مجلة حكمة
الهوية الشخصية والأخلاق موسوعة ستانفورد

الهوية الشخصية والأخلاق

الكاتبديفيد شوميكر
ترجمةسمر الحربي
مراجعةعبد الله البريدي
تحميلنسخة PDF

مدخل حول الأهيمة التاريخية للعلاقة بين الهوية الشخصية والأخلاق، والهوية والأخلاق المعيارية، والهوية وحدود المسؤولية؛ نص مترجم للـد. ديفيد شوميكر، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


ما الذي يبرر تحميلنا شخصاً المسؤوليةَ الأخلاقية عن فعل قام به في الماضي على حساب شخص آخر؟ لماذا يكون لدي المبرر للاهتمام أو تفضيل شخص ما عن الآخر؟ لماذا يعتقد البعض أن تعظيم المنفعة في حياة الفرد هو أمر مقبول؛ بينما تعظيمها ونشرها بين عدة أفراد يعد خطأ وأمراً غير مقبول؟ وفقاً  لهذه الأسئلة الأخلاقية؛ يبدو أن أي إجابة سنحصل عليها يجب أن تستند على مبدأ الهُوية الفردية. لذا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإننا نملك مبرراً لتحميل “س” مسؤولية بعض الأفعال التي قام بها في الماضي فقط في حالة تطابق “س” مع الشخص الذي قام بهذه الأفعال. إضافة إلى ذلك، يبدو أنه لدي قلق مبرر حيال مستقبل شخص ما، على أن يكون هذا الشخص هو أنا. وأخيراً، يعتقد العديد أنه عند تعظيم المنفعة في حياة شخص ما فهذا يؤثر على هذا الشخص فقط –وهي الأنا مجردة- بينما تعظيم المنفعة لعدة أفراد تؤثر على عدة أنوات أو شخصيات، ولذلك، يعد الأمر الثاني غير مقبول، نظراً لتجاهله مبدأ اختلاف وتباين الشخصيات وتفردها. تعد هذه الأمور من ضمن عدة موضوعات أخرى مرتبطة بدراسة ومعرفة العلاقة بين الهوية الفردية والأخلاق. تفسر “الأخلاق” في هذا المجال بأنها طرق عيش حياتنا، ولذلك فهي تضم كلا من الامور المتعلقة بالذات وبالآخرين أيضاً. من الأمور ذات الصلة بالذات والمرتبطة بـ الهوية الشخصية  تلك المتعلقة بطبيعة وأسباب البقاء والخلود، والتوقعات المبنية على العقلانية، والقرارات المستقبلية والاهتمامات العامة. أما الأمور المرتبطة بالآخرين فمن ضمنها: طبيعة المسؤولية الأخلاقية للأفراد وأسسها، الثناء أو التقدير، العلاقات الأخلاقية بينهم، الإجهاض و الأبحاث الجنينية، أخلاق الشعوب والحلول العلاجية لاضطرابات الهوية الانفصالية. لذلك، فإن الاتجاه الرائد لمعرفة واكتشاف العلاقة بين الهوية والأخلاق يبدأ بالتحقيق في طبيعة الهوية الشخصية وملاحظة مدى تطابق استنتاجات هذا المجال الغيبي مع هذه الأنواع المختلفة من الاهتمامات. بعد البدء بمناقشة موجزة لأبرز الدراسات التاريخية في هذا المجال، سنقوم أيضاً بعمل استقصائي لأهم النظريات المتاحة في الهُوية الشخصية، ثم نتناول ما قد تعنيه حيال أمور عديدة مرتبطة بالذات والأخلاق.

سنعود لمناقشة عدة اتجاهات حديثة لمعرفة العلاقة بين الهوية الشخصية والأخلاق، وما هي البدائل التي أضافت جديداً لهذه العلاقة:

 

  1. الأهمية التاريخية لهذه العلاقة

  2. الآراء المعاصرة للهوية الشخصية

2.1 الناحية النفسية

2.2 الناحية البيولوجية

2.3 الناحية السردية

2.4 الناحية الأنثروبولوجية (علم الإنسان)

2.5 نظرية أن الهوية بلا أهمية IDM

2.6 نظريات تقييم الهوية الشخصية في ضوء الانقسام (الانفصال)

2.7 اللااختزالية

2.8 الأبعاد الأربعة

  1. توحيد أهداف التحوط والأخلاق

  2. الهوية والأخلاق المعيارية

  3. الهوية والمسؤولية الأخلاقية

  4. الهوية والأخلاق التطبيقية

6.1 البحوث الجنينية والإجهاض

6.2 القرارات المستقبلية

6.3 قضايا أخرى في مجال الأخلاق التطبيقية

  1. البدائل المنهجية

  2. الخاتمة

  • المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى في الإنترنت

  • المداخل ذات الصلة


1.الأهمية التاريخية للعلاقة بين الهوية الشخصية والأخلاق

يرجع التاريخ الفلسفي للعلاقة بين الهوية والأخلاق للقرن السابع عشر الميلادي، والذي يوضح العلاقة بين الهوية والأمور المتعلقة بالذات. يعد أفلاطون مثالاً محورياً في هذه الحالة، حيث يقول في حواراته “فيدو” [عن النفس]: ” أنا (وكل الأشخاص) سننجو من الموت وفناء أجسادنا بقدر بساطة الروح، واعتبارها شيئاً غير مادي؛ فهي شيء جوهره الأساسي أن يعيش.” يدل هذا بشكل مباشر على فكرة أنه بقدر نجاة الجسد من الموت، فإنني على يقين من وجود حياة بعد الموت. من ناحية أخرى، ركز لوكريتيس فقط على العلاقة بين الهوية والتحوط، منكراً بذلك وجهة نظر أفلاطون حيال توقع حياة بعد الموت، لأنه ببساطة “إذا ظل أي إحساس في العقل أو الروح بعد خروجها من الجسد، فإن هذا لا يعني شيئاً، لنا لأننا جئنا للحياة من خلال امتزاج الجسد والروح مرتبطين ومندمجين معا”. (لوكريتيس 1951, 121). بمعنى آخر، أنا بوصفي إنساناً؛ مزيج بين الجسد والروح، وبالتالي طالما لا تزال روحي حية وقادرة على اكتساب خبرات جديدة؛ فإن انفصالها عن جسدي -والذي هو جزء لا يتجزأ مني- لن يمكّنها من اكتساب وتوقع حياة أخرى بعد هذا الانفصال. وفقاً  لكلا الرأيين، الهوية هي أساس التحوط، إلا أن الفرق بين لوكريتيس وأفلاطون يتمثل فقط بماهية الهوية (على الرغم من التفسير المتناقض للوكريتيس، انظر:   Martin and Baressi 2003,10).

 لم يكن الأمر كذلك حتى جاء جون لوك، حيث كانت هناك محاولة صريحة لربط الهوية الشخصية بالأخلاق بشكل أكبر. أطلق لوك المصطلح الشهير “الشخص”، الذي أضحى مصطلحاً رسمياً، ليتماشى مع الأفعال والصفات (Locke,1694, 50-51). هذا يعني أن تفسير هوية الأشخاص عبر الزمن سيكون له العديد من الآثار. يعتمد تفسير لوك عن الهوية الأخلاقية بشكل أساسي على قوة الأخلاق وهو ما يسمى الوعي الذاتي الانعكاسي. من وجهة نظر لوك، فإن “الشخص” –وهو الفاعل للأخلاق- Y عند t2 يطابق الشخص X عند t1 فقط في حالة استرجاع وعي Y إلى X ((Ibid., 39. ومؤدي هذا أن يتذكر Y أفكار وخبرات X. يمكن تسمية هذا الأهمية الارتباطية للهوية، لأنها تؤكد أن الأشخاص في أزمان مختلفة متطابقون مع بعضهم البعض بسبب العلاقات التي يمكن أن تربطهم ببعضهم، سواء كانت نفسية أو جسدية، لذلك رفض لوك ما يسمى بالهوية المبنية على المادة، التي تؤكد على أن الأشخاص في أزمنة مختلفة متطابقين نتيجة تكوينهم من نفس المادة.

بعد حصولنا على تفسير لوك الارتباطي عن الهوية، يسعنا رؤية الآثار المترتبة على الأمور المعيارية المختلفة. بداية من العقلانية التحوطية، ومن وجهة نظر لوك، ما يهمني بوصفي شخصاً هو المرحلة الماضية من حياتي حتى هذه اللحظة التي يمتد اليها وعيي، كما يهمني أيضاً مستقبلي، وهو المرحلة التي سيصل إليها وعيي. تعد هذه الالية التي يمكنني من خلالها ، على سبيل المثال، التوقع أو التنبؤ بالحياة الأخرى (الحياة بعد الموت) وما بعد البعث؛ سيكون هناك شخص ما سيمتد ويصل إليه وعيي الحالي، وهذا الشخص سيصبح أنا، حتى لو كان جسداً مختلفاً عما أملكه أنا اليوم (.(Ibid., 44 إن هذا الأمر لا يمثل أهمية لي الآن، أيا كانت المادة (جسداً أو روحاً) التي ستجد وعيي أو نفسي وترتبط بها. مثال: إذا انقطع إصبعي وكان وعيي مرتبط به “ستكون هذه هي نفس الذات التي كانت مرتبطة بالجسد كله بالأمس باعتبارها جزءاً من نفسها، وأفعالها في الماضي هي نفس أفعالها في الحاضر” ((Ibid., 46. هذا النوع من الملاحظة –حول ملكيتي لأفعال معينة- هي التي ينتج عنها ربط الهوية بالمسؤولية الأخلاقية وهي ما يسميه لوك “المسؤولية”. يعد الشخص مسؤولاً فقط عن الأفعال التي يقوم بها بنفسه حتى الوقت الذي يمتد إليه وعيه، بمعنى آخر؛ الأفعال التي أتذكر قيامي بها هي الأفعال التي أعد مسؤولاً عنها. يقول لوك: إذا تمت معاقبتي على أفعال ذات أفكار وخبرات لا أستطيع تذكرها؛ “إذن فما الفرق بين العقاب وكوني خلقت بائساً؟” ((Ibid., 51. لذلك، “يوم الحساب، فإن الحكم سيكون وفقاً  للوعي الذي سيكون لدى الأشخاص حينها أيا كانت أجسادهم وقتها أو أيا كانت المادة التي سيرتبط بها الوعي – فالأمر سيان طالما قاموا بهذه الأفعال فيجب معاقبتهم عليها” (Ibid).

وفقاً  للوك، فإن أساس كل من التحوط والمسؤولية الأخلاقية هو علاقتهم بـ الهوية الشخصية، وهي علاقة تقوم بتوحيد مراحل الشخص المختلفة بصورة فريدة من خلال الوعي. بما أن لوك كان يقدر الهوية الشخصية بعيداً عن الهوية البيولوجية وأي هوية أخرى مبنية على المادة، فقد أبدى كلا من جوزيف باتلر وتوماس ريد اعتراضهم على ذلك. على سبيل المثال، اتهم باتلر لوك بما أسماه بـ “الخطأ البديع” (wonderful mistake)، حيث إنه لم يستطع إدراك أن علاقة الوعي تتطلب الهوية بشكل مسبق، ومن ثمّ لا يمكن تشكيلها وتكوينها (Butler,1736,100). بمعنى آخر، أنني بوصفي شخصاً أستطيع فقط تذكر خبراتي الشخصية، ولكن ذاكرتي الخاصة عن هذه الخبرات لن تجعلها خاصة بي، ولكن أنا أتذكرها فقط لأنها تخصني. لذلك، بما أن الذاكرة يمكنها أن تكشف هويتي صحبة بعض الذين قاموا بهذه الخبرات في الماضي، بيد أنها أنها لا تجعلني هذا الشخص المجرب. يؤكد باتلر أن ما أذكره بالفعل ما هو إلا خبراتي عن المادة التي تكونني حالياً.

وبالمثل أكد ريد على اعتراض باتلر و أضاف بعض الاعتراضات؛ الاعتراض الأول، هو أن معيار لوك يشير إلى الوضع المتناقض، وهو أن يكون الشخص متطابقاً وغير متطابق مع مرحلة ما في الماضي، وهو اعتراض أوضحته قضية الضابط الشجاع. لنفترض أن الضابط أثناء قيامه بمهامه العسكرية في الحرب ضد العدو –وهو في الأربعين من العمر- تذكّر نفسه وهو يسرق التفاح من حديقة جاره، ثم افترض أيضاً أن الضابط في عمر الثمانين –وهو جنرال متقاعد- أصبح يتذكر فقط مهامه العسكرية ولكنه لم يعد يتذكر سرقته للتفاح من حديقة جاره. وفقاً  لوجهة نظر لوك، يمكن أن يكون الضابط على حد سواء متطابقاً مع كونه سارق التفاح (بسبب علاقة انتقال الهوية: فهو متطابق مع كونه ضابطاً شجاعاً وأيضاً سارقاً للتفاح)، وغير متطابق مع كونه سارق التفاح (بسبب عدم تذكره لخبراته التي مر بها في صباه) (Reid 1785,114-115). يعتمد الاعتراض الثاني على العلاقة بين الهوية والأخلاق:

كيف يمكن للهوية –التشابه- أن تعتمد على علاقة (وعي) تتغير من لحظة إلى أخرى؟ لا يستطيع الإنسان أن يظل ثابتاً من لحظة إلى أخرى، وبما أن الصواب والعدل في مسألة الثواب والعقاب مبنية على الهوية الشخصية، لذا فإن الشخص لن يكون مسؤولاً عن أفعاله. (Ibid., 117). ولكن، يعد هذا الافتراض غير معقول، ويتفق باتلر مع هذا الأمر مُدخلاً مفهوم التحوط:

” [على فرض أن وجهة نظر لوك صحيحة] فهذا يعني مغالطة لأنفسنا أن نحاسب أنفسنا في الحاضر على أشياء قمنا بها في الماضي، أو أن نتصور أنفسنا في الحاضر نهتم بما قمنا به في الأمس، أو أن نهتم في الوقت الحاضر بما سيحدث غداً، هذا يعني أن شخصنا في الحاضر ليس هو شخصنا الذي كنا عليه في الماضي؛ ولكنها ذات أخرى أخطأت المكان وستصيب فيما بعد” (Butler 1736, 102).

انتهى الأمر برفض كل من ريد وباتلر للعلاقة التي وضعها لوك عن الهوية المبنية على المادة. (كما أن اعتراض ريد خاصة ينبئ بافتراضات وآراء Derek Parfit والتي سنناقشها لاحقاً) إن ما يتفق عليه باتلر وريد مع لوك، هو أن الهوية تعتمد أو تبنى على اهتماماتنا، سواء كانت تحوطية أو أخلاقية. وفقاً  لرأي ريد؛ فإن الهوية هي أساس كل الحقوق والواجبات والمسؤوليات، وهي ذات مفهوم ثابت ومحدد. (Reid 1785, 112). ولكن ما يختلفون عليه، هو عناصر الهوية. ويلاحظ أن الافتراض المنهجي هنا: “اعتماد نظرية قبول الهوية بشكل كبير على مدى حسن تفسيرها لاهتماماتنا العملية.”. لذلك يقول ريد وباتلر، إذا كانت وجهة نظر لوك صحيحة، فإن هذا سيتطلب مجموعة من التغييرات الجذرية لطريقتنا في إسناد المسؤولية وإجراءاتها التحوطية. ولكن لا يزال الجدل مستمراً، لأن القيام بمثل هذه التغيرات سيعد ضرباً من الجنون –لأننا ملتزمون بشدة بإتباع الصواب في أساليبنا الحالية للقيام بالأمور-، لذلك لا يمكن لنظرية لوك أن تكون صحيحة. وعلى الرغم من عدم موافقة لوك على الآثار المترتبة على نظريته، إلا أنه يوافق على المنهجية الأساسية. لذلك، وبما أنه يقر أنه قد قدم بعض الافتراضات التي ستبدو غريبة لبعض القراء (Locke 1694, 51)، فهو أيضاً يبذل جهداً كبيراً ليثبت عدم توافق افتراضاتنا مع الآثار المترتبة على وجهة نظره. مثال: “يؤكد القانون الإنساني على ضرورة استمرار الوعي” أي لا يمكن معاقبة شخص مجنون على أفعال قام بها رجل رشيد، ولا يمكن معاقبة رجل رشيد علي أفعال قام بها شخص مجنون” (Ibid, 47). وهذا يعد افتراضاً منهجياً أقره معظم واضعي النظريات الخاصة بالهوية والأخلاق منذ ذلك الوقت. يصدق كل من ريد وباتلر على أن وجهة نظر لوك تؤكد على أنه ليس ثمة شخص يستطيع أن يوجد في وقت غير الوقت الحاضر، بمعنى آخر؛ يتطابق X عند t1 مع Y عند t2 فقط في حالة ما إذا كان وعي Y متطابقاً مع وعي X. ولكن بما أن الوعي يتغير من لحظة إلى أخرى، فإن وعي X لن يتطابق أبداً مع وعي Y. لسوء الحظ، يبدو أن هذا سوء فهم للنظرية (على الرغم من استخدام لوك في بعض الأحيان لمصطلح “نفس الوعي” والذي لا يعطي دوماً فهماً واضحاً). وفقاً  لوجهة نظر لوك، يتطابق X وY فقط في حالة ارتباط وعي X بوعي Y، أي في حالة تذكر Y للأفكار والخبرات التي مر بها X. ولكن إذا كان هذا هو الأمر، بالتالي ستكون الهوية ما هي إلا أمر صارم وثابت ودقيق وفقاً  لريد وباتلر، بالنسبة لـ Y يتطابق مع X فقط في حالة وجود علاقة، بغض النظر عن قوتها أو ضعفها. مع ذلك حتى لو تغوضي عن هذا الاعتراض على لوك، يظل رأي الآخرين سارياً. السبب الأول أن الذاكرة تضع افتراضات مسبقة عن الهوية الشخصية، ومن ثمّ لا تشكّل معياراً لها. والسبب الآخر، هو أن الهوية هي علاقة انتقالية، بينما الذاكرة ليست كذلك، لذا لا يمكنها أن تكون معياراً للهوية. في النهاية، ثمة قلق واضح، وهو استمرار الهوية حتى مع فقدان الذاكرة: يصعب تصديق أنني سأختفي من الوجود إذا فقدت الذاكرة. لذلك ولكل هذه الأسباب، على المنظرين المعاصرين المؤيدين لنظرية لوك إجراء العديد من التغييرات على النظرية لجعلها قابلة للتطبيق.

 

  1. الآراء المعاصرة عن الهوية الشخصية

قام المنظرون المعاصرون بتحديد أربع مجالات عامة للهوية الشخصية وربطها بالأخلاق: الناحية النفسية والبيولوجية والسردية، والأخيرة التي أطلق عليها اسم “الأنثروبولوجيا”. بعد مناقشة الأوجه الأربعة، بالإضافة إلى وجهة النظر الخامسة التي لا تجعل للهوية قيمة تُذكر، سنقوم بتقييم وجهات النظر هذه في ضوء تجربة فكرية صعبة وهي “الانقسام”. عقبها، سنناقش علاقة كل من الروح والأنطولوجيا رباعية الأبعاد بالنسبة للموضوعات قيد البحث.

 

2.1.  الناحية النفسية

         حتى وقت قريب، كانت هذه هي النظرة الأكثر شيوعاً للهوية الشخصية؛ وهي نسخة معدلة بصورة كبيرة لمعيار “لوك” عن الذاكرة الترابطية. حتى يكون مثل هذا الرأي منطقياً، يجب دراسة الاعتراضات الثلاثة التالية: بداية؛ اعتراض “باتلر” أن الذاكرة تفترض الهوية مسبقاً، حيث يمكنني تذكر تجاربي الشخصية فقط، لذلك فإن الذاكرة تكشف لي فقط علاقة هويتي بشخص قد قام بتجاربي في الماضي ولا نستطيع تشكيل تلك العلاقة. وفقاً  “لسيدني شوميكر” 1970 و “ديريك بارفيت” 1984؛ يستطيع الشخص تأسيس ذاكرة ترابطية شاملة وتسمى شبه ذاكرة أو ذاكرة تقريبية، وتتسم بكونها لا تصنع افتراضاً مسبقا للهوية. تتكون لدي شبه ذاكرة عن تجارب قديمة مضت فقط في حالة أن هذه التجارب قد حدثت لشخص ما، وذاكرتي قد عملت بصورة صحيحة بسبب التجربة التي أذكرها الآن. إن الذاكرة العادية مشتقة من الذاكرة التقريبية (وهي تنطبق على الحالات العادية عندما كنتُ الشخص الذي أتذكر التجربة التي قمتُ بها)، ويمكن أن تكون الذاكرة التقريبية لها علاقة ذات صلة بنظرية الهوية بصورة تتنافى مع اعتراض “باتلر”.

         كان الاعتراض الثاني لـ “ريد” متعلقاً بانتقالية الهوية في حالة الضابط الشجاع. إن الأمر الذي جعل “لوك” في مأزق هو أن الذكريات تُنسى أو تختفي، لذا يمكن أن يصبح الشخص غير قادر على تذكر ذكرياته بصورة مباشرة حول ما كانت عليه حياته في الصغر. ولكن يمكن للشخص أن يكون لديه ذكريات مباشرة عن مرحلة ماضية إذا كانت هذه المرحلة لها ذكريات مباشرة بالصغر وهكذا، لكي تصبح كل مرحلة في الحياة مترابطة عن طريق سلسلة متشابكة من الذكريات. إن ما يستطيع الشخص إدخاله إلى معيار الهوية عبر الزمن هو استمرارية الذكريات المباشرة (q-memory)، لذلك كان الجنرال المتقاعد هو نفس الشخص السارق للتفاح؛ طالما أنه يتذكر تجاربه بوصفه ضابطاً شجاعاً بشكل مباشر، وهو أيضاً الذي يتذكر بشكل مباشر أفعاله بوصفه سارقاً للتفاح. بالطبع، فإن وجود ذكرى واحدة مباشرة عن فعل ما في الماضي لن يكون كافياً لتشكيل الهوية: لنفترض أنني تطوعتُ للحصول على ذاكرتك حول سيرك في منطقة أنتاركتيكا لتُزرع داخلي (وهي منطقة لم أزرها في حياتي قط) ثم استيقظت لأجد هذه الذكرى التقريبية عن المشي في الثلوج وجو قارس البرودة؛ بالطبع هذا لن يجعلني أنت حتى مع وجود ترابط مباشر للذاكرة بيننا، لذلك فإن المنظرين في هذا المجال سيناقشون مسألة الحاجة لوجود روابط مباشرة وقوية للذاكرة وهو الأمر الذي يضم عدداً هائلاً من الروابط. (Parfit 1984,205-206, 219-223).

         الاعتراض الثالث أن يكون شخص ما فقدَ الذاكرة، وهو ما تنفيه وجهة نظر “لوك”. ما الذي يمكن فعله لجعل وجهة نظر “لوك” أكثر منطقية وعقلانية، وهو ادخال سمات نفسية أكثر من مجرد الذاكرة في علاقة الحفاظ على الهوية. لذا لن تكون هناك فقط علاقات بين الذاكرة الماضية والحالية مرتبطة بهويتي، بل يجب أن تكون هناك أيضاً علاقة بين الذاكرة الحالية والمستقبلية، مثل النوايا التي تحققها الأفعال والعلاقات التي تستمر عبر الزمن كالمعتقدات والأهداف والرغبات وعلاقات التشابه، مثل تماثل الشخصية.

إذا قمنا بتجميع كل هذه الآراء معاً، سيصبح لدينا ما يسمى المعيار النفسي للهوية الشخصية: فإن X عند t1 هو نفس الشخص Y عند t2 ، وذلك فقط في حالة ما إذا كان X متواصلاً نفسياً بشكل ما مع Y، حيث يتكون التواصل النفسي من سلسلة متداخلة من الصلات النفسية القوية، وتتكون هذه السلاسل من عدد كبير من الروابط النفسية المباشرة مثل الذكريات، النوايا، المعتقدات، الأهداف، الرغبات وتماثل الشخصية. (Parfit 1984, 207) و سوف نرى لاحقاً المعنى والأهمية لمصطلح “التميز والتفردية”. إن هذا المعيار من الهوية ومتغيراته اتُخذ ليتناسب بشكل جيد مع اهتماماتنا العملية، سواء فيما يتعلق بالذات أو بالآخرين. على سبيل المثال، إن ما يهم الذات والتوقع العقلاني هي استمرار الحياة النفسية. إن التوقع والاهتمام بالذات هما حالتان نفسيتان –كما أن أهدافهما مثل الخبرات المستقبلية- لذلك فإن نظرية الهوية التي تربط كل هذه الحالات معاً؛ كوسيلة لربط مراحل حياتي المختلفة معا، تبدو منطقية من حيث المبدأ. إضافة إلى لذلك، تتعلق المسؤولية الأخلاقية أيضاً بالعلاقات بين المراحل النفسية المختلفة مثل النوايا للقيام بالأعمال، ذكريات عن أفعال ماضية، المعتقدات والرغبات التي تفسر الأفعال وهكذا. ولذلك إذا كانت الهوية الشخصية شرطاً أساسياً للمسؤولية الأخلاقية؛ فإن المعيار النفسي يعطي تفسيراً منطقياً ومُرضياً لهذا الشرط: “لا أستطيع أن أكون مسؤولا عن أفعال شخص ما، إذا لم أكن المورّث لنفسية هذا الشخص.”

 

2.2 الناحية البيولوجية

ما الذي يمكنه أن يحفز المنهجيات البديلة بخصوص هويتنا، مع الأخذ بعين الاعتبار نجاح المعيار النفسي؟ تنبع المشكلة الأهم من الشكوك المحيطة بجوهرنا؛ على سبيل المثال، أنا بوصفي إنساناً بداخلي عدة أشخاص، منهم البالغ والمدرس والسائق والناخب وغيرهم، ومع ذلك، لا أحد منهم هو جوهري الحقيقي والوحيد، لأنني دونهم مجتمعين لن أكون موجوداً. إذا استطعنا تحديد جوهرنا (أو جوهر الأفراد عامة) ففي هذه الحالة سنكون قادرين على تحديد شروط وجودي عبر الزمن. يبدو أن المعيار النفسي يشير ضمنياً إلى أن التشخُّص هو جوهري، وأنني لن أكون موجوداً دون أن أكون “شخصاً”، مع العلم أن التشخص هو مسألة نفسية، فإن الاستمرارية النفسية هي ما يحافظ على هويتي.ولكن كما أشار “أيريك أولسون” وغيره، يبدو أن هذا خطأ. (Olson 1997a,1997b; DeGrazia 1999a, 1999b; Carter 1982, Snowdon 1990, Wiggins 1980).

عندما كنت مراهقاً وقبلها طفلاً، ألم أكن أيضاً رضيعاً وقبلها جنيناً؟ بالإضافة لذلك، لنفترض أنه وقع لي حادث مروع، ودخلتُ في حالة غيبوبة دائمة permanent vegetative state (PVS) ، في هذه الحالة، إذا كانت الشخصية تحتوي على نفسية مطورة معينة (مثل: نفسية قادرة على الأقل على التأمل الذاتي)، فلا يمكن أن يكون هذا هو جوهري، ولكن فإن كون الفرد شخصاً سيكون مثل كونه طفلاً أو مراهقاً أو شيئاً، يمكن أن تكونه وقد يعيش طويلاً (تسمى في الأدبيات الفرز). إن لم تكن الشخصية هي جوهري، فماذا عساها أن تكون إذن؟

يبدو أن أكثر الإجابات منطقية هو أنني كائن بيولوجي أو إنسان، وإذا كان هذا هو جوهري، فإن هذا سيؤمّن ظروف بقائي عبر الزمن. من هذا المنطلق، حصلنا على المعيار البيولوجي للهوية الشخصية: إذا كان X هو شخص ما عند t1 وY يوجد في أي زمن آخر، إذن X=Y فقط في حالة ما إذا كان الكائن البيولوجي ل Y متواصلاً مع الكائن البيولوجي X. (Olson 1997b; DeGrazia 2005)  تذكّر أن Y قد يكون أو لا يكون شخصاً ما، مما يفسر أن X يحتمل أن يكون جنيناً أو شخصاً في غيبوبة، ويطلق على هذا الرأي الحيوانية. (Noonan 1998; Olson 2003;Blatti &Snowdon 2016). بالنسبة لهذا المعيار وعلاقته بهويتنا، يبدو أنه مناسب لمسألة الجوهر ولكنه غير مفيد إلى حد ما في العلاقة مع الأخلاق. مرة أخرى، يبدو أن أساس منطقية توقعاتي وفقاً  لخبراتي المستقبلية هي حقيقة أن الشخص المستقبلي سيكون هو المورّث لنفسيتي. في حقيقة الأمر، تشير ردود أفعالنا حيال تجارب فكرية موجهة إلى الاعتقاد بأننا نؤمن أن التوقع المنطقي والاهتمام الذاتي والمسؤولية الاخلاقية وما شابه ذلك يمكن تبريره حتى في ظل غياب الاستمرارية البيولوجية. يمكننا رؤية هذا بصورة أعمق في مسألة زراعة الأعضاء(Olson 1997b, 43-51; DeGrazia 2005, 51-54). لنفترض أنه تمت عملية زراعة لمخي داخل جسم آخر، ونتج عن هذه العملية أن الشخص الذي تمت له العملية أصبح مماثلاً لي من حيث الناحية النفسية، ولنفترض أيضاً أن جسدي الذي أصبح بدون مخ ظل على قيد الحياة بشكل ما، ما الذي سيحدث لي؟ معظم الناس سيكون لديها نفس الحدس؛ وهو أن الشخص الآخر أصبح أنا وذلك لأنه أصبح لديه نفس وضعي النفسي، ويبدو أن حالتي ووضعي النفسي هو كل ما يهم لبقائي. إن المؤيد للناحية البيولوجية يعتقد أنني سأظل المتبرع بالمخ (جسداً بلا مخ) خاصة في حالة الغيبوبة مثلا، بينما الشخص الآخر الذي أصبح يتذكر كل تجاربي ونواياي ولديه نفسيتي بالكامل، هو مجرد شخص مخادع، ولكن يصعب تصديق هذا. لنفترض أنني ارتكبت جريمة ما، وبعدها تبرعت بمخي لشخص آخر، في هذه الحالة فإن هذا الشخص سيتذكر جريمتي، بل سيكون جذِلاً لفراره من العقوبة لفترة من الوقت، ولكن في حالة ما إذا كانت الهوية هي الشرط الأساسي للمسؤولية، ففي هذه الحالة لن يكون مسؤولا عن أفعالي من الناحية البيولوجية، ومن ثمّ لن يستحق اللوم والعقاب على هذه الجريمة. مرة أخرى، يبدو أن هذا يصعب تصديقه، ويبدو أن ما يفسر اهتماماتنا العملية يبني على العلاقات النفسية، ولهذا فإن المعيار البيولوجي يستهدف علاقة مع الهوية، التي لا تمت بصلة لهذه الاهتمامات، ومع ذلك فثمة استثناء مهم سنناقشه لاحقاً. يشير رأي “ديجراتسيا” في هذه النقطة إلى أن مسألة زراعة الأعضاء هي بمثابة شوكة في أساس المعيار البيولوجي. (DeGrazia 2005, 54). ولكن عندما يتعلق الأمر بالمعيار الذي يبدو غير ملائم مع اهتماماتنا العملية بشكل عام، فإنه يقترح أن: “في العالم المعيش، المشكلة هي أهون بكثير مما نعتقد.” (DeGrazia 2005, 60-61) في نهاية الأمر، وفي جميع الحالات تقريبا، فإن الاستمرارية البيولوجية شرط أساسي للاستمرارية النفسية، التي هي أساس اهتماماتنا العملية. لذلك، إذا كان أساس اهتماماتنا العملية يتطلب استمرارية نفسية ولكن الاستمرارية النفسية تتطلب استمرارية بيولوجية، بعلاقة متعدية فإن أساس اهتماماتنا العملية يتطلب الاستمرارية البيولوجية. على الرغم من ذلك، يبدو أن هذا الرأي قد تغافل عن المحفز والهدف المحوري، وهو البحث عن علاقة أكثر قرباً و عمقاً بين الهوية واهتماماتنا العملية. بما أن الاستمرارية البيولوجية تستطيع تتبع أنماط الأمور الأخلاقية، إلا أنها لا تعطي أي تفسير حقيقي لها. فقد يكون من المنطقي أن نتوقع فقط تجارب المتواصلين البيولوجيين لشخصي أنا، ولكن لن يكون هذا نتيجة استمراريتي أنا البيولوجية معهم، إلا أن هذا قد يبدو منطقي فقط، بفضل الروابط والعلاقات النفسية التي سيحملونها لي. ولذا، فقد يحاول المرء رفض المعيار البيولوجي للهوية نتيجة ضعف تفسيره ليتلاءم مع اهتماماتنا العملية. بالإضافة لذلك، ثمة رأي آخر للدفاع عن المعيار البيولوجي وهو إنكار أن الهوية الشخصية تتناسب مع اهتماماتنا العملية مطلقاً. فضلاً عن ذلك، بما أن الاستمرارية البيولوجية تحافظ على هويتنا بمرور الزمن، فإن هذا الرأي المؤيد قد يقول: إن الاستمرارية النفسية هي العلاقة المؤسسة لاهتماماتنا العملية. يمكن لهذه الخطوة أن تظل محافظة على فكرة أن الهوية لها تأثير على الأخلاق، ولكن ليس بالصورة التي تصورناها. وفقاً  لـ Olson “إذا صح القول إن علاقات الاهتمامات العملية التي تناسب هويتنا عبر الزمن هي وثيقة الصلة بالاستمرارية النفسية، ومن ثمّ فإن الاتجاه البيولوجي له نتائج أخلاقية جديرة بالذكر، أي أن تلك العلاقة العملية ليست مرتبطة بالضرورة بالهوية العددية”. (Olson 1997b, 70). قد يكون هذا صادماً لبعض المُنظرين مثل “باتلر” و”ريد” وحتى “لوك”، ولكن إذا كان لدينا أسباب ميتافيزيقية واضحة لتبني المعيار البيولوجي، فيمكن لهذا أن يكون صحيحا. سنناقش هذا الأمر في موضوع “الهوية ليست مهمه”.

 

2.3 الناحية السردية

لقد افترضنا حتى الآن أن معيار الهوية المرتبط بـ اهتماماتنا العملية سوف يجيب عن تساؤل Schachman (1996) وهو سؤال حول إعادة تعريف الهوية وتحديدها: ما هي الظروف التي يعيشها شخص ما في مرحلة معينة التي يُعاد تعريفها في زمن آخر؟ إن الاجابة عن هذا السؤال تتطلب معياراً للهوية العددية غير الزمنية، وهو معيار يجعل شيئاً ما هو الشيء نفسه، ولكن في أزمنة مختلفة. ولكن وفقاً  لـ Schechtman ، فإن أكثر الأمور ملاءمة للعلاقة بين الهوية والأخلاق هو الإجابة عن سؤال “التوصيف”: ما هي الظروف التي تنسب فيها العديد من الصفات النفسية والخبرات والأفعال إلى شخص ما؟ أحد أسباب الانتقال إلى هذا السؤال هو تحديد الصعوبات التي واجهتها العديد من النظريات المختصة بالهوية العددية سواء من الناحية الميتافيزيقية، أو من ناحية ملاءمتها مع اهتماماتنا العملية، (Schechtman 1996, 26-70)، و قد يكون التوافق الطبيعي بين سؤال التوصيف واهتماماتنا العملية. لذلك، في رحلة بحثنا عن تفسير لمنطقية التوقع، يظهر لدينا تساؤل “ما الذي يجعل هذه التوقعات خاصة بي؟ “، أو عند بحثنا عن تفسير لمخاوفنا وقلقنا على أنفسنا، يبرز لدينا تساؤل:” ما الذي يجعل هذه المراحل المستقبلية التي تشغلني حالياً، خاصة بي؟” وينطبق الأمر أيضاً على “المسؤولية و الجزاء”: ما الذي يجعل الأفعال التي قمت بها أو الأعباء التي سأجازى عليها، هي أفعالي؟ قياساً على كل حالة، الذي يجعل بعض السمات هي سماتي الخاصة، قد يكون نوع من الهوية غير العددية، نوعاً كالذي يتبادر إلى أذهاننا عند معالجة السؤال المألوف عن الهوية: “من أنا حقا؟”. هذه هي مسألة الهوية كإسناد صحيح، فهي وصف لطبيعة الذات العميقة أو الحقيقية والسمات المختلفة التي تنتمي إليها. (للمناقشات التاريخية المؤثرة للإسناد الصحيح وتحديد الهوية، انظر   مقالات فرانكفورت 1988، ولمناقشات النظريات المختلفة عن الذات العميقة والذات الحقيقية، انظر   : Shoemaker, 2015).

 إذن، ما هو التفسير الصحيح لهذا النوع من الهوية؟  وفقاً  للمُنظرين والمتخصصين في هذا التوجه، يسمى هذا بـ المعيار السردي للهوية الشخصية: “إن الذي يجعل تجربة أو فعلاً أو صفة نفسية تخص شخصاً ما؛ والتي تصبح جزءاً واضحاً من ذاته الحقيقية، هو دمجها بشكل صحيح في قصة حياته.” (MacIntyre 1984,1989; Taylor 1989; Schechtman 1996; DeGrazia 2005). وبناء على ذلك، فإن الهوية السردية تتعلق بنوع من الوحدة النفسية، ولكنها ليست مجرد وحدة عشوائية غير متقنة. على سبيل المثال، تخيل شيئاً ما مرت به عدة تجارب بمرور الزمن، ستكون الأحداث مترابطة بشكل غير تفاعلي كخبرات وتجارب مرت بشيء كامن، ولكن لنفترض أن هذا الشيء هو شخص ما “فاعل أخلاقي حقيقي”، ستوحد هذه التجارب بصورة تفاعلية، وسيتم تجميعها في حياة سردية واحدة من خلال قصة يرويها هذا الشخص، ويحيك أحداثها معاً، ليضيف لها طابعاً مترابطاً ومتماسكاً وواضحاً. بهذه الطريقة تصبح الأحداث والتجارب ذات معنى حقيقي بدلاً من أن تكون أحداثاً منفصلة غير مترابطة، وذلك لكونها جزءاً من قصة أكبر تربط الأحداث ببعضها في حياة شخص ما. (Schechtman 1996, 96-99). تهدف وجهة النظر هذه إلى تفسير اهتماماتنا العملية بصورة أكثر ملاءمة من التفسيرات السابقة للهوية العددية. لذلك، أصبح الأمر منطقياً بالنسبة لي أن أتوقع تجارب وأفعال مستقبلية فقط إذا كانت هذه الأفعال ستخصني، لأن ما سيجعلها خاصة بي هو ترابطها وارتباطها بقصة حياتي. إن ما يفسر اهتمامي بذاتي هو حقيقة أنني “ذات سردية مستمرة وباقية”، أي أنني لست جزءاً مستقطعاً من الوقت الحاضر يهتم بحياة ستعيشها في المستقبل، وأنني مستمر في هذا السرد في المستقبل، لذلك فإن اهتمامي هو اهتمام شامل لذاتي ككل والتي أبنيها لتعيش هذه القصة؛ فهي ذات متكاملة مكونة من عدة أجزاء تخصني وهي نفسي. من ناحية المسؤولية، فإن المعيار السردي يعني أن الأمر الذي يجعل فعلاً قمتُ به في الماضي هو فعلي أنا (والذي إما سوف أكافأ عليه أو أعاقب لأجله) هو أنه كان نابعاً من قيمي ومعتقداتي وخبراتي، كما أنه ستكون هناك قصة مترابطة سوف أدمجها مع عناصر أخرى في حياتي. (Schechtman 1996, 136-162).

         ولكن هناك بعض المشكلات المتعلقة بهذا التفسير: الأول أنه ليس هناك سبب واضح لضرورة وجود ذات سردية توحّد الأفعال والأحداث المختلفة الخاصة بشخص ما في كيان واحد مترابط. قد يكون لدي وحدة نفسية قوية دون الحاجة إلى أن أروي أو أسرد لنفسي أي قصة. ولكن حتى إذا سمحنا بوجود سرديات افتراضية للقيام بهذا العمل، يظل دور السرد غير واضح في اهتماماتنا العملية. وبذلك، بعض السرديات لم تفهم الأمر بالشكل الصحيح؛ فيمكن أن يكون الأمر مجرد أقوال عن طريقة سير أحداث حياتي وربطها معا، وإذا صدّقنا في هذا الأمر، فإننا يجب أن نقر أنه ليس وحده السرد الذي جعل الأحداث المختلفة متحدة مع بعضها البعض، ولكن يجب أن تتحد هذه الأحداث مع بعضها بصورة مستقلة، وأن السرد الصحيح يخدم فقط كنوع من الغطاء النهائي وهو التعبير الجمالي النهائي للكيانات الميتافيزيقية السابقة. ربما يكون القلق الحقيقي أن الهوية السردية تعتمد على الهوية العددية (DeGrazia 2005, 114). إن ما يهمنا فيما يتعلق باهتماماتنا العملية أننا مستمرون في البقاء: إنه افتراض مسبق وضروري لتوقعاتي العقلانية والاهتمام بذاتي وفرص حصولي على الثناء أو التعويض وغيرها من الأمور التي تضمن بقائي، ولكن يتعلق هذا الأمر بالهوية العددية. ثمة طريقة أخرى لتفسير هذه النقطة، وهي أن الشيء لا يمكن أن يكون شخصاً – من الناحية السردية- إلا إذا استطاع تجميع تجاربه المختلفة في كيان سردي مترابط، ولكن في هذه الحالة يجب الحفاظ على هوية هذا الشيء –الشخص- الذي يمر ويقوم بهذه التجارب عبر الزمن حتى يتم تجميعها معاً. إذا كانت الهوية السردية تتطلب مسبقاً هوية عددية، لذا فإننا مازلنا في حاجة لتفسير منطقي للهوية العددية أولا؛ والتي يمكن أن نبني عليها إجابة لسؤال التوصيف الذي بُنيت عليه النظرة السردية في الأساس. ولكن بالنظر إلى المشاكل المتعلقة بالناحية النفسية والبيولوجية، فهل ثمة وسيلة للقيام بهذا الأمر؟ تعد هذه المسألة إضافة حديثة وواعدة في الأدبيات.

 

2.4    الناحية الانثروبولوجية (المختصة بعلم الإنسان)

حاول البعض الرد على النقاط المثيرة للقلق حول السرديات الخاطئة عبر إضافة قيود واقعية لوجهات النظر السردية، ومن ضمنها اللجوء لطرف ثالث لرواية الأحداث من وجهة نظره. (Lindemann 2001; Schechtman 2014, ch. 3). ولكن تسببت خطوة اللجوء إلى طرف ثالث للسرديات بتغييرات هائلة في مشروع بحثنا، لأنه يوسّع بشكل كبير نطاق الاهتمامات العملية الخاصة بالهوية والتي سنحتاج إلى شرحها. لدراسة هذه النقطة الهامة، لنفترض أننا بدأنا بسرد شخصي عن هويتي، حيث أنني من خلال هذا السرد، قمتُ بجمع عدة تجارب شخصية مررتُ بها في حياتي، مما يجعلني قادراً علي سرد قصة منطقية مترابطة الأحداث، التي أعدُّ مسؤولاً عنها كلياً، فهي تجارب توقعت القيام بها بصورة منطقية، وحتى الأعباء أو التجارب القاسية التي أتوقع الاستفادة منها والثناء عليها، وأيضاً الأفعال والتجارب المتوقع القيام بها مستقبلا. الجدير بالذكر أن سرد هذه القصة المترابطة يتطلب قدرات نفسية مترابطة وقوية، بجانب القدرة على دمج الأفعال والخبرات التي قمتُ بها، أو تلك التي سأقوم بها مستقبلا. مثال: كأن القصة عن حياتي كشخص ينتمي لنظرية لوك.

أستطيع الآن أن أسرد قصة مكذوبة أو من جانب واحد، ولتصحيح مجرى أحداث القصة قد نلجأ إلى سردية الطرف الثالث في قصة حياتي. ولكن سردية الطرف الثالث لن تقتصر فقط على ما حدث لي، بينما أنا شخص منتمٍ لنظريات لوك، إذ إنها ستتضمن أيضاً أشياء قمتُ بها أنا أو حدثتْ لي في طفولتي أو حتى وأنا جنين (مثال: أخبرتني أمي أنني كنت أركل بشدة في آخر شهر للحمل). قد تتضمن سردية الطرف الثالث ما حدث لي عند دخولي في غيبوبة (مثال: تقول أمي أنها كانت تزورني يومياً وتتحدث إليّ). تعد هذه حلول اجتماعية قد ترتكز أيضاً على سمات الهوية، مثل: “لقد كان أبني” أو “إنها ماتزال أمي”. ولكن لا المعيار النفسي ولا البيولوجي يستطيع تفسيرها بصورة مباشرة.

يتطلب المعيار النفسي العديد من القدرات النفسية المعقدة والكافية للحفاظ على استمرارية الذاكرة والنوايا والمعتقدات والرغبات والشخصية. وبما أن الرُضَّع والأجنَّة ومنْ هم في الغيبوبة لا يمتلكون هذه القدرات، فإن هذا المعيار لا يمكنه تأسيس هذه النماذج من الحلول الاجتماعية.

قد يفكر المرء الآن أن المعيار البيولوجي قد يكون هو الحل في مثل هذه الحالات، ولكنه لا يستطيع، بسبب أن الشخص في الغيبوبة ليس هو نفس الشخص، أو الشخص في مرحلة الخرف ليس هو نفس الشخص الذي كانه في صغره. هذا هو جوهر ما نطلق عليه وجهة النظر الأنثروبولوجية التي طورتها وتبنتها ماريا شيشتمان  )2014(. تسمي شيشتمان وجهة النظر هذه “وجهة نظر الشخص للحياة، ولكن يعد هذا العنوان مضللاً لهدفنا، لأنه ببساطة لا يقصد بالشخص أنه هو الشخص المنتمي لنظرية لوك. على سبيل المثال: فهي تنسب التشخص إلى الأجنة والأشخاص في الغيبوبة، ولذلك يفضل الالتزام بالعنوان الأنثروبولوجي للوضوح والتمييز عن وجهات النظر الأخرى المطروحة. من الناحية الأنثروبولوجية، فإننا بوصفنا بشراً لدينا طرق للحياة منظمة بصورة معينة: إننا مخلوقات نتطور بطرق معينة، ونُعامل بصورة معينة؛ ليس فقط وفقاً  لسماتنا البيولوجية والنفسية الطبيعية، ولكن أيضاً وفقاً  لقدراتنا الاجتماعية (أن تكون شخصاً متعاطفاً واجتماعياً لهو أمر يحتاج إلى توجيه). من بين هذه القدرات: القدرات البلاغية التي قد ركز عليها لوك وغيره كثيرون، وعلاقتها بالمسؤولية والتحوط. لقد نشأنا أيضاً في أسر ومجتمعات ذات العديد من الأفراد الذين يعاملوننا بعدة طرق، أو يطلقون علينا أسماء أو يقومون بتلبيسنا ملابس أو يغنّون لنا الأغاني، وهكذا. كل هذه الوحدات تتبع نفس الوحدة الميتافيزيقية التي تصبح مسؤولة تدريجياً عن مستقبلها. لذلك، لا نستطيع القول إن وحدة المسؤولية الثانية مختلفة عن الطفل الذي كانت عليه. بما أن هذا التفسير مشتق من حالات إنسانية نموذجية لتعريف شروط هويتنا، فإن هذا التفسير قد يسمح بذلك، إلا أنه هناك حالات غير نموذجية للبشر التي قد لا تكون هدفاً لكل اهتماماتنا العملية، ومع ذلك فهم أشخاص مثلنا، وهي أهداف مناسبة لمثل هذه الاهتمامات (مثل التسمية أو توفير الملبس أو الغناء). هذا يفسر لماذا لا يزال الاشخاص ذوي الاعاقات الذهنية أو الذين في الغيبوبة أو من يعانون من مرض الزهايمر؛ أشخاصاً مثلنا أو وحدات ذات هوية تُعرَّف عن طريق شبكة من الاهتمامات العملية ( 6-5. Schechtman 2014, chs).  إن وجود أشخاص مثلنا ذوو أشكال معينة من الحياة سواء مروا بحمل أو ولادة أو تربية أو تفاعل اجتماعي أو تكوين شخصية أو حتى وفاة، يؤثرون ويتأثرون بصفات وقدرات معينة. هؤلاء الأشخاص هم محط اهتماماتنا العملية المتعلقة “بالشخص”، وأن الأمر الذي يجعل شخصاً ما في وقت ما هو نفس الشخص في زمن آخر، هو مجرد أنهم يعيشون نفس ذات الحياة الإنسانية. إذا نجح المعيار الأنثروبولوجي، فإنه قد يكشف عن علاقة وثيقة الصلة بين اهتماماتنا العملية وهويتنا الشخصية. ولكن قبل أن نقيم هذا المعيار، يجب علينا في بداية الأمر اختبار وجهة النظر النقيضة؛ التي تنفي وجود أي علاقة بين الاهتمامات العملية و الهوية الشخصية.

 

2.5    وجهة نظر أن الهوية بلا أهمية ((IDM

كان “ديريك بارفيت” من أوائل المنظرين المعاصرين الذين حاولوا استكشاف العلاقة بين الهوية والأخلاق بصورة واضحة، وكان ذلك في مقالته الرائدة في بداية السبعينيات “الهوية الشخصية”، وعقبها مقالة “الذات الأخرى والمبادئ الأخلاقية”، وقام بعد ذلك بإعادة توضيح نظريته في الجزء الثالث من كتابه الذي أصدره عام 1984 بعنوان “أسباب وأشخاص” (Reasons and Persons) المأخوذ منه شرحه الأخير. اتفق بارفيت مع لوك في عدة نواحٍ لتفسير المسؤولية الشخصية على الرغم من وجود اختلافات جوهرية عديدة، إذ إنه “اختزالي” reductionist، وذلك استناداً إلى الحقائق المتعلقة بالأشخاص والهوية والشخصية، وتكونها من حقائق أكثر تحديدا عن العقل والجسد وسلسلة من الأحداث العقلية والمادية المترابطة. (Parfit 1984, 210–211) . إن الاعتراض على النظرية الاختزالية يسمي “اللااختزالية” التي من خلالها تتكون الحقائق المتعلقة بالأشخاص و الهوية الشخصية في حقائق أخرى، وهي حقائق عن الذات أو النفس الديكارتية.

جاء دفاع بارفيت عن الاختزالية ورفضه اللااختزالية بصورة لافتة للنظر، حيث إن ما يهمنا هو كيفية تعبيره عن الاختزالية وتطويرها، وجدليته خلصتْ إلى استنتاج مثير، ألا وهو أن علاقة الهوية ليست هي ما يهم في البقاء. في البداية، يقترح أن المعيار الاختزالي الأكثر منطقية للهوية الشخصية هو المعيار النفسي. وكما لاحظنا سابقاً، يؤكد هذا المعيار على أنه من أجل تطابق X مع Y يجب أن يكون X محققا للاستمرارية النفسية ل Y بشكل ما. إن الاستمرارية النفسية هي علاقة متفرعة ومتعددة، بمعنى آخر، يمكن تصورها بيني راهناً وأكثر من شخص في المستقبل. ولكن الهوية هي علاقة تكافؤ؛ فهي انعكاسية ومتناظرة وانتقالية، لذا فهي تحمل علاقة واحدة فقط. لذلك ومع إضافة عبارة “غير متفرع”، فإن هذا المعيار للهوية يتجنب حدوث أي تناقض. بالنسبة للحالة التي استند عليها بارفيت لدعم إدعاءه أن الهوية لا تهم: هي الانفصالية (Ibid., 254–255). لنفترض أن كلا نصفي الدماغ هما نسختان وظيفيتان متطابقتان، وأن لدي شقيقين، أي أننا ثلاث توائم، قد عانوا من تلف شديد بالمخ، واستطاع أحد جراحي المخ البارعين أن يزرع أحد نصفي دماغي في كل أخ، وبالتالي أصبح كلاهما متواصلا نفسياً معي. ولكن ماذا قد يكون حدث لي؟ إذ لم يكن لدينا عبارة “غير متفرع” فإننا مجبرون على قول ذلك، لأن كلا الأخوين متواصلان نفسياً معي، مما يقضي أنهما أنا. لكن بعد ذلك (وباعتبار انتقالية الهوية) فإن كلاهما يجب أن يصبحا متطابقين، وهو بالطبع أمر غير صحيح (انظر  Blazer, 2005). ولكن بعد ذلك، ما الذي قد حدث لي في عملية الانقسام هذه؟ يبدو أنني لن أستطيع العيش مثلهما، فهما شخصان وأنا شخص واحد. بالإضافة لذلك، ليس ثمة سبب حتمي حتى تنقسم الهوية بيني وبين شخص واحد فقط من الأخوين، مع العلم أن لدي نفس الصلة مع كليهما. لذا، يظل الاختيار الوحيد هو أني لن أنجو من هذا الانقسام (Parfit 2001,42; Brink 1997b,140-141; Johansson 2010).

ولكن هل يعد هذا وضع لا أستطيع النجاة منه؟ بالطبع لا، فإن كلا الأخوين سيتذكران أفكاري وتجاربي، بل وسيقومان بتنفيذ نواياي وتحويلها إلى أفعال، وأيضاً سيكون لهم نفس المعتقدات والرغبات والأهداف التي كنت أملكها، وستصبح شخصياتهما تماما مثل شخصيتي، وسيبدو الأمر كما لو أنني على قيد الحياة. إن كل ما له أهمية في عملية البقاء التقليدية يظل محافظاً عليه في عملية الانقسام على الرغم من أن حقيقة علاقة الهوية ليست كذلك. إن ما يعنيه هذا أن علاقة الهوية ليست هي ما يهم في عملية البقاء، ولكن ما يهم يجب أن يتمحور حول الاستمرارية النفسية و/أو الترابط (التواصل) وهو ما يسميه بارفيت العلاقة “R”. طالما أن العلاقة تكون بيني –في الوقت الحاضر- وبين شخص آخر في مرحلة أخرى، فإن ما يهم هو البقاء على قيد الحياة، وهذا ما يسمى بنظرية ” -IDM الهوية ليست مهمة”. بما أن هناك ردود فعل منطقية بديلة للانقسام والتي تحافظ على علاقة الهوية ( أنظر،مثال: Lewis 1976, Sider 2001a) وأيضاً غيرها من وجهات النظر التي سنناقشها فيما بعد، ففي الوقت الحالي من المهم معرفة معنى وجهة نظر بارفيت فيما يتعلق باهتماماتنا العملية. ولكن في النهاية، ما الذي سنفعله إذا كانت الهوية لا تهم في عملية البقاء؟ في حين أننا افترضنا أن الهوية هي العلاقة التي تؤسس أنماط اهتمامنا، فنحن الآن أمام خيارين: إما ان نأخذ أنماط الاهتمام هذه على أنها غير مؤكدة أو أن نجد لها أسسا جديدة. في كتاب “أسباب وأشخاص” ، يعد بارفيت محايداً بصورة كبيرة (حيث يمكن تأييد أو معارضة الجدليتين. (انظر: Parfit 1984, 311–312)). المؤكد أن الأمر الأكثر منطقية هو الحفاظ على أنماط الاهتمام المبنية مسبقا على الهوية والبحث عن تفسير آخر لها. من الواضح أن العلاقة R يمكن أن تعطي هذا التفسير. اعتقدنا فيما مضى، أن الهوية تبرر هذه الأنماط لاعتقادنا بأهميتها في البقاء، ولكن اتضح أن العلاقة R بالهوية والتفرد ليست هي ما يهم، لذلك يبدو أنه من الطبيعي والمنطقي تحديد النواحي المتبقية في الهوية (وهي العلاقة R) باعتبارها أساس اهتماماتنا مما يضمن بقائنا. (Jeske 1993). بمعنى آخر، هل يمكن للتفرد إعطائنا التفسيرات التي نريدها؟ يبدو أن بارفيت شخصياً قد توصل الي هذا الاستنتاج فيما يخص العقلانية والأخلاق، فهو يطلق عليها “الادعاء المعتدل”. (Parfit 1984, 311). يتناقض هذا مع “الادعاء المتشدد” وهو أن حقيقة الهوية هي أساس اهتماماتنا العملية. لنفترض أن العلاقة R هي أساس اهتماماتنا ومنطق التحوط، وثمة اعتقاد أنه ليس من الحكمة التغافل عن “اهتمامات الذات التي ستظهر في المستقبل البعيد” لمجرد أن تلك الذات لن تظهر لفترة طويلة. يفترض بارفيت أن الاختزالية تقدم سبباً مختلفاً ومنطقياً للقيام بذلك. نظراً لان أحد العلاقات في العلاقة R هي “الترابط” والتي تكتسب في بشكل تدَرُجي، من المحتمل جدا أن تنخفض بدرجة كبيرة بين ذاتي الحالية وذاتي التي ستظهر في المستقبل البعيد أكثر مما ستحصل عليه بين ذاتي اليوم وذاتي غداً. ولكن إذا كانت العلاقة R تؤسس أنماط اهتماماتي، وأن درجة الترابط المنخفضة هي جزء من العلاقة R، بذلك فإن انخفاض درجة الترابط تبرر انخفاض درجة الاهتمامات. لذلك، قد يكون اهتمامي أقل بذاتي التي ستظهر في المستقبل البعيد عن ذاتي التي سأكون عليها غدا. وبذلك، فإن هذا الاستنتاج يبرر تقليل اهتماماتي المستقبلية البعيدة على حساب اهتماماتي الحالية. بما أننا متفقون على أن الحماقة أمر سيئ، فكيف يمكننا انتقادها إذا قمنا بتعديل سلوكنا ولم نعد نمارسها. ثمة طريقة واحدة للقيام بهذا الأمر، وذلك من خلال إدراك أن ذاتي المستقبلية ستختلف كثيرا عن ذاتي الحالية، وبالتالي ستعامل بصورة مختلفة، بمعنى أن طريقة التعامل مع هذه الذات المستقبلية ستندرج حالياً تحت مسمى الأخلاق، وبالتالي بما أن الأخلاق تنص على عدم أذية الآخر، فإن هذا ينطبق عليه أيضاً. “أن حماقة مثل هذه ستكون أمراً غير اخلاقي” (Parfit 1984, 318–320). غالبا ما تسمى نظرية بارفيت “نظرية المراجعة”، حيث ترجع هذه التسمية –جزئياً- إلى القيام بعدة مراجعات للنظريات. (مثال: Rovane 1998,11; Martin 1998,15). تكمن الفكرة في أن نظريته عن الهوية وآثارها على أفعالنا التحوطية والأخلاقية تتطلب منا تغيير نظرتنا لأنفسنا ونظرتنا لما هو مهم. ولكن، قد يكون هذا الحكم خاطئ، ويبدو أن بارفيت يحاول إظهار أن:

  1. إن ما يهمنا من أجل البقاء (والتي ظهرت في حالة الانقسام) هي العلاقة R وليس الهوية.

  2. إن التزامنا من أجل البقاء ينم عن حرص والتزام بالأخلاق، وبالتالي فإننا نرجع أخطاءنا للحماقة، وهو الأمر الذي نطلق عليه “عدم الالتزام الأخلاقي”. ولكن في كلا الحالتين، ليس هناك ضرورة لمراجعة أي شيء جوهري في نظرتنا لأنفسنا أو معاييرنا.

في حقيقة الأمر، يقل اهتمام الأشخاص بذاتهم المستقبلية البعيدة مقارنة بذاتهم المستقبلية القريبة، ويظهر ذلك بسبب عدم قدرتهم في وضع أنفسهم محط تساؤل. من الصعب جداً إما تخيل ماهية اهتمامات تلك الذات، أو أخذ هذه الاهتمامات على محمل الجد بالتساوي مع المراحل الأقرب. ولكن ما يسمح بهذه التوقعات التخيلية هو وجود درجة عالية من الترابط النفسي، ومن ثمّ فكلما قلَّت هذه العلاقة قل الاهتمام بالمراحل البعيدة. هذا يفسر نظرية بارفيت، حيث قدَّم وصفاَ واضحاً لأفعالنا وممارستنا، مما يثبت جلياً ما قد تحويه وتدل عليه تلك الأفعال والممارسات لنواحي أخري في حياتنا (انظر:   مناقشات لمقالات أخري تخالف هذا الرأي: Mark Johnston).

 

2.6    تقييم نظريات الهوية الشخصية في ضوء عملية الانقسام

تعد عملية الانقسام بمثابة تحد يقف أمام أي نظرية مختصة بـ الهوية الشخصية، التي تهدف إلى الحفاظ على علاقة قوية بين الهوية واهتماماتنا العملية. على سبيل المثال، ستكون التضحية الأكثر وضوحاً بالمعيار النفسي، وبالنسبة للمعيار البيولوجي، فيبدو أكثر منطقية -فيما يتعلق بمسألة الانقسام- أن نحصل على نموذج آخر يؤيد رؤية أن الهوية ليست مهمه، مع الحفاظ على أن هويتنا العددية لا تؤسس اهتماماتنا العملية (كما أشار لذلك Olson 1997). (ولكن هي مسألة علاقة المرء بنفسه التي لا تحتاج إلى الالتزام بمتطلبات علاقة الهوية العددية الصارمة). ولكن ماذا عن وجهة النظر الأنثروبولوجية؟

تقدم شيشتمان فكرة مثيرة للاهتمام عن الانقسام:

  • إذا لم تحدث عملية الانقسام حتى الآن، وفي ظل غياب الظروف الاجتماعية، فإننا لا نستطيع تحديد هوية الأفراد الذين سيعيشون في المستقبل بصورة مسبقة.

2- إذا كانت عملية الانقسام تحدث طوال الوقت، فإن كل الأشخاص المتوقع ظهورهم مستقبلاً يكونون مخلوقات تختلف كثيراً عنا، أي أنهم سيعيشون نمطاً مختلفا عن حياتنا الآن، ومن ثمَّ، فإن ظروف تحديد الهوية لأفراد مثلنا لن تنطبق عليهم.

3-  أما إذا حدثت عملية الانقسام بصورة نادرة جدا، فإن الناجين يشبهوننا بصورة كبيرة (حيث إننا سنظل مرتبطين بهم بصورة شخصية، كما أن تفاعلنا معهم قد يظل منطقياً وفقاً  لشكل حياتنا الحالية) أي أنهم سيكونون مثلنا، ولكن غير متطابقين مع الشخص الأصلي.

يرجع سبب ذلك إلى وجود اختلافات عديدة في كيفية التعامل معهم من ناحية الأزواج أو الأطفال أو الأصدقاء أو المديرين الذين كانوا يتعاملون مع الشخص الأساسي قبل الانقسام. لذلك فإن علاقة كل شخص بالشخص الأصلي قبل الانقسام ستكون حالياً مختلفة جداً لتداركها مثل الهوية (Schechtman 2014, 159-166). لذلك تستطيع الناحية الأنثروبولوجية التعامل مع عملية الانقسام مع الحفاظ على روابط قوية بين الهوية والاهتمامات العملية.

من الصعب الفصل بين رأي “الهوية بلا أهمية” و “النظرية الأنثروبولوجية”، حيث يرجع أحد الأسباب إلى منهجهما النظري في تحديد شروط الهوية لمختلف الكينونات. من وجهة نظر الأنثروبولوجيا، يتساءل بارفيت السؤال المعتاد “ما الذي يهمني في مسألة الانقسام”؟ وهذا بالطبع يقتضي ضمناً أننا نتحدث عن مخلوقات (قبل وبعد الانقسام) هي في الحقيقة أفراد مثلنا كاملو الأهلية. من ناحية أخرى، تسأل شيشتمان سؤالاً من وجهة نظر الطرف الثالث وهو “كيف نتعامل مع نتاج عملية الانقسام أي المخلوق الجديد الذي يختلف عنا بالتأكيد؟” علاوة على ذلك، تهتم شيشتمان بتحديد اهتماماتنا العملية ثم اكتشاف شروط هوية هذا الشخص الجديد، بينما يهتم بارفيت بما يمكن أن تحويه النظريات السابقة عن الهوية الشخصية الذي يساعد في تحديد اهتماماتنا العملية في ضوء عملية الانقسام. سنعالج هذا الاختلاف المنهجي فيما بعد. أما الاختلاف الأولي الذي يخص اهتماماتنا العملية هو أنه قد لا يمكن التوفيق بينهم. بما أنني شخص أنتمي لنظرية لوك، فمن وجهة نظري عن مسألة الانقسام، أنه لن يتم إغفال أي شيء داخلي من هذا المنظور، كما أنني أدرك كيف سيُعامل الأشخاص الناجون بعد عملية الانقسام في نواحٍ عديدة. لذلك قد يبدو الأمر غير واضح بخصوص أي منظور يتفوق على الآخر.

 

2.7    اللااختزالية

قمنا بمناقشة أهم النظريات المعاصرة المتعلقة بـ الهوية الشخصية (أو ما يهم الهوية الشخصية)، كما حاولنا استطلاع كيف يمكن ربط هذه النظريات بالأخلاق. ولكننا قد نكون تجاهلنا أكثر النظريات شيوعاً عن الهوية ولكن خارج نطاق الفلسفة، وهي وجهة نظر لا يزال يتقبلها القليل من الفلاسفة. تسمى وجهة النظر هذه “اللااختزالية أو عدم الاختزالية”، التي تنص على أن الأفراد يعيشون منفصلين ومستقلين عن عقولهم وأجسادهم، وبذلك تكون حياتهم موحدة بداية من الميلاد وحتى الممات وذلك بفضل عيشهم في كيانات منفصلة وهي ما نسميه “الذات الديكارتية” أو “ذات ديكارت”، وتعرف باسم الروح. على الرغم من وجود مساحة من المنطق متاحة أمام عدم الاختزالية، التي وفقاً  لها، الهوية ليست هي ما يهم للبقاء أو اهتماماتنا العملية، ولكن النظرة الأكثر شيوعاً عكس ذلك. ولكن يلاحظ أن هذا الرأي يشتمل على كل من وحدة عميقة في حياة الفرد وانقسام شديد بين الحيوات المختلفة. بذلك، إذا كان ما يوحد حياتي هو استمرار ذاتي وأن هذه الذات حاضرة في كل مراحل حياتي، فبالتالي إذا كانت مخاوفي التحوطية هي المؤسس لهويتي، سأكون مهتماً بكل جزء من حياتي وبنفس القدر. بما أن المادة التي تتكوّن منها ذاتي الخاصة تختلف عن أي ذات أخرى، فإن اهتماماتي وقلقي ينتهي عند حدود انتهاء المادة التي تشكلني “وهي جسدي”. هناك مشكلة واحدة تخص هذا الرأي، وهو أنه من الصعب جداً معرفة سبب ضرورة تتبع أنماط اهتماماتي لذاتي الخاصة، وليس تتبع مثلا السمات النفسية المكونة للعلاقة R، مثال: ما الذي يجعل هذه المادة تبرر اهتماماتي الخاصة؟ إذا كان هذا بفضل وظيفتها بوصفها “حاملاً” للعديد من الروابط النفسية المختلفة، لذلك قد نتساءل لماذا لا نهتم مباشرة بهذه الروابط بدلاً من “الكيان” الذي تعيش فيه. لكن إذا قمنا بهذه الخطوة، ففي هذه الحالة نكون قد انتقلنا إلى الاختزالية، وبما أن هذه الروابط النفسية قد تحمل هوية أو أكثر، لذا قد تكون الهوية ليست هي ما يهم.

من ناحية أخرى، قد يصر صاحب وجهة نظر “عدم الاختزالية” أنني مهتم بصورة خاصة بذاتي المستقبلية لأنها هي الشيء الوحيد الذي سأصبح عليه في المستقبل، بغض النظر عن العلاقة R أم لا (ما يطلق عليه Parfit 1984,228 نظرية الجمود لديكارت). ووفقاً  لهذا، فأنا –هويتي الأساسية- تعد مستقلة عن أي صفات نفسية. ولكن إذا تم إقرار الهوية بعيدا تماما عن أي خصائص نفسية، وإذا كانت الذات أو النفس المراد تتبعها أو اختبارها هي شيء ليس ذا اهمية (كما في وجهة نظر ديكارت)، ففي هذه الحالة سيصبح لدينا لغزان مرتبطان ببعضهما البعض: الأول، إذا كان من الممكن إدراك أو تحديد الأنا الخاصة التي أملكها الآن (أو أنا الآن)، ليس بشكل مباشر، من خلال بعض الوسائل التجريبية، أو بشكل غير مباشر، من خلال مجموعة معينة من الخصائص النفسية، ففي هذه الحالة لن يكون لدينا سبب للاعتقاد أن هناك ذاتاً (نفساً) واحدة فقط قادرة على توحيد المراحل المختلفة من حياتنا. فضلا عن ذلك، قد تحصل أجسادنا على ذات جديدة ومطابقة، كما نحصل عليها سنوياً في عيد ميلادنا، أو ربما يوميا أو ربما هناك العديد من الذات أو الأنفس التي قد نحصل عليها من لحظة إلى أخرى. إذا حدث هذا، فإنني سأختفي عن الوجود ليتم استبدالي بشخص مطابق لي يحمل نفس صفاتي النفسية، ولكن في هذه الحالة لن يلاحظ أحد، وسيعد هذا أمرا غريبا إلى حد ما؛ وذلك بسبب العلاقة التي نعتقد أنه يجب الحصول عليها بين معيارنا الميتافيزيقي عن الهوية الشخصية ومعيارنا الابستمولوجي للهوية الشخصية. بمعنى آخر، إننا نميل إلى الاعتقاد أن هناك علاقة وطيدة بين طبيعة الهوية الشخصية، وما يمكنّنا من تحديد ما تكتسبه الهوية. لذا، فإن ما يجعل X وY متطابقين هو تماثل الجسد، وسيكون أيضاً قيامنا بإعادة تعريف هذا الجسد، وهو ما يساعدنا على تحديد أن X هو Y. بالمثل، أن ما يجعل X وY متطابقين هو شكل ما من الاستمرارية النفسية، ثم تحديد إن X وY متطابقين سيكون متعلق بتحديد ما إذا كانت الاستمرارية النفسية محققة بينهم أم لا. والآن، من ناحية الجسد والنفس، فإننا لدينا القدرة أن نقوم بهذا الاختبار الذي هو محط اهتمامنا حالياً. إذا كانت نظرية الجمود لديكارت صحيحة، فإننا لا نستطيع تتبع نفوس غير مادية تهيم بدون أي صفات نفسية، لذلك وفقاً  لهذا الرأي، لن نستطيع أبداً تبرير إعادة تحديد هوية أي شخص أو الاهتمام بالمراحل المستقبلية التي ستشهدها أجسادنا: وفي كلتا الحالتين، لم يكن لدينا سبب للتفكير أن الأشخاص قيد الاختبار هم أنفسهم الذين كنا نظنهم هم (Perry 1978, 6-18; Parfit 1984,228).

قد يؤكد المدافع عن وجهة النظر هذه ، أنه يجب علينا التخلي عن رغبتنا في تعريف الهوية مع الأخذ بعين الاعتبار صحة المعيار الميتافيزيقي، وبالطبع ستكون حالة اللااختزالية هذه صحيحة: ببساطة ليس ثمة طريقة لإثبات أنني مادة غير ملموسة وغير مرتبطة بصفات نفسية معينة. ولكن إذا صح هذا الأمر، ولم تكن ثمة طريقة لتحديد الهوية، إذن، فإن المشكلة الثانية ستكون أن النظرية غير ملائمة للأهداف العملية. حقيقة الأمر فإننا نقدم تفسيراً وإعادة تعريف للهوية بناء على الصفات النفسية والمادية، وليس لدينا إمكانية لفعل أي شيء آخر، لذلك حتى لو كانت نظرية الجمود لديكارت صحيحة، ستكون بلا فائدة في تحديد أي من اهتماماتنا العملية. لذلك إذا أردنا إيجاد توضيح للعلاقة بين الهوية والشخصية والأخلاق، قد نضطر للتخلي عن نظرية “الاختزالية” أو على الأقل النوع المتعلق بالكيانات المنفصلة. تعد وجهة نظر شيشتمان الأنثروبولوجية هي وجهة نظر لااختزالية، حيث تؤكد على حقيقة أن الهوية تتكون من حقائق تتجاوز مجرد العقل والجسد، ولكن لا يمكن تتبع هذه الحقائق كنظرية الجمود لديكارت، ولكنها حقائق عن المشاركة والمعاملة الاجتماعية.

2.8  النظرية رباعية الأبعاد

سنتوجه الآن إلى وضع أكثر شمولاً، فهو اتجاه للاختزالية ينص على أهمية الهوية. يؤيد وجهة النظر هذه مؤيدو نظرية رباعية الأبعاد، التي تنص على أن الأشياء لها جزء مكاني وجزء زماني (Lewis 1971, 1976; Noonan 1989; Sider 2001a). من خلال هذا الاتجاه يمكننا القول إنه في حالة الانقسام، فإن الشخص بعد الانقسام يتطابق مكانياً بصورة كاملة مع الشخص قبل الانقسام، بحيث يشترك كل منهما في تلك الفترة الزمنية من حياته مع الآخر. بمعنى آخر، هذه الحالة قد تشبه طريقين مختلفتين ولكنهما يلتقيان في نقطة معينة لينفصلا مجدداً في اتجاهين مختلفين. لذلك، إذا كانت مراحل الشخص بعد الانقسام هي مراحل نفس الشخص قبل الانقسام (ولكن بالفعل هناك شخصان مختلفان) في هذه الحالة يمكن تأكيد فرضية أن علاقة الهوية هي ما يهمنا فعليا، وهنا تظل محافظا على الهوية خلال الانقسام، بينما في نظرية بارفيت؛ أثناء الانقسام يتم الحفاظ على كل شيء عدا الهوية. بالطبع لا يعني هذا أن الهوية هي ما يهم فقط، ولكن وجود علاقة الهوية بوصفها مكمّلاً، لا مكوّناً، هو الأهم. قد ترتكز هذه النقطة على أربعة أبعاد، والسؤال هنا، لماذا قد تكون الهوية هي ما يهم في علاقتي بالشخص الذي سأكون عليه مستقبلا؟ لنفترض أننا نعيش لمدة ألف عام ووفقاً  للنظرية رباعية الأبعاد، فإنني راهناً قد اتحد مع ذاتي التي ستبلغ من العمر 900 عام. لكن هذا صعب للغاية، إذا لم يكن مستحيلا نفسياً –أن أتخيل نفسي مكانه- فإنني أتوقع أن يختلف عني نفسياً بصورة جذرية، لن يكون بيننا أي شيء مشترك سوى الهوية ولا شيء من الأمور الحياتية العادية. قد أؤكد على أنها درجة قوية من الترابط النفسي الذي يساعد على توحيد العلاقة بين المراحل الزمنية المختلفة، ولكن في هذه الحالة يبدو أن العلاقة التي تربط ما هو مهم، هي مجرد الترابط وليس الهوية في حد ذاتها. وهناك المزيد لنتحدث عنه في وجهة النظر هذه، وسنتطرق لها فيما بعد (أنظر: Belzer, 2005).

 

  1. توحيد أهداف التحوط والأخلاق

إن المعيار الميتافيزيقي للهوية ليس له تأثير مباشر على الأمور المعيارية لأن ماهية الحالة لا تدل على شيء مما ستكون عليه. إن ما يفعله الأشخاص الذين يسعون لوضع علاقة بين الهوية والأخلاق هو الاحتكام إلى أهمية الهوية لوضع تعريف للوحدات الميتافيزيقية ذات الأهمية الاخلاقية. بمعنى آخر، تم الحصول على استنتاجات خاصة بالهوية التي تفسر إمكانية توحيد أهداف النظريات الخاصة بالتحوط والأخلاق. بالنسبة للتحوط، على سبيل المثال، دراسة ما هو الأفضل لي وإدراك مغزى “الأنا”. بالمثل، وفيما يخص المسؤولية الأخلاقية، فإننا في حاجة إلى أن نعرف ما إذا كان الشخص سيخضع للثواب أو العقاب على أفعاله التي هي جزء من كيان الشخص الذي قام بفعلها. من الجدير بالذكر، أن التعريف الميتافيزيقي المتاح لن يكون كافياً وحده، ولكننا في حاجة إلى توصيف أهمية هذه الوحدات للأخلاق. لهذا وجب التطرق إلى مسألة الاختزالية. الاختزالية في حقيقة الأمر هي وجهة نظر ميتافيزيقية عامة تؤكد في جوهرها أن الحقائق حول الهوية تتكون من حقائق عن العقل والجسد وغيرها. ولكن إذا تقبل شخص ما مسألة الاختزالية ورفض مبدأ الكيانات المستقلة لتفسير الهوية الشخصية، وإذا كانت الهوية ليست هي ما يهم من أجل البقاء، فإنه لا يزال هناك كثير من الجهد قبل إمكانية تطبيق هذه النظرية على الأخلاق. هناك على الأقل أربع وحدات ميتافيزيقية يمكن الاستناد إليها لوضع النظريات المعيارية.

أولا: دراسة الإنسان وفقاً  للمعيار البيولوجي والأنثروبولوجيا إلى حد ما وتوحيدهم عن طريق الاستمرارية البيولوجية. ستظل هذه الكيانات باقية من مرحلة الأجنة حتى مرحلة الموت.

ثانيا: بالنسبة لمعتنقي نظرية لوك، وهي دراسة الإنسان وفقاً  للمعيار النفسي وتوحيد ذاته عن طريق الاستمرارية النفسية (وهي سلاسل متداخلة من الترابط النفسي القوي). هذه الكيانات ستستمر من نهاية مرحلة الطفولة (أو مرحلة تأسيس الروابط النفسية المتعددة) حتى مرحلة الموت أو مرحلة الإصابة بالخرف.

ثالثا: يمكن تعريف الذات بأنها كيانات توحدها الروابط النفسية القوية، وتستمر هذه الكيانات لفترات طويلة من الوقت، ولكن يحتمل ألا تستمر في حالة نسيان الذكريات أو تغيير المعتقدات والرغبات وهكذا، وبالتأكيد لن يستمروا طوال حياة الإنسان التي كانوا جزءا منها.

رابعا: قد يكون المستهدف هنا هو الذرات أو ذاكرة التجربة، حيث أن وحدة الذات هذه تُعرَّف بمدة هذه التجربة. في النهاية، إذا كانت الحقيقة الجوهرية للهوية غير معلومة و مفقودة، فلن يكون ثمة بديل مشروع عن العلاقات ذات أهمية، ومن ثمّ، فإن ما سيظل هي اللحظات الأساسية التي مر بها الإنسان (لمناقشة وحدات الذات الثلاثة الاخيرة أنظر: (D.Shoemaker 1999,401; Brink 1997, 110-115) الذي سيناقش ثلاث وحدات للذات.)

لذلك، فإنه ليس كافياً أن نقوم بتوضيح الوحدات الميتافيزيقية المتعددة للذات، بل يجب أيضاً إيجاد وسيلة لتحديد أي من هذه الوحدات يمكنها استهداف الأخلاق. لذا من الناحية الميتافيزيقية، يجب أن يكتفي الاتجاه الاختزالي بتقديم هذه البدائل الأربعة فقط، وأن تظل محايدة عند تبني علماء الأخلاق لأي منها. عادة ما يُتغافل عن هذه العملية المكونة من خطوتين، وهما تحديد الوحدات الميتافيزيقية وانتقاء الوحدات ذات الأهمية الأخلاقية، على يد من يرغبون في اتخاذ الاستنتاجات الميتافيزيقية في نظرياتهم المعيارية، إلا أن كلا الخطوتين في غاية الأهمية ( Brink 1990,1997a and 1997b).

وبمجرد أن نتحول من الحديث عن الهوية إلى الحديث عن علاقات الوحدة باعتبارها ذات أهمية أخلاقية، فإن الأمور قد تصبح بالغة التعقيد. فليس هناك من حيث المبدأ ما يمنع اثنين من علاقات الوحدة الشخصية المترابطة ــ الاستمرارية النفسية والترابط ــ من الصمود في نفس الوقت. ولهذا، فإن الاستمرارية النفسية لن تحقق فقط الترابط بيني راهناً وأكثر من شخص في المستقبل، ولكنها أيضاً تستطيع تحقيق الترابط بيني الآن وأي أشخاص آخرين يختلفون مكانياً عني في الوقت الحاضر. و ينطبق نفس الشيء على الترابط النفسي (Brink 1997a, 141-143, 1997b, 125-128). من الواضح أن بعض العلاقات النفسية التي تشكل الترابط والاستمرارية يمكن أن تحدث على الأقل على المستوى الشخصي. على سبيل المثال، تماثل المعتقدات والرغبات والأهداف والشخصية و قد يكون ممكنا أيضاً تقاسم الذكريات والنوايا بين الأشخاص والتي قد تنتج عن سبب مشترك (Ibid). إن معرفة هذه الروابط قد يساعد على توسيع حدود وحدة الذات، وقد يؤدي ذلك إلى إلغاء الحدود بين التحوط والاخلاق، ولكن التداعيات التي قد تعقب ذلك لا تستحق العناء. إذا كانت الوحدة الأخلاقية هي الذات، والتي تكونت من الترابط النفسي، الذي يتم بشكل تدرجي، فهذا يعني أن اتحاد ذاتي مع الآخرين ومع مراحل ذاتي المستقبلية؛ ستكون بشكل جزئي فقط، وستحدث لأشخاص مختلفين وعلى درجات متفاوتة. ولكن إذا كانت هذه هي الذات الأخلاقية، فكيف نرسم حدودها بحيث يمكن تطبيق المفاهيم والمبادئ الأخلاقية بصورة مترابطة؟  McMahan 2002)). بالإضافة لذلك، قد تكون ثمة مخاوف بشأن كيفية تطبيق المفاهيم الأخلاقية التي لا تعترف بأبعاد معيارية مثل الوعود (Williams 1976, 202–204). تمثل هذه الأسئلة وغيرها تحديات لوجهات النظر التي تتفق مع الوحدات الشخصية.

لتفادي مثل هذه المشكلات وغيرها، قدمتْ شيشتمان نظرتها الأنثروبولوجية حول ماهية الوحدات التي تناسب جميع اهتماماتنا العملية الخاصة بالأشخاص. كما تعتقد شيشتمان أن الوسيلة الوحيدة لتوحيد هذه النظريات معاً هي التركيز على العنصر البشري، فقد مكَّنها هذا الرأي من القول إن الجنين هو نفسه الرضيع والمراهق والكبير والجد والمصاب بالخرف أيضاً، أي فرد واحد على مدار الزمن. تلغي هذه النظرية أي احتمالات أخرى قد سبق ذكرها لبعض الاهتمامات التي يصادفها الإنسان في حياته، وقد تمنع النظرية الأنثروبولوجية من قدرتها على تفسير بعض السمات المنطقية للأخلاق والتي قد تشهدها الذات.

 

  1. الهوية والأخلاق المعيارية

لقد رأينا بالفعل عدة طرق قد تكون فيها الهوية الشخصية ذات صلة بنواحي الذات، مثل التوقعات أو التحوط. لذلك سنتجه الآن لدراسة طرق معينة قد يكون للهوية الشخصية بها آثار على الاهتمامات العملية الأخرى، التي نوقشت في مختلف مجالات الفلسفة الأخلاقية. من أكثر النظريات التي عولجت في الأدبيات هي النظرية الاخلاقية، ومعظم العاملين في هذا المجال كانوا يلجأون إلى تفسير الهوية لتعزيز منطقية العواقبية consequentialism، أو بشكل أكثر تحديداً “النفعية” utilitarianism. وتستمر المحاولات في هذا المجال بعدة طرق. أولاً: قد يوجّه لمبدأ النفعية نقدُ شديد، ثم يوضح كيف تؤدي اعتبارات الهوية الشخصية لحل هذا الاعتراض. وقد اتخذ بارفيت هذا النهج في كتابه “Reasons and Persons”. يعتني بارفيت بدحض “انفصال الأشخاص” وفقاً  لـ رالز Rawls، وهي الحجة التي تقول إن النفعية لا يمكنها التمييز بين الأشخاص، لأنها تتجاهل توزيع المبادئ بين الأشخاص (Rawls 1971, 22–27). في نشر مبدأ الاختيار العقلاني في عملية صنع القرار على المستوى المجتمعي، فإن النفعية تتعامل مع اهتمامات أفراد المجتمع كلهم على أنها اهتمامات شخص واحد، وبذلك تمزجهم على أنهم شخص واحد. وفقاً  لبارفيت، إذا اعتمد الاعتراض على التمييز الميتافيزيقي القوي والسريع بين الأشخاص أو على مبدأ اللاهوية لمختلف الأشخاص، وإذا اعتمد هذا التمييز على حقائق أخرى خاصة بالهوية، فبذلك لن يكون التمييز ذا أهمية من البداية. قد يكون مؤيدو النفعية هم أنفسهم مؤيدي الاختزالية،  بسبب تجاهلهم للتمييز بين الأشخاص، لأن “لاهوية” الأشخاص هي حقيقة أقل عمقاً (Parfit 1984, 329–345).

يعتمد نجاح الجدليات لهذه النتائج على وجهة نظر الاختزالية. وفي النهاية هناك العديد من الوحدات الميتافيزيقية ذات الأهمية الأخلاقية المتوافقة مع الاختزالية، واتضح أنه كلما كانت الوحدة أكبر قلَّتْ فرص نجاح حجة الجدلية. وكما يفعل الباحثون في هذا المجال، فإننا سنركز على الوحدات النفسية الثلاث: الأشخاص، الذات والذرات. إذا اعتقدنا ان الوحدات الوحيدة ذات الصلة كانت هي الذرات، في ظل عدم وجود حقيقة أخري للهوية، بالتالي لا توجد علاقات موحدة أخرى ذات أهمية: على سبيل المثال، ادعاء بارفيت المتشدد. لذا فمن السهل ملاحظة التشابه الكامل بين حياة الأفراد والحيوات الأخرى: لذا يمكن اعتبارهما مجموعة كبيرة من التجارب، ومن ثمّ ليس ثمة سبب لتطبيق أي من هذه المبادئ على أي منهما. ولكن من الجدير بالذكر أنه إذا تم تبني أي من النسختين الأخريين من الاختزالية المبنية على النفسية، حيث تكون الذات أو الأشخاص هي الوحدات الأخلاقية الأساسية، فقد لا تكون هذه حجة قوية. إذا كانت الاستمرارية النفسية هي ما يهم بدلاً من وجود حقيقة أخرى عن الهوية (ادعاء بارفيت المعتدل)، لذا فإن الأشخاص هم الوحدة الأخلاقية، ولكن يظل هناك اختلاف وتباين بين الأشخاص من ناحية الاستمرارية النفسية، في ظل غياب الترابط بين الأشخاص، والذي يقلل من توحيد الحيوات وفقاً  لأسلوب عيش الإنسان (Jeske 1993, Brink 1997a) ينطبق نفس الأمر على الترابط النفسي القوي الذي يمكنه توحيد الذات بصورة تجعلها متميزة. يبدو أن الطريقة الوحيدة لدعم مبدأ النفعية هي تبني وجهة النظر النقيضة، وهي أن الوحدة الميتافيزيقية ذات الاهمية الأخلاقية ما هي إلا ذرات بشرية موجودة بصورة مؤقتة. ولكن يصعب تصديق هذا، لأنه من الصعب جدا فهم “عامل” أو “شيء” باق لفترة مؤقتة، ففي النهاية لديهم اهتمامات ومشاريع يتوخون تحقيقها في المستقبل. حتى تصبح الشخص الذي أنت عليه الآن، يجب أن تتطابق مع ذاتك المستقبلية. إذا اعتبرنا الإنسان أداة أو مجرد عامل ما، في هذه الحالة لن يكون ثمة محتوى واضح يمكن به وصف هذه الذات في الوقت الحالي (Korsgaard 1989,114; Williams 1976, 204-207; Brink 1997b,112-113). ولكن بعيداً عن الذرات بوصفها وحدة أخلاقية رئيسة لهذه الأسباب العملية، فإن الفصل بين الذات/الأشخاص والحيوات يصبح أكثر تميزاً. تشير جدلية Brink إلى أن إمكانية الاستمرارية الشخصية تدعم نوعاً ما العواقبية من خلال الذات المنطقية، فإذا كان الشخص يهتم بذاته، فإنه سيركز على مصلحته فقط. إن ما يعد ملك الفرد وداخلاً في وحدته الميتافيزيقية، في ظل الاختزالية، هو ما يعرف بالاستمرارية النفسية (حيث يعارض Brink تماسك الذرات مع الذات في وحدة متكاملة). ولكن إذا كانت الاستمرارية قائمة بين الأشخاص، فيجب على الذات العقلانية تعزيز مصلحة كل المتواصلين معها. وبما أن كل شخص لديه ست درجات فقط من الانفصال عن أي شخص آخر، فإن هذا قد ينتج عنه نوع هام من العواقبية العالمية المحايدة: “يستطيع الشخص الأناني معرفة السبب الثانوي وليس الرئيسي للاهتمام بالآخرين” (Brink 1997b, 127).

إذا كانت الحيادية المطلقة للعواقبية غير منطقية بسبب تجاهلها أهمية الأصدقاء والمقربين لنا، لذا يمكن للمرء أن يطرح فكرة “درجات الاستمرارية” و بالتالي فإن اهتمام الشخص الأناني بالآخرين سيصبح شيئاً متناسباً مع مدى الاستمرارية النفسية الموجودة بين الفرد والآخرين (انظرIbid., 128 McMahan 2002, 59–66). بما أن الترابط يقاس بدرجات، إلا أن التواصل لا يقاس بهذه الطريقة. إذا كانت الاستمرارية أساس داخل الترابط القوي، وما يحقق هذه القوة هو حجم الترابط النفسي المباشر (Parfit 1984,206)، لذلك فإن الاستمرارية ليست مسألة معنية بالدرجة: إما أن يحدث  ترابط قوي عبر سلسلة الأحداث أو لا يحدث .(Belzer 2005) ولكن إذا كانت هناك حلقات وصل عبر سلسلة الأحداث أضعف من غيرها، فمن الصعب معرفة سبب قوتها في مناطق معينة عبر سلسلة الأحداث. بمعنى آخر، إذا افترضنا أن الاستمرارية تقاس بالدرجات، فليس من الواضح لماذا نهتم بحجم الاستمرارية وليس فقط حقيقة وجودها. إذا افترضنا أن ما يهم هو درجة الاستمرارية، فقد يبدو أنه من المنطقي التركيز على العلاقة العددية الأكثر وضوحاً التي تتكون فيها الاستمرارية؛ أي الترابط.  بما أن التركيز على الذات قد يعطي شكلاً أكثر تعقيداً من العواقبية (مثل الاهتمام بمصلحة جميع الأفراد المتأثرين، ومنهم الذات المستقبلية، حيث تقاس هذه المصلحة بدرجة الترابط التي قد تكون بينهم وبين الذات الحالية)، قد يظهر اتجاه واعد أكثر وهو الذات المختزلة لدعم نظرية أخلاقية مختلفة تماماً وهي النظرية التعاقدية. إن أهم اعتراض واجه هذه النظرية أنها لا تعطي أي وسيلة لتحفيز الشخص غير الأخلاقي على الالتزام بالأفعال الأخلاقية. لكننا قد نفترض أن الشخص غير الأخلاقي هو شخص عقلاني على الأقل. إذا صح الأمر، فإن إحدى الطرق المنطقية لنمذجة الأفعال التحوطية هي أنها تتكون من الرغبة في أن تكون أفعال الشخص مبررة لجميع المراحل المستقبلية للذات (McClennen 1990,217). ولكن إذا كانت العلاقة المحورية في الهوية هي الترابط، فيجب أن تكون أساساً للتحوط، بصورة تقيد التفسير المطلوب ليقتصر فقط على المراحل التي يتوقع الفرد أن يكون مرتبطاً بها. إذا كان الترابط هو أمر قائم بين الأشخاص، فإن الشخص اللاأخلاقي يجب أن يوسع رغبته ليشمل من سيترابط معهم نفسياً، مما سيؤدي به إلى اتخاذ حافز أخلاقي ضمن ميوله التعاقدية (D.Shoemaker 2000; Scanlon 1982&1998). إن الآراء الموثقة حتى الآن مبنية علي علم النفس للوحدات (الذات) الميتافيزيقية ذات الأهمية الأخلاقية، ولكن ماذا عن الآراء المبنية على المعيار البيولوجي؟

إن أحد الأفكار التي تعزز اللاعواقبية/اللاعقاب على منهج العواقبية هو مسألة الجزاء: يعتقد مؤيدو اللاعواقبية أنه من الظلم مكافأة ذات أخلاقية عن عبء تحملته ذات أخرى، وهو أصلاً مباح في مبدأ العواقبية (Jeske 1993). تعد هنا لا هوية الوحدات (الذات) الأخلاقية المختلفة أمراً مهماً. ولكن ما هي الوحدات الأخلاقية ذات الصلة بمسائل التعويض أو الجزاء؟ في أغلب الأحيان هي وحدات نفسية وعادة أشخاص منتمون للاختزالية. لكن لماذا لا نعتقد ان هذه الوحدات هي بشر أو أفراد متحدون بالاستمرارية البيولوجية؟ يظهر أحد أسباب هذا من بعض الحالات التي تضرر فيها الطفل بصورة سيئة نتيجة بعض الأزمات التي مر بها في مرحلة الجنين، مثال: أمُّ سكيرة، مما تسبب في متلازمة الكحول الجنينية، أو إهمال الطبيب المعالج للأم. في هذه الحالات قد يحتاج الطفل إلى تعويض عما مرَّ به قبل الولادة (هنا قد نتخيل حالات مماثلة عن البشر الذين أصبحوا “لا أشخاص” مثل الدخول في غيبوبة كاملة. قد تشير بعض هذه الحالات إلى إنه إذا كان التعويض يستلزم الهوية الشخصية، فمعيار الهوية المناسب للتعويض هو المعيار البيولوجي، وفي هذه الحالة تكون النظريات الأخلاقية التي تستهدف الوحدات النفسية فقط غير كاملة. (D. Shoemaker 2007,338). يستطيع المرء نشر مبدأ الاختزالية عن الهوية الشخصية بعدة طرق متباينة للوصول إلى نتائج مختلفة عن النظرية الأخلاقية، وهذا وفقاً  للوحدات الميتافيزيقية المستهدفة. قد لا تكون ثمة علاقة واحدة مناسبة لتأسيس جميع أنماط القلق أو الاهتمام، أي أن بعض هذه الأنماط قد يعتمد على الاستمرارية البيولوجية وبعضها قد يعتمد على الاستمرارية النفسية أو الترابط وغيرها قد يستهدف تجارب لحظية بسيطة. إن كان هذا هو الوضع، فقد يكون من الصعب معرفة الاستنتاجات العامة الموحدة، إن وجدت، والتي يمكن استنتاجها للنظرية الأخلاقية (Shoemaker 2007, وهذا ما يطلق عليه Schechtman 2014,80-88 بمشكلة التعدد).

 

  1. الهوية والمسؤولية الأخلاقية

كما ذكرنا سابقا، اعتقد لوك أن علاقة الهوية الشخصية هي علاقة مسئولية: إن ما يجعل Y عند t2 هو نفس الشخص X عند t1 هو أن Y مسؤول أخلاقياً عن أفعال X. لذا أصبح هذا التفسير العام للمسؤولية الأخلاقية غير فعال دون وجود داعم تكميلي. قد يكون هناك عدة أعذار (مثل غسيل المخ أو التسمم التلقائي) حتى ينفصل رابط المسؤولية عن الشخص حتى ولو كان هذا الشخص مطابقاً للشخص الأصلي. افترض لوك أن الشخص مسؤول، مع عدم وجود أعذار، عن كل الأفعال التي قام بها الشخص المطابق له، ولكن هل هذا صحيح؟ هناك اتفاق شائع على أن الهوية هي شرط أساسي للمسؤولية. وان أكثر الطرق شيوعاً لتفسير هذه الفكرة هو أن الشخص قد يكون مسؤولا عن أفعاله الشخصية فقط “أي أنني قد أكون مسؤولاً عن أفعالي فقط ولا يمكن أن أكون مسؤولاً عن أفعال أي شخص آخر” (Sider 2001, 4, 143, 203–204; Schechtman 1996, 14; Olson 1997, 59). قد يكون هذا الطرح بمثابة تسليط للضوء على الشعار الفلسفي أن المسؤولية الأخلاقية تستلزم الهوية الشخصية (Butler 1736, 99–105; Reid 1785, 107–118; DeGrazia 2005, 88–89; Glannon 1998; Parfit 1984, 323–326; Parfit 1986, 837–843)

قد نعتقد الآن أن ثمة أمثلة معارضة واضحة لهذا الشعار: وهو أن الآباء قد يكونون مسؤولين عن أفعال الأبناء، أو أن شركاء الجريمة مسؤولون عن الجرائم التي ارتكبتْ في حق الآخرين. وتظهر هنا الإجابة بسيطة، وهي أن في كل حالة يكون الشخص مسؤولاً فعلياً عن أفعاله فقط. مثال: يتحمل الآباء المسؤولية، ليس عما يفعله الأبناء، ولكن عن تركه وتجاهله لما يفعله الأبناء أي أنه يحاسب على سوء تربيته. يتحمل المتواطئ المسؤولية، ليس على الجريمة، ولكن على مساعدته للمجرم في تنفيذ الجريمة. لذلك، في الحالتين، ثمة أفعال معينة يبدو فيها أن الشخص المتطابق مع الفاعل هو المسؤول.

على الرغم من ذلك، قد يواجه هذا الشعار عدة مشكلات لإنه قد يكون ثمة حاجة للإجابة عن السؤال التالي: ما الذي قد ينسب فعلاً  في الماضي لي من ناحية المسؤولية؟ كانت إجابة المنظرين  بعد لوك، أن الفعل ينسب اليّ فقط في حالة تطابقي مع الشخص الذي قام به. إذن، ما المعيار الذي تقدمه الهوية الشخصية ليُنسب الفعلُ للشخص؟ لم يُثبتْ معيارُ لوك عن الذاكرة نجاحَه، لأن بعض الأفعال قد تنسب للشخص حتى لو لم يصبح يتذكره، سواء بسبب السُكر أو تعرضه للقمع أو الصدمة (Schechtman 2005, 12; see also Bradford and Smith 1979). يضاف إلى ذلك، أن الذاكرة وحدها غير كافية لملكية الأفعال. لنفترض أنه تم نسخ ذاكرة شخص آخر لي، والذي قام بفعل غير أخلاقي، فأصبحت أنا أتذكر أفعاله على أنها أفعالي، ولذا فلن يكون صحيحاً أن أظن أنها أفعالي بداعي المسؤولية أو أنني متطابق؛ بشكل ما، مع من قام بهذه الأفعال (Schechtman 2005,12).

 ماذا بشأن المعيار البيولوجي؟ وفقاً  لهذا الرأي، قد تنسب إليّ بعض الأفعال الماضية من باب المسؤولية فقط في حالة استمراريتي البيولوجية مع الفاعل، ولكن لن يعد هذا كافياً أو شرطاً لملكية الفعل. لإنه في حالة زرع “دماغي” في جسم إنسان آخر، حتى يصبح هذا الشخص متواصلاً نفسياً معي، هنا قد تصبح ملكيتي لأفعالي قد انتقلت لهذا الشخص أيضا، فأصبح هو مسؤولاً عن تصرفاتي على الرغم من عدم تواصله بيولوجياً معي. بالإضافة لذلك، لدينا شخص يدعي “Johann” وهو شخص غير أخلاقي أصابه الخرف وأصبح له خليفة بيولوجي واسمه “Sebastian” وهو الذي أصبح متواصلاً نفسياً مع Johann ولكن من الصعب الاعتقاد ان Sebastian يصبح المسؤول عن أفعال Johann على الرغم من تواصلهم البيولوجي (D. Shoemaker 2011). الخطوة التالية المتوقعة هي تطبيق المعيار النفسي على معيار المسؤولية (Glannon 1998, 231, 237–243). يتطلب هذا المعيار عدداً أكبر ومتنوعاً من الترابط النفسي المكّون لمعيار الذاكرة، ولهذا، فإنه يتغاضى عن الشكوك المحيطة برأي لوك، مع التأكيد على أن العلاقات النفسية، وليست البيولوجية، هي ما يهم في موضوع المسؤولية. وفقاً  لهذا الرأي، فإن بعض الأفعال الماضية تخصني (من ناحية المسؤولية) وذلك فقط في حالة أن الشخص الذي قام بهذا الفعل متواصل نفسيا معي، فهي سلسلة متشابكة من الروابط النفسية القوية). لكن هذا الرأي أيضاً تتخلله بعض المشكلات: ليس من الأكيد أن الاستمرارية النفسية وحدها كافية لملكية الأفعال؛ مثلا لنفترض أن حالة الخرف التي أصابت Johann قد تطورت لتتحول جذريا إلى شخصية مختلفة نفسياً عن Sebastian، وذلك لإصابة المخ بورم خبيث. فإننا سنظل نرفض ان Sebastian هو المالك لأفعال Johann على الرغم من تواصلهم النفسي. ويبدو أيضاً أن الاستمرارية النفسية غير ضرورية لملكية الأفعال. لنفترض أن شخصاً ما قد تعرض لارتجاج في المخ مما تسبب في انقطاع نفسي، قد تظل الأفعال التي تمت قبل الارتجاج “الانقطاع” منسوبة لنفس الشخص. طالما أن هذه الأفعال نابعة من الشخصية التي لازالت موجودة، قد نقول إنها تخص هذه الشخصية بغض النظر عن الانقطاع النفسي الذي حدث. يرجع ذلك جزئياً إلى هذه الأنواع من المخاوف التي تطرقتْ اليها شيشتمان، وهي التخلي عن البحث عن الهوية عن طريق إعادة تعريف الهوية من ناحية التوصيف. إن ما نبحث عنه هو تفسير لما يجعل أفعال الماضي تنسب لي. ولكن البحث عن إجابة هذا السؤال من خلال المعيار النفسي هو أمر غير مباشر: فقد جعلنا ننسب الفعل إلى شخص سابق أولا ثم نحاول تحديد ما إذا كان الشخص المسؤول هو نفسه أم لا. ولكن إذا لم نستطع أن ننسب الفعل إلى الشخص المسؤول بصورة مباشرة، فإن العلاقة بين الشخصيتين ليست قوية بما يكفي لتبرير العقاب واللوم (Schechtman 1996, 90–91; 2005, 13). ولكن كل هذه النظريات، متضمنة الهوية السردية، تداعت أمام حالة الانقسام. لنفترض أن X قام بسرقة بنك، ثم حدث له انقسام ليصبح Y وZ ، وكلاهما متواصل نفسيا مع X. سيتذكر كل من Y وZ واقعة السرقة التي قام بها X والمطاردة التي تعرض لها، وقد يروم كلاهما انفاق المال على الخمر والنساء. وسوف يستمر كلاهما في تبنى معتقدات X حول تبرير الجريمة، ولذا، يتحمل كلاهما المسؤولية عنها. ومع ذلك، لا يمكن أن يكون أي منهما مسؤولاً أخلاقياً عن جريمته. ولكن يبدو أن هذه الاجابة خاطئة.

ثمة رأيان منطقيان وهما معروفان في الوقت الحالي. الأول، هو أننا يمكننا العودة إلى النظرية رباعية الأبعاد (Sider 2001a)، حيث يشير هذا الرأي إلى أن Y وZ هما شخصان بالفعل واللذان كانا متداخلين مكانياً خلال مراحلهما الزمنية في حياتهما حيث كانا يعرفان وقتها باسم “X”. يسمح لنا هذا الإبقاء على الشعار القائل ” بأن شخصاً ما لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن أفعال شخص اَخر، بمعنى اَخر؛ إنها بالفعل هوية عددية ضرورية لمسألة المسؤولية، مع الحفاظ أيضاً على فكرة أن العلاقة النفسية القوية هي التي تحدث بين أطراف مختلفة، مما يضع أساساً لمعتقداتنا أن X لم ينجو بجريمته بمجرد حدوث الانقسام له. ولكن، ينم هذا الرأي عن أمور ضمنية غير مريحة. قد نعتقد أن I تشير لشخص فريد من نوعه، ولكن قد يكون I من وجهة نظر X يشير إلى شخصين Y و Z ، أو ربما يكون هذا خطأ، قد يكون “I” من وجهة نظر X يشير إما إلى Y أو إلى Z. ولكن في هذه الحالة لن يستطيع أحد حتى ” المتحدث” أن يعرف إلى أيهما هو ينتمي. ولكن ثمة مخاوف أخرى مرتبطة بهذا الرأي، على سبيل المثال: إذا كان X قبل عملية الانقسام كان يتكون من شخصين متداخلين فإن هذا سيؤثر كلياً عما سيحدث في المستقبل، بمعنى اَخر: إذا كان X يمر بمرحلة انقسام. لذلك، إذا كان X يقود سيارته من البنك إلى الدكتور المسؤول عن عملية الانقسام ثم فجأة غير رأيه، في هذه الحالة لن تتم عملية الانقسام، وبالتالي لن يكون هناك Y أو Z. ولكن بعد ذلك يعتمد وجود Y أو Z وقت تغيير X لرأيه على ما إذا كان X غير رأيه أو لا، والذي يبدو غريباً في نهاية الأمر. سواء كان “I” يتكون من شخصين أو لا، يعتمد هذا عما سيحدث “لي” في المستقبل. في هذه الحالة , يبدو هذا أمرا غير مفهوم فيما يخص النظرية رباعية الأبعاد بالنسبة للأشخاص (Olson 1997b, van Inwagen 2002,). ولكن هناك أيضاً أموراً غير مفهومة فيما يخص مبدأ رباعية الأبعاد وعلاقته بموضوع المسؤولية. على سبيل المثال: إذا كانت المسؤولية تعتمد على الهوية، وكانت الهوية علاقة انتقالية، لذلك إذا كان Y مسؤولا عن أفعال X (في حالة اتحاد Y مع X كشخص واحد) وكان Z مسؤولاً عن أفعال X (في حالة اتحاد Z مع X كشخص واحد)، في هذه الحالة ألن يكون Y مسؤولاً أيضاً على أفعال Z والعكس صحيح؟ بالطبع، علاقات الوحدة ليست هي علاقات الهوية، ولكنه ليس من الواضح لماذا لا يجب أن تكون انتقالية بالطريقة التي يفترض أن تكون عليها علاقة الهوية (يؤكد in Sider 2001a, 203, على أن العلاقة لا يجب أن تكون كذلك دون ذكر أسباب). بالإضافة لذلك، فإن النظرية رباعية الأبعاد هدفها الحفاظ على الشعار المنطق، ولكن يتم ذلك وفقاً  لحل يبدو بعيداً كل البعد عن المنطق. في واقع الأمر، يتحور الشعار حول مسؤولية الأشخاص، لكن الأبعاد الأربعة تقدم حلاً فقط فيما يتعلق بمسؤولية الأشخاص (Ibid.; Parfit 1976).

الثاني: هو الاختزالية وهي تعارض هذا الشعار ببساطة. بمعنى اَخر، فإن الهوية غير ضرورية للمسؤولية الأخلاقية. ولكن بدلاً من ذلك، من وجهة نظر الاختزالية، فإن ما يهم هو الاستمرارية النفسية (أو الترابط)، بغض النظر عما إذا كانت تحدث بشكل فريد. يسمح هذا لـ شخص المتبع لمبدأ الاختزالية التعامل مع حالة الانقسام بالصورة التالية: بينما Y وZ غير متطابقين مع X، فإن كليهما متصل نفسياً تماماً معه، بما أن ملكية الأفعال تتكون في حالة الاستمرارية النفسية مع الشخص الأصلي، وبما أن الملكية هي شرط أساسي للمسؤولية، فإن كلا من Y وZ مسؤولان أخلاقياً عن جرائم X. لقد رأينا بالفعل بعض المخاوف المتعلقة بمبدأ الاستمرارية النفسية للملكية والتي لا علاقة لها بكونها تفسير للهوية العددية (مثال: التحول التدريجي من Johann إلى Sebastian وحالة الانقطاع النفسي). قد نستطيع استخلاص معنى للهوية من كل الآراء المتعلقة بالتوصيف كمحاولة للاستجابة لهذه المشكلات، ثم وضع تفسير للملكية المتعلقة بالمسؤولية بعيداً تماماً عن الهوية العددية (وبما أن الهوية السردية تعتمد على الهوية العددية؛ فإنها لن تكون منافساً في هذه الحالة). قد تكون هذه إحدى الطرق لتفسير ما يفعله العاملون في مجال المسؤولية وتحديد الهوية (, Frankfurt 1988, 1999; Taylor 1983; Watson 1975; Smith 2000; D. Shoemaker 2015). عند الانتهاء من مسألة الملكية، يمكن تسمية هذا الرأي بمبدأ الهوية إذا أردنا (ربما لكونه متعلقاً بالهوية العملية)، ولكن سيكون هذا مجرد طمس للمصطلحات، وسيكون من الواضح في هذه المرحلة أن المكون الأساس للمسؤولية لم يكن الهوية ولكنها الملكية. قد يثار تساؤل عن رأي النظرية الأنثروبولوجية عن المسؤولية الأخلاقية والشخصية، ووفقاً  للنظرية الحالية، فهي غير متعلقة بهذا النقاش، لأنها متعلقة فقط بتحديد أنواع الكيانات التي هي الأهداف المناسبة لتقييم المسؤولية.

 

  1. الهوية والأخلاق التطبيقية

إن أكثر الاكتشافات المثيرة والمتنوعة عن العلاقة بين الهوية والأخلاق كانت في مجال الأخلاق التطبيقية، وخاصة الأخلاق الطبية والحيوية. تحتوي هذه الاكتشافات على عدة محاولات لتحديد العلاقة بين شخص واضح وصريح وكيان “إما ماضٍ أو مستقبلي”. سنناقش هنا المجالين الأساسيين لهذا البحث قبل الإشارة إلى أنواع الخلاف حول الهوية والأخلاق التطبيقية في المجالات الأخرى.

 

  • الأبحاث الجنينية والإجهاض

ثمة طرق عدة من خلالها تدخل الهوية الشخصية في المناقشات حول هذه المواضيع. في البداية دعونا نتطرق لمسألة الأجنَّة والنزاعات الأخيرة حول أخلاقيات أبحاث الخلايا الجذعية؛ فقد كانت أكثر الجدليات شيوعاً في هذا المجال هو إتلاف أو قتل أجنَّة بعمر من يومين إلى خمسة؛ حتى يتم الحصول على خلاياهم الداخلية والتي تستخدم لتطوير الخلايا الجذعية. وبما أن الإنسان يأتي إلى الدنيا في ” لحظة” الحمل، فإن الأجنة هم بشر، وبما أنه من حيث المبدأ يحرم قتل الإنسان، ويعد أمراً غير أخلاقي، فقتل الأجنة هو أمر غير أخلاقي أيضاُ (مثال: Peters 2001, 129). إن الإشارة إلى الهوية في هذا النقاش تأتى من المعارضين لهذه الجدلية، وهم الذين يطبقون حجة “من الانقسام إلى النسخة الحقيقية “، وتسمى التوأمة. قد ينقسم الجنين في أي وقت قبل بلوغ الأسبوعين في مرحلة نموه، وهذان الجينان قد يكبران ليصبحا توأماً مكتملاً. ولكن السؤال الذي قد يواجهه المؤيد لوجهة النظر هذه، ما الذي حدث للجنين الأصلي والذي سنطلق عليه ” اَدم “؟

هناك ثلاث احتمالات فقط:

أ‌- إما أن يعيش اَدم بوصفه توأماً؛

ب‌- أن يعيش اَدم بوصفه  واحداً من التوأمين؛

ت‌- ألا يعيش اَدم من حيث الأصل؛

بالنسبة للاختيار الأول فهو غير صحيح، لأن التوأمين سيعيشان حياتين مختلفتين منفصلتين، وبذلك سيصبح شخصين وليس شخصاً واحداً. أما الاختيار الثاني فهو أيضاً غير صحيح، ما الذي يؤكد أن اَدم سيكون أحد التوأمين وليس الاَخر؟ والاختيار الثالث هو موت اَدم، وهذا ينطوي على أمرين سيئين: أولاً: إذا كان من المحزن موت شخص ما، فإن التوأمة تنطوي على مأساة، وبالتالي موت اَدم سيكون أمراً حزيناً. ولكن هذا الرأي سخيف (McMahan 1995 & 2002,26;Oderberg1997).

ثانياً، إذا كان التحليل الميتافيزيقي صحيحاً، فإن موت اَدم يؤدى إلى وجود شخصين جديدين (وهما بارنى وكلير مثلاً)، ولكن هذا يعنى:

1- لم يأتِ كل البشر إلى الوجود عند الحمل (بعضهم يظهر في التوأمة).

  • قد تحدث الوفاة ولا ينتج عنها وجود وفاة وهي صدفة غريبة (Kuhse and Singer 2002, 190).

 في هذه الحالة لدينا عدة اَراء:

أولاً: ليس من الواضح ما إذا كانت الخيارات المذكورة في التوأمة قد أدرجت في الاحتمالات الثلاثة السابق ذكرها. هناك اختيار رابع وهو الرباعية الأبعاد الذي يستطيع التأكيد على أن الجنين هو بالفعل إنسان منذ لحظة الحمل، وذلك إستناداً إلى أن الفترات الزمنية السابقة للتوأمة لكل من بارنى وكلير كانت متداخلة، بمعنى اَخر؛ ما كنا نطلق عليه اَدم كان عبارة عن مرحلة مشتركة في حياة كل من بارنى وكلير. رفض ماكمهان McMahan هذا الاختيار لاعتباره سخيفاً (McMahan 2002, 26)، ولكن ليس من الواضح سبب الرفض، خاصة أنه تطبيق مباشر لنظرية ميتافيزيقية قوية تتمتع بقدر كبير من الدعم.

ثانياً: قد لا تكون الاَثار المترتبة على ذلك بالسوء المشار إليه، لسبب واحد “الموت بالتوأمة”، إلا أنه لا يزال نوعاً من الموت، ولكنه لا يتطلب الحزن الشديد المتوقع عند موت شخص ما. بالإضافة لذلك، هذا النوع من الموت (أو الخروج من الوجود) – والذي يختلف عن حالة الموت المتعارف عليها – لن يكون له نفس النوع من الظروف مثل وجود جسد ورفات. حاول أن تتخيل كيف نفكر في الموت في حالة انقسام الأميبا مثلاً (Ibid.,27). ننتقل الاَن إلى الطريقة الوحيدة التي تدخل الهوية الشخصية في جدل أوسع بخصوص الإجهاض، حيث أن أشهر جدل معارض للإجهاض في الأدبيات الفلسفية هو رأي دون ماركيز  Don Marquis لاعتقاده أنه من الخطأ قتل أي كائن قد ينمو ليصبح مثلنا، وبما أن الجنين مستقبله أن يصبح إنساناً مثلنا، فمن الخطأ قتل أي جنين (Marquis1989). اعترض بيتر ميشانري Peter McInerny واَخرون أن الأجنة لا مستقبل لها مثلنا مستنداً إلى مبدأ الهوية. ولكي يكون للجنين مستقبل مثلنا فالأمر يستلزم تطابقه مع شخص ما ليشهد نفس مستقبله. ولكن الجنينين ليس شخصاً، وبالتالي فهو لا يتطابق مع أي إنسان في المستقبل. في الواقع، لا توجد أي من العلاقات التي تعد ذات صلة بهوية الأشخاص بين الجنينين و أي شيء اَخر، وذلك لأن الجنينين ليس لديه نفسية مرتبطة بالذكريات و المعتقدات و الرغبات و النوايا، كما أنه ينقصه وجود شخصية بشكل عام قادرة على تحقيق أي روابط مع شخص ما في المستقبل، وبالتالي فإن أي تجارب قد يمر بها شخص ما لا يمكن أن تكون من تجارب قام بها جنين (McInerney 1990,Brill2003). قد ينطبق نفس الأمر على الرُضَّع، ولكن بدلاً من اعتبار ذلك “اختزالا” للاعتراض، يمكن عده نقطة لصالح رفض معيار ماركيز عن خطأ القتل : مع العلم أيضاً أن الأطفال ليس لهم مستقبل مثلنا، و نظرية ماركيز غير كاملة إلى حد كبير، لأنها لم تفلح في تفسير سبب خطأ قتل الأطفال؛ ولكنه كذلك. يفترض هذا الاعتراض معياراً نفسياً للهوية، فإن “الشخص” هو ما يعرف بمفهوم الجوهر، وهو مصطلح يشير إلى نوع ينتمي إليه الفرد دائماً وبشكل أساسي طوال فترة وجوده. ولكن قد يكون “الشخص” مرحلة للتصنيف – يحدد نوع ينتمي إليه الفرد- خلال مرحلة فقط من فترة بقائه. قد يعني هذا أنني بوصفي شخصاً الاَن قد أظل متطابقاً مع شخص ما – أو كائن ما – ربما جنين – والذي لم يكن شخصاً من الأصل. لذلك، إذا كان هناك جنين متطابق معي – إذا كان نفس الكائن – وبالتالي سيكون له مستقبل مثل مستقبلنا (Marquis ,1998). لذلك، إذا كانت الهوية فقط هي التي تجعل من تجارب شخص مستقبلي هي تجاربي، فإن وجهة النظر هذه ستواجه مشكلة أخرى وذلك عندما نتطرق لمسألة الانقسام. في حالة حدوث الانقسام – ووفقاً  للجدليات المعروفة – فإنني لن أنجو (بعيداً عن مبدأ رباعية الأبعاد) مع ذلك، قد يظل لدي مستقبل واعد، بل ويمكن القول إنه سيكون لدى مستقبلان واعدان. سيصبح هذا ذا معنى إذا فضَلنا الحصول على مستقبل جيد بدلاً من تحقيق علاقة الهوية (العددية) (أنظر: Heathwood 2011). في حالة حدوث ذلك، فإننا نؤكد على أن العلاقات المهمة في تحقيق مستقبل جيد هي العلاقات النفسية، وفي هذه الحالة، حتى لو كنت متطابقا مع بعض الأجنة السابقة (مثل كائن حي أو حيوان) فهذا ليس ذا صلة: لأن ما يهم في وجود مستقبل جيد لا يتم فيما بيننا، لذا إذا كان الجنين له مستقبل فلن يكون مستقبله مثلنا.

هناك رأي ثالث يخص مسألة الهوية والإجهاض وهو أنه ليس هناك علاقة ذات أهمية بينهما. يظهر جدل إيرل كوني Earl Conee في هذا الشأن، ويؤكد أن الأربعة محاولات الرئيسية لدعم بعض وجهات النظر من الإجهاض هي محاولات فاشلة. وبالتالي، فإن الميتافيزيقيا لا تضع أي فرض أخلاقي، وهو استنتاج يشير إلى “عدم وجود ارتباط إبستمولوجي عام بالميتافيزيقيا بمسألة الأخلاق” (Conee ,1999;619). ولكن لمجرد فشل الآراء المختلفة (حيث يبدو “كوني ” محقاً) فإن هذا لا يعنى أن الميتافيزيقيا عموماً لا تحدث أي فرق أخلاقي في التساؤلات الخاصة بالأجنة، فقد ناقشنا حالتين للتو من الواضح أنهما كذلك. وفقاً  لـ تيموثى تشابل Timothy Chappell ، فإن “كوني” لم يفعل أو يقدم شيئاً لإظهار أن المذاهب الميتافيزيقية الصحيحة – بجانب الاتجاهات الأخلاقية الصحيحة – لا يمكنها أن تعطينا سبباً حقيقياً لتفضيل اتجاه على الاَخر فيما يخص الجدل حول الإجهاض، أو حتى غيرها من المناقشات المماثلة حول مدى الوحدة الأخلاقية (Chappell 2000,279). ولذا سننتقل إلى وحدة من ” المناقشات المماثلة ” المتعلقة بالنهاية الأخرى للحياة.

 

6.2 توجيهات متقدمة 

إن اللغز الفلسفي المتعلق بالقدرات المسبقة هو في الأساس لغز حول الهوية الشخصية. لنفترض أن هناك امرأة في المراحل الأولى من الإصابة بمرض الزهايمر والتي أدركت أنها في وقت ما ستصل إلى مرحلة من الجنون التام، والتي لن تؤهلها لاتخاذ أي قرارات بشأن علاجها. وبما أنها تقدر حياتها الحالية فهي ترفض أن تصبح شخصاً ما مختلاً في المستقبل، وترفض أن تظل على قيد الحياة بهذه الصورة، لذلك فهي قامت بتوقيع إجراء حاسم ينص على عدم استخدام أي إجراءات لمحاولة إبقائها على قيد الحياة. على الرغم من ذلك، ومع تقدم سنها لتصل إلى السن المتوقع انتهاء حياتها فيه، أصيبت بالتهاب رئوي وعندما سئلت، قالت إنها تريد العيش McMahan 2002, 497)). من الواضح وجود تعارض هنا، ولكن أي نوع من التعارض؟ إذا تطابقت الذات المجنونة في المستقبل مع الذات في بداية الإصابة بالزهايمر، فإن التعارض سيكون بين المصالح المختلفة زمنياً لنفس الشخص، في هذه الحالة فإننا نستبعد المصالح الماضية من أجل المصالح الحالية. مثلا، عندما كنتُ في العشرين من عمري كنت اَكل اللحوم، ولكنني قررت أن أصبح نباتياً، ومنذ ذلك الوقت أصبحتُ أصاب بالغثيان عند رؤية اللحوم، في هذه الحالة يبدو أن اهتماماتي الحالية هي التي ستهزم السابقة. من ناحية أخرى، إذا كانت الذات المستقبلية المصابة بالجنون غير متطابقة مع الذات الحالية في بداية الزهايمر؛ أي أنها شخص مختلف أو حتى نفسية مختلفة، فقد لا يكون نوع التعارض واضحاً في نهاية الأمر لإن إجراء إنهاء الحياة في حالة الجنون قد أثبت ما الذي تفضله وإذا كانت هذه الذات مختلفة تماماً عن الذات التي وقعت الإجراء المسبق، في هذه الحالة لا يبدو أن هناك سبباً وراء ارتباط السيدة في مراحل الزهايمر الأولى مع السيدة التي تعاني من الخوف في نهاية حياتها. مرة اخرى، فإن الذات التي تعاني من الخوف هي غير مؤهلة، والذات التي تعاني من الزهايمر – إن لم تكن مطابقة لها – فهي على الأقل قريبة منها، ولذا فقد نفكر بأن رغباتها السابقة هي التي ستسيطر في النهاية (Luttrell and Sommerville 1996). ولكن ستختلف الذات التي تعاني من الخرف المشابه لزملائها الذين يعانون من نفس المرض، وإذن، لماذا الذات التي تعاني من الزهايمر تكون مسؤولة عن قرار الموت أو الحياة لذاتها المستقبلية أكثر من زملائها؟ يمكن النظر إلى هذا الأمر بصورة مختلفة، لنفترض أننا نتفق مع رأي بارفيت واَخرين أن الهوية ليست هي ما يهم – وغيرها من الأمور الأخرى – في تحديد وتعريف ما يهم الذات. لنفترض أنه بدلاً من العلاقة R لحالة الخوف المتأخرة، فإنها ستحمل درجة محدودة من العلاقة بحالة  الزهايمر المبكرة. بالتالي سترتبط حالة الزهايمر البدائية بمعظم المراحل السابقة من حياتها (حيث أن سلاسل الترابط قوية جداً) ولكنها ضعيفة بمرحلة الخوف المتأخرة، على الرغم من أن حالة الخوف المتأخرة تظل مرحلة في حياتها. ولكن الجزء المتحد من حياتها بصورة قوية هو جزء الذات المصابة بالزهايمر في المراحل البدائية الذي كان لا يزال مرتبطاً بالعلاقة R بصورة قوية. بالتالي فإن رغبة الذات المصابة بالزهايمر في مراحله الأولى قد تكون هي المسيطرة للحفاظ على حياتها بصورة جيدة ومتماسكة وذات معنى، حيث أنه كلما طالت حياة الذات التي تعاني من الخوف في نهاية حياتها كان تأثيرها أسوأ على حياة الذات التي تعاني من الزهايمر بأثر رجعي. وبذلك، فإن ما هو جيد لأطول فترة قد تعيشها ” الوحدة” أو ” الذات” هو الأقرب إلى ما هو أفضل للحياة ككل، لذلك وجب التضحية بمصلحة الذات المستقبلية التي تعاني من الزهايمر في إجرائها الاستباقي (McMahan 2002, 502). بالطبع، إذا نحينا الهوية جانباً، خاصةً إذا قمنا بهذا الأمر من أجل العلاقة التي لا تضمن بقاء الوحدة لفترة طويلة (مثل: الترابط)، لذلك، لم يعد من الواضح سبب ما هو أفضل لحياة ” الوحدة”. ولكن بعيداً عن مصلحة الحياة ككل، فمن الصعب معرفة سبب أن يكون التوجيه المسبق للذات التي تعاني من الزهايمر أن يكون لها سلطة أخلاقية على مصالح الذات التي تعاني من الخوف في نهاية حياتها. سينتهي عمر الذات البدائية بأي شكل من الأشكال، لذلك وبغض النظر عما سيحدث للذات في نهاية العمر فإن هذا لا يمكن أن يؤثر على قيمة الحياة للذات في المراحل الأولى من مرض الزهايمر بأثر رجعي. هذه هي الخطوات التي اتخذها بعض المنظرين بغض النظر عن اعتبارات الهوية، ولكن ما يجب أن نتخلى عنه فعلياً هو الرأي القائل إن اهتمامات الذات البدائية موثوقة مقارنة باهتمامات الذات في المراحل المتأخرة من الخوف  (Dresser 1986, Jaworska 1999). هناك العديد من المصابين بالخوف أو الجنون قادرين بصورة ما على الاستقلال وتحقيق الحكم الذاتي – بما في ذلك قدرتهم على إضافة قيمة لحياتهم – ، ومن ثمَّ يجب احترام رغباتهم حيال القدرات التي اتخذوها في بداية حياتهم (Jaworska 1999, 109).  بالطبع، لن ينطبق هذا الرأي على مرض الجنون في مراحله المتأخرة ولكنهم قد يكونوا مرضى غير قادرين على التعبير، أو لديهم اهتمامات أخرى قد تأتى في المقام الأول. يتضح من هذه المناقشات أن القضايا التي تناقش هنا معقدة للغاية، لكنها متعلقة بمسألة الهوية الشخصية بصورة مباشرة (Buchanan , 1988).

 

6.3  قضايا أخرى في مجال الأخلاق التطبيقية

هناك أربع مجالات أخرى على الأقل من الأخلاق التطبيقية التي لا علاقة بـ الهوية الشخصية، وسنناقش كل واحدة  منها باختصار.

أولاً: هناك مشكلة متعلقة بعلاج حالات الفصام “اضطراب الهوية الانفصالية” والذي كان يعرف سابقاً “باضطراب الشخصيات المتعددة “. تنبع المشكلة من فكرة أن الشخصيات المختلفة لمريض الفصام هو في حقيقة الأمر شخص مختلف (Wilkes 1988; Dennett 1976).  بالتالي، إذا كان الهدف من العلاج هو القضاء على شخصية أو أكثر من الشخصيات الأخرى في حياة مريض الفصام لصالح شخصية واحدة فقد يبدو هذا غير أخلاقي من حيث المبدأ. وكان مورتون برنيس أول طبيب نفسي يعالج حالة فصام، حيث ذكر في كتاباته أن هدفه الأساسي كان القضاء على “الشخصيات غير الحقيقية ” – من وجهة نظره – في مريض الفصام والذي يدعى ” كريستين بوشام ” (Prince, 1905). ولكن يعد هذا الرأي غير منطقي: لأن الطبيب النفسي هدفه علاج مريض الفصام ونجاحه سيكون بالحفاظ على شخصية واحدة فقط سليمة، فهو لا يفعل أي شيء غير أخلاقي. ولكن المشكلة الاَن هي التداعيات الأخلاقية الناتجة عن التخلص من إحدى الهويات الشخصية بطريقة غير معتادة. بالإضافة لذلك، قد تظهر بعض المشكلات غير المألوفة عن الهوية، وأيضاً مشكلات خاصة بالهوية القانونية والأخلاقية لمريض الفصام. ماذا سيحدث في حالة قيام أحد هذه الشخصيات بارتكاب جريمة؟ هل سيكون مريض الفصام هو المسؤول، أم أنها أحد الشخصيات الأخرى؟ وإذا كان أحد الشخصيات هو المرتكب للجريمة، كيف سيعاقب بشكل عادل؟ (للعديد من المناقشات أنظر: (Wilkes 1981, 1988; Hacking 1991, 1995; Lizza 1993; Braude 1995, 1996; Radden 1996; Sinnott-Armstrong and Behnke 2000; Kennett and Matthews 2002; and DeGrazia 2005).

ثانياً: مشكلة أخرى قد تظهر وهي متعلقة بالتدخل الجيني، لنفترض شخصاً ما يحمل جيناً لمرض “هنتنغتون ” وأراد أن يرزق بطفل، ستكون فرصة إصابة الطفل بنفس المرض 50%. السؤال هنا: إذا كان هناك فرصة متاحة للتدخل الجيني للقضاء على فرصة حمل الطفل لهذا الجين فهل ستقوم بهذا الأمر؟ من الواضح أنها ستقوم بهذا الأمر، على الأقل حتى نطور من الاعتبارات الميتافيزيقية حول الهوية. لنفترض أن عملية التدخل الجيني تتطلب الانتظار حتى بعد عملية التلقيح، ثم تُعدَّل الشفرة الجينية للجنين. في هذه الحالة، ماذا ستكون هوية الجنين قبل عملية التعديل الجيني؟ والأكثر من ذلك، إذا كانت هويته تختلف عن هوية الطفل الذي جاء إلى الوجود بالفعل، فهل ستكون عملية التدخل الجيني غير أخلاقية بسبب منع الطفل الأول من القدوم للوجود؟ تعتبر أطروحة “سول كريبيك” متعلقة بالنقاش الجاري هنا حول الأصول، حيث إن شخصاً واحداً لا يمكن أن يكون شخصاً اَخر (Kripke1980)، حيث يتفق مع هذه الأطروحة مؤيدو المعيار البيولوجي للهوية الشخصية: إن ما يجعلني شخصاً ما تحديداً هو بنيتي البيولوجية وأصولها، وإن أي اتحاد آخر ما بين الحيوانات المنوية لأبي وبويضة أمي كان يمكن أن ينتج عنه فرداً مختلفاً. السؤال هنا هو ما إذا كانت بعض التغييرات الأخرى – بعد اتحاد الحيوانات المنوية والبويضة –ستكون كافية لإنتاج فرد مختلف أم لا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل هذا يؤثر على أخلاقيات القيام بذلك؟ (Elliot 1993, Persson 1995, Belshaw 2000, Glannon 2001, and DeGrazia 2005: 244–268).

ثالثاً: تكمن المشكلة الثالثة في عدة موضوعات وثيقة الصلة ببعضها وهي مشكلة اللاهوية، والتي ناقشناها تفصيلاً في دراسة بارفيت (Parfit 1984, 351–379). لنفترض فتاة في الرابعة عشرة من عمرها قررت أن تنجب طفلاً، ولسبب صغر سنها كانت المراحل الأولى من عمر الطفل سيئة. إذا كانت قد انتظرت عدة سنوات أخرى قبل الحصول على طفل، فإن الطفل كان ليصبح في وضع أفضل بكثير من الطفل الذي أنجبته حالياً. إن توقعاتنا لهذه الحالة أن هذه الطفلة كانت على خطأ، ولكن لماذا؟ لإن قرار الفتاة كان خاطئاً وضاراً لطفلها. ولكن لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً، لإن هذا الطفل لم يكن ليأتي إلى الوجود إذا لم تتخذ هذا القرار. ومن الواضح أيضاً أنها لم تكن لتؤذي الطفل الذي سيأتي إلى الوجود في حالة أنها انتظرت بضعة سنوات أخرى، باعتبار أنه لا يمكن إيذاء شيء ليس موجوداً بالفعل. لذلك أصبح الأمر في غاية الصعوبة أن نقر بأن قرار الفتاة خاطئ، ولكن وفقاً  لرأي بارفيت، فإننا لن نتخلى عن قناعتنا أن ما فعلته الفتاة كان خاطئاً. وبدلاً من ذلك، فإننا لن نستطيع الدفاع عن هذه القناعة بصورة عادية (Parfit 1984, 359)  . ولكن البحث عن دفاع بديل لا يبدو أمراً مبشراً، كما أن تطبيق مشكلة اللاهوية على نظام أوسع سينتج عنه غموض أكثر بين المعنيين بالأخلاق. لنفترض أن العديد من حكومات دول العالم مستمرة في تجاهل مشكلة الاحتباس الحراري، حتى أضحت حياة البشر بين أعوام 2200 و2500 في الحد الأدنى من مستوى المعيشة. لنعكس هذا الافتراض، حيث تعاونت حكومات العالم لوضع ضوابط تخفف من تفاقم أزمة الاحتباس الحراري وعدم تشكيلها لتهديد مستقبلاً، ولكن في هذه الحالة ستكون معيشة البشر الذين يعيشون من 2010 حتى 2200 هي الأسوأ مما كان سيحدث في الحالة الأخرى. من الواضح أن السيناريو الثاني هو الأفضل، ولكن على أي أساس؟ فإن السياسات الحكومية المستقبلية لها دور هام في تحديد طرق وتوقيت تكاتف الناس معاً، بالتالي فإن هويات أفراد كل شعب في كل سيناريو ستكون مختلفة. وأيضاً بافتراض أننا لا نؤذي أي شخص كنا السبب في مجيئه إلى الوجود، إذاً فمن الذي تضرر في الحالة السابقة؟ ومن هو الأسوأ حالاً؟ بما أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا موجودين ولو أننا اهتممنا بمسألة الاحتباس الحراري، بالتالي فهم لن يتضرروا إذا تقاعسنا، في هذه الحالة ما هو السبب الأخلاقي إذا دافعنا عن محاولتنا في السيناريو الثاني ( (Parfit 1984, 371–377. تعد هذه قضايا غاية في الصعوبة . (للمزيد أنظرل: DeGrazia 2005, 268–279). في النهاية، هناك عدة جدليات حول إمكانية الهوية الشخصية لتسليط الضوء على طبيعة الموت، التي لها دور مهم في الجدلية الأخلاقية (Green and Wikler 1980; Zaner 1988; Puccetti 1988; McMahan 2002; DeGrazia 2005). إن أحد الأفكار الشائعة المبنية على المعيار النفسي هو أنه عندما يكون الفرد في مرحلة لم يعد قادراً فيها الحفاظ على أي استمرارية نفسية، فإن هويته قد توقفت ويمكن اعتباره قد مات. أدت هذه الفكرة إلى دفاع العديد من الفلاسفة عن معيار الموت والمعروف باسم “المعيار الأعلى للعقل “، حيث يحدث الموت عند نقطة فقدان للوعي لا رجعة فيها (Green and Wikler 1980). هذا المعيار النفسي للموت يعني أن الذين في حالة نمو دائمة قد ماتوا على الرغم من استمرار النشاط الدماغي.

هذه النظرة الفلسفية الشائعة لم تطبق أبداً، حيث قام مؤيدو المعيار البيولوجي بالدفاع عن رأي أكثر تماشياً مع الممارسات الطبية الفعلية. إذا كنا بالفعل بشراً، وبناءاً على هذا الدفاع، فإن موتنا يحدث عند مرحلة موت الكائن الحي. لا يزال هناك جدل، حيث يفضل البعض “معيار موت الدماغ، بينما يصر آخرون – كما يصفهم دي غرازيا DeGrazia – ” بمعيار الدورة الدموية والجهاز التنفسي، حيث أنه وفقاً  لهذا المعيار فإن الموت البشري هو التوقف الدائم للدورة الدموية والجهاز التنفسي” (DeGrazia 2005, 149). مع ذلك، فإن الدور الذي تلعبه الهوية الشخصية في هذا النقاش ليس واضحاً، ولذا، فقد لا يكون لوقف هويتي أي علاقة بأي شيء مثل الموت العضوي (أو الدماغي). في أي من وجهات النظر الخاصة بـ الهوية الشخصية – باستثناء نظرية رباعية الأبعاد فإنني لن أكون موجوداً إذا تعرضت للانقسام. ولن يكون ثمة شخص في الوجود يدعى ” أنا”، ولكن هذه الحقيقة لا تناسب طريقة تفكيرنا عن الموت. وعليه، فإن البحث عن العوامل التي تحويها الهوية الشخصية أو البشرية لشخص ما؛ لن ينتج عنها تفسير لطبيعة الموت نفسه. (DeGrazia 2003, and McMahan 1995 and 2002).

 

  1. البدائل المنهجية

لقد ذكرنا أن “ريد” و “باتلر” اعتراضا على تفسير “لوك” للهوية الشخصية، حيث يرجع ذلك جزئياً إلى أنهم اعتقدوا أن لها تعديلات غير منطقية على ممارستنا للمسؤولية الأخلاقية. لذا بدلاً من التخلي عن هذه الممارسات، سيكون من الأفضل التخلي عن نظرية لوك من الأصل. من هذه الناحية، فإن هذه المعايير تختبر نظرياتنا عن الهوية الشخصية. ومع ذلك فإن مسألة المسؤولية الاخلاقية هي مجرد واحدة من العديد من الاعتراضات التي يواجهها النقاد ضد لوك، كما أنهم وضعوا العديد من الاعتراضات الميتافيزيقية أيضا، حيث فشلت نظرية لوك سواء من ناحية شروطها أو من ناحية معاييرها غير المنطقية. لذلك، بما أن التزاماتنا المعيارية تعطي اعتباراً مهماً يجب أن تضعه نظرية الهوية الشخصية في الحسبان، يظل الأمر غير مؤكد أن مثل هذه الالتزامات يمكن تغافلها أو تعديلها؛ ربما وفقاً  لاستقلالية النظرية. بالنسبة لبعض النقاد، فإن دور التزاماتنا المعيارية في هذه الجدلية أقوى و بصورة أكبر: فقد يكون لهم حق تقييد أو صياغة أو حتى أن يكونوا محصنين أو لا صلة لهم بنظرية الهوية الشخصية. يعد هذا نزاع منهجي عام حول أفضل اتجاه جدلي في مجال الهوية الشخصية والأخلاق. كان افتراض العديد من العاملين في هذا المجال واضحاً في المناقشات حتى الآن. فنحن نحدد نظرية الهوية الشخصية بصورة صحيحة ثم نطبقها عند الحاجة إليها في الأمور الخاصة بالأخلاق. إن ما ستكتشفه بإيجاز في هذا الجزء هو أربعة مناهج مختلفة ومحورية:

أولا: نظرية “كانط“، والتي قدمتها “كريستين كورسجارد” وهي أن تصور أنفسنا كـ “نماذج عملية” يتطلب منا اعتبار حياتنا على أنها موحدة، على الرغم من ضعف أو قوة الروابط النفسية المختلفة التي قد تحدث أو لا بين مراحلنا الزمنية المختلفة. إن تصوري عن نفسي كنموذج موحد لا يعتمد على أي نظرية ميتافيزيقية؛ إلا أنه يعتمد علي:

أ) الحاجة الأساسية التي أحتاجها، وهي أن أتخلص من النزاع بين رغباتي المختلفة حتى أستطيع التصرف (وهو تشكيل لذاتي الموحدة في وقت معين “الوحدة المتزامنة”).

ب) في المرحلة التي أرى نفسي فيها متخذ قرار من بين رغباتي المختلفة، فإنني أقوم بمقارنتها والاختيار من بينها.

ج) الحاجة لمتابعة أي غاية أو خطة منطقية للحياة (بافتراض وحدتي عبر الزمن، وهي وحدة غير زمنية).

لذا يجب أن أتصور نفسي نموذجاً موحداً في كل وقت وعبر الزمن، لإني لدي جسد واحد فقط أعمل به، ولذا، فإن هذه الوحدة ليست في حاجة الي أي دعم ميتافيزيقي، ولكن تحتاج أن تكون فاعلاً ومفكراً (Korsgaard, 1989).

ثانيا: النظرية المجتمعية التي قدمها عدة فلاسفة مثل “ألاسدير ماكنتاير” و “تشارلز تايلور” بأن جميع المفاهيم الصحيحة عن الذات تعتمد على المصفوفات الاجتماعية من أجل فهم الذات، يجب أن ننظر إليها من حيث علاقتها بالخير وعلاقتها بالذات الأخرى، وذلك لسببين:

السبب الاول هو أنه لدينا قدرة كبيرة للحصول على حدس أخلاقي معين والتعبير عن أساس هذا الحدس، وتفترض هذه القدرة مسبقا وجود ما يسميه تايلور الأطر التقييمية وهي مبنية على مفهومنا عن الشخصية. من المهم جدا لفهم من أنا هو فهم موضعي في المجال الأخلاقي: ترابط هويتي وتشكلها، ارتباطي بمجتمع يعطي إطاراً تقييمياً أستطيع من خلاله توضيح ما هو قيم وجيد. وبناء عليه، فإن السؤال عن شخص دون تفسيراته الذاتية، يعني طرح سؤال مضلل من البداية (Taylor 1989, 34) . يمكن فهم السبب الثاني للذات فقط من خلال الاستناد إلى المجتمع، فإن الأخلاق تأتي من الاهتمام بالأفعال البشرية. كما أشار “ماكنتاير” فإن الأفعال البشرية تكون مفهومة فقط إذا عُرضتْ بصورة معينة. قد نستطيع فهم جزء من سلوك الإنسان فقط إذا وضعنا نوايا الشخص ضمن سياقين اثنين: دور هذه النوايا في تاريخ الشخص ودورهم بالنسبة لوضعهم الخاص بهم. بذلك، فنحن نصنع تاريخ سردي. إن الأفعال الواضحة هي الأفعال التي يعد الفاعل مسؤولا عنها، وهي الأفعال التي لها مكان في السرد المستم.(MacIntyre 1984, 206–208). وهكذا ينشأ مفهوم وحدة السرد؛ فإن حياتي بأكملها –بداية من الميلاد إلى الممات- لا يمكن فهمها إلا على أنها قصة مستمرة. بالتالي فإن وحدة السرد تتطلب وحدة الشخصية، ووحدة الشخصية تتطلب هوية شخصية عددية محددة. أن تكون محور السرد يعني أن تكون مسئولا عن أفعال سابقة والتي قد كونت هذه الحياة السردية. من أجل فهم أفعالك الحالية، يجب أن تفهمهم كأفعال وجدت في قصة حياة، وهي قصة حياتك، حيث ترتبط أفعالك الحالية بأفعالك السابقة. نتيجة لذلك، “فإن جميع المحاولات لتوضيح مفهوم الهوية الشخصية بشكل مستقل ومنفصل عن مفاهيم السرد والوضوح والمسئولية محكوم عليها بالفشل (ibid., 218).  إن اعتراضات نظريتيّ “كانط” و “النظرية المجتمعية” تستهدف الآثار غير المترابطة للاتجاه الميتافيزيقي، مثل الاختزالية، التي تؤكد على أننا متحدون كنماذج فاعلة أو ذاتاً في المجال الأخلاقي لأسباب معيارية بحتة. بالتالي، فإن أي نظرية عن الهوية قد يتم وضعها، يجب أن تتقيد بهذه الاعتبارات المعيارية المسبقة. ولكن قد تكون هناك عدة اعتراضات لهذه الادعاءات. بالنسبة للوحدة السردية، ليس من الواضح أن الأفعال المنطقية هي تلك التي يكون الإنسان مسؤولاً عنها، يمكن أن تكون أفعال الأطفال أو الشخص المجنون مفهومة تماما دون أن يكون الفاعلون مسؤولين عنها. هناك مشكلات أخرى متعلقة بالوحدة السردية، هل هي وصفية ام إلزامية؟ إذا كانت وصفية، يمكن أن تصور الذات نفسها على أنها كيان سردي موحد، وهذا لا يبدو صحيحاً.

ويشير “جالين ستراوسون” إلى أن بعض الناس –وهو أحدهم- مثل “الحلقات المتتالية”، وهم غير مؤمنين بوجود الذات في الماضي أو انها ستظل موجودة في المستقبل، ولذا فهو لا يتوقع أن يكون له ميل لرؤية حياته من منظور السرد (Strawson 2004, 430). هذه الملاحظة ليست في صف “كانط”، حيث إنها تؤكد على إمكانية وجود نموذج عملي لهؤلاء العادَّين أنفسهم موحدين بشكل غير متزامن، أي أن الوحدة العملية قد لا تكون بالفعل ضرورة عملية. من ناحية أخرى، إذا كانت فرضية الوحدة السردية إلزامية (توجيهية) وتحث الناس على عدَّ أنفسهم موحدين ضمن هيكل سردي على مر الزمن، فإن هذا لن يشكل أي تهديد للنظرية الوصفية ونظريات عدم توحيد الهوية مثل “الاختزالية”، لأنها تنص على أن الوحدة قد لا تحدث مدى الحياة. بذلك، إذا كان هذا الرأي إلزامي، فمن المنطقي عدُّ الأشخاص غير موحدين، إذا كان ما يجب عليهم السعي لتحقيقه هو وحدة أكبر. “إذا كانت الوحدة أمراً موجوداً بالفعل، لن يكون هذا الصراع ضرورياً” (لآراء مماثلة انظر: Williams, 2007). ولكن إذا أكدنا على وجود حاجة لهذا النوع من الوحدة التي يؤيدها كل من مؤيدي كانط والنظرية المجتمعية، فإن هذا لا يعني أننا يجب أن نؤكد على الوحدة بشكل دائم في الحياة التي يصر عليها كلاهما. بدلاً من ذلك، قد تكون ثمة أجزاء معينة فقط من حياة الشخص موّحدة بالطريقة التي يصفونها، وإن كانت تمثل في حقيقة الأمر صفات محددة من خلال تحقيق ترابط نفسي قوي. مثال: من الأفضل عدُّ حياة الفرد كمجموعة من القصص القصيرة أكثر من كونها رواية طويلة. بمعنى آخر، يمكن أن تتوافق النظريات الاختزالية للهوية الشخصية مع هذه الاعتبارات المعيارية، بحيث إنها بدلاً من فرض قيود على تلك النظرية، فإن هذه الاعتبارات تدعمها. ثالثاً، يؤكد البديل المنهجي الثالث على أنه نظراً لأن حدسنا المنطقي يتعارض مع التجارب الفكرية التي تؤيد النظريات الميتافيزيقية المختلفة للهوية الشخصية. (مثال: عمليات زرع المخ أو النقل عن بعد وهكذا)، ولهذا، فإن الحل المنطقي الوحيد لمثل هذا الجدل هو وجود مراجعة (ملحق)، مما يتطلب منا التخلي عن إحدى مجموعات الحدس المتضاربة، ولكن على أي أساس؟ تفترض “كارول روفان” أن نبدأ بدلاً من ذلك بنشر شيء يمكن أن يتفق عليه الجميعُ، وهو مفهوم الشخصية المبني على الأساس الأخلاقي (بما في ذلك المواقف المعارضة للنظرية). بمجرد تحديد الشرط الأساسي للشخصية وهو الذي تطلق عليه “روفان” القدرة على الاندماج في العلاقات الخاصة بالوحدة (Rovane 1998, 5). قد نستمر في وضع نظرية ميتافيزيقية للهوية الشخصية لهذا المفهوم الأخلاقي. بالنسبة لروفان، يعد هذا مفاجأة لأفراد المجموعة –والمكونة من عدة أفراد- حيث تستطيع هذه المجموعة الوفاء بشروط الشخصية الأخلاقية والتي تعمل كوحدة منفردة، وعدة أفراد يتناوبون في الوجود في جسد نفس الإنسان، فقد تستطيع كل شخصية أن تفي بشرط الشخصية الأخلاقية التي تعمل كعنصر فردي أيضاً Ibid, ch 4-5) (. كانت هناك مساعٍ أخرى للتعرف على الحدس المتضارب في حالات البحث عن منهج مختلف لقضية الهوية الشخصية (Wilkes 1988, Schechtman 1996). ولكن لم يتضح بعد سبب المطالبة بمثل هذه المراجعة الجذرية للمنهجية. إن حقيقة تضارب حدسنا في الحالات المعقدة لا يعني بالضرورة أن هناك عدم ترابط في المفاهيم التي نطبقها. عِوض ذلك، قد تكون ثمة شروط تقيد نشر مفاهيمنا عن أي حالة أخرى غير الحالات النموذجية، أو قد يعني هذا أننا غير متأكدين من حدسنا حول الحالات المعقدة (للاعتراض السابق أنظر: Gendler 2002a, 231، وللاعتراض الثاني أنظر:, Degaynesford 2001,171). يضاف إلى ذلك، أنه حتى لو اتفقنا على الحاجة لوجود مفهوم أخلاقي للشخصية والمسؤولية الشخصية، فسبب أن يكون الشخص الذي اختارته “روفان” مناسباً بشكل فريد لكل أهدافنا ليس واضحاً. سيكون هناك الكثير من المفاهيم الأخرى التي تكون على الأقل منطقية، مثل المفاهيم التي تؤكد القدرة على تجربة المشاعر المعقدة أو الشعور بالمتعة والألم (Gendler 2002a, 236). رابعاً: قدِّم البديل الرابع للمنهجية في سلسلة من الأبحاث المنشورة لـ “مارك جونستون”، حيث يؤيد وجهة نظر تسمي “التبسيط”، ووفقاً  لهذا المفهوم فإن الحقائق الميتافيزيقية عن الهوية الشخصية ليست ذات صلة بتفسير أفعالنا المتعلقة بشخصياتنا، كما أن الحقائق التي نعتقد أننا ملتزمون بها، تلعب دوراً بسيطاً في تلك الممارسات والاهتمامات (Johnston 1987,1989,1992&1997; Wolf 1986 and Unger 1990). بالتأكيد فإن ممارستنا في هذا المجال لها تبرير مستقل عن الميتافيزيقا، لذلك لن تشتمل أي نظرية ميتافيزيقية للهوية الشخصية على أي تعديل حقيقي على الاطلاق. يقوم “جونستون” بتوضيح هذه النقطة عن طريق مناقشة أحد اهتماماتنا العملية بشكل خاص؛ وهو الاهتمام بالنفس. “إن اهتمامي بذاتي يعد جزءاً من نموذج أشمل من الاهتمام الذاتي المرجعي، وهو اهتمام خاص غير متفرع لدى مجموعة محددة من الأفراد وجميعهم لديهم أنواع معينة من العلاقات الخاصة بي: أنا أهتم بأصدقائي وأسرتي ونفسي، وسأحتاج لسبب وجيه لعدم القيام بذلك؛ وهو أمر غير متوقع” (Johnston 1997, 158–159).  لذلك وفي حالة الهوية الشخصية، تتضمن وجهة نظر التبسيط أن أي وجهة نظر ميتافيزيقية لدينا عن الأشخاص، هي إما ظاهرة ثانوية أو أساسية حيال إصدار أحكام عن الهوية الشخصية وتنظيم اهتماماتنا العملية حول هذه العلاقة (Johnston 1997, 150). تعد هذه نقطة هامة، ولسوء الحظ، ليس من الواضح إذا كان يمكن توسيعها لتشمل جميع اهتماماتنا العملية، حيث تعتمد فقط على تحليل الاهتمام بالذات. في واقع الأمر، قد يكون هناك ممارسات أخرى متعلقة بالأشخاص واهتمامات ليست جزءاً من تلك الشبكة من الاهتمامات المرجعية الذاتية، من ضمنها المسؤولية الأخلاقية والتعويض وإعادة تحديد هوية الطرف الثالث والبقاء بشكل عام. من ناحية الممارسات العملية والاهتمامات، قد تظل ميتافيزيقا الهوية وثيقة الصلة بالموضوع. إن محاولة معرفة ما يعمل على توحيد موضع كل الاهتمامات العملية هو ما شجع النظرة الأنثروبولوجية لشيشتمان )2014( والخاصة بهويتنا الواقعية.

في ظل اهتماماتنا العديدة والمتحدة حول هدف واحد وهو ما تسميه شيشتمان “حياة الفرد”، يمكننا أن نستمد من دراستها عن قرب؛ ظروف الهوية الفعلية لنا بوصفنا أفراداً. على الرغم من ذلك، فإن المسألة لا تتعلق بالهوية التي تؤسس اهتماماتنا العملية بقدر ما تتعلق بتوضيحها عن طريقها.

 

  1. الخاتمة

قد أصبح من الواضح الآن، أن العلاقة بين الهوية الشخصية والأخلاق هي علاقة معقدة، ولم تثبت بأي حال من الأحوال، وهذا صحيح لعدة أسباب:

أولا: لا يزال من غير الواضح ما هي النظرية الصحيحة للهوية الشخصية أو حتى ما هو المعنى الصحيح “للهوية” (إعادة التحديد أو التوصيف) هو ما يتم نشره. ثانيا: ثمة سؤال حول أولوية العلاقة بين الهوية والأخلاق، بمعنى آخر؛ هل ينبغي علينا أن نضع النظرية الحقيقية للهوية قبل تطبيقها على الأخلاق؟، أم أنه ينبغي علينا ربط أو بناء نظرياتنا عن الهوية في ضوء اهتماماتنا الأخلاقية؟، أم أنه علينا محاولة بناء نظريات عن كل من الهوية واهتماماتنا الأخلاقية في ضوء بعضهما البعض (من خلال نوع من التوازن الانعكاسي)؟ ثالثا: ليس من الواضح ما هو نوع العلاقة الدقيقة التي يجب أن نتوقعها بين الأخلاق والهوية، على سبيل المثال، هل يجب أن تكون علاقة تبريرية أم تفسيرية؟ إذا كانت علاقة تبريرية، فكيف يمكننا تحديداً ملأ الفجوة بين الميتافيزيقا الوصفية والمعيارية؟ وإذا كانت علاقة تفسيرية، فما الذي يجب تفسيره بالضبط، وكيف يمكن للآراء المتعلقة بالهوية أن تساعد في هذا الامر؟ رابعا: هل نحن محقون في الاعتقاد بوجود علاقة واحدة فقط بين الهوية والأخلاق؟ (Shoemaker 2007 and 2016; Schechtman 2014, Ch. 3). تستحق النقطة الأخيرة المزيد من النقاش عمّا سبقها. لقد كان هناك افتراض عام فحواه إذا وجدت علاقة بين الهوية واهتماماتنا العملية فهي نوع من العلاقة الأحادية، بداية من نظرية واحدة (سليمة) عن الهوية الشخصية إلى جميع اهتماماتنا العملية المتعلقة بالشخص (سواء كانت علاقة تأسيسية أو علاقة تفسيرية أو علاقة مكتشَفة. ولكن لماذا يتوجب علينا أن نفكر ان هذا هو الأمر؟ عِوضاً عن ذلك، لمَ لا نفكر بأن هناك اهتمامات عملية أساسها علاقة واحدة والاهتمامات الأخرى تؤسسها علاقات أخرى؟

هنالك طريقة واحدة قد تكون صحيحة، يبدو أن اهتمامي بمسألة توقع البقاء على قيد الحياة يعتمد على الاعتقاد بأن شخصاً ما في المستقبل سيشاركني بعلاقة نفسية معينة. من ناحية أخرى، إن أساس عملية التعويض أو الجزاء قد تكون هي العلاقة البيولوجية في حد ذاتها. وبعد هذا كله، فإن إمكانية حدوث تعويض قد لا يقتصر على الفوائد أو الاعباء الموزعة على كل كيان نفسي بصورة خاصة: فكما ذكرنا سابقا، قد استحقُ التعويض أو الجزاء وأنا شخص بالغ عن أمور حدثتْ لي وأنا في جنين، وقد يرتبط هذا فقط مع كوني كائناً بشرياً بيولوجياً، وفي النهاية عليّ مسؤولية أخلاقية. قد يبدو من العبث أن أكون مسؤولاً عن أفعالي فقط، وهذا ما يشير إلى محل الخلاف وهو علاقة الملكية بين الأشخاص الأخلاقيين عن أفعالهم، أي مسألة جعل بعض أفعال الماضي منسوبة لي؛ من وجهة نظر شخص مؤيد لنظريات لوك (Jaworski and Shoemaker 2018).  ولكن من الأفضل أن تؤسس هذه العلاقة على شيء ما، كمبدأ السردية للهوية الشخصية، وهو المبدأ الذي يجيب عن سؤال التوصيف لا عن سؤال إعادة التعريف.

 تشير هذه الاجتهادات إلى إمكانية تعددية العلاقات بين الهوية والأخلاق. في هذه الحالة، ربما طريقة التقدم هي التركيز على الاهتمامات العملية المتعلقة بالشخص الواحد في وقت محدد والعمل على وضع علاقة محددة مع الهوية (إن وجدت) قبل الانتقال لأشخاص آخرين. وفي حين أن هذا الاتجاه قد لا يقلل من تعقيد العلاقة (العلاقات) بين الهُوية والأخلاق، إلا أنه على الأقل قد يطرح نوعًا من وجهات النظر المستقرة والثابتة في بعض المجالات المحددة التي لطالما تجاهلناها.

 


المراجع

  • Adams, Robert Merrihew, 1989, “Should Ethics Be More Impersonal?” The Philosophical Review, 98: 439–484, reprinted in Dancy 1997, pp. 251–289.
  • Agich, George J., and Jones, Royce P., 1986, “Personal Identity and Brain Death: A Critical Response,” Philosophy and Public Affairs, 15: 267–274.
  • Anomaly, Jonny, 2008, “Personal Identity and Practical Reason: The Failure of Kantian Replies to Parfit,” Dialogue, 47: 331–350.
  • Apter, Andrew, 1991, “The Problem of Who: Multiple Personality, Personal Identity, and the Double Brain,” Philosophical Psychology, 4: 219–248.
  • Atkins, Kim, 2008, Narrative Identity and Moral Identity: A Practical Perspective, New York: Routledge.
  • Baker, Lynn Rudder, 2000, Persons and Bodies: A Constitution View, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2005, “When Does a Person Begin?”, Social Philosophy and Policy, 22: 25–48.
  • Beck, Simon, 1989, “Parfit and the Russians,” Analysis, 49: 205–209.
  • –––, 2004, “Our Identity, Responsibility and Biology,” Philosophical Papers, Private Issue: 3–14.
  • Becker, Gerhold K., ed., 2000, The Moral Status of Persons: Perspectives on Bioethics, Amsterdam-Atlanta, GA: Rodopi.
  • Bělohrad, Radim, 2014, “Can We Do Without a Metaphysical Theory of Personal Identity in Practice?” Prolegomena: časopis za filozofiju, 13: 315–334.
  • –––, 2015, “Subjective Theories of Personal Identity and Practical Concerns,” Organon 22: 282–301.
  • Belshaw, Christopher, 2000, “Identity and Disability,” Journal of Applied Philosophy, 17: 263–276.
  • Belzer, Marvin, 1996, “Notes on Relation R,” Analysis, 56: 56–62.
  • –––, 2005, “Self-Conception and Personal Identity: Revisiting Parfit and Lewis with an Eye on the Grip of the Unity Reaction,” Social Philosophy & Policy: 126–164.
  • Black, Oliver, 2003, “Ethics, Identity and the Boundaries of the Person,” Philosophical Explorations 6: 139–156.
  • Black, Sam, 2001, “Altruism and the Separateness of Persons,” Social Theory and Practice, 27: 361–385.
  • Blatti, Stephan and Snowdon, Paul F., eds., 2016, Animalism: New Essays on Persons, Animals, & Identity, Oxford: Oxford University Press.
  • Bradford, J. and Smith, S.M., 1979, “Amnesia and Homicide: the Padola Case and a Study of Thirty Cases,” Bulletin of the American Academy of Psychiatry and the Law, 7: 219–231.
  • Bradley, Ben, Feldman, Fred, and Johansson, Jens (eds.), 2013, The Oxford Handbook of Philosophy and Death, New York: Oxford University Press.
  • Braude, Stephen, 1995, First Person Plural: Multiple Personality and the Philosophy of Mind, London: Routledge.
  • –––, 1996, “Multiple Personality and Moral Responsibility,” Philosophy, Psychiatry, and Psychology, 3: 37–54.
  • Brill, H. Skott, 2003, “The Future-Like-Ours Argument, Personal Identity, and the Twinning Dilemma,” Social Theory and Practice, 29: 419–30.
  • Brink, David O., 1990, “Rational Egoism, Self, and Others,” in O. Flanagan and A. Rorty, eds., Identity, Character, and Morality, Cambridge: MIT Press, pp. 339–378.
  • –––, 1997a, “Self-Love and Altruism,” Social Philosophy & Policy, 14: 122–157
  • –––, 1997b, “Rational Egoism and the Separateness of Persons,” in Dancy 1997, pp. 96–134.
  • Broome, John, 1991, “Utilitarian Metaphysics?” in Jon Elster and John E. Roemer, eds., Interpersonal Comparisons of Well-Being, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 70–97.
  • –––, 2004, Weighing Lives, Oxford: Oxford University Press.
  • Brown, Mark T., 2001, “Multiple Personality and Personal Identity,” Philosophical Psychology, 14: 435–447.
  • Buchanan, Allen, 1988, “Advance Directives and the Personal Identity Problem,” Philosophy and Public Affairs, 17: 277–302.
  • Burley, Justine and Harris, John, eds., 2002, A Companion to Genethics, Oxford: Blackwell.
  • Butler, Joseph, 1736, “Of Personal Identity,” in The Analogy of Religion, reprinted in Perry 1975, pp. 99–105; page references are to the reprinted version.
  • Campbell, Tim, and McMahan, Jeff, 2010, “Animalism and the Varieties of Conjoined Twinning,” Theoretical Medicine and Bioethics, 31: 285–301.
  • Carter, W.R., 1982, “Do Zygotes Become People?” Mind, 91: 77–95.
  • Chadwick, Ruth, 2000, “Gene Therapy and Personal Identity,” in Becker 2000, pp. 183–194.
  • Chan, Jonathan K. L., 2000, “Human Cloning, Harm and Personal Identity,” in Becker 2000, pp. 195–207.
  • Chappell, Timothy, 1998, “Reductionism About Persons; and What Matters,” Proceedings of the Aristotelian Society, 98: 41–57.
  • –––, 2000, “The Relevance of Metaphysics to Bioethics: A Reply to Earl Conee,” Mind, 109: 275–279.
  • Chiong, W., 2005, “Brain Death without Definitions,” Hastings Center Report, 35: 20–30.
  • Chong, Kim-chong, Tan, Sor-hoon, and Ten, C.L., eds, 2003, The Moral Circle and the Self: Chinese and Western Approaches, Chicago, IL: Open Court.
  • Cockburn, D., ed., 1991, Human Beings (Royal Institute of Philosophy Supplements 29), New York: Cambridge University Press.
  • Conee, Earl, 1999, “Metaphysics and the Morality of Abortion,” Mind, 108: 619–646.
  • –––, 2000, “Reply to Timothy Chappell,” Mind, 109: 281–283.
  • Dainton, Barry, 1992, “Time and Division,” Ratio, 5: 102–128.
  • Dancy, Jonathan, ed., 1997, Reading Parfit, Oxford: Blackwell.
  • Daniels, Norman, 1979, “Moral Theory and the Plasticity of Persons,” Monist, 62: 265–287.
  • Darwall, Stephen, 1982, “Scheffler on Morality and Ideals of the Person,” Canadian Journal of Philosophy, XII: 247–255.
  • Degaynesford, Maximilian, 2001, “Review of The Bounds of Agency: An Essay in Revisionary Metaphysics,” Mind, 111: 170–174.
  • DeGrazia, David, 1999a, “Persons, Organisms, and the Definition of Death: A Philosophical Critique of the Higher-Brain Approach,” Southern Journal of Philosophy, 37: 419–40.
  • –––, 1999b, “Advance Directives, Dementia, and ‘the Someone Else Problem’,” Bioethics, 13: 373–391.
  • –––, 2003, “Identity, Killing, and the Boundaries of Our Existence,” Philosophy & Public Affairs, 31: 413–442.
  • –––, 2005, Human Identity and Bioethics, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2010, “Is it Wrong to Impose the Harms of Human Life? A Reply to Benatar,” Theoretical Medicine and Bioethics, 31: 317–331.
  • Dennett, Daniel, 1976, “Conditions of Personhood,” in Rorty 1976, pp. 175–196.
  • Dresser, Rebecca, 1986, “Life, Death, and Incompetent Patients: Conceptual Infirmities and Hidden Values in the Law,” Arizona Law Review, 28: 373–405.
  • Eklund, Matti, 2004, “Personal Identity, Concerns, and Indeterminacy,” Monist, 87: 489–511.
  • Elliot, Robert, 1993, “Identity and the Ethics of Gene Therapy,” Bioethics, 7: 27–40.
  • Feser, Edward, 2005, “Personal Identity and Self-Ownership,” Social Philosophy and Policy, 22: 100–125.
  • Fields, Lloyd, 1987, “Parfit on Personal Identity and Desert,” Philosophical Quarterly, 37: 432–441.
  • Fischer, John Martin, and Speak, Daniel, 2000, “Death and the Psychological Conception of Personal Identity,” Midwest Studies in Philosophy, XXIV: 84–93.
  • Frankfurt, Harry G., 1988, The Importance of What We Care About, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 1999, Necessity, Volition, and Love, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Furberg, Elisabeth, 2012, “Advance Directives and Personal Identity: What is the Problem?” Journal of Medicine and Philosophy, 37(1): 60–73; first published online 2011, doi:10.1093/jmp/jhr055
  • Gaita, Raimond, 2003, “Narrative, Identity, and Moral Philosophy,” Philosophical Papers, 32: 261–277.
  • Gallagher, Shaun (ed.), 2011, The Oxford Handbook of the Self, Oxford: Oxford University Press.
  • Garrett, Brian, 1992, “Persons and Values,” The Philosophical Quarterly, 42: 337–345.
  • Gendler, Tamar Szabo, 2002a, “Critical Study of Carol Rovane’s The Bounds of Agency,” Philosophy & Phenomenological Research 64: 229–240.
  • –––, 2002b, “Personal Identity and Thought-Experiments,” The Philosophical Quarterly, 52: 34–54.
  • Glannon, Walter, 1998, “Moral Responsibility and Personal Identity,” American Philosophical Quarterly, 35: 231–249.
  • –––, 2001, Genes and Future People, Boulder, CO: Westview.
  • –––, 2002, “Identity, Prudential Concern, and Extended Lives,” Bioethics, 16: 266–283.
  • Green, Michael, and Wikler, Daniel, 1980, “Brain Death and Personal Identity,” Philosophy & Public Affairs, 9: 105–133.
  • Hacking, Ian, 1991, “Two Souls in One Body,” Critical Inquiry, 17: 838–867.
  • –––, 1995, Rewriting the Soul: Multiple Personality and the Sciences of Memory, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Haksar, Vinit, 1991, Indivisible Selves and Moral Practice, Edinburgh: Edinburgh University Press.
  • Haugen, David, 1995, “Personal Identity and Concern for the Future,” Philosophia, 24: 481–492.
  • Heathwood, Chris, 2011, “The Significance of Personal Identity to Abortion,” Bioethics, 25: 230–232.
  • Hedden, Brian, 2019, “Rationality and Synchronic Identity,” Australasian Journal of Philosophy, 97: 544–558. doi:10.1080/2018.1502795
  • Hershenov, David, 2005, “Do Dead Bodies Pose a Problem for Biological Approaches to Personal Identity?” Mind, 114: 31–59.
  • –––, 2006, “The Death of a Person,” Journal of Medicine and Philosophy, 31: 107–120.
  • Hershenov, David B., and Delaney, James J., 2010, “The Metaphysical Basis of a Liberal Organ Procurement Policy,” Theoretical Medicine and Bioethics, 31: 303–315.
  • Hershenov, David, and Koch-Hershenov, Rose, 2006, “Fission and Confusion,” Christian Bioethics, 12: 237–254.
  • Himma, K.E., 2003, “What Philosophy of Mind Can Tell Us About the Morality of Abortion: Personhood, Materialism, and the Existence of the Self,” International Journal of Applied Philosophy, 17: 89–109.
  • –––, 2005, “A Dualist Analysis of Abortion: Personhood and the Concept of Self Qua Experiential Subject,” Journal of Medical Ethics, 31: 48–55.
  • Holland, S., Lebacqz, K., and Zoloth, L., eds., 2001, The Human Embryonic Stem Cell Debate, MIT Press.
  • Hutto, D.D. (ed.), 2007, Narrative and Understanding Persons (Royal Institute of Philosophy Supplements 60), Cambridge: Cambridge University Press.
  • Jaworska, Agnieszka, 1999, “Respecting the Margins of Agency: Alzheimer’s Patients and the Capacity to Value,” Philosophy & Public Affairs, 28: 105–138.
  • Jaworski, Peter M. and Shoemaker, David, 2018, “Me and Mine,” Philosophical Studies, 175: 1–22.
  • Jecker, Nancy S., 2016, “Advance Care Planning: What Gives Prior Wishes Normative Force?” Asian Bioethics Review, 8: 195–210.
  • Jeske, Diane, 1993, “Persons, Compensation, and Utilitarianism,” The Philosophical Review, 102: 1993.
  • Johansson, Jens, 2007, “Non-Reductionism and Special Concern,” Australasian Journal of Philosophy, 85: 641–657.
  • –––, 2007, “What is Animalism?” Ratio, 20: 194–205.
  • –––, 2010, “Parfit on Fission,” Philosophical Studies, 150: 21–35.
  • –––, 2016, “Animal Ethics,” in Blatti and Snowdon 2016, pp. 283–302.
  • Johnston, Mark, 1987, “Human Beings,” Journal of Philosophy, 84: 59–83.
  • –––, 1989, “Fission and the Facts,” Philosophical Perspectives, 3: 369–397.
  • –––, 1992, “Reasons and Reductionism,” The Philosophical Review, 101: 589–618.
  • –––, 1997, “Human Concerns Without Superlative Selves,” in Dancy 1997, pp. 149–179, reprinted in Martin and Barresi 2003, pp. 260–291.
  • Kamm, F.M., 2005, “Moral Status and Personal Identity: Clones, Embryos, and Future Generations,” Social Philosophy and Policy 22: 283–307.
  • Kaufman, Frederik, 2000, “Thick and Thin Selves: Reply to Fischer and Speak,” Midwest Studies in Philosophy, XXIV: 94–97.
  • Kennett, Jeanette, and Matthews, Steve, 2002, “Identity, Control and Responsibility: the Case of Dissociative Identity Disorder,” Philosophical Psychology, 15: 509–526.
  • –––, 2003, “The Unity and Disunity of Agency,” Philosophy, Psychiatry, and Psychology, 10: 305–312.
  • Kind, Amy, 2004, “The Metaphysics of Personal Identity and Our Special Concern for the Future,” Metaphilosophy, 35: 536–553.
  • Klaming, Laura and Pim Haselager, 2013, “Did my brain implant make me do it? Questions raised by DBS regarding psychological continuity, responsibility for action and mental competence,” Neuroethics, 6: 527–539.
  • Korsgaard, Christine M., 1989, “Personal Identity and the Unity of Agency: A Kantian Response to Parfit,” Philosophy & Public Affairs, 18: 101–132.
  • Kripke, Saul, 1980, Naming and Necessity, 2nd edition, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Kuczewski, Mark G., 1994, “Whose Will is it Anyway? A Discussion of Advance Directives, Personal Identity, and Consensus in Medical Ethics,” Bioethics, 8: 27–48.
  • –––, 1999,“Commentary: Narrative Views of Personal Identity and Substituted Judgment in Surrogate Decision Making,” Journal of Law, Medicine and Ethics, 27: 32–36.
  • Kuhse, Helga, 1999, “Some Reflections on the Problem of Advance Directives, Personhood, and Personal Identity,” Kennedy Institute of Ethics Journal, 9: 347–364.
  • Kuhse, Helga, and Singer, Peter, 1990, “Individuals, Humans, and Persons: The Issue of Moral Status,” in Peter Singer, Helga Kuhse, Stephen Buckle, Karen Dawson, and Pascal Kasimba, eds., Embryo Experimentation, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 65–75.
  • Lane, Robert, 2003, “Why I Was Never a Zygote,” The Southern Journal of Philosophy, 41: 63–83.
  • Lee, Win-Chiat, 1990, “Personal Identity, the Temporality of Agency and Moral Responsibility,” Auslegung, 16: 17–29.
  • Lent, Alfred C., 2010, “Personal Identity and Ethics” Teaching Philosophy, 33: 89–94.
  • Levine, Carol, 2003, Taking Sides: Clashing Views on Controversial Bioethical Issues, 10th edition, New York: McGraw Hill.
  • Lewis, David, 1971, “Counterparts of Persons and Their Bodies,” Journal of Philosophy, 68: 203–11.
  • –––, 1976, “Survival and Identity,” in Rorty 1976, pp. 17–40.
  • Lindemann, Hilde, 2001, Damaged Identities, Narrative Repair, Ithaca: Cornell University Press.
  • Lizza, John P., 1993, “Multiple Personalities and Personal Identity Revisited,” The British Journal for the Philosophy of Science, 44: 263–274.
  • Locke, John, 1694, “Of Identity and Diversity,” in Essay Concerning Human Understanding, reprinted in Perry 1975, pp. 33–52; page references are to the reprinted version.
  • Lubcke, Poul, 1993, “What Matters? On Parfit’s Ideas of Personal Identity and Morality,” Danish Yearbook of Philosophy, 28: 99–114.
  • Lucretius, 1951, De Rerum Natura, trans. R.E. Latham, Harmondsworth: Penguin Books.
  • Luttrell, Steven, and Sommerville, Ann, 1996, “Limiting Risks by Curtailing Rights: A Response to Dr. Ryan,” Journal of Medical Ethics, 22(2): 100–104; reprinted in Levine 2003.
  • MacIntyre, Alasdair, 1984, After Virtue, Notre Dame: University of Notre Dame Press.
  • –––, 1989, “The Virtues, the Unity of a Human Life and the Concept of a Tradition,” in Stanley Hauerwas and L. Gregory Jones (eds.) 1989, Why Narrative?, Grand Rapids, MI: W.B. Eerdmans.
  • –––, 1994, “Critical Remarks on The Sources of the Self,” Philosophy and Phenomenological Research, 54: 187–190.
  • Madell, Geoffrey, 1981, The Identity of the Self, Edinburgh: Edinburgh University Press.
  • Marquis, Don, 1989, “Why Abortion is Immoral,” Journal of Philosophy, 86: 183–202.
  • –––, 1998, “A Future Like Ours and the Concept of Person: A Reply to McInerney and Paske,” in Louis P. Pojman and Francis J. Beckwith, eds., 1998, The Abortion Controversy, 2nd ed., Belmont, CA: Wadsworth, pp. 372–386.
  • –––, 2005, “Brill’s Objections to the Future of Value Argument,” Social Theory and Practice, 31: 105–114.
  • Martin, Raymond, 1987, “Memory, Connecting, and What Matters in Survival,” Australasian Journal of Philosophy, 65: 82–97.
  • –––, 1991, “Identity, Transformation, and What Matters in Survival,” in Daniel Kolak and Raymond Martin (eds.) 1991, Self and Identity, New York: Macmillan, pp. 289–301
  • –––, 1992, “Self-Interest and Survival,” American Philosophical Quarterly, 29: 165–184.
  • –––, 1993, “Having the Experience: The Next Best Thing to Being There,” Philosophical Studies, 68: 63–79.
  • –––, 1998, Self-Concern: An Experiential Approach to What Matters in Survival, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, and Barresi, John, eds., 2003, Personal Identity, Oxford: Blackwell Publishing.
  • Matthews, Steve, 1998, “Personal Identity, Multiple Personality Disorder, and Moral Personhood,” Philosophical Psychology, 11: 67–88.
  • McClennen, Edward F., 1990, Rationality and Dynamic Choice: Foundational Explorations, Cambridge: Cambridge University Press.
  • McInerney, Peter K., 1990, “Does a Fetus Already Have a Future-Like-Ours?” Journal of Philosophy, 87: 264–268.
  • McMahan, Jeff, 1995, “The Metaphysics of Brain Death,” Bioethics, 9: 91–126.
  • –––, 2002, The Ethics of Killing: Problems at the Margins of Life, Oxford: Oxford University Press.
  • Measor, Nicholas, 1978, “Persons, Indeterminacy and Responsibility,” The Philosophical Review, 87: 414–422.
  • Noonan, Harold, 1989, Personal Identity, London: Routledge.
  • –––, 1998, “Animalism versus Lockeanism: A Current Controversy,” The Philosophical Quarterly, 48: 302–318.
  • Oderberg, David S., 1997, “Modal Properties, Moral Status, and Identity,” Philosophy and Public Affairs, 26: 259–298.
  • Olson, Eric T., 1997a, “Was I Ever a Fetus?” Philosophy and Phenomenological Research, 58: 95–109.
  • –––, 1997b, The Human Animal: Personal Identity Without Psychology, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2003, “An Argument for Animalism,” in Martin and Barresi 2003, pp. 318–334.
  • –––, 2007, What Are We? A Study in Personal Ontology, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2010, “Ethics and the Generous Ontology,” Theoretical Medicine and Bioethics, 31: 259–270.
  • Olson, Eric T. and Witt, Karsten, 2019, “Narrative and Persistence,” Canadian Journal of Philosophy, 49: 419–434.
  • Parfit, Derek, 1971, “Personal Identity,” The Philosophical Review, 80: 3–27.
  • –––, 1972, “Later Selves and Moral Principles,” in Alan Montefiore, ed., Philosophy and Personal Relations, London: Routledge and Kegan Paul, pp. 137–169.
  • –––, 1976, “Lewis, Perry, and What Matters,” in Rorty 1976, pp. 91–107.
  • –––, 1984, Reasons and Persons, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 1986, “Comments,” Ethics, 96: 832–872.
  • –––, 2001, “The Unimportance of Identity,” in Henry Harris (ed.), Identity, Oxford: Oxford University Press.
  • Patton Jr., Michael F., 2002, “Personal Identity, Autonomy and Advance Directives,” Southwest Philosophy Review, 18: 65–72.
  • Perry, John, 1975, Personal Identity, Berkeley: University of California Press.
  • –––, 1976, “The Importance of Being Identical,” in Rorty 1976, pp. 67–91.
  • –––, 1978, A Dialogue on Personal Identity and Immortality, Indianapolis, IN: Hackett Publishing Company.
  • –––, 2002, Identity, Personal Identity, and the Self, Indianapolis, IN: Hackett Publishing Company.
  • Persson, Ingmar, 1992, ,“The Indeterminacy and Insignificance of Personal Identity,” Inquiry 35: 271–283.
  • –––, 1995,“Genetic Therapy, Identity, and the Person-Regarding Reasons,” Bioethics, 9: 16–31.
  • Peters, Ted, 2001, “Embryonic Stem Cells and the Theology of Dignity,” in Holland, Lebacqz, and Zoloth 2001.
  • Prince, Morton, 1905, The Dissociation of a Personality, London: Longmans, Green.
  • Puccetti, Roland, 1988, “Does Anyone Survive Neocortical Death?” in Zaner 1988.
  • Quante, Michael, 1999, “Precedent Autonomy and Personal Identity,” Kennedy Institute of Ethics Journal, 9: 365–381.
  • –––, 2000, “Personal Identity as Basis for Autonomy,” in Becker 2000, pp. 57–75.
  • –––, 2017, Personal Identity as a Principle of Biomedical Ethics, Berlin: Springer.
  • Radden, Jennifer, 1996, Divided Minds and Successive Selves, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Rawls, John, 1971, A Theory of Justice, Cambridge, MA: The Belknap Press of Harvard University Press.
  • –––, 1975, “The Independence of Moral Theory,” Proceedings and Addresses of the American Philosophical Association, XLVIII: 5–22; reprinted in J. Rawls, Collected Papers, Samuel Freeman (ed.), Cambridge, MA: Harvard University Press, 1999, pp. 286–302.
  • –––, 1992, Political Liberalism, New York: Columbia University Press.
  • Reid, Thomas, 1785, “Of Memory,” in Essays on the Intellectual Powers of Man, reprinted in Perry 1975 as “Of Identity” (pp. 107–112) and “Of Mr. Locke’s Account of Our Personal Identity” (pp. 113–118); page references are to the reprinted version.
  • Ricoeur, Paul, 1991, “Narrative Identity,” in D. Wood, ed., On Paul Ricoeur: Narrative and Interpretation, London: Routledge.
  • Rorty, Amelie Oksenberg, ed., 1976, The Identities of Persons, Berkeley: University of California Press.
  • Rovane, Carol, 1993, “Self-Reference: The Radicalization of Locke,” Journal of Philosophy, 90: 73–97.
  • –––, 1998, The Bounds of Agency, Princeton: Princeton University Press.
  • –––, 2000, “Review of Divided Minds and Successive Selves: Ethical Issues in Disorders of Identity and Personality,” Ethics, 110: 863–868.
  • –––, 2004, “Genetics and Personal Identity,” in Justine Burley and John Harris, eds., A Companion to Genethics, Oxford: Blackwell, pp. 245–252.
  • Ryan, Christopher James, 1996, “Betting Your Life: An Argument Against Certain Advance Directives,” Journal of Medical Ethics, 22(2): 95–99; reprinted in Levine 2003.
  • Scanlon, T.M., 1982, “Contractualism and Utilitarianism,” in Amartya Sen and Bernard Williams, eds., 1982, Utilitarianism and Beyond, Cambridge: the Press Syndicate of the University of Cambridge, pp. 103–126.
  • –––, 1998, What We Owe to Each Other, Cambridge, MA: The Belknap Press of Harvard University Press.
  • Schechtman, Marya, 1996, The Constitution of Selves, Ithaca: Cornell University Press.
  • –––, 1999, “Review of The Bounds of Agency: An Essay in Revisionary Metaphysics,” Ethics, 109: 919–922.
  • –––, 2003, “Empathic Access: The Missing Ingredient in Personal Identity,” in Martin and Barresi 2003, pp. 238–259.
  • –––, 2005, “Personal Identity and the Past,” Philosophy, Psychiatry, & Psychology, 12: 9–22.
  • –––, 2008, “Diversity in Unity: Practical Unity and Personal Boundaries,” Synthese, 162: 405–23.
  • –––, 2010, “Personhood and the Practical,” Theoretical Medicine and Bioethics, 31: 271–283.
  • –––, 2014, Staying Alive: Personal Identity, Practical Concerns, and the Unity of a Life, Oxford: Oxford University Press.
  • Scheffler, Samuel, 1979, “Moral Independence and the Original Position,” Philosophical Studies, 35: 397–403.
  • –––, 1982a, “Ethics, Personal Identity, and Ideals of the Person,” Canadian Journal of Philosophy, XII: 229–246.
  • –––, 1982b, “Reply to Darwall,” Canadian Journal of Philosophy, XII: 257–264.
  • Schultz, Bart, 1986, “Persons, Selves, and Utilitarianism,” Ethics, 96: 721–745.
  • Sher, George, 1979, “Compensation and Transworld Personal Identity,” Monist, 62: 378–391.
  • Shoemaker, David W., 1999, “Selves and Moral Units,” Pacific Philosophical Quarterly, 80: 391–419.
  • –––, 2000, “Reductionist Contractualism: Moral Motivation and the Expanding Self,” Canadian Journal of Philosophy, 30: 343–370.
  • –––, 2005, “Embryos, Souls, and the Fourth Dimension,” Social Theory and Practice, 31: 51–75.
  • –––, 2007, “Personal Identity and Practical Concerns,” Mind, 116: 316–357.
  • –––, 2009, Personal Identity and Ethics: A Brief Introduction, Ontario, Canada: Broadview Press.
  • –––, 2011, “Moral Responsibility and the Self,” in Gallagher 2011, pp. 487–518.
  • –––, 2015, “Ecumenical Attributability,” in Randolph Clarke, Michael McKenna, and Angela Smith (eds.), The Nature of Moral Responsibility, Oxford: Oxford University Press, pp. 115–140.
  • –––, 2016, “The Stony Metaphysical Heart of Animalism,” in Blatti and Snowdon 2016, pp. 303–327.
  • Shoemaker, Sydney, 1970, “Persons and Their Pasts,” American Philosophical Quarterly, 7: 269–285.
  • –––, 1985, “Critical Notice of Derek Parfit’s Reasons and Persons,” Mind 94: 443–453; reprinted (and slightly abridged) as “Parfit on Identity,” in Dancy 1997, pp. 135–148.
  • –––, 1996, The First-Person Perspective and Other Essays, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Shun, Kwong-loi, and Wong, David B., eds., 2004, Confucian Ethics: A Comparative Study of Self, Autonomy, and Community, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Sider, Theodore, 2001a, Four-Dimensionalism, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2001b, “Criteria of Personal Identity and the Limits of Conceptual Analysis,” Philosophical Perspectives, 15: 189–209.
  • Siderits, Mark, 2003, Personal Identity and Buddhist Philosophy: Empty Persons, Aldershot: Ashgate.
  • Sinnott-Armstrong, Walter, and Behnke, Stephen, 2000, “Responsibility in Cases of Multiple Personality Disorder,” in J.E. Tomberlin, ed., Action and Freedom (Philosophical Perspectives, Volume 14), Malden, MA: Blackwell.
  • Slors, Marc, 2000, “Personal Identity and Responsibility for Past Actions,” in van den Beld 2000, pp. 63–76.
  • –––, 2004, “Care for One’s Own Future Experiences,” Philosophical Explorations, 7: 183–195.
  • Smith, Angela M. 2000, “Identification and Responsibility,” in van den Beld 2000, pp. 233–246.
  • Smith, Michael, 1997, “A Theory of Freedom and Responsibility,” in Garrett Cullity and Berys Gaut, eds., Ethics and Practical Reason, Oxford: Oxford University Press, pp. 293–319.
  • Snowdon, P.F., 1990, “Persons, Animals, and Ourselves,” in Christopher Gill (ed.), The Person and the Human Mind, Oxford: Clarendon.
  • –––, 1991, “Personal Identity and Brain Transplants,” in Cockburn 1991, pp. 109–26.
  • Sosa, Ernest, 1990, “Surviving Matters,” Nous, 24: 297–322.
  • Strawson, Galen, 2004, “Against Narrativity,” Ratio, XVII: 428–452.
  • –––, 2011, Locke on Personal Identity: Consciousness and Concernment, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Taylor, Charles, 1983, “Responsibility for Self,” in Rorty 1976.
  • –––, 1989, Sources of the Self: The Making of Modern Identity, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 1994, “Reply to Commentators,” Philosophy and Phenomenological Research, 54: 203–213.
  • Tierney, H., Howard, C., Kumar, V., Kvaran, T., and Nichols, S., 2014, “How Many of Us Are There?” Advances in Experimental Philosophy of Mind, 181.
  • Tobia, Kevin P., 2015, “Personal Identity and the Phineas Gage Effect,” Analysis, 75: 396–405.
  • –––, 2016, “Personal Identity, Direction of Change, and Neuroethics,” Neuroethics, 9: 37–43.
  • Tollefsen, Christopher, 2003, “Experience Machines, Dreams, and What Matters,” The Journal of Value Inquiry, 37: 153–164.
  • Unger, Peter, 1990, Identity, Consciousness, and Value, New York: Oxford University Press.
  • van den Beld, T., ed., 2000, Moral Responsibility and Ontology, the Netherlands: Kluwer Academic Publishers.
  • van Inwagen, Peter, 1990, Material Beings, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • –––, 2002, “What Do I Refer to When I Say ‘I’?”, in R. Gale, ed., 2002, The Blackwell Guide to Metaphysics, Oxford: Blackwell. pp 175–189.
  • Velleman, J. David, 1996, “Self to Self,” Philosophical Review, 105: 39–76.
  • Wallace, Kathleen, 2000, “Agency, Personhood, and Identity: Carol Rovane’s The Bounds of Agency,” Metaphilosophy, 31: 311–322.
  • Watson, Gary, 1975, “Free Agency,” Journal of Philosophy, 72: 205–220.
  • Weinberg, Shelley, 2011, “Locke on Personal Identity,” Philosophy Compass, 6: 398–407.
  • White, Stephen L., 1991, The Unity of the Self, Cambridge, MA: The MIT Press.
  • Whiting, Jennifer, 1986, “Friends and Future Selves,” The Philosophical Review, 95: 547–580.
  • Wiggins, David, 1980, Sameness and Substance, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Wiland, Eric, 2000, “Personal Identity and Quasi-Responsibility,” in van den Beld 2000, pp. 77–87.
  • Wilkes, Kathleen, 1981, “Multiplicity and Personal Identity,” The British Journal for the Philosophy of Science, 32: 331–348.
  • –––, 1988, Real People, Oxford: Oxford University Press.
  • Williams, Bernard, 1976, “Persons, Character, and Morality,” in Rorty 1976, pp. 197–216.
  • –––, 2007, “Life as Narrative,” European Journal of Philosophy: 1–10.
  • Witt, Karsten, forthcoming, “Narrative and Characterization,” Erkenntnis. doi:10.1007/s10670-018-0017-5
  • Wolf, Susan, 1986, “Self-Interest and Interest in Selves,” Ethics, 96: 704–720.
  • Wollheim, Richard, 1984, The Thread of Life, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Zaner, Richard, ed., 1988, Death: Beyond Whole-Brain Criteria, Dordrecht, the Netherlands: Kluwer.
  • Zarnitsyn, Aleks, 2013, Thought Experiments in Philosophy: a Literary Model, Ph.D. Dissertation, University of Illinois at Chicago.
  • –––, 2015, “The Cognitive Value of Fiction in Thought Experiments in Personal Identity,” The Journal of Aesthetic Education, 49: 62–

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

advance directives | cloning | communitarianism | death: definition of | identity | identity: relative | Kant, Immanuel: moral philosophy | Locke, John | moral responsibility | personal identity | Reid, Thomas | temporal parts

Acknowledgments

The author is grateful both to Nicole Smith, for her valuable and thorough research assistance during the preparation of this entry, and to Eric Cave and Marvin Belzer, for their helpful feedback on earlier drafts.


[1] [1] Shoemaker, David, “Personal Identity and Ethics”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2019 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2019/entries/identity-ethics/>.