مجلة حكمة
سياسة التقوى

سياسة التقوى

الكاتبصبا محمود
ترجمةعبير العبيداء

مقدمة

على الرغم من أن هذا الكتاب (سياسة التقوى) يتمحور حول السياسة الإسلامية في مصر، فإن جذوره تعود إلى مجموعة من الألغاز، ورثتها من مشاركتي في صياغة سياسة اليسار التقدمية في باكستان – مسقط رأسي. خلال السبعينيّات والثمانينيّات حينما اكتسب جيلي من الباكستانيين درجة متقدمة من الوعي السياسي، كانت القومية ما بعد الاستعمارية(*) قد ولَّى أوجُها، وكانت هناك خيبة أمل كبيرة مما يمكن للأمة – غير الحديثة بمقاييسنا الآن – أن توفره لمواطنيها. رغم ذلك كان لا يزال هناك شعور في أوساط اليسار النسوي في باكستان أن الماركسية النقدية والتروي تجاه قضايا عدم المساواة بين الجنسين، يمكن أن يوفرا وسيلة للخروج من المأزق، ولتنظيم جهودنا البراغماتية في تغيير الواقع المعيش. في هذا المجال ربما لم نكن نختلف عن نظرائنا في دول مثل الجزائر ومصر وتونس؛ حيث إن ظروف ما بعد الاستعمار قد ولَّدت شعورًا مماثلًا من خيبة الأمل، ولكنه كان أيضًا شعورًا مستمرًا بالاغتذاء، نقلته الوعود التي قطعتها لنا الأيديولوجيتان المتلازمتان؛ الماركسية النقدية والنسوية[1].

بدأ ذلك الشعور بالاستقرار والغائية يتآكل ببطء لدى كثيرٍ منَّا في باكستان لأسباب معقّدة جدًا ليمكن إعادة سردها بالكامل هنا. ولكن ثمة تطوران بارزان أحدهما هو تصلُّب دكتاتورية نظام ضياء الحق العسكري (1977 – 1988م) الذي استعمل الإسلام لدعم قبضته الوحشية على السلطة، وحوَّل باكستان إلى دولة مواجهة في حربٍ بالوكالة ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان لمصلحة الولايات المتحدة. جعلت المميزات المالية والعسكرية التي منحها هذا الاصطفاف لنظام ضياء الحق أيَّ معارضة فعَّالة ومنظمة غير ممكنة. وعلاوة على ذلك فإن ضياء الحق وفي إطار أسلمة المجتمع الباكستاني، قد استخدم الإعلام والنظام التعليمي، والأخطر أنه طوَّع القضاء (باستصدار قوانين تمييزية ضد المرأة)، وهو ما رسخ في أذهان النسويات التقدميات أمثالي، أن بقاءنا واستمرارنا هو رهين موقف حازم من أسلمة المجتمع الباكستاني. وإذا كان هناك من شك في أذهاننا بأن أشكال البطريركية الإسلامية هي المسؤولة عن مشاكلنا، فإن هذا الشك قد تلاشى بالنظر إلى أهداف نضالنا اليومي. لذا كانت السياسة النسوية تتطلب موقفًا علمانيًّا حازمًا.

أما التطور الثاني الذي أذكر أنه كان حاسمًا في شعورنا أننا في مأزق؛ فقد ظهر ببطء أكبر بمرور الوقت: وهو اندلاع الثورة الإيرانية في عام (1979م) وهو الحدث الذي أربك توقعاتنا للدور الذي يمكن للإسلام أن يقوم به في حالة التغيير الثوري، وفي الوقت نفسه بدأ ذاك الأمل الطفيف في السياسة اليسارية العلمانية ينطفئ في المنطقة. في حين أن الثورة الإيرانية كانت نتاج سياسة القمع الشديد التي انتهجها الشاه، فإنها قد تزامنت مع حركة تدريجية ومتشددة داخل العديد من المجتمعات الإسلامية، نحو إعادة التأكيد على قابلية العقائد والصيغ الإسلامية لبناء الحياة الاجتماعية. الأكثر إثارة لدهشة النسويات من جيلي كان حقيقة أن هذه الحركة لم تقتصر على المهمشين والمحرومين، بل لاقت دعمًا واسعًا ونشيطًا لدى أفراد الطبقات الوسطى، الذين ازداد ربطهم لنقد محاكاة نمط عيش وعادات الغرب، مع تزايد الحرص على العيش بما يتلاءم والأعراف الاجتماعية الإسلامية. كنّا في اليسار الباكستاني، في كثير من الأحيان، قد رفضنا هذه الطفرة في التدين بوصفها ظاهرة سطحية، على أساس أنها لم تترجم إلى نجاح في الانتخابات لمصلحة الأحزاب السياسية الإسلامية الباكستانية. (رغم أن تحالف الأحزاب الإسلامية قد فاز في انتخابات المجلس الوطني لأول مرة في تاريخ الباكستان سنة 2002م).

قارب اليساريون التقدميون مثلي تحول «الجماهير» هذا إلى أشكال قابلية الإسلام الاجتماعية بعدة طرق: في بعض الأحيان نرجعها إلى نقص التعليم والفكر المستنير بين الغالبية العظمى من الشعب، وأحيانًا إلى طبيعة الإسلام السعودي المحافظ التي جلبها العمال المهاجرون في دول الخليج العربي معهم عند عودتهم إلى باكستان، وأحيانًا أخرى لآثار المحاكاة التي ولَّدها نظام ضياء الحق القمعي حتمًا لدى عامة الشعب. ثم كان هناك دائمًا ذلك التفسير بأن ذاك التحالف الآثم بين العواصم الغربية (خاصة الولايات المتحدة) وممالك الخليج «أثرياء النفط» (خاصة السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة) قد دعم بنشاط وحرَّض على ترسيخ نمط الإسلام المحافظ في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وذلك لهزيمة تلك الحركات التقدمية التي قد تعارض مثل هذه التحالفات. رغم أن جميع هذه التفسيرات لها نصيب من الصواب، فقد خلصت خلال العشرين سنة الماضية أو نحوها بصورة متزايدة إلى أنها لا تفي المسألة حقها. ينبع جزء من هذا الشعور بعدم الرضى من إدراك أن الكوكبة الاجتماعية والسياسية التي حشدتها حركات الإحياء الإسلامي تتباين بشكل كبير، وقد اتخذت في كثير من الأحيان أشكالًا مختلفة تمامًا عما حدث ويحدث في باكستان منذ تولي ضياء الحق الحكم إلى الآن. فعلى سبيل المثال في عدد من دول الشرق الأوسط، شكلت الأحزاب الإسلامية أداة لظهور المطالب الشعبية بدمقرطة الساحة السياسية، وإنهاء نظام الحزب الواحد واتخاذ موقف أكثر انتقادًا لهيمنة الولايات المتحدة في المنطقة. وعلاوة على ذلك، فإن منظمات الرعاية الاجتماعية الإسلامية في العالم الإسلامي، قد تدخّلت على نحو متزايد لملء الفراغ الذي تركته حكومات الاستقلال، بما أن هذه الأخيرة قد انسحبت من توفير الخدمات الاجتماعية لمواطنيها في ظل ضغوط الاقتصاد النيو ليبرالي.

إن الصعوبة التي يجدها اليساريون التقدميون – مثلي – في إدراك هذه الجوانب من حركات الإحياء الإسلامي سببها، في نظري، يعود جزئيًا إلى سقمنا العميق من ظهور الدين خارج الفضاء الخاص بالمعتقد الفردي. بالنسبة لأصحاب الفكر الليبرالي العلماني المشحوذ جدًا والحساسية التقدمية، فإن أدنى طفح للدين في الفضاء العام يعد إهانة علنية خطيرة، تهدد بإخضاعنا إلى أخلاقيات معيارية يمليها علينا الملالي والكهنة. هذا الخوف يصاحبه ثقة عميقة بالنفس إزاء صدقية المخيال العلماني التقدمي، وأن أشكال الحياة التي تهبها هي أفضل لتلك النفوس غير المستنيرة، الغارقة في أوهام الآمال التي تعدهم بها الآلهة والأنبياء. ضمن نظرية المعرفة العلمانية، نميل إلى ترجمة الحقيقة الدينية كقوة، أو كلعبة سلطة يمكن إرجاعها إلى مكائد المصالح الاقتصادية والجيوسياسية. لقد تجاوزت العديد من التفاصيل بالتأكيد من أجل الإيجاز هاهنا، ولكن ما أريد التحدث عنه هو الإحساس العميق بالاستياء الشديد من عدم قدرتي – ولا قدرة رفاق النضال السياسي الطويل – على فهم السبب الذي جعل لغة الإسلام تستحوذ على تطلعات الكثيرين في كافة أرجاء العالم الإسلامي. لقد وصلت إلى درجة زعزعة قناعاتنا – رغم حسن النية – بأن أشكالًا أخرى من الازدهار البشري والعوالم الحية هي بالضرورة أقل شأنًا من الحلول التي وضعناها تحت راية سياسة «اليسار العلماني»، كما لو كان هناك وحدة في الرؤية تجمعنا تحت هذه الراية، أو كما لو أن السياسة التي نتبنى بفخر لم تؤد هي نفسها إلى كوارث إنسانية مذهلة. إن مساءلة الذات هذه لا تعني أني توقفت عن نضالي أو مناهضة الجور سواء أكان متعلقًا بقضايا الجنس أو العرق أو الطبقة، أو الجنسانية التي تؤسس حاليًا لوجودي الاجتماعي. إن دلالات ذلك – كما أصبحت أعتقد – أن بعض التدقيق الذاتي والشك ضروريان فيما يتعلق باليقين تجاه التزاماتي السياسية الخاصة، عند محاولة فهم حياة الآخرين الذين لا يشاركونني بالضرورة هذه الالتزامات.

ما أقوله هنا، ليس من باب ممارسة السماحة، ولكنه تولَّد من إحساسي بأنه لم يعد بإمكاننا أن نفترض بغرور أن أنماط الحياة العلمانية، في تركيباتها التقدمية تستنفد بالضرورة سبل المعيشة الهادفة والثرية في هذا العالم. لقد قادني هذا الإدراك إلى تضييق مدى اليقين السياسي لدي بما أني أكتب تحليليًا حول ما يبعث الحيوية في أجزاء من الحركات الإسلامية. وقد اضطرني هذا إلى رفض أن أتخذ من موقفي السياسي العدسة اللازمة التي ينبغي لتحليلاتي أن تمضي قدمًا من خلالها. وباختصار، فإنه قد اضطرني إلى ترك المجال مفتوحًا أمام فرضية أن يكون تحليلي قد حاول تعقيد تصور ازدهار الإنسان – وهو ما أُجلُّه – ووفر صخر الأديم لوجودي الشخصي.

كون هذا الكتاب يركِّز على الحركة الإسلامية في مصر، بعيدًا عن مسقط رأسي ونضالاتي التكوينية، هو مؤشر على نوعية الاضطرابات الفكرية والسياسية التي شعرت أنها كانت ضرورية حتى يتسنّى لي التفكير من خلال تلك الأحاجي والمعضلات والتحديات. حقيقة أن مصر لا تواجه حاليًا حربًا أهلية يكون الإسلاميون الطرف الأساسي فيها، كما هو الحال في باكستان والجزائر، وهو ما جعل مصر المكان الأكثر ملاءمة لمباشرة الفكر والعمل. عمل لا يمكنه النجاح في ظل وتيرة الأحداث التي تتطلب باستمرار الإحاطة السياسية والعمل الاستراتيجي. أنا لا أعتقد أنه في أي وقت مضى ـ كان بإمكاني أن أرى ما أمكنني رؤيته خلال عملي الميداني في مصر لو مكثت ضمن المحيط المعهود بباكستان. آمل أن محاولاتي في التفكير في هذه المحنة – ما بعد الاستعمار في العالم الإسلامي – سوف تجد بعض الأصداء لدى قرَّائي.

شكر وتقدير

لقد تكبّدتُ ديونًا لا حصر لها عند كتابتي لهذا الكتاب، وهو ما أريد أن أعترف به هنا، رغم أنّ الأمر يبقى غير كاف. أحمل إحساسًا عميقًا بالامتنان تجاه موجهيَّ ومعلميَّ، بدونهم لم أكن لأعلم تمامًا معنى التعايش مع المشكلة، والخوض في عديد التعقيدات، والدفع عكس قصور المرء في الفهم علاوة على التذوق البطيء لعملية الاكتشاف. في المقام الأول، أذكر من بينهم طلال الأسد، وجاين كوليير كلاهما من خلال دراستهما النموذجية ومحاوراتهما الهادئة، جعلا التعهد بهذا المشروع تحديًا هائلًا ومتعة هائلة في آن. أولئك الذين ألفوا عمل طلال الأسد سيدركون تأثير أفكاره التي تتخلل كل صفحات هذا الكتاب: لا توجد هدية أكبر يمكن للباحث أن يمنحه إياها، ولا تكفي الكلمات لوصف الامتنان لهذه الهدية. إن كنت ناجحة في إعادة خلق حتى القليل مما يقدمه عمل طلال الأسد من فطنة وشجاعة سأكون سعيدة. مددت جاين كوليير لي فكرها وعملها عمليًا من خلال كل مرحلة من هذا المشروع، من تصوره الأولي وصولًا إلى شكله الحالي. هذا دين لن أستطيع أبدًا أن أحلم برده، ربما باستثناء تمريره إلى طلابي بالكرم نفسه الذي أهدته جاين لي. سيلفيا ياناجيساكو ستتعرف بنفسها كيف أن استفزازاتها من خلال الممارسات الجسدية والجنسانية ستولد ثمرة، في اتجاهات لا يمكن لكلينا التنبؤ بها. سواء في مكتبها أو على طاولة مطبخها، حواراتنا في عديد اللحظات طبعت الأفكار التي تحرك هذا الكتاب. أنا مدينة إلى إيرا لابيدوس لتوجيهي من خلال رؤية بانورامية للتاريخ الإسلامي، حيث كانت ميولي لتنحصر على الشرق الأوسط. هو أيضًا ألهمني للعيش بغنىً وتوسعٍ أكبر بالرغم من ضغوط الحياة الأكاديمية، وذلك من خلال ممارساته النموذجية الخاصة.

ساندني زملائي في جامعة شيكاغو من خلال إعادة كتابة المسودات المختلفة لهذا الكتاب من خلال صداقاتهم وزمالاتهم وارتباطاتهم الفكرية. أودُّ شكر نادية أبو الحاج، كاثرين بركوس، ديباش شاكرابارتي، جيم شاندلر، جينيفركول، وجاين وجون كوماروف، ويندي دونيجر، بروس لينكولن، مارتن ريزربرودت، ريتشارد روزنجارتن وليزا وديين. أودُّ أن أشكر بشكل خاص لوران برلنت، وإليزابيث بوفينيلي لدعوتي لمشروع الليبرالية الحديثة الذي ثبت أنه من أكثر السياقات تحفيزًا، الذي تباحثنا فيه بشكل جماعي حول تعدد الأشكال التي اتخذها خطاب الليبرالية في القرن الماضي. على الرغم من أني تشابكت مع أيمي هوليوود في شيكاغو فقط لفترة قصيرة، ومع ذلك فقد أصبحت، كما أعتقد، محاورة لمدى الحياة، والتي دفعتني دائمًا للتفكير بعمق أكبر في الموضوع المثير المتعلق بالجنس والدين. قراءتها لفصول مختلفة من هذا الكتاب كانت عالية القيمة للعمل على الموضوع المعقَّد للنظرية النسوية. ثمّة زملاء وأصدقاء منتشرون عبر الأكاديمية، لكن تعهدهم بالحجج الموجودة في هذا الكتاب في مختلف مراحل مخاضها، دفعني حتى أكون أكثر انتباهًا لعدد من المسائل التي لولاهم لأفلتت من انتباهي. في هذا الصدد أودُّ أن أشكر ليلى أبو لغد، جانيس بودي، جون بوين، ستيف كيتون، ويليام كونولي، بيل هانكس، ستيفان هلمرش، أنسنج هو، سعاد يوسف، ويب كين، مايكل لامبك، بيل مورير، بول رابينو، بيتر فان دير فير، ومايكل واتس. أودُّ أن أشكر برينكلي ميسيك لقراءته المتأنية لمخطوطة الكتاب، وإصراره أن أبين معاصرة هذه الحركة، ولولا إصراره لما كنت لأكتب الفصل الثاني والفصل الثالث بهذه الكيفية. لست متأكدة من مدى استجابة هذه الفصول لهواجسه، لكني ممتنة لما مكنتني تعليقات برينكلي من ملاحظة الطابع الحديث للممارسات الإسلامية.

أنا مدينة لجوديث بتلر لقراءتها للمخطوطة وإشارتها لاتجاهات ما كنت بالضرورة لأتبعها لولا تدخلها. الفكر والعمل اللذان قدمتْهما في تعليقاتها أعادا إيماني بأنّ الحوار متعدد التخصصات ليس ممكنًا فقط في الأكاديمية، بل هو أكثر جانب يثلج الصدر في هذا العمل. رغم أنّ هذا النص لا يعالج كلّ القضايا التي أثارتها جوديث، فإني أتمنى أن نكون شرعنا في محادثة ستستمر لقادم السنوات. أنا ممتنة لدونالد مور لترحاله الواسع المعرفة عبر صفحات هذا الكتاب الذي أثبت أنه مصدر تبصُّر وإلهام. من النادر أن أحدهم يملك الفرصة لمناقشته الرابط بين نضالات أتقياء القاهرة ومزارعي زمبابوي بشكل حماسي، لكن الخيال العبقري لدونالد جعل هذه المتعة واقعًا. كما أنني مدينة لميشيل وارنر ومن دواعي سروري الخوض معه في مجموعة من المحادثات حول موضوع العلمانية، التي أثبتت أنها حاسمة في تحديد تفكيري، كما أنني مدينة لافتخار دادي وخاصة لمشورته البارعة.

في مصر، حيث أجريت عملي الميداني، عليّ دين لا يمكن سداده للنساء اللاتي عملت معهن، المشاركات في حركة المسجد، اللاتي حرَّك كرمهن وتبصرهن الكلمات والعبارات في هذا الكتاب. لولا صبرهن وبلاغتهن لما استطعت التحدث عن القضايا المتناولة هنا. كذلك يوجد زملاء وأصدقاء جعلوا الحياة في القاهرة صالحة للعيش وممتعة أيضًا، وذلك بالتخفيف من الصعوبات التي تميز العمل الميداني. في هذا الاعتبار أودُّ أن أشكر كامران أصدار على استقبالي في القاهرة في أول زيارة لي؛ آصف بايات، ليندا هيريرا، عبد الوهاب المسيري، ومي الأبراشي لكرم ضيافتهم طوال العامين اللذين أمضيتهما في القاهرة؛ كلاريسا بنكومو، وجمال عبد العزيز: للنقاش الحماسي حول السياسة المصرية؛ ميشيل غاسبار لجعل أحياء القاهرة تظهر كمكان معقول لمناقشة تقلبات الأكاديمية؛ سميرة الحاج لرفقتها ولصداقتها التي لا تقدر بثمن؛ سيف الحمدان لاستفهامه الأمين والبارع حول اهتمامي بالسياسة الإسلامية؛ وأخيرا تاد سويدنبورغ للعشاءات الرائعة والمناقشات الحامية التي وفَّرها بيته دومًا للمتطفلين مثلي. شكري أيضًا لأخيل جوبتا، وبيرنيما منكوكار، لتوفيرهما بيتًا لي في الولايات المتحدة طوال عملي الميداني في الوقت الذي بدا فيه أن ذلك يتفلّت منّي.

هذا الكتاب ينبني على البحوث التي أجريت بدعم سخي من مجلس بحوث العلوم الاجتماعية، ومؤسسة وينير جرين للبحوث الأنتروبولوجية والمؤسسة الوطنية للعلوم. طوال مرحلة كتابتي لهذا الكتاب، كنت محظوظة أني مدعومة بزمالة مستشار ما بعد دكتوراه في جامعة كاليفورنيا في أكاديمية بركلي، والزمالة الأكاديمية في جامعة هارفارد. هذا الكتاب استفاد من إجازة الفصل الدراسي في جامعة ليدن والمعهد الدولي للدراسات الإسلامية في العالم المعاصر في هولندا. أنا مدينة لماري موريل في جامعة برنستون ومحررة نسخي كريستا فاريز لحصولي على مساعدة لا تشوبها شائبة مع انتهائي من كتابة هذا الكتاب. كما أنني ممتنة للاقتراحات والتعليقات التي أدلى بها المراجعون المجهولون لمنشورات جامعة برنستون. لا أعرف كيف كنت أنهي هذه المهمة من دون البحوث الدؤوبة لنوح سالومون الذي أتقدم له بخالص الشكر. كما أنني ممتنة لكاثرين أدكوك، فاطمة نايب، سكوت ريتشارد، أليسيا تيرنر، ووردة يوسف لمساعدتهم لي في إنجاز المواد البحثية لهذا الكتاب.

أخيرًا أودُّ أن أشكر بعض الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين بفضل رعايتهم ودعمهم ومودتهم تجاوزت عديد المآزق، التي واجهتها عند قيامي بهذه الرحلة التي يمثل هذا الكتاب جزءًا صغيرًا منها. الدعم والإعالة الذي وفرته لي صداقة ويليام جلوفر الدائمة لا يمكن قياسها بأقوال أو أفعال – أي من القرارات الحاسمة التي اتخذتها في السنوات العشرين الماضية وخاصة قرار تغيير المهنة في منتصف الطريق، لم تكن ممكنة من دون دعمه ونصائحه والثقة العمياء في قدرتي على النجاح. أودُّ أن أتوجه بالشكر أيضًا إلى جورج كولير، داون هانسن، نديم خالد، خالد محمود، فارينا مير، ربيعة نادر، جاكي وولف، وريش وود لصداقتهم الخاصة. أنا مدينة لتشارلز هيرشكند لمتعة الحياة التي باجتماع الأرواح فقط تكون ممكنة. هذا الكتاب، بمعنى مهم، نتيجة العمل المشترك في التفكير من خلال الألغاز التي بدأت بها مقدمتي، هذا العمل أعاد ثقتي في قدرة البشر على التعلم والحب والتفكير بشكل جماعي، حتى عندما تكون الإجابات مستحيلة. آمل أن نستطيع جميعًا أن نمرر القليل من هذا إلى نامير.


[1](*) القومية ما بعد الاستعمارية Post – colonial nationalism، هي نمط من القومية خاص ببلدان العالم الثالث التي تحررت من الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية. أبرز سمات هذا النمط من القومية هي أن مقاومة المستعمر/الغربي/الإمبريالي هي جوهر أساسي في تكوينها.