مجلة حكمة
ميسراحي

عن اللقاء مع سبينوزا: حوار مع روبير ميسراحي

ترجمةعلاء عمر النجار

روبير ميسراحي (ولد سنة 1926) فيلسوف فرنسي معاصر، ومن كبار المتخصصين في فكر سبينوزا. كتب مؤلفات كثيرة تعرف بـ فلسفة سبينوزا، نذكر منها: “سبينوزا، نصوص مختارة” (1964)، “الرغبة والتفكير التأملي في فلسفة سبينوزا” (1972)، “سبينوزا” (1992)، كما أنه ترجم كتاب الإتيقا، مرفقا بمقدمة وتعليقات، صدر سنة 1990. في هذا الحوار[1] يتحدث عن كيفية تعرفه على فكر سبينوزا، وكيف طور فلسفته في اتجاه فلسفة تدور حول مفهوما السعادة والبهجة، كما يقدم عناصر من فكر سبينوزا يرى أنها مفيدة في مواجهة الوباء بوصفه خطرا عالميا.

أول لقاء بسبينوزا

الحدث الموضوعي تم وأنا ابن السابعة من عمري. لقد سقطت والدتي أسيرة المرض وتم حجزها، بشكل نهائي، بمستشفى للطب النفسي. في ذلك السن، أجد نفسي وحيدا، لأقرر أن طريقي سيكون الطاقة التي ستمدني بها الدراسات في المدرسة الجماعاتية. في الفصل الدراسي لمادة الفلسفة، مدنا المدرس بمقالة، مرفقة باقتباسات لسبينوزا. ما حصل أن استعدادي العصبي/ قابليتي الحيوية ma détermination énergétique تزكت من خلال أول لقاء مع سبينوزا! بعد ذلك، مدنا هذا المدرس بمقالة حول سارتر، ]هذا[ فيلسوف يستدل على الحرية. كتبتُ لسارتر، وبعد مضي ثمانية أيام توصلت برده. لقد ساعدني [رده] على نحو ساحر للغاية، وكان هذا تصرفا سخيا منه، بدا بوضوح أنه شبيه بالنفَس العظيم للحرية الذي تتضمنه كتاباته.

أول مخاوفي كانت قادمة من تأملي في [فكرة] الحرية، في علاقتها بالسعادة، و[بما أنه] ما كان بمكنتي بعد، أنا التلميذ اليافع، تطوير تفكير شخصي؛ كنت أقارن بين الفلاسفة الذين يبدو من أمرهم أنهم فعالون لي، وبمكنتهم التأثير في تكويني. بعدها، شيئا فشيئا، أدركت أنه كان لدي وظيفة لم يشغرها أي من الإثنين: وهي [تطوير] فلسفة تكون، في نفس الوقت، فلسفة للحرية وفلسفة للغبطة، فلسفة للسعادة. لكن أية سعادة هي؟ سعادة مختلفة تماما، وهذا [المعنى] هو ما أحاول تعريفه في كتبي.

مسألة الرغبة

أولا، يخلصنا سبينوزا من الاعتقاد بالإله [اللاهوتي]. ثانيا، نحن مدعوون إلى بناء حياتنا، أخلاقياتنا notre éthique بأنفسنا، وحتى نبني أخلاقياتنا، نحن ملزمون مبدئيا، وبشكل جدي، بمعرفة كنه الرغبة، بمعنى المركز الحركي le centre moteur للوجود الإنساني. عندما نعرف جيدا كنه الرغبة، الوعي..، نصير في وضع يسمح لنا بالإجابة عن السؤال الأساس: هل نحن مؤهلين لإنجاز هذه المهمة المتعلقة بإيجاد الوسائل الموصلة للسعادة الحقة؟

هاهنا يحضر سؤال الحرية.

من الرغبة إلى الحرية

لسنا فقط [بوصفنا كائنات البشرية] مجرد “رغبة” متجهة نحو شي ما آخر، بل نحن في الوقت ذاته “حرية”؛ شرط فهم الحرية هنا بأنها ليست بتاتا فعل ما يحلو لنا، إنها [بالأحرى] جهد النفس لبناء حياتها وتعقل وجودها بنفسها، بناء حريتها.

إذا نحن لم نرغب في شيء، لا شيء على الإطلاق (!) سنكون إما في حالة نوم أبدي، أو موتى. إن الكائن البشري هو كائن التعقل والرغبة في الآن نفسه، وبالتالي عندما نكون في مواجهة المحن التي تحل بنا، علينا أولا ألا نسمح لها بالنيل من عزيمتنا، ثانيا نحن نملك قوى forces، ثالثا نملك اقتدارا pouvoir. إننا أحرار، والحرية إبداع-خلق création، فهما نفس الشيء، وينطويان على نفس الفكرة؛ فأن تبدع هي أن تتجاوزaller au delà، وما معنى أن تتجاوز؟ معناه أن تكون حرا. إذا كان كل ما سبق يوجد في الإنسان، لا يصير من معنى [إذن] للاستسلام للإحباط، هذا ليس أول مرض نراه، ليس أول مرض نحاربه، وليس أول وباء نصارعه ونتغلب عليه.

ما يعلمنا إياه سبينوزا

سبينوزا يمدنا بأسس يقيننا من قوتنا، إنه ضروري؛ فهو يمدنا بالصفاء [الروحي/ الذهني] la sérénité ومن ثم فهو يعرض لنقطة معينة، وهي أنه بالبناء على هذا الصفاء الذي يؤهلنا لمجابهة الصعوبات، وانطلاقا منه؛ نستطيع أن نطوّر أدوات للضبط والسيطرة، وحينها سنلج طورا آخر من الحياة: إنه طور الغبطة.

سبينوزا إذن يمنحنا سُمكا وصلابة لكل هذا، إنه يقول لنا: “فعلا، هناك حتمية وعوائق صعبة، مرة طبيعية وأخرى إنسانية، هذا صحيح؛ لكن لا تنسوا: لديكم، بالرغبة وبالاقتدار ما يمكنكم من مجابهة هذه الصعوبات”.

هذه هي لحظة تقديم جواب على مسألة معرفية: ماذا نفعل في مواجهة تهديد الموت؟ يجيبنا النظر بأننا لسنا عاجزين أمام هذه المحنة المتفشية، إنها ليست محنة يتعذر استيعابها، محنة أقوى بكثير من البشرية جمعاء وتسود إلى الأبد، كلا! على الإطلاق؛ إنها عائق يعبر عن ضرورة معينة تعمل. فما العمل؟ أولا الصفاء [الذهني] ثانيا المعرفة بالعلل – هذا ما يفعله الجميع، فقبل كل شيء، الإنسانية تستجيب [للمخاطر] بشيء جيد- إنها مسألة طبع attitude مقدام، سأستخدم تعبيرا فجّا وأقول: طبع رجولي. وبشكل أكثر كياسة، أقول: إنه طبع سبينوزي attitude Spinoziste.

المصدر