلاث، ويتتبع التغييرات التي أدت إلى قيام بيرس بتطوير نظريات مبكرة في العلامة، وإنشاء أخرى جديدة أكثر تعقيدا. لكن، على الرغم من هذه التغييرات، تظل أفكار بيرس حول البنية الأساسية للعلامات والدلالة متماثلة، إلى حد كبير، خلال التطورات التي قام بها. بناء على ذلك، من المفيد أن نبدأ ببيان البنية الأساسية للعلامات وفقا لبيرس.


 

1. البنية الأساسية للعلامة عند بيرس

في أحد تعريفاته العديدة للعلامة، كتب بيرس

أعرّف العلامة على أنها أي شيء يتم تحديده بواسطة شيء آخر، ويُسمى: موضوعها، وكذلك يحدد تأثيرا على الشخص، وهو التأثير الذي أسميه مفسِّرَتها، وبالتالي يتم تحديد الأخيرة بشكل فوري بواسطة الأول. (EP2, 478)

ما نراه هنا هو ادعاء بيرس الأساسي بأن العلامات تتكون من ثلاثة أجزاء مترابطة: علامة، وموضوع، ومفسِّرة. لتبسيط الأمر، يمكننا التفكير في العلامة على أنها الدال، على سبيل المثال، كلمة مكتوبة، أو كلام منطوق، أو دخان كعلامة على النار، وما إلى ذلك. أما الموضوع، من جهة أخرى، على سبيل المثال، فأفضل ما يُتصور عليه هو المدلول، على سبيل المثال، الموضوع الذي ترتبط به الكلمة المكتوبة أو المنطوقة، أو النار التي يدل عليها الدخان. يُنظر إلى المفسِّرَة، وهي السمة الأكثر ابتكارا وتميزا في عمل بيرس، على أنها الفهم الذي لدينا لعلاقة العلامة / الموضوع.

تكمن أهمية المفسِّرَة لدى بيرس في أن الدلالة signification ليست علاقة ثنائية بسيطة بين العلامة والموضوع: فالعلامة تكون ذات دلالة فقط بكونها قابلة للتفسير. هذا ما يجعل المفسِّرَة مركزية لمحتوى العلامة، وعلى هذا، فأن معنى العلامة يتبدى في التفسير الذي تولده لدى مستخدمي العلامة. ومع ذلك، فإن الأمور أكثر تعقيدا من ذلك، وسوف نتناول هذه العناصر الثلاثة بمزيد من التفصيل.

1.1 العناصر الدالة في العلامة

أول ما يجب ملاحظته هو أن هناك بعض الصعوبات الاصطلاحية المحتملة هنا. يبدو أننا نقول إن هناك ثلاثة عناصر للعلامة، أحدها هو العلامة. هذا محير ولا يؤدي إلى استيعاب فكرة بيرس بنحو تام. بالمعنى الدقيق للكلمة، بالنسبة لبيرس، نحن مهتمون بالعنصر الدال signifying element، وأن العلامة ككل ليست هي ما يدل. عند الحديث عن العلامة كعنصر دال، فالأرجح أنه يتحدث عن العلامة التي تصفو إلى تلك العناصر الأكثر أهمية لعملها كدال. يستخدم بيرس عدة مصطلحات للعنصر الدال، من بينها: “علامة” و”ماثول” و”تمثيل” و”ركيزة”. هنا سوف نشير إلى ذلك العنصر المسؤول في العلامة عن الدلالة بأنه “حامل العلامة sign-vehicle”.

ربما يكون من الأفضل التوضيح بمثال لفكرة بيرس القائلة بأن العلامة لا تدل من كافة نواحيها، بل لديها عنصر دلالي معين. انظر، على سبيل المثال، إلى التلة الطينية التي يصنعها حيوان الخلد في حديقتي كعلامة على وجود حيوانات الخلد. لا تلعب كل صفة من صفات تلة الخلد دورا في التدليل على وجود حيوانات الخُلد. يلعب لون تلة الخُلد دورا ثانويا؛ لأنه سيختلف وفقا للتربة التي يتكون منها. وبالمثل، تختلف أحجام التلال وفقا لحجم الخُلد الذي يصنعها، لذا، مرة أخرى، فإن تلك الصفات ليست أساسية في قدرة التلال على الدلالة.

ما هو مركزي هنا هو العلاقة السببية الموجودة بين نوع الكومة الطينية في حديقتي وحيوانات الخُلد: بما أن حيوانات الخُلد تصنع تلالا طينية، فإن التلال تدل على وجود حيوانات الخُلد. وبالتالي، فإن ما هو أساسي في دلالة تلال الخُلد على وجود حيوان الخُلد هو الرابط الحيواني المادي بينه وبين الخلد. هذا هو حامل العلامة sign-vehicle. بالنسبة لبيرس، إذن، فإن عنصرا معينا من العلامة فقط، هو ما يمكّنها من الدلالة على موضوعها، وعندما يتحدث عن العنصر الدلالي للعلامة، أو بالأحرى، حامل العلامة، فإن تلك العلامة المؤهَّلة هي ما يقصده.

2.1 الموضوع

تماما كما هو الحال مع العلامة، ليست كل صفة من صفات الموضوع ذات صلة بالدلالة: فقط ملامح معينة للموضوع هي التي تمكن العلامة من الدلالة عليه. بالنسبة إلى بيرس، فإن العلاقة بين موضوع علامة والعلامة التي تمثله هي علاقة تحديد: الموضوع هو الذي يحدد العلامة. إن مفهوم بيرس عن التحديد ليس واضحا بأي حال من الأحوال، وهو مفتوح للتأويل، ولكن لتحقيق أغراضنا، ربما يكون من الأفضل فهمه على أنه وضع قيود أو شروط على الدلالة الناجحة بواسطة الموضوع، بدلا من الذهاب إلى أن الموضوع هو المسبب أو المولِّد للعلامة. الفكرة هي أن الموضوع يفرض متغيرات معينة، يجب أن تقع ضمنها العلامة إذا كانت ستمثل هذا الموضوع. ومع ذلك، فإن خصائص معينة فقط للموضوع هي ذات الصلة بعملية التحديد هذه. لرؤية هذا في صورة مثال توضيحي، انظر مرة أخرى في حالة تلال الخُلد.

العلامة هي التل الطيني الذي صنعه الخلد، وموضوع هذه العلامة هو الخُلد. يحدد الخُلد العلامة، بقدر ما، لكي تنجح تلة الخُلد كعلامة على وجود الخُلد يجب أن تُظهر الوجود المادي للخُلد. إذا فشلت في القيام بذلك، فإنها تفشل في أن تكون علامة على ذلك الموضوع. من العلامات الأخرى لهذا الموضوع، بعيدا عن التل الطيني، وجود فضلات الخُلد، أو نمط معين من هبوط الأرض في حديقتي، لكن جميع هذه العلامات مقيدة بالحاجة إلى إظهار الوجود المادي للخُلد.

من الواضح أنه ليس كل ما يتعلق بالخُلد وثيق الصلة بعملية التقييد هذه: قد يكون لون الخُلد أسودا مألوفا أو أمهق، وقد يكون ذكرا أو أنثى، وقد يكون صغيرا أو كبيرا في السن. ومع ذلك، لا تعتبر أي من هذه الصفات جوهرية بالنسبة للقيود المفروضة على العلامة. بل بالأحرى، إن العلاقة السببية بينها وبين الخُلد هي السمة التي تفرضها على علامتها، وهذا هو الرابط الذي يجب أن تمثله العلامة إذا كان لها أن تنجح في الدلالة على الخُلد.

3.1 المفسِّرَة

على الرغم من وجود العديد من الخصائص للمفسِّرَة interpretant التي تستدعي المزيد من التعليقات، إلا أننا سنذكر هنا اثنين فقط. أولا: على الرغم من أننا وصفنا المفسِّرَة باعتبارها الفهم الذي نصل إليه من علاقة علامة / موضوع، إلا أنه ربما يكون من الأنسب التفكير فيها باعتبارها ترجمة، أو تطوير، للعلامة الأصلية. إن فكرة أن المفسِّرَة تقدم ترجمة للعلامة هو أمر يتيح لنا فهما أكثر تعقيدا لموضوع العلامة.

في الواقع، أكَّد كل من ليزكا (1996) وسافان (1988) على الحاجة لمعاملة المفسِّرَات على أنها ترجمات، حتى أن سافان يقترح أنه كان ينبغي على بيرس أن يطلق عليها المترجِمَة translatant (سافان 1988، 41). ثانيا: تماما كما هو الحال مع علاقة العلامة / الموضوع، يعتقد بيرس أن علاقة العلامة / المفسِّرَة هي علاقة تحديد: تحدد العلامة المفسِّرَة. علاوة على ذلك، فإن هذا التحديد ليس تحديدا سببيا بأي معنى، بل إن العلامة هي التي تحدد المفسِّرَة باستخدام خصائص معينة للطريقة التي تشير بها العلامة إلى موضوعها لتوليد وتشكيل فهمنا. لذا، فإن الطريقة التي يقوم بها الدخان بتوليد أو تحديد علامة مفسِّرَة لموضوعها؛ النار، تكون من خلال تركيز انتباهنا على العلاقة المادية بين الدخان والنار.

بالنسبة لبيرس، إذن، فإن أي مثال للدلالة يتضمن حامل علامة، وموضوع، ومفسِّرَة. علاوة على ذلك، يحدد الموضوع العلامة عن طريق وضع قيود يجب أن تفي بها أي علامة إذا كان لها أن تدل على الموضوع. بناء على ذلك، فإن العلامة لا تدل على موضوعها إلا بمقتضى بعض صفاتها. بالإضافة إلى ذلك، تحدد العلامة المفسِّرَة عبر تركيز فهمنا على سمات معينة للعلاقة الدلالية بين العلامة والموضوع. ويمكننا هذا من فهم موضوع العلامة بشكل كامل.

على الرغم من أن هذه صورة عامة لأفكار بيرس حول بنية العلامة، وأن خصائص معينة تكون حاضرة بشكل أكبر أو أقل، أو أُعطيت تركيزا أكبر أو أقل في لحظات مختلفة في تطوير بيرس لنظريته في العلامة، وتحضر هذه البنية الثلاثية، والعلاقة بين العناصر في جميع أعمال بيرس. فيما يلي، سنعرض لثلاث محاولات قام بها بيرس لإنشاء نظرية كاملة في العلامة والدلالة، وأنماط العلامات المتقابلة، وننظر في الانتقالات بين هذه الأعمال، ونفحص بعض المسائل التي تنشأ عنها.

2. أعمال بيرس المبكرة: 1867-1868

جاءت أولى محاولات بيرس المهمة في مقال عن العلامات صدر عام 1867 تحت عنوان “قائمة جديدة للفئات” (W2 .49-58). في هذا العمل، نجدنا بإزاء نفس بنية العلامة الأساسية الموضحة آنفا: أي علامة، أو تمثيل representation كما يسميها بيرس في هذه المرحلة المبكرة، سيكون لها: حامل للعلامة، وموضوع، ومفسِّرَة. نرى اختلافا مهما هنا؛ وهو كيف يفكر في العلاقة بين العلامة والمفسِّرَة. اعتقد بيرس، بنحو خاص، أنه في حين يعتمد تفسيرنا للعلاقة الدلالية بين العلامة والموضوع على فهم أساس الدلالة في أي حالة معطاة، فقد اعتقد أيضا أن المفسِّرَة المتولدة نفسها تعمل كعلامة أخرى، أكثر تطورا، للموضوع المَعنِي.

وبالطبع، كعلامة أخرى، سوف تدل أيضا على هذا الموضوع من خلال بعض الخصائص، والتي يجب علينا أيضا تفسيرها، ومن ثم توليد مفسِّرَة إضافية. كما سيتضح لاحقا، يؤدي ذلك إلى سلسلة لا نهائية من العلامات. إذا كان للعلامة أن تولِّد مفسِّرَة لكي تكون علامة، وكانت العلامة هي نفسها مفسِّرَة لعلامة أخرى، فمن الواضح إذن، أنه سيكون هناك عدد لا نهائي من العلامات التي تسبق وتلحق أي حالة معطاة من الدلالة.

يعتقد بعض الباحثين (على سبيل المثال: (Short 2004) و(Short 2007)) أن سيرورة العلامة semiosis  اللانهائية هي خصيصة تميز أعمال بيرس المبكرة فقط. وتعامل آخرون ( ليزكا 1996، وسافان 1988) مع سيرورة العلامة اللانهائية باعتبارها خصيصة حاضرة في جميع أعمال بيرس. سنعود إلى مسألة سيرورة العلامة اللانهائية في الأعمال المبكرة فيما يلي. أولا: سننظر في أنواع العلامة التي تُظهرها أعمال بيرس المبكرة.

اعتقد بيرس أن “التمثيلات” تولد المزيد من المفسِّرَات بإحدى طرق ثلاثة ممكنة. أولا: بواسطة “التماثل في بعض الخصائص” (W2 .56) وتلك يدعوها التشابهات likenesses، لكنها معروفة أكثر بالأيقونات icons. ثانيا: “ما تقوم علاقتها بموضوعاتها على التطابق الفعلي” (W2 .56) وتلك يدعوها: مؤشرات indices. وأخيرا: “ما تكون علاقتها بموضوعاتها خاصية منسوبة لها” (W2 .56) فيسميها رموزا symbols.

لكن، ببساطة، إذا توصلنا إلى تفسير علامة على أنها تمثل موضوعها بفضل صفة مشتركة، فإن العلامة هي أيقونة. أمثلة بيرس الأولى للأيقونات هي الصور الشخصية، وأوجه التشابه الملحوظة بين الحرفين p وb (W2. 53–4). من ناحية أخرى، إذا كان تفسيرنا يأتي بفضل حقيقة وجودية، لا دخل للعقل فيها، لنقل: روابط سببية، فإن العلامة هي مؤشرة. تشمل الأمثلة المبكرة مؤشر اتجاه الريح، والعلاقة بين القاتل وضحيته (W2. 53–4). وأخيرا، إذا أنشأنا مفسِّرَة بفضل ارتباط ما عام أو عُرفي مَرعِي، بين العلامة والموضوع، فإن العلامة هي رمز. تشمل الأمثلة المبكرة كلمتي “رجل” بالفرنسية “homme” والإنجليزية “man” اللتين تتشاركان في المرجع (W2. 53–4).

هذه، إذن، هي الجولة الأولى إلى تقسيم بيرس الشهير للعلامات إلى أيقونات، ومؤشرات، ورموز. على الرغم من أن أفكار بيرس الدقيقة حول طبيعة هذا التقسيم كانت عُرضة للتغيير في مراحل عدة في مسار تطويره لنظرية العلامة، إلا أن التقسيم يظل موجودا طوال مراحل عمله. وهناك، مع ذلك، بعض السمات المهمة لهذا العمل المبكر، والتي تميزه عن التطورات اللاحقة. سننظر هنا إلى اثنتين من هذه السمات: أهمية علامات الفكر، والسيرورة اللانهائية للعلامة.

1.2 علامات الفكر عند بيرس

من السمات المثيرة للاهتمام في أعمال بيرس المبكرة حرصه على ربط العلامات بالإدراك. بالتحديد، يرى بيرس أن الفكر بمجمله هو في العلامات (W2. 213). يمكننا أن نرى هذا في فكرة بيرس المبكرة بأن كل مفسِّرَة هي في حد ذاتها علامة أخرى على الموضوع المعنِي بالدلالة. نظرا لأن المفسِّرات هي الأفكار التفسيرية التي لدينا عن العلاقات الدلالية، وهذه الأفكار المفسرة هي في حد ذاتها علامات، فيبدو كنتيجة مباشرة لذلك أن كل الأفكار هي علامات، أو كما يسميها بيرس “علامات الفكر”. أحد الأمور المثيرة للاهتمام الناتجة عن ذلك هو أن بيرس سارع في أعماله الأولى إلى تجاهل أهمية ولزوم الأيقونات والمؤشرات.

إن موضوعات الفهم، التي تُعتبر تمثيلات، هي رموز، أي: علامات يُحتمل أن تكون، على الأقل، عامة. لكن قواعد المنطق تنطبق بنحو جيد على أي رموز، سواء كانت تلك الرموز مكتوبة أو منطوقة، وكذلك تلك التي يتناولها الفكر، ولكن ليس لديها قابلية للتطبيق الفوري على التشابهات [الأيقونات] أو المؤشرات، لأنه لا يمكن إنشاء حجج من تلك وحدها، ولكنها تُطبَق على جميع الرموز. (W2. 56)

يجعل هذا نطاق أعمال بيرس المبكرة عن العلامات ضيقا إلى حد ما؛ إذ إنه يهتم بشكل أساسي بالعلامات العامة والمتعارف عليها، التي تؤلف لغتنا وإدراكنا. السبب وراء هذا النظرة الضيقة بسيط: بالنسبة لبيرس، بما أن الرموز “محتملة العموم” وتقع ضمن قواعد عامة، فهي موضوع مناسب للدراسة لمجال تركيز بيرس الأساسي؛ المنطق. إذن، ينصب هذا العمل المبكر بشكل أساسي على العلامات العامة والتقليدية، تلك العلامات التي حددها بيرس كرموز. أما الأيقونات والمؤشرات، فرغم ملاحظتها في هذه المرحلة المبكرة، تعتبر ذات أهمية فلسفية ثانوية. كما سنرى لاحقا، فإن هذه النظرة المحددة النطاق أمر كان على بيرس مراجعته لاحقا.

2.2 السيرورة اللانهائية للعلامة

كما لوحظ سابقا، فإن جزءا لا يتجزأ من أعمال بيرس المبكرة عن العلامة هو أن عددا لا نهائيا من العلامات الإضافية تأتي لاحقة وسابقة لأي علامة معينة. تلك نتيجة تنشأ عن الطريقة التي يفكر بها بيرس في عناصر العلامات في هذه المرحلة المبكرة، ويبدو أنها تنبع من فكرته القائلة بأن المفسِّرَات يجب أن تُعتبر علامات إضافية، وأن العلامات هي مفسِّرَات لعلامات سابقة. وحيث أن أي علامة يجب أن تحدد المفسِّرَة لأجل اعتبارها علامة، وأن المفسِّرَات هي نفسها علامات، فيبدو أن السلاسل اللانهائية من العلامات أصبحت ضرورية من الناحية النظرية.

لرؤية هذا، تخيل سلسلة من العلامات إما لها علامة أولى، أو علامة أخيرة. العلامة الأخيرة التي تنهي العملية السيميوطيقية لن يكون لها مفسِّرَة، وإذا كان لها مفسِّرَة، فستعمل هذه المفسِّرَة كعلامة إضافية تولِّد مفسِّرَة إضافية، والعلامة الأخيرة، في الواقع، لن تُنهي العملية. ومع ذلك، نظرا لأن أي علامة يجب أن تحدد المفسِّرَة ليتم اعتبارها علامة، فلن تكون العلامة الأخيرة علامة إلا إذا كان لديها مفسِّرَة.

وبالمثل، لا يمكن أن تكون العلامة الأولى هي المفسِّرَة لعلامة سابقة. إذا كان هناك علامة سابقة، فستكون تلك العلامة السابقة هي العلامة الأولى. ومع ذلك، حيث يجب أن تكون أي علامة مفسِّرَة لعلامة سابقة، فلن تكون العلامة الأولى علامة إلا إذا كانت أيضا مفسِّرَة لعلامة سابقة. تكمن المشكلة في أننا إذا سمحنا بعلامة نهائية بدون مفسِّرَة، أو علامة أولى ليست المفسِّرَة لعلامة سابقة، فعندئذ تكون لدينا علامات عاطلة في العملية السيميوطيقية.

يؤثر هذا على سائر السلسلة السيميائية مسببا ما يشبه انهيار قطع الدومينو. على سبيل المثال، إذا تعطلت العلامة الأخيرة عن أن تكون علامة بسبب عدم توليد أي مفسِّرَة، عندئذ، بما أنه من المفترض أن تعمل تلك العلامة العاطلة كمفسِّرَة للعلامة السابقة، وتعمل كعلامة أخرى في حد ذاتها، فقد تعطلت أيضا عن أن تكون مفسِّرَة. وينتج عن ذلك تعطل العلامة السابقة في توليد مفسِّرَة مناسبة، وبالتالي تفشل في أن تكون علامة. وينتج عن ذلك أن . . . إلى آخره. البديل ليس قبول علامات إنهاء. ومن الواضح، أننا إذا لم نتمكن من إنهاء العملية السيميائية، فستستمر العلامات في إنشاء علامات إلى ما لا نهاية.

كان بيرس مدركا وغير منزعج من السيرورة اللانهائية للعلامة. يرجع هذا، جزئيا، إلى المشروع المناهض لديكارت الذي تم تنفيذه في أعمال بيرس في ستينيات القرن التاسع عشر. الجزء المهم في المشروع بالنسبة لبيرس هو رفض الحدس intuition، وهو أمر اعتبره بيرس افتراضا أساسيا للمنهج الفلسفي الديكارتي. بالنظر إلى تعريف بيرس “للحدس” بأنه “إدراك لم يتحدد بواسطة إدراك سابق للموضوع نفسه” (W2. 193)، يبدو واضحا أن السيرورة اللانهائية لعلامات الفكر التي تولدت بواسطة علامات فكر سابقة، وتولِّد بدورها علامات فكر إضافية هي جزء لا يتجزأ من إنكار الحدس. ومع ذلك، في التطورات اللاحقة لنظريته في العلامة، على الرغم من عدم التخلي صراحة عن السيرورة اللانهائية للعلامة، فقد تم استبدال أو مراجعة العديد من المفاهيم التي أدت إليها، وأصبح مفهوم السيرورة اللانهائية للعلامة أقل بروزا في عمل بيرس.

3. الأعمال المرحلية لـ بيرس: 1903

في عام 1903، ألقى بيرس سلسلة من المحاضرات في جامعة هارفارد، ومعهد لويل. كان جزء من هذه المحاضرات يتعلق بالعلامات. ومع ذلك، أظهر بحثه في العلامات عام 1903 تطورات جديرة بالاعتبار لعمله المبكر في ستينيات القرن التاسع عشر. أولا: بينما يقترح عمله المبكر ثلاث فئات من العلامات، يقترح في أعمال عام 1903 عشر فئات من العلامات. ثانيا: بينما تعاملت أعمال ستينيات القرن التاسع عشر مع العلامة العامة، أو الرمز، باعتبارها المحور الرئيسي لنظرية العلامة، أدخلت أعمال 1903 العديد من أنواع العلامات ضمن مجالي الفلسفة والمنطق. ثالثا: تخلى بيرس عن الادعاء بأن سلسلة لا نهائية من العلامات تسبق أي علامة معطاة (see Short 2004, 221–2).

تبدو هذه التغييرات كنتيجة للتطورات الحاصلة في المنطق الرمزي والتي حدثت على يد بيرس وتلميذه في جامعة جونز هوبكنز، أوسكار ميتشل، في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر. وكما هو معروف، طور بيرس وميتشل، خلال هذا الوقت، وبشكل مستقل عن فريجه Frege، نظرية القياس الكمي quantification theory (انظر بيرس (1883)، و (W5. 162–191)). جزء أساسي من هذا التطور كان تضمين مقترحات فريدة، ومتغيرات فردية للموضوعات التي لا يمكن انتقاؤها لتكون أوصافا محددة. تعامل بيرس مع هذه العلامات غير العامة على أنها مؤشرات، مما دفعه بالتالي إلى تحديد المؤشر باعتباره جزءا أساسيا من المنطق.

جعل هذا أعماله السابقة عن العلامات تبدو غير تامة. (See, for instance, Short (2004, 219–222), Hookway (2000, 127–131), and Murphey (1961, 299–300)) يبدو أن هذا ما أدى ببيرس إلى اتخاذ موقف أكثر جدية تجاه علامات أخرى غير الرمز. بالتحديد، أدى ذلك ببيرس إلى إدراك أن لبعض العلامات الرمزية سمات إشارية واضحة (أي غير عامة). وبالمثل، كانت الرموز ذات السمات الأيقونية الواضحة، خاصة في الرياضيات (see Hookway 1985 Ch 6)، أكثر أهمية مما كان يعتقد. ما عناه ذلك، بالطبع، هو أن نظرية ستينيات القرن التاسع عشر، للأسف، لم تعد الآن كافية لمهمة الإحاطة بمجال العلامات والدلالات التي اعتقد بيرس أنها مهمة للفلسفة والمنطق.

إذن، تُعتبر نظرية عام 1903 الخاصة بالعلامات عند بيرس مميزة بنطاقها الأوسع، والدقة النسبية، والاكتمال. في هذه النظرية، يعود بيرس إلى البنية الأساسية للعلامة التي عرضناها آنفا، ويصرف المزيد من الاهتمام إلى عناصر العلامات، والتفاعلات المختلفة بينها، طارحا ما يبدو أنه سرد مستفيض للدلالة، وتصنيف شامل للعلامات يتجاوز كثيرا نطاق نظريته المبكرة في ستينيات القرن التاسع عشر. لفهم نظرية عام 1903 لبيرس، يجب أن نعود إلى عناصر الدلالة الثلاثة، أي: حامل العلامة، والموضوع، والمفسِّرَة، وننظر كيف رأى بيرس أن وظيفتها في الدلالة تقود إلى تصنيف شامل لأنواع العلامات.

1.3 حامل العلامة

تَذكَّر أن علامات بيرس الفكرية لا تدل على موضوعاتها بواسطة جميع صفاتها، ولكن بفضل صفة معينة. بحلول عام 1903، لأسباب تتعلق بعمله في مجال الظاهراتية، اعتقد بيرس إمكانية تقسيم الخصائص المركزية لحاملات العلامات إلى ثلاثة مجالات واسعة، وبناء على ذلك، يمكن تصنيف تلك العلامات وفقا لذلك. يعتمد هذا التقسيم على ما إذا كانت حاملات العلامة تدل بموجب الصفات، أو الحقائق الوجودية، أو الأعراف والقوانين. إضافة إلى ذلك، يتم تصنيف العلامات التي تتضمن حاملات العلامة تلك على أنها علامات نوعية، ومفردة، ومعيارية على التوالي.

من الصعب تخيل أمثلة على العلامات التي تعتمد حاملات علامتها على صفة معينة، ولكن المثال الواضح بشكل خاص، الذي استخدمه ديفيد سافان، هو هذا:

[...] أنا أستخدمُ شريحة ألوان لتحديد لون الطلاء الذي أرغب في شرائه. ربما تكون شريحة الألوان مصنوعة من الورق المقوى، ومستطيلة، وموضوعة على طاولة خشبية، وما إلى ذلك. لكن لون الشريحة فقط هو الأساسي لها كعلامة على لون الطلاء. (Savan 1988, 20)

هناك العديد من العناصر للشريحة الملونة التي تعمل كعلامة، لكن لونها فقط هو الذي يهم من جهة قدرتها على الدلالة. وهكذا فأي علامة يعتمد حامل علامتها، كما في هذا المثال، على صفات بسيطة مجردة، تُسمَّى علامة نوعية qualisign.

مثال على علامة يستخدم حامل علامتها حقائق وجودية هو الدخان كعلامة على الحريق؛ العلاقة السببية بين النار والدخان تسمح للدخان بالعمل كدال. الحالات الأخرى هي مثال تل الخُلد الذي تم استخدامه سابقا، وارتفاع درجة الحرارة كعلامة على الحمى. تُسمى أي علامة يعتمد حامل علامتها على الروابط الوجودية مع موضوعها، من قبل بيرس، علامة مفردة sinsign.

وأخيرا، النوع الثالث من العلامات هو الذي يرجع عنصرها الدلالي الأساسي في المقام الأول إلى العرف، أو العادة، أو القانون. من أمثلتها النموذجية إشارة المرور كعلامة على الأولوية، وكذلك القدرة الدلالية للكلمات، حيث تدل حاملات العلامة تلك بمقتضى الاتفاقيات في البيئة التي تستخدمها. يطلق بيرس على العلامات التي تعمل حاملات علاماتها بهذه الطريقة اسم علامة معيارية legisigns.

2.3 الموضوعات

بمثل ما اعتقد بيرس في إمكانية تصنيف العلامات وفقا لما إذا كانت حاملات علاماتها تعمل بموجب الصفات، أو الحقائق الوجودية، أو الأعراف والقوانين، كذلك اعتقد بإمكانية تصنيف العلامات وفقا لكيفية عمل موضوعها في الدلالة. تذكر أن الموضوعات، بالنسبة إلى بيرس، “تحدد” علاماتها. يعنى، أن طبيعة الموضوع تقيد طبيعة العلامة من حيث ما تتطلبه الدلالة الناجحة. مرة أخرى، اعتقد بيرس أن طبيعة هذه القيود تنقسم إلى ثلاث فئات واسعة: النوعية، والوجودية أو الفيزيائية، والعُرفية الشبيهة بالقانون. إضافة إلى ذلك، إذا كانت قيود الدلالة الناجحة تتطلب من العلامة أن تعكس السمات الكيفية للموضوع، حينئذ، تكون العلامة أيقونة icon. إذا كانت قيود الدلالة الناجحة تتطلب من العلامة أن تستخدم بعض الروابط الوجودية أو المادية بينها وبين موضوعها، حينئذ، تكون العلامة إشارة index. وأخيرا، إذا كانت الدلالة الناجحة للموضوع تتطلب أن تستخدم العلامة عُرفا، أو عادة، أو قاعدة اجتماعية، أو قانون يربطها بموضوعها، حينئذ، تكون العلامة رمزا symbol.

هذا هو التصنيف الثلاثي الذي تعرفنا عليه بالفعل في عمل بيرس المبكر، في الواقع، إن أمثلة الأيقونات، والمؤشرات، والرموز، هي، إلى حد كبير، نفسها كما كانت من قبل: الأيقونات هي صور شخصية ولوحات، والمؤشرات علامات طبيعية وسببية، والرموز هي كلمات، وهلم جرا. هناك، مع ذلك، حالات إضافية، فعلى سبيل المثال، تشتمل الرموز على الرسوم البيانية المستخدمة في التفكير الهندسي، وتشمل المؤشرات الإشارة بأصبع الاتهام، وأسماء العَلَم، وتشمل الرموز أفعالا كلامية كثيرة مثل التأكيد، والحكم، ويشير ذلك كله إلى توسع هائل لهذا التصنيف الثلاثي.

وتجدر الإشارة، مع ذلك، إلى أنه بحلول عام 1903، كان بيرس مدركا بأنه سيكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، العثور على أي حالات نقية للأيقونات والمؤشرات. بل إنه بدأ في الشك في أن الأيقونات والمؤشرات كانت دائما وبنحو جزئي رمزية أو عرفية. في محاولة إحكام ذلك، قام بيرس بتجربة بعض المصطلحات الإضافية وأنواع الأيقونات والمؤشرات. وهي ما أطلق عليها: دون الأيقونة hypo-icon (see CP2 .276 1903) ودون المؤشرة sub-index (see CP 2.330 1903) على التوالي. لن نستفيض في تناول هذه العلامات أكثر من ذلك هنا (انظر (Goudge 1965) and (Atkin 2005) لمزيد من المعلومات حول وجهة نظر بيرس في المؤشرات، و (Legg 2008) لمعرفة المزيد عن الأيقونات)، ولكن من الجدير بالذكر أنه بحلول عام 1903، أصبح التقسيم الثلاثي البسيط: الأيقونة/ المؤشرة/ الرمز، أمرا تجريديا، وصار بيرس مدركا بأن أي علامة فردية قد تُظهر مزيجا من الخصائص الأيقونية، والإشارية، والرمزية.

3.3 المفسِّرَات

كما هو الحال مع حامل العلامة والموضوع، رأى بيرس أنه بإمكاننا تصنيف العلامات بحسب علاقتها بمفسِّرَاتها. مرة أخرى، يحدد ثلاث فئات وفقا لسمة العلاقة التي تستخدمها العلامة مع موضوعها لتوليد مفسِّرَة. علاوة على ذلك، كما هو الحال مع تصنيف العلامة من زاوية حامل العلامة والموضوع، يحدد بيرس الصفات، والحقائق الوجودية، أو الملامح العرفية كأساس لتصنيف العلامة من جهة المفسِّرة الخاصة بها.

إذا حددت العلامةُ مفسِّرةً عن طريق توجيه فهمنا للعلامة إلى الملامح الكيفية التي توظفها للدلالة على موضوعها، فإن العلامة تُصنَّف على أنها علامة خبرية rheme. الأمثلة ليست دقيقة، ولكن إحدى طرق فهم العلامات الخبرية، هي التفكير فيها على أنها مُسنَد دون مُسنَد إليه مثل، “- يكون كلب is a dog -“، “- سعيد is happy -“، “- يحب – loves -” أو “- يعطي – لـ – – gives – to”، وهكذا.

عندما نفهم علامة بحسب الصفات التي تفترض أن موضوعها قد يكون متصفا بها، فإننا نولِّد مفسِّرَة تصف علامتها كعلامة خبرية. من ناحية أخرى، إذا حددت العلامة المفسِّرَة عن طريق توجيه فهمنا للعلامة إلى السمات الوجودية التي توظفها للدلالة على موضوع ما، فإن العلامة تكون تصديقية dicent.

يمكننا أن نفكر في العلامات التصديقية كمُسنَد ومُسنَد إليه ، أو قضية propositions، مثل: “فيدو كلب “Fido is a dog و” لاري سعيد “Larry is a happy و”فيدو يحب لاري “Fido loves Larry ” و”لاري يُعطي طعاما لفيدو Larry gives food to Fido”، وهكذا. وأخيرا، إذا حددت العلامة مفسِّرَة عن طريق توجيه فهمنا إلى بعض السمات العُرفية أو الشبيهة بالقانون، المستخدمة في الدلالة على الموضوع، فإن العلامة تكون برهانية delome، أو كما يسميها بيرس في أغلب الأحيان، ولكن بشكل محير، الحجج arguments.

علاوة على ذلك، مثلما يمكننا أن نفكر في العلامة الخبرية على أنها مُسنَد دون مُسنَد إليه ، والعلامة التصديقية كقضية، يمكننا التفكير في العلامة البرهانية كحجة، أو قاعدة للاستدلال. إن قدرتنا على فهم علامة من جهة موضعها في نمط تفكير ما ونظام للعلامات تمكننا من استخلاص المعلومات منها (عن طريق النظر الاستدلالي) أو القيام بتخمينات بشأنها (عن طريق النظر الاستقرائي والاستدلالي). هكذا، كلما وصلنا إلى فهم علامة بتركيز انتباهنا إلى بعض السمات العرفية لعلاقتها مع موضوع، أي: أنها تُمكننا من فهم العلامة كجزء من قاعدة تحكم نظاما للمعرفة والعلامات، وما إلى ذلك، يكون لدينا مُفسِّرَة تصنف العلامة على أنها علامة برهانية (أو حجة).

4.3 الفئات العشر للعلامة عند بيرس

يعتقد بيرس أن العناصر الثلاثة، وتصنيفاتها الخاصة التي فرضتها على العلامات، يمكن تراكبها معا لإعطاء قائمة كاملة بأنواع العلامات. أي، نظرا لأن العلامة لها حامل علامة، فيمكن تصنيفها على أنها علامة نوعية، أو فردية، أو معيارية. بالإضافة إلى ذلك، بما أن للعلامة موضوع، فيمكن تصنيفها بأنها أيقونة، أو مؤشر، أو رمز. وأخيرا، بما أن هذه العلامة ستقوم أيضا بتحديد مفسِّرَة، فيمكن تصنيفها بأنها علامة خبرية، أو علامة تصديقية، أو علامة برهانية.

بالتالي، فإن كل علامة قابلة للتصنيف باعتبارها مُركّب من كلٍ من عناصرها الثلاثة، أي، إما كواحد من الأنواع الثلاثة لحامل العلامة، بالإضافة إلى أحد الأنواع الثلاثة من الموضوع، بالإضافة إلى أحد الأنواع الثلاثة للمفسِّرَة. بداية، يبدو هذا منتجا لسبعة وعشرين توليفة تصنيفية محتملة، ولكن بسبب بعض نظريات بيرس الظاهراتية، هناك قيود على كيفية التوليف بين العناصر المختلفة بما يعني أن هناك، في الواقع، عشرة أنماط فقط للعلامة. (لمزيد من المعلومات حول العلاقة بين فئات بيرس الظاهراتية، وتصنيفه للعلامات، انظر (Lizska 1996) و (Savan 1988))

القواعد الخاصة بالتوليفات المسموح بها هي في الواقع بسيطة للغاية طالما أننا نضع في اعتبارنا أمرين. أولا: أنماط كل عنصر قابلة للتصنيف إما كصفة، أو كحقيقة وجودية، أو كعُرف. أي، عبر العناصر الثلاثة للعلامة، هناك ثلاثة أنماط مستمدة من الصفات (العلامة النوعية، والأيقونة، والعلامة الخبرية)، وثلاثة أنماط مستمدة من الحقائق الوجودية، (العلامة الفردية، والعلامة الإشارية، والعلامة التصديقية)، وثلاثة أنماط مستمدة من الأعراف (العلامة المعيارية، والرمز، والعلامة البرهانية).

ثانيا: يعتمد تصنيف المفسِّرَة على تصنيف الموضوع، والذي يعتمد بدوره على تصنيف حامل العلامة. إذن، فإن القواعد التي تحدد التصنيفات المسموح بها تكون إذا تم تصنيف عنصر ما باعتباره صفة، فيمكن حينئذ تصنيف العنصر التابع له كصفة فقط. إذا تم تصنيف عنصر على أنه واقعة وجودية، فيمكن تصنيف عنصره التابع إما على أنه واقعة وجودية أو صفة. وإذا تم تصنيف عنصر على أنه عرفي اتفاقي، فيمكن تصنيف عنصره التابع إما كعرفي، أو كواقعة وجودية، أو كصفة. هكذا نكون بإزاء عشرة توليفات جائزة بين حامل العلامة، والموضوع، والمفسِّرَة، وبالتالي عشرة أنماط ممكنة من العلامات. تبدو كما يلي:

المفسِّرَةالموضوعحامل العلامةمثال (from CP2.254—263 1903)
علامة خبريةأيقونةعلامة نوعية“إحساس باللون الأحمر”
علامة خبريةأيقونةعلامة مفردة“رسم بياني فردي”
علامة خبريةمؤشرةعلامة مفردة“صرخة عفوية”
علامة تصديقيةمؤشرةعلامة مفردة“مؤشر اتجاه الريح”
علامة خبريةأيقونةعلامة معيارية“رسم بياني [نمط]”
علامة خبريةمؤشرةعلامة معيارية“اسم إشارة”
علامة تصديقيةمؤشرةعلامة معيارية“صرخة في الشارع”
علامة خبريةرمزعلامة معيارية“اسم عام”
علامة تصديقيةرمزعلامة معيارية“جملة إنشائية”
علامة برهانيةرمزعلامة معيارية“حجة”

اتخذت هذه الأنماط العشرة للعلامة أسماءها ببساطة بعد تآلف عناصرها: الجملة الإنشائية هي علامة معيارية رمزية تصديقية، والصرخة العفوية خبرية إشارية فردية، إلى آخره.

على الرغم من اكتمالها وتعقدها الواضحين، فقريبا ما سيشرع بيرس في إعادة التفكير في نظريته في العلامة التي أنشأها عام 1903، وعلى مدى السنوات الأخيرة من حياته، نراه يقدم المزيد من التعقيدات والفروق الدقيقة.

4. النظرية النهائية: 1906-1910

خلال الجزء الأخير من حياته، كان معظم النتاج الفلسفي لبيرس منشغلا بالسيميوطيقا، وقد طور عمله في العلامات إلى ما بعد نظرية 1903. يبدو أن هناك سببين لهذا. أولا: كان بيرس منعزلا جغرافيا وفكريا، وكان منفذه الرئيسي هو المراسلات التي يتبادلها مع امرأة إنجليزية، هي السيدة فيكتوريا ويلبي. كتبت ويلبي في موضوعات فلسفية مختلفة وشاركت بيرس اهتماماته بالعلامات والمعنى. يبدو أن هذا قد منح بيرس جمهورا راغبا ومتعاطفا مع أفكاره النامية عن العلامات. يبدو أن السبب الثاني كان تقديره المتزايد للروابط بين العملية السيميوطيقية وعملية البحث process of inquiry.

كان بيرس دائما ما يفكر في فلسفته بطريقة منهجية ومعمارية. ومع ذلك، حوالي عام 1902، نراه في طلب منحة قدمه إلى معهد كارنيجي يعبِّر بنحو أكثر وضوحا عن الروابط بين الجوانب المختلفة لفلسفته. رُفض الطلب، لكن بيرس عاد إلى التفكير في موضع نظرية العلامة في مجمل فلسفته. تحديدا، توصل إلى رؤية نظرية العلامة بشكل أكثر وضوحا كجزء من منطق الاكتشاف العلمي، أي باعتبارها مركزية في أعماله البحثية. لن نراجع عمل بيرس البحثي هنا، ولكن كعملية موجهة تمتد من معتقدات عرضة للشك إلى معتقدات مؤكِّدة للشك، بدأ بيرس في رؤية توجُّه نهائي مماثل يمر عبر العملية السيميوطيقية.

أدى هذا النوع من التفكير ببيرس إلى إعادة تقييم نظريته في العلامة وفي بنية العلامة: أدى الارتباط بين عملية البحث وسلاسل العلامات إلى أن يلاحظ بيرس تفاصيل وفروق دقيقة كانت غير ملحوظة له في السابق. بنحو خاص، أدى به ذلك إلى رؤية ميل سلاسل العلامات نحو نهاية محددة ولكنها مثالية، بدلا من التقدم إلى ما لا نهاية. حيث أننا في النهاية المثالية للبحث يصبح لدينا فهم كامل لموضوع ما، فلا داعي لأن يكون هناك مفسِّرَة إضافية لذلك الموضوع؛ حيث لا يمكن تطوير فهمنا أكثر من ذلك. (انظر Ransdell (1977)  و Short (2004) وانظر (2007) لمزيد من المعلومات حول الروابط بين أعمال بيرس الأخيرة وعملية البحث النهائية. من المؤكد أن (2007) Short يقدم أكمل وأفضل التفسيرات النهائية لسيميوطيقا بيرس حتى الآن).

1.4 تقسيم الموضوع

يتمثل التأثير الأول لتقدير بيرس الأكبر للتماثلات بين البحث ونظريته الخاصة في العلامة، في التمييز بين موضوع العلامة كما نفهمه في مرحلة ما من العملية السيميوطيقية، وموضوع العلامة كما يتموضع في نهاية تلك العملية. يطلق على الأول اسم الموضوع المباشر، ويسمي الآخر الموضوع الديناميكي. الطريقة البارعة لالتقاط هذا التمييز هي كالموضوعين المختلفين الناشئين عن “إجابتين على السؤال: ما الموضوع الذي تشير إليه هذه العلامة؟ أحدهما هو الإجابة التي يمكن إعطاؤها عند تُستخدم العلامة، والآخر هو الذي يمكن أن نقدمه عندما تكتمل معرفتنا العلمية بها” Hookway 1985, 139)).

1.1.4 الموضوع الديناميكي

الموضوع الديناميكي، في بعض النواحي، هو الموضوع الذي يولد سلسلة من العلامات. الهدف من سلسلة العلامات هو الوصول إلى فهم كامل لموضوع ما، واستيعاب ذلك الموضوع في نظام العلامات. باستخدام مصطلحات أكثر بساطة إلى حد ما، يصف رانسدل (1977,169) الموضوع الديناميكي بأنه “الموضوع كما هو بالفعل”، ويصفه هوكواي (1985,139) بأنه “الموضوع كما هو معروف [في نهاية البحث]”. في الواقع، يُظهر وصف هوكواي وعيا فطِنًا للعلاقة بين الموضوع الديناميكي وعملية البحث في نظرية بيرس اللاحقة في العلامات. مثال، من ليزكا (1996,23)، يجسد فكرة بيرس بوضوح تام: لنتصور خزان نفط ممتلئ إلى نصفه بالوقود، وتتوفر مجموعة متنوعة من العلامات لهذه لحالة نصف الامتلاء هذه. ربما يكون هناك مقياس وقود متصل بالخزان، أو ربما يصدر الخزان صوتا مميزا عند الطرق عليه، وما إلى ذلك. لكن، على الرغم من هذه العلامات المختلفة، فإن الموضوع الكامن وراءها جميعا هو المستوى الفعلي للوقود في خزان النفط؛ هذا هو الموضوع الديناميكي.

2.1.4 الموضوع المباشر

يصف رانسدل (1977, 169) الموضوع المباشر بأنه “ما نفترض، في أي وقت، أن يكون عليه الموضوع”، ويصفه هوكواي (1985,139) بأنه “الموضوع في وقت استخدامه وتفسيره لأول مرة”. الموضوع المباشر، إذن، ليس موضوعا إضافيا متميزا عن الموضوع الديناميكي، ولكنه مجرد صورة طبق الأصل للموضوع الديناميكي غير مكتملة معلوماتيا، نشا في لحظة مرحلية ما، في سلسلة من العلامات. بالعودة إلى مثال خزان النفط، فحين نقوم بالطرق على الخزان، فإن النغمة التي تصدر عن الطرق (والتي تعمل كحامل للعلامة) توضح لنا أن الخزان ليس ممتلئا (لكنها لا تخبرنا بالمستوى الدقيق للوقود). الموضوع المباشر، إذن، هو خزان غير تام الامتلاء.

من الواضح أن الموضوعات المباشرة والديناميكية للعلامة مرتبطة ارتباطا وثيقا، ويصف بيرس الاثنين ويعرضهما معا باستمرار. ((See, (CP 4. 536 (1896) ومع ذلك، فإن العلاقة بين الاثنين تكون أكثر وضوحا عندما نفكر في الروابط بين سلاسل العلامات والبحث inquiry. والموضوع الديناميكي، كما أشرنا، هو الهدف ونقطة النهاية التي تقود العملية السيميوطيقية، والموضوع المباشر هو إدراكنا لهذا الموضوع في أي مرحلة من مراحل هذه العملية. على سبيل المثال، يقول راندسل:

الموضوع المباشر هو الموضوع كما يظهر في أي مرحلة من مراحل البحث أو أي مرحلة من مراحل العملية السيميوطيقية. أما الموضوع الديناميكي فهو الموضوع كما هو بالفعل. يجب اعتبار هذا التمييز؛ أولا: لأن الموضوع المباشر قد ينطوي على تفسير خاطئ، فيكون إلى هذا الحد، بالتالي، ممثل خاطئ للموضوع كما هو بالفعل، وثانيا: لأنه قد يفشل في تضمين سمة صحيحة للموضوع الحقيقي. بعبارة أخرى، الموضوع المباشر هو ببساطة ما نفترض أن يكون الموضوع الحقيقي في أي وقت. (Ransdell 1977, 169)

بهذا الطرح، يبدو من الواضح كيف أن اهتمام بيرس المتزايد بالتقاط أوجه التشابه بين سيرورة العلامة وعملية البحث قاده إلى تعيين موضوعين للعلامة.

2.4 تقسيم المفسرة

تماما كما هو الحال مع موضوعَي العلامة، أدت التماثلات بين السيميوطيقا والبحث إلى تقسيم مماثل للمفسِّرَات. مع توجه سلسلة من العلامات نحو الحالة النهائية، نجد مفسِّرَات مختلفة تلعب أدوارا مختلفة ولكنها مهمة. يحدد بيرس ثلاث طرق مختلفة يمكننا من خلالها فهم الطريقة التي تمثل بها العلامة موضوعا ما. يطلق على هذه الأنواع الثلاثة من المفسِّرَات: المفسِّرَة المباشرة، والمفسِّرَة الديناميكية، والمفسِّرَة النهائية، ويصفهم على هذا النحو .

المفسِّرَة [الديناميكية] هي أي تفسير يقوم به أي عقل فعليا للعلامة. [...] لا تتمثل المفسِّرَة النهائية في الطريقة التي يتصرف بها أي عقل، ولكن في الطريقة التي قد يتصرف بها كل عقل. أي: إنها تتمثل في حقيقة يمكن التعبير عنها في جملة شرطية من هذا النوع: "إذا حدث كذا وكذا لأي عقل، فإن هذه العلامة ستؤدي بهذا العقل إلى كذا وكذا من التصرفات". [...] تتمثل المفسِّرَة المباشرة في كيفية الانطباع الذي تقدر العلامة على إنتاجه، وليس لأي رد فعل قائم. [...] إذا كان هناك أي نوع رابع من المفسِّرَات بمثل رسوخ هؤلاء الثلاثة، فلا بد أن يكون هناك تمزق مروّع في شبكية عيني العقلية، لأنني لا أستطيع رؤيته على الإطلاق. (CP8.315 1909).

سنقوم بدراسة كل منها على حدة، ولكن من أجل الحصول على فهم أوضح للمفسِّرَات الثلاثة، من المفيد أن ننظر، بإيجاز شديد، إلى درجات بيرس الثلاثة للوضوح، أو الفهم، طالما اتخذ بيرس ذلك طريقا للإخبار بتقسيمه للمفسِّرَات.

في ورقة بحثية قدمها عام 1878، بعنوان “كيف نجعل أفكارنا واضحة” (W3, 257–275) يطرح بيرس ثلاث درجات من الوضوح، أو ثلاثة مستويات من الفهم. في هذه الورقة، يقدم مبدأه البراجماتي pragmatic maxim الشهير كتطور للمفاهيم العقلانية لـ “الأفكار الواضحة والمتميزة”. من خلال الجمع بين مبدأه البراجماتي ومفاهيم الوضوح عند ديكارت ولايبنيتز، يحدد بيرس ثلاث درجات من الفهم. الدرجة الأولى من الوضوح هي أن يكون لديك إدراكا غير تأملي لمفهوم ما في التجربة اليومية. الدرجة الثانية من الوضوح هي أن يكون لديك، أو أن تكون قادرا على تقديم تعريف عام لهذا المفهوم. ومع ذلك، فإن الدرجة الثالثة من الوضوح تأتي من تصريح بيرس الشهير للمبدأ البراجماتي:

ضع في اعتبارك التأثيرات، مما قد يكون لها نتائج عملية متصوَّرَة، التي نعتقد أن موضوع تصورنا يملكها. بالتالي، فإن تصورنا لهذه التأثيرات هو فهمنا الكامل للموضوع. (W3, 266)

إن الفهم التام لتصور ما، إذن، ينطوي على الإلمام به في مواجهات يومية، والقدرة على تقديم تعريف عام له، ومعرفة التأثيرات المتوقعة من الاعتقاد بأن هذا التصور صحيح.

على الرغم من أن درجات الوضوح تلك هي جزء من المذهب البراجماتي عند بيرس، إلا أن فهمه الأكبر لترابط فكره هو ما قاده إلى إدراك أن دورها كان حاسما كذلك بالنسبة لعمله في السيميوطيقا. بنحو خاص، رأى الدرجات الثلاث للوضوح أو الفهم كما انعكست في مفهومه عن المفسِّرَة، وبالطبع شعر أن المفسِّرَة أيضا لديها ثلاث درجات أو أقسام. بيرس نفسه يقول:

في الجزء الثاني من كتابي ["كيف نجعل أفكارنا واضحة"]، أنشأت ثلاث درجات من وضوح التفسير. الأولى هي الدراية التي تعطي الشخص الألفة مع العلامة والاستعداد لاستخدامها أو تفسيرها. ويتبدى له في وعيه أنه متآلف تماما مع العلامة. [...] والثانية كانت التحليل المنطقي [وهو ما يعادل] نظرية ليدي ويلبي في الإدراك الحسي Sense. الدرجة الثالثة من الوضوح هي التحليل البراجماتي ويتحدد مع المفسِّرَة النهائية. (CP8.185 (1909)).

هنا، إذن، يحدد بيرس المرتبة الأولى من الوضوح مع المفسِّرَة الديناميكية، والمرتبة الثانية مع المفسِّرَة المباشرة، والمرتبة الثالثة مع المفسِّرَة النهائية.

1.2.4 المفسرة المباشرة

كما يشير تحددها مع المرتبة الثانية من الوضوح، فإن المفسِّرَة المباشرة هي فهم تعريفي عام للعلاقة بين العلامة والموضوع الديناميكي. في مثال موسع، إذا كان الموضوع الديناميكي هو حالة الطقس في يوم عاصف، فإن بيرس يصف المفسِّرَة المباشرة بأنها “المخطط في خيالنا، أي: الصورة المبهمة لما هو مشترك في الصور المختلفة ليوم عاصف”. (CP8. 314 (1907)) . فالمفسِّرَة المباشرة، إذن، هي شيء مثل إدراك التركيب النحوي للعلامة والملامح الأكثر عمومية لمعناها. في الواقع، يبدو أن بيرس يعتبر المفسِّرَة المباشرة “كل ما هو واضح في العلامة بصرف النظر عن سياقها وظروف الكلام. (CP5 .473 (1907)) من المفيد أيضا ما جاء في وصف ديفيد سافان للمفسِّرَة المباشرة بأنها:

المحتوى الواضح للعلامة الذي يمكّن المرء من القول ما إذا كانت العلامة تنطبق أم لا على أي شيء، بخصوص ما إذا كان لهذا الشخص معرفة كافية. إنه الانطباع الكلي غير المفسَّر الذي قد يُتوقع من العلامة أن تولده، بنحو سابق على أي تفكير نقدي فيها. (Savan 1988, 53).

فيما يتعلق بالمثال الذي تكون فيه الجمل العادية هي العلامات، ستتضمن المفسِّرَة المباشرة شيئا مثل إدراكنا للفئات اللغوية، والبنى النحوية، وقواعد الاستخدام التقليدية. مثال ذلك، بدون معرفة أي موضوع عن سياق الكلام الخاص بالجملة، يمكننا تخمين أشياء معينة حولها، “لا نريد أن نؤذيه، أليس كذلك؟”. نحن نعلم أنه سؤال، ونعلم أنه يتعلق بإيذاء شخص ما، ذكر، وما إلى ذلك. هذه الأشياء هي جزء من المفسِّرَة المباشرة للعلامة.

2.2.4 المفسرة الديناميكية

النوع الثاني من المفسِّرَات الذي يجب أن يكون لأي علامة هو المفسِّرَة الديناميكية. وهو فهمنا لعلاقة العلامة /الموضوع الديناميكي في بعض الحالات الفعلية في سلسلة العلامات. يصف بيرس المفسِّرَة الديناميكية بأنها “التأثير الناتج فعليا على العقل” (CP8 .343 (1908))، أو بأنها “التأثير الفعلي الذي تقوم العلامة، كعلامة، بتحديده بالفعل”. (CP4.536 (1906)) المفسِّرَة الديناميكية، إذن، هي الفهم الذي نصل إليه، أو الذي تحدده العلامة، في أي مرحلة سيميائية معينة.

استمرارا مع الأمثلة اللغوية، نعلم أن المفسِّرَة الديناميكية هي التفسير الفعلي الذي نصنعه، أو الفهم الذي نصل إليه، في مبتدأ التفسير. مثال ذلك: عندما تقول لي فيما تشير نحو امرأة جبانة نعرفها: “لقد رأيتها تختبئ تحت الطاولة”، فإن المفسِّرَة الديناميكية هي فهمي بأنك المتكلم، وأنني المقصود بالخطاب، وأنك رأيت إحدى معارفنا المتصفة بالجبن تختبئ تحت طاولة.

هناك أيضا علاقة مثيرة للاهتمام بين المفسِّرَة الديناميكية والموضوع المباشر. كالفهم الذي نصل إليه فعليا في أي مرحلة معينة في سلسلة العلامة، تمثل المفسِّرَة الديناميكية فهما، أو تفسيرا غير مكتمل للموضوع الديناميكي. ما هو أكثر أهمية من ذلك، أن الموضوع المباشر لعلامة ما في سلسلة العلامة يتكون من التفسيرات الفعلية التي تم إجراؤها مسبقا، بمعنى أنه يتكون من المفسِّرَات الديناميكية من المراحل السابقة في سلسلة العلامة. بحسب تعبير رانسدل (1977, 169): “الموضوع المباشر هو، بعبارة أخرى، النتيجة المدَّخَرة لكل التفسيرات السابقة على تفسير العلامة المعطاة”. المفسِّرَة الديناميكية إذن، هي التفسير أو الفهم الفعلي الذي نقوم به في مرحلة ما من العملية السيميوطيقية، ويشكل أيضا، جنبا إلى جنب مع المفسِّرَات الديناميكية السابقة، الموضوع المباشر، أو الفهم الجزئي للموضوع الديناميكي في أي نقطة معينة في العملية السيميوطيقية.

3.2.4 المفسرة النهائية

يصف بيرس المفسِّرَة النهائية بأنها “ما سيتقرر أخيرا بأنه التفسير الحقيقي إذا وصل بنا النظر في الأمر إلى أننا وصلنا إلى رأي نهائي. (CP8.184 (1909)) في موضع آخر يصفها بأنها “التأثير الذي سينتُج في العقل بواسطة العلامة بعد تطور كافي من التفكير. (CP8 .343 (1908)). المفسِّرَة النهائية، إذن، تبدو أنها ما سيكون عليه فهمنا للموضوع الديناميكي في نهاية البحث، أي: إذا توصلنا إلى فهم حقيقي للموضوع الديناميكي. من الواضح أن فكرة بيرس عن البحث مركزية هنا. كما يشير هوكواي، من الأفضل أن نحدد المفسِّرَة النهائية على أنها الفهم:

والتي يتم الوصول إليها إذا استمرت عملية إثراء المفسِّرَة من خلال البحث العلمي إلى ما لا نهاية. إنها تتضمن تصورا كاملا وصحيحا لموضوعات العلامة؛ إنها المفسِّرَة التي يجب أن نتفق عليها جميعا على المدى الطويل. (Hookway 1985, 139).

كمثال، فكر مرة أخرى في أنواع الكلام التي ذكرناها سابقا. في مثل هذه الحالة مثل قولك: “لقد رأيتها تختبئ تحت الطاولة”، ستكون المفسِّرَة النهائية هي الفهم حيث “لا يوجد مجال للتفسير على الإطلاق” ((CP5 .447 (1905)، أي: حين تكون معاني الكلمات، وهوية العاملين المشاركين، وما إلى ذلك، كلها محددة بشكل مطلق. لذا، فإن المفسِّرَة النهائية لكلمتك “رأيتها تختبئ تحت الطاولة” هو توصلي إلى فهم حاسم لما تقصده. يمكننا تصور كيفية حدوث ذلك، من خلال طرحي لمجموعة متنوعة من الأسئلة، مثل “هل تستخدم كلمة” duck “كفعل أو اسم؟”، أو حتى “هل تتحدث إليَّ؟” وتطوير سلسلة من المفسِّرَات الديناميكية التي تجعلنا أقرب وأقرب إلى المفسِّرَة النهائية.

تماما مثلما أن للمفسِّرَة الديناميكية صلات واضحة مع العناصر الأخرى لسيميوطيقا بيرس، كذلك الأمر بالنسبة للمفسِّرَة النهائية. كما يجب أن يكون واضحا، تتفاعل المفسِّرَة النهائية بقوة، من الروابط التي تنشأ من فكرة البحث، مع الموضوع الديناميكي. المفسِّرَة النهائية، إذن، مهمة في فهمنا للموضوع الديناميكي بطريقتين. أولا: إنها النقطة التي سيكتمل فيها فهمنا للموضوع الديناميكي، ووفقا لرانسديل (1977, 169-170)، حين يتطابق الموضوع المباشر والموضوع الديناميكي. وهذا ما يمثل الاستيعاب التام، أو اندماج الكائن الديناميكي في نظامنا للعلامات. ثانيا: تعمل المفسِّرَة النهائية كمقياس نموذجي أو معياري يمكننا من خلاله الحكم على استجاباتنا التفسيرية الفعلية للعلامة. حسب تعبير ديفيد سافان: “كان بيرس يقصد إلى تحديد النوع الثالث من المفسِّرَات باعتباره يوفر قاعدة أو معيارا يمكن بواسطته الحكم على مراحل معينة (المفسِّرَات الديناميكية) لعملية تاريخية”. Savan 1988, 62)).

3.4 مشكلات تتعلق بالعمل النهائي

هذا التحديد للعناصر الستة للعلامة هو الجزء الأكثر وضوحا والأقل إثارة للجدل في نظرية بيرس النهائية للعلامة. معظم ما نعرفه عن أعمال بيرس النهائية مُستقى من الرسائل، والمخطوطات الأولية غير المكتملة، وعناصر متنوعة أخرى.

بناء على ذلك، هناك الكثير في الأعمال النهائية مما يظل غير واضح، وغير مُرضي، وغير مكتمل، ومثير للجدل. في هذا القسم الأخير، سننظر في اثنتين من أكثر المسائل إثارة للاهتمام والتي تشوب العمل النهائي: تصنيف بيرس النهائي المتوقع لستة وستين علامة؛ وما يبدو أنه تحديده لمفسِّرَات إضافية.

1.3.4 التصنيف النهائي

مثلما تتضمن الأعمال المبكرة والمرحلية تصنيفا منسجما لأنواع العلامات، فإن عمل بيرس النهائي ينطوي على طموحات تصنيفية مماثلة. يذكر بيرس صراحة أن هناك ستة وستين فئة من العلامات في تصنيفه النهائي. (See EP2. 481). بالمعنى الدقيق للكلمة، فإن العناصر الستة التي ذكرناها بالتفصيل آنفا تنتج ثمانية وعشرين نوعا فقط من العلامات، لكننا مهتمون بتصنيف بيرس النهائي. يعتقد بيرس أنه يمكننا الحصول على هذه الفئات الست والستين، إلى حد ما على غرار نمط تصنيف 1903، بواسطة تحديد عشرة من عناصر العلامات والدلالات، لكل منها ثلاث فئات مؤهلة، ثم العمل على تآلفاتها المسموح بها. تتضمن هذه العناصر العشرة عناصر العلامة الستة المحددة أعلاه، بالإضافة إلى أربعة عناصر أخرى تركز على العلاقة بين العلامات، والموضوعات، والمفسِّرَات. العناصر العشرة وأنماط العلامة الخاصة بها، المأخوذة من رسائل بيرس عام 1908 إلى الليدي ويلبي (EP2 483-491)، هي كما يلي:

  • 1.  فيما يخص العلامة ذاتها (ما كنا نطلق عليه حامل العلامة)، فإن العلامة قد تكون (1) علامة نوعية Potisign، أو(2) علامة مفردة Actisign، أو(3) علامة عامة الدلالة Famisign.
  • (بحلول وقت العمل النهائي، كان بيرس ما يزال يختبر المصطلحات، لذا ربما تكون هذه الأنواع مألوفة أكثر بأسماء العلامات النوعية Qualisigns، والعلامات الفردية Sinsigns، والعلامات المعيارية Legisigns).
  • 2.  فيما يتعلق بالموضوع المباشر، قد تكون العلامة (1) وصفية، أو(2) إشارية، أو(3) وصفية إشارية معا.
  • 3.  فيما يتعلق بالموضوع الديناميكي، قد تكون العلامة (1) مجردة، أو (2) مجسَّدة، أو(3) مشتركة.
  • 4.  فيما يتعلق بالعلاقة بين العلامة والموضوع الديناميكي، قد تكون العلامة (1) أيقونة، أو (2) إشارة، أو (3) رمزا.
  • 5.  فيما يتعلق بالمفسِّرَة المباشرة، قد تكون العلامة (1) تعجبية، (2) آمرة، أو (3) ذات مغزى.
  • 6.  فيما يتعلق بالمفسِّرَة الديناميكية، قد تكون العلامة (1) عاطفية، أو(2) مروعة، أو (3) معتادة.
  • 7.  فيما يتعلق بالعلاقة بين العلامة والمفسِّرَة الديناميكية، قد تكون العلامة (1) موحية، أو(2) آمرة، أو (3) دلالية.
  • 8.  فيما يتعلق بالمفسِّرَة النهائية، قد تكون العلامة (1) مُرضِية، أو(2) منتجة للفعل، أو(3) منتجة للتحكم الذاتي.
  • 9.  فيما يتعلق بالعلاقة بين العلامة والمفسِّرَة النهائية، قد تكون العلامة (1) بديلة عن الموضوع Seme، أو(2) معادلة للعبارة Pheme، أو (3) برهانية Delome.
  • 10.      فيما يتعلق بالعلاقة بين العلامة والموضوع الديناميكي والمفسِّرَة النهائية، قد تكون العلامة (1) توكيد للغريزة، أو(2) توكيد للخبرة، أو(3) توكيد للشكل.

السبب الذي بمقتضاه يعتقد بيرس أن هذه العناصر العشرة ستنتج ستة وستين فئة واضح بما فيه الكفاية، فنفس الاعتبارات التوليفية المعطاة بشأن التصنيف المرحلي (الموضحة أعلاه في 3.4) تنطبق هنا. ومع ذلك، فإن الطريقة والترتيب الدقيقين اللذين تتفاعل بحسبهما هذه العناصر هما ما سيحددان الشكل الذي ستبدو عليه الفئات الست والستون للعلامات في التصنيف النهائي. لسوء الحظ، تمثل هذه الأقسام العشرة وفئاتها نسقا محيرا من المصطلحات غير تامة التفسير، ولا يوجد سوى القليل مما يساعد على الإشارة بدقة إلى الكيفية التي يجب أن نبدأ بها مهمة الجمع بينها. على الرغم من أننا قد نكون واثقين من عدد العلامات في التصنيف النهائي، فإن التفاصيل الأخرى سطحية وغير متطورة، ولا يوجد حتى الآن عمل مُرضٍ تماما للفئات الست والستين. كما يشير ناثان هاوسر: “ربما يكون الامتداد السليم والمفصل لتحليل بيرس للعلامات إلى مجموعته الكاملة المكونة من عشرة أقسام وستة وستين فئة، هو المشكلة الأكثر إلحاحا لسيميوطيقا بيرس”. (Houser 1992, 502).

هناك، بالطبع، عمل جيد مبذول في التصنيف النهائي (see (Burks and Weiss 1949), (Sanders 1970), (Savan 1988), (Jappy 1989), (Muller 1994), and (Farias and Queiroz 2003) for the best of this work)، ولكن، في النهاية، ليس من الواضح ما إذا كان أي من أعمال بيرس سوف يتغلب على المشاكل التي تطرحها الطبيعة غير المكتملة والمتعجلة للعمل الختامي. في الواقع، ليس من الواضح ما إذا كان بيرس نفسه مرتاحا تماما لتصنيفه النهائي، وكيف يجب أن تتماسك عناصره معا. كما قال هو نفسه:

يبدو لي أن الأقسام العشر هي بأكملها ثلاثية الانقسام؛ ولكن من الممكن ألا يكون أي منها كذلك. من بين هذه الانقسامات الثلاثية العشرة، لدي تخوف واضح من البعض، وفكرة غير مريحة ومشكوك فيه بالنسبة للبعض الآخر، ومفهوم مقبول ولكن لم يتم اختباره بنحو تام بالنسبة للآخرين.(EP2.483)

2.3.4 مفسرات إضافية

كما هو شائع في جميع أعمال بيرس في مجال الفلسفة، تظهر تغييرات عديدة في المصطلحات والتفاصيل الدقيقة في الكلمات والتعبيرات المُصاغة من عمل إلى آخر يليه. ولا يختلف عمله على المفسِّرَات عن ذلك. في نقاط مختلفة في عمله النهائي الخاص بالعلامات، يصف بيرس في تقسيم للمفسِّرَات بأنها: مباشرة، وديناميكية، ونهائية؛ أو بأنها عاطفية، وحيوية، ومنطقية؛ أو بأنها بسيطة، وتساؤلية، وعادية؛ أو بأنها قصدية، وفعَّالة، وتواصلية؛ أو حتى بأنها مقصودة، وفعالة، وصريحة. كما يلاحظ ليزكا (1990, 20)، “تشير وجهة النظر المقبولة في دراسة بيرس إلى أن تقسيمات المفسِّرَة إلى مباشرة، وديناميكية، ونهائية، هي نموذج أصلي، وجميع الأقسام الأخرى مرادفة نسبيا لهذه الفئات”. ومع ذلك، هناك بعض المعارضين لهذا الرأي.

عند مناقشة المفسِّرَة يصف بيرس أحد الأشكال الثلاثية المذكورة أعلاه على النحو التالي:

في جميع الأحوال تشمل [المفسِّرَة] المشاعر؛ لأنه يجب، على الأقل، أن يكون هناك إحساس بفهم معنى العلامة. إذا كانت تتضمن أكثر من مجرد الشعور، فيجب أن تثير نوعا من الجهد. وقد تتضمن شيئا إلى جانب ذلك، والذي قد يُطلق عليه، في الوقت الحاضر، "فكر" بنحو ملتبس. أصف هذه الأنواع الثلاثة من المفسِّرَات بانها مفسِّرَات "عاطفية" و"حيوية" و"منطقية". (EP2. 409)

بالنسبة لبعض الباحثين، يصف هذا تقسيما يتميز عن ثلاثية المباشرة / الديناميكية / النهائية. يرى فيتزجيرالد (1966، 78) أنه نظرا لأن المفسِّرَات العاطفية، والحيوية، والمنطقية، هي آثار فعلية، يجب أن يُنظر إليها باعتبارها ثلاثة أنواع فرعية من المفسِّرَة الديناميكية. هذا لأن بيرس قد وصف المفسِّرَات الديناميكية بأنها التأثير الناتج بالفعل في العقل. يرى شورت (1981, 1996, and 2004) أن كلا من المفسِّرَات المباشرة، والديناميكية، والنهائية، يمكن تقسيمها تقسيما فرعيا إضافيا إلى عاطفية، وحيوية، ومنطقية. على وجه الخصوص، يرى شورت أن التقسيم الثلاثي المباشرة/ الديناميكية / النهائية، يصف المفسِّرَة في مرحلة ما من عملية سيميوطيقية موجهة، بينما يصف التقسيم الثلاثي العاطفية/ والنشطة/ والمنطقية، أنواع المفسِّرَة الممكنة في أي مرحلة معطاة.

هناك أسباب نصية بسيطة تُعد مقابلة لادعاءات فيتزجرالد. على سبيل المثال، يصف بيرس المفسِّرَة الديناميكية بأنها تستمد خصائصها من الفعل (CP8 .315 (1904))، لكنه يقول لاحقا: “لا يمكن للفعل أن يكون مفسِّرة منطقية” (CP5 .491 (1906)). . يبدو أن هذا يجعل الاثنين متعارضين (See Liszka (1990, 21) for more on the problems with Fitzgerald’s claim). علاوة على ذلك، يبدو أن هذا التعارض يشير إلى مشكلة بالنسبة لوجهة نظر شورت؛ حيث أن روايته تشير أيضا إلى أن المفسِّرَة الديناميكية يجب أن تشمل المفسِّرَة المنطقية كتقسيم فرعي (Short 1981, 213). يدعي شورت، مع ذلك، دعما نصيا لوجهة نظره من الحالات التي يذكر فيها بيرس الانقسام الثلاثي إلى عاطفية / حيوية/ منطقية، جنبا إلى جنب مع الادعاء المنفصل بوضوح بأن العلامات لها ثلاث مفسِّرَات. ((Short sites (CP8 .333 (1904)) and (CP4 .536 (1906) ينظر شورت إلى هذا على أنه يفترض وجوب معاملة التصنيفين على أنهما تقسيمان ثلاثيان مختلفان ومستقلان. (Short 2004, 235).

من غير الواضح إلى أي مدى ستُثبت الأدلة النصية في هذه المسألة أنها حاسمة، لا سيما بالنظر إلى الطبيعة المتشظية لعمل بيرس النهائي عن العلامات. ومع ذلك، هناك أمر أو اثنان يعملان لصالح “وجهة النظر المقبولة”. أولا: يشتهر بيرس بتجريب المصطلحات، خاصة عند محاولته تحديد أفكاره الخاصة، أو وصف الظاهرة نفسها من زوايا مختلفة. ثانيا: من غير الواضح لماذا يجب اعتبار تقسيم ثلاثي مثل قصدية / فعَّالة / تواصلية، بمثابة تجارب اصطلاحية، في حين يُعتبر التقسيم الثلاثي عاطفية / نشطة / منطقية تقسيما متميزا. وأخيرا، هناك القليل مما توفره فئات بيرس الست والستين المتوقعة للعلامات لهذا النوع من التصنيفات الإضافية التي تفرضها التقسيمات الفرعية الإضافية للمفسِّرَة. (لمزيد من المعلومات حول هذه البحث، انظر: ((Liszka 1990 and 1996), (Fitzgerald 1966), (Lalor 1997), (Short 1981, 1996, and 2004))


 

المراجع

الأعمال الرئيسية

  • Peirce, C.S., 1883. Studies in Logic, by Members of The Johns Hopkins University. Ed. Charles S. Peirce. Boston: Little Brown.
  • ––– 1931–36. The Collected Papers. Volumes 1–6. Eds. Charles Hartshorne and Paul Weiss. Cambridge M.A.: Harvard University Press.
  • ––– 1958. The Collected Papers. Volumes 7 & 8. Ed. Arthur Burks. Cambridge M.A.: Harvard University Press.
  • ––– 1977. Semiotics and Significs. Ed Charles Hardwick. Bloomington I.N.: Indiana University Press.
  • ––– 1982- The Writings of Charles S. Peirce: A Chronological Edition. Volumes 1–6. And 8. Eds. Peirce Edition Project. Bloomington I.N: Indiana University Press.
  • ––– 1998. The Essential Peirce. Volume 2. Eds. Peirce edition Project. Bloomington I.N.: Indiana University Press.

(A note on references to Peirce’s work: All references to The Writings of Charles S. Peirce: A Chronological Edition Volumes 1–6, take the form W n. m. where n and m indicate volume and page number respectively. All references to The Collected Papers of Charles Sanders Peirce Volumes 1 – 8, take the form CP n. m where n and m indicate volume and paragraph number respectively. All references to Semiotics and Significs take the form SS followed by page numbers. All references to The Essential Peirce EP n. m where n and m refer to volume and page number respectively.)

الأعمال الثانوية

  • Atkin, A., 2005. “Peirce On The Index and Indexical Reference”. Transactions of The Charles S. Peirce Society. 41 (1), 161–188.
  • Burks, A and Weiss, P., 1945. “Peirce’s Sixty-Six Signs”. Journal of Philosophy. 42: 383–388.
  • Farias, P. and Queiroz, J., 2003. “On diagrams for Peirce’s 10, 28, and 66 classes of signs”. Semiotica. 147 (1/4): 165–184.
  • Fitzgerald, J., 1966. Peirce’s Theory of Signs as a Foundation for Pragmatism. The Hague: Mouton.
  • Goudge, T., 1965. “Peirce’s Index”.Transactions of Charles S. Peirce Society. 1(2), 52–70.
  • Hookway, C.J., 1985. Peirce. London: Routledge.
  • ––– 2000. Truth, Rationality and Pragmatism: Themes from Peirce. Oxford: Clarendon Press.
  • Houser, N., 1992. “On Peirce’s theory of Propositions: A response to Hilpinen”. Transactions of Charles S. Peirce Society. 28 (3), 489–504.
  • Jappy, A., 1989. “Peirce’s Sixty-Six Signs Revisited”, in Semiotics and Pragmatics. Gerard Deledalle (ed). p143–153. Amsterdam: John Benjamins.
  • Lalor, B., 1997. “The Classification of Peirce’s Interpretants”. Semiotica. 114 (1/2): 31–40.
  • Legg, C., 2008. “The Problem of the Essential Icon”.American Philosophical Quarterly. 45(3), 207–232.
  • Liszka, J., 1990. “Peirce’s Interpretant”. Transactions of Charles S. Peirce Society. 26 (1), 17–62.
  • ––– 1996. A General Introduction to the Semeiotic of Charles S. Peirce. Bloomington I.N: Indiana University Press.
  • Müller, R., 1994. “On the principles of construction and the order of Peirce’s trichotomies of signs”. Transactions of Charles S. Peirce Society. 30 (1), 135–153.
  • Murphey, M., 1961. The Development of Peirce’s Philosophy. Cambridge M.A.: Harvard University Press.
  • Ransdell, J., 1977. “Some Leading Ideas in Peirce’s Semiotic”. Semiotica. 19, 157–178.
  • Sanders, G., 1970. “Peirce sixty-six signs?”. Transactions of Charles S. Peirce Society. 6 (1), 3–16.
  • Savan, D., 1988. An Introduction to C.S. Peirce’s Full System of Semeiotic. Toronto: Toronto Semiotic Circle.
  • Short, T.L., 1981. “Semiosis and Intentionality”. Transactions of Charles Sanders Peirce Society. 17 (2), 197–223.
  • ––– 1996. “Interpreting Peirce’s Interpretant: A Response to Lalor, Liszka, and Meyers”. Transactions of Charles S. Peirce Society. 32 (4), 488–541.
  • ––– 2004. “The Development of Peirce’s Theory of Signs” in, The Cambridge Companion To Peirce. Cheryl Misak (ed). 214–240. Cambridge: Cambridge University Press.
  • ––– 2007. Peirce’s Theory of Signs. Cambridge: Cambridge University Press.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

Peirce, Charles Sanders | Peirce, Charles Sanders: logic | pragmatism | semiotics: medieval | types and tokens


[1] Atkin, Albert, “Peirce’s Theory of Signs”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2013 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2013/entries/peirce-semiotics/>.