مجلة حكمة
فيلسوف القلب لـ كلير كارلايل: الحياة المضطربة لسورين كيركغور

فيلسوف القلب لكلير كارلايل: الحياة المضطربة لسورين كيركغور

الكاتبنيكولاس ليزارد
ترجمةباسل أحمد
Carlisle كارلايل
كلير كارلايل ، قارئة في الفلسفة والثيولوجيا من جامعة كينق في لندن

رغم أن كيركغور لم يمنح أي وقت لقواعد الحياة العادية فإن صرامته لم تحل دون كونه شخصاً بارعًا.

 قبل بضع سنوات، تعرض آلان دو بوتون للسخرية بسبب تغريدة نشرها تنم عن “محنة المفكرين”: “الاسترخاء الدائم على الأريكة، والتأمل المستمر في الفراغ حتى الوصول إلى مرحلة لا يقوم فيها حتى بالمساعدة في تفريغ غسالة الصحون، مما جعله منبوذاً باعتبار أنه” لا يفعل شيئًا “ 

كانت فكرة الفلسفة غير عملية منذ ظهور تاليس المالطي، الذي دحض الاتهامات بعدم جدوى الفلاسفة عن طريق التخلي عن الفلسفة لمدة عام وتكديس ثروة من قطافه لثمار الزيتون. ولكن هذا لم يوقف تلك الفكرة، وربما كان سورين كيركغور هو الـ فيلسوف الأشهر الذي أشار إلى أن أعمال الحياة العادية الأكثر إثارة للغضب حين قال: “ما يجعل حياتي صعبة للغاية هو أنني قمت بتوليف نمط حياتي بشكل أعلى مما يستطيع الآخرون فعله… حيث أن معظم الناس – في أقصى الاحتمالات – يفكرون بالشخص الذي يجب عليهم أن يتزوجوا منه بينما يقتضي الواقع التفكير  في الزواج بحد ذاته. وينطبق هذا الحال على كل شيء والحقيقة أن هذا هو وضعي الآن. “

كتب أنه بعد ثماني سنوات من فسخ خطوبته مع ريجين أولسن في عام 1849، وهو ما حاول من نقلوا سيرة حياته أن يتجنبوا ذكره.  كانت مسألة الزواج تشكل هاجساً يشغل تفكيره باستمرار: “حيث أننا بحاجة إلى أشخاص يمتازون بالمرونة ولا تغرقهم الأنانية ولا ينهمكون في الغوص باعتبارات لا نهاية لها بحثاً عن الوظيفة والزوجة والأطفال”. وتأتي بعد ذلك مقولته الشهيرة من إما /او: تزوج، وسوف تندم. لا تتزوج وستندم على ذلك أيضاً“.

لا تبالغ السيرة التي كتبتها كلير كارلايل في تعقيد القضية. حيث تكشف أن كيركغور لم يستهن بالأعراف أو متطلبات الحياة وتوقعاتها: “بل إنه كثيراً ما تساءل عن قدرته على القيام بها، إضافة إلى خشيته من الحميمية في علاقة الزواج”. كما يفترض من ناحية أخرى بأنه لم يكن مستعدًا لأن يفرض حزنه (والذي نطلق عليه في هذه الأيام الاكتئاب) أو قيمه الروحية المرتفعة على الزوجة. وكانت روحانيته  رفيعة المستوى: حيث كانت تقوم كثير من جدالاته مع الوزراء واللاهوتيين وفي الحقيقة مع المجتمع المسيحي برمته والذي اتهمه كيركغور بأنه يكاد  يكون مسيحيًا بصعوبة كبيرة. وكانت عبرته الرئيسية قصة إبراهيم، الذي أمره الله بالتضحية بابنه إسحاق، ولم يفتديه إلا في اللحظة الأخيرة.

وتعيدنا هذه القصة للتساؤل عما إذا كان هذا ثمنًا عادلاً ويستحق أن ندفعه لعبادة إله قادر على مثل هذا الأمر. ولكن كيركغور رد باعتباره أن المعتقد الديني يتعدى الأخلاق في  الحقيقة، وكانت نظرته تجاه أولئك الذين لم يدركوا ذلك مختلفة، حيث يعتبر أن “سر المعاناة كشكل من أشكال الحياة العليا”. (توضح كارلايل أن “سورين”، تعني “شديدة” باللغة الدنماركية ، و “كيركغور” تعني “فناء الكنيسة”.) لكن هذه الآراء والتي من المهم أن نتذكرها لم تمنعه من أن يكون بارعًا سواء في شخصه أو في أعماله على حد سواء.

ومن أشهر الملاحظات التي أطلقها هي وجوب عيشنا للحياة نحو الأمام وحاجتنا لفهما بشكل عكسي عن طريق الاعتبار مما مضى، وتوضح كلير كارلايل أن إرادتها الشديدة بأن تكتب سيرة “كيركغور” دفعتها للتخلي عن التسلسل الزمني التقليدي.

تبدأ أحداث الكتاب في مايو عام 1843، عندما يكون كيركغور مغموراً بالدهشة كونه في القطار المتوجه إلى موطنه كوبنهاغن قادماً من برلين. ولا يصعب أن نلاحظ مباشرة المعاناة التي تسببها كتابة سيرة ذاتية لشخص لم يفعل شيئًا تقريبًا سوى الكتابة والتي تتجسد بـ: كيفية ملء الصفحات، أو بث الحياة مجدداً في هذه السيرة.

ويعد القطار ” نوعاً جديد من المعجزة: الاندماج الكيميائي بين البخار والصلب” وما إلى ذلك. ويوجد الكثير مما يشبه ذلك في الكتاب. وتبرز قدرة كار لايل في تخطي العقبة المتمثلة بوصف رجل يكتب طوال الوقت: “رغم كونه كاتباً يمثل عبئًا، إلا أنه لا يشعر بالراحة إلا في الكتابة: هنا في المنزل، خاصة في ساعات الليل الهادئة، تنطلق الكلمات بحرية من قلمه، وتنساب الأفكار بسعادة وتتراقص بكل فرح عبر الصفحة المفتوحة، والتي لا تزال صفحة في دفتر عادي لم تتم طباعتها بعد، ولم يتم الكشف عنها أمام عيون الجمهور التي لا حصر لها ولا يمكن التنبؤ بها. ” إضافة إلى الطريقة التي تحدثت فيها عن حقيقة أن مشاعر الـ فيلسوف كيركغور تجاه أمه:  مثله مثل أي روح إنسانية أخرى، دخل إلى الوجود عبر الدفء الهادئ والمظلم لجسم المرأة، ويستمر يبحث بتوقٍ شديد إلى مثل هذا الملاذ عندما تفوق الأضواء الساطعة في العالم ما يستطيع المرء أن يتحمله “.

ما يمنح المرء شعوراً كما لو أنه يقول  بأن “الاقتباس حاجة”.

وتعمد كارلايل أيضًا لإظهار حبها لوصف المشهد والتعبير عنه مع تأثيرات الإضاءة: ” يلامس ضوء القمر القلم الصلب على ذاك المكتب المرتفع داخل الغرفة، وصناديق القصدير الثمينة، والصناديق المليئة بالكتب، وخزانة خشب الورد الطويلة التي تحتوي على أعماله.” إضافة إلى الوصف عندما يموت: “بعد أن غادر النور عينيه، نال خاتمه الأماسي (ريجين) فرصة لينعكس ضوءه ذات يوم على تلك اليد تحت ضوء القمر”.

على الرغم أن مثل هذه الأشياء التي كنا سنسخر منها لو أنها جاءت من قلمٍ فيكتوريّ، فإن هذا الكتاب ليس غبياً، كما يبدو واضحاً أن كلير كارلايل تحب موضوعها وتعرف عنه الكثير حيث ينصب تركيزها على كفاحه الديني وهو ما يتناسب مع اعتقاد الـ فيلسوف كيركغور أن هذا أهم جزء من عمله – وفي الحقيقة فهذه فكرة مكتملة. ولكن قد يتعجب الشخص حول إذا كانت كارلايل قد عجزت عن إيصال القصة للأمام  بالطريقة المشابهة للتي نعيش بها الحياة.

المصدر