مجلة حكمة
نيكولو مكيافيللي

نيكولو مكيافيللي

الكاتبكاري نيدرمان
ترجمةمحمد رضا
تحميلنسخة PDF

نيكولو مكيافيللي وفلسفته في كتاب “الأمير”، في السلطة والكفاءة، والأخلاق والدين والسياسة، ومكانة مكيافيللي في الفكر الغربي؛ نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


من هو ميكافلي؟

لماذا مكيافيللي؟ ربما يتبادر هذ السؤال بشكل تلقائى و مبرر لذهن من يطالع مدخل عنه في موسوعة للفلسفة. بالتأكيد ، لـ نيكولو مكيافيللي إسهامات في عدد كبير من النقاشات الهامة في الفكر الغربى ـ في النظرية السياسية أساسًا ، ولكن أيضًا في التاريخ والتأريخ ، والأدب الإيطالى ، ومبادئ الحرب والدبلوماسية. ولكن يبدو أن مكيافيللى نفسه لم يعتبر نفسه أبدًا فيلسوف ــ.بل أنه غالبًا ما رفض علنًا التحقيق الفلسفى باعتباره غير ذى مغزى ــ. ، وأيضًا لا تتفق مؤهلاته بسهولة مع الصور المعتادة للفلسفة الأكاديمية. فكتاباته غير منهجية بشكل معروف وتبعث على الجنون ، وغير متناسقة ومتناقضة احيانا مع نفسها. 

يميل إلى استخدام التجربة وضرب الأمثلة بدلا من  التحليل المنطقى الدقيق. ومع ذلك ، هناك اسباب كثيرة لاعتبار ميكيافيلى من بين أعظم الفلاسفة السياسيين ، بعض هذه الأسباب يخص كتاباته. بخلاف إغراء التأكيد على برجماتيته السياسية ، يدور نقاش علمى محتدم حول مدى وجود فلسفة متماسكة واصيلة تتناول الموضوعات التى تهم الفلاسفة في القلب من فكره.

علاوة على ذلك، وجد مفكرين لاحقين والذين يعتبرون بشكل واضح فلاسفة من الطراز الرفيع  انفسهم مضطرين التعامل مع أفكاره ، سواء للاعتراض عليها او دمجها في تعاليمهم الخاصة. حتى لو كان نيكولو مكيافيللي يكتب على هامش الفلسفة ، فإن تأثير تأملاته الواسع انتشر ودام. مصطلحات مثل ” مكيافيللي machiavellian  : [ النسبة إلى ميكيافيلى او وصف شخص بأنه ميكيافيلى ـ المترجم] ” أو ” ميكيافيلية machiavellism ” وجدت صدى واسع بين الفلاسفة المهتمين بنطاق واسع من الظواهر الأخلاقية والسياسية والسيكولوجية ، بغض النظر عن ما إذا كان مكيافيللي نفسه اخترع هذه المصطلح ( المكيافيللية )  ، أو كان هو نفسه  ” مكيافيليًا” بالمعنى المتداول المنسوب إليه.

يعد نقد مكيافيللي للمخططات الفلسفية الطوباوية ( مثلما عند أفلاطون) بمثابة تحد كبير لتقليد فلسفى كامل ، و بطريقة تلفت النظر  وتتطلب الاستجابة والوضع في الاعتبار. وأخيرًا ، فإن جيل جديد من المنظرين السياسيين  ممن يُطلق عليهم  ” الرومان الجدد ” مثل فيليب بيتيت Philip Pettit [1997] ، وكوينتين سكينر Quentin Skinner [1998] وموريزو فيرولى Maurizio Viroli [1999 [2002]]) وجدوا إلهاما في نسخة مكيافيللي من النزعة الجمهورية / الجمهورانية republicanism. لذلك يستحق مكيافيلىى مكانا على الطاولة في أى بحث شامل للفلسفة السياسية.


1. سيرة مكيافللي الشخصية

لا يعرف إلا القليل نسبيًا عن حياة نيكولو مكيافيللي المبكرة بالمقارنة مع العديد من الشخصيات الهامة من عصر النهضة الإيطالية. (يعتمد الجزء التالى على الكتابات التى كتبها كل من كابونى ٢٠١٠ Capponi 2010؛ فيفانتى ٢٠١٣ Vivanti 2013; سيلنزا ٢٠١٥ Celenza 2015). ولد مكيافيللي في ٣ مايو ١٤٦٩ في فلورنسا وتتلمذ في سن مبكرة على المدرس اللاتينى المرموق باولو دا رونسيغليون. .Paolo da Ronciglione من المفترض انه التحق بجامعة فلورنسا ، وتكشف لنا نظرة خاطفة على مدونته عن أنه تلقى تعليمًا انسانيًا humanist ( النزعة الإنسانية او الهيومانية مجموعة من الدراسات والأفكار التى تنطلق وتهتم بالإنسان ازدهرت في ايطاليا في عصر النهضة واستمر تأثيرها فيما بعد ـ المترجم] ممتازًا. نبدأ في الحصول على صورة كاملة ودقيقة لحياته فقط مع دخوله للخدمة العامة مع تعيينه في ١٤٩٨ كمستشار ثان لجمهورية فلورنسا Chancellor. 

خلال الأربعة عشر عامًا التالية ، انخرط مكيافيللي في موجات من النشاط الدبلوماسى باسم فلورنسا ، حيث سافر إلى المراكز الإيطالية في إيطاليا والديوان الملكى الفرنسى ، والديوان الإمبراطوري لماكسميليان [ الأول]. يشهد   عدد كبير من الرسائل والبرقيات والكتابات العرضية على مهامه السياسية كما تشهد  أيضًا على موهبته الحادة في تحليل الشخصيات والمؤسسات.

كانت فلورنسا تخضع لحكومة جمهورية منذ ١٤٩٤ ، عندما تم طرد أسرة آل مديتشى المهيمنة وأنصارهم من السلطة. خلال تلك المدة ، إزدهر نيكولو مكيافيللي تحت رعاية بييرو سودرينى ،الذى كان يتولى منصب  جونفالونيير ( المدير  الأعلى مدى الحياة) لفلورنسا. [gonfaloniere:منصب رفيع في الحكومات البلدية في أيطاليا العصر الوسيط وعصر النهضة ومعناها الحرفى : حامل الراية أو حامل اللواء ـ المترجم] على أية حال ، فى ١٥١٢ هزم آل مديتشى بمساعدة القوات البابوية القوات المسلحة للجمهورية وحلوا الحكومة. كان مكيافيللى ضحية مباشرة لتغيير النظام:  حيث خضع لشكل من أشكال النفى الداخلى ، وعندما اٌشتبه ( بالخطأ ) في التآمر ضد آل ميدتشى سنة ١٥١٣ ، سُجن وعُذب لعدة أسابيع. اتاح له تقاعده فيما بعد في مزرعته خارج فلورنسا الفرصة والدافع للانتقال إلى النشاط الأدبى.

كانت أولى كتاباته التى كتبت بشكل تأملى أكثر وتحولت أخيرًا إلى واحد من اكثر الكتابات ارتباطًا باسمه : الأمير The Prince. والذى كُتب في نهاية ١٥١٣ ( وربما في بداية ١٥١٤) ، ولكن نُشر رسميا في عام ١٥٣٢ ، تألف كتاب ” الأمير” على يد مؤلف كان يضع نُصب عينيه  استعادة وضعه في الشئون السياسية لفلورنسا. ( كان قد تم رد اعتبار  العديد من أقرانه في الحكومة الجمهورية وعادوا للخدمة تحت آل ميدتشى). قد كتبه  لتقديمه إلى جوليانو دى ميدتشى ، ( والذى ربما امتن لذلك) و ت تغير الإهداء بعد وفاة جوليانو ، إلى لورنزو دى ميدتشى الذى من شبه المؤكد انه لم يقرأه عندما وصل بين يديه ١٥١٦.

وفي الوقت نفسه ، أدى تقاعد ميكيافيلى القسرى إلى أنشطة ادبية أخرى. كتب شعرًا ومسرحيات ونثرا قصيرا ، كتب دراسة عن “فن الحرب ( نشرت عام ١٥٢١) وكتب مخطوطات في السير والتاريخ. والأهم من ذلك ،  أن ميكيافيلى ألف في تلك الفترة  كتاب “المقالات عن الكتب العشرة الأولى لتيتوس ليفى” وهو مساهمته الاخرى الكبرى في الأفكار السياسية ، عبارة عن  عرض لمبادئ الحكومة الجمهورية على هيئة تعليق على عمل المؤرخ الشهير للجمهورية الرومانية. وعلى عكس الأمير، استغرق كتابة المقالات فترة طويلة ( بدأ ربما في عام ١٥١٤ أو ١٥١٥ واكتمل في عام ١٥١٨ أو عام ١٥١٩ ، وأيضا لم ينشر إلا بعد وفاته في عام ١٩٣١). ربما يكون الكتاب قد تشكل من خلال مناقشات ودية حضرها ميكيافيلى صُحبة آخرين من الشخصيات الفكرية والسياسية الفلورنسية الرائدة تحت رعاية كوزيمو روتشيلاى.

في أواخر حياته ، بدأ ميكيافيللى في العودة للعمل لصالح عائلة ميديتشى ، ربما كنتيجة لمساعدة بعض اصدقائه النافذين الذين لم يكفّ عن الإلحاح عليهم للتدخل. في عام ١٥٢٠ كلفه الكاردينال ” جوليو دى ميدتشى بتأليف تاريخ لفلورنسا ، وهى المهمة التى اكتملت سنة ١٥٢٥ وقدمت إلى الكاردينال الذى اعتلى العرش البابوى في روما تحت اسم كليمنت السابع. كانت هناك عدة مهام أخرى من جانب حكومة ميدتشى ، إلا أن ميكيافيلى توفى ٢١ يونيو ١٥٢٧ وقبل أن يرد إليه اعتباره تمامًا.

2. الأمير: تحليل السلطة

كانت هناك نظرة شائعة بين الفلاسفة السياسين أن ثمة علاقة بين الخير الأخلاقى وشرعية السلطة. اعتقد العديد من المؤلفين ( خصوصا الذين كتبوا كتب “مرايا الأمراء / الأداب السلطانية” أو كتب النصائح الملكية خلال العصور الوسطى وعصر النهضة ) أن استخدام القوة  السياسية مشروعًا فقط إذا كان الحاكم يتمتع  بشخصية  فاضلة تمامًا من الناحية الأخلاقية. وهكذا كان يتم نصح الحكام إذا ما أرادوا النجاح ، لو كانوا يرغبون في عهد طويل وسلمى ومن ثم  تمرير السلطة إلى ذريتهم ، فيجب عليهم الالتزام بالمعايير التقليلدية للصلاح الأخلاقى. بمعنى ما ، كان يعتقد ان الحاكم الجيد هو الذى يفعل الخير، ويكتسبون الحق في الطاعة والاحترام بقدر ما يظهرون انفسهم كفضلاء وأخلاقيين (see Briggs and Nederman forthcoming).

ينتقد نيكولو مكيافيللي بالتفصيل في كتابه الشهير ” الأمير ” تلك النظرة الأخلاقية للسلطة. بالنسبة لـ مكيافيللي ليس ثمة أساس أخلاقى يمكن ان نفرق به بين الممارسات الشرعية والغير شرعية للقوة. ولكن  ، السلطة والقوة يستويان بالضرورة ، كل من يمتلك القوة له الحق ان يقود ، ولكن الخير لا يضمن القوة والشخص الفاضل ليس مميزا بفضل كونه خيرًا.. وهكذا وفي تضاد مباشر مع النظرية الاخلاقية للسلطة يقول مكيافيللي ” ان الهم الواحد للحاكم السياسى هو اكتساب القوة والحفاظ عليها ( على الرغم من أنه يتكلم عن ” الحفاظ على الدولة ” أكثر من حديثه عن القوة  ) بهذا المعنى ينتقد مكيافيللي بشدة مفهوم السلطة مجادلا بأن مفهوم  الحقوق الشرعية للحاكم لا تضيف شيئًا إلى الامتلاك الفعلى للقوة .

هذا الدرس الذى وعاه كاتب أدرك تمامًا بناءً على خبرته المباشرة في حكومة فلورنسا   ـ ان الخير والحق ليسا كافيين للاحتفاظ بالمنصب. وبالتالى يسعى مكيافيلى لتعلم وتعليم قواعد القوة  السياسية. بالنسبة لميكيافيلى تحدد القوة بامتياز النشاط السياسى ، وعلى ذلك من الضرورى للحاكم الناجح أن يعرف كيف يمكن استخدامها. فقط عن طريق الاستخدام الملائم للقوة  ، سيتم حمل الأفراد على الخضوع ، وسيكون الحاكم قادر على الحفاظ على الدولة في أمن وأمان.

تمثل نظرية نيكولو مكيافيللي إذن جهودًا حثيثة لاستبعاد قضايا السلطة والشرعية من الاعتبار عند مناقشة صناعة القرار السياسى وإطلاق الأحكام السياسية.ولا يتجلى ذلك بصورة اكثر وضوحا من معالجته للعلاقة بين القانون والقوة أكثر من أى مكان آخر.يقر مكيافيللي ان القوانين ووالأسلحة الجيدة تشكلان معًا الأساس المزدوج  للنظام السياسى جيد التنظيم. ولكنه يضيف على الفور انه بما ان الإكراه يخلق الشرعية ، فإن تركيزه سينصب على القوة. حيث يقول ” طالما ان القوانين الجيدة تحتاج إلى اسلحة جيدة ، فإنى لن اضع القوانين في الاعتبار ولكن سأتحدث عن الأسلحة” (Prince CW 47). بعبارة أخرى ، تستند شرعية القانون بالكامل على التهديد باستخدام القوة ،السلطة بدون قوة ممتنعة بالنسبة لـ مكيافيللي .

وبالتالي، يستنتج مكيافيللي أن الخوف دائما أفضل من حيث التأثير في  الأفراد ، كما أن العنف والخداع يتفوقان على الشرعية في السيطرة عليهم. يلاحظ مكيافيللي انه يمكن للمرء أن يقول عن البشر بصفة عامة أنهم ، جاحدون ، غير مخلصين ، وغير مأمونين ، ومضللين ، جبناء ساعة الخطر ، ومتلهفين على الربح.الحب رباط من الالتزامات تكسرها تلك المخلوقات البائسة متى وجدت ذلك مناسبًا لمصالحها ، بينما يتملكهم الخوف سريعًا عن طريق الفزع من العقاب الذى لا مفر منه. (Prince CW 62; translation revised)

كنتيجة لذلك ، لا يمكن القول  لدى أن نيكولو مكيافيللي نظرية للالتزام منفصلة عن فرض القوة  ، يخضع الناس فقط تحت وطأة الخوف من عواقب العصيان ، سواء كانت تلك العواقب فقدان الامتيازات أو فقدان الحياة نفسها. وبالطبع ، القوة وحدها لا يمكن أن تلزم أحد ، طالما أن الالتزام يفترض انه لا يمكن للمرء ان يفعل العكس.

في نفس الوقت ، يهاجم المنظور المكيافيللى مباشرة مفهوم تأسيس السلطة بشكل مستقل عن مجرد امتلاك القوة. بالنسبة لـ نيكولو مكيافيللي، الناس مجبرون على الانصياع المجرد لسلطات الدولة العليا. الإكراه هو مايجعل الناس تحترم السلطات العليا للدولة. الناس مجبرون على الاحترام المجرد للقوة القاهرة للدولة. لو كنت اظن أنى لا يجب ان اخضع لقانون ما ، فما سيحملنى حقًا على الخضوع له هو الخوف من قوة الدولة أو الممارسة الفعلية لهذه القوة. فقط القوة  هى التى ستحسم أمر تنفيذ الرؤى المتعارضة حول ما يجب على أن افعله ،  ساختار العصيان فقط إذا كنت امتلك القوة لمقاومة مطالبات سلطات الدولة أو لدى الاستعداد  اتحمل عواقب تميز الدولة بالقوة القسرية.

صممت حجة مكيافيللي في ” الأمير” لتوضح أن السياسة لا يمكن تعريفها بشكل متماسك إلا في إطار القوة القسرية، السلطة كحق في القيادة ليس لها وجود مستقل. يدعم ميكيافيللى ذلك بالإشارة إلى الحقائق الملحوظة للشئون السياسية والحياة العامة ، كما يدعمها بالحجج التى تكشف الطبيعة الأنانية للسلوك البشرى. بالنسبة لميكيافيلى لا معنى للحديث عن مطالبة بالسلطة والحق في القيادة دون إمتلاك قوة سياسية متفوقة. فالحاكم الذى يعتاش على الحقوق وحدها سيذبل ويموت بحقوقه ، فمن المرجح انه في خضم الصراع السياسي العنيف سينجح أولئك الذين يفضلون القوة على السلطة. بدون استثناء ، لن يتم القبول بسلطات الدولة وقوانينها دون أن تكون مدعومة بالقوة لجعل الخضوع لها أمرًا لا مفر منه. تتنوع طرق تحقيق الخضوع ، وتعتمد بشكل كبير على البصيرة التى يبديها الأمير. وبالتالى ، يحتاج الحاكم الناجح إلى تدريب خاص.

3. القوة، والكفاءة virtù، والحظ fortune

يقدم نيكولو مكيافيللي إلى قرائه رؤية للحكم للسياسى تخلصت تمامًا من أى تأثير اخلاقى خارجى ، ومدركة تماما لأسس السياسة في الممارسة العملية القوة.  يجسد مفهوم “الكفاءة / البراعة/ المهارة  virtù ” رؤية مكيافيللي لسياسة القوة كأفضل ما يكون. بينما تترجم الكلمة الإيطالية عادة للإنجليزية إلى ” فضيلة virtue” ، وتشير عادة إلى الخير الأخلاقى ، فمن الواضح أن مكيافيللي.

يستخدمها استخدام مختلف تمامًا حين يتكلم عن “كفاءة الأمير the virtù of the prince يوظف مكيافيللي هذا المفهوم خصوصًا للدلالة على مجموعة من السمات الشخصية الضروروية للأمير لكى يحقق ” الحفاظ على الدولة ” و ” فعل أشياء عظيمة ” وهم معيارا القوة لديه. وبالتالى من الواضح انه ليس ثمة علاقة بين الفضائل التقليدية conventional virtues والكفاءة  المكيافيلية Machiavellian virtù. ويتبدى معنى أن يكون الأمير كفؤًا لدى مكيافيللي في استحسانه أن يكون لدى الأمير قبل كل شئ ” تصرفًا مرنًا”. طبقًا لـ مكيافيللى فالحكام المناسب للمنصب ، هو ذلك القادر/ ة على تغيير سلوكه من الخير للشر والعكس كلما املت الظروف والحظ fortune . ( (Prince CW 66; see Nederman and Bogiaris 2018).

وليس من قبيل الصدفة ان يستخدم مكيافيلى المفهوم في كتاب ” فن الحرب ” لوصف البراعة الاستراتيجية للقائد العسكرى الذى يتكيف مع ظروف في ميدان المعركة كلما تغير الموقف. يرى ميكيافيلى ميدان السياسة كساحة المعركة ولكن في نطاق مختلف. وعلى ذلك فالامير مثله مثل القائد العسكرى يحتاج أن يحوز ” الكفاءة virtù  ” التى تمكنه من ان يعرف اى استراتيجيات وتكتيكات ملائمة للظروف المختلفة. وبالتالى ، ينتهى الحال بمفهوم ” الكفاءة virtù  ” ليكون متصلا بشدة بمفهوم القوة عند نيكولو مكيافيللي. الحاكم الكفؤ هو الذى يتقن استخدام القوة ، في الواقع فإن امتلاك ” الكفاءة virtù  ” هو في الحقيقة اتقان كافة القواعد المرتبطة بالتطبيق الفعال للقوة. تمث” الكفاءة virtù  “ة بالنسبة لسياسات القوة ، ما تمثله الفضيلة بالنسبة للمفكرين الذين يفترضون أن الخير الأخلاقى كافٍ لشرعية الحاكم ، إنه لُب النجاح السياسي.

ما هو الرابط المفاهيمي بين ” ” الكفاءة virtù  ” ” والممارسة الفعالة للسلطة لدى نيكولو مكيافيللي؟ تكمن الإجابة في مفهوم مركزى آخر لدى مكيافيللي ” الحظ Fortuna” ( والذى يترجم [ من الإيطالية إلى الإنجليزية]  عادة إلى ” ثروةfortune  “). الحظ: هو عدو النظام السياسي ، التهديد المطلق لأمن وسلامة الدولة. لا زال استخدام مكيافييللى لهذا المفهوم محل جدل واسع دون الوصول إلى حلٍ مرض. يكفى القول ان ، كما كان الحال مع مصطلح الكفاءة ، استخدم مكيافيللي مصطلح الحظ استخدام متمايز للغاية. حيثما تتعامل التمثيلات التقليدية لمفهوم ” الحظ ” كشئ محمود ، سواء كانت  متقلبة أو ذات طبيعة آلهية ،  تعد مصدرا للخير البشرى كما الشرور ، ولكن المفهوم عند مكيافيللي دائما نذير شؤم ، ومصدر لا هوادة فيه للبؤس البشرى والحزن والكوارث. في حين أن الحظ البشرى قد يكون مسؤولا عن النجاح الذى يحققه البشر ، فلا يمكن لأى شخص التصرف بفعالية حين تعانده الآلهة.

المناقشة الأكثر شهرة لمفهوم الحظ عند ميكيافيللى موجود في الفصل (٢٥) من كتاب الأمير ، حيث يفترض تشاهبين لفهم الموقف الإنسانى بإزاء الحوادث. في البداية ، يؤكد أن الحظ

 يشبه واحد من الأنهار المدمرة ، والذى في حالة الغضب يحول الهضاب إلى بحيرات ، ويسقط الأشجار والأبنية ، ويأخذ قي طريقه قطعة من ارض ينقلها إلى مكان آخر ، والكل يهرب قبل الفيضان ، والكل يستسلم لغضبه ، ولا مجال لصده.

ومع ذلك ، فإن صخب النهر الجامح لا يعنى ان غاراته خارج التحكم البشرى، من الممكن أخذ الاحتياطيات لتجنب آثار العناصر الطبيعية قبل سقوط المطر. يلاحظ ميكيافيلى أن الشئ نفسه ينطبق على الحظ.

إنها تظهر قوتها حينما لا تستعد الكفاءة  virtù  ” والحكمة لمقاومتها ، وتوجه عنفها إلى حيث تعلم انه لا توجد سدود مجهزة لمنعها (Prince CW 90) يمكن مقاومة قوى الحظ عن طريق البشر ، ولكن فقط في حالة استعداد ” الكفاءة  والحكمة ” لوصولها المحتوم. يعزز نيكولو مكيافيللي ارتباط ” الحظ” بالقوى العمياء للطبيعة موضحا أن النجاح السياسى يعتمد على تقدير مبادئ عمل “قوة الحظ”. علمته تجربته الخاصة أن ” من الأفضل ان تكون متهورا على أن تكون حذرًا” باعتبار أن ” إلهة الحظ” أمرأة ومن الضرورى أن تبادرها وتهاجمها لأبقائها تحت السيطرة.

بعبارة أخرى ، تتطلب ” قوة الحظ” استجابة عنيفة من أولئك الذين يريدون السيطرة عليها. ” إنها غالبا تستسلم للرجال الذين يتصرفون بشجاعة أفضل من أولئك الذين يتصرفون بروية” ، ويستطرد مكيافيللي “إنها مثل المرأة صديقة للشباب ، لأنهم أقل حذرًا وأكثر حماسة ولديهم جرأة اكبر للسيطرة عليها”. يتتطلب السلوك الوحشى ” للحظ” رد فعل عدوانية، طالما كانت تهيمن على الرجال الذين يسلكون بشكل تجنبى او انسحابى أو مخنث effeminate” . ليسيطروا عليها.

تشير ملاحظات نيكولو مكيافيللي إلى عدة استنتاجات عن ” قوة الحظ” ومكانها في عالمه الفكرى. في كل عمله النظرى ، يتصور ” الحظ” مصدر أولى للعنف ( خصوصا الموجه ضد الانسانية ) ، وكقوة لا عقلانية. وبالتالى ، يدرك مكيافيللي أن رد الفعل العنيف على تقلبات ” الحظ” هو وحده الكفيل بالنصر عليها. وهو الشئ الذى تقدمه ” الكفاءة virtu” : القدرة على الاستجابة للحظ في أى وقت وبأى طريقة ضرورية.

4. الأخلاق، والدين، والسياسة عند نيكولو مكيافيللي

أثارت اللبنات الأساسية لأفكار مكيافيلى جدلا واسعًا بين قرائه منذ  القرن السادس عشر ، حيث جرى وصفه بأنه مبعوث الشيطان ، ولكن أيضا تمت قرائته وتطبيق تعليماته من زاوية متعاطفة  من قبل كُتّاب ( وسياسيين أيضًا) دعوا  لمذهب ” منطق الدولة   reason of state”  (Meinecke 1924 [1957]). مثلت اتجاهات نيكولو مكيافيللي تجاه الأخلاق التقليدية والمعايير الدينية للسلوك البشرية المصدر الرئيسى للخلاف ، خصوصا فيما يتعلق بكتابه ” الأمير ” .

بالنسبة لكثيرين مثل تدريس الكتاب  ” ترويجًا ضد الاخلاقimmoralism ” أو على الاقل ” بتنحية الأخلاق جانبًاamoralism . [ المصطلحين immoralism، amoralism جرت العادة على ترجمتهم بـ ” لا أخلاقى ” ولكن الأولى تعنى تناول أمر ما دون وضع الأخلاق في الاعتبار ، بينما تعتبر الثانية حجاج ضد المعايير الأخلاقية نفسها ـ المترجم] أحد اكثر القراءات قسوة والتى ترى ان مكيافيللي هو ” معلم الشر” ممثلة في كلمات ليو شتراوس الشهيرة 1958: 9–10 ، على أساس أنه ينصح القادة بتجنب القيم العامة للعدالة والرحمة والاعتدال والحكمة وحب شعوبهم ، وبدلا من ذلك استخدام القسوة والعنف والخوف والخداع. ترى مدرسة فكرية اكثر اعتدالا ، ارتبطت باسم  بينيدتو كروتشه 1925) أن مكيافيللي كان ببساطة “واقعى ” أو برجماتى” يدعو إلى تعليق الأخلاق الشائعة في المسائل السياسية. ليس هناك مكان للقيم الأخلاقية في بعض القرارات التى يتوجب على القادة السياسيين اتخاذها ، والتفكير خلاف ذلك بمثابة ” خطأ تصنيف ” من الدرجة الأولى . 

ربما النسخة المخففة من الاطروحة اللا اخلاقية هى تلك التى طرحها كوينتن سكينر (1978) ، الذى زعم أن يمكن اعتبار ارتكاب الحكام للأفعال الشريرة بمثابة ” الخيار الأخير المتاح” “last best” option. بالتركيز على ادعاء مكيافيللي في ” الأمير ” ” أن رئيس الدولة ” يجب على ان يكون خيرا متى استطاع ذلك ، ولكنه يجب ان يكون مستعدًا لارتكاب الشر متى توجب عليه ذلك (Prince CW 58 يجادل سكينر أن مكيافيللي يفضل الاتساق مع الفضيلة الأخلاقية متى تساوت الامور الأخرى ceteris paribus..

كذلك يكمن اللااكتراث بالمخاوف الأخلاقية في الادعاء الذى شاع في النصف الأول من القرن العشرين ، ان نيكولو مكيافيللي يتخذ موقفًا علميًا ـ حيث يكون بمنزلة ” جاليليو السياسة” ـ حين يميز بين ” حقائق ” الحياة السياسية و” قيم ” الحكم الأخلاقى (Olschki 1945; Cassirer 1946; Prezzolini 1954 [1967[) وبالتالى يجرى وضعه في سياق الثورة العلمية عمومًا. جوهر  ” العلم ” المكيافيللى ” ليس التمييز بين الأشكال العادلة وغير العادلة للحكومة  ولكن لشرح كيف يمكن للسياسيين نشر القوة لمصلحتهم الخاصة. وبذلك يرتقى مكيافيللي إلى مكانة ” موسس العلوم السياسية الحديثة ، بإزاء رؤية ارسطو الكلاسيكية المحملة بالمعايير في العلم السياسى المرتكز على الفضيلة. مؤخرا ، تراجعت رؤية ميكيافيللى كعالم ـ إلى حد كبير ، على الرغم من أن هناك وجاهة لأطروحة معدلة منها. (e.g., Dyer and Nederman 2016).

لم يجد قراء آخرون عيبا في النزعة الضد اخلاقية في افكار على الإطلاق. قديما كان جان جاك روسو يعتقد أن الدرس الحقيقى لكتاب “الأمير” هو تعليم الناس كيف يتصرف الأمراء وبالتالى فضح النزعة الضد أخلاقية الكامنة في صلب حكم الرجل الواحد بدلا من الاحتفاء به. تم نشر عدة صور من تلك الأطروحة مؤخرًا. يعلن بعض الباحثين مثل جاريت ماتينجلى Garrett Mattingly (1958)، أن نيكولو مكيافيللي بمثابة الناقد  الأعظم ، الذى اشار إلى نقاط ضعف الأمراء ومستشاريهم. وتم الاستشهاد بأن ميكيافيللى كتب كوميديا لاذعة على المسارح الشعبية فيما بعد كدليل على حسه الساخر القوى. وعلى ذلك ، لا ينبغى أن نأخذ ما يقوله مكيافيلى عن السلوك الأخلاقى على ظاهره ، ولكن نفهم ملاحظاته على أنها  تعليق ساخر للغاية في الشئون العامة . وبدلا من ذلك ، تؤكد مارى ديتز (1986) أن اجندة مكيافيللي كانت مدفوعة برغبة في الإيقاع بالأمير ، عن طريق عرض نصائح ملغومة  صممت بعناية لاسقاطه لو اتبعها الحاكم بجدية ( مثل تسليح المواطنين ).

يوجد طيف من الأراء الشبيهة فيما يتعلق بتوجه نيكولو مكيافيللي تجاه الدين عموما ، وخصوصا المسيحية. لم يكن مكيافيللي صديقًا لمؤسسات الكنيسة المسيحية كما يعرفها. يوضح كتابه ” المقالات ” أن المسيحية التقليدية تستنزف من البشر الحيوية المطلوبة لممارسة الحياة المدنية.(CW 228–229, 330–331) ويتحدث ” الأمير ” بقدر متساو من الإزدراء والإعجاب عن حالة الكنسية والبابا في عصره. (CW 29, 44–46, 65, 91–92).

استند العديد من الباحثين إلى  تلك الأدلة  للقول أن مكيافيللي نفسه كان معاديًا بشدة للمسيحية ، مفضلا عليها الأديان المدنية الوثينة للمجتمعات القديمة مثل روما والتى اعتبرها اكثر مناسبة لمدينة تتمتع ” بالكفاءة”. يرى انتونى باريل Anthony Parel (1992) أAnthony Parel (1992) أن الرؤية الكونية لدى مكيافيللي والمحكومة بحركة النجوم ، وتجانس الأمزجة ، تحمل في جوهرها صبغة وثنية وضد مسيحية بالضرورة . بالنسبة لآخرين ، أفضل ما يوصف به مكيافيللي ، انه رجل متدين تدينًا تقليديًا ، ولكنه غير متحمس ، مستعد لممارسة التدين الخارجى ، ولكنه ليس  متفانِ لا عقلاً ولا روحًا لمبادئ الإيمان المسيحى.

حاولت بعض الأصوات المعارضة ، أبرزها (سيباستيان دى جراتسيا (1989) وما رتسيو فيرولى (2006 [2010]) إنقاذ سمعة ميكيافيللى من اعتباره معاديا او غير مكترث للمسيحية. يوضح جراتسيا أن هناك موضوعات من الكتاب المقدس تسرى في كتابات مكيافيللي ، حيث يوجد تصور مركزى لكون منظم وقائم على فكرة الألوهة ، وأن كل القوى الأخرى مثل ( الجنة ، الحظ، وأشباهها ) تعمل في إطار إرادة وخطة الإله. توسعت كارى نيدرمان (2009: 28–49) في  رؤية جراتسيا ومنحتها  طابعًا منهجيًا حين ابرزت أن مفاهيم مركزية في اللاهوت المسيحى مثل النعمة وحرية الإرادة تشكل عناصر مهمة في البُنية المفاهيمية لدى مكيافيللي . بالمقابل  يضع   فيرولى في الاعتبار   الإتجاهات التاريخية تجاه الدين المسيحى كما تجلت في جمهورية فلورنسا على أيام مكيافيللي .

5. الدولة والأمير: اللغة والمفاهيم

نُسب إلى نيكولو مكيافيللي صياغة ” المفهوم الحديث ” للدولة لأول مرة ( آخرها عند سكينر *1978) ، كما يفهم على نطاق واسع بالمعنى الفيبرى كشكل غير شخصى من الحكم الذى يحتكر السلطة القسرية في داخل حدود أقليم معين. بالتأكيد مصطلح دولة lo stato يتعلق بوضوح في كتابات مكيافيللي وخصوصا كتاب الأمير باكتساب وممارسة السلطة بالقوة القسرية، مما يجعل معناها متميزا عن المفهوم اللاتينى “دولة status ( والتى تعنى حالة ، ظرف condition or station ) التى اشتقت منه.

بالإضافة إلى ذلك ، يستشهد باحثون بتأثير ميكيافيللى على المناقشات الحديثة المبكرةالتى أحاطت ب ” منطق الدولة reason of state” – وهو المذهب القائل بأن مصلحة الدولة نفسها فوق أى اعتبارات أخرى سواء كانت تلك الأعتبارات أخلاقية أو متعلقة بمصلحة المواطنين –  للدلالة على أن معاصرى مكيافيللي تعاملوا معه كمنظر للدولة.(Meineke 1924 [1957]). جرى استدعاء اسم مكيافيللي ومذهبه لتبرير مذهب أولوية مصلحة الدولة في عصر الحكم المطلق.

حتى وإن كانت قراءة متأنية لاستخدام نيكولو مكيافيللي للمفهوم ” الدولة lo stato  ” في كتاب الأمير وفي أى مكان آخر لا تدعم هذا التفسير كما أوضح هارفى مانزفيلد Harvey(1996). يبقى مفهوم ” الدولة” عند مكيافيللي إرثا شخصيًا، امتلاك أكثر تماشيا مع مفهوم القرون الوسطى عن ” المِلكية dominium ” كأساس للحكم. ( المِلكية : Dominium مصطلح لاتينى من الممكن ترجمته بنفس القوة ك” ملكية خاصة ، أو ” مُلك سياسي ) وهو ما يعنى أن الدولة حرفيًا مملوكة لأى أمير يسيطر عليها.

علاوة على ذلك ، فإن سمات الحكم محددة بالسمات والصفات الشخصية للحاكم ، وبالتالى ، يؤكد مكيافيللي على ” الكفاءة virtù كأمر لا غنى عنه لنجاح الأمير. تلك الجوانب من استعمالات مصطلح الدولة lo stato في كتاب الأمير تخفف من آثار ” الحداثة modernity في أفكاره. وكما يستنتج مانسفيلد ، فإن مكيافيللي في أفضل الأحوال شخصية انتقالية في العملية التى تبلورت فيها اللغة في الحديث عن الدولة في أوربا في أوائل الحداثة.

عامل آخر يجب وضعه في الاعتبار عند تقييم التطبيق العام لنظرية نيكولو مكيافيللي في ” الأمير ” تنبثق عن الموقف نفسه الى يعمل فيه الامير الذى يتمتع بالكفاءة  virtù وهو الحاكم الذى لم يصل إلى السلطة عن طريق الوراثة الأسرية ولا عن طريق الدعم الشعبى ، ولكن بالاستناد فقط  لمبادرته ومهارته وموهبته و/ أو قوته ( كل الكلمات الانجليزية التى ربما تعادل كلمة virtù ، حسب سياق النص). وبالتالى لايتسنى  للأمير أن يعتمد على بنية من الشرعية موجودة مسبقا ، كما سبق وأشرنا.

فلأجل الحفاظ على الدولة لا يمكنه إلا الاستناد فقط على معين من سماته الشخصية لتوجيه لستخدام القوة  والمطالبة بالحكم. وذلك موقف محفوف بالمخاطر ،طالما كان مكيافيللي يصر على ان الحظ ومؤامرات الرجال تجعل الأمير عُرضه باستمرار لفقدان دولته. فكرة النظام الدستورى المستقر والذى يعكس جوهر الفكر السياسى الحديث ( وكذلك الممارسة) ليس له مكان  في مفهوم مكيافيللي عن الحكومة الأميرية.

في الواقع ، يجدر بالمرء أن يتسائل ، إن كان نيكولو مكيافيللي، على كل واقعيته المزعومة ، اعتقد فعلا في امكانية وجود الأمير الذي يتمتع بال” الكفاءة  ” الكاملة.virtù  أحيانا  يبدو أنه يتصورأن للأمير الناجح نفسية ( سيكولوجيا)  مختلفة تمامًا عن المعروفة عن البشرية حتى الآن.

 حيث أن هذا الأمير مستعد لتغيير سلوكه حسب رياح الحظ وحسب ما تضطره الظروف ، لا ينحرف عن السلوك القويم متى كان ممكنا ولكنه قادر على ارتكاب الأخطاء متى كان ذلك ضروريًا.(MP 62).

تمثل هذه المرونة جوهر النصيحة ” العملية ” التى يعرضها نيكولو مكيافيللي للحاكم الذى يسعى  للحفاظ عن الدولة : لا تستبعد وسيلة للتصرف من الحسبان ، لكن كن جاهزا لأى فعل تتطلبه الظروف السياسية.   ، ومع ذلك ، فيبدو أن ميكيافيلى نفسه كان لديه شكوك عميقة  حول ما إذا كان البشر يتمتعون بالقدرة النفسية اللازمة   لتلك التصرفات المرنة بداخلهم. على العكس من العدد الكبير للأمثلة التاريخية ،التى أتى على ذكرها  مكيافيللي  في ” الأمير ” لم يشير  إلى حاكم واحد حاز الصفات العديدة للكفاءة virtù ، التى يعتبرها ضروروية للسيطرة الكاملة على ” الحظ fortune .

بدلا من ذلك ، دراسات الحالة التى اجراها للحكام الناجحين كانت تشير بشكل متكرر إلى الحالة التى تناسبت فيها سماتهم مع أزمنتهم ، ولكن قوام تصرفاتهم كان سيقود لسقوطهم في حالة تغيرت الظروف ( كما في حالة البابا يويليوس الثانى).(Prince CW 92). حتى الامبراطور الرومانى سيفيروس ، والذى امتدح مكيافيللي تكتيكاته لأجل توظيفه ” سبل العمل الضرورية للصعود للسلطة ) لا يمكن تقليده بشكل مطلق. تقييم مكيافيللي لأمكانية تأسيس نوع مرن جديد من الشخصية حذر جدًا ، وتميل إلى الصياغة بشكل مشروط ، وعلى أسس شخصية ” لو كان من الممكن تغيير طبيعة المرء ، ليناسب الأزمنة والظروف ، فسيكون ناجحًا دائما” ” الأمير : ترجمة منقحة )(Prince CW 91, translation revised). تدفعنا تلك الملاحظات للتساؤل إن كانت نصيحة مكيافيللي للأمراء ان يغيروا تصرفاتهم حسب مقتضى الظروف كانت نصيحة ” عملية ” ( حتى في رأيه ) كما كان يؤكد؟

6. المقالات حول ليفي: الحرية والصراع

بينما يعتبر كتاب ” الأمير ” بدون شك اكثر أعمال نيكولو مكيافيللي قراءة على نطاق واسع ، فإن ” المقالات حول الكتب العشرة الأولى لتيتوس ليفى “ربما  تعبر بصدق أكبر عن معتقدات والتزامات مكيافيللي السياسية وخصوصًا ميوله الجمهورية. تعتمد المقالات بالتأكيد على ذات المخزون اللُغوى والمفاهيمي التى يستند إليه  الأمير ، لكن الأول يقودنا إلى استنتاجات مختلفة بشكل كبير ، ويعتبرها بعض العلماء مناقضة للأخير.. خصوصا وعبر العملين يميز مكيافيلى بوضوح وباستمرار  بين شكلين للنظام ” السياسى ” أو ” المدنى ” صورة تعبر عن الحد الأدنى وصورة مفاهيمية كاملة له . 

وبالتالى يؤسس تراتبية لمستويات من  الغايات داخل سرديته العامة للحياة المجتمعية. في نظام الحد الادنى ، يعيش الأفراد بأمان ( يعيش بأمان :vivere sicuro) ، تحت حكم حكومة قوية تتحكم في تطلعات كل من النبلاء والشعب ، ولكن في توازن مع آليات قانونية ومؤسسية أخرى. بينما في نظام دستورى كامل ، فإن هدف النظام السياسى هو حرية المجتمع (vivere libero: العيش أحرار) ، ويتم إنشاءه بالمساهمة الفعالة لكل من  النبلاء والشعب ( والخلاف بينهم). يرى كوينتن سكينر 2002, 189–212 ، أن الحرية تشكل قيمة ترسخ نظرية مكيافيللي السياسية ، وتشكل معيارًا يقيم من خلاله أشكالا مختلفة من الأنظمة. فقط من خلال الجمهورية ، والتى يفضلها مكيافيللي بشكل واضح ، يمكن تحقيق هذا الهدف.

يستند نيكولو مكيافيللي في هذا الموقف لأسس عملية ومبدأية. خلال عمله كمستشار ودبلوماسى في جمهورية فلورنسا ، اكتسب مكيافيللي خبرة واسعة بطريقة العمل الداخلية للحكومة الفرنسية ، والتى أصبحت نموذجه للنظام ” الآمن ” ( ولكن ليس الحر). وأن كان مكيافيللي قد أدلى بملاحظات قليلة على الحكومة الفرنسية في ” الامير ” إلا أنه أولى اهتمامًا كبيرًا بفرنسا في ” المقالات”.

لماذا مدح نيكولو مكيافيللي بشدة ( ناهيك عن التحليل) ملكية وراثية في عمل من المفروض ان يعزز تفوق الجمهوريات؟ تكمن الإجابة في هدف مكيافيللي في المقابلة بين أفضل سيناريو  للنظام الملكى مع مؤسسات وتنظيم الجمهورية.فبالنسبة لـ مكيافيللي حتى أفضل الملكيات تفتقر إلى بعض الصفات الواضحة في النظم الجمهورية جيدة التنظيم ا والتى تجعل من النظام الأخير اكثر جاذبية من الأول.

يؤكد نيكولو مكيافيللي أن الفضيلة العظمى  للملكية الفرنسية وملكها هى الاخلاص للقانون. يوضح مكيافيللي أن ” ملك فرنسا يخضع للقوانين اكثر من أى ملكية أخرى نعرفها في عصرنا” ( المقالات : ترجمة منقحة ) (Discourses CW 314, translation revised). يشير مكيافيلى إلى وظيفة البرلمان لتفسير ذلك الوضع. حيث يقرر أن

           ” يعيش ملك فرنسا تحت القوانين والنظم أكثر من أى ملكية أخرى”.تتعهد البرلمانات تلك القوانين والنظم ، لا سيما في باريس ، حيث يجرى تجديد القوانين والنظم في كل مرة تتخذ إجراءًا ضد أمير المملكة أو تصدر حكما تدين فيه الملك. وحتى الآن حافظت على نفسها كقَيّم دؤوب ضد النبلاء. (Discourses CW 422, translation revised) المقالات : ترجمة منقحة.

تشير تلك المقاطع من ” المقالات ” إلى أن نيكولو مكيافيللي كان يكن إعجابًا عميقا للتنظيمات المؤسساتية المحققة في فرنسا. خصوصًا وان سلطات ملك فرنسا والنبلاء والتى من شأنها أن تقمع السكان ، تظل خاضعة لرقابة قوانين المملكة التي ترعاها  سلطة البرلمان المستقلة. وبالتالى ، يتم القضاء على فرص الاستبداد مطلق العنان بشكل كبير ، مما يجعل الملكية معتدلة و ” متحضرة”.

ولكن حتى هذا النظام ، بغض النظر عن حسن النتظيم والخضوع للقانون ، يبقى غير متوافق مع ” العيش بحريةvivere libero. حين يناقش ميكيافيللى قدرة الملك على تلبية رغبة الناس في الحرية ، يعلق مكيافيللي قائلا:

“انه فيما يتعلق بالرغبة الشعبية في استعادة الحرية ، فإن الأمير الذى لا يملك إرضائهم ، لابد له ان يمحص الأسباب التى تجعلهم يرغبون في العيش كأحرار.(Discourses CW 237).

ويستنتج الأمير أن قلة من الأفراد هى التى ترغب في الحرية لأنها ببساطة تطمح لقيادة الآخرين ، وهؤلاء قلة من حيث العدد بحيث  يمكن بسهولة القضاء عليهم أو شرائهم بمنحهم الإمتيازات. وعلى العكس ، فإن الغالبية العظمى من الناس تخلط ما بين الحرية والأمن ويتصورون أنهما متطابقين ، ” ولكن كل الآخرين ، الأغلبية ، يرغبون في الحرية للعيش بأمان (vivere sicuro)” (Discourses CW 237 . وطالما كان الملك لا يستطيع ان يمنح الحرية للجماهير فبإمكانه أن يوفر لهم الأمن الذى يتوقون له.

 طالما أن  الأغلبية ، الذين يرضيهم فقط العيش بأمان (vivere sicuro) ، من السهل إرضائهم ، عن طريق وضع النظم والقوانين التى تكفل إلى جانب سلطة الملك ، توفير الأمن للجميع. متى حقق الملك ذلك ، يرى الناس انهم لا يستطيعون كسر القوانين ، ويقنعون بالعيش بأمان وبقناعة.(vivere sicuro)(Discourses CW 237).

ثم يطبق نيكولو مكيافيللي  تلك المبادئ النظرية على حالة فرنسا ، ويلاحظ أن

أن الناس يعيشون بأمان (vivere sicuro)، لأن الملك مقيد بقوانين مطلقة والتى تكفل الأمان للجميع وليس لأى سبب آخر. ((Discourses CW 237)

يضمن النظام الفرنسى القائم على سيادة القانون الأمن ، ولكن الأمن وإن ظل مرغوبًا إلا أنه لا يجب الخلط بينه وبين الحرية. هذا هو أقصى أفق للنظام الملكى : لا تستطيع الحكومة الملكية الجيدة أن تقدم لشعبها أفضل من حكومة هادئة ومنظمة.

يرى نيكولو مكيافيللي ان نتيجة حتمية لهكذا عيش بأمان هو نزع سلاح الشعب. يعلق مكيافيللي قائلا انه بغض النظر عن عظمة مملكته فإن ملك فرنسا يعيش رهن للمرتزقة الأجانب.

“يتأتى كل ذلك من نزع سلاح شعبه ، وتفضيله المصلحة الآنية المتمثلة في قدرته على نهب الناس وتجنب الأخطار المتخيلة بدلا من تلك الحقيقية، بدلا من القيام بأشياء تطمئن الشعب وتجعل أحوالهم سعيدة  بشكل دائم. هذا الخلل  وإن انتج بعض الأوقات الهادئة ، إلا أنه سيكون سببًا في عواقب وخيمة وأضرار وخراب لا يمكن إصلاحه.”(Discourses CW 410).

الدولة التى تجعل من الأمن أولوية لا يمكن لها أن تسمح بتسليح الشعب خوفًا من استخدامه في مواجهة النبلاء ،( او حتى ضد التاج.) ولكن في نفس الوقت ، نظام كهذا يضعف بشكل لا يمكن إصلاحه ، لأنه يعتمد على الأجانب للقتال بجانبه. وبهذا المعنى ، فإن الحكومة التى تستهدف ” العيش الآمنvivere sicuro ” تنتج شعبًا سلبيا وعاجزا كنتيجة حتمية. لا يمكن لمجتمع كهذا بحكم التعريف ان يكون حرا وفقا للمعنى المكيافيللى عن العيش بحرية vivere libero وبالتالى لا يكون مجتمعا سياسيا او مدنيا بالكامل ولكنه بالكاد يكون كذلك.

يعود نيكولو مكيافيللي للتوكيد  على محدودية الحكومة الملكية في مناقشات إضافية لمسألة ” نزع سلاح الشعب وتأثيره ” في كتاب فن الحرب.  لإجابة السؤال إن كان جيش من المواطنين أفضل من الجيش الملكى ، يصر مكيافيللي أن حرية الدولة رهن بالاستعداد العسكرى لرعاياها. مقرا بأن ” ملك [فرنسا] نزع سلاح شعبه ليقودهم بسهولة أكبر” ، لا زال مكيافيلى يصر على أن  ” هذه السياسة تخلق خللا في هذه  المملكة ، لأن الفشل في هذه المسألة هو السبب الذى يجعل منها ضعيفة”(Art CW 584, 586–587). يرى مكيافلللى ان ايا كانت المنافع التى تجنيها الدولة من إنكار الدور العسكرى لشعبها فهى أقل أهمية من غياب الحرية ، والذى يصاحب نزع السلاح بالضرورة.

وليست المشكلة فقط ان حاكم امة غير مسلحة هو رهينة للمقاتلين الأجانب. يرى  مكيافيللي أن الأكثر أهمية أن ميليشيا مسلحة من المواطنين   تظل   الضمانة  الأخيرة  أن لا الحاكم ولا أى مغتصب سيطغى على الشعب ، “لذلك ظلت روما حرة لأربعة قرون وكانت مسلحة ، وكذلك سبارطة لمدة ثمانية قرون ، مدن أخرى ظلت غير مسلحة وحرة  لمدة تقل عن أربعة قرون”(Art CW 585). يثق مكيافيللي أن المواطنين سيقاتلون دائما لأجل حريتهم ضد القهر الداخلى والخارجى على حد سواء. في الواقع ، ذلك بالضبط السبب الذى جعل الملوك الفرنسيين يتركون الشعب غير مسلح سعيًا منهم لضمان الأمن العام والنظام ، والذى يعنى بالنسبة لهم القضاء على أيه فرصة لرعايهم لحمل السلاح. لا يمكن للنظام الفرنسى ان يسمح بما يعتبره مكيافيللي الوسائل الأساسية لتحقيق الحرية ، لأن يضع الأمن فوق أى اعتبار آخر ( للشعب وللحاكم أيضًا.)

مسألة نزع السلاح هى تجلِ لاختلاف أكبر بين نظم الحد الادنى الدستورية مثل فرنسا ، والمجتمعات السياسية بالكامل مثل الجمهورية الرومانية ، وهو حالة الطبقات في المجتمع. طبقًا لملاحظات نيكولو مكيافيللي نفسه ، الشعب في فرنسا خاضع بالكامل والنبلاء مستقلون إلى حد كبير  حتى عن الملك. على العكس في جمهورية متطورة تمامًا مثل روما ، فإن الحرية أمر بالغ الأهمية ، لكل من الشعب والنبلاء دور فعال ( واحيانا متصادم ) في حكم أنفسهم.(McCormick 2011; Holman 2018). في نظر مكيافيللي ، حرية الكل تعتمد على حرية أجزائه. يلاحظ في مناقشة شهيرة لهذا الأمر  في كتاب المقالات “

” بالنسبة لى هؤلاء الذين يدينون الشقاق بين النبلاء والعامة ، يدينون الشئ نفسه الذى كفل احتفاظ روما بالحرية…” لا يدرك هؤلاء أن في كل جمهورية صنفان من الناس ، الشعب ، والرجال العظماء ، وكل التشريعات التى تدعم الحرية نتاجًا لشقاقهم ” (Discourses CW 202–203).

يدرك نيكولو مكيافيللي انه يتبنى رأيا مختلفًا ، حيث عادة ما القى اللوم على الفصائل المتحاربة في انهيار روما ، والتى مزقتها في نهاية المطاف. ولكن يتمسك مكيافيللي بأن الصراع نفسه هو الذى انتج ” توتر خلاقًا” كان معينًا لحرية روما. تلك ” النزاعات التى يدينها الكثيرون بشكل غير مباشر ” انتجت مباشرة القوانين العادلة لروما ، والسلوك الفاضل لمواطنيها.(Discourses CW 202). وبالتالى، يجب النظر إلى الصراعات بين الشعب والشيوخ على أنها متاعب من الضرورى تحملها لأجل عظمة روما. ((Discourses CW 211) يرى مكيافيلللى أن النماذج الجمهورية الأخرى ( مثل تلك الى أقامتها اسبارطة ، او البندقية ) انتجت نظم سياسية اضعف وأقل نجاحًا، انتجت نظمًا راكدة أو عرضة للتحلل عند تغير الظروف.

7. الحرية الشعبية، والتعبير الشعبي، لدى نيكولو مكيافللي

أظهر نيكولو مكيافيللي ثقة  خاصة في قدرة الناس على المساهمة في توطيد  الحرية المجتمعية. في المقالات ، يعطى للجماهير كفاءة كبيرة للحكم والتصرف لأجل الصالح العام في أوضاع عدة ، ويقارن صراحة بين ” الحكمة والاستقرار ” عند المواطنين العاديين ، وبين التقدير غير السليم عند الأمير. يصرح مكيافيلّى ببساطة أن   ” الشعب أكثر حكمة واستقرارًا وقدرة على الحكم من الأمير” .(Discourses CW 316). ولم يكن ذلك تعبيرًا تعسفيا عن تفضيل شخصى من جانب مكيافيللي . حيث  يتمسك بأن الشعب أكثر اهتمامًا ، وأكثر إرادة للدفاع عن الحرية من الأمير أو النبلاء.(Discourses CW 204–205).

بينما يخلط الامراء والنبلاء بين حريتهم  وقدرتهم على السيطرة والتحكم في اتباعهم ، فإن الجماهير أكثر اهتمامًا بحماية انفسهم من الظلم ، ويعتبرون أنفسهم أحرارًا عندما لا يتعرضون للاستغلال من قِبل من هم أقوى منهم ، أو يكونون تحت تهديد هذا الاستغلال.(Discourses CW 203). بالمقابل ، عندما يخشى  المواطنين العاديين من ظهور الظلم ، فإنهم أكثر ميلا للاعتراض والدفاع عن الحرية العامة. وهذا الدور الفعال للشعب ، الضرورى للحفاظ على الحرية العامة الحيوية ، مناقض بشكل أساسى للتراتبية الهرمية القائمة على الاخضاع والحكم التى تقوم عليها مجتمعات ” العيش بأمان vivere sicuro ” الملكية. حيث أن الشروط الأولية للعيش الحر vivere libero لا تعطى الأولوية للأمن وهو الهدف الأساسى للنظم الملكية الدستورية.

أحد الأسباب الرئيسية لاعتبار أن الأمن والحرية متعارضين بالنسبة لمكيافييلى وإعطاء الأفضلية للأخيرة ، قد يكون السمة  ” الخطابية ” في نزعته الجمهورية. يعتبر نيكولو مكيافيللي بوضوح أن الخطابة هى الوسيلة الملائمة لحل النزاع في المجال الجمهورى العام ، و على طول كتاب المقالات ، فإن الجدل اعتبر الوسيلة الأفضل للشعب لتحديد مسار العمل الافضل والقادة الأكثر أهلية. في تقليد الخطابة الكلاسيكية ، والتى من الواضح انها كانت مألوفة لـ مكيافيللي ، تربط التحدث العام   بالجدل : حيث تعتبر التطبيق الملائم للخطابة في مجالات القضاء الجنائى ، والأنواع التداولية للخطابة  والتى تعتبر بيئة خصومة ، بحيث يسعى كل متكلم إلى اقناع جمهوره بصحة موقفه وخطأ موقف خصومه. 

تناول الخطباء الإيطاليين المتأخرين في العصور الوسطى ومنظرى البلاغة هذا الموضوع وأكدوا ان جوهر هذا الفن هو ” الخصومة ” lite  ( الصراع). وهكذا يعكس أيضًا اصرار مكيافيللي على الصراع كشرط أولى للحرية ميوله الخطابية. وعلى العكس تستبعد النظم الملكية ، حتى اكثر النظم الملكية الدستورية أمانًا ـ مثل فرنسا ، الخطاب العام وتقيده ، مما يجعلها في وضع غير جيد. من الأسهل بمكان أقناع حاكم فرد بعمل كارثى او غير مفهوم من اقناع شعب مكون من مختلف المشارب. يفضى ضجيج النقاش العام غير اليقينى في نهاية المطاف إلى قرارًا يخدم الصالح العام أفضل من نقاش مغلق في الديوان الملكى.

ويرتبط هذا بإدعائه في كتاب المقالات بان العناصر الشعبية في المجتمع هى أفضل حارس للحرية المدنية كما أنها أفضل وسيلة لصناعة قرار يخدم الصالح العام. يمتدح نيكولو مكيافيللي دور الشعب في حماية الجمهورية ،   لثقته في التأثيرات التنويرية للتعبير العام في عموم المواطنين. في بداية المقالات الأولى يلاحظ مكيافيلى أن البعض يعترض على الحريات الواسعة التى تمتع بها الشعب الرومانى للتجمع والاحتجاج والاعتراض vetoعلى القوانين والسياسات. ولكنه يرد بأن الرومان كانوا قادرين على حفظ الحرية والنظام بفضل قدرتهم على تمييز الصالح العام عندما يعرض عليهم.

عندما يشعر المواطنون الرومان العاديين خطئا بأن قانون ما أو مؤسسة قد جرى تصميمه لظلمهم ، يمكن  اقناعهم أنهم مخطئين عن طريق الجمعيات assemblies  ، والتى من خلالها يمكن لرجال ذوى تأثير اقناعهم أنهم يخدعون أنفسهم. وكما يقول تولى ، فإن الناس ، على الرغم من أنهم قد يكونوا جاهلين ،فأنه يمكنهم استيعاب الحقيقة ، ويمكنهم الاستسلام للحق بسهولة حينما يخبرهم من  هو أهل الثقة بالحقيقة.

تؤكد الإشارة إلى شيشرون ( أحد القلائل في كتاب ” المقالات” ) أن نيكولو مكيافيللي كان يضع في اعتباره سمة رئيسية للجمهورانية الكلاسيكية : كفاءة الناس في الرد على كلمات الخطيب الموهوب ودعمه عندما يتحدث بحق عن الرفاه العام.

يعود نيكولو مكيافيللي إلى هذا الأمر ويتناوله بتوسع عند نهاية ” المقال الأول” من كتاب ” المقالات” . يجادل مكيافيللي في الفصل المخصص لإثبات أفضلية الحكومة العامة على الحكومة الأميرية ، بأن الناس منظمون جيدًا ، وبالتالى ” حكماءو مستقرون ، وممتنون ” ، طالما وجدت مساحة للتعبير العام والتداول حول المجتمع. يصر مكيافيللي مستشهدًا بالعبارة ” صوت الشعب هو صوت الإله” على أن: 

"أن الرأى العام دقيق  بشكل ملحوظ في تنبؤاته. يقول مكيافيللي فيما يتعلق بقدرة الجماهير على الحكم ، أنه حين تسمع الجماهير خطيبان على نفس القدر من المهارة ، يدافعان عن رؤى مختلفة ، من النادر أن يعجزوا عن الوصول إلى الرؤية الأفضل أو تقدير وجه الحق فيما يسمعونه."(Discourses CW 316

وليست الجماهير فقط بأقدر على تمييز افضل مسارات العمل حين يعرض الخطباء عليهم مسارات مختلفة ، ولكنهم أيضًا مؤهلون بشكل أفضل من الأمير لاتخاذ القرارات وفقًا لرؤية مكيافيللي . على سبيل المثال،

“من الصعب إقناع الجماهير أنه من الأفضل تعيين أشخاص فاسدون ذوى عادات فاسدة أو شائنة ، ولكن يمكن للأمير ولأسباب مختلفة أن يفعل ذلك.” ((Discourses CW 316)

وبالمثل ، يمكن اذا ابتعد الناس عن المسار القانونى ،يمكن اقناعهم بسهولة باستعادة النظام:

يمكن إقناع الجماهير المضطربة وغير المنضبطة بالعودة إلى جادة الصواب إذا تكلم معهم رجل صالح. ولكن لا يمكن التحدث إلى أمير شرير ، الحل الوحيد هو السلاح. تكفى الكلمات لعلاج الخلل عند الناس. ((Discourses CW 317)

رسم نيكولو مكيافيللي تباينًا صارخًا بين الجمهورية والملكية . عمومًا ، فإن الجمهوريات المحكومة بالكلمات والإقناع ، من المرجح ان تحقق الخير العام لمواطنيها ، وحتى لو حدث خطأ ما ، فإن الباب مفتوح دائما للجوء إلى الخطابة. ولكن النظم غير الجمهورية تعتمد في نهاية المطاف على القوة القسرية ولا مجال للتصحيح إلا بالوسائل العنيفة ، بسبب افتقادها للمارسات الخطابية.

8. شخصية القادة الجمهوريين

تستند حجه  مكيافيلى  لمصلحة النظم الجمهورية ، إلى موقفه المتشكك من إمكانية أن يحوز فرد واحد ” الكفاءة  virtù ” وبالتالى يلمح أن الأمارة المستقرة بحق قد لا تكون ممكنة أبدًا. كنتيجة للتناقض بين الحاجة إلى المرونة وثبات الشخصية الحتمى  للأمير ، يبدو أن هناك قيود عملية متأصلة في حكم الفرد. يستنتج القارئ بسهولة أن حكم الفرد هش ومضطرب في جوهره بسبب أن السلوك البشر متجذر في شخصية ثابتة وراسخة. يقدم نيكولو مكيافيللي في كتاب المقالات مسألة سيكولوجية ، أن حقائق الطبيعة البشرية  ترجح أفضلية  النظام الجمهور ى على النظام الأميرى ، طالما كانت “الجمهوريات قادرة على التكيف مع الظروف المختلفة بالمقارنة مع النظام الأميرى بسبب التنوع الموجود في المواطنين”(Discourses CW 253).

يوضح نيكولو مكيافيللي ذلك بالإشارة إلى تطور الاستراتيجية العسكرية الرومانية في مواجهة هانيبال. بعد توالى الانتصارات الأولية للقائد القرطاجى في إيطاليا ، كانت ظروف الرومان تتطلب قائدًا حذرا ومتحفظ لن يدفع بالجيش في عمل عسكرى عدوانى ليس مستعد له. وهى القيادة التى تمثلت في فابيوس ماكسيموس ، “الجنرال الذى مكنه حذره وبطئه من صد العدو. ولم يكن من المرجح أن يلاقى ظروفًا أفضل من تلك  ملائمة لطبيعته.” وعندما تطلب الأمر الهجوم من الرومان ، تحول الرومان إلى قيادة سكوبيو ، والذى كانت صفاته الشخصية أكثر ملائمة لظروف وقته. “لم يكن بوسع فابيوس أو سكوبيو  الهرب من ” عادته وطرقه”” (Discourses CW 452)، ولكن في الحقيقة يشير مكيافيللي إلى   أن قدرة روما على اختيار المناسب منهما  دلالة  على قوة متأصلة في النظام الجمهوري.

لو كان فابيوس ملكًا لروما ، فربما خسر الحرب بسهولة ، لأنه لم يكن قادرًا على تغيير طباعه لتلائم الظروف. ولكنه لأنه ولد في جمهورية لمواطنين ذوى طباع متعددة يتصرفون بطرق مختلفة ، كان لدى الجمهورية القدرة على الاستعانة بفابيوس متى كانت الظروف تتطلب ذلك ، والاستعانة بسكوبيو في وقت الملائم للظفر بالنصر” (Discourses CW 452)

يتطلب  تبدل الحوادث المرونة في الاستجابة ، وطالما كان من غير الممكن أن تتغير الشخصية البشرية عبر الزمن، فإن الجمهورية تقدم بدائل مختلفة : أناس مختلفون في السمات يناسبون المتطلبات المختلفة. خاصية التنوع في النظم المدنية ، تلك التى شجبها أسلاف مكييافيللى كانت بالنسبة له نقطة تفوق على الإمارات.

ولكن ذلك لا يعنى أن ثقة نيكولو مكيافيللي في قدرة النظم الجمهورية على معالجة أوجه القصور السياسي  في الشخصية البشرية كانت راسخة. ففى النهاية ، لا يقدم مكيافيللي اى مؤشر حقيقى لكيفية تمكن الجمهوريات من تحديد وتولية القادة الذين تلائم صفاتهم الظروف. مسألة ملاحظة  هذا التنوع في الجمهوريات ،  لهو أمر  مختلف عن  إثبات انه ميزة ضرورية وأساسية للنظم الجمهورية. في أفضل الأحوال يقدم لنا  مكيافيللي نوعًا من التعميم التجريبى ، بيد أنه  ترك الأسس النظرية دون تمحيص. ويشير مكيافيللي في ” المقالات ” أن للجمهوريات حدودها هى الأخرى في تحقيق المرونة في الاستجابة اللازمة لتحقيق الحظ. فكما هو الحال مع الأفراد ، الذين يكون من الصعب ( إن لم يكن مستحيلاً) لتغيير سماتهم الشخصية ،

"كذلك المؤسسات في الجمهوريات لا تتغير عبر الزمن ، ولكن يأتى التغيير بطيئًا ، ويكون من المؤلم أكثر تغييرهم ، طالما كان يجب الانتظار حتى تكون الجمهورية في حالة اضطراب، وهكذا ليس من الكافى الزعم  بأن الأفراد فقط هم المطالبون بالتغيير."

((Discourses CW 453)

إذا كانت نقطة ضعف الإمارات هو البنية الثابتة للشخصية البشرية ، فإن نقطة ضعف الجمهوريات هو تكريس الاستدامة لمؤسسات مضى زمانها. لم يناقش نيكولو مكيافيللي في كتاب ” المقالات ” ، إن كان لديه أمل  في إنشاء مؤسسات جمهورية أكثر استجابة ،  بشكل أكبر من تطلب المرونة في شخص الأمراء.

على الرغم من ان نيكولو مكيافيللي متمسك بموقفه المناصر للنظام الجمهوري. ولكن كيف لنا ان نلائم ذلك مع تصريحاته في ” الأمير” ؟ من المغرِ ان نرفض كتاب ” الأمير ” باعتباره يعبر بشكل حقيقى عن آراء وتفضيلات مكيافيللي الحقيقية ، خصوصا انه كتب في مدة  قصيرة بهدف تقديم نصحيته السياسية لسادة ميتدتشى العائدين للسلطة في فلورنسا. ( في مقابل الفترة الطويلة التى استغرقها تأليف ” المقالات”) . على الرغم من أن مكيافيللي لم يتنصل أبدا من ” الأمير ” ، وبالفعل كان يشير إليه في المقالات بطريقة تظهر الأخير على انه رديف للأول. على الرغم من أن هناك جدلاً كبيرا ما إذا كان مكيافيللي حقًا صديقا للأمراء والطغاة أم للجمهوريات ، وبالتالى يجب علينا ان نتجاهل جانب  من كتاباته ونعتبره  هامشى أو ثانوى ، فهذه الأسئلة تبدو غير قابلة للحل. يرى مارك هوليونج أن كل الرؤيتان المكيافيلليتان ” يجب ان يوضعا في مكانتين متساويتين ، باعتبار ان كل منهما يتمتع ببعض من المعقولية.

9. مكانة نيكولو مكيافيللي في الأفكار الغربية

ما الذى يمكن اعتباره ” حديث  ” أو ” أصيل ” في افكار نيكولو مكيافيللي؟* ما هى مكانة مكيافيللي في تاريخ الأفكار الغربية؟ نمت الكتابات التى تناقش هذا السؤال ، خصوصا فيما يتعلق بالعلاقة بين ” الأمير ” و ” المقالات” نموًا مذهلا حقًا. على سبيل المثال ، تتبع جون بوكوك  ، (1975) john pocock  انتشار الأفكار الجمهورية المكيافيللية في ما اسماه ” العالم الاطلنطى” ، وخصوصا تأثيره على الأفكار التى الهمت واضعى الدستور الأمريكى.

يجادل بول راهه [ paul rahe 2008] ، عن مجموعة مختلفة من التأثيرات ، ولكن ذات طابع فكرى وبشكل مختلف بشكل محلوظ عن بوكوك. بالنسبة لبوكوك ، فإن النزعة الجمهورية لدى مكيافيللي  نوع  من الإنسانية المدنية  تجد جذورها في العصور القديمة ، بالنسبة لراهه ، نزعة مكيافيللي الجمهورية جديدة وحديثة كليًا. يقدر المفكرين المعروفين ب” الرومان الجدد” وأبرزهم ( بيتيت ، سكينر وفيرولى) مكيافيللي كمصدر لمبدأهم عن ” الحرية باعتبارها لا-هيمنة ، بينما جرى استخدام افكار مكيافيللي للدفاع عن المبادئ والقيم الديموقراطية. وبالمثل جرى اعتبار مسائل أخرى مثل أخلاق مكيافيللي السياسية ، ومفهوم الدولة عنده ، ورؤاه الدينية والكثير من سمات عمله كأساس مميز لأصالة مساهمته..

 

ومع ذلك ، فالقليل من الاستنتاجات التى جرى اعتبارها راسخة علميًا. ( الحالة الراهنة غير المستقرة في الأبحاث حول نيكولو مكيافيللي تمثلت  بشكل جيد في  كتاب [ مكيافيلّى الحرية والصراع ] جونستون وآخرينJohnston et al. 2017.).أحد التفسيرات المنطقية لحالة العجز عن حل معضلة ” الأصالة والمعاصرة ” عند مكيافيللي أن مكيافيللي كان عالقًا بشكل ما بين التقليد والابتكار ، بين العصور القديمةvia antiqua والحداثةvia moderna (حسب تعبير جانيت كولمان ١٩٩٥)، بطريقة ولدت توترات مفاهيمية داخل أفكاره ككل  ، وحتى داخل كل نص على حدا.

سمح هذا العموض التاريخى للباحثين بطرح رؤى مقنعة على نفس القدر لإدعاءات متناقضة حول وضعيته الأساسية دون أن يبدو الأمر على انه لىّ لعنق مذهبه. تختلف هذه النقطة عن الطرح الذى يقوله بعض الباحثين أن مكيافيللي كان غير متسق ( أنظر سكينر Skinner 1978) ، أو أنه كان ببساطة مدفوعًا بأجندة محلية (Celenza 2015). بدلا من ذلك ، يمكن أن نعزو الملامح البارزة للتباين في اطروحة مكيافيللي السياسية إلى التناقض بين الظرف التاريخى والأمكانات الفكرية. ما يجعل مكيافيللي مثيرا للقلق ومفكر محفز في نفس الوقت ، انه في محاولته للخروج باستنتاجات مختلفة عن توقعات جمهوره ، لا زال يُضمّن ملامح مهمة من تلك الأعراف التى كان يتحداها تحديدًا.

وعلى الرغم من تأكيده المتضمن على أصالته الخاصة ، ( على سبيل المثال : Prince CW 10, 57–58) فإنه اهتمامه الدقيق بالتقاليد الموجودة مسبقًأ تعنى انه لم يكن بإمكانه الهروب من حدوده الفكرية. وبالتالى ، لا يفترض ان يصنف مكيافيللي ببساطة على انه إما ” قديم ” أو ” حديث ” لكنه يمكن ان يكون بمنزلة بين المنزلتين.


المراجع

المصادر الرئيسية المترجمة

  • [CW] Machiavelli: The Chief Works and Others, Alan H. Gilbert (trans.), 3 volumes, continuous pagination, Durham, NC: Duke University Press, 1965.
    • The Prince (in Volume 1, pp. 10–96)
    • Discourses on the First Decade of Titus Livius (in Volume 1, pp. 175–532)
    • The Art of War (in Volume 2, pp. 561–726)
  • [MP] The Prince, Quentin Skinner and Russell Price (eds.), (Cambridge Texts in the History of Political Thought), Cambridge: Cambridge University Press, 1988.
  • [MF] Machiavelli and His Friends: Their Personal Correspondence, James B. Atkinson and David Sices (eds.), Dekalb, IL: Northern Illinois University Press, 1996.

المصادر الثانوية

  • Anglo, Sydney, 2005, Machiavelli: The First Century, (Oxford-Warburg Studies), Oxford: Oxford University Press.
  • Baluch, Faisal, 2018, “Machiavelli as Philosopher”, The Review of Politics, 80(2): 289–300. doi:10.1017/S0034670517001097
  • Benner, Erica, 2009, Machiavelli’s Ethics, Princeton: Princeton University Press.
  • –––, 2013, Machiavelli’s Prince: A New Reading, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199653638.001.0001
  • Briggs, Charles F. and Cary J. Nederman, forthcoming, “Mirrors of Princes in the Christian Occident (12th-15th Century)”, in A Companion to the “Mirrors of Princes” Literature, Noëlle-Laetitia Perret and Stéphane Péquignot (eds.), Leiden: Brill.
  • Capponi, Niccolò, 2010, An Unlikely Prince: The Life and Times of Machiavelli, Cambridge, MA: Da Capo Press.
  • Cassirer, Ernst, 1946, The Myth of the State, New Haven, CT: Yale University Press.
  • Celenza, Christopher S., 2015, Machiavelli: A Portrait, Cambridge, MA : Harvard University Press.
  • Coleman, Janet, 1995, “Machiavelli’s Via Moderna: Medieval and Renaissance Attitudes to History”, Niccolò Machiavelli’s The Prince: New Interdisciplinary Essays, Martin Coyle (ed.), Manchester, UK: Manchester University Press, 40–64.
  • Croce, Benedetto, 1925, Elementi di politica, Bari: Laterza & Figli.
  • Dietz, Mary G., 1986, “Trapping the Prince: Machiavelli and the Politics of Deception”, American Political Science Review, 80(3): 777–799. doi:10.2307/1960538
  • Dyer, Megan K. and Cary J. Nederman, 2016, “Machiavelli against Method: Paul Feyerabend’s Anti-Rationalism and Machiavellian Political ‘Science’”, History of European Ideas, 42(3): 430–445. doi:10.1080/01916599.2015.1118335
  • Femia, Joseph V., 2004, Machiavelli Revisited, Cardiff, Wales: University of Wales Press.
  • Fischer, Markus, 2000, Well-Ordered License: On the Unity of Machiavelli’s Thought, Lanham, MD: Lexington Books.
  • Grazia, Sebastian de, 1989, Machiavelli in Hell, Princeton: Princeton University Press.
  • Holman, Christopher, 2018, Machiavelli and the Politics of Democratic Innovation, Toronto: University of Toronto Press.
  • Hörnqvist, Mikael, 2004, Machiavelli and Empire, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511490576
  • Hulliung, Mark, 1983, Citizen Machiavelli, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Johnston, David, Nadia Urbanati, and Camila Vergara (eds.), 2017, Machiavelli on Liberty and Conflict, Chicago: University of Chicago Press.
  • Mansfield, Harvey C., 1996, Machiavelli’s Virtue, Chicago: University of Chicago Press.
  • Mattingly, Garrett, 1958, “Machiavelli’s Prince: Political Science or Political Satire?”, The American Scholar, 27(4): 482–491.
  • McCormick, John P., 2011, Machiavellian Democracy, Chicago: University of Chicago Press.
  • Meinecke, Friedrich, 1924 [1957], Die Idee der Staatsräson in der neueren Geschichte, München-Berlin: Druck und Verlag von R. Oldenbourg. Translated as Machiavellism: The Doctrine of Raison d’Etat and Its Place in Modern History, Douglas Scott (trans.), New Haven, CT: Yale University Press.
  • Najemy, John M. (ed.), 2010, The Cambridge Companion to Machiavelli, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CCOL9780521861250
  • Nederman, Cary J., 2009, Machiavelli, Oxford: Oneworld.
  • Nederman, Cary J. and Guillaume Bogiaris, 2018, “Niccolò Machiavelli”, in The History of Evil in the Early Modern Age: 1450–1700 CE, Daniel M. Robinson, Chad Meister, and Charles Taliaferro (eds.), (The History of Evil, 3), London: Routledge, 53–68.
  • Olschki, Leonardo, 1945, Machiavelli the Scientist, Berkeley, CA: Gillick Press.
  • Parel, Anthony J., 1992, The Machiavellian Cosmos, New Haven, CT: Yale University Press.
  • Patapan, Haig, 2006, Machiavelli in Love: The Modern Politics of Love and Fear, Lanham, MD: Lexington Books.
  • Pettit, Philip, 1997, Republicanism: A Theory of Freedom and Government, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/0198296428.001.0001.
  • Pitkin, Hanna Fenichel, 1984, Fortune is a Woman: Gender and Politics in the Thought of Niccolò Machiavelli, Berkeley, CA: University of California Press.
  • Prezzolini, Giuseppa, 1954 [1967], Machiavelli anticristo, Rome: Gherardo Casini Editore; translated as Machiavelli, Gioconda Savini (trans.), New York: Farrar, Straus and Giroux.
  • Pocock, John, 1975, The Machiavellian Moment: Florentine Political Thought and the Atlantic Republican Tradition, Princeton: Princeton University Press.
  • Rahe, Paul A., 2008, Against Throne and Altar: Machiavelli and Political Theory under the English Republic, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511509650
  • Skinner, Quentin, 1978, The Foundations of Modern Political Thought, Volume I: The Renaissance, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 1998, Liberty before Liberalism, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9781139197175
  • –––, 2002, Visions of Politics, Volume II: Renaissance Virtues, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Sorensen, Kim A., 2006, Discourses on Strauss: Revelation and Reason in Leo Strauss and His Critical Study of Machiavelli, Notre Dame, IN: University of Notre Dame Press.
  • Strauss, Leo, 1958, Thoughts on Machiavelli, Glencoe, IL: The Free Press.
  • Vatter, Miguel E., 2000, Between Form and Event: Machiavelli’s Theory of Political Freedom, Dordrecht: Springer Netherlands. Second edition, New York: Fordham University Press, 2014.
  • –––, 2013, Machiavelli’s ‘The Prince’: A Reader’s Guide, London: Bloomsbury.
  • Viroli, Maurizio, 1998, Machiavelli, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780198780885.001.0001
  • –––, 1999 [2002], Repubblicanesimo, Roma-Bari: Laterza. Translated as Republicanism, Anthony Shugaar (trans.), New York: Hill and Wang
  • –––, 2006 [2010], Dio di Machiavelli e il problema morale dell’Italia, Roma-Bari: Laterza. Translated as Machiavelli’s God, Antony Shugaar (trans.), Princeton, NJ: Princeton University Press, 2010.
  • –––, 2014, Redeeming the Prince: The Meaning of Machiavelli’s Masterpiece, Princeton: Princeton University Press.
  • Vivanti, Corrado, 2013 Niccolò Machiavelli: An Intellectual Biography, Princeton: Princeton University Press.
  • Von Vacano, Diego A., 2007, The Art of Power: Machiavelli, Nietzsche, and the Making of Aesthetic Political Theory, Lanham, MD: Lexington Books.
  • Wood, Neal, 1967, “Machiavelli’s Concept of Virtù Reconsidered”, Political Studies, 15(2): 159–172. doi:10.1111/j.1467-9248.1967.tb01842.x
  • Zuckert, Catherine H., 2017, Machiavelli’s Politics, Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 2018, “Machiavelli: A Socratic?”, Perspectives on Political Science, 47(1): 27–37. doi:10.1080/10457097.2017.1385358

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

civic humanism | republicanism | السيادة


[1] Nederman, Cary, “Niccolò Machiavelli”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2019 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives /sum2019/entries/machiavelli/>.