مجلة حكمة
الزواج - موسوعة ستانفورد الفلسفية

الزواج والشراكة الأسرية – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: علي الحارس

حول الزواج والاضطهاد، ومفهوم الزواج التاريخي وأخلاقه من منظورين (العقائدي والمؤسساتي)، ثم باعتباره حاميًا للمحبة، وعلاقته بالسياسة؛ نص مترجم للـد. إليزابيث بريك، والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


الزواج مؤسّسة مهمّة تنظّم الجنس والتناسل والحياة الأسرية، ولذلك فهي طريق إلى مسائل فلسفية تقليدية من أمثال الخير ونطاق الخيار الفردي، بالإضافة لما ينشأ عنها هي من مسائل فلسفية خاصّة. ولقد نظر فلاسفة السياسة إلى عملية تنظيم الجنس والتناسل باعتبارها من ضروريات المحافظة على سلامة الدولة، وتجادل فلاسفة الأخلاق على ما إذا كان للزواج منزلة أخلاقية خاصّة، وعلى علاقته بصالح البشر. وطال الجدل الفلسفي أيضًا ما يبطّن بنية الزواج من أسس أخلاقية وقانونية، وما تحمله من مضامين لمسائل من أمثال: ماهية الالتزامات الأخلاقية في الزواج، والاعتراف القانوني بالزواج المثلاني. ولقد نظر فلاسفة النسوية إلى الزواج باعتباره يلعب دورًا مصيريًا في اضطهاد المرأة ممّا يجعله موضوعًا مركزيًا في العدالة. وفي هذا المجال نجد الفلسفة تتودّد للجدل العمومي: ففي العام (1940) ألغي تعيين بيرتراند راسل في منصب أكاديمي بحجّة مفادها أنّ رؤاه المتحرّرة التي عبّر عنها في كتابه (الزواج والأخلاق) قد جعلته غير مؤهّل أخلاقيًا لمثل هذا المنصب. أمّا في أيّامنا فإنّ الجدل محتدم حول الزواج المثلاني. وعلى العكس من بعض القضايا المعاصرة التي تطلق شرارة اهتمام يجتذب قطّاعًا عريضًا من الناس، فإنّ الزواج يتميّز بتاريخ طويل من الأفكار الفلسفية المتعلّقة به.

والجدل الفلسفي المتعلّق بالزواج يمتدّ إلى ما هو الزواج أساسًا، ولذلك فإنّ القسم الأوّل من هذه المادّة الموسوعية يحلّل تعريف الزواج. ثمّ يعرض القسم الثاني مسيرة التطوّر التاريخي لفلسفة الزواج، فهذه المسيرة هي التي توجّه الجدالات الدائرة حاليًا. والكثير من المواقف الأخلاقية في الزواج يمكن فهمها على أنّها تنقسم حول مسألة ما إذا كان ينبغي تعريف الزواج تعاقديًا من قبل الزوجين، أو تعريفه على أساسه غايته المؤسّساتية، ثمّ تنقسم بعد ذلك حول مسألة ما إذا كانت هذه الغاية تتضمّن التناسل بالضرورة، أو أنّها محدودة بعلاقة المحبّة الزوجية؛ وفي القسم الثالث تجد تصنيفًا للرؤى الأخلاقية المتعلّقة بالزواج وفقًا لهذا النقاش. والقسم الرابع يتحرّى أوجه الفهم السياسي المتنافسة حول قانون الزواج وأساسه العقلاني. ولقد كان للنقاش حول الزواج دور مركزي في الفلسفة النسوية، وفي القسم الخامس سنسلّط الضوء على أبرز الانتقادات التي وجّهتها هي وغيرها لهذه المؤسّسة.

 

 

1. تعريف الزواج

2. فهم الزواج: التوجّه التاريخي

3. الزواج والأخلاق

      3. 1. الرؤى التعاقدية

      3. 2. الرؤى المؤسّساتية

            3. 2. 1. القانون الطبيعي الجديد: الزواج كاتّحاد حمائي

            3. 2. 2. الزواج باعتباره حاميًا للمحبّة

4. الزواج والسياسة

      4. 1. الزواج والعقد القانوني

      4. 2. الأساس العقلاني لقانون الزواج

      4. 3. الزواج المثلاني

      4. 4. الحجج المؤيّدة لإصلاح الزواج

5. الزواج والاضطهاد

      5. 1. المقاربات النسوية

      5. 2. النقد الشذوذي

  • بيبليوگرافيا

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مقالات ذات صلة


 

 

1. تعريف الزواج

يمكن لكلمة (الزواج) أن تشير إلى عقد قانوني وحالة مدنية، وشعيرة دينية، وممارسة اجتماعية؛ وهذه كلّها تختلف وفقًا لنطاق السلطة القضائية، والعقيدة الدينية، والثقافة. والتاريخ يرينا تفاوتًا واسعًا في الممارسات الزواجية: كتعدّد الزوجات الذي ما زال يمارَس على نطاق واسع، وما قبلته بعض المجتمعات من ممارسات جنسية خارج إطار الزواج، وما اعترفت به بعضها من الزواج المثلاني بعد جدل، وأنّ الإشراف الرسمي على الزواج، دينيًا أو مدنيًا، لم يكن من الأعراف السائدة دومًا (Boswell 1994; Mohr 2005, 62; Coontz 2006). ويمكن القول، بشكل أكثر قربًا من الأسس، بأنّه بينما يتضمّن النموذج المثالي الغربي للزواج علاقة حبّ أو صداقة أو رفقة، فإنّ وظيفة الزواج كانت على مدى التاريخ، وقبل كلّ شيء، أن يكون وحدة اقتصادية وسياسية تستخدم لخلق روابط القربى، والسيطرة على الميراث، وتشارك الموارد والعمل؛ بل إنّ بعض مجتمعات العصور القديمة والوسيطة كانت تثبّط عن المحبّة “المفرطة” في الزواج، ولا يمكن التأريخ لـ”ثورة الحبّ” في الزواج ضمن عموم الناس إلّا في القرن الثامن عشر (Coontz 2006, Part 3).

إنّ المسائل الأخلاقية والسياسية المتعلّقة بالزواج يُجاب عنها أحيانًا باللجوء إلى تعريف الزواج، لكنّ التفاوت التاريخي والثقافي في الممارسات الزواجية قد دفع بعض الفلاسفة إلى المحاججة بأنّ الزواج مفهوم «يشبه الأسرة»، وليس له أيّة غاية أو بنية جوهرية (Wasserstrom 1974). لكن إذا لم يكن للزواج مميّزات جوهرية فلا يمكن عندها اللجوء إلى تعريفه لتبرير ما يترتّب عليه من التزامات محدّدة قانونية أو أخلاقية؛ وعلى سبيل المثال: إذا لم تكن أحادية الزوجة ميزة جوهرية للزواج فلا يمكن عندها اللجوء إلى تعريف الزواج لتبرير الاشتراط بأن يكون الزواج القانوني أحادي الزوجة. ويمكن القول، إلى مدىً ما، بأنّه ما من خطأ في نقطة مفادها أنّ التعريفات الفعلية، القانونية أو الاجتماعية، لا يمكنها البتّ في مسألة تحديد الميّزات التي يجب أن يحملها الزواج؛ فـ(أوّلًا) إنّ التطبيقات التي جرت في الماضي لأيّ مصطلح يجب أن لا تعتبَر معيارًا ضروريًا وكافيًا لتطبيقها في عصرنا، فكلمة “الزواج” (كما هو حال كلمة “المواطن”) ربّما جرى توسيعها لتشمل حالات جديدة دون ما يستلزمه ذلك من تغيّر في المعنى (Mercier 2001). و(ثانيًا) إن اللجوء إلى التعريف ربّما لا يعلمنا بشيء، وعلى سبيل المثال: إنّ التعريفات القانونية دائرية في بعض الأحيان، إذ تعرّف الزواج بالاستناد إلى تعريف الأزواج وتعرّف الأزواج بالاستناد إلى تعريف الزواج (Mohr 2005, 57). و(ثالثًا) إنّ اللجوء إلى التعريف الراهن في سياق الجدل على قانون الزواج، أو التزاماته الأخلاقية، لا بدّ أنّه مخاطرة تثير مسائل من مثيل: إنّ اللجوء في جدل الزواج المثلاني إلى التعريف القانوني الراهن يستدعي السؤال المعياري حول ماهية القانون نفسه. لكنّ هذه النقطة لا تخدم المحاججة المستندة إلى الرؤية القائلة بالتشابه بين الزواج والأسرة، لأنّ تفاوت الأشكال الزواجية على صعيد الممارسة لا يستثني وجود شكل معياري نموذجي مثالي. ولهذا يقدّم الفلاسفة المدافعون عن التفسير الجوهري للزواج تعريفات معيارية تلجأ إلى مبادئ أساسية أخلاقية أو سياسية، فتعريف الزواج يجب أن يستند إلى بحث أخلاقي وسياسي، لا أن يكون سابقًا لهذا البحث.

 

2. فهم الزواج: التوجّه التاريخي

لقد أبرز فلاسفة العصور القديمة والوسيطة عددًا من المواضيع المتكرّرة في فلسفة الزواج تمهّد الطريق للجدل المعاصر، وهي: العلاقة بين الزواج والدولة، ودور الجنس والتناسل في الزواج، والطبيعة الجندرية لأدوار الزوجين؛ ولقد عكسوا في عملهم هذا أفكارًا متطوّرة، ومتداخلة، حول الزواج باعتباره وحدة اقتصادية أو تناسلية، وشعيرة دينية، وتزاملًا تعاقديًا، وعلاقة دعم متبادل.

وصف أفلاطون (427-347ق.م) في تصويره لدولته المثالية شكلًا للزواج يتعارض بشكل واسع مع الممارسات الزواجية الفعلية في عصره؛ إذ حاجج بأنّه مثلما أنّ الحرّاس، ذكورًا وإناثًا، يؤدّون الواجبات نفسها، فلا بدّ أن يعمل الرجال والنساء سويةً، ويجب أن تكون «الزوجات والأطفال مشاعًا» بين الحرّاس (The Republic, ca. 375–370 BCE, 423e–424a). ورأى بأنّ إنجاز عملية تحسين النسل يقتضي القيام بزيجات مؤقّتة في المهرجانات ينظّم فيها الحاكمون قرعة سرّية لاختيار الأزواج، وما ينتج عن هذه الزيجات من نسل يجب أن يؤخذ من الوالدين البيولوجيين وتجري تنشئته في دور للحضانة دون أن يكون للأطفال أسماء. ويبرّر أفلاطون هذه العملية الجذرية لإعادة هيكلة الزواج بأنّها تهدف لتوسيع التسامح الأسري من نطاق الأسرة النواتية إلى نطاق الدولة نفسها، فإلغاء الأسرة الخاصّة يهدف إلى تثبيط المصالح الخاصّة التي تتنافى مع الصالح العامّ وقوّة الدولة (ibid., 449a-466d؛ ونقرأ في كتاب القوانين لأفلاطون قوله بأنّ الزواج الخاصّ يبقى على حاله لكنّه يصمّم على نحو يخدم المنفعة العمومية Laws, ca. 355–47 BCE).

ولقد وجّه أرسطوطاليس (384-322 ق.م) نقدًا حادًا لمقترح أفلاطون واعتبره غير غير عملي، إذ رأى بأنّ أفلاطون أخطأ بافتراضه بأنّ محبّة المرء الطبيعية لأسرته يمكن نقلها لتشمل كلّ من يزاملونه بالمواطنية؛ فالدولة تنشأ من أجزاء تتركّب منها، بدءًا بالاتّحاد التناسلي الطبيعي بين الرجل والمرأة، ولهذا فإنّ ما يرومه أرسطو هو دولة أسَر وليست دولة أسرة، وإنّ اعتماد هذه الدولة على عمل كلّ أسرة بمفردها يجعل الزواج ذا مكانة جوهرية في النظرية السياسية (Politics, 1264b). إنّ فكرة أرسطو حول اعتماد استقرار المجتمع على الأسرة الزواجية ألقت بتأثيرها على هيگل ورولز وساندل وغيرهم. ويضاف إلى ما سبق اختلاف أرسطو مع أفلاطون حول الأدوار الجندرية في الزواج، وكان لرؤاه هذه تأثير على من خلفه من الفلاسفة أيضًا، إذ حاجج أرسطو بأنّ الزواج يتّخذ بنيته المناسبة بواسطة الجندر، فهو يعتمد على أحكام الزوج «الأنسب للقيادة»، ويعبّر الزوج والزوجة عن امتيازهما بشكل مختلف، إذ «تبدو شجاعة الرجل عبر القيادة، وتبدو شجاعة المرأة عبر الطاعة»، وهو تكامل يعزّز الصالح الزواجي (Politics, ca. 330 BCE, 1253b, 1259b, 1260a; Nicomachean Ethics, ca. 325 BCE, 1160–62).

وعلى العكس من الفلاسفة الأقدمين الذين لم تكن نقاشاتهم حول الجنس والمحبّة الجنسية محصورة في نطاق الزواج، جاء فلاسفة المسيحية ليقدّموا تركيزًا جديدًا على الزواج باعتباره السياق الحصري المباح لممارسة الجنس، فكان عملهم هذا انتقالًا من النظر إلى الزواج باعتباره وحدة سياسية واقتصادية في الأساس. ولهذا نجد القديس أوغسطين (354-430) يتّبع خطى القديس بولس فيستهجن الجنس خارج إطار الزواج، والشهوة داخله: «الأفضل هو الامتناع عن كلّ اتّصال جنسي، وهو أفضل حتّى من الجماع الزواجي الذي يؤدّى بهدف التناسل»، فحالة العزوبية هي أفضل الحالات (The Excellence of Marriage, ca. 401, §6, 13/15)؛ لكنّه يبرّر الزواج بما له من فوائد: «الأطفال، والإخلاص [بين الزوجين]، والمحافظة على الشعائر الدينية»؛ وعلى الرغم من أنّ التناسل هو غاية الزواج، فإنّ الزواج لا يحسّن صورة الشهوة من الناحية الأخلاقية، بل إنّ سبب الفعل الجنسي الزواجي الفردي هو إباحته، فالجنس من أجل التناسل ليس عملًا يأثم من يقوم به، أمّا الجنس الزواجي الذي لا غاية له سوى إشباع الشهوة فهو إثم يمكن الصفح عنه. وكما أنّ الجنس الزواجي مفضّل على «الزنا» (الجنس خارج إطار الزواج)، فإنّ الزوجين يجب عليهما تسديد «قرض الزواج» (الجنس) لحمايتهما من الإغراء، ممّا يؤدّي إلى استدامة الإخلاص المتبادل (Marriage and Desire, Book I, ca. 418–19, §7, 8, 17/19, 14/16).

ولقد جاء القديس توما الأكويني (حوالي 1225-1274) بأحكام موافقة لما سبق حول الأخلاقيات الجنسية وأرساها على القانون الطبيعي، ففسّر الزواج على أساس المنافع البشرية الرئيسية، بما فيها: التناسل والإخلاص بين الزوجين (Finnis 1997)؛ ورأى بأن الزواج الأحادي، باعتباره التدبير المناسب لعملية تنشئة الأطفال «ينتمي للقانون الطبيعي»، فهو يؤمّن التوجيه الأبوي الذي يحتاجه الطفل، ممّا يجعل الزنا من كبائر الآثام لأنّه «يميل إلى الإضرار بحياة الذرّية» (يرفض توما الأكويني الزواج المتعدّد على أساس مشابه بينما يحاجج، كما فعل أوغسطين قبله، بأنّه كان مباحًا في وقت مضى من أجل تزويد الأرض بالسكّان). والجنس الزواجي يوظّف الجسد لغايته المتمثّلة بالمحافظة على النوع البشري، واللذّة الناتجة قد تكون جزءًا من هذه العملية حكمت به الذات الإلهية. والجنس يتسبّب بالاضطراب الأخلاقي حتّى ضمن إطار الزواج، وذلك لأنّه يتضمّن «نقصانًا في العقل»، لكنّ هذا النقصان تعوّضه منافع الزواج (Summa Theologiae, unfinished at Aquinas’ death, II-II, 153, 2; 154, 2). ومن بين هذه المنافع يشدّد توما الأكويني على الإخلاص المتبادل بين الزوجين، بما فيه من دفع لـ«قرض الزواج» و«شراكة في حياة مشتركة»، وهي خطوة باتّجاه أفكار الزواج الرفاقي (Summa Theologiae, Supp. 49, 1).

ولا شكّ بأنّنا نجد إشارات للسخط على النموذج الاقتصادي للزواج قبل قرن من الأكويني في رسائل إيلويز (حوالي 1100-1163) إلى أبيلار (1079-1142)، إذ هاجمت إيلويز الزواج بصيغة فهمه كتعامل اقتصادي، وحاججت بأنّ المرأة التي تتزوّج بهدف المال أو المنزلة تستحقّ «الأجر، لا الامتنان» ومن شأنها أن «تبيع شرفها لرجل أغنى، إن أمكنها ذلك». وبدلًا من العلاقة الاقتصادية أشادت إيلويز بالمحبّة، بصيغة فهمها كنموذج كيكروني للصداقة، أي: «إن كلمة (زوجة) ربّما تبدو أكثر قدسية أو أكثر ارتباطًا، لكنّ ما هو أحلى منها على أذني سيكون دائمًا كلمة (صديقة)، أو إذا سمحت لي: كلمة (خليلة) أو (عاهرة)» (Abelard and Héloïse, Letters, ca. 1133–1138, 51–2). وتستمرّ العلاقة بين المحبّة والزواج في شغلها لبال الفلاسفة التالين، فهل المحبّة تهدّدها الالتزامات الزواجية والدوافع الاقتصادية، كما اقترحت إيلويز؟ (Cave 2003, Card 1996). ونجد سورين كيركيگارد (1813-1855) يسأل، على نحو مثير، في (يوميات المغري): هل إنّ التزامات الزواج لا تتوافق مع المحبّة الرومانسية والشهوية؟ أم إنّ الالتزام الزواجي، يؤدّي عوضًا عن ذلك، وبشكل فريد، إلى تمكين المحبّة الزوجية كما اقترح الأكويني؟ (Finnis 1997; cf. Kierkegaard’s Judge William’s defense of marriage [Either/Or, 1843, vol. 2]).

إنّ الأسئلة المرتبطة بالعلاقة بين المحبّة والزواج تنشأ من الفهم المتغيّر لدور الزواج؛ ففي أوائل العصر الحديث ظهرت نقاط ضعف جديدة مع نشوب النزاع بين الأشكال الجديدة لفهم المجتمع البشري وبين البنية التقليدية للزواج؛ ففي أيّام أرسطو وأوغسطين والأكويني لم تكن هنالك مشكلة تعتري إقامة بنية الزواج على أساس الفروق الجنسية وتفسير خصائصه المميّزة على أساس الطبيعة أو الشعائر، لكنّ العصر الحديث شهد في أوّله ظهور عقائد الحقوق المتساوية والتعاقد، وظهر معها مثل أعلى للعلاقات بين البالغين يقوم على خيارات حرّة بين أشخاص متساوين. وعلى ضوء هذه التطوّرات برزت مشكلات فلسفية بسبب ما يعتري محتوى العلاقة الزواجية من انعدام في المساواة وفي الخيار؛ ولقد أقرّ توماس هوبز (1588-1679) بأنّ محاججته حول المساواة الصارمة بين البشر تنطبق على النساء: «يعزو البعض حقّ الوصاية [على الأطفال] للرجل فقط باعتباره أفضل الجنسين، إلّا إنّهم أخطؤوا في حساباتهم؛ لأنّ اختلاف القوّة بين الجنسين، أو الاحتشام بينهما، ليس حقًّا يمكن البتّ به في جميع الحالات دون صراع»؛ ومع ذلك، يعترف هوبز بأنّ الرجل هو المهيمن في الزواج، ويشرح ذلك، بشكل غير كافٍ، على النحو التالي: «معظم الدول أقامها آباء الأسر، لا أمّهاتها» (Leviathan, 1651, Ch. 20; Okin 1979, 198–199, Pateman 1988, 44–50).

وعلى النحو ذاته، فإنّ الدفاع عن التراتبية الزواجية كان بمثابة مشكلة لجون لوك (1632-1704)، إذ ربط لوك رفضه للأبوية السياسية برفض الأبوية الأسرية، محاججًا بأنّ الزواج، كما الدولة، يستند إلى الموافقة، لا إلى التراتبية الطبيعية؛ فالزواج «عقد طوعي». لكنّ لوك يفشل في متابعة مناقشته العقلانية على نحو منسجم، فيرى بأنّ الزواج يبقى أمرًا تراتبيًا، وفي حالات النزاع «يقع الحكم في يد الرجل طبيعيًا باعتباره الأقدر والأقوى»، لكنّ آراءه الأخرى تفيدنا بأنّ التنازل عن سلطة صنع القرار للفريق الآخر على أساس تراتبية طبيعية مفترضة يخلق توتّرًا داخليًا (he Second Treatise of Government, 1690, §77, 81, 82; Okin 1979, 199–200). ولقد دفع هذا التنافر في الرأي ماري آستيل (1666-1731) إلى الردّ بالقول: «إذا كان (الناس جميعًا يولدون أحرارًا) فكيف أصبحت كلّ النساء يولدن إماءً؟ كما هو حالهنّ فعلًا إذا كنّا نعتقد بأنّ التعرّض لـ(الإرادة الاعتباطية المجهولة المتغيّرة المتقلّبة) للإنسان هي (الحالة المثالية للعبودية)» (“Reflections upon Marriage,” 1700, 18). وهنالك توتّر آخر أثاره جان جاك روسو (1712-1778) الذي وصفت لنا رسالته حول التعليم (إميل) المنزلة غير المتساوية لصوفي، زوجة إميل، فالتعليم الذي يناسبها، وهو القالب المعتمد لكلّ النساء، لا يؤهّلها سوى لإسعاد زوجها وخدمته وتنشئة الأطفال؛ ولقد هاجمت ماري وولستونكرافت (1759-1798) آراء روسو حول طبيعة المرأة وتعليمها ومنزلتها اللامتساوية في الزواج، وذلك في كتابها (دفاع عن حقوق المرأة) (راجع أيضًا: Okin 1979, Chapter 6).

إن الفهم التعاقدي للزواج يستحثّ السؤال عن السبب الذي يجعل الالتزامات الزواجية التزامات ثابتة وليست خاضعة لتوافق الزوجين. ولقد جاء إيمانويل كانت (1724-1804) بطرح حول الزواج يمزج بين الفهم التعاقدي وبين الانشغال الأوغسطيني بالأخلاق الجنسية في محاججته بأنّ المحتوى المميّز لعقد الزواج مطلوب للسماح بممارسة الجنس؛ إذ يرى كانت بأنّ الجنس يتضمّن تشييئًا تعتريه إشكالية أخلاقية، أو معاملة للذات أو الآخر كمجرّد وسيلة. فالحقّ الزواجي، وهو «حقّ بشخص يشبه الحقّ بالأشياء»، يمنح الزوجين «حيازة تمتدّ طوال العمر للخصائص الجنسية لأحدهما عند الآخر»، وهو تعامل يفترض به أن يجعل الجنس متوافقًا مع احترام الإنسانية: «بينما يكون أحدهما مملوكًا للآخر (كما لو كان شيئًا من الأشياء)، فإنّ المملوك يمتلك المالك بدوره، فبهذه الطريقة يستردّ ذاته وشخصيته». لكن بينما يرى كانت بأنّ هذه الحقوق تجعل الجنس متوافقًا مع العدالة، فإنّه يرى بأنّ الجنس الزواجي ليس فاضلًا بوضوح إلّا إذا كان التناسل ممكنًا (Metaphysics of Morals, 1797–98, Ak 6:277–79, 6:424–427). ولقد كان تفسير كانت للتشييء الجنسي تأثير على نطاق واسع، من أنصار النسوية إلى أنصار القانون الطبيعي الجديد، وممّا يثير المفاجأة أكثر أنّ تفسير كانت للزواج، بالنظر لرؤاه حول اللامساواة الجندرية وخطأ العمل الجنسي المثلاني، لا يزال يخضع لعملية إعادة هيكلة متعاطفة معه على يد أنصار النسوية والزواج المثلاني انجذابًا منهم إلى تركيز كانت على المساواة والتعامل بالمثل وإعادة التأهيل الأخلاقي للجنس ضمن الزواج (Herman 1993, Altman 2010, Papadaki 2010). ومن المثير للاهتمام أن نجد كانت وهو يقترح بأنّ العلاقات التي تعاني من إشكاليات أخلاقية يمكن إعادة هيكلتها بواسطة الحقوق القانونية المتساوية، لكنّ الطريقة التي تتمّ بها إعادة الهيكلة يشوبها الغموض (Herman 1993, Brake 2005).

بعد ذلك جاء هيگل (1770-1831) بتفسير للزواج يتميّز بتأليفه بين المواضيع المتكرّرة السابقة؛ إذ عاد إلى فهم أرسطو للزواج (النواتي) كأساس للدولة السليمة، ثمّ استفاض في شرح ما يساهم به الزواج في مجال المحبّة الزوجية. وانتقد هيگل اختزال كانت لمفهوم الزواج بالعقد باعتباره «مشينًا» لأنّ الزوجين «يبدآن من الرؤية التعاقدية (أي: النظر إلى الشخصية الفردية كوحدة مستقلة بذاتها) من أجل الاستعاضة عنها بما هو أفضل»، فهما «يوافقان على (تشكيل شخص واحد) والتخلّي عن شخصيتيهما الطبيعيتين والفرديتين ضمن هذا الاتّحاد». ويرى هيگل بأنّ روح الزواج هو المحبّة الأخلاقية، أي: «الوعي بهذا الاتحاد باعتباره غاية جوهرية، وبالتالي: يتكون من المحبّة والثقة وتشارك الوجود الفردي بأكمله»، فالمحبّة الأخلاقية ليست من الأمور العارضة، كما هو حال المحبّة الجنسية، فـ«الزواج يجب أن لا يعكّره الغرام، لأنّ الغرام تابع خاضع للزواج» (Elements of the Philosophy of Right, 1821, §162–63, 163A).

والتزم هيگل بنهج أسلافه في وجوب تبرير الصفات المميزة للزواج، لا سيّما: تبرير ضرورة الزواج الرسمي عندما تكون علاقة المحبّة الأخلاقية هي العامل المهمّ أخلاقيًا. ولقد حاجج فريدريك ڤون شليگل، أحد معاصري هيگل، بإمكانية وجود المحبّة خارج إطار الزواج، وهي نقطة شجبها هيگل باعتبارها حجّة لمن يرغب بإغواء الآخرين! إذ يرى هيگل بأنّ المحبّة الأخلاقية تعتمد على أدوار يتولاها الزوجان على الصعيد العمومي تقوم بتعريف الأفراد كأعضاء في اتّحاد أكبر، وهذه العضوية غير الأنانية تشكّل صلة بين الزواج والدولة، فالزواج يؤدّي دورًا مهمًّا في منظومة الحقوق عند هيگل، والتي تبلغ ذروتها بالحياة الأخلاقية والأعراف والمؤسّسات الاجتماعية، أي: الأسرة والمجتمع المدني والدولة؛ ويتمثّل دور الزواج بتهيئة الرجال للدخول في علاقة مع مواطنين آخرين باعتبارهم أسهمًا في مشروع مشترك. وعندما يعتبر هيگل العلاقات الأسرية من شروط المواطنية الجيدة، فإنّه يتبع بذلك أرسطو، ويؤثّر على رولز وساندل؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هيگل يعتبر الزواج نظامًا مصغّرًا يحاكي نظام الدولة.

لقد حاول كانت وهيگل أن يبيّنا بأنّ الصفات المميزة للزواج يمكن تفسيرها وتبريرها على ضوء مبادئ معيارية إرشادية؛ وفي مقابلهما وقف أوائل منظّري النسوية ليحاججوا بأنّ الهرمية الزواجية ليست سوى إحدى البقايا الظالمة للحقبة التي سبقت العصر الحديث. وحاجج جون ستيوارت ميل (1806-1873) بأنّ إخضاع المرأة ضمن إطار الزواج نشأ بالقوّة الجسدية، وأنّه استمرار معدّل لـ«قانون الأقوى»؛ وقارن ميل بين الزواج والعبودية، كما فعلت من قبله وولستونكرافت في كتابها (دفاع عن حقوق المرأة؛ [1792])، فرأى بأنّ الوضع القانوني للزوجة لا يقدّم لها أيّة حقوق قانونية، ولا يعالج إلّا القليل ممّا تتعرّض له من سوء المعاملة، والأسوأ من كلّ ذلك أنّه يجبرها على العيش بحميمية مع «سيّدها»؛ وحاجج ميل بأنّ هذا المثال عن (اللامساواة القائمة على القوّة) قد أفرط في الاستمرار بسبب ما للرجال أجمعهم من مصلحة في المحافظة عليه. ولقد تحدّى ميل الرؤية التعاقدية التي ترى بأنّ الدخول بالزواج أمر طوعي تمامًا للمرأة، فأشار إلى أنّ خيارات المرأة كانت محدودة جدًّا إلى حدّ «خيار هوبسون وحسب، أي: هذا أو لا شيء غيره» (The Subjection of Women, 1869, 29). وتحدّى ميل أيضًا الرؤية القائلة بأنّ طبيعة المرأة تبرّر اللامساواة الزواجية: فعلى ضوء التكييف الاجتماعي المختلف للفتيات والفتيان، لم يكن هنالك أيّ سبيل لاستيضاح حقيقة طبيعة المرأة. وسار ميل على نهج سابقته وولستونكرافت في وصف العلاقة الزواجية المثالية باعتبارها علاقة صداقة متساوية (Abbey and Den Uyl, 2001)؛ ووفقًا لهذا النموذج يصبح الزواج «مدارس عدالة» للأطفال، يتعلّمون فيها كيف يعاملون الآخرين كمساوين لهم. لكنّ اللامساواة الزواجية كانت مدرسة ظلم يتعلّم منها الفتيان امتيازات لا يستحقّونها وتحوّلهم إلى مواطنين فاسدين في المستقبل. ولقد استأنف منظّرون نسويون معاصرون منهج المقارنة بين الزواج والعبودية (Cronan 1973)، وكذلك منهج المحاججة بأنّ الظلم الزواجي يخلق مواطنين ظالمين (Okin 1994).

ونظر الماركسيون أيضًا إلى الزواج باعتباره ينشأ من ممارسات قديمة للقوّة وبأنّه ما زال يساهم في استغلال المرأة. وحاجج فريدريك إنگلز (1820-1895) بأنّ الزواج الأحادي انطلق من «هزيمة تاريخية عالمية للأنثى» (Engels 1884, 120)، وأنّ الزواج الأحادي «لم يكن بأيّ شكل من الأشكال ثمرة للمحبّة الجنسية الأحادية، إذ ليس له أيّة علاقة بها […] [لكنّه تأسّس على] الظروف الاقتصادية: على انتصار الملكية الخاصّة على الملكية الجماعية الطبيعية البدائية» (المصدر السابق، 128)، فالزواج الأحادي أتاح للرجل أن يسيطر على المرأة والتناسل، ممّا سهّل عملية نقل الثروة الخاصّة عبر الأجيال من خلال إنتاج ورثة لا جدال عليهم. وحاجج كارل ماركس (1818-1883) بأنّ إلغاء الأسرة الخاصّة يحرّر المرأة من امتلاك الرجل لها، وينهي مكانتها «كمجرّد أداة للإنتاج» (The Communist Manifesto, Marx 1848, 173). ولقد كان للربط الماركسي بين الأبوية والرأسمالية تأثير خاص على الفكر النسوي، لا سيّما الفهم الماركسي للزواج كعلاقة للملكية تدعّم النظام الرأسمالي أيديولوجيًا (Pateman 1988, cf. McMurtry 1972).

 

3. الزواج والأخلاق

إنّ الفكرة القائلة بأنّ الزواج ذو مكانة أخلاقية خاصّة وأنّه يستدعي التزامات أخلاقية ثابتة هي فكرة واسعة الانتشار لكنّها مثيرة للجدل فلسفيًا. فالزواج عقد قانوني، وإن كان عقدًا ينحرف عن المعتاد في العقود القانونية (راجع الفقرة 4. 1.)؛ وإذا سلّمنا بكونه عقدًا فسيبرز أمامنا سؤال حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه إخضاع التزاماته للخيار الفردي، فالرؤية التعاقدية للزواج تحتوي ضمنًا إمكانية اختيار الأزواج للالتزامات الزواجية بما يناسب مصالحهم، لكنّ البعض يرى بأنّ قيمة الزواج تكمن حصرًا في المحدّدات التي يضعها للخيار الفردي في سبيل خدمة صالح أعظم، ومن هنا جاء تعليق هيگل بأنّ الزواج المخطّط هو الشكل الأكثر أخلاقية للزواج لأنّه يخضع الخيار الفردي للمؤسّسة. والرؤية المؤسّساتية ترى بأنّ غاية مؤسّسة الزواج تحدّد التزاماتها، متقدّمة على رغبات الأزواج، وذلك مهما كان الشكل الذي تأخذه من الشكلين الأبرز لهذه المؤسّسة: خدمة الاتّحاد التناسلي، أو حماية المحبّة الزوجية. ولقد كان لهاتين النظريتين آثار على المكانة الأخلاقية للطلاق وللجنس خارج إطار الزواج، بالإضافة لآثارهما على مغزى الزواج وغايته.

 

3. 1. الرؤى التعاقدية

إن الشروط والالتزامات الأخلاقية للزواج، بحسب الرؤية التعاقدية، ينظر إليها باعتبارها مجموعة من التعهّدات المتبادلة بين الزوجين، وتستمدّ محتواها من الممارسات الاجتماعية والقانونية المحيطة، لكنّ طبيعتها التعهّدية تحتوي ضمنًا أنّ الفريقين المنخرطين بالتعهّد يمكنهما التفاوض على الشروط في ما بعد وأن يعفي أحدهما الآخر من الالتزامات الزواجية.

ويُعتقَد بأنّ من الأسس المنطقية للتعامل مع الالتزامات الزواجية كتعهّدات: تفسير الالتزام باعتباره أمرًا طوعيًا؛ فوفقًا لهذه الرؤية تكون كلّ الالتزامات الخاصّة (خلافًا للواجبات العامّة) نتيجة لإقدامات طوعية، وبذلك تكون التعهّدات هي نموذج الالتزامات الخاصّة (راجع مادّة: الالتزامات الخاصّة). وعلى هذا الأساس، فمهما كانت الالتزامات الخاصّة التي يدين بها الأزواج بعضهم لبعض فلا بدّ لها أن تنشأ من اتّفاق طوعي، والفهم الأفضل لهذا الاتفاق يقدّمه على شكل (تعهّد)؛ وسنعود إلى هذا الأساس المنطقي في موضع لاحق. وثمّة أساس منطقي آخر مفاده الافتراض بأنّ الممارسات الزواجية الراهنة اعتباطية أخلاقيًا، أي بمعنى أنّه ليس هنالك أيّ سبب أخلاقي خاصّ لبنيتها. ويضاف إلى ذلك أنّ هنالك أشكالًا اجتماعية متنوّعة لفهم الزواج، وإذا كان الاختيار بينها اعتباطيًا من الناحية الأخلاقية فليس هنالك سبب أخلاقي يدفع الأزواج لتبنّي مجموعة محدّدة دون غيرها للالتزامات الزواجية، فيترك الأمر للأزواج في اختيار شروطهم. وعلى هذا الأساس، فإن التفسير التعاقدي للزواج يعتمد على الافتراض بأنّه ليس هنالك أيّ سبب أخلاقي حاسم لتفضيل بنية زواجية بعينها دون غيرها.

ووفقًا للتفسير التعاقدي لا يمكن للعقد أن يعتبر زواجًا بعملية بسيطة، فالمحتوى الافتراضي للتعهدّات الزواجية تقدّمه الممارسات الاجتماعية والقانونية (من بينها: الحصرية الجنسية، واستمرار الزواج، وغيرهما)، لكنّه يستلزم إمكانية إعفاء الزوجين أحدهما للآخر من الالتزامات الأخلاقية؛ وعلى سبيل المثال: إنّ الجنس خارج إطار الزواج يفسّر في كثير من الحالات على أنّه أمر خاطئ أخلاقيًا باعتباره خرقًا للتعهّد، لأنّ الأزواج عندما يقطعون تعهّدًا بحصرية الجنس فإنّ الجنس خارج إطار الزواج يخرق هذا التعهّد، وبالتالي فهو أمر خاطئ دون الحاجة إلى أيّ جدل إضافي. أمّا إذا كانت الالتزامات الزواجية مجرّد تعهّدات بين زوجين، فعندها يمكن للفريقين أن يعفي أحدهما الآخر منها، ممّا يجعل الجنس التوافقي خارج إطار الزواج من المباحات (Wasserstrom 1974). وفي بعض الحالات ينظر إلى الزواج باعتباره ينطوي على تعهّد باستمراره، وهذا الأمر يبدو أنّه يجعل الطلاق من جانب واحد ينطوي على إشكالية من الناحية الأخلاقية، فمن يقطع تعهّدًا لا يمكنه أن يعفي نفسه من الالتزامات المترتّبة على تعهّده (Morse 2006). لكنّ الشروط المعيارية لتجاوز الالتزامات التعهّدية، كالتضارب بين الواجبات الأخلاقية الأكثر صرامة أو العجز أو التخلّف عن تنفيذ تعهّد متبادل من شأنه أن يسمح على الأقل ببعض حالات الطلاق الأحادي (Houlgate 2005, Chapter 12). ولقد اقترح بعض منظّري الزواج بأنّ التعهّدات الزواجية مشروطة بدوام المحبّة أو الإشباع الجنسي (Marquis 2005, Moller 2003)، لكنّ هذا الافتراض لا ينسجم مع الافتراض الطبيعي بأنّ الشروط التعهّدية يجب التعبير عنها بصراحة.

وإنّ الإعفاء من التعهّد الزواجي ليس الشرط الوحيد للسماح بالطلاق في الرؤية التعاقدية؛ فالزوجان قد لا يكونان ملزمين التزامًا متبادلًا بالإبقاء على الزواج وفقًا لهذه الرؤية، لكنّهما قد يكونان ملزمين بواجبات والدية تفرض عليهما الاستمرار بالزواج: فإذا كان الطلاق يوقع ضررًا محتومًا على الأطفال فهو أمر خاطئ دون الحاجة إلى أيّ جدل إضافي (Houlgate 2005, Chapter 12, Russell 1929, Chapter 16). ومع ذلك نجد في بعض الحالات أنّ الطلاق ينفع الطفل، كما هو الحال عندما يؤدّي إلى إنقاذه من سوء المعاملة؛ وهنالك كمّ هائل من الكتابات التجريبية التي تجادل في الآثار المحتملة للطلاق على الأطفال (Galston 1991, 283–288, Young 1995). وممّا يثير الانتباه، على الصعيد الفلسفي، أنّ هذا السبب الأخلاقي ضدّ الطلاق لا يفهم على أنّه واجب زوجي، بل والدي.

وثمّة اعتقاد شائع بأنّ للزواج نواة غرامية، ممّا يوحي بأنّ أحد تعهّدات الزواج الأخرى هو التعهّد بالمحبّة، وتعبّر عنها الصيغة التي تُتلى في مراسم الزواج: «أن يحبّ ويرعى»؛ لكنّ هذا التعهّد المزعوم وأمثاله يصطدم بالانتقادات؛ فإذا لم يكن المرء قادرًا على التحكّم بقدرته على محبّة الآخرين، فإنّ مقولة (الإمكانية تستلزم الوجوب) تستلزم عجز المرء عن قطعه تعهّدًا بالمحبّة. ومن الردود على هذا الانتقاد ما يمكن جمعها في الاقتراح بأنّ الزواج يتضمّن تعهّدًا لا بالشعور على نحو معيّن، بل بالتصرّف على نحو معيّن، أي: بالتصرّف على نحو يرجّح استدامة العلاقة. لكنّ أمثال هذا النوع من إعادة تفسير التعهّد الزواجي تواجه مشكلة، وهي أنّ التعهّد يعتمد على ما ينتويه المتعهّد، ومن المفترض أنّ معظم الأزواج لا ينتوون قطع تعهّد بسلوك ما وحسب (Martin 1993, Landau 2004, Wilson 1989, Mendus 1984, Brake 2012, Chapter 1; راجع أيضًا: Kronqvist 2011). ومع ذلك، فإنّ تطوّرات التقنيات المحسّنة لأداء الجهاز العصبي تعدنا بالسيطرة على المحبّة من خلال “دواء للمحبّة” من شأنه أن يقدّم الهرمونات التي تربط بين الزوجين، كالأوكسيتوسين. وبينما يؤدّي استخدام محسّنات أداء الجهاز العصبي لالتزام المرء بتعهّداته إلى إثارة أسئلة حول أصالة المحبّة وطبيعتها (وكذلك الهواجس المتعلّقة باستخدامها في العلاقات التي تتضمّن سوء معاملة)، فمن الصعب أن نتبيّن كيف يمكن لأمثال هذه التقنيات أن تختلف أخلاقيًا عن الأدوات الأخرى التي تستخدم لاستدامة المحبّة، كدعوات العشاء الرومانسية، باستثناء أرجحية تأثيرها على غيرها (Savulescu and Sandberg 2008).

ومن الاعتراضات على التفسير التعاقدي أنّه، ودون أن نلجأ لغاية المؤسّسة، ليس هنالك سبب يبرّر عدم اعتبار أيّ مجموعة من التعهّدات زواجًا (Finnis 2008)، وهذا الاعتراض يرى أيضًا بأنّ التفسير التعاقدي لا يمكنه أن يشرح مغزى الزواج، وهنالك من أنصار الرؤية التعاقدية من يقبل هذا التلميح. ووفقًا لـ”حجّة الأعزب” يعتبر الزواج أمرًا غير عقلاني، إذ يحتوي على احتمالات مرتفعة جدًا لحدوث نتيجة غير مفضّلة إلى حدّ بعيد (زواج خالٍ من المحبّة) (Moller 2003). ولقد ردّ المدافعون عن عقلانية الزواج بأنّ الالتزامات الزواجية تتّصف بالعقلانية لأنّها تساعد الكيانات الفاعلة على تأمين مصالحها على المدى البعيد في وجه الشهوات العابرة (Landau 2004). وإذا نظرنا للأمر من المنظور المؤسّساتي فإنّ تقييم عقلانية الزواج على هذا الأساس، أي: في ما يتعلّق بتحقيق التفضيلات الذاتية، يتضارب مع التقليد الدارج بالنظر إلى الزواج على أنّه ذو قدرة فريدة على تمكين الناس من منافع بشرية موضوعية أكيدة؛ لكنّ هذه النظرة تحتاج إلى دفاع متين.

وثمّة اعتراض آخر على الرؤية التعاقدية يتعلّق بالطوعوية (voluntarism)؛ فمنتقدو المقاربة الطوعوية للزواج ينكرون استنزاف أخلاقية الزواج بسبب الالتزامات الطوعية (Sommers 1989). والمفاهيم الطوعوية للزواج تتضارب مع المؤسّسات التي تتوافق مع الحسّ المشترك، أي: أنّ هنالك التزامات خاصّة غير مختارة بين أعضاء الأسرة، كواجبات الابن تجاه أبويه. لكن، وحتى إذا كانت الطوعوية خاطئة، فإنّ هذا لا يكفي لتأسيس واجبات زوجية خاصّة. ومن الجهة الأخرى، إنّ الطوعوية لوحدها لا تستلزم الرؤية التعاقدية، وذلك لأنها لا تستلزم إمكانية تفاوض الزوجين على التزامات الزواج، ولا تستلزم إمكانية الإعفاء من الالتزامات، وكل ما تستلزمه هو وجوب اتّفاق الزوجين عليها. وبعبارة أخرى يمكن القول بأنّ الطوعوية لا تحتاج إلى توسيع خيار الالتزامات الزوجية، وبذلك فهي لا تحتاج إلى استلزام التفسير التعاقدي؛ فالتفسير التعاقدي يستند إلى إنكار وجود أيّ سبب أخلاقي حاسم يرافق الالتزامات الأكيدة الثابتة، وفي ما يلي سننتقل إلى حالة يتوفّر فيها مثل هذا السبب.

 

3. 2. الرؤى المؤسّساتية

إنّ البدائل النظرية الرئيسية للرؤية التعاقدية ترى بأنّ الالتزامات الزواجية تحدّد عبر غاية المؤسّسة، وبأنّ الزوجين لا يمكنهما تغيير هذه الالتزامات المؤسّساتية (بشكل يشبه كثيرًا الالتزامات المهنية والأخلاقية للطبيب؛ فإذا أراد أحد الناس أن يصير طبيبًا يتوجّب عليه القبول طوعًا بدور الطبيب والتزاماته، دون أن يكون قادرًا على التفاوض حول محتوى هذه الالتزامات). والتحدّي الذي يواجه الرؤى المؤسّساتية هو الدفاع عن هذه الرؤية حول الزواج وشرح السبب في أنّ الزوجين قد لا يتّفقان سويّة على تغيير الالتزامات المرافقة للزواج. ولقد واجه كانت هذه المسألة، وحاجج بأنّ الحقوق الزواجية الخاصّة ضرورية أخلاقيًا للسماح بممارسة الجنس؛ ولقد كان لتفسيره حول التشييء الجنسي أثر على خصم معاصر مرموق للرؤية التعاقدية، وهو الرؤية المستندة إلى القانون الطبيعي الجديد، والتي ترى بأنّ التناسل أمر جوهري في الزواج؛ وثمّة مقاربة أخرى واسعة الانتشار تحصر تركيزها على المحبّة باعتبارها الغاية التي تعرّف الزواج.

 

3. 2. 1. القانون الطبيعي الجديد: الزواج كاتّحاد حمائي

يركّز التفسير المستند إلى القانون الطبيعي الجديد، كما هو الحال في تفسير كانت، على الممارسة المباحة للخصائص الجنسية؛ فهي تشدّد، مقتفية أثر توما الأكويني، على منافع الزواج، والتي يحدّدها أنصار القانون الطبيعي الجديد، ولا سيّما جون فينيس (راجع: George 2000, Grisez 1993, Lee 2008)، بأنّها: التناسل والعِشرة، والعشرة تعني هنا تقريبًا الصداقة الزواجية (راجع مادّة: التقاليد الأخلاقية للقانون الطبيعية). وبحسب هذه الرؤية فإنّ الزواج مؤسّسة ذات قدرة فريدة على الحمل بالأطفال وتنشئتهم من خلال تأمين شراكة كلا الوالدين في الاتّحاد المستمرّ القائم بينهما. وتعتقد هذه الرؤية بأنّ هنالك منفعة زواجية مميزة تتعلّق بالقدرات الجنسية، وتتكوّن هذه المنفعة من التناسل والعِشرة، ولا يمكن تحقيق هذه المنفعة إلّا من خلال الزواج، ففي إطار الزواج يصبح من الممكن ممارسة الجنس لتحصيل تلك المنفعة الزواجية؛ وليس من الواجب أن ينتهي الجنس بالحمل كي يكون مباحًا، إذ يكفي فيه: أن لا يحتوي على ما يعيق الحمل، وأن يعبّر عن العِشرة. وهذه الرؤية لا تستلزم تخطئة الاستمتاع بالجنس، لأنّ هذا الاستمتاع يمكنه أن يكون جزءًا من المحبّة الزوجية.

أمّا الجنس خارج إطار الزواج (وفقًا لما سلف من تعريف الزواج) فلا يمكن اعتباره موجّهًا باتّجاه تحقيق المنفعة الزواجية؛ بل إنّ الممارسات الجنسية التي لا تنحو بهذا الاتّجاه (بما فيها: الجنس المثلاني، والاستمناء، والجنس مع استخدام مانعات الحمل، والجنس دون التزام زواجي) فلا قيمة لها حتّى وإن كانت في إطار الزواج؛ فهي لا تقدّم أيّ مثال حقيقي للمنافع الرئيسية. وعلاوة على ذلك، إنّ أمثال هذه الممارسات لا يسمح بها لأنّها تنتهك المنفعة الرئيسية للزواج. إذ يُعتقَد بأنّ الزواج يقدّم أمثلة للمنافع المنتظرة منه، أمّا ممارسة الجنس خارج إطار الزواج فيُعتقَد بأنّها تتعامل مع القدرات الجنسية كأدوات، فلا تستخدم إلّا للمتعة (في هذه النقطة نجد تأثير كانت على الرؤية التي نناقشها). وإنّ الجنس خارج إطار الزواج ينتهك منافع الزواج عبر التعامل مع القدرات الجنسية بطريقة تعاكس هذه المنافع؛ بل إنّ مجرّد غضّ المرء لنظره عن ما يحصل من جنس خارج إطار الزواج يضرّ بعلاقته بالمنافع الزواجية، لأنّ حتّى الاستعداد النظري للتعامل مع الجنس كأداة يجعل الالتزام الزواجي الملائم أمرًا مستبعدًا (Finnis 1997, 120).

ويشدّد فينيس على أنّ إحدى مميّزات تفسير القانون الطبيعي الجديد للزواج هي أنّ بنية الزواج يمكن تفسيرها بشكل كامل عبر غايتها. والزواج يحصل بين رجل واحد وامرأة واحدة لأنّ هذه الوحدة قادرة على التناسل دون معونة من فريق ثالث؛ وإنّ استمرار الزواج شرط يراد منه منح الأطفال أسرة تدوم مدى الحياة. ويتّهم فينيس، كما أشرنا في ما سبق، التفسيرات التي لا تؤسّس الزواج على هذا الأساس بأنّها لا تقدّم أيّ سبب نظري لمقاومة توسيع إطار الزواج ليشمل الزواج المتعدّد والزواج بالمحارم والحيوانات (Finnis 1995)؛ وبما أنّ كل أشكال الجنس خارج إطار الزواج تفشل في تقديم منفعة رئيسية، فليس هنالك سبيل مقبول أخلاقيًا للتمييز بين هذه العلاقات المختلفة.

وثمّة نقطة أخرى تتعلّق بالقانون، أي: من أجل توجيه الأحكام العقلية للمواطنين وخياراتهم في ما يخصّ العلاقة التي يمكنها تحقيق المنافع الزواجية بشكل فريد، ينبغي على الدولة أن تنصح المواطنين بالزواج، وفقًا للفهم المستند إلى الرؤية التي نناقشها، وأن لا تعترف بالعلاقات المثلانية باعتبارها زواجًا. لكن قد يسأل سائل عن ما إذا كان هذا الإجراء طريقة فعّالة لتوجيه الخيار، وما إذا كان من الأجدى إنفاق موارد الدولة في الترويج لمنافع بشرية أخرى. ويضاف إلى ذلك أنّ التركيز على الزواج المثلاني يبدو اعتباطيًا عندما توحي هذه الحجّة بمصلحة الدولة، وعلى نحو مساوٍ، في تثبيط الناس عن استخدام موانع الحمل وعن الطلاق والجنس خارج إطار الزواج (Garrett 2008, Macedo 1995). وهذا الاعتراض يقدّم مثالًا محدّدًا لاعتراض أعم، وهو: إن التفسير المستند إلى الرؤية المناقشة يتعامل مع الجنس والمنافع الزوجية على نحو مغاير لتعامله مع المنافع البشرية الرئيسية الأخرى؛ فهو لا يكتفي بإبداء اهتمام أقلّ بالترويج لهذه المنافع قانونيًا (وتثبيط السلوك المخالف لها)، بل إنّه لا يراعي الانسجام في التطبيق الشامل للمبدأ الأخلاقي الذي يحظر أيّ فعل يناقض المنافع البشرية الرئيسية (مثلًا: العادات الغذائية غير السليمة) (Garrett 2008).

وثمّة اعتراض ثانٍ يهاجم الادّعاء بأن الجنس خارج إطار الزواج لا يمكنه أن يقدّم أيّ منفعة بشرية رئيسية؛ وهو اعتراض يخضع، على نحو لا يكاد يصدّقه عقل، كلّ أشكال الجنس خارج إطار الزواج (بما فيها: كلّ أشكال الجنس باستخدام موانع الحمل) للقيمة نفسها التي تعزى للجنس الإباحي أو البغاء أو الاستمناء (Macedo 1995, 282)؛ فمن المعقول أنّ الجنس خارج إطار الزواج بإمكانه أن يقدّم منافع من أمثال «المتعة، والتواصل، والنموّ العاطفي، والاستقرار الشخصي، وتحقيق الرغبات على المدى البعيد» (Corvino 2005, 512)، أو غيرها من المنافع البشرية الرئيسية التي حدّدها التفسير المستند إلى القانون الطبيعي الجديد، كالمعرفة واللهو والصداقة (Garrett 2008).

وهنالك اعتراض ثالث يتّصل بالموضوع، فهذه الرؤية يبدو أنّها تتضمّن ازدواجًا بالمعايير لسماحها بالزواج لزوجين عقيمين مختلفي الجنس (Corvino 2005; Macedo 1995)؛ ولقد ردّ أنصار القانون الطبيعي الجديد بأنّ الجنس القضيبي-الفرجي هو تناسلي في نوعه، حتّى وإن لم يكن كذلك في تأثيره، بينما لا يمكن للنشاط الجنسي المثلاني أن يكون تناسليًا في نوعه على الإطلاق (Finnis 1997, cf. George 2000, Lee 2008). والجنس من النوع التناسلي يمكن توجيهه نحو التناسل حتّى وإن لم يكن كذلك في التأثير، لكن ليس من الواضح كيف أنّ الأفراد الذين يعلمون بعقمهم يمكنهم ممارسة الجنس في سبيل التناسل (Macedo 1995, Buccola 2005). وفي نهاية المطاف، يلجأ أنصار القانون الطبيعي الجديد إلى التكامل بين الرجل والمرأة كشريكين ووالدين، وذلك كي يميّزوا الزوجين العقيمين المتغايرين عن الزوجين المثلانيين؛ ومن هنا فإنّ الدفاع عن تفسير الزواج هذا يعتمد على رؤية خلافية حول طبيعة وأهمّية التغاير الجنسي (Finnis 1997, Lee 2008).

وثمّة حجّة ذات صلة تركّز على تعريف الزواج؛ وهي تحاجج بأنّ الزواج ضروري بين رجل واحد وامرأة واحدة لأنّه يتضمّن اتّحادًا شاملًا بين زوجين، أي: وحدة حياتين وعقلين وجسدين. والاتّحاد الجسدي العضوي يتطلّب اتّحاد الزوجين لغاية بيولوجية في عمل من نوع تناسلي (Girgis, et al., 2010). ولقد أثارت هذه الحجّة، شأنها في ذلك شأن حجج القانون الطبيعي الجديد، أسئلة من أمثال: لماذا يمكن للأزواج المتغايرين، وحدهم وجميعهم وحتّى من كان عقيمًا منهم، أن ينخرطوا في أعمال من نوع تناسلي؟ ولماذا تولى أهمية خاصّة للوحدة الجسدية؟ (Arroyo forthcoming, Johnson 2013).

وبينما يتأرجح معظم النقاش بشأن تفسيرات القانون الطبيعي الجديد للزواج بين الهجوم على أساس التغاير الجنسي البيولوجي والدفاع عنه، نجد تعاطفًا بين بعض المنظّرين تجاه محاولة القانون الطبيعي الجديد تجنّب الوقوع بين مطرقة القيود البيولوجية الصارمة وسندان “المرونة” الليبرالية تجاه الزواج (Goldstein 2011). وعلى سبيل المثال: يقدّم گولدستين تفسيرًا للزواج باعتباره مشروعًا ولد من إحدى المنافع الرئيسية، وهي الصداقة؛ وبينما يتضمّن هذا المشروع التناسل كميزة جوهرية، فإنّ مؤسسّة الزواج تمتلك، وفقًا لهذا التفسير، قوّة تعويضية، أي: إنّ المؤسّسة نفسها تستطيع التعويض في حالات الفشل (كالعجز عن التناسل). وهذا التفسير وأمثاله يسند الزواج إلى تفسير الازدهار في القانون الطبيعي الجديد، لكنّه يسمح أيضًا بتوسيع المفهوم ليشمل الزواج المثلاني دون السماح (بحسب ما جاء به گولدستين) بأشكال أخرى (كالزواج المتعدّد).

3. 2. 2. الزواج باعتباره حاميًا للمحبّة

هنالك مقاربة مؤسّساتية أخرى واسعة الانتشار للزواج (وإن كانت أقلّ توحّدًا) تلجأ لعلاقة المحبّة الزواجية المثالية في تحديد بنية الزواج. وهذه المقاربة، والتي نجدها في كتابات فلاسفة مختلفين، تحمل مجموعة متنوّعة من وصفات محدّدة تتناول، مثلًا: ما إذا كانت المحبّة الزواجية (أو المحبّة الرومانسية المخلصة عمومًا) تتطلّب الاختلاف الجنسي أو الحصرية الجنسية (Scruton 1986, 305–311, Chapter 11, Halwani 2003, 226–242, Chartier 2016). وبعض أنصار هذه المقاربة، لا جميعهم، يحاججون بصراحة بأنّ علاقة المحبّة الزواجية هي منفعة موضوعية (Scruton 1986, Chapter 11, 356–361, Martin 1993). لكنّ جميع هذه الآراء تعتقد بأنّ الميزة الجوهرية للزواج، وغايته، هي حماية علاقة المحبّة الزواجية. وهذه الفكرة تتلخّص في أن الزواج يساعد على إدامة ودعم علاقة تتّصف إمّا بأنّها قيّمة في نفسها، وإما بأنّها قيّمة في نظر الفرقاء المنخرطين فيها.

وبموجب هذه المقاربة، فإنّ بنية الزواج تشتقّ من السلوك اللازم لإدامة مثل هذه العلاقة؛ ولهذا فإنّ الزواج يتضمّن التزامًا بالعمل من أجل العلاقة والعمل في الوقت نفسه لاستبعاد الخيارات التي لا تتوافق معها، وذلك على الرغم من وجود اختلاف حول تحديد السياسات المعيّنة التي تستلزمها هذه الالتزامات العامّة. ومن الأمثلة التي لا تختلف حولها هذه المقاربة: إنّ الزواج ينشئ التزامات بالقيام بأعمال تستديم المحبّة، كالتركيز على الصفات الجيّدة لدى المحبوب (Landau 2004). وهنالك مثال يثير الخلاف يحاجج فيه بعض الفلاسفة بأنّ استدامة علاقة المحبّة تتطلّب الحصرية الجنسية؛ والفكرة وراء ذلك أنّ الفعل الجنسي يولّد الحميمية والمودّة، وأنّ من المرجّح نشوب التنافس بين من يتلقّون هذه الحميمية والمودّة، ممّا يهدّد العلاقة الزواجية. وهنالك نسخة أخرى تركّز على الضرر العاطفي، وما يتلوه من ضرر على العلاقة، بسبب الغيرة الجنسية؛ ولهذا فإنّ الشروط النفسانية اللازمة لإدامة المحبّة الرومانسية تجعل الزواج، باعتباره مؤسّسة لحماية المحبّة، يولّد التزامات بالحصرية الجنسية (Martin 1993, Martin 1994, Scruton 1986, Chapter 11, 356–361, Steinbock 1986). لكنّ بعض الفلاسفة يجادل في الشروط النفسانية اللازمة لإدامة المحبّة الرومانسية، إذ يحاجج بعضهم بأنّ الممارسة العرضية للجنس خارج إطار الزواج ليس من الواجب أن تخلق علاقات تنافسية أو تطلق شرارة الغيرة (Halwani 2003, 235; Wasserstrom 1974)؛ بل إنّ بعضهم حاجج بأن الجنس خارج إطار الزواج، أو زيادة التسامح الاجتماعي معه، يمكنه تقوية حالات الزواج التي تمرّ بأزمات صعبة (Russell 1929, Chapter 16)؛ وحتّى أنَّ بعض أنصار المحبّة المتعدّدة (من ينخرطون في علاقات جنسية أو علاقات محبّة متعدّدة) يدّعون بأنّ المحبّة المتعدّدة تتيح قدرًا أكبر من الصدق والانفتاح بالمقارنة مع الحصرية (Emens 2004). ولقد تعامل فلاسفة آخرون مع الإخلاص الجنسي باعتباره أمرًا يشتّت الانتباه، فنقلوا تركيزهم إلى صفات أخرى للعلاقة المثالية، كالاهتمام برغبات الطرف الآخر ودفء العلاقة وصدقها، ومنهم من ركّز على الالتزام بالعدالة فيها (Martin 1993, Kleingeld 1998).

إنّ الرؤى التي تفهم الزواج باعتباره حاميًا للمحبّة تولّد استنتاجات متنوّعة في ما يخصّ التزامات الزواج؛ لكنّ هذه الرؤى تتشارك افتراضين حاسمين: أنّ الزواج يؤدّي دورًا في خلق الالتزام بعلاقة محبّة، وأنّ مثل هذا الالتزام قد يكون مؤثّرًا في حماية المحبّة (Cave 2003, Landau 2004, Martin 1993, Martin 1994, Mendus 1984, Scruton 1986, 356–361). ومع ذلك، فإنّ كلا الافتراضين ليس محصّنًا من المساءلة؛ ففي المقام الأول، حتّى إذا كان الالتزام قادرًا على حماية علاقة محبّة فلماذا يتوجّب أن يصاغ على هيئة زواج رسمي؟ فإذا كان من الممكن المحافظة على علاقة رومانسية بعيدة المدى خارج إطار الزواج، فهنا يبرز سؤال حول مغزى الزواج: هل نحتاج حقًّا للزواج من أجل المحبّة؟ أوليس الدعم القانوني والاجتماعي للزواج يؤدّي، فعلًا، إلى احتجاز الأفراد في زواج لا محبّة فيه أو إلى قيام الأفراد أنفسهم بإتلاف المحبّة تدريجيًا من خلال إرفاقها بالالتزامات؟ (Card 1996, Cave 2003; see also Gheaus 2016). وفي المقام الثاني، هل يمكن للالتزام، داخل الزواج أو خارجه، أن يحمي المحبّة الرومانسية حقًا؟ يبدو أنّ المعدّلات العالية للطلاق تقترح خلاف ذلك. ولا شكّ بأنّه حتّى إذا لم يتمكّن الأشخاص المنخرطون في العلاقة من التحكّم بالمحبّة (كما ناقشناه في الفقرة 3. 1) فهم يتمكّنون من صياغة التزام بالعمل على نحو يحمي المحبّة (Landau 2004, Mendus 1984)، لكنّ هذا الأمر تكتنفه الصعوبة أيضًا لأنّه يتطلّب معرفة كيفية حماية المحبّة (كما اقترحته الفقرة السابقة).

وبالتفكير بشأن الصعوبة التي تكتنف توليد قواعد محدّدة لحماية المحبّة، استطاعت الكثير من الرؤى المماثلة أن تفهم المحتوى الأخلاقي للزواج بالنظر إلى فضائله (Steinbock 1991, Scruton 1986, Chapter 11, 356–361). ومقاربة الفضيلة هذه تحلّل الزواج في ضوء ما يعزّزه من فضائل، وهي مقاربة تعِد، من خلال رجوعها للحالات العاطفية، بشرح أهمّية الزواج للمحبّة. لكنّ أمثال هذه المقاربة يجب عليها أن تشرح كيفية رعاية الزواج للفضائل (Brake 2012). وبعض التفسيرات الفضائلية تستشهد بتأثيرات المكانة الاجتماعية للزواج: فالزواج يطلق استجابات اجتماعية تؤمّن الخصوصية الزوجية وتدفع الاكتراث المكدّر من قبل الأشخاص الخارجيين (Scruton 1986, 356–361). كذلك فإنّ الالتزامات القانونية للزواج يمكن فهمها على أنّها عقود يوليسيسية:[i] فهي تحمي العلاقات الزواجية عندما تتأرجح العاطفة بين الزوجين، وتؤمّن للأشخاص المنخرطين بالعلاقة التزامات بعيدة المدى في وجه الرغبات العابرة. وبغضّ النظر عن نجاح أو فشل هذه التفسيرات في نهاية المطاف بإثبات قدرة مكانة الزواج الاجتماعية والتزاماته على أداء دور في حماية المحبّة، فإنّ التركيز العام على علاقات المحبّة الزواجية المثالية ربّما يتميّز بالمثالية المفرطة إذا قارنّاه بما يحدث من مشاكل في حالات الزواج الفعلية، كسوء المعاملة الزوجية (Card 1996). وهذه النقطة الأخيرة تقترح عدم إمكانية الفصل الكامل للتحليل الأخلاقي للزواج عن البحث السياسي والاجتماعي.

 

4. الزواج والسياسة

في الفلسفة السياسية يؤدّي النقاش في قانون الزواج إلى استحضار اعتبارات متنوّعة تعكس تنوّع التوجّهات النظرية لمن يشارك في الجدل؛ والنقاش التالي يسلّط الضوء على الاعتبارات الرئيسية التي تستحضرها الحجج المتعلّقة بالبنية القانونية للزواج.

 

4. 1. الزواج والعقد القانوني

الزواج عقد قانوني، لكنّه عقد ساد اعتباره ذا طبيعة ملتبسة منذ أمد بعيد؛ فحتّى سبعينيات القرن المنصرم كان قانون الزواج في الولايات المتّحدة الأمريكية يقيّد الطلاق ويحدّد شروط الزواج على أساس الجندر. وفي سبيل الانتقال نحو تلاؤم أفضل مع المبادئ التعاقدية للفردنة، لم يعد قانون الزواج يفرض التزامات مخصّصة جندريًا، فسمح باتفاقيات الملكية الماقبل-زواجية، وأتاح مغادرة الزواج من خلال طلاق يخلي الطرفين من المسؤوليات. لكنّ الزواج لا يزال (في القانون الفيدرالي الأمريكي على الأقلّ) عقدًا ملتبسًا: «فليس هنالك وثيقة مكتوبة، وكلّ فريق يتخلّى عن حقّه بالحماية الذاتية، وشروط العقد لا يمكن إعادة التفاوض عليها، ولا يجب على أيّ من الفريقين أن يفهم شروط العقد، ويجب على العقد أن يكون بين شخصين اثنين وحسب، وهذان الشخصان يجب أن يكونا رجلًا واحدًا وامرأة واحدة [هذا الشرط استمرّ حتّى العام 2013]» (Kymlicka 1991, 88).

ويرى أنصار تعاقدية الزواج، أو خصخصته، بأنّ الزواج يجب أن يُجعَل ملائمًا أكثر للنموذج التعاقدي؛ وبعض الليبراليين، ومعهم الليبرتاريون، يفترضون مسبقًا بأنّ الفرد البالغ الكفء يجب أن يسمح له القانون باختيار شروط تعاملاته. وإذا كان المجتمع متميّزًا بحرّية التعاقد فإن فرض القيود على الخروج من الزواج، أو على محتوى الالتزامات القانونية للزواج، سيبدو حينها شذوذًا غير ليبرالي. وإنّ الالتزام الكامل بالتعاقدية من شأنه أن يعني ضمنًا أن لا يكون هنالك أيّ قانون للزواج على الإطلاق، إذ تترك مهمّة رسمنة الزواج للمنظّمات الدينية أو الخاصّة، ويبقى على الدولة مهمّة فرض أيّ عقد خاصّ يصوغه الأفراد دون أن تتدخّل في ما عدا ذلك (Vanderheiden 1999, Sunstein and Thaler 2008, Chartier 2016; ولنقد هذه النظرة التعاقدية، راجع: Chambers 2016). وإنّ المضامين القانونية الكثيرة للزواج في ما يخصّ المعونات الاجتماعية، والإرث، والضرائب، وما شابه يمكن أيضًا النظر إليها باعتبارها شكلًا من أشكال تدخّل الدولة في الخيار الخاصّ. وعندما تتخلّى الدولة عن هذه المنافع، وتكتفي بالاعتراف بالزواج كحالة قانونية، فإنّها بذلك تشجّع على رسمنة العلاقات (Waldron 1988–89, 1149–1152).[ii]

إنّ الزواج أساس للتمييز القانوني في عدد من السياقات؛ وهذا التمييز يتطلّب تبريرًا، كما هو الحال مع تخصيص الموارد الذي تتضمنّه عملية تقديم المعونات الاجتماعية للمتزوّجين (Cave 2004, Vanderheiden 1999). وغياب هذا التبرير يعني أنّ تقديم المعونات الاجتماعية عبر الزواج ينطوي على معاملة ظالمة لغير المتزوّجين، لأنّ استبعادهم من هذه المعونات سيكون اعتباطيًا حينها (Card 1996). ولذلك يجب تحمّل عبء تقديم أساس عقلاني يبرّر هذا التخصيص للموارد وهذا التمييز القانوني على أساس الزواج، بالإضافة إلى تبرير تقييد الزواج بقيود لا تخضع لها العقود الأخرى.

وقبل أن نستكشف بعض الأسس العقلانية الشائعة، تجدر الإشارة إلى أنّ منتقدي نموذج العقد الاجتماعي للدولة وحرّية التعاقد استخدموا مثال الزواج ضدّ المبادئ التعاقدية. إذ حاجج الماركسيون أوّلًا بأنّ حرّية التعاقد تتوافق مع الاستغلال والاضطهاد، واعتبر أنصار النسوية الماركسية أنّ الزواج مثال خاص على ذلك، فحاججوا ضدّ جعله تعاقديًا على هذا الأساس (Pateman 1988, 162–188). وهذه النقاط وأمثالها، كما سنرى، تقترح الحاجة إلى قواعد تحكم تقسيم الثروة في حالة الطلاق. ولقد حاجج أنصار المجتمعية ثانيًا بأنّ العلاقات التعاقدية أدنى شأنًا من العلاقات التي تميّزها الثقة والمودّة، وطرحوا، أيضًا، الزواج مثالًا خاصًّا لذلك (Sandel 1982, 31–35, cf. Hegel 1821, §75, §161A). وهذا الاعتراض لا ينطبق على تعاقدية الزواج وحسب، بل يشمل، بشكل أعمّ، التعامل مع الزواج أيضًا باعتباره حالة من حالات تطبيق مبادئ العدالة: فما يهمّ هنا هو أن المنظور القائم على الحقوق من شأنه أن يدمّر المودّة، الأعلى شأنًا من الناحية الأخلاقية، بين أفراد الأسرة، وأن يستجلب اعتبارات الابتعاد الفردي التي تقصي أفراد الأسرة عمّا كانوا عليه سابقًا من ائتلاف غير أناني مع المجموع (Sandel 1982, 31–35). لكن، وعلى الرغم من أنّ الزواج ليس مجرّد تبادل للحقوق، فإنّ حقوق الزوجين تحمي مصالحهما عندما تفشل المودّة، وذلك إذا أخذنا بالحسبان ما في الزواج من إساءة معاملة ولامساواة اقتصادية، فهذه الحقوق تتمتّع بأهمّية خاصّة في حماية الأفراد خلال الزواج وبعده (Kleingeld 1998, Shanley 2004, 3–30, Waldron 1988).

 

4. 2. الأساس العقلاني لقانون الزواج

ذكرنا في ما سبق أنّه ينبغي تقديم أساس عقلاني لقانون الزواج يشرح القيود المفروضة على الدخول فيه والخروج منه، وتخصيص الموارد لدعمه، والتمييز القانوني على أساسه. والقسم التالي سيبحث في القيود الجندرية على الدخول في عقد الزواج؛ أمّا هذا القسم فسيبحث في أسباب الاعتراف القانوني بالزواج في الأصل، وتخصيص الموارد لدعمه، والتقسيم الإجباري للملكية في حالة الطلاق.

وينبغي غضّ النظر عن السبب الأوّل للاعتراف القانوني بالزواج، وهو: أنّ الوحدة الأسرية الناشئة عن زواج غيراني أحادي هي بنية طبيعية ماقبل-سياسية لا بدّ للدولة من احترامها على الشكل الذي تجدها فيه (Morse 2006; cf. new natural lawyers, Girgis et al. 2010). لكن قانون الزواج باعتباره تشريعًا، ومهما كان شكل الوحدة التناسلية الطبيعية، مجبر على اتّباع مبادئ العدالة التي تخضع لها التشريعات الأخرى. وبحسب الفلسفة السياسية الأكثر معاصرة: ليس هنالك أهمّية لطبيعية ممارسة ما؛ وفي الواقع، ليس هنالك أيّ مجال آخر، باستثناء الأسرة، يفترض فيه اتّباع القانون لخطى الطبيعة (ربّما باستثناء القوانين المتعلّقة بالانتحار). ولا بدّ في نهاية المطاف للاعتراضات المتعلّقة بهذا الاعتبار من الردّ على الهواجس النسوية التي ترى بأنّ استبعاد الوحدة الأسرية من مبادئ العدالة، والسماح للمودّة الطبيعية بتنظيمها، قد سهّلت وقوع اللامساواة وسوء المعاملة ضمنها (راجع القسم الخامس).

لنبدأ إذن بالبحث عن إجابة للسؤال: لماذا يتوجّب على القانون أن يعترف بالزواج في الأصل؟ ومن الإجابات: أنّ الاعتراف القانوني يفضي إلى تأييد الدولة للزواج وتوجيهها للأفراد نحو شكل قيّم من أشكال الحياة (George 2000)؛ ومنها: أنّ الاعتراف القانوني ضروري لإدامة وحماية الدعم الاجتماعي لمؤسّسة الزواج، والتي هي شكل قيّم من أشكال الحياة، وغياب هذا الاعتراف من شأنه رمي هذه المؤسّسة في طريق التآكل (Raz 1986, 162, 392–3; Scruton 1986, 356–361; وراجع المناقشة الواردة في: Waldron 1988–89). لكنّ الإجابتين السابقتين تستدعيان سؤالًا آخر عن منشأ قيمة هذا الشكل من أشكال الحياة.

يأتي الجواب أحيانًا من المحاججة بأنّ التقاليد أثبتت قيمة الزواج من خلال نجاحه باختبار الزمن؛ والأمر لا يقتصر على كون الزواج نفسه تقليدًا، بل يشمل ما يؤدّيه من دور في تنشئة الأبناء، وهي عملية تتيح تناقل تقاليد أخرى (Sommers 1989, Scruton 1986, 356–361, cf. Devlin 1965, Chapter 4). لكنّ الكثير من التقاليد الزواجية اعتراها الظلم وما يزال (دخول الزوجة في الولاية القانونية للزوج، والواجبات القانونية المبنية جندريًا، وإعفاءات الاغتصاب الزواجي، وحظر الزواج بين الأعراق). وأفضل ما يمكن للتقاليد أن تقدّمه هو (دليل أوّلي) لصياغة تشريع ما، وليس هنالك ما يمنع من تجاوز هذا الدليل لدواعي العدالة؛ وعلاوة على ذلك، فإنّ المجتمع المتنوّع يحفل بالكثير من التقاليد المتنافسة، ولا يمكن للأساس العقلاني أن يفاضل بينها في الاختيار (Garrett 2008).

إنّنا نحتاج لتفسير للقيمة التي يتمتّع بها شكل بعينه من أشكال الزواج بذاته (وليس الزواج باعتباره مجرّد تقليد من التقاليد)، ومن الأفكار المطروحة أنّ الزواج الأحادي يشجّع على ضبط النفس جنسيًا، وهو أمر نحتاجه من أجل الصحّة والسعادة؛ وهنالك فكرة أخرى ترى بأنّ الزواج يشجّع على بروز منافع المحبّة والحميمية التي نجدها في العلاقات الملتزمة؛ ولذلك فإنّ دعم الدولة للزواج الأحادي، بتوفيرها لمحفّزات الدخول بالتزامات زواجية، تساعد الناس على تحسين حياتهم (راجع مثلًا: Macedo 1995, 286). لكنّ هذه الحجّة تواجه اعتراضات؛ أوّلها أنّ تفسير الزواج على أساس المنافع العاطفية يقلّل من قيمة المؤسّسة التي يرغب بدعمها، فهنالك علاقات أخرى (كالصداقة) تحتوي على منافع عاطفية؛ وثانيها أنّ الادّعاءات المتعلّقة بقيمة ضبط النفس الجنسي هي ادّعاءات خلافية، إذ قد يحاجج المعترضون بأنّ الزواج المتعدّد أو المحبّة المتعدّدة أو تعدّد العلاقات الجنسية تتساوى مع الزواج الأحادي في منافعها الجيدة (راجع الفقرة 5. 2). وهنالك مشكلة أخرى يعاني منها التبرير السابق لقيمة الزواج الأحادي، وهي تعكس انقسامًا في الفكر الليبرالي، فبعض الليبراليين يعتنقون الحيادية، أي: الرؤية التي تقول بأنّ الدولة يجب أن لا تؤسّس القانون على أساس تقييمات خلافية بشأن ماهية العيش القيّم، إذ يرى هؤلاء الليبراليون الحياديون وجوب استبعاد هذه الشريحة من الأسس العقلانية التي تلجأ لتقييمات خلافية حول الجنس والمحبّة (Rawls 1997, 779)؛ ولقد سعى بعض المنظّرين لتطوير أسس عقلانية تنسجم مع الليبرالية السياسية، فحاججوا مثلًا بأنّ العلاقة الثنائية الزواجية الحميمية تحمي الاستقلالية (Bennett 2003)، أو بأنّ الزواج يمكن تبريره من خلال دوره في حماية علاقات الاعتناء (Brake 2012) وحماية الأطفال ومن يقدّمون الرعاية للآخرين (Hartley and Watson 2012; راجع أيضًا: May 2016, Wedgwood 2016).

وثمّة قبول واسع للقول بوجوب حماية الدولة للأطفال؛ وإذا كانت الأسرة ثنائية الوالد تنفع الأطفال فإنّ محفّزات الزواج ربّما يمكن تبريرها باعتبارها تعزّز الأسرة ثنائية الوالد، وبالتالي فهي تعزّز رخاء الأطفال. وهنالك منفعة اقتصادية للأسرة ثنائية الوالد: إذ توجد علاقة ترابط بين الأمومة العزباء والفقر. وهنالك منفعة أخرى عاطفية: إذ يبدو أنّ الأطفال ينتفعون من أن يكون لهم والدان (Galston 1991, 283–288) (وعلاوة على هذا، يحاجج البعض بأنّ التكاملية الجندرية في السلوك الوالدي ينفع الأطفال، لكن الدليل التجريبي لا يبدو أنّه يدعم هذه الحجّة [Lee 2008, Nussbaum 1999, 205]). ومن الاعتراضات أنّ الزواج خطّة غير فعّالة لمحاربة فقر الأطفال؛ لكنّ هذه المقاربة تصطدم بأمور منها أنّه يفترض بأنّ محفّزات الزواج ستقود عددًا كبيرًا من الآباء والأمّهات إلى الزواج ممّن لم يكونوا ليتزوّجوا لولاها، لكنّنا نلاحظ بأنّ الزواج وتنشئة الأطفال قد انفصلا وأخذ كلّ منهما طريقه الخاصّ بها على الرغم من محفّزات الزواج؛ وثمّة أمر آخر تعاني منه هذه المقاربة، وهو أنّها لا تلقي بالًا للكثير من الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج وفي الأسر ثنائية الوالد الفقيرة؛ إضافةً إلى أنّه يمكن التعامل مع مشكلة فقر الأطفال على نحو أكثر فعّالية من خلال البرامج المباشرة لمكافحة فقر الأطفال عوضًا عن الاعتماد على الاستراتيجية غير المباشرة للزواج (Cave 2004; Vanderheiden 1999; Young 1995). وعلاوة على ذلك، هنالك خلاف حول التأثيرات النفسانية للوالدية الأحادية (single parenthood)، ولا سيّما بشأن العلاقة السببية المبطّنة لعلاقات ترابطية بعينها، ومنها مثلًا: هل الطفل في الطلاق أسعد بسبب الطلاق نفسه أو بسبب ما سبق الطلاق من نزاع شديد في الزواج؟ (Young 1995)؛ وهنالك في الواقع بعض الكتّاب قد حاججوا مؤخّرًا بأنّ الأطفال قد يحصلون على حماية أفضل بالفصل القانوني للزواج عن الرعاية الوالدية: فالأطر المستقلّة للرعاية الوالدية من شأنها أن تكون أكثر قدرة على الاستمرار بالمقارنة مع الزواج (الذي قد ينتهي بالطلاق)، وعلى حماية الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، وعلى التلاؤم مع احتياجات الأشكال الأسرية الجديدة كالأسرة ثلاثية الوالد (Brennan and Cameron 2016, Shrage forthcoming; راجع أيضًا: Chan and Cutas 2012).

وهنالك خطّ فكري آخر يتّصل بموضوعنا لكنّه يتميّز عن ما سبق؛ وهو يلجأ إلى التأثيرات النفسانية المزعومة للأسر ثنائية الوالد من أجل المحاججة بأنّ الزواج ينفع المجتمع بتعزيزه للمواطنية الجيّدة واستقرار الدولة (Galston 1991, 283–288). وهو يعتمد على الحالة التجريبية (وهي حالة عارضها البعض كما رأينا) التي تقول بأنّ أطفال الأسر وحيدة الوالد يواجهون عقبات نفسانية واقتصادية تهدّد قدرتهم على اكتساب فضائل المواطنية. وعلاوة على ذلك، فإذا كانت التبعية الاقتصادية تنتج لامساواة في السلطة ضمن الزواج، فهنا ينطبق اعتراض جون ستيوارت ميل المعروف بـ(مدرسة الظلم)، فالمؤسّسة التي تعلّم الظلم يرجّح أنّها ستقضي على فضائل المواطنية (Okin 1994, Young 1995).

وأخيرًا، ثمّة أساس عقلاني يساق لتبرير تقييد شروط الخروج من الزواج (وليس لدعم الزواج باعتباره شكلًا من أشكال الحياة)، وهو: حماية المرأة والطفل في ما بعد الطلاق. فالمرأة في الزواج المبني جندريًا تميل، لا سيّما إذا كان لديها أطفال، إلى أن تصبح معرّضة للمخاطر الاقتصادية. وتشير البيانات الإحصائية إلى أنّ المرأة المتزوّجة تتفوّق على زوجها في احتمال عملها في وظائف بدوام جزئي وأجر أقل، أو في احتمال تخلّيها عن العمل المأجور كلّيًا، خصوصًا عندما ترغب بتلبية متطلّبات تنشئة الأطفال. ولذلك فمن المرجّح أن ينخفض المستوى المعيشي للمرأة بعد الطلاق، وقد تدخل في نطاق الفقر. وبما أنّ أنماط الخيار هذه في إطار الزواج تؤدّي إلى اللامساواة بين الرجل والمرأة، فإنّ تقسيم الملكية عند الطلاق هو مسألة تتعلّق بالمساواة أو بتكافؤ الفرص، وعلى هذا الأساس فإنّ القانون العادل للطلاق يتبوّأ مكانة رئيسية في العدالة الجندرية (Okin 1989, Chapters 7 and 8; Rawls 1997, 787–794; Shanley 2004, 3–30; Waldron 1988, وراجع أيضًا الفقرة 5. 1). ومع ذلك، لا يمنع ما ذكرناه من أن يسأل سائل: أين تكمن ضرورة وجود قانون يعترف بالزواج على هذا الأساس قبالة القواعد الافتراضية التي تحكم توزيع الثروة عندما تنتهي هذه العلاقة المبنية جندريًا (Sunstein and Thaler 2008). وفي الواقع، إنّ الاقتصار في وضع هذه القيود على الزواج، قبالة القواعد الافتراضية العامّة الفاعلة، ربّما يجعل الزواج أقلّ جاذبية، ولا سيّما عند الرجال، وبالتالي فهو أمر ضارّ يجعل المرأة أكثر تعرّضًا للأذى.

إنّ الأساسين العقلانيين السابقين يضعفان كلاهما بضعف الدور الاجتماعي للزواج؛ وإنّ تغيّر الأعراف القانونية والاجتماعية يقوّض فعّالية الزواج كأداة سياساتية. ولقد واجه الزواج في القرن العشرين “العاصفة الكاملة” متمثّلة بـ: التوقّعات المنتظر منه تحقيقها على صعيد الكفاية العاطفية، وتحرير المرأة، وفعّالية وسائل منع الحمل (Coontz 2006, Chapter 16). وعلى الصعيد القانوني، أصبح الخروج من الزواج سهلًا نسبيًا منذ “ثورة الطلاق دون تحميل المسؤولية لأيّ من الطرفين” في السبعينيات الماضية؛ ويضاف إلى ذلك تزايد المساكنة وتنشئة الأطفال خارج إطار الزواج، وهو أمر يعكس نهاية القوانين المضادّة للمساكنة غير الزواجية والتمييز القانوني ضدّ الأطفال على أساس “اللاشرعية”، ويعكس أيضًا تناقص نظرة العار الاجتماعية تجاه أمثال هذه السلوكيات. وإذا أخذنا بالحسبان هذه التغيّرات وأمثالها فسنجد أن أفضل ما يمكن للزواج أن يفعله هو أن يكون استراتيجية غير مباشرة لتحقيق أهداف من أمثال حماية المرأة أو الطفل (Cave 2004, Sunstein and Thaler 2008, Vanderheiden 1999).

وفي ظلّ غياب أساس عقلاني مقنع لقانون الزواج، أطلق بعض المنظّرين حججًا في الدعوة إلى إلغاء الزواج كلّيًا، والاستعاضة عنه باتّحادات مدنية أو شراكات أسرية. وسنعرض لهذا التيار الفكري في الفقرة (4. 4) بعد أن نناقش الجدل حول الزواج المثلاني.

 

4. 3. الزواج المثلاني

إنّ الاقتراح بالاستعاضة عن الزواج كلّيًا باتّحادات مدنية أو شراكات أسرية يختلف عن اقتراح “التسوية” الذي يطرح قانون زواج من طبقتين: الزواج للأزواج مختلفي الجنس (الغيرانيين) فقط، والاتّحادات المدنية أو الشراكات الأسرية للأزواج متماثلي الجنس (المثلانيين) ولمن يرغب من الأزواج مختلفي الجنس. إذ يمنح اقتراح التسوية بعض منافع الزواج (وفي الواقع: كلّ منافع الزواج وفقًا للاقتراح المعتاد) دون التنازل عن عنوان الزواج للأزواج المثلانيين، وهو موقف لا يقدّم استجابة كاملة للحجج المؤيّدة للزواج المثلاني.

والكثير من حجج الزواج المثلاني تلجأ إلى المبادئ الليبرالية للعدالة من أمثال المعاملة المتساوية وتكافؤ الفرص والحيادية. والزواج يقدّم منافع يُحرَم منها الأزواج المثلانيون على أساس توجهّهم الجنسي؛ وإذا كانت وظيفة الزواج هي الاعتراف القانوني بعلاقات المحبّة، أو علاقات “الحميمية الطوعية”، فإنّ استبعاد العلاقات المثلانية يبدو أمرًا اعتباطيًا وتمييزًا ظالمًا (Wellington 1995, 13). والعلاقات المثلانية تشبه، في الجوانب المهمّة، العلاقات الجنسية الغيرانية التي يعترف بها كزواج، إلّا إن الدولة تنكر على المثلانيين، ذكورًا وإناثًا، حقّهم بالحصول على منافع الزواج، ولذلك فإنّ تعاملها معه يتّصف باللامساواة (Mohr 2005, Rajczi 2008, Williams 2011). وعلاوة على ذلك، فإنّ الحجج الداعمة لمثل هذا التمييز يبدو أنّها تعتمد على ادّعاءات أخلاقية خلافية حول المثلانية لا تجيزها الحيادية (Wellington 1995, Schaff 2004, Wedgwood 1999).

ولتبيين سبب فشل (حلّ الطبقتين) في التعامل مع هذه الحجج يجب علينا أن ننظر إلى المنافع التي يقدّمها الزواج؛ فهنالك منافع ملموسة كأهلية الحصول على الضمان الصحّي والمعاشات وحقوق الخصوصية وأهلية الهجرة وحقوق الزيارة في المستشفى (راجع: Mohr 2005, Chapter 3)، لكنّ هنالك أهمّية حاسمة لوجود منافع مهمّة في الاعتراف القانوني، والاعتراف الاجتماعي غير المباشر، بالعلاقة باعتبارها زواجًا، لأنّ مكانة الزواج نفسها تمنح الشرعية وتستجلب الدعم الاجتماعي؛ ولا يمكن لمنظومة (الطبقتين) أن توفّر تعاملًا متساويًا لأنّها لا تمنح للعلاقات المثلانية المكانة المترافقة مع (الزواج).

ويضاف إلى ذلك أنّ بعض الفلاسفة قد حاجج بأنّ استبعاد المثلانيين من الزواج يعدّ من المكوّنات الرئيسية لما يتعرّض له المثلانيون من اضطهاد، إذ يجعلهم “مواطنين من الدرجة الثانية” ويبطّن التمييز الاجتماعي ضدّهم. والزواج يتبوّأ موقعًا مركزيًا في مفاهيم المواطنية الصالحة، ولهذا فإنّ استبعاد المثلانيين من الزواج يزيحهم عن المواطنية الكاملة المتساوية: «أن يكون المرء مناسبًا للزواج يرتبط ارتباطًا وثيقًا مع مفهومنا الثقافي لما يعنيه أن يكون المرء مواطنًا […] لأنّ الزواج يُفهَم ثقافيًا على أنّه تأدية لدور رئيسي فريد في استدامة المجتمع المدني» (Calhoun 2000, 108). ومن هذا المنظور فإنّ التصنيف (“منفصل لكنّه متساوٍ”) في الاتّحادات المدنية يحافظ على الرمزية القانونية الضارّة للموقع الأدنى الذي يحتلّه الزواج المثلاني (Card 2007, Mohr 2005, 89, Calhoun 2000, Chapter 5; cf. Stivers and Valls 2007; ولبحث شامل حول هذه القضايا يمكن الرجوع إلى: Macedo 2015).

وعلى الرغم ممّا سلف، فإنّ الزواج إذا كان غيرانيًا بالضرورة فهذا يعني أنّ استبعاد الأزواج المثلانيين ليس معاملة غير متساوية، وكلّ ما في الأمر هو أنّ العلاقات المثلانية ليس فيها ما يؤهّلها لتدخل في مسمّى الزواج. ومن الحجج المدافعة عن غيرانية الجنسانية الضرورية للزواج ما يلجأ إلى التعريف اللغوي: فالزواج بالتعريف غيراني الجنسانية، تمامًا كما أنّ (الأعزب) هو بالتعريف الرجل غير المتزوّج (Stainton, cited in Mercier 2001). لكنّ هذه الحجّة تخلط بين المعنى اللفظي والدلالة؛ فالتطبيقات التي جرت في الماضي لأيّ مصطلح يجب أن لا تقدّم معايير ضرورية وكافية لاستخدام المصطلح، ومصطلح (الزواج) يمكن توسيعه، كما هو حال مصطلح (المواطن) مثلًا، ليشمل حالات جديدة دون أن يؤدّي ذلك إلى تغيير معناه اللفظي (Mercier 2001). ولقد أشرنا في ما سبق إلى أنّ اللجوء إلى التعريف التاريخي يجعلنا نتساءل عمّا ينبغي أن يكون عليه التعريف القانوني (Stivers and Valls 2007).

وثمّة حجّة تؤيّد الغيرانية الجنسانية للزواج بالاستناد إلى المعايير، وهي تستعين بغاية الزواج، أي: التناسل ضمن اتّحاد تناسلي طبيعي (راجع الفقرة 3. 2. أ)؛ لكنّ الزواج لا يشترط على الأزواج قدرتهم على التناسل الطبيعي أو أن ينتووا ذلك على الإطلاق؛ بل إنّ منهم من يلجا للتبنّي ومنهم يتناسل باستخدام نطاف أو بويضات قدّمها آخرون، عوضًا عن التناسل “بشكل طبيعي”؛ ويضاف إلى ذلك أنّ أنصار هذا الاعتراض على الزواج المثلاني لا يقترحون، عمومًا، بأنّ فرص النفاذ إلى الزواج يجب الحدّ منها من خلال استبعاد من يعجز عن التناسل دون معونة فريق ثالث، أو استبعاد من لا ينتوي التناسل.

وفي الواقع، إنّ وجود أزواج متزوّجين لم ينجبوا عمدًا يوحي بأنّ الزواج ذو غايات تتعدّى تنشئة الأطفال، ولا سيّما: غاية رعاية علاقة ملتزمة (Mohr 2005, Wellington 1995, Wedgwood 1999). وهذه النقطة تقترح دفاعًا ثانيًا عن الزواج المثلاني، وهي: إنّ الالتزام الزواجي الحصري منفعة يجب على الدولة أن تدعو إليها بين العلاقات الثنائية المثلانية كما هو حالها في العلاقات الغيرانية (Macedo 1995). وكما أشرنا من قبل، فإنّ أمثال هذه الأسس العقلانية تضطرب حين تصطدم بالحيادية الليبرالية؛ وهنالك خلاف إضافي سنناقشه في موضع لاحق من هذه المادّة الموسوعية (الفقرة 5. 2).

وبعض الحجج المضادّة للزواج المثلاني تستعين بمبدأ وقائي يحثّ على مراعاة أقصى درجات الحذر في إحداث التغييرات التي تمسّ رخاء الطفل؛ وهنا يستعين ميرفي بالبيانات المتوفّرة فيحاجج بأنّ المبدأ الوقائي قد تمّ الالتزام به في ما يخصّ وقوع الأذى على الطفل، فهو يرى بأنّ الرعاية الوالدية حقّ مدني رئيسي يؤدّي تقييده إلى المخاطرة بوقوع قدر معيّن من الضرر. لكنّ أبحاث العلوم الاجتماعية ترينا بأنّ الطفل لا يتضرّر بشكل طبيعي، ولا بشكل كارثي، بسبب الوالدية المثلانية. وحتّى إذا كانت الإحصاءات تشير إلى أنّ الوالدين البيولوجيين يقدّمان الوضع الوالدي الأمثل، فإنّ الأمثلية معيار مرتفع جدًّا على نحو لا يمكن استخدامه في السماح بالرعاية الوالدية؛ ويتبدّى هذا الأمر إذا تخيّلنا الأمثلية شرطًا في عوامل أخرى، كالتعليم أو الثروة (Murphy 2011).

وهنالك اعتراض ثالث ضدّ الزواج المثلاني يرى بأنّ مؤيّديه لا يملكون سببًا مبدئيًا للاعتراض على الاعتراف القانوني بالزواج المتعدّد (مثلًا: Finnis 1997; راجع: Corvino 2005). ومن الردود على هذا الاعتراض ما يميّز بين الزواجين بإيراد التأثيرات الضارّة والمنزلة غير المتساوية للمرأة في الزواج المتعدّد الذي يرأسه رجل، والتي تغيب في الزواج المثلاني (مثلًا: Wedgwood 1999, Crookston 2014, de Marneffe 2016, Macedo 2015). وثمّة ردّ آخر يتبنّى منهج القبول بالتحدّي، ويرى بأنّ الدولة الليبرالية يجب عليها أن لا تختار بين السبل المتنوّعة (المتوافقة مع العدالة) التي يرغب الأفراد بانتهاجها في تنظيم الجنس والعلاقات الحميمة، وعلى هذا الأساس يجب على الدولة إمّا أن تعترف بمجموعة متنوّعة من العلاقات الزواجية، بما فيها: الزواج المتعدّد (Calhoun 2005, Mahoney 2008)، وإمّا أن تخصخص الزواج، فتوكله لعقد خاصّ دون أيّ اعتراف أو تعريف قانوني يختصّ به (Baltzly 2012).

وهنالك، أخيرًا، بعض الحجج المضادّة للزواج المثلاني تستند إلى التقييمات المتعلّقة بعدم إمكانية السماح بالنشاط الجنسي في الزواج المثلاني؛ وبغضّ النظر عن سلامة هذه الحجج، فلقد أشرنا في ما سبق إلى أنّ مبدأ الحيادية والليبرالية السياسية يبتعدان عن تبرير القوانين في المسائل المهمّة عبر الاستعانة بأمثال هذه الرؤى الأخلاقية المطعون فيها (Rawls 1997, 779, Schaff 2004, Wedgwood 1999). ومع ذلك، فإنّ بعض الحجج (المضادّة) للزواج المثلاني استعانت بمبدأ الحيادية، وذلك على أساس أنّ الشرعنة القانونية للزواج المثلاني من شأنه أن يجبر بعض المواطنين على التسامح مع ما يرونه أمرًا مقيتًا من الناحية الأخلاقية (Jordan 1995, وراجع: Beckwith 2013). لكنّ هذه المحاكمة العقلية يبدو أنّها تعني ضمنًا، ويا للسخف، بأنّ الزواج بين الأعراق المختلفة يجب أن لا يشرعن قانونيًا لأنّه يثير الجدل. إنّ المطالبة بحقّ التساوي في المعاملة (إذا كان لمثل هذه المطالبة أن تدعم الزواج المثلاني) تتفوّق على الإهانة التي تلحق بمن يعترضون عليه؛ وليس مطلوبًا من الدولة أن تكون حيادية في مسائل العدالة (Beyer 2002; Boonin 1999; Schaff 2004; راجع أيضًا: Barry 2011, Walker 2015).

 

  1. 4. 4. الحجج المؤيّدة لإصلاح الزواج

طرح عدد من المنظّرين حججًا تدعو إلى إلغاء الزواج أو إعادة هيكلته؛ وبينما أصبح الزواج المثلاني يتمتّع بالاعتراف القانوني في جميع أنحاء الولايات المتّحدة الأمريكية بعد قرار المحكمة العليا في القضية المعنونة (Obergefell v Hodges 576 U.S. _ 2015)، جادل بعض الفلاسفة بأنّ العدالة تقتضي إصلاحًا إضافيًا؛ فمنهم من اقترح توفير عقود للزواج المؤقّت (Nolan 2016, Shrage 2013) والفصل بين الأطر القانونية للزواج وبين الرعاية الوالدية (Brennan and Cameron 2016, Shrage forthcoming). وثمّة رؤية أوسع تأثيرًا، سنناقشها في القسم الخامس، مفادها أنّ الزواج في ذاته اضطهادي وظالم، ولذلك لا بدّ من إلغائه (Card 1996, Fineman 2004, Chambers 2013). وهنالك حجّة أخرى لنقض الزواج القانوني أو خصخصته مفادها أنّه بغياب أيّ أساس عقلي ملحّ لقانون الزواج (كما ناقشناه في الفقرة 4. 2) يصبح إلغاء الزواج كتصنيف قانوني أمرًا يستمدّ دواعيه ممّا يصاحب الزواج من اعتبارات دينية أو أخلاقية؛ فالاعتبارات الدينية المصاحبة للزواج تتحمّل جزءًا من مسؤولية الجدل العمومي حول الزواج المثلاني؛ (وإذا) كان الزواج يعرّف أساسًا بالاستناد إلى رؤية دينية أو أخلاقية حول الخير، فعندها يمكن المحاججة بأنّ الاعتراف القانوني بالزواج ينتهك حيادية الدولة، أو حتّى الحرّية الدينية (Metz 2010, ولكن راجع أيضًا: Macedo 2015, May 2016, Wedgwood 2016).

وهنالك عدد من مقترحات الإصلاح التي تتوافق مع “نقض” الزواج؛ ومنها: التعاقدية الكاملة أو الخصخصة، فيترك أمر الزواج للكنائس والمنظّمات الخاصّة. ومن شأن “التعاقدية الزواجية” أن توكل أمر الاتّفاقيات بين الأزواج للقانون التعاقدي الساري، فتقضي على أيّة مكانة قانونية أو خاصة أو حقوق للزواج. ولقد دافع گاريت عن التعاقدية الزواجية باعتباره موقفًا افتراضيًا، محاججًا بأنّ تنظيم الدولة للعقود بين الأزواج وإنفاقها على إدارة شؤون الزواج وتعزيزه إنّما هو أمر يحتاج إلى تبرير. وبموجب هذه الرؤية فإنّ التعاقدية الزواجية هي المفضّلة بما فيها من كفاءة ومساواة وتنوّع وموافقة مطّلعة؛ لكنّها لا تقدّم تبريرًا كافيًا لما يحدث من إعادة توزيع مكلفة لأموال دافعي الضرائب على المتزوّجين، أو من أجل استدامة الوصمة الاجتماعية التي تلاحق غير المتزوّجين بسبب الزواج القانوني (Garrett 2009, راجع أيضًا Chartier 2016).

ومع ذلك، فإنّ الزواج يمنح حقوقًا لا تتوفّر من خلال التعاقد الخاصّ، والتي يمكن المحاججة في أنّها يجب عدم إلغائها، من أمثال: امتياز حقّ أحد الزوجين بالامتناع عن تقديم دليل يدين الآخر، أو التأهّل الخاص للهجرة. وهنالك اقتراح ثانٍ من شأنه المحافظة على أمثال هذه الحقوق مع إلغاء الزواج؛ وبموجب هذا الاقتراح ينبغي على الدولة أن تستعيض عن الزواج المدني كلّيًا بمكانة علمانية أشبه باتّحاد مدني أو شراكة أسرية، والتي يمكنها أن تخدم هدف تحديد الأشخاص المهمّين الآخرين الذين يحقّ لهم الحصول على المنافع الاجتماعية وحقوق زيارة الأطفال بعد الطلاق وغيرها (March 2010, 2011). وهذا الأمر من شأنه السماح بمعاملة متساوية لعلاقات الزواج المثلاني وفي الوقت نفسه: تقليص الخلاف، وتفادي انتهاك مبدأ حيادية الدولة، واحترام استقلالية المنظّمات الدينية من خلال عدم إجبارها على الاعتراف بالزواج المثلاني (Sunstein and Thaler 2008). وعلى الرغم من ذلك، فإنّ كلا الحلّين يعجزان عن حلّ النزاع بين الاستقلالية الدينية والمساواة في العلاقات المثلانية؛ فالخصخصة لا تحلّ هذا النزاع ما دامت المنظّمات الدينية منخرطة في المجتمع المدني (بما لديها من وظائف ومعونات، مثلًا). والسؤال هنا: هل ستسمح الاستقلالية الدينية للمؤسّسات الدينية، وفقًا لأدوارها المتوافقة مع الاقتراحين، باستثناء الاتّحادات المدنية المثلانية من معوناتها؟ إذ قد يدافع البعض عن الاستثناء باعتباره مسألة تنبع من الاستقلالية الدينية، لكنّها قد تواجه الاعتراض باعتبارها تمييزًا ظالمًا، كما يحدث، فرضًا وعلى سبيل المثال، عند عدم التساوي في المعاملة ضدّ الزواج بين أعراق مختلفة.

وهنالك قضية أخرى تنشأ عن هذين الاقتراحين، وهي: كيفية تعيين حدود العلاقات التي يشملها هذا الاعتراف. ولنتذكّر أوّلًا تهمة القانون الطبيعي الجديد التي ترى الليبرالية بأنّها ملازمة لـ”المرونة” التي ترفض تطبيقها على الزواج (الفقرة 3. 2. 1)؛ فمن الأسئلة المطروحة في هذا المجال: هل ينبغي توسيع الاعتراف ليشمل علاقات الزواج المتعدّد أو المحبّة المتعدّدة؟ يعتقد بعض المدافعين عن الزواج المثلاني بأنّ حججهم لا تستلزم الاعتراف بالزواج المتعدّد لما له من تأثيرات ظالمة على المرأة (Wedgwood 1999). لكنّ بعض حالات الزواج الأحادي ظالمة أيضًا (March 2011)، وهنالك حالات على أرض الواقع لعلاقات الزواج المتعدّد أو المحبّة المتعدّدة على شكل مجموعات من ثلاث نساء أو ثلاث رجال (Emens, 2004)؛ ولهذا فإنّ الاضطهاد ليس سمة تميّز بوضوح علاقات الزواج الأحادي عن علاقات الزواج المتعدّد. ولقد سعى بروكس إلى إظهار ما في الزواج المتعدّد من لامساواة بنيوية تميّزه بشكل خاصّ، وذلك عندما يكون لأحد الفرقاء (الزوج في العادة) المقدرة على تحديد من ينضمّ إلى الزواج بينما لا تمتلك الزوجات هذه المقدرة (Brooks 2009). لكنّ هذا الطرح يهمل أوضاعًا متنوّعة ممكنة أخرى، فإذا كان لإحدى “الضرائر” في الزواج المتعدّد، مثلًا، الحقّ القانوني بالزواج خارج إطار الزواج القائم، فليس هنالك حينها لامساواة بنيوية (Strauss 2012). والأمر الأكثر جوهريةً من غيره هو أنّ بعض الكتّاب حاججوا بأنّ الدولة التي تتّبع سياسة ليبرالية ينبغي عليها أن لا تملي على الناس ما يتبّعونه من ترتيبات في سعي أيّ فرد بالغ مؤهّل في مجالات المحبّة والجنس والحميمية ما دامت أعماله متوافقة مع مبادئ العدالة (Calhoun 2005, March 2011). ولقد حاجج بعض الفلاسفة بأنّ من ينخرط في علاقة زواج متعدّد أو محبّة متعدّدة يتعرّض للظلم باستثنائه من معونات الزواج، وبأنّ الاعتراف القانوني بالزواج المتعدّد (أو بالمجموعات الصغيرة من الأصدقاء) يمكنها المحافظة على المساواة (Brake 2014, Den Otter 2015, Shrage 2016). وختام الحجج أنّ تاريخ الوصمة العرقية للزواج المتعدّد يقدّم سببًا للتفكير في ما إذا كانت الأفكار المعادية للزواج المتعدّد تستند إلى أسس عادلة (Denike 2010).

ومن التهم التي يوجّهها المحافظيون أيضًا: أنّ المقاربة الليبرالية لا يمكنها منع زواج المحارم؛ وعلى الرغم من أنّ هذه القضية لم تطلق جدلًا كبيرًا يقترب في حجمه من جدل الزواج المتعدّد، فإنّ أحد المدافعين عن مقترح شمول الجميع بفكرة الاتحاد المدني قد أشار إلى أنّ منزلة الاتّحاد المدني، التي تستمدّ تبريرها من أفكار سياسية ليبرالية، لا تعني ضمنًا وجود علاقة جنسية أو رومانسية، وعلى هذا الأساس: فإنّ تأهّل أعضاء الأسرة البالغين لهذه المنزلة لا تعني مصادقة الدولة على زنا المحارم؛ أمّا السؤال عن ما إذا كان ينبغي على الدولة أن تحظر زنا المحارم أو تثبّط عنه فهو مسألة مستقلّة عن هذا السياق (March 2010).

وثمّة مشكلة إضافية تنشأ مع مقترح الاستعاضة عن الزواج باتّحادات مدنية على أسس حيادية؛ فالاتّحادات المدنية إذا كانت تحمل منافع قانونية شبيهة بما يحمله الزواج فهذا يعني أنّها ستتضمّن أيضًا تمييزًا قانونيًا (بين أعضاء الاتّحادات المدنية وبين من ليس عضوًا فيها) يتطلّب تبريرًا (للاطّلاع على مثال محدّد لهذه المشكلة في مجال قانون الهجرة، يمكن الرجوع إلى Ferracioli 2016). إذ يجب على الدولة أن تقدّم سببًا لهذا التمييز بالاعتماد على مدى الحصرية في معايير الدخول إلى الاتّحادات المدنية (على سبيل المثال: هل يسمح بالدخول إليها لأكثر من فريقين، وللمحارم، ولمن لا يرتبطون بعلاقات رومانسية؟)، ومدى شمولية المستحقات التي تحملها الاتّحادات المدنية. وفي ظلّ غياب الأسباب الحيادية الملزمة لمثل هذه المعاملة التمييزية، فإنّ اعتبارات الحرّية تقترح ضرورة امتناع الدولة عن تقديم أيّة منافع خاصّة لأعضاء الاتّحادات المدنية (أو العلاقات الحميمة) (Vanderheiden 1999, cf. Sunstein and Thaler 2008). وكما أشرنا في الفقرة (4. 2.)، فإنّ بعض أنصار الليبرالية السياسية قد سعوا إلى تقديم أسس عقلانية تبيّن السبب خلف ضرورة دعم الدولة الليبرالية لعلاقات محدّدة؛ وهذه الأسس العقلانية تولّد مقترحات إصلاحية. وتركّز إحدى المقاربات على حماية مقدّمي الرعاية الذين يعتمدون على غيرهم اقتصاديًا؛ فيقترح ميتز الاستعاضة عن الزواج المدني بـ”اتّحادات حميمية لتقديم الرعاية” من أجل حماية حقوق مقدّمي الرعاية المعتمدين على غيرهم اقتصاديًا (Metz 2010; cf. Hartley and Watson 2012). وهنالك مقاربة أخرى تعتقد بأنّ علاقات الرعاية نفسها، سواءً كانت علاقات صداقة أو علاقات رومانسية، يجب الاعتراف بقيمتها من قبل الدولة التي تنتهج الليبرالية السياسية، ووفقًا لهذا الاعتراف يجب على الدولة أن توزّع الحقوق التي تدعم تلك العلاقات بالتساوي؛ ومن شأن المقترح الإصلاحي الناتج، أي: “زواج الحدّ الأدنى”، أن يقدّم حقوقًا تدعم العلاقات بشكل مباشر، دون أن يشمل هذا الدعم منافع اقتصادية، ودون حصر الزواج بجنس معيّن أو بعدد محدّد من الفرقاء (Brake 2012).

إنّ الكثير من الرؤى التي ناقشناها حتّى هذا الموضع توحي ضمنًا بأنّ قانون الزواج الحالي ظالم لأنّه يستثني بعض المجموعات من منافعه على نحو اعتباطي؛ وهذا يستلزم، وفقًا لتلك الرؤى، أن الزواج يعني قبول المرء بامتيازات ظالمة. ويبدو أنّ هذا الأمر يقدّم سببًا لمقاطعة مؤسّسة الزواج ما دام هنالك شريحة من الناس مستثناة منها على نحو ظالم (Parsons 2008).

وآخر ما نناقشه في موضوعنا هو أنّ الإصلاح المطلوب لتكييف الزواج بحيث يتضمّن على الأقلّ شخصًا واحدًا متحوّل الجندر (transsexual) في ما يدعى (زواج متحوّلي الجندر) يطرح أسئلة مفاهيمية بشأن القانون والجندر. وإذا نظرنا إلى القانون الأمريكي الحالي فسنجده يقدّم خلطة متنوّعة لأمثال هذا الزواج، فبمجرّد انتقال الشخص متحوّل الجندر من ولاية أمريكية إلى ولاية أخرى قد يتغيّر جندره القانوني وحالته الزوجية (Cannon 2009, 85). وبينما توجد أسباب تتعلّق بالكفاءة والعدالة في الاعتراف بزواج متحوّلي الجندر (كضمان حقوق الإرث)، فإنّ روبسون يقترح أنّ الأساس العقلاني المبطّن لمثل هذا التشريع سيكون إشكاليًا من المنظور النسوي ذي الأهمّية الحاسمة في منظومة الجندر/الجنس. وعلى سبيل المثال: إنّ التشريع الذي يقرّ بأمثال هذا الزواج قد دعاه إلى ذلك إمكانية حصول جماع قضيبي-فرجي، وفي ذلك إعادة للتأكيد على أعراف الجنسانية الغيرانية (Robson 2007). لكنّ ثمّة منظّرون آخرون يرون بأنّ إمكانية زواج متحوّلي الجندر توحي، في ذاتها، بغياب الاستقرار أو الانسجام عن التصنيفات القانونية للجندر والقيود الجندرية في الزواج (Cannon 2009, Almeida 2012).

5. الزواج والاضطهاد

أدّى الزواج، على مدى التاريخ، دورًا مركزيًا في اضطهاد المرأة، وهذا يعني تعجيزها اقتصاديًا وسياسيًا ووضع حدّ للفرص المتوفّرة لها . وحتّى أواخر القرن التاسع عشر كانت عقيدة (الوضع الشرعي للمرأة المتزوّجة) في القانونين البريطاني والأمريكي تعلّق الشخصية القانونية للزوجة عند زواجها، وتستعيض عنها بالشخصية القانونية لزوجها، فتنزع عنها حقوقها بامتلاك العقارات، وإمضاء وصية الوفاة، واكتساب المال الخاصّ بها، وإبرام العقود، والانفصال عن زوجها، ولا تترك لها إلّا القليل من الحماية ضدّ سوء المعاملة الجسدية. ولقد استمرّ المشرّعون بفرض الأدوار القانونية الجندرية ضمن الزواج حتّى مدّة معتبرة من القرن العشرين (كانت تعرف بـ”قوانين الرئيس والسيّد”) من أجل استثناء الاغتصاب الزواجي من نطاق الجرائم التي تستوجب الملاحقة القانونية، وللسماح بإعاقة عمل المرأة المتزوّجة أو فرض ما يعيق عملها (Coontz 2006, 238; Cronan 1973; Kleingeld 1998). ولقد شبّه جون ستيوارت ميل بالعبودية وضع المرأة المتزوّجة في ظلّ قانون (الوضع الشرعي) السابق (راجع القسم الأوّل من هذه المادّة الموسوعية)؛ وبينما شهدت أواخر القرن العشرين إقرار القانون الأمريكي للحيادية الجندرية في المسؤوليات الزواجية القانونية ونهاية الإعفاء القانوني في حالات الاغتصاب الزواجي، فلا تزال انتقادات الاضطهاد توجّه للزواج حتّى يومنا هذا. إذ نجد تركيز الحركة النسوية في مجال الزواج منصبًّا على سوء المعاملة الزوجية (في الواقع، لا تزال بعض الولايات الأمريكية تعفي الأزواج من تهم الاعتداء الجنسي، Posner and Silbaugh 1996)، والتقسيم الجندري للعمل في الزواج، وتأثيرات الزواج على قوّة المرأة وفرصها الاقتصادية.

وبينما نظر ميل وإنگلز إلى تأسيس الزواج الأحادي باعتباره هزيمة لحقت بالجندر الأنثوي في ماضي الزمان، فإنّ توما الأكويني وكانت والكثير غيرهما نظر إليه كانتصار للمرأة أمّن لها شريكًا مخلصًا، وحماية، ودعمًا ماديًا؛ ولذلك نجد كانت يقول: «التشكيك في هذا الموضوع [الزواج] لا بدّ أن يكون له عواقب سيّئة على جنس النساء بأجمعه، وذلك لأنّ هذا الجنس سينحدر إلى مجرّد وسيلة لتلبية شهوات الجنس الآخر، وهو أمر ينتهي بسهولة إلى الضجر والخيانة الزوجية على الرغم من كلّ شيء. إن المرأة تتحرّر بالزواج، والرجل يخسر حرّيته بسببه» (Kant 1798, 210–211, [309]). وهذا الرأي، باعتباره نظرية تاريخية حول أصل الزواج تقول بأنّ الزواج الأحادي وفّر للمرأة ما تحتاجه من دعم مادّي، قد انكشف زيفه؛ ففي أولى مجتمعات الصيد والالتقاط يرجّح بأنّ بحث الأنثى عن الغذاء كان يقدّم حصيلة أكثر بالمقارنة مع ما كان يقدّمه الصيد الذي يقوم به الذكر، وكانت رعاية الأطفال تنظّم بين أعضاء الجماعة، وكان البقاء يقتضي وجود مجموعة أكبر من مجرّد ذكر وحيد يعيل شريكته الأنثى (Coontz 2006, 37–38). وإذا كان لنا أن نعتبره نظرية حول حماية المرأة من قبل شريكها الذكري، فلا بدّ أن نأخذ بالحسبان حالات الاغتصاب والعنف التي يرتكبها الشريك الذكري نفسه (على سبيل المثال: في الواقع الأمريكي المعاصر يمكن الرجوع إلى Tjaden and Thoennes 2000). وكنظرية حول الاختلاف الجندري فإنّ قصص نظرية التطوّر من نوع “هو كذلك” التي تزعم إثباتها أنّ المرأة أكثر ميلًا بطبيعتها إلى الزواج الأحادي تواجه تحدّي ما يطرحه فلاسفة البيولوجيا المناصرون للنسوية (Tuana 2004).

وبالإضافة لما سبق، لا يزال قانون الزواج أداة للاضطهاد العرقي؛ ففي وقت من الأوقات كانت معظم الولايات الأمريكية تحظر الزواج المختلط عرقيًا، لكنّ المحكمة العليا أبطلت القوانين المتعلّقة بهذا الحظر في العام (1967) (Wallenstein 2002, 253–254). ولم تكن قوانين حظر الزواج المختلط تتمكّن من الحيلولة دون وقوعه على أرض الواقع، لكنّها كانت تستثني المرأة ذات البشرة غير البيضاء وأبناءها من منافع الزواج، وكانت أيضًا بمثابة رمز قوي للفرق العرقي المزعوم. ويضاف إلى ما سبق أنّ أنماط الزواج في أوساط الأمريكيين الإفريقيين كانت تتشكّل وفقًا لمتطلّبات العبودية، فالشخص المستعبَد لا يمكنه الزواج بشكل قانوني، وكثيرًا ما كان يجري الفصل بين الأزواج وأطفالهم في تجمّعات العبيد (Cott 2000). ويحاجج الفلاسفة المعاصرون الذين يناقشون القضايا العرقية بأنّ الزواج لا يزال متورّطًا بالممارسة المنهجية للعنصرية (Collins 1998). وعلى سبيل المثال: لقد أدّت الظروف التاريخية إلى ممارسات لتشارُك تنشئة الأطفال في مجتمعات الأمريكيين الإفريقيين، وبعض نظريات الزواج توحي بأنّ أمثال هذه الممارسات أدنى شأنًا من الأسرة الزواجية. ويحاجج منظّرو الاضطهاد العرقي بأنّ أمثال هذه الممارسات يجب الاعتراف بها كبديل ذي قيمة، بل إنّهم يرون بأنّ القانون الذي يستثني هذه الممارسات من منافع الزواج يجب اعتباره ظالمًا من الناحية العرقية (Vanderheiden 1999; cf. Collins 1998, Card 1996).

وثمّة بحث حديث سلّط الضوء على الفجوة الزواجية المعاصرة في الولايات المتّحدة الأمريكية: فالأشخاص الأغنى في هذا البلد يزداد احتمال زواجهم بالمقارنة مع غيرهم (McClain 2013)؛ وهو أمر يدلّ على نوع مختلف من الصلة بين الزواج والاضطهاد: فمن تأثيرات اللامساواة الاجتماعية-الاقتصادية أنّها قد تحرم الأشخاص الأسوأ حالًا من الزواج (ربّما لأنّ الفقر يعيق تشكّل علاقات مستقرّة) وممّا يمكن للزواج تحقيقه من منافع قانونية. وثمّة من يحاجج بوجود حالة من عدم التوازن، ضمن المقاربات المساواتية، بين انتقاد الزواج باعتباره اضطهاديًا في جوهره وبين انتقاد المعوّقات التي تقف حائلًا دونه (Chambers 2013).

5. 1. المقاربات النسوية

إنّ استثناء الأسرة الزواجية من مجالات العدالة كان، ولا يزال، من المواضيع المتكرّرة الكبرى في الفلسفة السياسية النسوية؛ إذ دأبت الفلسفة السياسية على الميل إلى عزو العمليات الداخلية في الأسرة إلى الهيكلية الطبيعية أو العاطفة (Okin 1979, 1989)، وكان هذا يعني، تاريخيًا، بأنّ النطاق الخاص للزواج الذي تُحصَر به المرأة هو أيضًا نطاق عدم تدخّل الدولة، ولهذا فإنّ ما كان يحدث للمرأة لم يعدّ خاضعًا لأعراف العدالة. ثم توصّلت فلسفة القانون والسياسة، تدريجيًا، إلى إدراك وجوب اعتناق تساوي الحقوق والحريات في داخل النطاق الخاص أيضًا كما هو الحال في خارجه، ولا يزال الكثير من فلاسفة السياسة حتّى يومنا هذا يعارضون تطبيق مبادئ العدالة ضمن النطاق الخاصّ بشكل مباشر. ومع ذلك فإنّ أنصار النسوية يحاججون بأنّ الزواج المبني جندريًا في أيّامنا هذه يساهم في اللامساواة الاقتصادية للمرأة وفي تعجيزها، بل بأنّه من دعامات ذلك، وعليه فلا بدّ للعدالة أن تنظّم شروط الزواج، حتّى إذا أدّى ذلك إلى التدخّل بالعلاقات الزوجية الطوعية.

ولقد أشرنا قبل قليل إلى أنّ أحد الأسس العقلانية الراسخة لاستثناء الأسرة من أعراف العدالة هو أنّ العلاقات الطبيعية من العاطفة والثقة أعلى شأنًا من كونها مجرّد علاقات عادلة وأنّ الأسرة معرّضة لخطر تفسيرها على أساس العدالة (Hegel 1821, §75, §161A; Sandel 1982, 31–35). لكنّ سوء المعاملة في الزواج واللامساواة في الانفصال مشكلتان مهمّتان تصل فداحتهما، وفقًا للمنتقدين، إلى حدّ يفوق أهمّية الإيجابيات الأقلّ وضوحًا؛ والحقوق ضمن الزواج يمكنها أن تحمي الأزواج عندما تفشل العاطفة في ذلك (Waldron 1988). وعلاوة على ذلك، فليس من الواضح ما إذا كان من الحتمي التضارب بين العاطفة والعدالة، فالالتزام بالمعاملة العادلة بين الأزواج يمكن أن يصبح جزءًا من المحبّة الزواجية (Kleingeld 1998). وآخر ما نضيفه هنا أنّ الزواج جزء من البنية الرئيسية للمجتمع، ولهذا فإنّه، وضمن الليبرالية الرولزية على الأقلّ، يخضع لمبادئ العدالة؛ لكنّ هذا لا يحدّد الكيفية التي يجب على مبادئ العدالة أن تفسّر الزواج وفقًا لها، فالافتراض الليبرالي الأوّلي هو أنّ الزواج، باعتباره رابطة طوعية، يجب تنظيمه على النحو الذي يرغب به الأزواج، وذلك ما دامت خياراتهم لا تؤدّي إلى الظلم (Rawls 1997, 792). وسنعود إلى مناقشة هذا الأمر في ما يلي.

إنّ أنصار النسوية يركّزون اهتمامهم على الزواج لما له من تأثيرات على الفرص في حياة المرأة، فالسلبيات المستمرّة التي تتراكم على المرأة بسبب الزواج تمّ توثيقها على نطاق واسع، وتشير بعض التحليلات النسوية إلى أنّ هذه السلبيات تقوّي اللامساواة الجندرية (هنالك تفسيرات مضادّة تولي أهمّية أكبر للتشييء الجنسي أو التمييز في مكان العمل). إذ تؤدّي الزوجة، حتّى من تعمل لدوام كامل خارج المنزل، من الأعمال المنزلية ما يزيد على ما يؤدّيه الزوج، وإن نوبة العمل الثانية هذه تؤثّر على تنافسها في مكان العمل. وإنّ التعيين الاجتماعي للمسؤولية الرئيسية في رعاية الأطفال للمرأة، مترافقًا مع صعوبة الجمع بين رعاية الأطفال والعمل المأجور، يؤدّي أيضًا إلى إضعاف المرأة الأم في مكان العمل (Maushart 2001, Okin 1989, Chapter 7). وبالتصاحب بين التقسيم الجندري للعمل وبين حقيقة مفادها أنّ المرأة أقلّ حصولًا على أجر جيّد بالمقارنة مع الرجل، يصبح من الأرجح أن تقوم المرأة، لا الرجل، بخفض مرتبتها الوظيفية، أو اختيار وظيفة بدوام جزئي، أو البقاء في المنزل لتسهيل تنشئة الأطفال أو بسبب التضارب بين وظيفتي الزوجين؛ وهي خيارات تجعل المرأة “معرّضة بسبب الزواج”: فالتبعية الاقتصادية، والاعتماد على الزواج للحصول على منافع كالضمان الصحّي، ترعى عدم المساواة في السلطة وتعسّر الخروج من الزواج، وبالتالي فهي تسهّل حصول سوء المعاملة (Okin 1989, Chapter 7, Card 1996, Brake 2016, Ferguson 2016).

وكما ناقشنا في الفقرة (4. 2)، فإنّ الأسس العقلانية للمساواة أو تكافؤ الفرص تساق في التعامل مع حالات انعدام المساواة الاقتصادية التي تنشأ ضمن الزواج من خلال قانون الطلاق (Okin 1989, Chapters 7 and 8; Shanley 2004, 3–30, Rawls 1997, 787–794). لكنّ قانون الطلاق لا يتعامل مع المصادر غير الاقتصادية لاختلالات تكافؤ السلطة (تأميم الدور الجندري، مثلًا) ضمن الزواج الراهن، وهو لا يتعامل أيضًا مع الطريقة المنهجية التي تنشأ وفقها أمثال حالات اللامساواة هذه. ويبدو أنّ تكافؤ الفرص يتطلّب تغيير الأعراف الاجتماعية المتعلّقة بالزواج بطرائق يعجز عنها قانون الطلاق؛ فأوّلًا: إنّ التقسيم الجندري للعمل في الزواج الراهن مكلف للمرأة (Kleingeld 1998, Maushart 2001)، وثانيًا: إنّ حالات اختلال تكافؤ السلطة ضمن الزواج تضع حدودًا لتوقّعات الفتيات وتعلّم الأطفال على قبول اللامساواة الجندرية (Okin 1989, Chapter 7, Okin 1994)، وثالثًا: إنّ التطلّع للزواج يؤثّر على استثمار المرأة في قدرتها على الكسب قبل الزواج (Okin 1989, Chapter 7. أمّا من يريد الاطّلاع على محاججة ترى عدالةً في بعض تراتبيات الزواج وما فيه من لامساواة، فيمكنه مراجعة: Landau 2012).

ويمكن التعامل مع هذه الأعراف الاجتماعية من خلال التعليم أو الحملات الإعلامية التي تروّج للتقسيم المنصف لأعمال المنزل. ويمكن للإجراءات القانونية (كاشتراط الحيازة المتساوية لكلّ الدخل في الزواج) أن تشجّع على تكافؤ السلطة ضمن الزواج (Okin 1989, Chapter 8). لكنّ تدخّل الدولة في حالات الزواج المستمرّة يمكن المحاججة بأنّه يتضارب مع حرّيات الأزواج (Rawls 1997, 787–794)؛ ويبدو أنّ هذا الأمر يثير مشكلة نظرية عند النسوية الليبرالية، فالمقاربات النسوية الليبرالية الحديثة للزواج تركّز على الكيفية التي يمكن بها لقانون عادل للزواج أن يحمي مصالح المرأة، بالإضافة إلى الكيفية التي يمكن بها للإجراءات المتّخذة بشأن الخلفية الاجتماعية (كالتعليم) أن تتعامل مع اللامساواة الجندرية في المجتمع (Brake 2012, Chapter 7; Hartley and Watson 2012).

وبينما ركّز الكثير من أنصار النسوية على إصلاح الزواج، كان هنالك غيرهم ممّن حاجج لإلغائه (Chambers 2013). إذ يُدّعى أحيانًا بأنّ الزواج مبنيّ في الأصل، من الناحية الاجتماعية، على أعراف التمييز الجندري، ممّا يستبعد إمكانية إجراء إصلاح نسوي حقيقي. وبموجب هذه الرؤى فإنّ إلغاء الزواج ضروري لإعادة تشكيل التوقّعات الاجتماعية وتغيير أنماط الخيارات المصاحبة له. وعلى سبيل المثال: إنّ الزواج القانوني قد يشجّع على التبعية الاقتصادية للمرأة من خلال تمكين وتقديم محفّزات لهذه التبعية، ولهذا فإنّ البنية القانونية للزواج، جنبًا إلى جنب مع الأعراف الاجتماعية، ينظر إليها بأنّها تشجّع الخيارات التي تعجّز المرأة، وذلك بالمقارنة مع حال الرجل. ويضاف إلى ذلك أنّ الاعتراف القانوني بالزواج نفسه يروّج لمثل أعلى لعلاقة محبّة مركزية حصرية يرى بعض النسويين بأنّها تشجّع المرأة على اتّخاذ خيارات سلبية عبر تلقينها تقييمًا مبالغًا به لأمثال هذه العلاقات، وذلك على حساب طموحاتها الأخرى. ولهذا نجد فيلسوفة النسوية سيمون دي بوڤوار (1908-1986) تعرّف في كتابها (الجنس الثاني) التوقّعات المحيطة بالزواج على أنّها أحد الوسائل الأوّلية التي تجري بها التهيئة الاجتماعية للمرأة لتدخل عالم النساء، وهي ترى بأنّ هذا الأمر يحدّ من النطاق المتاح لها: فالزواج هو «المصير الذي يقدّمه المجتمع بشكل تقليدي للمرأة» (de Beauvoir 1949 [1989], 425)، ممّا يقود المرأة إلى التركيز على جاذبيتها كشريك في التزاوج، لا على الدراسة أو المهنة أو غيرها من الطموحات. ولهذا السبب رفض بعض أنصار النسوية المثل العليا لعلاقات المحبّة الحصرية الرومانسية، وحاججوا بأنّ المرأة يجب عليها أن تختار الزواج غير الأحادي أو الانفصالية المثلانية (Firestone 1970). أمّا الفكرة القائلة بأنّ الزواج مرتبط بالضرورة بأمثال ما ذكرناه من المثل الأعلى للمحبّة الرومانسية فهي تقتضي قدرًا أكبر من البحث سنتناوله في القسم التالي.

 

5. 2. النقد الشذوذي

وكما أنّ بعض أنصار النسوية يحاجج بأنّ الزواج يتّصف في أصله بالتمييز الجندري، فهنالك أيضًا من فلاسفة (أصحاب الميول الجنسانية اللواطية والسحاقية والمزدوجة والمتحوّلين جنسيًا) ممّن يحاجج بأنّ الزواج غيراني الجنسانية بالضرورة (بعض هؤلاء الفلاسفة يشيرون إلى أنفسهم بمنظّري الشذوذية في جهد منهم للمساعدة على استرجاع كلمة “الشذوذ queer” من استخدامها الازدرائي الذي ساد في مرحلة سابقة). ولقد سعى منظّرو الشذوذية إلى عرض رأي مفاده أنّ نطاقًا واسعًا من المؤسّسات الاجتماعية يبدي غيرانية المعايير (heteronormativity)، أي: الافتراض بأنّ الجنسانية الغيرانية والاختلاف الجندري معيار من المعايير. وبما أنّ منظّري الشذوذية يقاومون معيارية الجندر بالإضافة إلى معيارية الجنسانية الغيرانية، فهذا يعني وجود تداخل بين انتقاداتهم الموجّهة للزواج وبين مثيلاتها الموجّهة لبعض أنصار النسوية، وخصوصًا النسوية السحاقية. إذ يرى منتقدو غيرانية المعايير هؤلاء بأنّ الزواج المثلاني أمر غير مرغوب به لأنّه يماثل بين علاقات الزواج المثلاني وبين الزواج النموذجي ذي الطبيعة الغيرانية بالضرورة: «يقلق منظّرو الشذوذية من أن يكون السعي إلى حقوق الزواج ذا نزعة تماثلية، وذلك لأنّه يقوم على أساس رؤية مفادها أنّ من الأفضل للعلاقات اللواطية والسحاقية أن تكون أشبه ما يمكن بالعلاقات الحميمية التقليدية الغيرانية» (Calhoun 2000, 113). وبموجب هذه الرؤية، فإنّ توسيع نطاق الزواج ليشمل الزواج المثلاني سيؤدّي إلى تقويض جهود تحرّر اللواطيين والسحاقيات، عوضًا عن إيصالها إلى مرامها.

ومن الجدير بالذكر هنا أنّ بعض حجج الزواج المثلاني تدّعي بأنّ العلاقات المركزية الحصرية ذات قيمة، وبأنّ الزواج المثلاني من شأنه أن ينفع اللواطيين والسحاقيات بتشجيعهم على الدخول في أمثال هذه العلاقات (مثلًا: Macedo 2005; راجع الفقرة 3. 3). لكنّ منتقدي غيرانية المعايير، وبالاعتماد على تجارب مرّ بها اللواطيون والسحاقيات، قد حاججوا بأنّ المثل الأعلى للعلاقة المركزية الحصرية هو نموذج غيراني الجنسانية؛ ويلاحظ هؤلاء المنتقدون أنّ اللواطيين والسحاقيات دائمًا ما يختارون علاقات أقلّ تملّكية وأكثر مرونة بالمقارنة مع الزواج الأحادي. وعوضًا عن الاعتراف بالعلاقات المتنوّعة الموجودة في أوساط اللواطيين والسحاقيات، فإنّ الزواج المثلاني من شأنه المماثلة بين العلاقات اللواطية والسحاقية وبين النموذج الغيراني. وبينما يحاجج بعض أنصار الزواج المثلاني بأنّ الحالة الزواجية من شأنها أن تمنح الشرعية للعلاقات المثلانية، فإنّ هؤلاء المنتقدين يحاججون بأنّه لا يجب على الدولة أن تمنح الشرعية (وبالتالي فهذا يعني ضمنيًا بالإضافة لذلك: أنّ عليها أن لا تنزع الشرعية) من العلاقات التي تنشأ بين البالغين بالتراضي، كما هو الحال في وجوب عدم تمييز الدولة بين من يولد ضمن إطار الزواج وخارجه؛ إذ يُعتقَد بأنّ إجراءات منح الشرعية هذه تثبّط التنوّع، بل إنّ هنالك من يرى بأنّ الزواج المثلاني من شأنه تعريض اللواطيين والسحاقيات إلى سلبيات الزواج، وحتّى شروره، أي: المحفّزات الاقتصادية لاستمرار زواج يفتقر إلى المحبّة، وقلّة خيارات الخروج منه، ممّا يساعد على العنف وسوء المعاملة (Card 1996, 2007, Ettelbrick 1989).

وهنالك فلاسفة آخرون بحثوا في موضوع اضطهاد اللواطيين والسحاقيات وردّوا مدافعين عن الزواج المثلاني بأنّه لا يخدم تحرّر هذه الشريحة وحسب، بل هو ضروري لهذا التحرّر؛ وذلك لأنّ استثناء اللواطيين والسحاقيات من الزواج يصمهم بعلامة تشير إلى مكانة متدنية، ولذلك فالزواج المثلاني من شأنه أن يقلّل من شأن وصمة العار التي تلاحق المثلانية، ويضاف إلى ذلك أنّ تكاليف الزواج المثلاني يجب أن ترجح عليها منافع هذا الزواج، كالرعاية الصحّية والمأوى وحقوق الوصاية والإرث والوضع الضريبي والهجرة (Calhoun 2000, Chapter 5, Ferguson 2007, Mayo and Gunderson 2000). وآخر ما يذكر في هذا المجال أنّ المدافعين عن الزواج المثلاني يردّون على الهواجس المتعلّقة باندماج اللواطيين والسحاقيات بأنّ الزواج يمكنه أن يعزّز التسامح، لا أن يقمعه. وليس من الضروري للزواج أن يستلزم الأحادية؛ فهنالك من يحاجج بأنّ الزواج المثلاني يمكنه أداء الوظيفة التحريرية من خلال تعليم ذوي الجنسانية الغيرانية بأنّه لا الأدوار الجندرية ولا أوحدية الزوج ضروريان للمحبّة والزواج (Mohr 2005, 69–9, cf. Halwani 2003, Chapter 3).

إنّ الانتقادات المواجهة من أنصار النسوية والشذوذية للزواج باعتبار أنّه في أصله يمارس التمييز الجندري، أو أنّه في أصله يمارس التمييز على أساس غيرانية الجنسانية، تواجه الاعتراض نفسه الذي يقف ضدّ الادّعاءات الأخرى حول معنى الزواج؛ فإذا كان الزواج قد اتّصف في السابق بميزات خاصّة فهذا لا يستلزم أن تكون هذه الميزات متأصّلة فيه؛ ولهذا، فعوضًا عن إعادة إنتاج الأنماط التي تمارس التمييز على أساس الجندر وغيرانية الجنسانية، يمكن للزواج المثلاني أن يخدم تحرّر المرأة والمثلانيين، وحتى أّنه قد يفتح الباب أمام الاعتراف بمجموعة أكثر تنوّعًا من أشكال الأسرة (Ferguson 2007, Mayo and Gunderson 2000, Calhoun 2005).

 


بيبليوگرافيا

أعمال معاصرة

    • Abbey, Ruth, and Den Uyl, Douglas, 2001, “The Chief Inducement? The Idea of Marriage As Friendship,” Journal of Applied Philosophy, 18(1): 37–52.
    • Almeida, Luís Duarte d’, forthcoming 2012, “Legal Sex,” Oxford Studies in Philosophy of Law(Volume 2), Oxford: Oxford University Press.
    • Altman, Matthew C., 2010, “Kant on Sex and Marriage: The Implications for the Same-Sex Marriage Debate,” Kant-Studien, 101(3): 309–330.
    • Arneson, Richard, 2005, “The Meaning of Marriage: State Efforts to Facilitate Friendship, Love, and Childrearing,” San Diego Law Review, 42: 979–1001.
    • Arroyo, Christopher, forthcoming, “Is the Same-sex Marriage Debate Really Just about Marriage?,” Journal of Applied Philosophy, online December 2015, doi:10.1111/japp.12161
    • Baltzly, Vaughn Bryan, 2012, “Same-Sex Marriage, Polygamy, and Disestablishment,” Social Theory and Practice, 38(2): 333–362.
    • Barry, Peter Brian, 2011, “Same-Sex Marriage and the Charge of Illiberality,” Social Theory and Practice, 37(2): 333–357.
    • Beckwith, Francis J., 2013, “Justificatory Liberalism and Same-Sex Marriage,” Ratio Juris, 26(4): 487–509.
    • Bennett, Christopher, 2003, “Liberalism, Autonomy, and Conjugal Love,” Res Publica, 9: 285–301.
    • Beyer, Jason A., 2002, “Public Dilemmas and Gay Marriage: Contra Jordan,” Journal of Social Philosophy, 33(1): 9–16.
    • Boonin, David, 1999, “Same-Sex Marriage and the Argument from Public Disagreement,” Journal of Social Philosophy, 30(2): 251–259.
    • Boswell, John, 1994, The Marriage of Likeness: Same-Sex Unions in Pre-Modern Europe, London: HarperCollins.
    • Brake, Elizabeth, 2005, “Justice and Virtue in Kant’s Account of Marriage,” Kantian Review, 9: 58–94.
    • –––, 2012, Minimizing Marriage: Marriage, Morality, and the Law, New York: Oxford University Press.
    • –––, 2014, “Recognizing Care: The Case for Friendship and Polyamory,” Syracuse Law and Civic Engagement Journal, 1, [available online].
    • –––, 2016, “Equality and Non-Hierarchy in Marriage: What Do Feminists Really Want?,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 100–124.
    • Brennan, Samantha, and Bill Cameron, 2016, “Is Marriage Bad for Children? Rethinking the Connection between Having Children, Romantic Love, and Marriage,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 84–99.
    • Brooks, Thom, 2009, “The Problem with Polygamy,” Philosophical Topics, 37(2): 109–22.
    • Buccola, Nicholas, 2005, “Finding Room for Same-Sex Marriage: Toward a More Inclusive Understanding of a Cultural Institution,” Journal of Social Philosophy, 36(3): 331–343.
    • Calhoun, Cheshire, 2000, Feminism, the Family, and the Politics of the Closet: Lesbian and Gay Displacement, Oxford: Oxford University Press.
    • –––, 2005, “Who’s Afraid of Polygamous Marriage? Lessons for Same-Sex Marriage Advocacy from the History of Polygamy,” San Diego Law Review, 42: 1023–1042.
    • Cannon, Loren, 2009, “Trans-Marriage and the Unacceptability of Same-Sex Marriage Restrictions,” Social Philosophy Today, 25: 75–89.
    • Card, Claudia, 1996, “Against Marriage and Motherhood,” Hypatia, 11(3): 1–23.
    • Card, Claudia, 2007, “Gay Divorce: Thoughts on the Legal Regulation of Marriage,” Hypatia, 22(1): 24–38.
    • Cave, Eric M., 2003, “Marital Pluralism: Making Marriage Safer for Love,” Journal of Social Philosophy, 34(3): 331–347.
    • –––, 2004, “Harm Prevention and the Benefits of Marriage,” Journal of Social Philosophy, 35(2): 233–243.
    • Chambers, Clare, 2013, “The Marriage-Free State,” Proceedings of the Aristotelian Society, 113 (2): 123–143.
    • –––, 2016, “The Limitations of Contract: Regulating Personal Relationships in a Marriage-Free State,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 51–83.
    • Chan, Sarah, and Daniela Cutas (eds.), 2012, Families ––Beyond the Nucelar Ideal, New York: Bloomsbury Academic.
    • Chartier, Gary, 2016, Public Practice, Private Law: An Essay on Love, Marriage, and the State, Cambridge: Cambridge University Press.
    • Collins, Patricia Hill, 1998, “It’s All in the Family: Intersections of Gender, Race, and Nation,” Hypatia, 13(3): 62–82.
    • Coontz, Stephanie, 2006, Marriage: a History, London: Penguin.
    • Corvino, John, 2005, “Homosexuality and the PIB Argument,” Ethics, 115: 501–534.
    • Cott, Nancy, 2000, Public Vows: A History of Marriage and the Nation, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
    • Cronan, Sheila, 1973, “Marriage,” in Radical Feminism, ed. Anne Koedt, Ellen Levine, Anita Rapone, New York: Quadrangle.
    • Crookston, Emily, 2014, “Love and Marriage?,” Journal of Moral Philosophy, 11(4): 267–289.
    • De Marneffe, Peter, 2016, “Liberty and Polygamy,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 125–159.
    • Den Otter, Ron, 2015, In Defense of Plural Marriage, Cambridge: Cambridge University Press.
    • Denike, Margaret, 2010, “The Racialization of White Man’s Polygamy,” Hypatia, 25(4): 852–874.
    • Devlin, Patrick, 1965, The Enforcement of Morals, Oxford: Oxford University Press.
    • Emens, Elizabeth F., 2004, “Monogamy’s Law: Compulsory Monogamy and Polyamorous Existence,” New York University Review of Law and Social Change, 29: 277–376.
    • Ettelbrick, Paula, “Since When is Marriage a Path to Liberation?,” 1989, Out/look: National Lesbian and Gay Quarterly, 6(9): 14–17; reprinted in Andrew Sullivan (ed.), Same-Sex Marriage: Pro and Con, New York: Vintage, 2004, pp. 122–128.
    • Ferguson, A., 2007, “Gay Marriage: An American and Feminist Dilemma,” Hypatia: A Journal of Feminist Philosophy, 22(1): 39–57.
    • Ferguson, Michaele L., 2016, “Vulnerability by Marriage: Okin’s Radical Feminist Critique of Structural Gender Inequality,” Hypatia(A Journal of Feminist Philosophy), 31(3): 687–703.
    • Ferracioli, Luara, 2016, “Family Migration Schemes and Liberal Neutrality: A Dilemma,” Journal of Moral Philosophy, 13(5): 553–575.
    • Fineman, Martha, 2004, The Autonomy Myth: A Theory of Dependency, New York: The New Press.
    • Finnis, John, 1994, “Law, Morality, and ‘Sexual Orientation’,” Notre Dame Law Review, 69: 1049–1076.
    • –––, 1997, “The Good of Marriage and the Morality of Sexual Relations: Some Philosophical and Historical Observations,” American Journal of Jurisprudence, 42: 97–134.
    • –––, 2008, “Marriage: A Basic and Exigent Good,” The Monist, 91(3–4): 388–406.
    • Firestone, Shulamith, 1970, The Dialectic of Sex: The Case for Feminist Revolution, New York: William Morrow and Co.
    • Galston, William, 1991, Liberal Purposes, Cambridge: Cambridge University Press.
    • Garrett, Jeremy, 2008, “History, Tradition, and the Normative Foundations of Civil Marriage,” The Monist, 91(3–4): 446–474.
    • –––, 2008, “Why the Old Sexual Morality of the New Natural Law Undermines Traditional Marriage,” Social Theory and Practice, 34(4): 591–622.
    • –––, 2009, “A Prima Facie Case Against Civil Marriage,” Southwest Philosophy Review, 25(1): 41–53.
    • George, Robert P., 2000, “‘Same-Sex Marriage’ and ‘Moral Neutrality’,” in Homosexuality and American Public Life, Christopher Wolfe (ed.), Dallas: Spence Publishing Company, pp. 141–153.
    • Gheaus, Anca, 2016, “The (Dis)value of Commitment to One’s Spouse,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 204–224.
    • Girgis, Sherif, Robert P. George, and Ryan T. Anderson, 2010, “What is Marriage?” Harvard Journal of Law and Public Policy, 34(1): 245–288.
    • Goldstein, Joshua D., 2011, “New Natural Law Theory and the Grounds of Marriage,” Social Theory and Practice, 37 (3): 461–482.
    • Grisez, Germain, 1993, The Way of the Lord Jesus, vol. 2 Living a Christian Life, Quincy, IL: Franciscan Press.
    • Halwani, Raja, 2003, Virtuous Liaisons, Peru, IL: Open Court.
    • Hartley, Christie, and Watson, Lori, 2012, “Political Liberalism, Marriage and the Family,” Law and Philosophy, 31(2): 185–212.
    • Herman, Barbara, 1993, “Could it be worth thinking about Kant on sex and marriage?,” in A Mind of One’s Own, Louise Antony and Charlotte Witt (eds.), Oxford: Westview Press, pp. 49–67.
    • Houlgate, Laurence, 2005, Children’s Rights, State Intervention, Custody and Divorce: Contradictions in Ethics and Family Law, Lewiston, NY: The Mellen Press.
    • Johnson, Rebekah, 2013, “Marriage and the Metaphysics of Bodily Union,” Social Theory and Practice, 39(2): 288–312.
    • Jordan, Jeff, 1995, “Is It Wrong to Discriminate on the Basis of Homosexuality?,” Journal of Social Philosophy, 26(1): 39–52.
    • Kleingeld, Pauline, 1998, “Just Love? Marriage and the Question of Justice,” Social Theory and Practice, 24(2): 261–281.
    • Kronqvist, Camilla, 2011, “The Promise That Love Will Last,” Inquiry, 54(6): 650–668.
    • Kymlicka, Will, 1991,“Rethinking the Family,” Philosophy and Public Affairs, 20(1): 77–97.
    • Landau, Iddo, 2004, “An Argument for Marriage,” Philosophy, 79: 475–481.
    • –––, 2012, “Should Marital Relations be Non-Hierarchical?,” Ratio, 25(1): 51–67.
    • Lee, Patrick, 2008, “Marriage, Procreation, and Same-Sex Unions,” The Monist, 91(3–4): 422–438.
    • Macedo, Stephen, 1995, “Homosexuality and the Conservative Mind,” Georgetown Law Review, 84: 261–300.
    • –––, 2015, Just Married: Same-Sex Couples, Monogamy & the Future of Marriage, Princeton: Princeton University Press.
    • Mahoney, Jon, 2008, “Liberalism and the Polygamy Question,” Social Philosophy Today, 23: 161–174.
    • March, Andrew F., 2010, “What Lies Beyond Same-Sex Marriage? Marriage, Reproductive Freedom and Future Persons in Liberal Public Justification,” Journal of Applied Philosophy, 27(1): 39–58.
    • March, Andrew F., 2011, “Is There a Right to Polygamy? Marriage, Equality, and Subsidizing Families in Liberal Political Justification,” Journal of Moral Philosophy, 8: 246–272.
    • Marquis, Don, 2005, “What’s Wrong with Adultery?,” in What’s Wrong?, Graham Oddie and David Boonin (eds.), New York: Oxford University Press, pp. 231–238.
    • Martin, Mike W., 1993, “Love’s Constancy,” Philosophy, 68(263): 63–77.
    • –––, 1994, “Adultery and Fidelity,” Journal of Social Philosophy, 25(3): 76–91.
    • Maushart, Susan, 2001, Wifework: What Marriage Really Means for Women, New York: Bloomsbury.
    • May, Simon, 2016, “Liberal Neutrality and Civil Marriage,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 9–28.
    • Mayo, David J. and Gunderson, Martin, 2000, “The Right to Same-Sex Marriage: A Critique of the Leftist Critique,” Journal of Social Philosophy, 31(3): 326–337.
    • McClain, Linda C., 2013, “The Other Marriage Equality Problem,” Boston University Law Review, 93(3): 921–970.
    • McMurtry, John, 1972, “Monogamy: A Critique,” The Monist, 56: 587–99.
    • Mendus, Susan, 1984, “Marital Faithfulness,” Philosophy, 59: 243–252.
    • Mercier, Adèle, 2001, Affidavit, Ontario Superior Court of Justice (Divisional Court), Between Halpern al. (Applicants) and Canada (Attorney General) et al. (Respondents), Court file 30/2001, 30/2001, Nov. [available online]
    • Metz, Tamara, 2010, Untying the Knot: Marriage, the State, and the Case for their Divorce, Princeton, NJ: Princeton University Press.
    • Mohr, Richard D., 2005, The Long Arc of Justice: Lesbian and Gay Marriage, Equality, and Rights, New York: Columbia University Press.
    • Moller, Dan, 2003, “An Argument Against Marriage,” Philosophy, 78(1): 79–91.
    • Morse, Jennifer Roback, 2006, “Why Unilateral Divorce Has No Place in a Free Society,” in The Meaning of Marriage, Robert P. George and Jean Bethke Elshtain (eds.), Dallas: Spence Publishing Co, pp. 74–99.
    • Murphy, Timothy F., 2011, “Same-Sex Marriage: Not a Threat to Marriage or Children,” Journal of Social Philosophy, 42(3): 288–304.
    • Nolan, Daniel, 2016, “Temporary Marriage,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 180–203.
    • Nussbaum Martha, 1999, Sex and Social Justice, Oxford: Oxford University Press.
    • Okin, Susan Moller, 1979, Women in Western Political Thought, Princeton: Princeton University Press.
    • –––, 1989, Justice, Gender, and the Family, New York: Basic Books.
    • –––, 1994, “Political Liberalism, Justice, and Gender,” Ethics, 105(1): 23–43.
    • Papadaki, Lina, 2010, “Kantian Marriage and Beyond: Why It Is Worth Thinking About Kant on Marriage,” Hypatia, 25 (2): 276–294.
    • Parsons, Kate, 2008, “Subverting the Fellowship of the Wedding Ring,” Journal of Social Philosophy, 39(3): 393–410.
    • Pateman, Carole, 1988, The Sexual Contract, Cambridge: Polity Press.
    • Posner, Richard, and Silbaugh, Katharine, 1996, A Guide to America’s Sex Laws, Chicago: The University of Chicago Press.
    • Rajczi, Alex, 2008, “A Populist Argument for Same-Sex Marriage,” The Monist, 91(3–4): 475–505.
    • Rawls, John, 1997, “The Idea of Public Reason Revisited,” The University of Chicago Law Review, 64(3): 765–807.
    • Raz, Joseph, 1986, The Morality of Freedom, Oxford: Oxford University Press.
    • Robson, Ruthann, 2007, “A Mere Switch or a Fundamental Change? Theorizing Transgender Marriage,” Hypatia, 22 (1): 58–70.
    • Sandel, Michael, 1982, Liberalism and the Limits of Justice, Cambridge: Cambridge University Press.
    • Savulescu, Julian, and Sandberg, Anders, 2008, “Neuroenhancement of Love and Marriage: The Chemicals Between Us,” Neuroethics, 1: 31–44.
    • Schaff, Kory, 2004, “Equal Protection and Same-Sex Marriage,” Journal of Social Philosophy, 35(1): 133–147.
    • Scruton, Roger, 1986, Sexual Desire, London: The Free Press.
    • Shanley, Mary Lyndon, et al., 2004, Just Marriage, Oxford: Oxford University Press (includes title essay by Shanley and short replies by 13 others).
    • Shrage, Laurie, 2013, “Reforming Marriage: A Comparative Approach,” Journal of Applied Philosophy, 30(2): 107–121.
    • –––, 2016, “Polygamy, Privacy, and Equality,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 160–179.
    • –––, forthcoming, “Decoupling Marriage and Parenting,” Journal of Applied Philosophy, online August 2016, doi:10.1111/japp.12241
    • Sommers, Christina Hoff, 1989, “Philosophers Against the Family,” in Person to Person, George Graham and Hugh LaFollete (eds.), Philadelphia: Temple University Press.
    • Steinbock, Bonnie, 1986, “Adultery,” QQ: Report from the Center for Philosophy and Public Policy, 6(1): 12–14.
    • Stivers, Andrew, and Valls, Andrew, 2007, “Same-sex marriage and the regulation of language,” Politics, Philosophy and Economics, 6(2): 237–253.
    • Strauss, Gregg, 2012, “Is Polygamy Inherently Unequal?,” Ethics, 122(3): 516–544.
    • Sunstein, Cass, and Thaler, Richard, 2008, “Privatizing Marriage,” The Monist, 91(3–4): 377–387.
    • Tjaden, Patricia, and Thoennes, Nancy, 2000, “Full Report of the Prevalence, Incidence, and Consequences of Violence Against Women,” Findings from the National Violence Against Women Survey, published by the U. S. Department of Justice, NCJ 183781.
    • Tuana, Nancy, 2004, “Coming to Understand: Orgasm and the Epistemology of Ignorance,” Hypatia, 19(1): 194–232.
    • Vanderheiden, Steve, 1999, “Why the State Should Stay Out of the Wedding Chapel,” Public Affairs Quarterly, 13(2): 175–190.
    • Waldron, Jeremy, 1988, “When Justice Replaces Affection: The Need for Rights,” Harvard Journal of Law and Public Policy, 11(3): 625–647.
    • –––, 1988–89, “Autonomy and Perfectionism in Raz’s Morality of Freedom,” Southern California Law Review, 62: 1097–1152.
    • Walker, Greg, 2015, “Public Reason Liberalism and Sex-Neutral Marriage A Response to Francis J. Beckwith,” Ratio Juris, 28(4): 486–503.
    • Wallenstein, Peter, 2002, Tell the Court I Love My Wife: Race, Marriage, and Law—An American History, New York: Palgrave Macmillan.
    • Wasserstrom, Richard, 1974, “Is Adultery Immoral?,” in Philosophical Forum, 5: 513–528.
    • Wedgwood, Ralph, 1999, “The Fundamental Argument for Same-Sex Marriage,” The Journal of Political Philosophy, 7(3): 225–242.
    • –––, 2016, “Is Civil Marriage Illiberal?,” in After Marriage: Rethinking Marital Relationships, E. Brake (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 29–50.
    • Weitzman, Lenore, 1981, The Marriage Contract, New York: Macmillan.
    • Wellington, Adrian Alex, 1995, “Why Liberals Should Support Same Sex Marriage,” Journal of Social Philosophy, 26(3): 5–32.
    • Williams, Reginald, 2011, “Same-Sex Marriage and Equality,” Ethical Theory and Moral Practice, 14(5): 589–595.
    • Wilson, John, 1989, “Can One Promise to Love Another?,” Philosophy, 64: 557–63.
  • Young, Iris Marion, 1995, “Mothers, Citizenship, and Independence: A Critique of Pure Family Values,” Ethics, 105: 535–556.

الأعمال التاريخية

The following works were first published prior to 1950.

    • Abelard and Heloise, 2003, The Letters of Abelard and Heloise, Betty Radice (trans.), M. T. Clanchy (rev.), London: Penguin, revised edition.
    • Aquinas, Thomas, 1981, Summa Theologiae, English Dominicans (trans.), New York: Christian Classics (reprint of London: Burns, Oates, and Washbourne 1912–36).
    • Aristotle, 1984, The Complete Works of Aristotle: The Revised Oxford Translation, Jonathan Barnes (ed.), Princeton, NJ: Princeton University Press.
    • Astell, Mary, 1700, “Reflections upon Marriage,” in Political Writings, Patricia Springborg (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, 1996, pp. 1–80.
    • Augustine, 1999, Marriage and Virginity: The Excellence of Marriage, Holy Virginity, The Excellence of Widowhood, Adulterous Marriages, Continence, vol. I/9, Ray Kearney (trans), David Hunter (ed.), John E. Rotelle (series ed.), Hyde Park, New York: New City Press.
    • Augustine, 1998, Answer to the Pelagians, II: Marriage and Desire, Answer to the Two Letters of the Pelagians, Answer to Julian, vol. I/24, Roland J. Teske (trans.), John E. Rotelle (series ed.), Hyde Park, New York: New City Press.
    • de Beauvoir, Simone, 1949, Le Deuxième sexe, Paris: Gallimard. Translated as The Second Sex, H. M. Parshley (trans.), New York: Vintage, 1972. [Page references to 1989 edition.]
    • Engels, Friedrich, 1884 [1972], The Origin of the Family, Private Property, and the State, Eleanor Burke Leacock (ed.), New York: International.
    • Hegel, G. W. F., 1995, Elements of the Philosophy of Right, Allen W. Wood (ed.), H. B. Nisbet (trans.), Cambridge: Cambridge University Press.
    • Hobbes, Thomas, 1962, Leviathan, Michael Oakeshott (ed.), New York: Simon and Schuster.
    • Kant, Immanuel, 1785 [1991], The Metaphysics of Morals, Mary Gregor (trans.), Cambridge: Cambridge University Press.
    • –––, 1798 [2006], Anthropology from a Pragmatic Point of View, Robert B. Louden (trans., ed.), Cambridge: Cambridge University Press.
    • Kierkegaard, Søren, 1987, Either/Or, 2 vols., Howard V. Hong and Edna H. Hong (trans.), Princeton, NJ: Princeton University Press.
    • Locke, John, 1988, Two Treatises of Government, Peter Laslett (ed.), Cambridge: Cambridge University Press.
    • Mill, John Stuart, 1988, The Subjection of Women, Susan Moller Okin (ed.), Indianapolis: Hackett Publishing Company.
    • Marx, Karl, 1848, The Communist Manifesto, in Selected Writings, Lawrence Simon (ed.), Indianapolis: Hackett, 1994, pp. 157–186.
    • Plato, 1997, Complete Works, John Cooper (ed.), D. S. Hutchinson (assoc. ed.), Indianapolis: Hackett Publishing Co.
    • Rousseau, Jean-Jacques, 1762 [1993], Émile, Barbara Foxley (trans.), P. D. Jimack (intro.), London: J. M. Dent.
    • Russell, Bertrand, 1929, Marriage and Morals, New York: Horace Liveright.
  • Wollstonecraft, Mary, 1792 [1997], The Vindications: The Rights of Men, The Rights of Woman, D.L. Macdonald and Kathleen Scherf (eds.), Peterborough, ON.: Broadview.
  •  

مصادر أخرى على الإنترنت

مقالات ذات صلة

Aquinas, Saint Thomas: moral, political, and legal philosophy | Aristotle, General Topics: ethics |Beauvoir, Simone de | civil rights | ethics: natural law tradition | feminist (interventions): liberal feminism | feminist (interventions): philosophy of biology | feminist (interventions): philosophy of law | feminist (topics): perspectives on reproduction and the family | feminist (topics): perspectives on trans issues | homosexuality | Kant, Immanuel: social and political philosophy | Mill, John Stuart: moral and political philosophy | obligations: special | Plato: ethics and politics in The Republic |Russell, Bertrand: moral philosophy | social institutions | Wollstonecraft, Mary


[1] Brake, Elizabeth, “Marriage and Domestic Partnership”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2016 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2016/entries/marriage/>.


[i]              الكناية تشير إلى يوليسيس الذي ربط نفسه بصاري السفينة كي يتمكّن من سماع أغاني حوريات الماء دون أن يقفز إليهن.

[ii]             لا يجلب الزواج منافع وحسب، ففي الولايات المتّحدة الأمريكية يمكن للزواج أن يستجلب “عقوبة” ضريبية للزوجين ذوي الدخل المزدوج اللذين يتشابه دخلاهما، وأن يستجلب “إعانة” ضريبية للزوجين ذوي الدخلين المتباينين. ولمن يريد خلاصات وافية حول التأثيرات الكثيرة للزواج في القانون الفيدرالي الأمريكي يمكن الرجوع إلى التقرير الذي صدر في العام (1997) عن (المكتب العام للمحاسبة) حول الزواج، وفي قسم (مصادر أخرى من الإنترنت) من البيبليوگرافيا يتوفّر التقرير وتحديثه الصادر في العام (2003).