مجلة حكمة
الوعي ستانفورد وعي

الوعي

الكاتبروبرت فان جوليك
ترجمةأحمد عمرو شريف
مراجعةسيرين الحاج حسين
تحميلنسخة PDF

مفاهيم حول ماهية الوعي وتاريخه، كيف يمكن أن يوجد الوعي ؟ وماهي سمات الوعي ؟ وماهو التركيب الظاهراتي له؟ نص مترجم للـد. روبرت فان جوليك، ترجمة: أحمد عمرو شريف، مراجعة: سيرين الحاج حسين. منشور  على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. 


ما هو الوعي؟

ربما لا يوجد جانب من جوانب العقل أكثر أُلفة أو أكثر إثارة للحيرة من الوعي، ومن تجربتنا الواعية عن ذواتنا والعالم. يمكن القول بِأنّ معضلة الوعي هي القضية المركزية في التشكيلِ الحالي لنظريات العقل. وعلى الرغم من عدم وجود أي نظرية متفق عليها حَول الوعي، فإنَّ هُنَاك إجماع منتشر، إن لم يكن إجماعاً شاملاً، بِأنّ أي فهم كافٍ للعقل يتطلب فهماً واضحاً للوعي ولموقعه في الطبيعة. نحن نحتاج إلى فهم ماهية الوعي وكيفية ارتباطه بالجوانب الأخرى غير الواعية من الواقع.

 

  1. 1. تاريخ المسألة

2.مفاهيم حَول الوعي

2.1 وعي الكائن

2.2 وعي الحالة

2.3 الوعي ككيان

  1. معضلات الوعي

4.السؤال التوصيفي: ما هي سِمات الوعي؟

4.1 المعطيات من زاوية المتكلم والمراقب

4.2 الصفة الكيفية

4.3 التركيب الظاهراتي

4.4 الذاتية

4.5 النظام من المنظور الذاتي

4.6 الوحدة

4.7 القصدية والشفّافيّة

4.8 التدفق الديناميكي

  1. السؤال التفسيري: كيف يمكن للوعي أن يوجد؟

5.1 تنوع المشاريع التفسيرية

5.2 الفجوة التفسيرية

5.3 التفسيرات الاختزالية وغير الاختزالية

5.4 توقعات النجاح التفسيري

  1. السؤال الوظيفي: لماذا الوعي موجود؟

6.1 الوضع السببي للوعي

6.2 التحكم المرن

6.3 التنسيق الاجتماعي

6.4 تمثيل تكاملي

6.5 مدخل معلوماتي

6.6 حرية الإرادة

6.7 التحفيز الذاتي

6.8 الأدوار التأسيسية والممكنة

  1. نظريات حَول الوعي

  2. النظريات الميتافيزيقية حَول الوعي

8.1 نظريات الثنائية

8.2 النظريات المادية

9.نظريات خاصة حَول الوعي

9.1 نظريات الرتبة الأعلى

9.2 النظريات الانعكاسية

9.3 النظريات التمثيلية

9.4 النظريات السردية التأويلية

9.5 النظريات الإدراكية

9.6 نظرية المعلومات المتكاملة

9.7 النظريات العصبية

9.8 النظريات الكمومية

9.9 النظريات غير المادية

  1. خاتمة

  • ببلوغرافيا

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مقالات ذات صلة

  • هوامش المترجم


 

 

 

 

 

1.تاريخ المسألة

كانت تُطرح الأسئلة التي تدور حَول طبيعة الإدراك الواعي على الأرجح منذ أن كان ثمّة بشر. يَبدو أنَّ ممارسات الدفن أثناء العصر الحجري الحديث تعبر عن معتقداتٍ روحية وتمنح أدلة مبكرة على وجود حدٍ أدنى على الأقل من التفكير التأملي في طبيعة الوعي الإنساني(Pearson 1999، Clark and Riel-Salvatore 2001). وُجدت  على نحو مماثل ثقافاتُ ما قبل اختراع الكتابة معتنقةً بشكلٍ غير مختلف لشكل ما من الرؤية الروحانية أو الإحيائية [1] على الأقل مما يشير إلى درجة من التأمل في طبيعة الإدراك الواعي.

 ومع ذلك، يناقش البعض أن الوعي كما نعرفه اليوم هو تطور تاريخي حديث نسبياً نشأ في وقت ما بعد الحقبة الهومرية [2] (Jaynes 1974). بحسب هذه الرؤية، فالبشر السابقون بما فيهم أولئك الذين حاربوا في حرب طروادة لم يخبُرُوا أنفسهم كموضوعات داخلية موحدة لأفكارهم وأفعالهم، على الأقل ليس كما نفعل اليوم. زعم آخرون أنه لم يكن ثمّة كلمة باليونانية القديمة تقابل “الوعي” حتى في الحقبة الكلاسيكية. (Wilkes 1984، 1988، 1995). على الرغم أن القدماء كان لديهم الكثير ليقولوه عن القضايا الذهنية، فمن الأقل وضوحاً إن كان لديهم مفاهيم أو اهتمامات خاصة عن ما نفكر فيه اليوم تحت عنوان الوعي .

على الرغم من أن كلمتي “الواعي”  ”conscious”و”الضمير” “conscience”  تستخدمان اليوم استخداماً مختلفاً للغاية، فمن المحتمل أن يكون تأكيد الإصلاح [البروتستانتي] على الأخيرة كمصدر داخلي للحقيقة قد لعب دوراً ما في الانعطاف الداخلي المميِّز للرؤية الحديثة التأملية عن الذات. كان هاملت الذي مشى على خشبة المسرح في عام 1600 يرى عالمه وذاته بعيون حداثية بشكل كبير فعلاً.

مع بداية العصر الحديث في القرن السابع عشر، صار الوعي مركزياً بالكامل عند التفكير في العقل. فمن المؤكد أن منذ منتصف القرن السابع عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر، اعتُبِر الوعي أمراً أساسياً أو قطعياً في ما هو عقلي على نطاق واسع. عرف رينيه ديكارت مفهوم التفكير (Pensée) ذاته بتعبيرات الوعي الانعكاسي [انظر القسم 9.2] أو الوعي بالذات. وكتب في مبادئ الفلسفة:

إنني أفهم بكلمة “التفكير” (Pensée) أن كل ما نحن واعون به إنما يدور في داخلنا.

  لاحقاً في بداية نهاية القرن السابع عشر، اقترح جون لوك اقتراحاً مشابهاً، وإن كان أكثر تحديداً في مبحث في الفهم الإنساني (1688):

أنا لا أقول ليس ثمة روح بالإنسان لأنه غير واعٍ بها أثناء نومه، بل أقول بأنه لا يستطيع التفكير في أي وقت بدون أن يكون واعياً بها، مستيقظاً كان أو نائماً. إن كوننا واعين بها ليس ضرورياً لأي شيء سوى لأفكارنا، وبالنسبة لها فهذا ضروري وسيظل دائماً هكذا.

تخلى لوك صراحةً عن وضع أية فرضية عن الأساس الجوهري للوعي وعلاقته بالمادة، لكن مِن الواضِح أنه اعتبرها هامة للفكر وللهوية الشخصية أيضاً.

قدم ج.ف.لايبنتز المعاصر للوك نظريةً عن العقل في مقالة في الميتافيزيقا(1686) سمحت بوجود مراتب لانهائية من الوعي حتى بوجود بعض الأفكار اللا شعورية المسماة ب”الإدراكات الدقيقة” [3]، وقد ألهمه في ذلك عمله الرياضي في التفاضل والتكامل. كان لايبنتز أول من فرّق بين الإدراك والتبصر، أي تقريباً: بين الإدراك وإدراك الذات. قدم أيضاً في المونادولوجيا(1720) تشبيه الطاحونة الهوائية المعروف عنه ليعبّرعن اعتقاده بِأنّ الوعي لا يمكن أن ينشأ من المادة المحضة. لقد طلب من قارئه أن يتخيل شخصاً يسير خلال مخ متمدد كما يسير المرء خلال طاحونة هوائية يراقب كل عملياتها الميكانيكية، وهي بالنسبة للايبنتز قد استنزفت طبيعتها المادية. لن يرى مراقبٌ كهذا أية أفكار ذهنية، كما يؤكد، بأي مكان.

على الرغم من اعتراف لايبنتز باحتمالية وجود الفكر اللا شعوري، فلمعظم القرنين التاليين تم اعتبار مجالي الفكر و الوعي متماثلين بشكل أو بآخر. استهدف علم النفس الترابطي Associationist Psychology اكتشاف الأسس التي تتفاعل الأفكار الواعية من خلالها أو تؤثر في بعضها البعض، سواء من قبل لوك أو لاحقاً في القرن الثامن عشر من قبل ديفيد هيوم (1739)، أو في القرن التاسع عشر من قبل جيمس مِل (1829). أكمل جون ستيوارت مِل ابن جيمس مِل عمل والده في علم النفس الترابطي، لكنه أباح إمكانية إنتاج مجموعة من الأفكار لنواتج أبعد من مكوناتها الذهنية، مما يمدنا بنموذج مبكر عن الانبثاق الذهني (1865) [انظر قسم 8.1].

تم نقد المقاربة الاقترانية الصرفة في أواخر القرن الثامن عشر من قبل إمانويل كانط (1787) الذي ناقش بِأنّ فهماً مناسباً للخبرة وللوعي الظاهراتي [انظر القسم 2.2] يتطلب بنية أغنى بكثير مكونة من منظومة ذهنية وقصدية [انظر القسم 4.7]. لا يمكن للوعي الظاهراتي بحسب كانط أن يكون مجرد تتابع من الأفكار المترابطة، بل يجب أن يكون على الأقل خبرة لذات واعية متموضعة في عالم موضوعي منظم من جهة المكان، والزمان، والسببية.

ظلت المقاربات الاقترانية في العالم الأنجلو-أمريكي مؤثرةً في الفلسفة وعلم النفس حتى القرن العشرين، بينما كان هُنَاك اهتماماً أكثر في المجال الألماني والأوروبي بِخُصوصِ التركيب الأوسع للخبرة، والذي أدى جزئياً إلى دراسة الظاهراتية من خلال أعمال إدموند هوسرل (1913،1929)، مارتن هايدجر(1927)، موريس ميرلو بونتي (1945)، وآخرين نقلوا دراسة الوعي إلى حقل المجال الاجتماعي: تجسيداً وتفاعلاً.

في منتصف القرن التاسع عشر، وبداية علم النفس العلمي الحديث [4] كان لا يزال العقل يعتبر مماثلاً للوعي إلى حد كبير، وسادت الأساليب الاستبطانية المجال كما في أعمال فيلهلم فونت (1897)، هرمان فون هيلمهولتز (1897)، ويليام جيمس (1890) وألفرد تتشنر (1901). ومع ذلك، بقيت علاقة الوعي بالدماغ لغزاً إلى حد كبير كما تصف ملحوظة ت.ه.هكسلي الشهيرة:

كيف لأمر استثنائي للغاية مثل حالة من الوعي أن يطرأ نتيجةً لتهيُّج نسيج عصبي، هذا أمر لا يمكن تفسيره، كما لا يمكن تفسير ظهور الجنيّ عندما يفرك علاء الدين مصباحه (1866).

 شهدت بداية القرن العشرين احتجاب الوعي من مجال علم النفس العلمي، خاصةً في الولايات المتحدة مع صعود المدرسة السلوكية  (Watson 1924، Skinner 1953) على أن  حركات مثل علم نفس الجشطلت Gestalt Psychology أبقته شأناً علمياً مستمراً في أوروبا (Köhler 1929، köffka 1935). ضعفت قبضة المدرسة السلوكية في ستينات القرن الماضي مع صعود علم النفس المعرفي وتأكيده على معالجة المعلومات ونمذجة العمليات العقلية الداخلية (Neisser 1965، Gardiner 1985). ومع ذلك، وعلى الرغم من التوكيد المتجدد على تفسير الملكات المعرفية مثل الذاكرة، الإدراك، واستيعاب اللغة، فقد بقي الوعي موضوعاً مهملاً إلى حد كبير لعقود عديدة لاحقة.

كان هُنَاك انتعاشاً كبيراً في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي في البحث العلمي والفلسفي في طبيعة وأساس الوعي (Baars 1988، Dennett 1991، Penrose 1989، 1994، Crick 1994، Lycan 1987، 1996، Chalmers 1996). حالما رجع الوعي قيد المناقشة، كان هُنَاك تزايداً سريعاً في البحث مع طوفان من الكتب والمقالات، بالإضافة إلى إدخال دوريات تخصصيةThe journal of Consciousness Studies، Consciousness and Cognition، Psyche، وجمعيات متخصصة Association for the Scientific Study of Consciousness-ASSC، ومؤتمرات سنوية مكرسة لدراسة “علم الوعي” The Science of Consciousness بوجه خاص.

 

  1. مفاهيم حَول الوعي

إن كلمتي “واعي” و”وعي” مصطلحان جامعان يغطيان تشكيلةً واسعة من الظواهر العقلية. تستخدم كلتاهما بمعانٍ شتى، والوصف “واعي” يغطي نطاقاً غير متجانس من الموصوفات لكونه ينطبق على كائنات بأكملها؛ وعي الكائن، وعلى حالات وعمليات عقلية بعينها؛ وعي الحالة (Rosenthal 1986، Gennaro 1995، Carruthers 2000).

 

2.1 وعي الكائن

من الممكن أن يُعتبر حيوان ما شخص ما أو نظام إدراكي آخر واعياً بعددٍ مختلف من المعاني.

القدرة على الإحساس. من الممكن أن يكون الكائن واعياً بالمعنى العام، أي أن يكون ببساطة كائناً حساساً قادراً على الإحساس والاستجابة لعالمه (Armstrong 1981) . يمكن أن يسمح كونك واعياً بهذا المعنى بوجود درجات من الوعي ،” ومن الممكن ألا يكون شكل القدرات الحسية الكافية محدداً بدقة. هل السمك واعي بهذا المعني؟ وماذا عن القريدس [الجمبري] والنحل؟

اليقظة. قد يحتاج المرء كذلك أن يكون الكائن العضوي ممارساً بالفعل لمثل هذه القدرة بدلاً من أن يكون لديه القدرة أو القابلية لفعل هذا فحسب. ولهذا قد يعتبره المرء واعياً فقط إن كان متيقظاً ومتنبهاً في العادة. لن تُعتبر الكائنات الحية واعيةً بهذا المعنى عندما تكون نائمة أو في أيٍ من المستويات الأعمق من الغيبوبة. نؤكد ثانيةً أن الحدود يمكن أن تكون ضبابية، والحالات البينيّة يمكن أن تكون ضمنية. هل يكون المرء، مثلًا، واعياً بهذا المعنى عندما يحلم، ينوَّم مغناطيسياً، أو يكون في حالة شرود؟ [5].

 الوعي بالذات. يوجد معنى ثالث بل وأكثر تحديداً يمكن أن يعرّف الكائنات الواعية بأنها تلك التي ليست واعية فحسب بل أيضاً واعية بأنها واعية، وبالتالي يعامل وعي الكائن كشكل من أشكال الوعي بالذات (Carruthers 2000). يمكن أن يتم تأويل الشرط المطلوب للوعي بالذات بطرق متنوعة، وستتغير الكائنات المؤهلة لأن توصف بالواعية بالمعنى المقصود وفقاً لذلك. ربما ستفشل الكثير من الحيوانات غير الآدمية وحتى الأطفال الصغار في أن تكون مؤهلة إذا اعتُبر أن الوعي يتضمن إدراكاً مفاهيمياً صريحاً بالذات، لكن إن كان المطلوب أشكالاً أكثر بدائية وضمنية فحسب فإنَّ مجالاً واسعاً من الحيوانات يمكن أن يُعَد واعياً بذاته.

كيف يبدو الأمر. يهدف معيار توماس ناغل الشهير “كيف يبدو الأمر” إلى التقاط مفهوم آخر ربما يكون أكثر ذاتيةً عن أن تكون كائنا واعياً. وفقاً لناغل، فإنَّ كائناً ما يكون واعياً في حالة وجود “أمراً يشبه” أن تكون ذلك الكائن، أي طريقة ذاتية ما يبدو العالم أو يظهر من خلالها من وجهة نظر الكائن العقلية أو الإدراكية. الخفافيش واعية في مثال ناغل لأنه يوجد أمر ما بالنسبة للخفاش يشبه أن يدرك عالمه من خلال حواسه المحددة للمواقع بالصدى، على الرغم من أننا البشر لا نستطيع أن نفهم بشكل قاطع من وجهة نظرنا البشرية كيف يبدو هذا النمط من الوعي من وجهة نظر الخفاش نفسه.

محلٌ للحالات الواعية. سيكون البديل الخامس أن نعرف مفهوم الكائن الواعي في إطار الحالات الواعية. هذا يعني أنه يمكن للمرء أن يحدد في البداية ما الذي يجعل حالة ذهنية ما حالة ذهنية واعية، وبعد ذلك يعرّف كون كائناً ما واعياً في إطار امتلاك حالات كهذه. سيعتمد مفهوم المرء عن كائن واعٍ ما عندئذٍ على وصف بعينه يعطيه المرء عن الحالات الواعية (القسم 2.2).

الوعي المتعدي. بالإضافة إلى وصف الكائنات بالواعية بهذه المعاني المتنوعة هُنَاك أيضاً معانى ذات صلة تُوصَف الكائنات من خلالها بأنها واعية بأشياء مختلفة. في بعض الأحيان يوصف التمييز في بعض الأحيان بأنه بين مفهومي الوعي المتعدي واللازم، مع تضمن الأول لموضوع ما يوَجّه إليه الوعي (Rosenthal 1986).

 

2.2 وعي الحالة

لمفهوم الحالة الذهنية الواعية أيضاً تشكيلة من المعاني المستقلة والتي ربما تكون مترابطة. هُنَاك ستة خيارات أساسية على الأقل.

حالات يعي المرء بها. الحالة العقلية الواعية في قراءة شائعة هي ببساطة حالة عقلية يكون المرء واعياً أنه بها (Rosenthal 1986، 1996). تتضمن الحالات الواعية بهذا المعنى نوعاً ما من الميتاعقلية أو الميتاقصدية [6] طالما أنهم في حاجة إلى حالات عقلية هي في ذاتها عن حالات عقلية. أن يكون لديك رغبة واعية في كوب من القهوة هو أن يكون لديك مثل هذه الرغبة، واعياً وعياً مباشراً في الوقت نفسه أن لديك مثل هذه الرغبة. بهذا المعنى تكون الأفكار والرغبات اللاشعورية ببساطة هي تلك التي لدينا بدون أن نكون واعين أنها لدينا، سواءً كان عدم معرفتنا بذواتنا نتيجة لمجرد عدم الانتباه أو أسباب تحليلية نفسية أكثر عمقاً.

حالات كيفية. يمكن أن تعتبر الحالات واعيةً أيضاً بمعنى يبدو مختلفاً للغاية وأكثر تعلقاً بالكيفية. بمعنى أنه يمكن أن يعتبر المرء حالةً ما واعيةً فقط إن كانَت تملك أو تتضمن خصائص كيفية أو خبراتية من النوع الذي يشار إليه عادةً ب”الكواليا” أو “مشاعر حسية خام”. (أنظر المدخل عن الكواليا). إدراك المرء للميرلو [نوع من الخمور] الذي يشربه أو للقماش الذي يتفحصه يعد حالة عقلية واعية بهذا المعنى لأنها تتضمن كواليا حسية متنوعة، مثل كواليا المذاق في حالة الخمر وكواليا اللون في تجربة المرء البصرية عن القماش. يوجد خلاف ملحوظ حَول طبيعة مثل هذه الكواليا (Churchland 1985، Shoemaker 1990، Clark 1993، Chalmers 1996) بل وحول وجودها بالأساس. جرت العادة على اعتبار الكواليا سِمات جوهرية، ذاتية، أحادية ممتنعة الوصف للتجربة، لكن كثيراً ما ترفض النظريات الحالية بعضاً من هذه التقييدات على الأقل (Dennett 1990).

حالات ظاهراتية. يشار إلى مثل هذه الكواليا في بعض الأحيان بالخصائص الظاهراتية وإلى الشكل المرتبط بها من الوعي بالوعي الظاهراتي، لكن التعبير الأخير ربما يكون من الأصوب تطبيقه على التكوين الكلي للخبرة، وهو يتضمن ما هو أكثر بكثير من الكواليا الحسية. بالإضافة إلى ذلك، يشمل التكوين الظاهراتي للوعي كثيراً من النظام الفراغي والزماني والمفهومي لتجربتنا عن العالم وعن أنفسنا كعوامل بداخله. (انظر القسم 4.3) ولهذا فربما يكون من الأفضل، على الأقل في البداية، تمييز مفهوم الوعي الظاهراتي من مفهوم الوعي الكيفي، على الرغم من أنهما يتداخلان بلا شك.

حالات كيف يبدو الأمر. يرتبط الوعي بهذين المعنيين أيضاً بمفهوم توماس ناغل (1974) عن الكائن الواعي، طالما أنه يمكن للمرء أن يعتبر حالة عقلية ما واعية بمعنى”كيف يبدو الأمر” فقط إن كان هُنَاك أمراً يشبه أن تكون في هذه الحالة. من الممكن فهم أن معيار ناغل يهدف إلى تقديم تصور داخلي أو من زاوية المتكلم [انظر القسم 4.1] لما يجعل حالةً ما حالة ظاهراتية أو كيفية.

الوعي المدخلي. يمكن أن تُعتبر الحالات واعيةً بمعنى مدخلي يبدو مختلفاً للغاية، يتعلق بصورة أكبر بالعلاقات داخل العقل. من هذه الناحية، يعتمد كون الحالة واعيةً على كونها متاحة للتفاعل مع حالاتٍ أخرى وعلى المدخل الذي يمتلكه المرء لمحتوياتها. بهذا المعنى الأكثر وظيفية، والذي يوافق ما يسميه نيد بلوك (1995) الوعي المدخلي، فإنَّ كون الحالة البصرية واعية ليس بالضبط من باب امتلاكها أمراً كيفياً “يشبه كونك في حالة ما” أم لا، بل من باب كونها وكون المعلومات البصرية التي تحتويها متاحةً لاستخدامها والاسترشاد بها بشكل عام من قبل الكائن أم لا. ستُعتبر الحالة واعيةً بهذا المعنى، طالما أن المعلومات داخل هذه الحالة متاحة بطريقة غزيرة ومرنة للكائن الذي يحتويها، سواءً كان لديها نازع كيفي أو ظاهراتي أو لا بمفهوم ناغل.

الوعي السردي. من الممكن اعتبار الحالات واعيةً أيضاً بمعنى سردي يحتكم إلى مفهوم “تيار الوعي”، أي اعتبارها سرد متواصل متسلسل من الوقائع بشكل أو بآخر من منظور نفس حقيقية أو مجرد نفس افتراضية. ستكون الفكرة هي أن نُساوي حالات المرء العقلية الواعية بتلك التي تظهر داخل التيار (Dennett 1991, 1992).

على الرغم من إمكانية تحديد هذه الاعتبارات الستة لما يجعل الحالة واعيةً تحديداً مستقلاً، فهي ليست من دون روابط محتملة كما هو واضح، ولا تستنزف مجال الخيارات الممكنة. يمكن أن يناقش المرء عن طريق استنتاج علاقات بينها بِأنّ الحالات تظهر في تيار الوعي طالما نحن واعون بها، وبهذا نشكل رابطة بين المعنى الميتاعقلي الأول للحالة الواعية وبين المفهوم التياري أو السردي. أو قد يربط المرء المفهوم المدخلي بالمفاهيم الكيفية أو الظاهراتية للحالة العقلية بمحاولة توضيح أن الحالات التي تمَثّل بهذه الطرق تجعل محتوياتها متاحة على نطاق واسع بالمعنى الذي يتطلبه المفهوم المدخلي.

 قد يفرق المرء بين الحالات الواعية وغير الواعية بهدف تخطي الخيارات الستة بالاحتكام إلى جوانب من ديناميكياتهم وتفاعلاتهم داخل العقل غير العلاقات المدخلية البسيطة؛ يمكن أن تبدي الحالات الواعية على سبيل المثال مخزوناً أغنى من التفاعلات المتأثرة بالمحتوى [7] أو درجة أكبر من الإرشاد المرن الهادف من النوع المرتبط بالتحكم الفكري الواعي بالذات. كبديل لذلك، يمكن أن يحاول المرء تعريف الحالات الواعية في إطار الكائنات الواعية. أي قد يحاول المرء إعطاء فهمٍ ما لماهية أن تكون كائناً واعياً أو ربما حتى ذاتاً واعية، ثم يعرّف مفهومه عن الحالة الواعية في إطار كونها حالة لهذا الكائن أو النظام، وهذا سيكون عكس الخيار الأخير المدروس بالأعلى لتعريف الكائنات الواعية في إطار الحالات العقلية الواعية.

 

2.3 الوعي ككيان

للوعي كاسم مدى متنوع من المعاني التي توازي تلك الخاصة  بـ”الوعي” كصفة إلى حد كبير. يمكن استنتاج الفروق بين وعي الكائن ووعي الحالة بالإضافة إلى الفروق بين أصناف كليهما. قد يشير المرء بوجهٍ خاص إلى الوعى الظاهراتي، الوعي المدخلي، الوعي الانعكاسي أو الميتاعقلي، والوعي السردي ضمن الأصناف الأخري.

لن يتم التعامل هنا مع الوعي بصفته كيان جوهري بالضبط لكن بصفته تجسيداً مجرداً فحسب لأي خاصية أو سمة تُعزى لشيء بالاستخدام المناسب لصفة “الوعي”. فالوعي المدخلي هو خاصية امتلاك الشكل المطلوب من العلاقات المدخلية الداخلية فحسب، والوعي الكيفي هو ببساطة الخاصية التي تُعزى لشيء عند تطبيق “الوعي” بالمعنى الكيفي على الحالات العقلية. ستعتمد درجة إلزام هذا للمرء بالرتبة الوجودية للوعي بحد ذاته على مدى أفلاطونيته إزاء الكليات بشكل عام. (أنظر المدخل عن مشكلة الكليات في العصر الوسيط) لا ينبغي أن يلزم هذا المرءَ بكون الوعي كياناً مستقلاً كما لا ينبغي أن يلزم المرء استخدامه لكلمة “مربع”، “أحمر” أو “لطيف” بوجود كلي للمربع، الأحمر، أو اللطف ككيانات مستقلة [8].

   على الرغم من أن هذا ليس اعتيادياً، يمكن للمرء مع ذلك أن يتخذ نظرة واقعية أكثر صرامة للوعي كأحد مكونات الواقع. أي، يمكن للمرء أن يرى الوعي متساوياً مع المجالات الكهرومغناطيسية أكثر منه مع الحياة.

 نحن لم نعد نفكر في الحياة بذاتها كشيء مستقل عن الكائنات الحية منذ زوال المذهب الحيوي [9]. هُنَاك أشياء حية تتضمن كائنات عضوية، حالات، خصائص الكائنات وأجزاءً منها، مجتمعات وأسلافاً تطورية لكائنات، لكن الحياة ليست بحد ذاتها شيء آخر، مكون إضافي للواقع، أو قوة حيوية ما تضاف إلى الأشياء الحية. نحن نطبق صفتي “حي” و”على قيد الحياة” تطبيقاً صحيحاً على كثير من الأشياء، وبهذا يمكن أن يقال أننا ننسب إليهم الحياة لكن ليس بأي معنى أو حقيقة أخرى غير تلك المعنية بكونهم أشياءً حية.

تُعتبر المجالات الكهرومغناطيسية، على النقيض من ذلك، أجزاءً مستقلة وحقيقية من عالمنا المادي. على الرغم من إمكانية تحديد المرء أحياناً لقيم مجال كهذا بالاحتكام إلى سلوك الجسيمات بداخله، فإنَّ المجالات بحد ذاتها تُعتبر مكونات حقيقية للواقع وليست تجريدات أو مجموعة من العلاقات بين الجسيمات فحسب.

قد يعتبر المرء على نحو مشابه أن “الوعي” يشير إلى مكون أو جانب من الواقع يبين نفسه في الحالات والكائنات الواعية لكنه أكثر من مجرد تحويل اسمي لصفة الوعي التي نطلقها عليها. على الرغم أن مثل هذه الآراء الواقعية بشدة ليست منتشرة بدرجة كبيرة في الوقت الراهن، إلا أنه يجب تضمنها في الخيارات المنطقية المتاحة.

ومن ثمّ توجد عدة مفاهيم للوعي، وتُستخدم “واعي” و”وعي” كلتاهما على نطاق واسع من الاستخدامات مع عدم وجود أي معنى مميز أو رئيسي. ولكن، ربما يكون ذلك أقلً إرباكاً من وفرة محيرة في المصطلحات. الوعي سمة معقدة للعالم، وسيتطلب فهمه تنوعاً في الأدوات المفاهيمية للتعامل مع جوانبه الكثيرة المختلفة. ومن ثمّ فإنَّ التعددية في المفاهيم هي بالضبط ما يأمل فيه المرء. سيكون من القيم امتلاك تنوع من المفاهيم التي نستطيع من خلالها  الوصول إلى الوعي واستيعابه بكل تعقيده الثري، طالما أن المرء يتجنب أي التباس عن طريق توضيح المعاني التي يستخدمها. ولكن يجب على المرء ألا يفترض أن تنوع المفاهيم يعني التباين المرجعي. فربما تقوم مفاهيمنا المتعددة حَول الوعي في الحقيقة بالتقاط جوانب متباينة من ظاهرة عقلية واحدة كامنة وموحدة. لكن هل تقوم مهاهيمنا بهذا، وإلى أي درجة تقوم به، سيظل السؤال مفتوحاً بلا إجابة محددة.

 

  1. معضلات الوعي

إن مهمة فهم الوعي مشروع متباين بنفس القدر. لا تُعد جوانب كثيرة للعقل واعيةً بصورة ما فحسب، بل يقبل كل واحد منها أيضاً العديد من الجوانب التي يمكن تفسير العقل أو نمذجته من خلالها. لا يتضمن فهم الوعي العديد من القضايا المشروحة  فقط بل يتضمن العديد من الأسئلة التي تطرحها ونوع الإجابات التي تحتاجها. مع احتمال الوقوع في التبسيط المخل، يمكن جمع الأسئلة المتعلقة بهذه المسألة تحت ثلاثة عناوين بسيطة مثل السؤال عن الماهية (ما هو) والكيفية والغائية (لماذا):

  • السؤال التوصيفي: ما هو الوعي ؟ ما هي سماته الأساسية؟ وما هي الوسائل التي يمكن من خلالها اكتشاف تلك السمات ووصفها ونمذجتها بأفضل طريقة ممكنة؟

  • السؤال التفسيري: كيف يمكن للوعي بالشكل المقصود أن ينشأ؟ هل هو جانب بدائي وأولي من الطبيعة وإن لم يكن كذلك فكيف (يمكن أن) يكون الوعي بالشكل المقصود ناشئاً من أو معلولاً لكيانات أو عمليات غير واعية؟

  • السؤال الوظيفي: لماذا يوجد الوعي بالشكل المقصود؟ هل لهُ وظيفة، وإن كان لهُ فما هي؟ هل يتصرف تبعاً لمبدأ السببية، وإن كان يفعل فما هي تأثيراته؟ هل يصنع فارقاً في عمل الأنظمة التي يوجد بداخلها، وإن كان يفعل فكيف ذلك؟ ولماذا؟

 

تركز الأسئلة الثلاثة تباعاً على وصف سِمات الوعي ، تفسير أساسه أو سببه الرئيسي، وإيضاح دوره أو قيمته. إن هذا التقسيم بين الأسئلة الثلاثة مصطنع إلى حد ما بالطبع، وعملياً فإنَّ الإجابة التي سيمنحها المرء لكل سؤال ستعتمد جزئياً على ما يقوله بِخُصوصِ السؤالين الآخرين. لا يستطيع المرء مثلاً أن يجيب عن سؤال الماهية إجابةً كافية، وأن يصف السمات الأساسية للوعي من دون التطرق إلى مسألة الكيفية بِخُصوصِ دوره الوظيفي داخل الأنظمة التي يؤثر في عملياتها. ولا يستطيع المرء تفسير كيف يمكن أن ينشأ الوعي المقصود  من عمليات غير واعية إلا إذا كان يملك فكرة واضحة عن السمات التي يجب أن تنشأ أو تتحقق حتى تُعتَبَر منتجة للوعي. على الرغم من هذه التحذيرات، تمدنا هذه التقسيمة الثلاثية للأسئلة ببنية صالحة لصياغة المشروع التفسيري برمته ولتقييم الكفاءة الخاصة بنماذج أو نظريات محددة عن الوعي .

 

  1. السؤال التوصيفي: ماهي سِمات الوعي؟

يطلب منا سؤال الماهية أن نَصِف ونصيغ السمات الأساسية للوعي، لكن ستختلف السمات المتعلقة تبعاً لشكل الوعي الذي نهدف إلى التقاطه. قد تختلف الخصائص  الأساسية للوعي المدخلي إلى حد كبير عن تلك الخاصة بالوعي الكيفي أو الظاهراتي، وربما تختلف تلك الخاصة بالوعي الانعكاسي أو السردي عن خصائص كليهما. ولكن عن طريق بناء نظريات مفصلة عن كل نوع، يمكننا أن نأمل في أن نجد روابط هامة بينها، بل وأن نكتشف أنها تتطابق مع بعضها البعض في بعض النواحي الأساسية على الأقل.

 

4.1 المعطيات من منظور المتكلم والغائب [10]

سيتطلب المشروع التوصيفي العام تنوعاً في الأساليب البحثية ( Flanagan 1992). وعلى الرغم من إمكانية اعتقاد المرء بسذاجة أن حقائق الوعي بديهية للغاية ولا تحتاج أساليب منهجية لجمع المعلومات، إلا أن تلك المهمة المعرفية هي في الحقيقة أبعد ما تكون عن البساطة (Husserl 1913) .

 

إن الولوج الاستبطاني[11] للذات من منظورالمتكلم يزودنا بمصدر غني وأساسي من التبصّر داخل حياتنا العقلية الواعية، لكنه ليس كافٍ بذاته ولا مفيد حتى بشكل خاص إلا إذا استُخدم بطريقة متمرسة ومنضبطة. يتطلب جمع الأدلة المطلوبة عن بنية التجربة الذاتية أن نصبح مراقبين محنكين لأنفسنا من الناحية الظاهراتية وأن نكمّل نتائجنا الاستبطانية بأنواع متعددة من المعطيات المتاحة للمراقبين الخارجيين من منظور الغائب (Searle 1992, Varela 1995, Siewert 1998).

 

   كما بات معروفاً للظاهراتيين لأكثر من قرن، فإنَّ اكتشاف بنية التجربة الواعية يحتاج إلى موقف عقلي صارم موجه للداخل يختلف بشدة عن الشكل اليومي للوعي بالذات  (Husserl 1929, Merleau-Ponty 1945). تتطلب الملاحظة الماهرة من النوع المنشود تدريباً وجهداً وقدرةً على تبني منظورات متباينة لتجربة المرء.

 

تكون الحاجة لمعطيات الغائب التجريبية التي جُمِعت عن طريق المراقبين الخارجيين أوضح ما تكون فيما يتعلق بأنواع الوعي الوظيفية بشكل أوضح مثل الوعي المدخلي، لكنها مطلوبة أيضاً فيما يتعلق بالوعي الظاهراتي والكيفي. على سبيل المثال، يمكن لدراسات العجز الوظيفي التي تربط مواضع التلف العصبية والوظيفية المتنوعة باضطرابات في التجربة الواعية أن تجعلنا ندرك جوانباً من البنية الظاهراتية التي تفلت من إدراكنا الاستبطاني الطبيعي. يمكن لأشياء تبدو موحدة غير قابلة للانفصال أو تبدو متفردة من وجهة نظرنا الطبيعية من منظور المتكلم أن تتفكك في التجربة الإدراكية، وذلك بحسب دراسات الحالة [12] (Sacks 1985, Shallice 1988, Farah 1995).

 

أو فلنأخذ مثالاً آخر، يمكن أن تجعلنا المعطيات من منظور المراقب ندرك كيف تؤثر تجاربنا عن الفعل وعن توقيت الحدث في بعضها البعض بطرق كان من المستحيل أن نستشفها من خلال الاستبطان فحسب [13] (Libet 1985, Wegner 2002Libet 1985, Wegner 2002). لا تدور الحقائق المجمّعة عن طريق تلك الأساليب التي تعمل من منظور الغائب حَول أسباب أو أسس الوعي فحسب؛ فكثيراً ما تكون متعلقة ببنية الوعي الظاهراتي نفسه. ستكون جميع الأساليب التفاعلية من منظور المتكلم والغائب وحتى المخاطب (Varela 1995) مطلوبة لجمع الأدلة اللازمة.

 

نأمل أن نتمكن من تشييد نماذج توصيفية مفصلة عن أشكال الوعي المتعددة باستخدام كل هذه المصادر من المعلومات. على الرغم من إمكانية اختلاف الخصائص المحددة الأكثر أهمية بين الأنواع المختلفة، سيتطلب مشروعنا التوصيفي التطرق على الأقل إلى الجوانب السبعة العامة الآتية من الوعي (الأقسام 4.2 حتى 4.7).

 

4.2 الصفة الكيفية

دائماً ما يتم اعتبار الصفة الكيفية مساويةً لما يطلق عليه “الأحاسيس الخام” ويتم توضيحها بالحمرة التي يجربها المرء عندما ينظر إلى طماطم ناضجة أو المذاق الحلو المميز الذي يجده المرء عندما يتذوق ثمرة أناناس يانعة بنفس القدر (Locke 1688). لا ينحصر الشكل المقصود للصفة الكيفية في الحالات الحسيّة، لكنه يُعتبر في العادة حاضراً كجانبٍ من جوانب الحالات المدرَكة بوجهٍ عام، مثل الأفكار أو الرغبات التي ندركها (Siewert 1998).

 

ربما يبدو وجود مثل هذه الأحاسيس بالنسبة إلى البعض مؤشّراً لبداية الحالات أو الكائنات الواعية بالفعل. إذا كان كائن عضوي ما يحس ويستجيب بطرق ملائمة لعالمه لكنه يفتقد لمثل هذه الكواليا، ربما اعتُبر واعياً إذن لكن بمعنى فضفاض وأقل من حرفي في أحسن الأحوال. أو سيبدو هكذا على الأقل لمن يعتبرون الوعي بمفهوم “كيف يبدو الأمر” مركزياً من الناحية الفلسفية والعلمية (Nagel 1974, Chalmers 1996).

 

إن أشكالاً متعددة من معضلات الكواليا، مثل: هل يمكن أن توجد كواليا معكوسة[14]؟ (Block 1980a 1980b, Shoemaker 1981, 1982) هل الكواليا ظواهر ثانوية [15]؟ (Jackson 1982, Chalmers 1996) كيف يمكن للحالات العصبية أن تُصدر الكواليا؟  (Levine 1983, McGinn 1991)، قد لاحت في الأفق بشكل كبير في الماضي القريب. لكن يثير سؤال الماهية معضلةً أكثر جذرية عن الكواليا: وهي إعطاء وصف واضح وملفوظ عن فضاء الكواليا [16] الخاص بنا وعن وضع كواليا بعينها بداخله.

 

 بغياب نموذجٍ كهذا، ستكون جميع الأخطاء الحقائقية والتوصيفية محتملة للغاية أكثر مما يجب. على سبيل المثال، تتعامل الادعاءات بِخُصوصِ عدم قابلية فهم الرابط بين الأحمر الذي ندركه وبين أي ركيزة عصبية محتملة لمثل هذه التجربة مع كوالاي اللون المقصود بصفته خاصية بسيطة ونسيج وحدها (Levine 1983)، لكن الإحمرار الظاهراتي يوجد في الحقيقة بداخل فضاء لوني معقد بأبعادٍ متعددة متناسقة وعلاقات تشابه [17] (Hardin 1992). إن فهم كوالاي اللون المحدد بالنسبة إلى هذا البناء العلائقي الأكبر لا يعطينا إدراكاً توصيفياً أفضل لطبيعته الكيفية فحسب، بل يمكنه أيضاً أن يمدنا ببعض “المشابك” التي يمكن للمرء أن يعلق بها روابطاً نفس-مادية مفهومة.

 

ربما يكون اللون هو الاستثناء في إطار امتلاكنا فهم منهجي محدد ومتطور بصورة جيدة للفضاء الكيفي الصحيح، لكنه على الأرجح ليس استثناءً من ناحية أهمية فضاءات كهذه لفهمنا عن الخصائص الكيفية في العموم (Clark 1993, P.M. Churchland 1995). (انظر المدخل عن الكواليا).

 

4.3 التركيب الظاهراتي

على الرغم من الاستخدام المتبادل في بعض الأحيان لكلمتَي “الكواليا” و”الخصائص الكيفية” بنفس المعنى في الأدبيات، لا ينبغي دمج  التركيب الظاهراتي مع التركيب الكيفي. تغطي “المنظومة الظاهراتية” كل الأشكال المتعددة للنظام والتركيب الموجود داخل نطاق التجربة، أي داخل نطاق العالم كما يظهر لنا. مِن الواضِح أن هُنَاك روابط هامة بين الظاهراتي والكيفي. يمكن بالتأكيد فهم الكواليا على أحسن وجه كخصائص لمواضيع ظاهراتية أو مدركة، لكن في الحقيقة هُنَاك ما هو أكثر للظاهراتي من الأحاسيس الخام. إن التركيب الظاهراتي للخبرة، كما بيّن كانط (1787)، وهوسرل (1913) وأجيال من الظاهراتيين قصدي بغزارة ولا يتضمن أفكار وكيفيات حسية فحسب، بل تمثيلات معقدة للزمان، المكان، السبب، الجسم، الذات، العالم، والتركيب المنظم للواقع المعيشي بكل أشكاله المفاهيمية وغير المفاهيمية.

 

بما أن الكثير من الحالات اللاشعورية لها جوانب قصدية وتمثيلية أيضاً، ربما يكون من الأفضل اعتبار البناء الظاهراتي متضمناً لنوع خاص من النظام والمحتوى القصدي والتمثلي، النوع الذي دائماً ما يقترن بـ الوعي على نحو مميز (Siewert 1998). (انظر المدخل عن النظريات التمثيلية حَول الوعي).

 

تحتاج الإجابة عن سؤال الماهية إلى فهم دقيق للإطار التمثيلي المتماسك والمنظم بكثافة الذي تُدمج بداخله خبرات بعينها. [انظر القسم 9.3] بما أن معظم هذا البناء متضمن في نظام التجربة فقط، لا يمكن إذن قراءته عبر الاستبطان فحسب. إن صياغة تركيب النطاق الظاهراتي بطريقة واضحة ومفهومة عملية طويلة وصعبة من الاستنتاج والنمذجة (Husserl 1929). يمكن للاستبطان أن يساعدها، لكن يتطلب الأمر الكثير من التنظير والإبداع.

 

ثمة نقاش فلسفي في الآونة الأخيرة حَول حجم الخصائص الحاضرة أو الظاهرة بصورة ظاهراتية في التجربة الواعية، بالذات من ناحية الحالات الإدراكية كالتصديق والتفكير. يناقش البعض لصالح ما يمكن أن نسميه رؤيةً “رقيقة” تكون الخصائص الظاهراتية وفقاً لها مقتصرة على كواليا تمثل خصائص حسية أساسية، مثل الألوان، الأشكال، النبرات والإحساسات. وفقاً لمثل هؤلاء المنظرين، لا توجد حالة مميزة “تشبه أن” تعتقد أن باريس عاصمة فرنسا أو أن 17 رقم أولي (Tye, Prinz 2012). ربما تصاحب بعض الصور، لبرج إيفل على سبيل المثال، وجود فكرة لدينا مثل هذه [أن باريس عاصمة فرنسا]، لكن هذا عرضيٌ لها والحالة الإدراكية ذاتها ليس لها إحساسٌ ظاهراتي. بالنسبة للرؤية الرقيقة، يقتصر الجانب الظاهراتي للحالات الإدراكية أيضاً على السمات الحسية الأساسية؛ فإذا رأى المرء صورة لوينستون تشرشل، تقتصر ظاهراتيته الحسية على الجوانب الفراغية لوجهه فحسب.

 

يتبنى آخرون رؤيةً “كثيفة” تتضمن ظاهراتية الإدراك وفقاً لها نطاقا ً أوسع بكثير من السمات وتمتلك الحالات الإدراكية ظاهراتية مميزة أيضاً (Strawson 2003, Pitt 2004, Seigel 2010). بالنسبة للرؤية الكثيفة، “كيف يبدو الأمر” عند رؤية صورة لمارلين مونرو تتضمن معرفة المرء لتاريخها كجزء من الجانب المحسوس من التجربة، كما يمكن للاعتقادات والأفكار أيضًا املاك ظاهراتية مميزة غير حسية. تم توضيح كلا الجانبين من النقاش بصورة جيدة في مجلد ظاهراتية الإدراك (Bayne and Montague 2010).

 

4.4 الذاتية

الذاتية هي مفهوم آخر يُساوى أحياناً في الأدبيات بالجوانب الكيفية أو الظاهراتية للوعي، لكن توجد أسباب جيدة لاعتبارها سمة مستقلة للوعي، لها علاقة بالكيفي والظاهراتي لكن تختلف عن كليهما، على الأقل في بعض أشكالها،. إن الشكل المعرفي للذاتية بوجهٍ خاص لهُ علاقة بالقيود الواضحة على قابلية الحقائق المتعددة حَول التجربة الواعية للمعرفة أو الفهم ((Nagel 1974, Van Gulick 1985, Lycan 1996.

 

وفقاً لتقدير توماس ناغل (1974)، فإنَّ الحقائق حَول كيف يبدو الأمر إذا كنت خفاشاً هي حقائق ذاتية بهذا المعنى لأنها يمكن أن تُفهم بالكامل فقط من وجهة نظر كوجهة نظر الخفاش. إن الكائنات القادرة على امتلاك أو الخضوع لتجارب مماثلة كهذه هي فقط القادرة على فهم حالتها المسماة بكيف يبدو الأمر بالمعنى التقمصي اللازم. يمكن لحقائق حَول التجربة الواعية أن تُفهم فهماً غير مكتمل في أحسن الأحوال من وجهة نظر الغائب الخارجية، مثل تلك المرتبطة بالعلم المادي الموضوعي. يَبدو أنَّ وجهة نظر مماثلة حَول حدود نظرية الغائب تقف وراء الادعاءات بِخُصوصِ ما لم تستطع ماري، عالمة الألوان الخارقة التي افترضها فرانك جاكسون (1982)، فهمه عن إدراك الأحمر بسبب تاريخها الفقير من التجربة البصرية عديمة اللون [18].

 

سواءً كانَت الحقائق حَول التجربة مقيدة معرفياً بهذا الشكل بالفعل أم لا هي مسألة مفتوحة للنقاش (Lycan 1996)، لكن الادعاء بِأنّ فهم الوعي يحتاج إلى أشكال خاصة من المعرفة والمدخلية من وجهة النظر الداخلية مقبولٌ حدسياً وله تاريخٌ طويل (Locke 1688). ومن ثمّ يجب أن يخاطب أي جواب مناسب لسؤال الماهية الوضع المعرفي للوعي، من ناحية كل من قدراتنا على فهمها، وحدود تلك القدرات (Papineau 2002, Chalmers 2003). (انظر المدخل حَول معرفة الذات).

 

4.5 نظام المنظور الذاتي

التركيب المنظوري للوعي هو أحد جوانب نظامه الظاهراتي الكلي، لكنه من الأهمية بمكان ليستحق النقاش بحد ذاته. طالما أن المنظور الأساسي هو منظور الذات الواعية، يمكن أن تسمّى هذه السمة المحددة  بمنظورية الذات. لا توجد التجارب الواعية كذرات عقلية معزولة، بل كأنماط أو حالات لذات أو فرد واعٍ (Descartes 1644, Searle 1992, though pace Hume 1739). تكون التجربة البصرية عن كرة زرقاء دائماً من باب وجود ذاتٍ ما أو فرد يظهر لهُ شيء بهذه الطريقة. إن الألم الحاد والنافذ هو دائماً ألم محسوس أو مدرَك من قبل فرد واعٍ ما. لا يجب على الذات أن تظهر كعنصر صريح في تجاربنا الإدراكية، ولكن كما علق كانط (1787) يجب على “أنا أفكر” أن تصاحب كلاً من هذه التجارب بشكل كامن على الأقل [19].

 

يمكن أن تُعتبر النفس النقطة المنظورية التي يكون من خلالها عالم الأشياء حاضراً للتجربة الإدراكية  .(Wittgenstein 1921) هي لا تزودنا بمنظورٍ فراغي وزماني لتجربتنا عن العالم فحسب بل بمنظور ذي معنى وقابلية للفهم أيضاً. يعتمد الترابط القصدي لنطاق التجربة الإدراكية على الاعتماد المتبادل بين الذات والعالم: الذات بصفتها منظور تُعرَف الأشياء من خلاله والعالم بصفته البناء المتكامل من الأشياء والأحداث والذي تُعرِّف احتمالات إدراكه طبيعة وموضع الذات ضمنياً (Kant 1787, Husserl 1929).

 

مِن الواضِح أن الكائنات العضوية الواعية تختلف في مدى تشكيلها لذات موحّدة ومتماسكة، وتختلف على الأرجح تبعاً لذلك في شكل أو درجة التركيز المنظوري الذي تجسده في أشكال التجربة الإدراكية الخاصة بها (Lorenz 1977). من الممكن ألا يتطلب الوعي ذاتاً مستقلة أو جوهرية بالمعنى الديكارتي التقليدي، لكن يَبدو أنَّ درجة ما على الأقل من النظام المشابه للذات من الناحية المنظورية ضروريةٌ لوجود أي شيء يمكن اعتباره تجربة واعية. ليست التجارب الإدراكية أكثر قدرة على التواجد بدون ذاتٍ أو فرد يخضع لها من أمواج المحيطات التي لا تستطيع أن توجد بدون البحر الذي تتحرك خلاله. ولهذا يتطلب السؤال التوصيفي تفسيراً ما لجانب المنظور الذاتي من التجربة وللنظام الشبيه بالذاتي للعقول الواعية التي تعتمد عليه، حتى وإن تعامل الفهم المناسب مع الذات بشكل انكماشي أو افتراضي نسبياً (Dennett 1991, 1992).

 

4.6 الوحدة

الوحدة مرتبطة إلى حد كبير بالمنظور الذاتي، ولكنها تستحق أن تُذكر بشكل خاص بحد ذاتها كجانب أساسي لتنظيم الوعي . تنطوي كلٌ من الأنظمة الواعية والحالات الذهنية الواعية على أشكال متعددة ومتنوعة من الوحدة. بعضها وحدات سببية مرتبطة بدمج الفعل والتحكم في بؤرة موحدة من الذاتية. والبعض الآخر أشكال أكثر تمثيلاً وتعمّداً من الوحدة تتضمن دمج عناصر متنوعة من المحتوى في نطاقات ومستويات متعددة من الربط (Cleeremans 2003).

 

 بعض هذه التكاملات تكون موضعية نسبياً مثلما يحصل حين تُدمج خصائص متنوعة مكتشفة داخل نمط حسي واحد في تمثيل لأشياء خارجية تحمل هذه الخصائص، عندما يكون لدى المرء مثلا تجربة بصرية واعية لعلبة متحركة من الحساء الأحمر تمر فوق منديل مخطط باللون الأخضر (Triesman and Gelade 1980).

 

تشمل بعض الأشكال الأخرى من الوحدة المقصودة مجالاً أوسع بكثير من المحتويات. يعتمد محتوى خبرة المرء الإدراكية الحالية للغرفة التي يجلس فيها جزئياً على موقعها داخل بناء أكبر بكثير مرتبط بإدراك المرء لوجوده كملاحظ ممتد زمانياً في عالم من الأشياء المستقلة في وجودها والمرتبطة فراغياً (Kant 1787, Husserl 1913). يمكن للخبرة الذاتية أن تمتلك المحتوى الذي تمتلكه فقط لأنها تكمن داخل هذا البناء التمثيلي الموحد والأكبر. (أنظر المدخل عن وحدة الوعي).

 

لقد أُخذ مفهوم الوحدة الظاهراتية بعين الاعتبار بشكل خاص في الآونة الأخيرة (Bayne 2010) بالإضافة إلى علاقته بأشكال أخرى من الوحدة الواعية مثل تلك التي تتضمن تكامل تمثيلي، وظيفي أو عصبي. يناقش البعض أن الوحدة الظاهراتية يمكن أن تُختزل في وحدة تمثيلية (Tye 2005)، بينما أنكر آخرون إمكانية أي اختزال كهذا (Bayne 2010).

 

4.7 القصدية والشفّافيّة

تُعتبر الحالات العقلية الواعية في العادة ذات جانب تمثيلي أو قصدي طالما أنها حَول أشياء، تشير لأشياء أو لها شروط للتحقق [20]. إن الخبرة البصرية الواعية للمرء تمثل العالم بشكل صحيح إن كان ثمة زهور ليلك داخل مزهرية بيضاء فوق المائدة (استناداً على أفكار ترافس 2004)، ذكرى المرء الواعية حَول الهجوم على برج التجارة العالمي، ورغبته الواعية في كأس من الماء البارد [21]. مع ذلك، يمكن للحالات غير الواعية أيضاً أن تبدي قصديةً بمثل هذا الشكل، ومن المهم فهم النواحي التي تماثل فيها الجوانب التمثيلية للحالات الواعية تلك الخاصة بالحالات غير الواعية وتختلف عنه (Carruthers 2000). يقترح سيرل (1990) وجهة نظر مضادة يمكن وفقاً لها للحالات الواعية وللنوازع لامتلاك حالات واعية شرط أن تكون قصدية بحق، لكن أكثر المنظرين يعتبرون القصدية تمتد على نحو واسع بداخل النطاق غير الواعي (انظر المدخل عن الوعي والقصدية).

 

يتعلق أحد أبعاد الاختلاف الذي يحتمل أن يكون ذا أهمية بما يسمى بالشفافية، وهي سمة هامة للوعي وفق معنيين مجازيين مترابطين، لهما جانب قصدي، خبراتي ووظيفي.

 

يقال كثيراً أن التجربة الإدراكية الواعية شفافة أو كما في عبارة ج.إ.مور (1992)”diaphanous” . نحن “ننظر من خلال” تجربتنا الحسية بشفافية طالما نبدو مدركين مباشرةً للأشياء الخارجية والأحداث الحاضرة لنا عوضاً عن إدراك أي من خصائص التجربة التي تقدم أو تمثل لنا التجربة من خلالها أشياء كهذه. عندما أنظر إلى الخارج للمرج المعرض للرياح، فإنَّ الذي أعيه هو العشب الأخضر المتموج وليس أية خاصية خضراء لتجربتي البصرية. [22] (انظر المدخل عن النظريات التمثلية للوعي). لقد اعتقد مور نفسه بأننا يمكن أن نصبح واعين بتلك الصفات مع الجهد وإعادة توجيه الانتباه، على الرغم من أن بعض المؤيدين المعاصرين للشفافية ينكرون ذلك (Harman 1990, Tye 1995, Kind 2003).

إن الأفكار والتجارب الواعية شفافة أيضاً بالمعنى اللفظي من ناحية أن معناها يبدو معلوماً لدينا على الفور بنفس فعل التفكير فيها (Van Gulick 1992). بهذا المعنى يمكن القول أننا ’نفكر من خلالهم مباشرة‘ لما يعنون أو يمثلون. يمكن أن تقابل الشفافية بهذا المعنى اللفظي ما يسميه جون سيرل ب”القصدية الذاتية” للوعي جزئياً على الأقل (Searle 1992).

 

يَبدو أنَّ حالاتنا الذهنية الواعية تمتلك معانيها ذاتياً أو من الداخل بمجرد كونها ما هي عليه في ذاتها، وذلك على عكس العديد من النظريات الخارجانية للمحتوى الذهني التي تؤسس المعنى على علاقات سببية، مغايرة للواقع counterfactual أو معلوماتية بين الحالات التي تحمل القصدية وموضوعاتها الدلالية أو الإحالية [23].

 

إن رؤية المحتوى الذهني باعتباره حتمياً بذاته وبديهياً من الداخل تكون مؤيَّدةً في بعض الأحيان بالاحتكام إلى نظريات المخ داخل الوعاء، التي تجعل الأمر يبدو كما لو أن الحالات الذهنية الواعية للمخ داخل الوعاء ستحتفظ بكل محتواها القصدي الطبيعي على الرغم من خسارتها لكل روابطها الطبيعية السببية والمعلوماتية مع العالم [24] (Horgan and Tienson 2002). لا يزال الجدال مستمراً حَول حالات كهذه وحول آراء متنافسة ذات نزعة داخلية  (Searle 1992) وخارجية (Dretske 1995) للقصدية الواعية.

 

على الرغم من امتلاك الشفّافيّة اللفظية والقصدية لبعض التشابهات فيما بينهما، لا يجب أن تتم المساواة بينهما ببساطة، لأنه ربما يكون من الممكن استيعاب المفهوم الأول داخل فهم ذي نزعة خارجية بدرجة أكبر للمحتوى والمعنى. تتعلق الشفّافيّة اللفظية والحسية  كما هو واضح بالجوانب التمثيلية والقصدية للوعي، لكنهما أيضاً جانبِأنّ إدراكيان لحياتنا الواعية. هما جزءٌ من حالة كيف يبدو الأمر أو كيف تشعر إذا كنت واعياً من الناحية الظاهراتية. كلّ منهما لهُ جوانب وظيفية أيضاً، طالما أن التجارب الواعية تتفاعل مع بعضها البعض بطرق غنية بالمحتوى المناسب تُظهر فهمنا الشفاف لمحتوياتها.

 

4.8 التدفق الديناميكي

إن ديناميكيات الوعي واضحة في النظام المتماسك لعملية تدفقه وتحوله الذاتي المتغيرة باستمرار، التي أطلق عليها ويليام جيمس (1890) “تيار الوعي”. تتولد بعض التتابعات الزمنية للتجربة من عوامل داخلية صرفة مثل عند تفكير أحدهم ملياً في أحجية، وتعتمد أخرى جزئياً على أسباب خارجية مثل عند مطاردة أحدهم لكرة بيسبول، ولكن حتى التتابعات الأخيرة تتشكل إلى حد كبير عن طريق الكيفية التي يحول الوعي بها ذاته.

 

 ينمو كل تتابع لحظي من التجربة سواءً كان في جزء منه استجابةً لمؤثرات خارجية أو نابعاً من الداخل بالكامل بشكل متماسك من التتابعات التي سبقته، مقيد ومفعّل بالبناء الشامل من الروابط والحدود المتجسدة في نظامه الأساسي المسبق  (Husserl 1913). في هذا السياق، يكون الوعي نظاماً ذاتي التكوين autopoietic، أي نظاماً خالقاً ومنظماً لذاته (Varela and Maturana 1980).

 

أستطيع أن أفعل الكثير من الأشياء بصفتي ذات عاقلة واعية، كتفحُّص حجرتي، تفحُّص صورة ذهنية لها، استعراض أطباق وجبة مطعم ما تناولتها مؤخراً مع الكثير من مذاقاتها وروائحها في الذاكرة، التفكير في حل مشكلة معقدة، أو التخطيط لرحلة تسوق لشراء السلع وتنفيذ تلك الخطة عندما أصل إلى المتجر. جميع هذه النشاطات روتينية وشائعة، ولكن يتضمن كلٌ منها التوليد الموجه للتجارب بطرق تُظهر فهماً عملياً ذاتياً لخصائصها القصدية ولمحتوياتها المترابطة (Van Gulick 2000).

 

الوعي عملية ديناميكية، ولهذا يجب أن تتعامل أية إجابة توصيفية مناسبة لسؤال الماهية مع ما هو أكثر من  خصائصه السكونية أو اللحظية فحسب. يجب عليها إعطاء فهم ما على وجه الخصوص عن الديناميكيات الزمنية للوعي والطرق التي يعكس بها تدفقه المتحول ذاتياً كلاً من تماسكه القصدي وفهمه اللفظي لذاته المتجسدين في الضوابط المنظمة التي تعيد العقول الواعية من خلالها صناعة ذواتها باستمرار كأنظمة ذاتية التكوين ومشتبكة مع عوالمها.

 

سيحتاج تقرير توصيفي مفهوم للوعي إلى التعامل مع ما هو أكثر من هذه الخصائص السبعة، لكن امتلاك فهم واضح لكلٍ منهم سيقطع بنا شوطاً طويلاً للإجابة عن سؤال “ما هو الوعي ؟”

 

5.السؤال التفسيري: كيف يمكن للوعي أن يوجد؟

يركز سؤال الكيفية على التفسير بدلاً من الوصف. هو يطلب منا أن نفسر الحالة الأساسية للوعي ووضعه في الطبيعة. هل هو سمة جوهرية للواقع بذاته، أم أن وجوده يعتمد على عناصر أخرى غير واعية، سواءً كانَت فيزيائية، حيوية، عصبية أو حاسوبية؟ [25] وإن كان هو الاحتمال الثاني، هل نستطيع تفسير أو فهم كيفية تسبيب العناصر غير الواعية المقصودة للوعي أو تحقيقها له؟ ببساطة، هل نستطيع تفسير كيفية صناعة شيئاً واعياً من أشياء غير واعية؟

 

 5.1 تنوع المشاريع التفسيرية

ليس سؤال الكيفية سؤالاً واحدا، بل مجموعة شاملة من أسئلة أكثر تحديداً (Van Gulick 1995). تهتم كل هذه الأسئلة باحتمالية تفسير نوع أو جانب ما من الوعي، لكنها تختلف في قضاياها المشروحة الخاصة بكلٍ منها، في التقييدات على قضاياها الشارحة، وفي معاييرها للتفسير الناجح. على سبيل المثال، يمكن أن يسأل المرء إذا كنا نستطيع تفسير الوعي المدخلي حوسبياً عن طريق محاكاة العلاقات المدخلية الضرورية في نموذج حوسبي. أو يمكن أن يهتم بدلاً من ذلك بإمكانية استنتاج الخصائص الظاهراتية والكيفية لعقل كائن واعي  قبلياً من عدمها عن طريق وصفٍ ما للخصائص العصبية  لعملياته الدماغية. كلا السؤالان نسخة من سؤال الكيفية، لكنهما يسألان عن توقعات بِخُصوصِ مشروعين تفسيريين مختلفين للغاية، ولهذا يمكن أن يختلفا في إجابتيهما (Lycan 1996). سيكون من غير العملي، إن لم يكن مستحيلاً، تصنيف كل النسخ المحتملة لسؤال الكيفية، لكن يمكن إحصاء بعض الخيارات الأساسية.

 

القضايا المشروحة. ستضم القضايا المشروحة المحتملة أنواع من وعي الحالة ووعي الكائن مبينة بالأعلى، بالإضافة إلى السمات السبعة للوعي والتي أحصيت كرد على سؤال الماهية. هذان النوعان من القضايا المشروحة يتداخلان ويتقاطعان. ربما نهدف مثلاً إلى تفسير الجانب الديناميكي إما للوعي الظاهراتي أو للوعي المدخلي. أو يمكن أن نحاول تفسير ذاتية الوعي الكيفي أو الميتاعقلي. لا تنطبق كل سمة على كل نوع من الوعي ، لكن كلها تنطبق على عدة أنواع. من الممكن ألا تتوافق الكيفية التي يفسر بها أحدهم سمة معينة متعلقة بنوع واحد من الوعي مع ما نحتاجه لتفسير تلك السمة مع نوع آخر.

 

القضايا الشارحة. إن مجال القضايا الشارحة المحتملة متنوعٌ أيضاً. يسأل سؤال الماهية ربما في أوسع صياغاته كيف يمكن أن تسبب أو تحقق عناصر غير واعية وعياً بالشكل المقصود، لكننا نستطيع توليد وفرة من الأسئلة الأكثر دقة بمزيد من التقييد لنطاق القضايا الشارحة المطلوبة. من الممكن أن يسعى أحدهم لتفسير كيف لسمة معينة من سِمات الوعي أن تسببها أو تحققها عمليات عصبية، تركيبات حيوية، آليات  فيزيائية، علاقات وظيفية أو غائية-وظيفية، نظام حوسبي، أو حتى حالات ذهنية غير واعية تقوم عليها. ستتفاوت التوقعات بشأن النجاح التفسيري بالتبعية. على العموم، كلما كان نطاق القضايا الشارحة أكثر تقييداً وأولية، كلما كانَت المشكلة بِخُصوصِ تفسير كيفية كفاية تلك القضايا الشارحة لإنتاج الوعي أكثر صعوبة (Van Gulick 1995).

 

معايير التفسير. المعيار الثالث الأساسي هو كيف يعرّف أحدهم معيار التفسير الناجح. ربما يحتاج أحدهم أن تكون القضية المشروحة مستنبطة  قبلياً من القضايا الشارحة، وعلى الرغم من كون هذا المعيار ضرورياً أو كافياً لتفسير الوعي محل نزاع أم لا  (Jackson 1993)، فستعتمد كفاءته جزئياً على طبيعة الفرضيات الأساسية التي ينطلق منها الاستنتاج. سيحتاج المرء بحكم المنطق بعض المبادئ الوسطى لربط قضايا أو جمل حَول الوعي بتلك التي لا تذكره. إن كانَت الفرضيات الأساسية للمرء متعلقة بحقائق فيزيائية أو عصبية، سيحتاج المرء إلى بعض المبادئ أو الروابط الوسطى التي تربط بين حقائق كهذه وبين حقائق حَول الوعي (Kim 1998). يمكن أن تقدم الروابط الحتمية، سواءً كانَت طبيعية [26] nomic أو مجرد ارتباطات مثبتة جيداً، رابطاً كافياً من الناحية المنطقية لاستنتاج استنتاجات حَول الوعي. لكنها لن تسمح لنا على الأرجح أن نرى كيف أو لماذا تصمد هذه العلاقات، ولهذا ستعجز عن تفسير كيفية وجود الوعي تفسيراً كاملاً (Levine 1983, 1993) (McGinn 1991).

 

من المشروع أن يطلب المرء المزيد، لا سيما فهماً يجعل سبب صمود هذه العلاقات وربما سبب عدم قدرتها على الفشل في فعل هذا مفهوماً. يتم الاستناد إلى نموذج معروف من مرحلتين لتفسير الخصائص الكبروية من ناحية الركائز الصغروية في كثير من الأحيان [27]. في الخطوة الأولى، يقوم المرء بتحليل الخاصية الكبروية في إطار الشروط الوظيفية، ثم في المرحلة الثانية يبين أن التركيبات الصغروية التي تطيع قوانين مستواها الصغروي تكفي طبيعياً nomically لضمان تحقُّق الشروط الوظيفية المعنيّة (Armstrong 1968, Lewis 1972).

 

تكفي الخصائص الصغروية لتجمعات من جزيئات الH2O عند درجة حرارة 20° مئوية لتحقيق الشروط اللازمة لسيولة المياه التي تكونها. بالإضافة إلى ذلك، يجعل النموذج كيفية توليد السيولة من الخصائص الصغروية مفهومةً. إن تفسيراً شافياً لكيفية تولُّد الوعي يمكن أن يبدو محتاجاً لقصة مماثلة من مرحلتين. من دونها، يمكن أن يبدو  حتى الاستنتاج القبلي أقل كفاية من الناحية التفسيرية، على الرغم من أن الاحتياج لقصة كهذه لا يزال محل جدال (Block and Stalnaker 1999, Chalmers and Jackson 2001).

 

5.2 الفجوة التفسيرية

إن عجزنا الراهن عن تقديم رابطة مناسبة ومفهومة يُفسَّر أحياناً، وفقاً لجوزيف ليفاين (1983)، بوجود فجوة تفسيرية، وبأنه يشير إلى فهمنا الناقص للكيفية التي يمكن أن يعتمد بها الوعي على ركيزة غير واعية، ركيزة مادية بالذات. تقبل دعوى الفجوة الأساسية بتنوعات كثيرة من حيث الشمولية، وبالتالي من حيث القوة.

 

 تجزم الدعوى ربما في أضعف أشكالها، بوجود حد عملي لقدراتنا التفسيرية الراهنة؛ أي أننا لا نستطيع الآن صياغة رابطة مفهومة على ضوء نظرياتنا ونماذجنا الراهنة. تقوم نسخة أقوى بدعوى مبدئية بِخُصوصِ قدراتنا البشرية، فتجزم بأننا على ضوء حدودنا الإدراكية البشرية لن نستطيع أبداً سد الفجوة. بالنسبة إلينا أو إلى مخلوقات تشبهنا إدراكياً، يجب أن تظل لغزاً باقياً (McGinn 1991). يناقش كولين ماكجين (1995) أنه على ضوء الطبيعة الفراغية الذاتية لمفاهيمنا الإدراكية وللمفاهيم العلمية التي نستخلصها منها، فإننا نحن البشر غير ملائمين من الناحية المفاهيمية لفهم طبيعة الرابطة النفس فيزيائية. الحقائق حَول هذه الرابطة مغلقة من الناحية الإدراكية بالنسبة لنا مثل الحقائق حَول الضرب أو الجذر التربيعي بالنسبة لحيوانات المدرع. هي لا تقع داخل مخزوننا المفاهيمي والإدراكي. تقوم نسخة أقوى من دعوى الفجوة بإزالة القيود على طبيعتنا الإدراكية وتنكر من حيث المبدأ إمكانية سد الفجوة من قبل أي ذوات مدركة.

 

هؤلاء الذين يؤكدون على دعاوي وجود الفجوة يختلفون بين أنفسهم حَول ماهية الاستنتاجات الميتافيزيقيةالتي تعقب حدودنا المعرفية المفترضة، إن وجدت. كان ليفاين نفسه عازفاً عن استخلاص أي استنتاجات أنطولوجية ضد المادية [28] (Levine 1993، 2001). حاول بعض الثنائيين الجدد من الناحية الأخرى استغلال وجود الفجوة لدحض المادية (Chalmers 1996) (Foster 1996). كلما كانَت الأساسيات المعرفية للمرء أقوى كلما كان الأمل أفضل في استخلاص استنتاج ميتافيزيقي. ولهذا وعلى نحو غير مفاجئ، كثيراً ما تؤيَّد استنتاجات الثنائيين بالاحتكام إلى استحالة سد الثغرة من حيث المبدأ.

 

إذا استطاع المرء أن يرى من خلال قواعد سابقة وهو بأنه لا توجد طريقة مفهومة يمكن أن يفسر بها الوعي بكونه صادراً عن المادة، لن تكون خطوة كبيرة إذن إذا استنتجنا أنه في الحقيقة لا يفعل ذلك (Chalmers 1996). مع ذلك، فإنَّ قوة ادعاء معرفي كهذا تجعل من الصعب افتراضه مع مصادرة النتيجة الميتافيزيقية المطلوبة [29]. ولهذا، يجب على من يتمنون استخدام النسخة القوية من دعوى وجود الفجوة من حيث المبدأ لدحض المادية أن يجدوا قواعد مستقلة لتأييدها. احتكم البعض إلى حجج إمكانية التصور لتأييد هذا الزعم، مثل الإمكانية المزعومة لتصور زومبي متطابقين مع البشر الواعين على المستوى الجزيئي لكن مجردين من أي وعي ظاهراتي (Campbell 1970, Kirk 1974, Chalmers 1996). تستند حجج أخرى مؤيدة على الطبيعة غير الوظيفية المفترضة للوعي وبالتالي إلى مقاومتها المزعومة للمنهجية العلمية النموذجية لتفسير الخصائص المركبة ( مثل الهيمنة الجينية) في إطار شروط وظيفية متحققة مادياً [30] (Block 1980a, Chalmers 1996). تتجنب مثل هذه الحجج المصادرة على تهافت المادية المطلوب إثباته، لكنها في ذاتها تعتمد على ادعاءات وأفكار محل جدال وليست مستقلة تماماً عن رؤية أحدهم الأساسية للمادية. يظل النقاش حَول هذا الموضوع نشطاً ومستمراً.

 

إن عجزنا الراهن عن رؤية أي طريق لسد الفجوة يمكن أن يكون لهُ بعض التأثير على أفكارنا، لكنه ربما يعكس ببساطة حدود التنظير الحالية بدلاً من عكسه لحاجز غير قابل للتجسير من حيث المبدأ (Dennett 1991). يناقش بعض الماديين بالإضافة إلى ذلك أنه من المتوقع وجود فجوات تفسيرية، بل تقتضيها نسخ منطقية من المادية الأنطولوجية، تتعامل مع الذوات البشرية كأنظمة إدراكية متحققة مادياً لها حدود ذاتية مستمدة من أصلها التطوري ونمط فهمها السياقي القائم (Van Gulick 1985, 2003; McGinn 1991, Papineau 1995, 2002). تبعاً لهذه الرؤية، فإنَّ وجود الفجوات التفسيرية يمكن أن يثبت المادية بدلاً من دحضها. يظل النقاش والاختلاف حَول هذه الموضوعات قائماً.

 

5.3 التفسير الاختزالي وغير الاختزالي

 كما بيّن هذا الاحتياج إلى رابطة مفهومة، فإنه ليس من البديهي أن تكون القابلية للاستنتاج القبلي كافية في ذاتها لتفسير ناجح (Kim 1980)، وضرورتها ليست واضحة. من الممكن أن تكفي رابطة منطقية أضعف في العديد من السياقات التفسيرية. نحن نستطيع أحياناً أن نتحدث بشكل مستفيض عن كيفية اعتماد حقائق من نوع ما على تلك التي من نوع آخر لنُرضي أنفسنا بِأنّ النوع الثاني يسبب أو يحقق بالفعل النوع الأول، حتى وإن كنا لا نستطيع بدقة استنتاج كل الحقائق الأولى من الثانية.

 

لقد تم اتخاذ الاستنتاج الصارم بين النظريات كقاعدة اختزالية في تقدير المناطقة التجريبيين لوحدة العلم الطبيعي (Putnam and Oppenheim 1958)، ولكن في العقود الأخيرة لاقت صورة أكثر مرونة وغير اختزالية عن العلاقات بين العلوم الطبيعية المختلفة قبولاً. يناقش الماديون غير الاختزاليين بالذات لصالح ما يطلق عليه “استقلالية العلوم الخاصة” [31] (Fodor 1974) ولصالح الرؤية القائلة بِأنّ فهم العالم الطبيعي يحتاج منا إلى استخدام مجموعة متنوعة من الأنظمة المفاهيمية والتمثيلية التي يمكن أن تكون غير قابلة للترجمة البينية أو لأن توضع في التوافق المحكم المطلوب من قبل الإطار الاستنتاجي الأقدم المكون من علاقات بين المستويات المختلفة (Putnam 1975).

 

 يتم ضرب المثل بالاقتصاد في أحيان كثيرة (Fodor 1974, Searle 1992). يمكن للحقائق الاقتصادية أن تتحقق بالعمليات الفيزيائية الكامنة وراءها، لكن لا يطالب أحد بجدية بِأنّ نكون قادرين على استنتاج الحقائق الاقتصادية المناسبة من أوصاف تفصيلية للأسس الفيزيائية الكامنة وراءها أو بِأنّ نكون قادرين على وضع مفاهيم ومصطلحات الاقتصاد في توافق محكم مع تلك الخاصة بالعلوم الفيزيائية.

 

بالرغم من ذلك فإنَّ عجزنا الاستنتاجي لا يُرى سبباً للشكوك الأنطولوجية؛ فمشكلة “المال والمادة” ليس لها وجود [32]. كل ما نحتاجه هو فهم عام وأقل من استنتاجي لكيف من الممكن أن تسبب الخصائص والعلاقاتِ الاقتصادية مثيلاتها المادية. ولهذا فمن الممكن أن يختار المرء معياراً مشابهاً لتأويل سؤال الكيفية وأن يختار ما يُعتبر تفسيراً لكيفية تسبيب أو تحقيق الوعي من قبل عناصر غير واعية. ولكن يعترض بعض النقاد مثل كيم (1987) على تماسك أي وجهة نظر تهدف لأن تكون غير اختزالية ومادية في نفس الوقت، على أية حال قام المؤيدون لوجهات نظر كتلك بالرد بدورهم (Van Gulick 1993).

 

   يناقش آخرون بِأنّ الوعي ممانع على نحو استثنائي لأن يفسر بمصطلحات فيزيائية بسبب الفروق الذاتية بين أنماط فهمنا الذاتية والموضوعية. ناقش توماس ناغل كما هو معروف (1974) بِأنّ هُنَاك حدود لا يمكن تجنبها موضوعة على قدرتنا على فهم ظاهراتية تجربة الخفاش بسبب عدم قدرتنا على تقمص منظور خبراتي يشبه المنظور المميِّز لتجربة الرصد بالصدى لدى الخفاش لإدراك عالمه. نستطيع في أحسن الأحوال على ضوء عجزنا عن القيام بتجربة مشابهة أن نمتلك فهماً جزئياً عن طبيعة مثل هذه التجربة. من المفترض أنه لن تكفي أي كمّية مستقاة من المعرفة من منظور العلوم الطبيعية الخارجي الموضوعي من زاوية الغائب للسماح لنا أن نفهم ماذا يمكن أن يفهم الخفاش من تجربته الخاصة من وجهة نظره الداخلية الذاتية من زاوية المتكلم.

 

5.4 توقعات النجاح في التفسير

 ومن ثم، ينقسم سؤال الكيفية إلى مجموعة متنوعة من الأسئلة الأكثر تحديداً اعتماداً على النوع أو السمة الخاصة للوعي التي يهدف المرء إلى شرحها، وعلى القيود الخاصة التي يضعها المرء على مجال القضايا الشارحة والمعيار الذي يستخدمه لتعريف النجاح التفسيري. تبدو بعض التنوعات الناتجة أسهل في الإجابة عن تنوعات أخرى. من الممكن أن يبدو التقدم ممكناً في بعض ما يطلق عليه “المعضلات السهلة” للوعي، مثل تفسير ديناميكيات الوعي المدخلي في إطار النظام الوظيفي أو الحوسبي للمخ  (Baars 1988). من الممكن أن تبدو تنوعات أخرى أقل إذعاناً، بالذات ما يطلق عليها “المعضلة الصعبة” (Chalmers 1995) وهي بوجهٍ أو آخر معضلة إعطاء تقدير مفهوم يجعلنا نرى بطريقة حدسية مُرضية كيف يمكن أن ينشأ الوعي الظاهراتي أو وعي “كيف يبدو الأمر” من العمليات الفيزيائية أو العصبية داخل المخ.

 

يَبدو أنَّ الردود الإيجابية لبعض صياغات سؤال الكيفية قريبة في متناول اليد، لكن البعض الآخر يظل محيراً للغاية. ليس علينا أن نفترض أن لكل صيغة رداً إيجابياً. إذا كانَت الثنائية حقيقة، يمكن أن يكون الوعي في بعض أنواعه على الأقل أولياً وجوهرياً. إن كان هذا صحيحاً، لن نقدر على تفسير كيف ينشأ من عناصر غير واعية لأنه ببساطة لا يفعل ذلك.

 

ستعتمد وجهة نظر المرء حَول التوقعات بشأن تفسير الوعي على منظور الشخص كالعادة. سيرى الماديون المتفائلون السقطات التفسيرية الراهنة على الأرجح كمجرد انعكاس للمرحلة المبكرة من الاستكشاف وسيتم تداركها بالتأكيد في المستقبل غير البعيد (Dennett 1991, Searle 1992, P. M.Churchland 1995). ستمثل تلك الورطات نفسها بالنسبة للثنائيين إفلاس البرنامج المادي والحاجة إلى اعتبار الوعي كمكون أصيل للواقع بحد ذاته (Robinson 1982, Foster 1989, 1996, Chalmers 1996). يعتمد ما يراه المرء جزئياً على مكان وقوفه، والمشروع الجاري لتفسير الوعي سيصاحَب بنقاش مستمر عن وضعه وتوقعات نجاحه.

 

  6.السؤال الوظيفي: لماذا الوعي موجود؟

يسأل السؤال الوظيفي أو السؤال بلماذا عن قيمة أو دور الوعي وبالتالي عن أصله بشكل غير مباشر. هل لديه وظيفة وإن كان لديه فما هي؟ هل يصنع الوعي فارقاً في عمل الأنظمة الموجود بداخلها، وإن كان كذلك فلماذا وكيف؟ إذا كان الوعي موجوداً كسمة معقدة للأنظمة البيولوجية، سيكون على الأرجح لقيمته التكيّفية علاقة بتفسير أصله التطوري، على الرغم من أنه ليس من الضروري بالطبع أن تكون وظيفته الحالية، إن كانَت موجودة، هي نفسها التي كانَت لديه حين انبثق أول مرة. إن الوظائف التكيّفية كثيراً ما تتغير عبر الزمان البيولوجي. بالإضافة إلى ذلك، فالأسئلة حَول قيمة الوعي لديها بُعد أخلاقي من جهتين على الأقل. نحن ميالون لاعتبار أن الوضع الأخلاقي لكائن عضوي ما يتم تحديده جزئياً على الأقل بطبيعة ومدى وعيه، والحالات الواعية، بالذات الحالات الوجدانية الواعية مثل اللذات والآلام، تلعب دوراً هاماً في العديد من الفهوم القيّمة التي تكمن وراء النظرية الأخلاقية (Singer 1975).

 

كما هو الحال مع سؤال الماهية والكيفية، يثير السؤال بلماذا معضلة عامة تنقسم إلى أشكال متنوعة من أبحاث أكثر تحديداً. بقدر ما تكون الأنواع المتعددة للوعي،مثل المدخلي، الظاهراتي، الميتاعقلي، متمايزة وقابلة للفصل-وهذا موضوع غير محسوم-بقدر ما سيختلفون على الأرجح في أدوارهم وقِيَمهم الخاصة. لهذا السبب من الممكن ألا يكون للسؤال بلماذا إجابةً موحدة أو منتظمة.

 

6.1 الوضع السببي للوعي

يَبدو أنَّ أكثر مسألة جذرية تثيرها أي صيغة من السؤال بلماذا هي إن كان النوع الذي نحن بصدده من الوعي لهُ أي تأثير سببي أم لا. إن لم يكن لديه تأثير ولا يصنع فارقاً سببياً البتة، سيبدو إذن غير قادر على لعب أي دور ملحوظ في الأنظمة والكائنات العضوية التي يوجد بداخلها، ومن ثمّ سيضعف من البداية معظم الأبحاث حَول قيمته المحتملة. لا يمكن أيضاً أن يتم ببساطة نبذ تهديد انعدام ترابط الظاهرة الثانوية بصفته خيار غير مطروح، لأنه تم الزعم بجدية في الأدبيات المعاصرة أن بعض أشكال الوعي على الأقل تفتقد إلى وضعية سببية. (انظر المدخل عن مذهب الظاهرة الثانوية). تم إثارة مثل هذه المخاوف فيما يتعلق بالكواليا و الوعي الكيفي بالذات (Huxley 1874, Jackson 1982, Chalmers 1996 )، لكن التحديات وُجهت أيضاً ضد الوضع السببي لأنواع أخرى من ضمنها الوعي الميتاعقلي (Velmans 1991).

 

 لقد تم طرح الحجج الميتافيزيقية والتجريبية كليهما لتأييد مثل هذه الادعاءات. من ضمن الحجج الأولى تلك التي تحتكم إلى أفكار حَول إمكانية تصور الزومبي واحتماليته المنطقية، أي إمكانية التصوّر والاحتمالية المنطقية لوجود كائنات مطابقة في سلوكها، ونظامها الوظيفي، وتركيبها الفيزيائي حتى المستوى الجزيئي للذوات البشرية العادية لكنها تفتقد أي كواليا أو وعي كيفي. يؤكد البعض  (Kirk 1970, Chalmers 1996) أن مثل هذه الكائنات ممكنة في عوالم تشاركنا كل قوانيننا الفيزيائية، لكن هذا ينكره آخرون (Dennett 1991, Levine 2001). إن كان من الممكن الوجود في مثل هذه العوالم، سيبدو بالتالي أن الكواليا لا تؤثر حتى في عالمنا على مسار الأحداث المادية التي تتضمن ما يُشكّل سلوكياتنا البشرية. إذا تجلت هذه الأحداث بنفس الطريقة سواء كان ثمة كواليا أم لا، ستبدو الكواليا إذن غير فعالة أو ظاهرةً ثانوية بالنسبة للأحداث في العالم المادي على الأقل. ولكن مثل هذه الحجج ونظريات الزومبي التي تعتمد عليها مثيرة للجدل وصحتها ما زالت محل نزاع (Searle 1992, Yablo 1998, Balog 1999 ).

 

تنفي حجج من نوع تجريبي أكثر بكثير الوضع السببي للوعي الميتاعقلي، طالما يمكن قياس وجودها على الأقل عن طريق قدرة المرء على الإخبار بحالته العقلية. يُزعم أن الأدلة العلمية تبين أن الوعي من هذا النوع ليس ضرورياً لأي نوع من القدرة العقلية ولا يحدث مبكراً بما يكفي ليكون سبباً للأفعال أو العمليات التي يُظن عادةً أنها من آثاره (Velmans 1991). بالنسبة لمن يقدمون مثل هذه الحجج، فإنَّ أشكال القدرات العقلية التي يُظن عادة أنها تتطلب الوعي يمكن تحقيقها جميعاً بدون وعي في غياب الإدراك الذاتي الذي من المفترض أن يكون مطلوباً [33].

 

بالإضافة إلى ذلك، حتى مع وجود الإدراك الواعي بالذات، يُزعم حدوث هذا الإدراك متأخراً للغاية ليكون سبباً للأفعال التي نحن بصددها بدلاً من أن يكون نتيجة لهذه الأفعال أو أثراً متصلاً في أحسن الأحوال بسبب قبلي ما مشترك [34] (Libet 1985). تبعاً لهذه الحجج، يتبين أن إدراك الذات أو الوعي الميتاعقلي هو تأثير نفسي لاحق بدلاً من أن يكون سبباً مبدئياً، هو أقرب إلى نسخة مطبوعة بأثر رجعي أو إلى النتيجة المعروضة على شاشة حاسوب أحدهم من عمليات المعالج الفعلية التي تسبب كلاً من استجابة الحاسوب والنتيجة المعروضة.

 

نقول مرة أخرى بِأنّ الحجج مثيرة للجدل. وتخضع كلٌ من البيانات المفترضة وتأويلاتها لخلاف حيوي ( أنظر فلاناجان 1992، والتعليقات المصاحبة لفيلمانز 1991). على الرغم من أن الحجج التجريبية مثل الادعاءات حَول الزومبي تتطلب أن يتطرق المرء بجدية إلى احتمال كون بعض أشكال الوعي أقل فعالية سببياً مما يفترض عادةً، يعتبر كثير من الباحثين في الجانب النظري البيانات التجريبية تهديداً غير حقيقي للوضع السببي للوعي.

 

إن كان المؤيدون لمذهب الظاهرة الثانوية مخطئين، وكان الوعي بأشكاله المتنوعة سببي بالفعل، فما هو شكل تأثيراته وما الفارق الذي يصنعه؟ كيف تختلف العمليات العقلية التي تتضمن شكل الوعي الذي نحن بصدده عن تلك التي تفتقده؟ ما هو الدور أو الأدوار التي يمكن أن يلعبها الوعي؟ تناقش الأقسام الستة التالية (6.2-6.7) بعض الإجابات التي تقدم عادةً. على الرغم أن الوظائف المتعددة تتداخل بدرجة ما، إلا أن كل وظيفة مستقلةٌ، وتختلف كذلك في أشكال الوعي التي ترتبط بها كل واحدة منها على النحو الأكثر ملائمة.

 

6.2 التحكم المرن

زيادة مرونة وتعقيد التحكم. يَبدو أنَّ العمليات الذهنية الواعية توفر أشكالاً عالية المرونة والتكيفية من التحكم. على الرغم أن العمليات التلقائية غير الواعية يمكن أن تكون شديدة الفعالية والسرعة، إلا أنها تعمل عادة بطرق أكثر ثباتاً ومحددة سلفاً بصورة أكبر من تلك التي تتضمن إدراكاً ذاتياً واعياً (Anderson 1983). ولذلك فالإدراك الواعي ذو أهمية قصوى عندما يتعامل المرء مع مواقف جديدة ومشاكل أو متطلبات لم تواجَه من قبل (Penfield 1975, Armstrong 1981).

 

تؤكد التفسيرات النموذجية لاكتساب المهارات على أهمية الإدراك الواعي خلال المرحلة الأولى من التعلم، والتي تفسح المجال بالتدريج لعمليات أكثر تلقائية من النوع الذي يتطلب قليلاً من التركيزأو الإشراف الواعي [35] (Schneider and Shiffrin 1977). تتيح المعالجة الواعية تشييد أو تجميع أفعال روتينية مفصلة على وجه التحديد من وحدات أولية وتتيج التحكم القصدي في تنفيذها أيضاً.

 

توجد مقايضة معروفة بين المرونة والسرعة؛ تبتاع العمليات الواعية الموجهة تعدد استخداماتها المخصَّصة على حساب بطئها واحتياجها لمجهود أكبر، على العكس من السرعة المتدفقة للعمليات الذهنية التلقائية غير الواعية (Anderson 1983). ستبدو الزيادات المناسبة في المرونة أكثر ارتباطاً بالشكل الميتاعقلي أو عالي الرتبة [انظرالقسم 9.1] للوعي طالما أن القدرة المعززة للتحكم في العمليات تعتمد على إدراك أعلى للذات. ومع ذلك، يمكن أيضاً أن تقترن المرونة وأنماط التحكم المعقدة بالأشكال الظاهراتية والمدخلية للوعي.

 

6.3 التنسيق الاجتماعي

تعزيز القدرة على التنسيق الاجتماعي. يمكن للوعي من النوع الميتاعقلي ألّا يتضمن زيادة في إدراك الذات فحسب بل أيضاً في فهم معزز للحالات الذهنية لكائنات أخرى عاقلة، بالذات تلك الخاصة بأعضاءٍ آخرين من فئة المرء الاجتماعية (Humphreys 1982). لا تمتلك الكائنات الواعية بالمعنى الميتاعقلي المقصود معتقدات ودوافع وإدراكات ونوايا فحسب، بل تفهم ماذا يعني أن تمتلك حالات كهذه ومدركة لذاتها وللكائنات الأخرى على أنهم يمتلكون هذه الحالات.

 

يمكّن هذا التزايد في المعرفة المشتركة عن عقول بعضنا البعض الكائناتِ العضوية المقصودة من التفاعل والتعاون والتواصل بأساليب أكثر تطوراً وتكيفاً. وعلى الرغم من أن الوعي الميتاعقلي هو النوع المرتبط بالشكل الأكثر وضوحاً بمثل هذا الدور التنسيقي الاجتماعي، فإنَّ الوعي السردي من النوع المرتبط بتيار الوعي لهُ علاقة أيضاً كما هو واضح طالما أنه يتضمن تطبيق القدرات التأويلية على حالة المرء نفسه، والتي تُشتَق جزئياً من تطبيقها الاجتماعي (Ryle 1949, Dennett 1978, 1992).

 

6.4 تمثيل تكاملي

تمثيل متكامل بكثافة وأكثر وحدة للواقع. تمدنا التجربة الواعية بعالم من الأشياء المستقلة في وجودها داخل الزمان والمكان. تحضر لنا هذه الأشياء عادةً في شكل متعدد الأنماط يتضمن دمج المعلومات من قنوات حسية متعددة ومن معلومات وذكريات أولية أيضاً. لا تمدنا التجربة الواعية بخصائص أو سِمات منعزلة بل بأشياء وأحداث متموضعة في عالم متجدد ومستقل، وتقوم بذلك عبر إدخال الشبكة الكثيفة من العلاقات والترابطات التي تشكل بشكل جماعي التركيب الهادف لعالم الأشياء داخل منظومتها وديناميكياتها التجريبية (Kant 1787, Husserl 1913, Campbell 1997).

 

لا تحتاج كل المعلومات الحسية بالتأكيد أن تدرك ليكون لها تأثير تكيفي على السلوك. يمكن للروابط الحسية-الحركية التكيفية غير المدرَكة أن توجد في كل من الكائنات العضوية البسيطة، بالإضافة إلى بعض العمليات الانعكاسية والمباشرة بصورة أكبر في كائنات عضوية أعلى [36]. لكن عندما تحضر التجربة، فإنها تقدم تمثيلاً أكثر وحدة وتكاملاً للواقع، تمثيل يسمح عادةً بسبل للرد غير محددة النهايات بدرجة أكبر (Lorenz 1977). تأمل على سبيل المثال التمثيل الفراغي داخل كائن قنواته للمعلومات الحسية مرتبطة فقط بالحركة أو بتوجيه آليات قليلة ثابتة كتلك المسؤولة عن التغذية أو اصطياد الفريسة، وقارنها بتلك التي بداخل كائن قادر على استخدام معلوماته الفراغية للتنقل المرن داخل بيئته ولأي أغراض أو أهداف فراغية أخرى يمكن أن تكون لديه. مثل عندما تقوم إحداهن بتفحص مكتبها أو مطبخها (Gallistel 1990).

 

إن النمط التكاملي للتمثيل المرتبط بالتجربة الواعية هو الذي يجعل التمثيل من النوع الأخير متاحاً في العادة. وحدة الفراغ المدرَك هي مثال واحد فحسب لنوع التكامل المرتبط بإدراكنا الذاتي لعالم موضوعي. (انظر المدخل عن وحدة الوعي)

 

يرتبط هذا الدور أو القيمة التكاملية بـ الوعي المدخلي بصورة مباشرة، بل ويرتبط أيضاً بالتركيب الظاهراتي والقصدي الأوسع للتجربة كما هو واضح. يتعلق الدور حتى بالجانب الكيفي من الوعي طالما أن الكواليا تلعب دوراً هاماً في تجربتنا للأشياء الموحدة داخل فراغ أو مشهد موحد. هو موصول للغاية أيضاً بشفّافيّة التجربة الموصوفة كرد على سؤال الماهية، وبالذات للشفافية اللفظية (Van Gulick 1993). يلعب تكامل المعلومات دوراً أساسياً في العديد من النظريات العصبية الإدراكية المعاصرة للوعي وبالذات نظريات فضاء العمل العام (انظر القسم 9.5) ونظرية المعلومات المتكاملة لجوليو تونوني. (قسم 9.6 بالأسفل).

 

6.5 مدخل للمعلومات

مدخل أكثر شمولية للمعلومات. إن المعلومات المحمولة في الحالات الذهنية الواعية متاحة في العادة للاستخدام عن طريق أشكال متنوعة من الأنظمة الذهنية الفرعية ولتطبيقها على مجال واسع من المواقف والأفعال المحتملة (Baars 1988). من الأرجح أن تكون المعلومات غير الواعية متضمنةً في وحدات ذهنية بعينها ومتاحة للاستخدام فقط فيما يتعلق بالتطبيقات المتعلقة بشكل مباشر بتشغيل نظام فرعي معين (Fodor 1983). إن جعلَ المعلوماتِ واعيةٌ يوسع في العادة من دائرة تأثيرها وحجم السبل التي يمكن استخدامها لإرشاد أو تشكيل كلٍ من السلوك الداخلي والخارجي بشكل متكيّف. ربما يتعلق كون الحالة واعيةً جزئياً بما يطلق عليه دينيت “نجم الدماغ الشهير” “Cerebral Celebrity”، أي متعلق بقدرتها على امتلاك تأثير ذي محتوى مناسب على الحالات الذهنية الأخرى.

 

هذا الدور بعينه موصول بصورة مباشرة ومحددة للغاية بمفهوم الوعي المدخلي (Block 1995)، لكن يَبدو أنَّ كلاً من الوعي الميتاعقلي بالإضافة إلى الأشكال الظاهراتية والكيفية مرتبط إلى حد معقول بزيادات كهذه في توفر المعلومات (Armstrong 1981, Tye 1985). تتضمن النظريات المعرفية والعصبية-المعرفية المدخلية كسمة مركزية للوعي وللمعالجة الواعية. تميز كلٌ من نظريات فضاء العمل العام Global Workspace theories، والتمثيل المتوسط المشهود لبرنزAttended Intermediate  Representation (AIR) (Prinz)، ونظرية المعلومات المتكاملة لتونوني Integrated Information Theory (IIT)، الحالات والعمليات الواعية جزئياً، على الأقل على ضوء المدخل المنتشر والممتد على نطاق واسع لمحتوى الحالة. (انظر القسم 9.6).

 

 6.6 حرية الإرادة

تعزيز حرية الاختيار أو حرية الإرادة. تظل مسألة حرية الإرادة مشكلة فلسفية أبدية، ليس فقط فيما يتعلق بوجودها من عدمه بل حتى فيما يمكن أو يجب أن تنحصر فيه

(Dennett 1984, van Inwagen 1983, Hasker 1999, Wegner 2002). (انظر المدخل عن حرية الإرادة.) من الممكن أن يظل مفهوم حرية الإرادة نفسه معتماً ومثيراً للخلاف بشدة ليسلط أي ضوء ساطع على دور الوعي ، لكن هُنَاك فكرة تراثية أن الاثنين مرتبطان بشدة.

 

كان يُعتقد أن الوعي يفتح عالماً من الاحتمالات، حيز من الاختيارات يمكن للذات الواعية أن تختار أو تتصرف بحرية بداخله. يمكن للوعي على الأقل أن يبدو شرطاً مسبقاً لأي حرية أو تقرير للذات بهذا الشكل (Hasker 1999). كيف يمكن للمرء أن يشتبك في الشكل المتطلب من حرية الإرادة، مع بقاءه داخل النطاق غير الواعي وحده؟ كيف يمكن للمرء أن يحدد إرادته من دون أن يكون واعٍ بها وبالاختيارات التي لديه لتشكيلها.

 

يمكن أن تقر حرية المرء في اختيار أفعاله وقدرته على تحديد طبيعته وتطوره المستقبلي بوجود تنوعات ودرجات مثيرة للانتباه بدلاً من أن تكون الحرية مجرد قضية تقبل الأمر برمته أو لا شيء منه، ويمكن لأشكال ومراحل متنوعة من الوعي أن ترتبط بدرجات وأنواع مقابلة من الحرية وتقرير الذات (Dennett 1984, 2003). تبدو الصلة بالحرية هي الأقوى بالنسبة للشكل الميتاعقلي للوعي في إطار تأكيده على إدراك الذات، لكن تبدو ترابطات أخرى محتملة ممكنةً أيضاً لمعظم الأشكال الأخرى.      

 

6.7 التحفيز الذاتي

حالات محفِّزة بذاتها. يَبدو أنَّ بعض الحالات الواعية تمتلك القوة المحفزة التي لديها ذاتياً. إن الأدوار الوظيفية والتحفيزية للحالات الوجدانية الواعية بالتحديد كالملذات والآلام تبدو ذاتية بالنسبة لصفتها الخبراتية وغير منفصلة عن خصائصها الكيفية والظاهراتية، على أنه تم الاعتراض على هذه النظرة (Nelkin 1989, Rosenthal 1991). يَبدو أنَّ الجانب التحفيزي الإجابي الجذاب من اللذة هو جزء من شعورها الظاهراتي المدرَك بطريقة مباشرة، مثل الصفة الوجدانية السلبية للألم، على الأقل في حالة التجربة الطبيعية غير المرضية.

 

هُنَاك اختلاف جدير بالاعتبار في مدى إمكانية فصل الشعور والقوة المحفزة للألم في الحالات الشاذة، وأنكر البعض وجود جوانب ذاتية محفزة كهذه بالكلية (Dennett 1991). ولكن، تبدو القوة التحفيزية السلبية للألم، على الأقل في الحالة الطبيعية، في صلب شعور التجربة ذاته.

 

تظل الكيفية التي يمكن أن يكون الأمر بها غير واضحة بالقدرالكافي أيضاً، وربما يكون شكل القوة التحفيزية المدرَكة بطريقة ذاتية ومباشرة وهمياً. لكن إن كان حقيقياً، ربما يكون حينئذ أحد أهم الاعتبارات وأقدمها من الناحية التطورية التي يُحدث بها الوعي فارقاً في الأنظمة والعمليات الذهنية التي يتواجد بداخلها (Humphreys 1992).

 

قُدّمت اقتراحات أخرى عن الأدوار والقيم المحتملة للوعي، وهذه الأدوار الستة لا تستنفد الاختيارات بكل تأكيد. ومع ذلك فإنها من ضمن أبرز الفرضيات المعاصرة، وتقدم استعراضاً جيداً لنوع الإجابات التي تم تقديمها للسؤال بلماذا من قبل الذين يؤمنون بِأنّ الوعي يُحدث فارقاً بكل تأكيد.

 

6.8 الأدوار التأسيسية والممكنة

 

تحتاج نقطة أخرى إلى التوضيح بِخُصوصِ الاعتبارات المتنوعة التي يمكن للوظائف المقترحة الإجابة بها على السؤال بلماذا. يجب على المرء أن يميز بالذات بين حالات تأسيسية وحالات من التحقق الممكن. في الأولى، يكون إنجاز الدور هو أساس كونك واعياً بالمعنى المقصود، بينما يكون الوعي من نوع محدد في الحالة الثانية مجرد طريقة واحدة من عدة طرق يمكن من خلالها تحقيق الدور المطلوب (Van Gulick 1993).

 

   على سبيل المثال، فإنَّ جعل المعلومات متاحة للاستخدام بشكل شامل من قبل أشكال متنوعة من الأنظمة الفرعية والتطبيقات السلوكية يمكن أن يكون أساس كونها واعية بالمعنى المدخلي. وعلى النقيض من ذلك، فالأشكال النوعية والظاهراتية من الوعي وإن تضمنت تمثيلاً موحداً للغاية ومتكاملاً بكثافة للواقع الموضوعي، فمن الممكن إنتاج تمثيلات بهذه الصفات الوظيفية لكن دون أن تكون ذات طبيعة كيفية أو ظاهراتية [37].

 

إن حقيقة امتلاك الأنماط التمثيلية التي تحمل تلك الصفات بداخلنا لخصائص نوعية وظاهراتية أيضاً يمكن أن تعكس حقائق تاريخية ممكنة حَول الحل التصميمي المحدد الذي اتفق أن يبزغ في أسلافنا التطوريين [38]. ربما يكون هُنَاك سبل أخرى تماماً للتوصل إلى نتيجة مشابهة بدون وعي كيفي أو ظاهراتي إن كان الأمر كذلك. ليس مِن الواضِح إن كانَت هذه هي الطريقة الصحيحة للتفكير في الوعي الظاهراتي والكيفي؛ فربما تكون الصلة مع التمثيل المتكامل بشكل موحد ومكثف قويةً وتأسيسية بالفعل كما تبدو في حالة الوعي المدخلي (Carruthers 2000). بصرف النظر عن الكيفية التي تحل بها هذه المسألة، من المهم عدم خلط الاعتبارات التأسيسية مع اعتبارات التحقق الجائز عند التصدي لوظيفة الوعي وإجابة السؤال عن سبب وجوده (Chalmers 1996) .

 

 

7.نظريات حَول الوعي

اقتُرِحَت العديد من النظريات حَول الوعي في السنوات الأخيرة كرد على أسئلة الماهية والكيفية والعلة. ولكن، لا تدور كل نظريات الوعي حَول الشيء نفسه. فهي لا تختلف في الأنواع المحددة من الوعي التي تتخذها كموضوعات لها فحسب، بل في أهدافها النظرية أيضاً.

 

إن التمييز الأكبر ربما يكون بين النظريات الميتافيزيقية العامة التي تهدف إلى تحديد موقع الوعي في المخطط الأنطولوجي الشامل للوجود وبين نظريات أكثر تحديداً تقدم تفسيرات مفصّلة لطبيعته وسماته ودوره. إن الخط الفاصل بين النوعين ضبابيٌ بعض الشيء، وخصوصاً طالما أن الكثير من النظريات المحددة لديها التزامات ذاتية على الأقل تجاه المسائل الميتافيزيقية الأكثر عمومية. ومع ذلك، فمن المفيد إبقاء هذا التمييز في عين الاعتبار عند تفقد حجم العروض النظرية المعاصرة.

 

8.نظريات ميتافيزيقية حَول الوعي

 تقدم النظريات الميتافيزيقية العامة إجابات للصيغة الواعية من معضلة العقل والجسد،

 “ما هو الوضع الأنطولوجي للوعي بالنسبة إلى عالم الواقع المادي؟”  توازي الردود المتاحة إلى حد كبير الخيارات النموذجية للعلاقة بين العقل والجسد والتي تتضمن الصيغ الأساسية من الثنائية والمادية.

 

8.1 نظريات الثنائية

 نظريات الثنائية هي التي تعتبر أن بعض جوانب الوعي على الأقل تقع خارج المجال المادي، لكن تختلف الأشكال الخاصة من الثنائية في ماهية تلك الجوانب فحسب.

(انظر المدخل عن الثنائية)

 

ثنائية الجوهر، مثل الثنائية الديكارتية التقليدية (Descartes 1644)، هي التي تؤكد وجود كلٍ من الجوهرين المادي وغير المادي. تستلزم نظريات كهذه وجود عقول أو نفوس غير مادية ككيانات يكمن فيها الوعي . على الرغم أن ثنائية الجوهر فقدت حظوتها إلى حد كبير في الوقت الحاضر، إلا أن لها بعض المؤيدين المعاصرين (Swinburne 1986, Foster 1989, 1996).

 

ثنائية الخصائص هي التي تتمتع في صياغاتها المتعددة بمستوى أعلى من التأييد في الوقت الحالي. تؤكد كل هذه النظريات وجود الخصائص الواعية التي لا تتطابق مع الخصائص المادية ولا يمكن اختزالها بها لكنها مع ذلك يمكن ان تُمَثَّل بنفس الأشياء التي تمثِّل الخصائص المادية. يمكن أن تصنف من هذه الناحية كنظريات ثنائية الجانب. تعتبر هذه النظريات أن بعض أجزاء الواقع-كائنات عضوية، أدمغة، حالات أو عمليات عصبية-تمثل خصائصاً من نوعين متمايزين ومنفصلين: نوع مادي ونوع واعي، ظاهراتي أو كيفي. يمكن أن تكون نظريات ثنائية الجانب أو ثنائية الخصائص من ثلاثة أنواع مختلفة على الأقل.

 

ثنائية الخصائص الجوهرية هي التي تعتبر الخصائص الذهنية الواعية مكونات أولية للواقع بالتساوي مع الخصائص الفيزيائية مثل الشحنة الكهرومغناطيسية. يمكن أن تتفاعل الخصائص بطرق سببية أو شبه نظامية مع خصائص جوهرية أخرى مثل تلك الخاصة بالفيزياء، لكن وجودها من الناحية الأنطولوجية لا يعتمد على أية خصائص أخرى وليس مشتقاً منها (Chalmers 1996).

 

ثنائية الخصائص المنبثقة هي التي تعامل الخصائص الواعية باعتبارها ناشئة من تنظيمات معقدة لمكونات مادية لكن باعتبارها تقوم بذلك بطريقة جذرية بحيث أن النتيجة المنبثقة تكون شيئاً زائداً وأعلى من أسبابها المادية وليست متوقعة مسبقاًمن طبائع أسبابها المادية الضيقة وغير قابلة للتفسير على ضوء هذه الطبائع. واجهت هذه الرؤى الانبثاقية بعض الاعتراضات على تماسكها (Kim 1998)، ولكن لديها بعض المؤيدين (Hasker 1999).

 

ثنائية الخصائص النابعة من أحادية محايدة هي التي تعامل كلاً من الخصائص الذهنية الواعية والخصائص المادية باعتبارها مشتقة من مستوى أكثر جذرية من الواقع ومعتمدة عليه بشكل ما، مستوى غير ذهني أو مادي في ذاته (Russell 1927, Strawson 1994). ولكن، إذا فهم المرء الثنائية على أنها ادعاء حَول وجود مجالين متمايزين من الكيانات أو الخصائص الجوهرية، ربما لا يجب تصنيف الأحادية المحايدة إذن كصيغة من ثنائية الخصائص طالما أنها لا تعتبر الخصائص الذهنية أو الفيزيائية مطلقة أو جوهرية.

 

النفسانية الشاملة Panpsychism يمكن اعتبارها نوعاً رابعاً من ثنائية الخصائص من ناحية اعتقادها أن جميع مكونات الواقع تمتلك خصائصاً نفسية أو على الأقل نفسية بدائية، خصائصأً متمايزة عن أي خصائص مادية يمكن أن تكون لديها (Nagel 1979). يمكن بكل تأكيد مزج الأحادية المحايدة بطريقة متسقة مع صيغة ما من النفسانية الشاملة البدائية  (Chalmers 1996) Panprotopsychism، والتي يمكن بناءً عليها أن تتمخض الجوانب العقلية البدائية للمكونات الصغروية عن وعي كامل في ظل شروط مناسبة  للدمج بين تلك المكونات. (انظر المدخل عن النفسانية الشاملة).

 

تظل طبيعة الجانب النفساني البدائي الذي نحن بصدده غير واضحة، وتواجه نظريات كهذه مأزقاً إذا قُدمت على أمل الإجابة عن المعضلة الصعبة. إما أن تتضمن الخصائص النفسانية البدائية نوعاً من الشعور الظاهراتي الكيفي الذي يولد المعضلة الصعبة أو لا. إن كانَت تتضمن ذلك الشعور، فمن الصعب فهم كيف بإمكانهم أن يوجدوا كخصائص للواقع كلية الوجود [أي في كل مكان]. كيف من الممكن أن يمتلك إلكترون أو كارثة شعوراً إدراكياً ما؟ [39] وإن كانَت الخصائص النفسانية البدائية لا تتضمن أي شعور كهذا، فالكيفية التي ستكون بها أحسن حالاً من الخصائص المادية في تفسير الوعي الكيفي لحل المعضلة الصعبة غير واضحة.

 

لقد نادى عالم الأعصاب جوليو تونوني (2008) إلى شكل أكثر اعتدالاً من النفسانية الشاملة وتبناه علماء أعصاب آخرون من ضمنهم كريستوف كوخ (2012). هذه الصيغة مستخلصة من نظرية المعلومات المتكاملة لتونوني حَول الوعي والتي تطابق الوعي بالمعلومات المتكاملة التي يمكن وجودها بدرجات عدة ( أنظر القسم 9.6 بالأسفل). وفقاً لهذه النظرية، فحتى المؤشر البسيط مثل الدايود الضوئي لديه درجة ما من المعلومات المتكاملة، وبالتالي فلديه درجة محدودة من الوعي بشكل ما، هذه نتيجة يتبناها كلٌ من تونوني وكوخ كشكل من أشكال النفسانية الشاملة.

 

قُدمت حجج متنوعة لصالح النظريات الثنائية حَول الوعي ولصالح نظريات أخرى ضد المادية. طبيعة بعض هذه النظريات استنتاجية إلى حد كبير مثل تلك التي تحتكم إلى القابلية المفترضة لتصور الزومبي (Kirk 1970, Chalmers 1996) أو إلى صيغ من برهان المعرفة [تلك الخاصة بقصة جاكسون عن ماري عالمة الألوان] (Jackson 1982, 1986) التي تهدف للوصول إلى استنتاج ضد المادية بِخُصوصِ أنطولوجيا الوعي من خلال القيود الظاهرة على قدرتنا على فهم الجوانب الكيفية للتجربة الواعية فهماً كاملاً من خلال التقديرات الفيزيائية للعمليات الدماغية من زاوية الشخص المراقب. ( انظر Jackson 1998, 2004 لوجهة نظر عكسية؛ أنظر أيضاً المداخل عن الزومبي، والكواليا: حجة المعرفة) تصاغ حجج أخرى لصالح الثنائية على أرضيات أكثر تجريبية، مثل تلك التي تحتكم لفجوات تفسيرية مفترضة في سلسلة من العلاقات السببية المادية داخل الدماغ (Eccles and Popper 1977) أو تلك التي ترتكز على انحرافات مزعومة في النظام الزمني للإدراك الواعي [40] (Libet 1982, 1985). عورضت الحجج الثنائية من كلا النوعين كثيراً من قبل الماديين (P.S. Churchland 1981, Dennett and Kinsbourne 1992).

 

8.2 النظريات المادية 

معظم النظريات الميتافيزيقية الأخرى حَول الوعي هي صياغات للمادية بشكل مألوف أو بآخر.

 

تنكر النظريات الإقصائية وجود الوعي بطريقة اختزالية أو على الأقل وجود بعض أشكاله أو سماته المقبولة عموماً. (انظر المدخل عن المادية الإقصائية.) يرفض الإقصائيون المتطرفون فكرة الوعي نفسها بصفتها مضطربة أو خاطئة ويدّعون أن التمييز بين الواعي وغير الواعي يفشل في قطع الواقع العقلي من أوصاله [41] (Wilkes 1984, 1988). هم يعتبرون أن فكرة الوعي قد أخطأت الهدف بدرجة كافية لتستحق الإقصاء والاستبدال بمفاهيم وحدود فاصلة أخرى تعكس طبيعة العقل الحقيقية بدرجة أكبر (P. S. Churchland 1983).

 

معظم الإقصائيين محددون بدرجة أكبر في تقييمهم السلبي. فبدلاً من رفض المفهوم برمته، يخالفون بعض السمات البارزة التي يُعتقد عادة أن الوعي يتضمنها، مثل الكواليا (Dennett 1990, Carruthers 2000)، الذات الواعية (Dennett 1992)، أو ما يطلق عليه “المسرح الديكارتي” حيث يتم إسقاط التسلسل الزمني للتجربة الواعية داخلياً[42] (Dennett and Kinsbourne 1992). وبالتالي يقوم الإقصائيون الأكثر اعتدالاً مثل دينيت بدمج اعتراضاتهم المحددة كما هو معتاد مع نظرية إيجابية عن جوانب الوعي التي يعتبرونها حقيقية، مثل نموذج المسودات المتعددة ( قسم 9.3 بالأسفل).

 

تقدم نظرية المطابقة، على الأقل الصيغة الدقيقة لنظرية مطابقة النمط النفسي بالنمط  المادي، خياراً آخراً اختزالياً بقوة عن طريق مطابقة خصائص وحالات وعمليات ذهنية واعية بنظيراتها المادية ذات الطبيعة العصبية أو الفيسيولوجية العصبية في أغلب الأحيان. إن كان امتلاكك لخبرة كيفية واعية عن الأحمر الظاهراتي هو فقط أن تكون في حالة دماغية بالخصائص الفيسيولوجية العصبية المناسبة، ستكون هذه الخصائص المدرَكة حقيقية ولكن حقيقتها ستكون حقيقة مادية صريحة.

 

سميت نظرية مطابقة النوع بالنوع بهذا الاسم لأنها تطابق بين الأنواع أو الخصائص الذهنية والمادية بالتساوي مع مطابقة خاصية كون الشيء ماءً بخاصية أنه مكون من جزيئات الH2O. أصبح الاعتقاد بتلك النظرية أقل انتشاراً بكثير بعد فترة قصيرة من الشهرة في الأيام المبكرة للنزعة الفيزيائية المعاصرة خلال خمسينات وستينات القرن العشرين (Place 1956, Smart 1959) بسبب معضلات مثل إشكال التحقق المتعدد والذي تكون الخصائص الذهنية تبعاً لهُ أكثر تجريداً وبالتالي قادرة على التحقق عن طريق العديد من الركائز البنيوية أو الكيميائية الكامنة والمتنوعة (Fodor 1974, Hellman and Thompson 1975). إن كان بالإمكان تحقيق الخاصية الواعية نفسها بخصائص فيسيولوجية عصبية مختلفة (أو حتى غير فيسيولوجية عصبية) في كائنات مختلفة، ستكون الخاصيتان غير متطابقتين بدقة.

 

   تتمتع نظرية مطابقة النوع بالنوع مع ذلك بانتعاش حديث وإن كان متواضعاً فيما يتعلق على الأقل بالكواليا أو بالخصائص الكيفية الواعية. كان هذا في جزءٍ منه بسبب اعتقاد البعض أن معاملة الرابطة النفس فيزيائية التي نحن بصددها بصفتها مطابَقة تقدم طريقة لإنهاء معضلة الفجوة التفسيرية (Hill and McLaughlin 1998, Papineau 1995, 2003). هم يناقشون أنه إن تطابقت الخاصية الكيفية الواعية والخاصية العصبية؛ فلن يكون هُنَاك حاجة لتفسير كيفية تسبيب أو تصدير الثانية للأولى. هي لا تسببها، لأنها هي هي. وبالتالي لا توجد فجوة حتى تسد، ولا حاجة إلى تفسير إضافي. ليست المطابقات من تلك الأشياء التي تحتاج إلى تفسير، لأنه لا شيء ينطبق مع أي شيء إلا مع نفسه، وليس من المنطقي أن تسأل لماذا يتطابق شيء ما مع نفسه.

 

ومع ذلك، يناقش آخرون بِأنّ الاحتكام إلى مطابقة النوع بالنوع لا يبطل بوضوح الحاجة للتفسير (Levine 2001). حتى وإن كان يشير وصفان أو مفهومان لنفس الخاصية في الحقيقة، يمكن أن يتوقع المرء بصورة منطقية تفسيراً ما لهذا الالتقاء، بياناً ما لكيفية اختيارهم للشيء نفسه على الرغم أنهم لا يبدون كذلك بديهياً أو لأول وهلة. يمكن أن نتحدث بشكل مستفيض لنفسر الالتقاء مزدوج المرجعية في حالات أخرى من الخصائص المتطابقة المُكتَشَفة تجريبياً، مثل تلك الخاصة بالطاقة الحرارية والحركية [43]، ويبدو أنه من الإنصاف توقع الشيء نفسه في الحالة النفس فيزيائية. وبالتالي يَبدو أنَّ الاحتكام إلى مطابقات النوع بالنوع لا يكفي بذاته لإنهاء مشكلة الفجوة التفسيرية.

 

  معظم النظريات المادية حَول الوعي غير إقصائية ولا تعتمد على مطابقات صارمة بين الأنواع. هي تقر بحقيقة الوعي ولكن تهدف إلى تحديد موقعه في العالم المادي على أساس علاقة ما نفس فيزيائية لا تصل إلى حد التطابق الصارم للخصائص.

 

من ضمن الأشكال الشائعة تلك التي تعتبرالحقيقة الواعية تابعة للمادة، مكونة من المادة، أو تتحقق بالمادة.

 

تعتمد النظريات الوظيفية تحديداً على مفهوم التحقق لشرح العلاقة بين الوعي والمادة. وفقاً للوظيفية، تعد حالة أو عملية ما من نوع ذهني أو واع محدد بمقتضى الدور الوظيفي الذي تلعبه داخل نظام منسق بطريقة مناسبة (Block 1980a). تحقق حالة مادية محددة النمط الذهني الواعي المناسب عن طريق لعب الدور الملائم داخل النظام المادي الأكبر الذي يحتويها (انظر المدخل عن الوظيفية) . يحتكم الوظيفي في العادة إلى مقارنات مع علاقات أخرى تكون أيضاً بين مستويات مختلفة، مثل تلك التي بين ما هو حيوي وما هو كيميائي أو بين ما هو كيميائي وما هو ذري. في كلٍ من تلك الحالات تتحقق الخصائص أو الحقائق في مستوى ما عن طريق تفاعلات معقدة بين عناصر في مستوى أسفل منه [44].

 

ينكر من ينتقدون الوظيفية في كثير من الأحيان أن الوعي يمكن أن يفسَّر بشكل كاف بتعبيرات وظيفية (Block 1980a, 1980b, Levine 1983, Chalmers 1996). وفقاً لهؤلاء النقاد، يمكن أن يكون للوعي صفات وظيفية مثيرة للاهتمام لكن ليس ضرورياً أن تكون طبيعته وظيفية. تعزَّز هذه الادعاءات في بعض الأحيان بالاحتكام إلى الإمكانية المفترضة لغياب الكواليا أو لوجود كواليا معكوسة، أي إمكانية وجود كائنات مساوية وظيفياً للبشر العاديين لكن لديهم كواليا معكوسة أو ليس لديهم على الإطلاق. إن وضع هذه الاحتمالات مثير للجدل (Shoemaker 1981, Dennett 1990, Carruthers 2000)، لكن يبدو أنها ستمثل معضلة للوظيفي إن تم قبولها. (انظر المدخل عن الكواليا) .

 

إن الذين يؤسسون المادية الأنطولوجية على العلاقة التحققية كثيراً ما يدمجونها مع رؤية غير اختزالية على المستوى التمثيلي أو المفاهيمي والذي يؤكد على استقلالية العلوم الخاصة وأنماط التوصيف والمدخل الإدراكي المستقل الذي تقدمه.

 

ينكر هذا الشكل من المادية غير الاختزالية أن المصادر النظرية والمفاهيمية المقبولة والمناسبة للتعامل مع الحقائق على مستوى الركيزة الأساسية أو على مستوى التحقق يجب أن تكون مناسبة أيضاً للتعامل مع تلك التي على المستوى المتحقِّق (Putnam 1975, Boyd 1980). كما تبين بالأعلى في الرد على سؤال الكيفية، يمكن أن يعتقد المرء أن جميع الحقائق الاقتصادية متحققة مادياً دون الظن بِأنّ مصادر العلوم المادية تقدم كل الأدوات الإدراكية والمفاهيمية التي نحتاجها للاشتغال بالاقتصاد (Fodor 1974).

 

   تم التشكيك في المادية غير الاختزالية لفشلها المزعوم في “دفع رسومها المادية” بالعملة الاختزالية. نُقدت المادية على افتراض عدم تقديم بيان مناسب لكيفية تحقق أو إمكانية تحقق الخصائص الواعية بالعمليات أو التكوينات العصبية أو المادية أو الوظيفية الكامنة وراءها(Kim 1987, 1998). لقد اتُهمت بالطبع بعدم التماسك بسبب محاولتها ضم ادعاء حَول التحقق المادي مع إنكار القدرة على توضيح تلك العلاقة بطريقة دقيقة واستنتاجية مفهومة (Jackson 2004).

 

ومع ذلك، وكما تبين بالأعلى في بحث سؤال الكيفية، يجيب الماديون غير الاختزاليين بموافقتهم على أن بياناً ما للتحقق النفس فيزيائي مطلوبٌ بكل تأكيد، لكن يضيفون أن البيان المناسب ربما يعجز إلى حد بعيد أن يصل إلى رتبة الاستنتاجية  القبلية، ورغم ذلك فهو لا يزال كافياً لتحقيق مطالبنا المشروعة في التفسير (McGinn 1991, Van Gulick 1985). لا زالت المسألة قيد المناقشة.

 

  1. النظريات الخاصة حَول الوعي

على الرغم من وجود الكثير من النظريات الميتافيزيقية/الأنطولوجية العامة حَول الوعي ، فإنَّ قائمة النظريات الخاصة التفصيلية حَول طبيعته أطول وأكثر تنوعاً. لا يمكن لأي إحصاء مختصر أن يكون قريباً من الشمولية، لكن من الممكن أن تساعد سبعة أنواع أساسية من النظريات في توضيح حجم الخيارات المبدئي: نظريات الرتبة الأعلى، النظريات التمثيلية، النظريات السردية التأويلية، نظريات إدراكية، نظريات عصبية، نظريات كمّية ونظريات غير مادية. ليست التصنيفات متعارضة؛ فعلى سبيل المثال، تقدم العديد من النظريات الإدراكية ركيزةً عصبية أيضاً للعمليات الإدراكية المقابلة. ومع ذلك فتجميعهم في هذه الفئات السبع يقدم نظرة عامة مبدئية.

 

9.1 نظريات الرتبة الأعلى

تحلل نظريات الرتبة الأعلى  Higher-order (HO) theories مفهوم الحالة الذهنية الواعية على ضوء إدراك الذات الانعكاسي الميتاعقلي. الفكرة المركزية هي أن ما يجعل الحالة الذهنية  Mحالة ذهنية واعية هو حقيقة كونها مصحوبة بحالة متزامنة [أي معها في نفس الوقت] وغير استنتاجية أعلى رتبة (أي ميتاعقلية) يكون محتواها أن المرء في الحالة M في هذه اللحظة. يتضمن امتلاك رغبة واعية في بعض من الشيكولاتة أن تكون في حالتين ذهنيتين: يجب أن يكون لدى المرء كلٌ من الرغبة في بعض الشيكولاتة بالإضافة إلى حالة أعلى رتبة يكون محتواها أن المرء يمتلك هذه الرغبة في هذه اللحظة. إن الحالات الذهنية غير الواعية غيرُ واعية بالتحديد لأننا نفتقد حالات مقابلة عنهم أعلى رتبة. إن حقيقة كونهم حالات غير واعية تنحصر في أننا غير مدركين انعكاسياً وبشكل مباشر أننا بداخلهم. (انظر المدخل عن نظريات الرتبة الأعلى حَول الوعي).

 

تأتي نظريات الرتبة الأعلى بشكلين أساسيين متغايرين يختلفان بِخُصوصِ النمط السايكولوجي للحالات الميتاعقلية المقابلة التي تصنع الوعي . تعتبر نظريات التفكير الأعلى رتبة Higher-order thought (HOT) أن الحالة المطلوبة الأعلى رتبة هي حالة توكيدية فوقية (meta) تشبه التفكير (Rosenthal 1986, 1993). تعتبر نظريات الإدراك الأعلى رتبة (HOP) Higher-order perception  بِأنّ الحالة أشبه بالإدراك ومرتبطة بنوع من الحس الداخلي وبأنظمة مراقبة داخل الذهن من نوعٍ ما (Armstrong 1981, Lycan 1987, 1996).

 

لكل من هذه النظريتين نقاط قوة وضعف نسبية. يشير منظرو نظرية التفكير الأعلى رتبة إلى أننا لا نمتلك أعضاءً للحس الداخلي ويزعمون أننا لا نجرب أي كيفيات محسوسة غير التي يقدمها لنا الإدراك الخارجي الموجه. من الناحية الأخرى، يمكن لمنظري نظرية الإدراك الأعلى رتبة أن يناقشوا بِأنّ رؤيتهم تفسر بعض الشروط الإضافية التي تتطلبها ادعاءات الرتبة الأعلى باعتبارها نتائج طبيعية للطبيعة الشبيهة بالإدراك للحالات المقصودة الأعلى رتبة. على وجه التحديد، فإنَّ المطالبات بِأنّ تكون الحالة الفوقية الصانعة للوعي غير استنتاجية ومتزامنة مع موضوعها الذهني ذي الرتبة الأدنى يمكن تفسيره بالشروط الموازية التي تطبق في العادة على الإدراك. نحن ندرك ما يحدث الآن، ونقوم بذلك بطريقة لا تتضمن أية استنتاجات، على الأقل أية استنتاجات ظاهرة على المستوى الشخصي [45]. هذه الشروط ليست أقل ضرورية بالنسبة لنظرية الفكر الأعلى ولكنها تظل غير مفسَّرة من خلالها، وهذا يبدو أنه يعطي بعض الأفضلية التفسيرية لنموذج الإدراك الأعلى رتبة (Lycan 2004, Van Gulick 2000)، ولكن بعض منظري التفكير الأعلى يقولون بخلاف ذلك (Carruthers 2000).

 

بغض النظر عن المزايا الخاصة بهم، تواجه كل من نظريات التفكير الأعلى رتبة والإدراك الأعلى رتبة بعض التحديات المشتركة، التي تتضمن ما يمكن أن يطلق عليه مشكلة التعميم. أن يكون لديك فكرة أو إدراك للعنصر المفترض س -سواءً كان حجراً، قلماً أو بطاطا-، فإنَّ ذلك لا يجعل س في العادة س واعيةً. على العكس، فإنَّ رؤية البطاطا أو التفكير فيها لا يجعلها بطاطا واعية. لماذا يجب بعد ذلك عندما يكون لديك فكرة أو إدراك لرغبة معينة أو ذكرى عنها أن يجعلها هذا رغبة أو ذكرى واعية (Dretske 1995, Byrne 1997). ولن تكفي الإشارة إلى أننا لا نطلق مصطلح “واعي” على الصخور أو الأقلام التي ندركها أو نفكر فيها، بل على حالات ذهنية ندركها أو نفكر فيها فحسب (Lycan 1997, Rosenthal 1997). من الممكن أن يكون هذا حقيقياً، ولكن يتطلّب توضيحاً ما عن لماذا من المقبول أن نفعل ذلك.

 

مِن الواضِح جداً أن وجهة نظر الرتبة الأعلى متعلقة بالأشكال الميتاعقلية للوعي، ولكن يعتبر بعض مؤيديها أنها تفسر أيضاً أشكالاً أخرى من الوعي ، متضمنة الأنواع الكيفية ونوع كيف يبدو الأمر الأكثر ذاتية. إحدى الاستراتيجيات الشائعة هي تحليل الكواليا باعتبارها سِمات عقلية قادرة على الوجود بشكل غير واعي؛ فعلى سبيل المثال يمكن تفسيرها كخصائص لحالات داخلية أسفرت علاقات التشابه المنظمة الخاصة بها عن اعتقادات حَول تشابهات موضوعية في العالم (Shoemaker 1975, 1990) على الرغم أن الكواليا غير الواعية تستطيع أن تلعب هذا الدور الوظيفي، فليس من المطلوب أن يكون هُنَاك شيء يشبه أن تكون في حالة تحتوي على هذه الكواليا (Nelkin 1989, Rosenthal 1991, 1997). وفقاً لمنظّر الرتبة الأعلى، لا تدخل حالة كيف يبدو الأمر إلى الساحة إلا عندما نصبح واعين بهذه الحالة من الرتبة الأولى وبخصائصها النوعية عن طريق امتلاك حالة فوقية مناسبة موجهة نحوها [46].

 

عارض نقاد وجهة نظر الرتبة الأعلى هذا الفهم، وناقش البعض أن مفهوم الكواليا غير الواعية الذي يعتمد عليه هذا الفهم غير متماسك (Papineau 2002). سواءً كانَت مثل هذه الاعتبارات المقترحة من قبل نظرية الرتبة الأعلى حَول الكواليا ناجحةً أم لا، من المهم أن نشير إلى أن معظم المؤيدين لنظرية الرتبة الأعلى يعتبرون أنفسهم يقدمون نظرية شاملة حَول الوعي ، أو على الأقل نواةً لمثل هذه النظرية العامة، بدلاً من نظرية مقتصرة على بعض الأشكال الميتاعقلية الخاصة بها فحسب.

 

تتجاوز بعض الأشكال المختلفة لنظرية الرتبة الأعلى الصياغات المعيارية للتفكير الأعلى رتبة والإدراك الأعلى رتبة، والتي تتضمن بعض الأشكال التي تحلل الوعي في إطار أفكار أعلى رتبة لكنها نزوعية وليست متحققة (Carruthers 2000). يحتكم آخرون إلى فهم أعلى رتبة، لكنه ضمنياً وليس صريحاً، ويثبّطون أو يلغون الافتراض الاعتيادي بِأنّ الحالة الفوقية عليها أن تكون متمايزة ومنفصلة عن موضوعها الأقل رتبة (Gennaro 1995, Van Gulick 2000, 2004) مع تداخل مثل هذه الرؤى مع ما يطلق عليها النظريات الانعكاسية التي سنناقشها في هذا القسم. لا زالت تُقدَّم أشكال أخرى من نظرية الرتبة الأعلى، ولا زال النقاش مستمراً بين مؤيدي ونقاد الطرح الأساسي. (انظر الأوراق البحثية الأخيرة في Gennaro 2004).

 

9.2 النظريات الانعكاسية

تشير النظريات الانعكاسية مثل نظريات الرتبة الأعلى إلى رابطة قوية بين الوعي وإدراك الذات. هي تختلف في وضعها لجانب إدراك الذات داخل الحالة الواعية ذاتها مباشرة بدلاً من داخل حالة فوقية متمايزة موجهة نحوها. إن الفكرة القائلة بِأنّ الحالات الواعية تتضمن قصدية مزدوجة ترجع على الأقل إلى برنتانو (1874) في القرن التاسع عشر. توجَّه الحالة الواعية توجيهاً قصدياً نحو شيء خارجها-كشجرة أو كرسي في حالة الإدراك الواعي-وموجهة أيضاً قصدياً نحو نفسها. تُكوّن الحالة نفسها وعياً موجهاً إلى الخارج ووعياً داخلياً بذاتها في نفس الوقت. تدّعي العديد من النظريات المعاصرة أن مثل هذا الإدراك الانعكاسي هو سمة مركزية للحالات العقلية الواعية. (يرى البعض أنها أشكال مختلفة من نظرية الرتبة الأعلى) (Gennaro 2004, 2012)، بينما يرفض آخرون هذا التصنيف ويصفون نظرياتهم بأنها تمثل فهماً للوعي ينطلق من حالات من “نفس الرتبة” مثل الوعي بالذات (Kriegel 2009). ولكن يعارض آخرون هذه التفرقة المبنية على التراتبية عن طريق تحليل المحتوى الميتاقصدي كشيء كامن في المحتوى الظاهراتي من الرتبة الأولى للحالات الواعية، مثل فيما يطلق عليه نماذج الحالة الشاملة الأعلى رتبة Higher-Order Global State models (HOGS) (Van Gulick 2004. 2006). ستجد عينة من الأوراق البحثية، بعضها مؤيد وبعضها مهاجم للرؤية الانعكاسية في Kriegel and Williford (2006).

 

9.3 النظريات التمثيلية [47]

تعتبر جميع النظريات حَول الوعي تقريباً أن لهُ سماتاً تمثيلية، لكن تحدَّد ما يطلق عليها النظريات التمثيلية عن طريق وجهة النظر الأقوى التي ترى أن السمات التمثيلية تستنفد سِمات الوعي العقلية (Harman 1990, Tye 1995, 2000). فالحالات الذهنية الواعية وفقاً للتمثيلي ليس لها أية خصائص ذهنية غير خصائصها التمثيلية. وبالتالي لن تختلف حالتان مجربتان أو واعيتان تتشاركان في كل خصائصهما التمثيلية في أي ناحية عقلية.

 

تعتمد قوة الادعاء نفسها على كيفية تفسير المرء لفكرة أن تكون “نفس الشيء تمثيلياً” والتي لها العديد من المعايير المختلفة والوجيهة. يمكن أن يعرّفها المرء بالتقريب على ضوء شروط التحقق أو الصدق، لكن إذا فُهمت على هذا النحو ستبدو الأطروحة التمثيلية خاطئة بكل وضوح [48]. توجد طرق عديدة يمكن أن تتشارك الحالات من خلالها في شروط تحققها أو صوابها وتختلف عقلياً مع ذلك، ومن ضمنها تلك الطرق المتعلقة بنمط تصورهم أو تقديمهم لتلك الشروط.

 

في الطرف المقابل، يمكن أن يعتبر المرء حالتين مستقلتين تمثيلياً إن اختلفتا في أية من  السمات التي تلعب دوراَ في وظيفتهما أو عملهما التمثيلي. ستعتبر أية اختلافات في حاملات المحتوى في مثل هذه القراءة المتحررة اختلافات تمثيلية وإن حملت نفس المحتوى القصدي أو التمثيلي؛ فربما تختلف فقط في طرق أو نمط تمثيلها وليس في محتواها.

 

 ستُزيد قراءة كهذه بالتأكيد من وجاهة الادعاء بِأنّ الخصائص التمثيلية لحالة واعية تستنفد خصائصها الذهنية ولكن على حساب إضعاف الأطروحة أو حتى التقليل من شأنها. ولهذا يَبدو أنَّ المُنَظّر التمثيلي يحتاج إلى تأويل للتساوي التمثيلي يتجاوز شروط التحقق البسيطة ويعكس كل الجوانب القصدية أو الجوانب المليئة بالمحتوى للتمثيل بدون أن يكون حساساً للفروق البسيطة في السمات الأساسية الخالية من المحتوى للعمليات على مستوى التحقق. ولهذا يقدم معظم التمثيليين شروطاً للتجربة الواعية تتضمن كلاً من شرط وجود محتوى زائد دور سببي إضافي أو متطلبات نسقية (Tye 1995, Dretske 1995, Carruthers 2000). يقبل تمثيليون آخرون وجود الكواليا لكن يعاملونها كخصائص موضوعية يتم تمثيل الأشياء الخارجية على أنها تتضمنها، أي أنهم يعاملون الكواليا كخصائص متمثلة بدلاً من معاملتها كخصائص لتمثيلات أو حالات عقلية (Dretske 1995، Lycan 1996).

 

يمكن فهم التمثيلية كشكل محدود من الإقصائية طالما أنها تنكر وجود خصائص من النوع الذي يعتقد عادةً أن الحالات الذهنية الواعية تمتلكه-أو تبدو على الأقل أنها تمتلكه-أي تلك الخصائص العقلية غير التمثيلية. ستبدو الكواليا كأكثر الأهداف وضوحاً لمثل هذا الإقصاء إذا فُهمت على الأقل كخصائص ذاتية أحادية للحالات الواعية ومتاحة للاستبطان. من المؤكد أن جزءً من الدافع وراء التمثيلية هو توضيح أنه من الممكن أن يوفق المرء بين كل الحقائق حَول الوعي ، داخل إطار مادي ربما، دون الحاجة لإيجاد مكان للكواليا أو لأي خصائص عقلية أخرى تبدو غير تمثيلية (Dennett 1990, Lycan 1996, Carruthers 2000).

 

صارت التمثيلية رائجة للغاية في السنوات الأخيرة ولها العديد من المدافعين، ولكنها تظل مثيرة للجدل إلى حد كبير وتشتبك الأفكار حَول حالات أساسية وتجارب ذهنية (Block 1996). تقدم إمكانية وجود كواليا معكوسة بالذات حالة اختبار هامة. وفقاً لمعارضي التمثيلية، تبين الاحتمالية المنطقية المحضة لوجود الكواليا المعكوسة أن الحالات الواعية يمكن أن تختلف في جانب ذهني هام وهي تتوافق تمثيلياً. يرد التمثيليون إما بإنكار إمكانية مثل هذا الانعكاس أو فحواه المزعومة [49] (Dretske 1995, Tye 2000).

 

قُدمت العديد من الحجج الأخرى لصالح أو ضد التمثيلية، مثل تلك الخاصة بالإدراكات في الأنماط الحسية المختلفة لنفس الشيء –أن ترى وتحس نفس المكعب- والتي يمكن أن تبدو متضمنةً لفروق ذهنية مختلفة عن الكيفية التي تمثل بها الحالات المعنية العالم على ما هو عليه (Peacocke 1983, Tye 2003). في كل حالة، يمكن لكلا الجانبين أن استجماع أفكار قوية وبراعة جدلية. لا يزال النقاش الحي مستمراً.

 

9.4 النظريات السردية التأويلية

تؤكد بعض نظريات الوعي على الطبيعة التأويلية للحقائق حَول الوعي . فما هو واعي أو غير واعٍ طبقاً لمثل هذه الرؤى ليس دائماً حقيقة مقررة، أو على الأقل ليس مستقلاً بدرجة كبيرة عن سياق أوسع من الأحكام التأويلية. إن أبرز مثال فلسفي هو نموذج المسودات المتعددة للوعي Multiple Drafts Model (MDM) الذي قدمه دانييل دينيت (1991). فهو يجمع بين عناصر من كلٍ من التمثيلية ونظرية الرتبة الأعلى ولكنه يقوم بذلك بأسلوب يختلف بطريقة مثيرة للانتباه عن الصياغات الأكثر اعتيادية لكليهما مقدماً رؤيةً تأويلية للوعي بدرجة أكبر وواقعية بدرجة أقل.

 

يتضمن نموذج المسودات المتعددة العديد من السمات المستقلة والمترابطة في نفس الوقت. يعكس اسمه حقيقة أنه في أي لحظة محددة يحدث تثبيت لمحتويات من أشكال عدة في أنحاء الدماغ. الشيء الذي يجعل بعض هذه المحتويات واعيةً ليس حدوثها في موضع فراغي أو وظيفي مميز -ما يسمى ب”المسرح الديكارتي”-، ولا حدوثها بنمط أو شكل خاص، فنموذج المسودات المتعددة للوعي ينكر كل هذا. هذا يتعلق بالأحرى بما يطلق عليه دينيت “نجم الدماغ الشهير” “Cerebral Celebrity”، أي الدرجة التي يؤثر بها محتوى محدد على التطور المستقبلي لمحتويات أخرى في أنحاء الدماغ، وبالذات فيما يتعلق بكيفية ظهور هذه التأثيرات في التقريرات والسلوكيات التي تقوم بها المرأة كاستجابة لتحقيقات متنوعة يمكنها توضيح حالتها الواعية. إن إحدى الادعاءات الأساسية لنموذج المسودات المتعددة للوعي هي أن التحقيقات المختلفة (مثل طرحه لأسئلة مختلفة أو وجوده في سياقات مختلفة تصنع متطلبات سلوكية مختلفة) يمكن أن تستنبط إجابات مختلفة حَول حالة الشخص الواعية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن وفقاً لنموذج المسودات المتعددة للوعي ألا توجد حقيقة الأمر المتعلق بماهية الحالة الواعية للشخص مستقلةً عن الاستطلاع في الواقع. ولذلك توجد كلمة “المتعددة” في نموذج المسودات المتعددة.

 

إن نموذج المسودات المتعددة تمثيليٌ من ناحية أنه يحلل الوعي على ضوء علاقات المحتوى. هو ينكر وجود الكواليا أيضاً وبالتالي يرفض أية محاولة للتفرقة بين الحالات الواعية وغير الواعية بواسطة وجودهم. هو يرفض أيضاً مفهوم الذات كملاحظ داخلي، سواءً كانَت متموضعةً في المسرح الديكارتي أو في مكانٍ آخر. يعامل نموذج المسودات المتعددة الذات كجانب منبثق أو افتراضي للسرد المتماسك والمتسلسل تقريباً والمشيّد من خلال التعامل التفاعلي للمحتويات داخل النظام. ترتبط العديد من المحتويات مع بعضها البعض على المستوى القصدي كإدراكات أو تثبيتات من وجهة نظر موحدة نسبياً وممتدة زمانياً، أي أنها تتحد بمحتوياتها كأنها خبرات ذاتٍ موجودة باستمرار. ولكن المهم بالنسبة لقصة نموذج المسودات المتعددة للوعي هو ترتيب التبعية. ليست المحتويات المقصودة موحدة لكونها ملاحَظة من قبل ذات واحدة، بل العكس هو الصحيح. فهي تُعتبر خبرات ذات واحدة لأنها موحدة ومتماسكة على مستوى المحتوى، خبرات ذات واحدة افتراضية على الأقل.

 

يشارك نموذج المسودات المتعددة للوعي نظريات الرتبة الأعلى في بعض العناصر من هذه الناحية. إن المحتويات التي تكوّن السرد المتسلسل هي ضمنية على الأقل لذات موجودة باستمرار، وإن كانَت افتراضية، وهي على الأرجح التي سيعبَّر عنها في التقارير التي ستقوم بها المرأة عن حالتها الواعية كاستجابة لتحقيقات متنوعة. فهي تتضمن بالتالي درجةً معينة من الانعكاسية أو إدراك الذات من النوع المركزي بالنسبة إلى نظريات الرتبة الأعلى، لكن الجانب المتعلق بالرتبة الأعلى هو سمة ضمنية لتيار المحتويات أكثر من كونه حاضراً في حالات مستقلة وصريحة أعلى رتبة من النوع الذي نجده في نظريات الرتبة الأعلى النموذجية.

 

لقد كان نموذج المسودات المتعددة لدينيت مؤثراً للغاية لكنه تعرض للنقد أيضاً، بالذات من هؤلاء الذين يجدونه واقعياً بدرجة غير كافية في نظرته حَول الوعي وفي أحسن الأحوال غير كامل في تحقيق هدفه المذكور لتفسير الوعي بالكامل (Block 1994, Dretske 1994, Levine 1994). يقر العديد من نقاد نموذج المسودات المتعددة بتبصّر النموذج وقيمته، لكن ينكرون عدم وجود حقائق واقعية حَول الوعي غير تلك التي يلتقطها النموذج (Rosenthal 1994, Van Gulick 1994, Akins 1996).

 

من خلال منظور أكثر تجريبية، قدم عالم الأعصاب مايكل جازانيجا (2001) فكرة “الوحدة المفسِّرة” “interpreter module” الموجودة بنصف الدماغ الأيسر والتي تعطي معناً لأفعالنا في أي صورة استنتاجية وتشيّد سرداً موجوداً باستمرار لأفعالنا وخبراتنا. على الرغم أن النظرية لا تعد نظرية كاملة حَول الوعي ، إلا أنها تمنح دوراً هاماً لمثل هذا النشاط السردي التأويلي.

 

9.5 النظريات الإدراكية

 

تقوم عدد من النظريات حَول الوعي بربطه بمعمار إدراكي مميز أو بنمط خاص من النشاط مع هذا البناء.

فضاء العمل العام. نظرية فضاء العمل العام Global Workspace هي مثال سيكولوجي هام للمقاربة الإدراكية. تقوم نظرية فضاء العمل العام بوصف الوعي كما طوره برنارد بارز (1998)، في البداية في إطار منافسة بين معالجاتprocessors  ومخرجات outputs على مصدر ذي استيعاب محدود “يذيع” المعلومات  من أجل إتاحتها واستخدامها على نطاق واسع. كون المعلومات متاحةً بهذه الطريقة لفضاء العمل العام يجعلها واعيةً بالمعنى المدخلي على الأقل. هي متاحة لتقرير السلوك  وللتحكم المرن فيه. على غرار “نجم الدماغ الشهير” لدينيت إلى حد كبير، فكون المحتويات مذاعةً في فضاء العمل يجعلها أكثر إتاحة وتأثيراً بالنسبة إلى محتويات ومعالجات أخرى. وفي نفس الوقت يتم تقوية المحتوى الأصلي بالدعم المتكرر من فضاء العمل ومن محتويات أخرى تنسجم معه. تقابل حدود الاستيعاب على فضاء العمل تلك الحدود الموضوعة عادةً على الانتباه البؤري أو على الذاكرة العاملة في العديد من النماذج الإدراكية.

 

تم تطوير النموذج إلى حد أبعد مع روابط مقترحة بأنظمة دماغية معينة عصبية ووظيفية من قبل ستانسلاس ديهاين وآخرون (2000). هُنَاك ادعاء لهُ أهمية خاصة وهو الادعاء بِأنّ الوعي بكلّ من المعنيين المدخلي والظاهراتي يحدث فقط عند دخول المحتويات المعنيَة للشبكة العامة الأكبر التي تتضمن المناطق الحسية الأولية [بالدماغ] بالإضافة إلى مناطق أخرى كثيرة تتضمن الفص الجبهي والجداري [بالدماغ] والمتعلقة بالانتباه. يدّعي ديهاين أن الإدراك الواعي يبدأ فقط مع “إشعال” تلك الشبكة العامة الأكبر؛ فالنشاط داخل المناطق الحسية الأولية لن يكفي مهما كان قوياً ومتكرراً (لكن انظر وجهة النظر المضادة لفيكتور لامي في قسم 9.7).

 

التمثيل المشهود متوسط المستوى. التمثيل المشهود متوسط المستوىAttended Intermediate level Representation theory  (AIR) هي نظرية إدراكية أخرى لجيسي برنز (2012). النظرية فهم عصبي-إدراكي مهجن عن الوعي . طبقاً لنظرية التمثيل المشهود متوسط المستوى، يجب أن يحقق الإدراك الواعي كلاً من الشروط الإدراكية والعصبية. يجب أن يكون تمثيلاً لخاصية متوسطة الإدراك والتي يناقش برنز أنها الخصائص الوحيدة التي ندركها في تجربتنا الواعية، -نحن ندرك سِمات أساسية فحسب للأشياء الخارجية مثل الألوان، الأشكال، النغمات والإحساسات. طبقاً لبرنز، فإنَّ إدراكنا لخصائص من مستوى أعلى -مثل أن يكون الشيء شجرة صنوبر أو مفاتيح سيارتي-، هي مسألة تقدير بالكلية وليست مسألة تجربة واعية. ومن هنا يأتي جانب  التمثيل متوسط المستوى في هذه النظرية. يجب أن يكون هذا المحتوى المتمثل مشهوداً (جانب الشهود في النظرية) حتى تكون واعياً. يقترح برنز ركيزة عصبية معينة لكل محتوى. هو يماثل التمثلات متوسطة المستوى بنشاط أمواج جاما الاتجاهية gamma vector activity (40-80hz) في القشرة الحسية [للمخ] ويماثل المكون الانتباهي بالذبذبات المتزامنة التي يمكنها دمج نشاط أمواج جاما الاتجاهي [50].

 

9.6 نظرية المعلومات المتكاملة

يعد تكامل المعلومات من مصادر عدة سمة أساسية للوعي، ويُذكر عادة كأحد أهم وظائفه كما بيّنّا بالأعلى (القسم 6.4). يلعب تكامل المحتويات دوراً هاماً في نظريات شتى وبالذات نظرية فضاء العمل العام (القسم 9.3). ولكن، يذهب اقتراح عالم الأعصاب جوليو تونوني (2008) إلى حد أبعد في مطابقة الوعي بمعلومات متكاملة، وفي التأكيد على أن تكامل المعلومات من النوع المقصود ضروري وكافي للوعي، بغض النظر عن الركيزة التي يتحقق فيها (التي ليس من الضروري أن تكون عصبية أو بيولوجية). طبقاً لنظرية المعلومات المتكاملة Integrated Information Theory  (IIT) لتونوني، الوعي هو خاصية معلوماتية-نظرية بحتة للأنظمة. يقترح تونوني مقياساً رياضياً وهو ɸ الذي لا يهدف إلى قياس المعلومات في أجزاء نظام معين فحسب، بل أيضاً المعلومات المتضمَّنة في تشكيل النظام، وهي أكثر وأعلى من المعلومات داخل أجزائه. ولهذا تساوي ɸ درجة تكامل المعلومات داخل النظام. يمكن لمثل هذا النظام أن يحتوي العديد من المركّبات المعقدة المتداخلة، والمركّب صاحب قيمة الɸ الأعلى سيكون واعياً بحسب نظرية المعلومات المتكاملة.

 

طبقاً لنظرية المعلومات المتكاملة، يختلف الوعي من حيث الكم ويأتي في العديد من الدرجات التي تقابل قيم الɸ. وبالتالي فحتى نظام بسيط كدايود ضوئي سيكون واعياً بدرجة ما إن لم يكن ضمن مركّب أكبر. بهذا المعنى تتضمن نظرية المعلومات المتكاملة شكلاً من النفسانية الشاملة التي يؤيدها تونوني بشكل صريح. طبقاً لنظرية المعلومات المتكاملة، يتم تحديد طبيعة الوعي المُعنى بجملة العلاقات المعلوماتية ضمن المركب المعنى المتكامل. تهدف نظرية المعلومات المتكاملة بالتالي إلى تفسير الوعي الظاهراتي كماً وكيفاً. أيد علماء أعصاب آخرون أيضاً، لا سيما كريستوف كوخ، مقاربة نظرية المعلومات المتكاملة (Koch 2012).

 

9.7 النظريات العصبية

تأتي النظريات العصبية حَول الوعي بأشكال متعددة، ولكن تهتم أكثريتها بطريقة ما بما يطلق عليه “التعالقات العصبية للوعي” neural correlates of consciousness or NCCs. ما لم يكن المرء ثنائياً أو غير مادي بشكل آخر، فالمطلوب أكثر من مجرد تعالق؛ يجب أن تكون بعض التعالقات العصبية للوعي على الأقل هي الركائز الأساسية للوعي. تحتاج نظرية عصبية تفسيرية إلى تفسير لماذا أو كيف يوجد الوعي المقصود، وإن كانَت النظرية ملتزمة بالمادية سيحتاج هذا إلى توضيح كيف يمكن للركائز العصبية الأساسية أن تكون متطابقة مع تعالقاتها العصبية أو كيف تحققها عن طريق تحقيق الأدوار أو الشروط المطلوبة على الأقل (Metzinger 2000).

 

ليست هذه النظريات متنوعة في العمليات أو الخصائص العصبية التي تحتكم إليها فحسب، لكنها تختلف أيضاً في جوانب الوعي التي تعتبرها كل نظرية منها قضيتها المشروحة. يرتكز بعضها على سِمات نظامية للدماغ ذات مستوى عالي، لكن تركز أخرى على خصائص فسيولوجية أو تركيبية أكثر تحديداً، مع اختلافات مقابلة في أهدافها التفسيرية المنشودة. تهدف معظم النظريات بنحو ما إلى التواصل مع نظريات حَول الوعي على مستويات أخرى من التوصيف مثل النظريات الإدراكية، التمثيلية أو نظريات الرتبة الأعلى.

 

يمكن لعينة من النظريات العصبية المعاصرة أن تتضمن نماذج تحتكم إلى مجالات متكاملة شاملة (Kinsbourne)، الربط من خلال ذبذبات متزامنة (Singer 1999, Crick and Koch 1990)، تجمعات عصبية مؤقتة بتوسط مركب NMDA في الدماغ (Flohr 1995)، أنماط من التفعيل القشري المضبوطة من خلال المهاد (الثلاموس) (Llinas 2001)، دارات قشرية راجعة (Edelman 1989)، آليات مقارنة تشارك في دارات مستمرة مكونة من فعل-تنبؤ-تقدير بين المناطق والدماغ المتوسط (Gray 1995)، عمليات تأويلية متمركزة في نصف الدماغ الأيسر (Gazzaniga 1988)، عمليات استتبابية انفعالية حسية جسدية متمركزة في المنطقة الأمامية للنظام الحوفي (Damasio 1999) أو في السنجابية المحيطة بالمسال (Panksepp 1998).

 

الهدف في كل حالة هو تفسير كيف يمكن لنظام أو نشاط عند المستوى العصبي المقصود أن يشكل أساس نوع أو آخر أو سمة أو أخرى للوعي. يمكن للمجالات الشاملة أو التجمعات المتزامنة المؤقتة أن تشكل أساس الوحدة القصدية للوعي الظاهراتي. يمكن أن تشارك كلٌ من الليونة المعتمدة على مركب NMDA [51]، الامتدادات الخاصة من المهاد[52] إلى القشرة، أو الأمواج التذبذبية العادية، في تكوين أنماط أو انتظامات عصبية قصيرة المدى لكن واسعة الانتشار مطلوبةٍ لنسج تجربة واعية متكاملة من النشاط الموضعي في وحدات دماغية متخصصة ومتنوعة. يمكن أن تقدم العمليات التأويلية في نصف الدماغ الأيسر أساساً للأشكال السردية من الإدراك الواعي بالذات. وبالتالي فمن الممكن أن تكون كل النظريات العصبية العديدة المستقلة حقيقية، مع مشاركة كل منها في فهم جزئي للروابط بين الذهنية الواعية بأشكالها المتنوعة، وبين الدماغ النشط على مستوياته المتعددة من النظام والتركيب المعقد.

 

يُعنى خلافٌ معاصر محدد بمسألة ما إن كان النشاط العام أو مجرد النشاط الموضعي المتكرر كافياً للوعي الظاهراتي أم لا. يناقش المؤيدون لنموذج فضاء العمل العصبوني العام (Dehaene 2000) أنه يمكن للوعي من أي نوع أن يتحقق فقط إذا تم تنشيط المحتويات من خلال نمط واسع النطاق من النشاط المتكرر الذي يتضمن مناطق أمامية وجدارية بالإضافة إلى المناطق الحسية الأولية بالقشرة المخية. يناقش آخرون، وبالتحديد عالم النفس فيكتور لامي (2006) والفيلسوف ند بلوك (2007) أن النشاط الموضعي المتكرر بين المناطق الأعلى والأدنى داخل القشرة الحسية (مع القشرة البصرية على سبيل المثال) يمكن أن يفي بالغرض للوعي الظاهراتي، حتى في غياب قابلية الإبلاغ اللفظية، ومؤشرات أخرى للوعي المدخلي.

 

9.8 النظريات الكمومية

ذهبت نظريات فيزيائية أخرى أبعد من الحيز العصبي، ووضعت الموقع الطبيعي للوعي على مستوى أكثر أولية بكثير، بالتحديد على المستوى الفيزيائي الصغروي للظواهر الكمومية. بالعودة إلى مثل هذه النظريات؛ لا يمكن فهم طبيعة وأساس الوعي على نحوٍ كاف ضمن إطار الفيزياء الكلاسيكية، لكن يجب البحث عنه في الصورة المغايرة للواقع المادي المقدمة من قبل ميكانيكا الكم [53]. يعتبر المؤيدون للمقاربة الكمومية للوعي أن الطبيعة المغايرة جذرياً لفيزياء الكم والتي كثيراً ما تخالف الحدس هي المطلوبة تماماً للتغلب على العقبات التفسيرية المفترضة التي تواجه المحاولات الأكثر نموذجية لسد الفجوة النفس-مادية.

 

نكرر أن هُنَاك نطاق واسع من نظريات خاصة ونماذج تم اقتراحها، تحتكم إلى تشكيلة من الظواهر الكمومية لتفسير تنوع سِمات الوعي . سيكون من المستحيل تصنيفها هنا أو حتى تفسير السمات الأساسية لميكانيكا الكم التي تحتكم إليها بأي طريقة وجيهة. ومع ذلك، فإنَّ إحصاءً انتقائياً مختصراً يمكن أن يمد يساعد في توضيح الخيارات التي تم اقتراحها، مهما كان جزئياً وغامضاً.

 

أيد الفيزيائي روجر بنروز (1989، 1994) وطبيب التخدير ستوارت هاميروف (1998) نموذجاً ينشأ الوعي بحسبه من خلال تأثيرات كمومية تقع داخل تركيبات تحت خلوية بداخل الخلايا العصبية [العصبونات] تُعرف بالأنيبوبات الميكروية microtubules [54]. يفترض النموذج ما يُطلق عليه “انهيارات موضوعية”والتي تتضمن تحرك النظام الكمومي من تراكب لحالات محتملة متعددة إلى حالة واحدة محددة، لكن بدون تدخل الملاحظ أو القياس كما في معظم النماذج الميكانيكية الكمّية [55]. طبقاً لبنروز وهاميروف، فإنَّ البيئة الداخلية للأنيبوبات الميكروية مناسبة بشكل خاص لمثل هذه الانهيارات الموضوعية، وتؤدي الانهيارات الذاتية الناتجة إلى تدفق متماسك ينظم النشاط العصبوني ويجعل العمليات الذهنية غير الخوارزمية ممكنة [56].

 

قدم الطبيب النفسي إيان مارشال نموذجاً يهدف إلى تفسير الوحدة المتماسكة للوعي بالاحتكام إلى إنتاج حالة مادية داخل المخ أقرب إلى تكاثف بوز-أينشتاين Bose-Einstein condensate. الأخيرة هي ظاهرة كمومية يتصرف فيها تجمع من الذرات ككيان واحد ويضيع فيها التباين بين الذرات المنفصلة. في حين أن الحالات الدماغية ليست أمثلة حرفية لتكاثفات بوز-أينشتاين [57]، فقد قُدمت أسباب لإظهار كيف من المحتمل أن تصدر الأدمغة حالات قادرة على إبداء ترابط مماثل (Marshal and Zohar 1990).

 

تم البحث أيضاً عن أساس للوعي في الطبيعة  الكلانية لميكانيكا الكم وظاهرة التشابك entanglement، والتي  تستمر كل من الجسيمات التي تفاعلت فيها بالاعتماد على طبيعة بعضها البعض حتى بعد الانفصال [58]. مما لا يثير الدهشة أن يتم استهداف تلك النماذج خاصة عند تفسير ترابط الوعي ، لكن تم التوسل بهم أيضاً كتحدٍ أكثر عمومية للمفهوم الذري للفيزياء التقليدية والتي يتم طبقاً لها تفسير خصائص المجموع بالاحتكام إلى خصائص أجزائه زائد نمط تركيبها، وهذه وسيلة للتفسير يمكن اعتبارها غير ناجحة حتى اليوم في تفسير الوعي (Silberstein 1998, 2001).

 

اعتبر آخرون أن ميكانيكا الكم تشير إلى أن الوعي هو سمة جوهرية للواقع المادي على نحو جازم، سمة يجب إدخالها على المستوى الأكثر جذرية (Stapp 1993). لقد احتكموا بالذات لدور الملاحظ في انهيار الدالة الموجية، أي انهيار الواقع الكمومي من تراكب لحالات محتملة إلى حالة واحدة محددة عندما يتم إجراء القياس. يمكن لمثل هذه النماذج أن تعتنق أو لا تعتنق شكلاً من شبه المثالية، يعتمد فيها وجود الواقع المادي نفسه على كونه ملحوظ بشكل واعٍ.

 

هُنَاك الكثير من النماذج الكمومية الأخرى كامنة في الأدبيات -يدعو البعض إلى ميتافيزيقا معدّلة جذرياً والبعض الآخر لا يدعو إلى ذلك-، وتشكل هذه النظريات الأربعة عينةً معقولة لكن جزئية من البدائل.

9.9 النظريات غير المادية

تهدف أكثر النظريات الخاصة حَول الوعي -سواءً كانَت إدراكية، عصبية أو كمومية- إلى تفسير أو عرض الوعي كسمة طبيعية للعالم المادي. ولكن، يجب على من يرفضون أي أنطولوجيا مادية للوعي أن يجدوا طرقاً لعرضه كجانب غير مادي للواقع. وبالتالي يجب على هؤلاء الذين يتبنون نظرة ميتافيزيقية ثنائية أو ضد المادية أن يقدموا في النهاية نماذجاً خاصة للوعي تختلف عن الأنواع الخمسة سابقة الذكر. يجب على كلٍ من المؤيدين لثنائية الجوهر وثنائية الخصائص أن يطوروا تفاصيل نظرياتهم بطرق تصيغ الطبائع الخاصة لسمات الواقع المعنيّة غير المادية التي يساوون الوعي بها أو يحتكمون إليها لتفسيره.

 

اقتُرحت تشكيلة من مثل هذه النماذج تتضمن الآتي. قدم ديفيد شالمرز (1996) صيغة تخمينية على نحو لا يمكن إنكاره للنفسانية الشاملة تحتكم إلى مفهوم المعلومات ليس لتفسير عدم التباين النفس-فيزيائي بين فضاءات المعلومات المتحققة ظاهراتياً ومادياً فحسب، بل لتفسير أنطولوجيا المادي كاشتقاق في ذاتها من المعلوماتي  (نسخة من نظرية “الشيء من المعلومة” “it from bit”) [59]. بشكل مماثل إلى حد ما، اقترح جريج روزنبرج (2004) فهماً يتناول  الأساس التصنيفي المطلق للعلاقات السببية في نفس الوقت. يناقش روزنبرج أن في كلٍ من الحالة السببية والحالة الواعية يجب أن تعتمد الحقائق العلائقية-الوظيفية بشكل مطلق على أساس تصنيفي غير علائقي، ويقدم نموذجاً تعتمد بحسبه كلٌ من العلاقات السببية والحقائق الظاهراتية النوعية على نفس الأساس. بالإضافة إلى ذلك، وكما نُوّه بالأعلى (القسم 9.8)، تعامل بعض النظريات الكمومية الوعي كسمة جوهرية للواقع (Stapp 1993) وطالما تقوم بذلك، يمكن أن يكون من الوجيه تصنيفها كنظريات غير مادية أيضاً.

 

  1. خاتمة

إن فهماً شاملاً عن الوعي سيتطلب على الأرجح نظريات من أنواعٍ عدة. يمكن أن يقبل المرء على نحوٍ مفيد وغير متناقض تنوعاً من النماذج التي تهدف كل منها تباعاً بطريقتها الخاصة إلى تفسير الجوانب المادية، العصبية، الإدراكية، الوظيفية، التمثيلية وذات الرتبة الأعلى من الوعي. من المستبعد أن يكون ثمّة أي جانب نظري يكفي لتفسير كل سِمات الوعي التي نتمنى فهمها. وبالتالي يمكن أن تقدِّم مقاربة تركيبية وتعددية الطريق الأفضل للتطور المستقبلي.

 

 

 


   هوامش المترجم:

1.الإحيائية أو animism : هي اعتقادٌ مشترك بين مجموعة من الأديان البدائية بامتلاك جميع الموجودات مثل الكائنات الحية والجمادات والظواهر الطبيعية شكل من أشكال الحياة.

2.يقصد هوميروس الشاعر الإغريقي صاحب الإلياذة والأوديسة.

3.الإدراكات الدقيقة أو petites perceptions: يرى لايبنتز أن الكون يتكون من أجسام صغيرة لا تقبل الانقسام وهي المونادات. والموناد هو جوهر فرد لهُ خصائص عقلية أولية مثل الإدراك ويرى لايبنتز أن كل موناد ينطوي على كل الخصائص التي ستظهر في الكون بأسره، وبالتالي فعقلي المكون من مونادات يحتوى على عدد لانهائي من الإدراكات ولكنني بطبيعة الحال لا أدرك كل هذه الإدراكات وهذا هو المقصود بالإدراكات الدقيقة.

4.المقصود هو علم النفس الذي يستخدم المنهجية العلمية التجريبية وهذا يختلف عن علم النفس الفلسفي.

5.الشِرَاد أو fugue state: هي حالات يحدث فيها فقدان للذاكرة ولا يتعرف الشخص على هويته الأولى فيحدث هذا التحول المصحوب بالسفر إلى أماكن أخرى بهوية جديدة.

6.يستخدم لفظ ميتا meta  في المقال وفي نظرية المعرفة بمعنى أنه شيء يتحدث عن شيء من نفس النوع (س عن س) فعندما أقول حالة ميتاعقلية، فأنا أقصد حالة عقلية عن حالة عقلية أخرى. سيتم استعمال ميتاعقلية وفوق عقلية بنفس المعنى في هذه الترجمة

7.محتوى الحالة الواعية هو الشيء الذي تكون الحالة الواعية عنه فمحتوى إدراكي للون الأحمر-ما يُطلق عليه الكواليا- هواللون الأحمر لأنها عن هذا اللون.

8.يقصد الكاتب نظرية المُثُل لأفلاطون التي ترى أن كل ما في هذا العالم هو نسخة ناقصة ومشوّهة لحقائق كاملة (كليّات) موجودة في عالم المُثُل المحتجب عن الرؤية. ففي عالم المُثُل يوجد المثال الحقيقي للشجرة وما الأشجار الموجودة في عالمنا إلا نسخ منها.

9.المذهب الحيوي أو Vitalism هو المذهب القائل بِأنّ الكائنات الحية تحتاج إلى قوة ما تختلف عن المكونات الكيميائية والفيزيائية لتصير حية.

10.منظور المتكلم أو first person perspective هو منظورك الذاتي لتجربة تمر بها حين تقول على سبيل المثال أنا متألم أما منظور الغائب أو third person perspective فهو منظورك لتجربة أو موضوع أنت خارجه حين تدرس مثلا الآليات العصبية في الدماغ التي ينتج عنها ما يُعرف بالألم من منظور المتكلم.

11.الاستبطان هو تأمل المرء الباطني في أفكاره ومشاعره.

12.يحكي طبيب الأعصاب الكبير أوليفر ساكس في كتابه “الرجل الذي حسب زوجته قبعة” عن الدكتور بي الذي تفككت أشياءٌ في تجربته الإدراكية تبدو غير قابلة للفصل من وجهة النظر الطبيعية فلقد كان يرى الأشياء كأشكال هندسية مجردة من المعنى فعندما عرض عليه ساكس وردةً وصفها قائلاً “حوالي ست بوصات طولاً. شكل أحمر ملتف مع وصلة خضراء خطية” ولم يعرف أنها وردة إلا بعد شمها. وعندما سأله عن قفازه قال أنه سطح متصل، ملتف على نفسه ولديه خمسة جيوب خارجية ولم يعرف أنه قفاز إلا بعد ارتدائه.

13.يتحدث الكاتب عن تجارب عالم الأعصاب بنجامين ليبيت التي أثبت من خلالها ظهور جهد كهربائي في المخ يسبق إدراك المرء الواعي برغبته في القيام بفعل (تحريك إصبعه مثلاً) ب 350 مللي ثانية. هذه العلاقة بين الفعل والرغبة في القيام به والنشاط الكهربائي الذي يسبقه والفارق الزمني بينهم لا يظهر بطبيعة الحال من خلال الاستبطان.

14.الكواليا المعكوسة أو inverted qualia: هو افتراض بأنه يمكن لأحدهم أن يدرك نفس الشيء الذي ندركه لكن بإحساس أو كواليا معكوسة مع استخدام نفس المصطلحات لوصفه، فإذا رأيت أنا وأحدهم ثمرة فراولة وقلنا أن لونها أحمر ماذا يدريني أنه يدرك نفس اللون الذي أدركه فربما الأحمر الذي أدركه يدركه هو كأخضر على الرغم من وصف كلانا لهذا اللون بالأحمر.

15.مذهب الظاهرة الثانوية أوepiphenomenalism  هو المذهب الذي يرى أن الأحداث الذهنية كالكواليا صادرة من الأحداث المادية داخل المخ لكن ليس لها أي تأثير سببي على هذه الأحداث المادية فهي مجرد ظواهر ثانوية مصاحبة، مثل صافرة البخار التي تصدرها القاطرة والتي ليس لها أي تأثير سببي على عملها كما قال عالم الأحياء توماس هكسلي.

16.فضاء الكواليا أو qualia space: هو محاولة دراسة الكواليا عن طريق تمثيل طبيعتها الكيفية بطريقة كمّية في أشكال هندسية فراغية ولكل نوع من الكواليا شكل خاص به.

 17.فضاء لوني أو color space: هو محاولة دراسة الألوان عن طريق تحويلها إلى نقاط تعكس قيمة اللون الرقمية داخل فراغ ثلاثي الأبعاد.

18.يتحدث الكاتب عن تجربة ذهنية قام بها الفيلسوف فرانك جاكسون والتي تبين عدم كفاية المعلومات من منظور الغائب لإدراك الألوان وتبين. يحكي جاكسون عن ماري عالمة الألوان الفذة التي تجلس في غرفة تحتوي على الأبيض والأسود فقط وتراقب العالم من خلال شاشة تلفاز أبيض وأسود ولديها كل المعلومات حَول الخصائص المادية للألوان مثل الأطوال الموجية وكيفية تأثيرها على العين وما إلى ذلك، مع الأخذ في الاعتبار أنها لم تر أي لون سوى الأبيض والأسود. إذا خرجت ماري إلى العالم بألوانه المختلفة، هل ستتعلم شيئاً جديداً؟ وفقاً لجاكسون، نعم بالتأكيد.

19.يشير كانط هنا إلى مقولة ديكارت “أنا أفكر، إذاً أنا موجود” فيجب على الذات الواعية المدركة أن تكون حاضرة لتعيش التجارب الحسية.

20.شروط التحقق أو conditions of satisfaction: هي الشروط التي إذا توفرت يتحقق المغزى من الحالة العقلية، فشرط تحقق ذكراي حَول الهجوم على برج التجارة العالمي هو أن يكون قد وقع الهجوم بالفعل وشرط تحقق رغبتي في كأس من الماء هو أن أشرب وهكذا.

21.المقصود بقصدية الحالات العقلية Intentionality أنها عن أشياء أو موجهة نحو أشياء، فإذا كنت تفكر فأنت تفكر في شئ، وإذا كنت ترغب فأنت ترغب في شئ، وإذا أحببت فأنت تحب شيئاً وهكذا. هذه الصفة خاصة بالحالات العقلية فقط فأنت لن تجد صخرةً عن شيء أو شجرةً حَول شيء لكنك تفكر في أشياء ولديك مشاعر تجاه أشياء.

22.المقصود بشفافية التجربة الواعية هو أنه لا يمكن الفصل بين التجربة الحسية وموضوع هذه التجربة. عندما تدرك شيئاً ما، فهذا الإدراك يتكون من عنصرين: موضوع هذا الإدراك كالعشب الأخضر والتجربة الإدراكية ذاتها، إن حاولت الفصل بين التجربة الإدراكية وموضوع الإدراك لتتأمل في خصائص التجربة غير كونها تجربة عن عشب أخضر فلن تستطيع، كأن التجربة والعشب الأخضر شيء واحد. هل هذا صحيح؟ بالطبع لا، فعنصر التجربة الواعية هنا يبدو شفافاً. ومما يؤكد تمايز هذين العنصرين هو أنه في حالة ارتدائك نظارة طبية وقمت بخلعها ونظرت للعشب الأخضر ستجد صورته ضبابية في ذهنك، فهل العشب نفسه ضبابي؟ بالتأكيد لا.

23.الخارجانية أو externalism: هي نظرية ترى أن الحالات القصدية الواعية ومحتوياتها لا تعتمد على خصائص الكائن الداخلية فحسب بل أيضاً على البيئة الخارجية. تؤثر البيئة في حالاتنا العقلية معلوماتياً فعند إطلاق حكم مباراة كرة قدم لصافرة النهاية تكون الصافرة بصفاتها المميزة معلومةً تنشيء حالةً إدراكية عند اللاعبين محتواها أن المباراة انتهت. وتؤثر البيئة سببياً، فإذا كان لديك حالة إدراكية تمثل كلباً فهذا لأن الكلب سبّب هذه الحالة الإدراكية عبر سلسلة من الأسباب مثل انعكاس الضوء منه على شبكية عينك وهكذا (كلب=> حالة إدراكية). ولكن مبدأ السببية بهذه الصياغة لا يفسر كيف تسبب غزالة مثلاً في إضاءة خافتة حالةً إدراكية محتواها أن هذا الحيوان كلب فتظنها كلباً، فأعاد بعض الفلاسفة صياغة هذا المبدأ بطريقة مغايرة للواقع وهي أن الغزالة لم تكن لتسبب هذه الحالة إن لم يكن الكلب يسبب هذه الحالة.

24.المخ داخل الوعاء أو brain in a vat: هو افتراض فلسفي يشبه قصة فيلم The Matrix مفاده أنه يمكن أن نكون أمخاخاً داخل أوعية وتلك الأمخاخ متصلةٌ بحاسوب خارق يرسل إشارات كهربائية للمخ تنشّط المخ بنفس الكيفية التي سينشط بها إن كان متفاعلاً مع العالم كما نعرفه. إن صحت هذه الفرضية، ستفشل النظرية الخارجانية لأن أمخاخنا في هذه الحالة مقطوعة الصلة بالبيئة الخارجية ولا زالت تحتوي على حالات قصدية واعية.

25.أحد النظريات الإدراكية للعقل هي النظرية الحاسوبية للعقل Computational theory of mind والتي ترى أن  العقلَ نظامٌ حاسوبي يتحقق عن طريق النشاط العصبي للمخ ويقوم بمعالجة المعلومات كحاسوب.

26.المقصود بالروابط الطبيعية هي تلك المبنية على القوانين الطبيعية الضرورية.

27.كبروية أو macro هنا تعني الأشياء التي تُرى بالعين المجردة أما الصغروية أو micro هي الأشياء المجهرية الدقيقة.

28.قمنا بترجمة مصطلح Physicalism  إلى المادية والأصح ترجمتها إلى النزعة الفيزيائية لكن الفرق بينهما طفيف والمادية أكثر شيوعاً وسهولة فقررنا استخدامها.

29.يتحدث الكاتب عن مغالطة منطقية تعرف بمغالطة المصادرة على المطلوب، أي أن يكون المطلوب إثباته متضمناً داخل مقدمات الاستدلال فيرى أن على من يريدون إثبات خطأ المذهب المادي ألا يستدلوا باستحالة نشأة الوعي من المادة لأن هذا يتضمن خطأ المذهب المادي الذي يريدون إبطاله في المقام الأول.

 30.يشير الكاتب إلى رأي للفيلسوف ديفيد شالمرز، فهو يرى أن الوعي عصيٌّ على التفسير لأنه غير متحقق في سلسلة من العلاقات الوظيفية السببية. فأية ظاهرة طبيعية موضوعية كالحرارة على سبيل المثال تتحقق في سلسلة من الأسباب والتأثيرات وعن طريق الإحاطة بهذه السلسلة تستطيع تفسير الظاهرة. أما في الحالات الإدراكية مثل الرؤية فمع الإحاطة بالسلسلة السببية التي تؤدي إلى الرؤية في نهاية المطاف مثل تنشيط الضوء لشبكية العين وانتقال الإشارات الكهربائية إلى المخ، لا نجد أن السلسلة قد حققت الحالة البصرية الواعية ولا يستلزم منها تحقق تلك التجربة الذاتية، بل يمكن الاستجابة للمحفزات البصرية دون رؤية المحفزات أصلاً كما في حالة إبصار العميان (blindsight) الذين يستطيعون تحديد الأشياء بل والإمساك بها وهم لا يرونها بصورة واعية.

31.العلوم الخاصة هي العلوم غير علم الفيزياء الأولية التي كان يفترض في السابق أنه يمكن اختزالها لمبادئ الفيزياء الأولية ولكن يرى فلاسفة العلم هذه الأيام أن هذه العلوم الخاصة مستقلة ولا يمكن اختزالها لتلك المبادئ.

32.يتلاعب الكاتب هنا لفظياً بمفهوم “مشكلة العقل والجسد” والتي نشأت لعدم قدرتنا على اختزال العقل في المبادئ الفيزيائية التي يخضع لها الجسد ويقصد الكاتب أنه على الرغم من عدم اعتقاد أي أحد إمكانية اختزال الاقتصاد في المبادئ الفيزيائية إلا أنه لا أحد يزعم أن هُنَاك عنصر غير مادي في الاقتصاد حتى يكون لمشكلة المال والمادة وجود.

33.تعتبر حالة إبصار العميان من الأدلة على هذا الطرح.

34.تجربة بنجامين ليبيت المذكورة بالأعلى.

35.أشهر مثال على ذلك هو قيادة السيارة التي تصبح أكثر تلقائية مع التقدم في ممارستها.

36.مثل قوس الانعكاسية (reflex arc) وهو مسار عصبي يتم إثارته عندما تقوم بلمس شيء ساخن على سبيل المثال فتنقبض عضلات ذراعك لتبعد يدك قبل حتى أن يدرك دماغك حرارة الشئ، فأنت لم تحتاج إلى وعيك لتستجيب لهذا الحرارة.

37.في حالة الوعي المدخلي، الدور=الوعي بالمعنى المدخلي، لكن في حالة الوعي الظاهراتي يكون الوعي أحد الوسائل للقيام بهذا الدور.

  1. يرى الكاتب أن الوعي هو الحل التصميمي الذي توصلت لهُ الأنظمة الإدراكية لأسلافنا بالآليات التطورية لتتكيف مع تغيرات البيئة المحيطة وليس الحل الوحيد الممكن.

39.الكوارك هو الجسيم المكوّن للبروتونات والنيوترونات داخل نواة الذرة.

  1. تجربة بنجامين ليبيت المذكورة بالأعلى

41.يعيد هذا التعبير صياغة تعبير استخدمه أفلاطون في محاورة فيدروس حيث قال أن النظريات الناجحة تقطّع الطبيعة من أوصالها “carve nature at its joints” أي أنها تنجح في تصنيف الطبيعة في تصنيفات صحيحة ليسهل فهمها.

42.المسرح الديكارتي “Cartesian theater” هو مصطلح صكه دانييل دينيت للتعبير عن بقايا ثنائية ديكارت التي يرى أنها مازالت عالقة في أذهان العلماء وهي اعتقادهم بأنه هُنَاك مكان واحد لجمع كل المعلومات داخل المخ (مسرح) كي تعرض على كيان ما (جمهور) ليصير الشخص واعياً بها وهذا خطأ فلكل نوع من المعلومات مجموعة من المراكز المخية التي تستقبله وتدركه فالمسرح الديكارتي لا وجود له.

43.الطاقة الحرارية هي إحدى صور الطاقة الحركية فكلما ازدادت حرارة الجسم ازدادت حركة جزيئاته وعلى الرغم من تطابقهما إلا أن هذا لم يكن بديهياً في البداية.

44.يرى الوظيفيون أن الحالة الواعية تتحقق من خلال حالة مادية داخل المخ كما تحقق التفاعلات الكيميائية في النباتات مثلا عملية التمثيل الضوئي الحيوية أو كما تحقق خصائص الكربون الذرية خصائصه الكيميائية.

45.يركز منظرو نظرية الرتبة الأعلى على كون الحالة الأعلى رتبة غير استنتاجية، لأن استنتاجك لشيء أنت غير واعٍ به لا يجعله واعياً بالضرورة؛ فإذا قام المحلل النفسي باستنتاج دوافعك غير الواعية لن يجعلك هذا بالضرورة مدركاً لها إدراكاً واعياً.

46.يرى منظرو الرتبة الأعلى أنه يمكن للكواليا أن تكون غير واعية فأنت على سبيل المثال إذا كنت تعاني من الصداع لكنك اندمجت في حديث مع أحدهم سيتشتت انتباهك عن الصداع لأن حالتك الإدراكية الأعلى ليست موجهة نحو إحساس الصداع.

47.التمثيلية أو Representationalism هي النظرية التي ترى أن الصفات الظاهراتية لتجربتنا الواعية كإدراكنا لخضرة العشب يمكن اختزالها في الصفات التمثيلية لهذه التجربة أي في تمثيلها لخضرة العشب. المقصود بالتمثيل هو شيء يقوم بتمثيل شيء آخر كما يمثل مقياس السرعة في السيارة سرعة السيارة أو كما تمثل حلقاتُ الشجرة عمرَها. الشفّافيّة هي أهم برهان يحتج به التمثيليون على هذه النظرية؛ فأنت إذا حاولت الفصل بين التجربة وموضوعها وتأملت في خصائص التجربة ذاتها لن تدرك إلا الخضرة أو شكل العشب الذي تمثله تلك التجربة، أي لن تجد سوى الخصائص التمثيلية.

 48.لنتخيل أن هُنَاك شخصان يريدان كأساً من الماء وتوفرت شروط التحقق لرغبتهما وشربا الماء، هل هذا يعني أن الإثنين يمثلان تلك الرغبة في عقلهما بنفس الطريقة؟ بالطبع لا ولهذا فمساواة حالتين عقليتين تمثيلياً بتحقيقهما لنفس شروط التحقق ليس صحيحاً. وإن كنا أنا وأنت نرى السماء زرقاء وحقق إدراكنا هذا شروط الصدق (أي أنها قضية صادقة)، هل يعني هذا أننا نمثل هذا الإدراك بنفس الطريقة في عقولنا؟ بالطبع لا.

49.يرى التمثيليون أن صفات الحالات الذهنية لا تخرج عن صفاتها التمثيلية فإذا أثبت وجود حالات متطابقة تمثيلياً لكن تختلف في نواحي أخرى، ستنهار التمثيلية، وهذا يتم التعبير عنه من خلال افتراض الكواليا المعكوسة. فإذا كنت أرى ثمرة الفراولة حمراء وغيري يراها خضراء فنحن نمثل نفس الشيء وهو ثمرة الفراولة لكن إدراكنا لها هو المختلف وهذا يعني أن حالتينا تتفقان تمثيلياً لكن تختلفان ظاهراتياً.

50.يرى برنز أن الحالات الإدراكية أو الكواليا تتمثل في أمواج من النشاط الكهربائي بالدماغ بدلاً من أن تتمثل في مجموعة من العصبونات، فإذا رأيت خاصية متوسطة الإدراك كما يسميها مثل اللون الأحمر تنشأ ما تسمى بأمواج جاما الاتجاهية Gamma vectorwaves التي تعبر عن نشاط مجموعات من الخلايا العصبية ولا تصبح واعياً بهذه الحالة ومنتبهاً لها إلا بعد حدوث تزامن بين أمواج جاما المختلفة. يشبّه برنز هذا بمجموعة من الناس وأنت تنظر إليهم من شرفة فوقهم فإذا كانوا يتحدثون أحاديثاً مختلفة مع بعضهم البعض مثل العصبونات بأمواجها المختلفة لن تدرك شيئاً أما إذا تزامنت أقوالهم وقالوا نفس الشيء ستدرك ما يقولون.

51.هذه مكونات بروتينية وأحد أنواع ما يعرف بالمستقبلات (receptors) الموجودة في العصبونات ومسؤولة عن تقوية الروابط  بينها لتكوين ما يُعرف بالتجمعات العصبونية والتي يَبدو أنَّ لها دور هام في الوعي.

52.المهاد أو thalamus هو أحد مكونات الدماغ ويعمل كوسيط بين القشرة المخية وباقي مكونات الدماغ.

53.لقد قضت ميكانيكا الكم على الحتمية القائلة بِأنّ معرفة جميع خصائص وشروط نظام فيزيائي ما كفيلةٌ بتوقع سلوكه بدقة وأضافت عنصراً من اللاحتمية إلى الصورة وهذا ما جعلها مجالاً خصباً لتفسير حرية الإرادة الإنسانية غير الحتمية. تظهر هذه اللاحتمية إذا قمت بتكرار رصد الإلكترون في نفس الظروف لتجده في موقع مختلف في كل مرة، وإذا أحط علماً بكل شيء عن قطعة من اليورانيوم فلن تستطيع تحديد متى ستتحلل ذرة ما ولا تحديد عدد الذرات التي ستكون قد تحللت في وقت معين. يمكن القول أنه ربما ترجع لاحتمية السلوك الإنساني في نظر المؤيدين للمقاربة الكمومية للوعي إلى لاحتمية سلوك الجسيمات تحت الذرية التي تشكل ذرات خلايا دماغه.

54.هذه الأنيبوبات تتكون من بروتينات تشكل الهيكل الخلوي الذي يحدد شكل الخلية.

  1. .التراكب الكمومي أو quantum superposition: هو أن يكون للجسيم تحت الذري مثل الإلكترون حالات أومواضع مختلفة ويوجد في كل المواضع في نفس الوقت إلا أن هذا التراكب ينهار عند رصد الإلكترون إلى حالة واحدة فيما يعرف بانهيار الدالة الموجية ليتم رصده في مكان واحد.

56.يرى بنروز أن نتائج عمليات التفكير الإنساني لا يمكن أن ينتجها نظام خوارزمي (أي نظام من خطوات محددة ومعروفة لحل مشكلة ما) ولمّا وجد طبيعة ميكانيكا الكم غير خوارزمية أيضاً استنبط أن هُنَاك عناصر كمومية تكمن وراء الوعي.

57.هذه التكاثفات هي الحالة الخامسة للمادة بعد الصلابة والسيولة والغازية والبلازما ولا تصل إليها المادة إلا عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق وهي -273 درجة مئوية.

58.مثال على التشابك الكمومي: إذا أتيت بفوتونين متشابكين (الفوتون هو جسيم الضوء) ووضعت أحدهما في طرف مجرتنا والآخر في الطرف الآخر وقمت بتغيير خاصية أحدهما ستتغير خاصية الآخر وفقاً للأول في نفس اللحظة.

59.هذه نظرية للفيزيائي جون ويلر والتي أراد من خلالها وصف كل الموجودات كالجسيمات والمكان والزمان في صيغة معلوماتية من الأصفار والآحاد مثل بتات الحاسوب.


المراجع

  • Akins, K. 1993. “A bat without qualities?” In M. Davies and G. Humphreys, eds.Consciousness: Psychological and Philosophical Essays. Oxford: Blackwell.
  • Akins, K. 1996. “Lost the plot? Reconstructing Dennett’s multiple drafts theory of consciousness.” Mind and Language, 11: 1–
  • Anderson, J. 1983.The Architecture of Cognition. Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Armstrong, D. 1968.A Materialist Theory of Mind, London: Routledge and Kegan Paul.
  • Armstrong, D. 1981. “What is consciousness?” InThe Nature of Mind. Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Baars, B. 1988.A Cognitive Theory of Consciousness. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Balog, K. 1999. “Conceivability, possibility, and the mind-body problem.” Philosophical Review, 108: 497–
  • Bayne, T. 2010.The Unity of Consciousness. Oxford: Oxford University Press.
  • Bayne, T. and Montague, M. (eds.) 2012.Cognitive Phenomenology. Oxford: Oxford University Press.
  • Block, N. 1980a. “Troubles with Functionalism,” inReadings in the Philosophy of Psychology, Volume 1, Ned Block,ed., Cambridge, MA : Harvard University Press, 268–
  • Block, N. 1980b. “Are absent qualia impossible?” Philosophical Review, 89/2: 257–
  • Block, N. 1990. “Inverted Earth,” Philosophical Perspectives, 4, J. Tomberlin, ed., Atascadero, CA: Ridgeview Publishing Company.
  • Block, N. 1995. “On a confusion about the function of consciousness.” Behavioral and Brain Sciences, 18: 227–
  • Block, N. 1994. “What is Dennett’s theory a theory of?” Philosophical Topics, 22/1–2: 23–
  • Block, N. 1996. “Mental paint and mental latex.” In E. Villanueva, ed.Perception. Atascadero, CA: Ridgeview.
  • Block, N. and Stalnaker, R. 1999. “Conceptual analysis, dualism, and the explanatory gap.” Philosophical Review, 108/1: 1–
  • Block, N. 2007. Consciousness, Accessibility and the mesh between psychology and neuroscience.Behavioral and Brain Sciences 30: 481–548
  • Boyd, R. 1980. “Materialism without reductionism: What physicalism does not entail.” In N. Block, ed.Readings in the Philosophy of Psychology, Vol. 1. Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Byrne, A. 1997. “Some like it HOT: consciousness and higher-order thoughts.” Philosophical Studies, 2: 103–
  • Byrne, A. 2001. “Intentionalism defended”.Philosophical Review, 110: 199–
  • Campbell, K. 1970.Body and Mind. New York: Doubleday.
  • Campbell, J. 1994.Past, Space, and Self. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Carruthers, P. 2000.Phenomenal Consciousness. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Carruthers, Peter and Veillet, Benedicte (2011). The case against cognitive phenomenology. In T. Bayne and M. Montague (eds.)Cognitive Phenomenology. Oxford: Oxford University Press.
  • Chalmers, D. 1995. “Facing up to the problem of consciousness”.Journal of Consciousness Studies, 2: 200–
  • Chalmers, D. 1996.The Conscious Mind. Oxford: Oxford University Press.
  • Chalmers, D. 2002. “Does conceivability entail possibility?” In T. Gendler and J. Hawthorne eds.Conceivability and Possibility. Oxford: Oxford University Press.
  • Chalmers, D. 2003. “The content and epistemology of phenomenal belief.” In A. Jokic and Q. Smith eds.Consciousness: New Philosophical Perspectives. Oxford: Oxford University Press.
  • Chalmers, D. and Jackson, F. 2001. “Conceptual analysis and reductive explanation”.Philosophical Review, 110/3: 315–
  • Churchland, P. M. 1985. “Reduction, qualia, and direct introspection of brain states”.Journal of Philosophy, 82: 8–
  • Churchland, P. M. 1995.The Engine of Reason and Seat of the Soul. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Churchland, P. S. 1981. “On the alleged backwards referral of experiences and its relevance to the mind body problem”.Philosophy of Science, 48: 165–
  • Churchland, P. S. 1983. “Consciousness: the transmutation of a concept”.Pacific Philosophical Quarterly, 64: 80–
  • Churchland, P. S. 1996. “The hornswoggle problem”.Journal of Consciousness Studies, 3: 402–
  • Clark, A. 1993.Sensory Qualities. Oxford: Oxford University Press.
  • Clark, G. and Riel-Salvatore, J. 2001. “Grave markers, middle and early upper paleolithic burials”.Current Anthropology, 42/4: 481–
  • Cleeremans, A., ed. 2003.The Unity of Consciousness: Binding, Integration and Dissociation. Oxford: Oxford University Press.
  • Crick, F. and Koch, C. 1990. “Toward a neurobiological theory of consciousness”.Seminars in Neuroscience, 2: 263–
  • Crick, F. H. 1994.The Astonishing Hypothesis: The Scientific Search for the Soul. New York: Scribners.
  • Davies, M. and Humphreys, G. 1993.Consciousness: Psychological and Philosophical Essays. Oxford: Blackwell.
  • Damasio, A. 1999.The Feeling of What Happens: Body and Emotion in the Making of Consciousness. New York: Harcourt.
  • Dehaene, S. and Naccache, L. 2000. Towards a cognitive neuroscience of consciousness: basic evidence and a workspace framework.Cognition 79:1–
  • Dennett, D. C. 1978.Brainstorms. Cambridge: MIT Press.
  • Dennett, D. C. 1984.Elbow Room: The Varieties of Free Will Worth Having. Cambridge: MIT Press.
  • Dennett, D. C. 1990. “Quining qualia”. InMind and Cognition, W. Lycan, ed., Oxford: Blackwell, 519–
  • Dennett, D. C. 1991.Consciousness Explained. Boston: Little, Brown and Company.
  • Dennett, D. C. 1992. “The self as the center of narrative gravity”. In F. Kessel, P. Cole, and D. L. Johnson, eds.Self and Consciousness: Multiple Perspectives. Hillsdale, NJ: Lawrence Erlbaum.
  • Dennett, D. C. 2003.Freedom Evolves. New York: Viking.
  • Dennett, D. C. and Kinsbourne, M. 1992. “Time and the observer: the where and when of consciousness in the brain”.Behavioral and Brain Sciences, 15: 187–
  • Descartes, R. 1644/1911.The Principles of Philosophy. Translated by E. Haldane and G. Ross. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Dretske, F. 1993. “Conscious experience.” Mind, 102: 263–
  • Dretske, F. 1994. “Differences that make no difference”.Philosophical Topics, 22/1–2: 41–
  • Dretske, F. 1995.Naturalizing the Mind. Cambridge, Mass: The MIT Press, Bradford Books.
  • Eccles, J. and Popper, K. 1977.The Self and Its Brain: An Argument for Interactionism. Berlin: Springer
  • Edelman, G. 1989.The Remembered Present: A Biological Theory of Consciousness. New York: Basic Books.
  • Farah, M. 1990.Visual Agnosia. Cambridge: MIT Press.
  • Flanagan, O. 1992.Consciousness Reconsidered. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Flohr, H. 1995. “An information processing theory of anesthesia”.Neuropsychologia, 33/9: 1169–
  • Flohr, H., Glade, U. and Motzko, D. 1998. “The role of the NMDA synapse in general anesthesia”.Toxicology Letters, 100–101: 23–
  • Fodor, J. 1974. “Special sciences”.Synthese,28: 77–
  • Fodor, J. 1983.The Modularity of Mind. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Foster, J. 1989. “A defense of dualism”. In J. Smythies and J. Beloff, eds.The Case for Dualism. Charlottesville, VA: University of Virginia Press.
  • Foster J. 1996.The Immaterial Self: A Defence of the Cartesian Dualist Conception of Mind. London: Routledge.
  • Gallistel, C. 1990.The Organization of Learning. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Gardiner, H. 1985.The Mind’s New Science. New York: Basic Books.
  • Gazzaniga, M. 1988.Mind Matters: How Mind and Brain Interact to Create our Conscious Lives. Boston: Houghton Mifflin.
  • Gazzaniga, M. 2011.Who’s In Charge? Free Will and the Science of the Brain, New York: Harper Collins.
  • Gennaro, R. 1995.Consciousness and Self-consciousness: A Defense of the Higher-Order Thought Theory of Consciousness. Amsterdam and Philadelphia: John Benjamins.
  • Gennaro, R., ed. 2004.Higher-Order Theories of Consciousness. Amsterdam and Philadelphia: John Benjamins.
  • Gennaro, R. 2012.The Consciousness Paradox. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Gray, J. 1995. “The contents of consciousness: a neuropsychological conjecture”.Behavior and Brain Sciences, 18/4: 659–
  • Hameroff, S. 1998. “Quantum computation in brain microtubules? The Penrose-Hameroff ‘Orch OR’ model of consciousness”.Philosophical Transactions Royal Society London, A 356: 1869–
  • Hardin, C. 1986.Color for Philosophers. Indianapolis: Hackett.
  • Hardin, C. 1992. “Physiology, phenomenology, and Spinoza’s true colors”. In A. Beckermann, H. Flohr, and J. Kim, eds.Emergence or Reduction?: Prospects for Nonreductive Physicalism. Berlin and New York: De Gruyter.
  • Harman, G. 1990. “The intrinsic quality of experience”. In J. Tomberlin, ed.Philosophical Perspectives, 4. Atascadero, CA: Ridgeview Publishing.
  • Hartshorne, C. 1978. “Panpsychism: mind as sole reality”.Ultimate Reality and Meaning,1: 115–
  • Hasker, W. 1999.The Emergent Self. Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Heidegger, M. 1927/1962.Being and Time (Sein und Zeit). Translated by J. Macquarrie and E. Robinson. New York: Harper and Row.
  • Hellman, G. and Thompson, F. 1975. “Physicalism: ontology, determination and reduction”.Journal of Philosophy, 72: 551–
  • Hill, C. 1991.Sensations:A Defense of Type Materialism. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Hill, C. 1997. “Imaginability, conceivability, possibility, and the mind-body problem”.Philosophical Studies, 87: 61–
  • Hill, C. and McLaughlin, B. 1998. “There are fewer things in reality than are dreamt of in Chalmers’ philosophy”.Philosophy and Phenomenological Research, 59/2: 445–
  • Horgan, T. 1984. “Jackson on Physical Information and Qualia.” Philosophical Quarterly, 34: 147–
  • Horgan, T. and Tienson, J. 2002. “The intentionality of phenomenology and the phenomenology of intentionality”. In D. J. Chalmers , ed.,Philosophy of Mind: Classical and Contemporary Readings. New York: Oxford University Press.
  • Hume, D. 1739/1888.A Treatise of Human Nature. ed. L Selby-Bigge. Oxford: Oxford University Press.
  • Humphreys, N. 1982.Consciousness Regained. Oxford: Oxford University Press.
  • Humphreys, N. 1992.A History of the Mind. London: Chatto and Windus.
  • Husserl, E. 1913/1931.Ideas: General Introduction to Pure Phenomenology (Ideen au einer reinen Phänomenologie und phänomenologischen Philosophie). Translated by W. Boyce Gibson. New York: MacMillan.
  • Husserl, E. 1929/1960.Cartesian Meditations: an Introduction to Phenomenology. Translated by Dorian Cairns. The Hague: M. Nijhoff.
  • Huxley, T. 1866.Lessons on Elementary Physiology  London
  • Huxley, T. 1874. “On the hypothesis that animals are automata”.Fortnightly Review, 95: 555– Reprinted in Collected Essays. London, 1893.
  • Hurley, S. 1998.Consciousness in Action. Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Jackson, F. 1982. “Epiphenomenal qualia”.Philosophical Quarterly, 32: 127–
  • Jackson, F. 1986. “What Mary didn’t know”.Journal of Philosophy, 83: 291–
  • Jackson, F. 1993. “Armchair metaphysics”. In J. O’Leary-Hawthorne and M. Michael, eds.Philosophy of Mind. Dordrecht: Kluwer Books.
  • Jackson, F. 1998. “Postscript on qualia”. In F. JacksonMind, Method and Conditionals. London: Routledge.
  • Jackson, F. 2004. “Mind and illusion.” In P. Ludlow, Y. Nagasawa and D. Stoljar eds.There’s Something about Mary: Essays on the Knowledge Argument. Cambridge, MA: MIT Press.
  • James, W. 1890.The Principles of Psychology. New York: Henry Holt and Company.
  • Jaynes, J. 1974.The Origins of Consciousness in the Breakdown of the Bicameral Mind. Boston: Houghton Mifflin.
  • Kant, I. 1787/1929.Critique of Pure Reason. Translated by N. Kemp Smith. New York: MacMillan.
  • Kim, J. 1987. “The myth of non-reductive physicalism”.Proceedings and Addresses of the American Philosophical Association.
  • Kim, J. 1998.Mind in Physical World. Cambridge: MIT Press.
  • Kind, A. 2003. What’s so transparent about transparency?Philosophical Studies 115(3): 225–
  • Kant, I. 1787/1929.Critique of Pure Reason. Translated by N. Kemp Smith. New York: MacMillan.
  • Kinsbourne, M. 1988. “Integrated field theory of consciousness”. In A. Marcel and E. Bisiach, eds.Consciousness in Contemporary Science. Oxford: Oxford University Press.
  • Kirk, R. 1974. “Zombies vs materialists”.Proceedings of the Aristotelian Society, Supplementary Volume, 48: 135–
  • Kirk, R. 1991. “Why shouldn’t we be able to solve the mind-body problem?” Analysis, 51: 17–
  • Köhler, W. 1929.Gestalt Psychology. New York: Liveright.
  • Köffka, K. 1935.Principles of Gestalt Psychology. New York: Harcourt Brace.
  • Koch, C. 2012.Consciousness: Confessions of a Romantic Reductionist. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Kriegel, U. 2009.Subjective Consciousness. Oxford: Oxford University Press, 2009.
  • Kriegel, U. and Williford, K. 2006.Self Representational Approaches to Consciousness. Cambridge, MA: MIT Press 2006.
  • Lamme, V. 2006. Toward a true neural stance on consciousness.Trends in Cognitive Science 10:11, 494–
  • Leibniz, G. W. 1686 /1991.Discourse on Metaphysics. Translated by D. Garter and R. Aries. Indianapolis: Hackett.
  • Leibniz, G. W. 1720/1925.The Monadology. Translated by R. Lotte. London: Oxford University Press.
  • Levine, J. 1983. “Materialism and qualia: the explanatory gap”.Pacific Philosophical Quarterly, 64: 354–
  • Levine, J. 1993. “On leaving out what it’s like”. In M. Davies and G. Humphreys, eds.Consciousness: Psychological and Philosophical Essays. Oxford: Blackwell.
  • Levine, J. 1994. “Out of the closet: a qualophile confronts qualophobia”.Philosophical Topics, 22/1–2: 107–
  • Levine, J. 2001.Purple Haze: The Puzzle of Conscious Experience. Cambridge, Mass: The MIT Press.
  • Lewis, D. 1972. “Psychophysical and theoretical identifications”.Australasian Journal of Philosophy, 50: 249–
  • Lewis, D. 1990. “What experience teaches.” In W. Lycan, ed.Mind and Cognition: A Reader. Oxford: Blackwell.
  • Libet, B. 1982. “Subjective antedating of a sensory experience and mind-brain theories”.Journal of Theoretical Biology, 114: 563–
  • Libet, B. 1985. “Unconscious cerebral initiative and the role of conscious will in voluntary action”.Behavioral and Brain Sciences, 8: 529–
  • Llinas, R. 2001.I of the vortex: from neurons to self. Cambridge, MA: MIT Press
  • Loar, B. 1990. “Phenomenal states,” inPhilosophical Perspectives, 4: 81–
  • Loar, B. 1997. “Phenomenal states”. In N. Block, O. Flanagan, and G. Guzeldere eds.The Nature of Consciousness. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Locke, J. 1688/1959.An Essay on Human Understanding. New York: Dover.
  • Lockwood, M. 1989.Mind, Brain, and the Quantum. Oxford: Oxford University Press.
  • Lorenz, K. 1977.Behind the Mirror (Rückseite dyes Speigels). Translated by R. Taylor. New York: Harcourt Brace Jovanovich.
  • Lycan, W. 1987.Consciousness. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Lycan, W. 1996.Consciousness and Experience. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Lycan, W. 2004. “The superiority of HOP to HOT”. In R. Gennaro ed.Higher-Order Theories of Consciousness. Amsterdam and Philadelphia: John Benjamins.
  • Marshall, I. and Zohar, D. 1990.The Quantum Self: Human Nature and Consciousness Defined by the New Physics. New York: Morrow.
  • McGinn, C. 1989. “Can we solve the mind-body problem?” Mind, 98: 349–66
  • McGinn, C. 1991.The Problem of Consciousness. Oxford: Blackwell.
  • McGinn, C. 1995. “Consciousness and space.” In T. Metzinger, ed.Conscious Experience. Paderborn: Ferdinand Schö
  • Merleau-Ponty, M. 1945/1962.Phenomenology of Perception (Phénoménologie de lye Perception). Translated by Colin Smith. London: Routledge and Kegan Paul.
  • Metzinger, T., ed. 1995.Conscious Experience. Paderborn: Ferdinand Schö
  • Metzinger, T. ed. 2000.Neural Correlates of Consciousness: Empirical and Conceptual Questions. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Mill, J. 1829.Analysis of the Phenomena of the Human Mind. London.
  • Mill, J.S. 1865.An Analysis of Sir William Hamilton’s Philosophy. London.
  • Moore, G. E. 1922. “The refutation of idealism.” In G. E. MoorePhilosophical Studies. London : Routledge and Kegan Paul.
  • Nagel, T. 1974. “What is it like to be a bat?” Philosophical Review, 83: 435–
  • Nagel, T. 1979. “” In T. NagelMortal Questions. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Natsoulas, T. 1983. “Concepts of consciousness.” Journal of Mind and Behavior, 4: 195–
  • Nelkin, N. 1989. “Unconscious sensations.” Philosophical Psychology, 2: 129–
  • Nemirow, L. 1990. “Physicalism and the cognitive role of acquaintance.” In W. Lycan, ed.Mind and Cognition: A Reader. Oxford: Blackwell.
  • Neisser, U. 1965.Cognitive Psychology. Englewood Cliffs: Prentice Hall.
  • Nida-Rümelin, M. 1995. “What Mary couldn’t know: belief about phenomenal states.” In T. Metzinger, ed.Conscious Experience. Paderborn: Ferdinand Schö
  • Panksepp, J. 1998.Affective Neuroscience. Oxford: Oxford University Press.
  • Papineau, D. 1994.Philosophical Naturalism. Oxford: Blackwell.
  • Papineau, D. 1995. “The antipathetic fallacy and the boundaries of consciousness.” In T. Metzinger, ed.Conscious Experience. Paderborn: Ferdinand Schö
  • Papineau, D. 2002.Thinking about Consciousness. Oxford: Oxford University Press.
  • Peacocke, C. 1983.Sense and Content, Oxford: Oxford University Press.
  • Pearson, M.P. 1999.The Archeology of Death and Burial. College Station, Texas: Texas A&M Press.
  • Penfield, W. 1975.The Mystery of the Mind: a Critical Study of Consciousness and the Human Brain. Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Perry, J. 2001.Knowledge, Possibility, and Consciousness. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Penrose, R. 1989.The Emperor’s New Mind: Computers, Minds and the Laws of Physics. Oxford: Oxford University Press.
  • Penrose, R. 1994.Shadows of the Mind. Oxford: Oxford University Press.
  • Pitt, D. 2004. The phenomenology of cognition or what is it like to believe that p?Philosophy and Phenomenological Research 69: 1–
  • Place, U. T. 1956. “Is consciousness a brain process?” British Journal of Psychology, 44–
  • Prinz, J. 2012.The Conscious Brain. Oxford: Oxford University Press.
  • Putnam, H. 1975. “Philosophy and our mental life.” In H. PutnamMind Language and Reality: Philosophical Papers Vol. 2. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Putnam, H. and Oppenheim, P. 1958. “Unity of science as a working hypothesis.” In H. Fiegl, G. Maxwell, and M. Scriven eds.Minnesota Studies in the Philosophy of Science II. Minneapolis: University of Minnesota Press.
  • Rey, G. 1986. “A question about consciousness.” In H. Otto and J. Tuedio, eds.Perspectives on Mind. Dordrecht: Kluwer.
  • Robinson, H. 1982.Matter and Sense: A Critique of Contemporary Materialism. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Robinson, D. 1993. “Epiphenomenalism, laws, and properties.” Philosophical Studies, 69: 1–
  • Rosenberg, G. 2004.A Place for Consciousness: Probing the Deep Structure of the Natural World. New York: Oxford University Press.
  • Rosenthal, D. 1986. “Two concepts of consciousness.” Philosophical Studies, 49: 329–
  • Rosenthal, D. 1991. “The independence of consciousness and sensory quality.” In E. Villanueva, ed.Consciousness. Atascadero, CA: Ridgeview Publishing.
  • Rosenthal, D. M. 1993. “Thinking that one thinks.” In M. Davies and G. Humphreys, eds.Consciousness: Psychological and Philosophical Essays. Oxford: Blackwell.
  • Rosenthal, D. 1994. “First person operationalism and mental taxonomy.” Philosophical Topics, 22/1–2: 319–
  • Rosenthal, D. M. 1997. “A theory of consciousness.” In N. Block, O. Flanagan, and G. Guzeldere, eds.The Nature of Consciousness. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Russell, B. 1927.The Analysis of Matter. London: Kegan Paul.
  • Ryle, G. 1949.The Concept of Mind. London: Hutchinson and Company.
  • Sacks, O. 1985.The Man who Mistook his Wife for a Hat. New York: Summit.
  • Schacter, D. 1989. “On the relation between memory and consciousness: dissociable interactions and consciousness.” In H. Roediger and F. Craik eds.Varieties of Memory and Consciousness. Hillsdale, NJ: Erlbaum.
  • Schneider W. and Shiffrin, R. 1977. “Controlled and automatic processing: detection, search and attention.” Psychological Review, 84: 1–
  • Searle, J. R. 1990. “Consciousness, explanatory inversion and cognitive science.” Behavioral and Brain Sciences, 13: 585–
  • Searle, J. 1992.The Rediscovery of the Mind. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Seager, W. 1995. “Consciousness, information, and panpsychism.” Journal of Consciousness Studies, 2: 272–
  • Seigel, S. 2010.The Contents of Visual Experience. Oxford: Oxford University Press.
  • Siewert, C. 1998.The Significance of Consciousness. Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Shallice, T. 1988.From Neuropsychology to Mental Structure. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Shear, J. 1997.Explaining Consciousness: The Hard Problem. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Shoemaker, S. 1975. “Functionalism and qualia,” Philosophical Studies, 27: 291–
  • Shoemaker, S. 1981. “Absent qualia are impossible.” Philosophical Review, 90: 581–
  • Shoemaker, S. 1982. “The inverted spectrum.” Journal of Philosophy, 79: 357–
  • Shoemaker, S. 1990. “Qualities and qualia: what’s in the mind,” Philosophy and Phenomenological Research, Supplement, 50: 109–
  • Shoemaker, S. 1998. “Two cheers for representationalism,” Philosophy and Phenomenological Research.
  • Silberstein, M. 1998. “Emergence and the mind-body problem.” Journal of Consciousness Studies, 5: 464–
  • Silberstein, M 2001. “Converging on emergence: consciousness, causation and explanation.” Journal of Consciousness Studies, 8: 61–
  • Singer, P. 1975.Animal Liberation. New York: Avon Books.
  • Singer, W. 1999. “Neuronal synchrony: a versatile code for the definition of relations.” Neuron, 24: 49–
  • Skinner, B. F. 1953.Science and Human Behavior. New York: MacMillan.
  • Smart, J. 1959. “Sensations and brain processes.” Philosophical Review, 68: 141–
  • Stapp, H. 1993.Mind, Matter and Quantum Mechanics. Berlin: Springer Verlag.
  • Stoljar, D. 2001. “Two conceptions of the physical.” Philosophy and Phenomenological Research, 62: 253–81
  • Strawson, G. 1994.Mental Reality. Cambridge, Mass: MIT Press, Bradford Books.
  • Strawson, G. 2005. Real intentionality.Phenomenology and the Cognitive Sciences 3(3): 287–
  • Swinburne, R. 1986.The Evolution of the Soul. Oxford: Oxford University Press.
  • Titchener, E. 1901.An Outline of Psychology. New York: Macmillan.
  • Tononi, G. 2008. Consciousness as integrated information: a provisional manifesto.Biological Bulletin 215: 216–
  • Travis, C. 2004. “The silence of the senses.” Mind, 113: 57–
  • Triesman, A. and Gelade, G. 1980. “A feature integration theory of attention.” Cognitive Psychology, 12: 97–
  • Tye, M. 1995.Ten Problems of Consciousness. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Tye, M. 2000.Consciousness, Color, and Content. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Tye, M. 2003. “Blurry images, double vision and other oddities: new troubles for representationalism?” In A. Jokic and Q. Smith eds.,Consciousness: New Philosophical Perspectives. Oxford: Oxford University Press.
  • Tye, M. 2005.Consciousness and Persons. Cambridge,MA: MIT Press.
  • Tye, M. and Wright, B. 2011. Is There a Phenomenology of Thought? In T. Bayne and M. Montague (eds.)Cognitive Phenomenology. Oxford: Oxford University Press.
  • Van Gulick, R. 1985. “Physicalism and the subjectivity of the mental.” Philosophical Topics, 13: 51–
  • Van Gulick, R. 1992. “Nonreductive materialism and intertheoretical constraint.” In A. Beckermann, H. Flohr, J. Kim, eds.Emergence and Reduction. Berlin and New York: De Gruyter, 157–
  • Van Gulick, R. 1993. “Understanding the phenomenal mind: Are we all just armadillos?” In M. Davies and G. Humphreys, eds.,Consciousness: Psychological and Philosophical Essays. Oxford: Blackwell.
  • Van Gulick, R. 1994. “Dennett, drafts and phenomenal realism.” Philosophical Topics, 22/1–2: 443–
  • Van Gulick, R. 1995. “What would count as explaining consciousness?” In T. Metzinger, ed.Conscious Experience. Paderborn: Ferdinand Schö
  • Van Gulick, R. 2000. “Inward and upward: reflection, introspection and self-awareness.” Philosophical Topics, 28: 275–
  • Van Gulick, R. 2003. “Maps, gaps and traps.” In A. Jokic and Q. Smith eds.Consciousness: New Philosophical Perspectives. Oxford: Oxford University Press.
  • Van Gulick, R. 2004. “Higher-order global states HOGS: an alternative higher-order model of consciousness.” In Gennaro, R. ed.Higher-Order Theories of Consciousness. Amsterdam and Philadelphia: John Benjamins.
  • van Inwagen, P. 1983.An Essay on Free Will. Oxford: Oxford University Press.
  • Varela, F. and Maturana, H. 1980.Cognition and Autopoiesis. Dordrecht: D. Reidel.
  • Varela, F. 1995. “Neurophenomenology: A methodological remedy for the hard problem.” Journal of Consciousness Studies, 3: 330–
  • Varela, F. and Thomson, E. 2003. “Neural synchronicity and the unity of mind: a neurophenomenological perspective.” In Cleermans, A. ed.The Unity of Consciousness: Binding, Integration, and Dissociation. Oxford: Oxford University Press
  • Velmans, M. 1991. “Is Human information processing conscious?” Behavioral and Brain Sciences, 14/4: 651–668
  • Velmans, M. 2003. “How could conscious experiences affect brains?” Journal of Consciousness Studies, 9: 3–
  • von Helmholtz, H. 1897/1924.Treatise on Physiological Optics. Translated by J. Soothly. New York: Optical Society of America.
  • Wilkes, K. V. 1984. “Is consciousness important?” British Journal for the Philosophy of Science, 35: 223–
  • Wilkes, K. V. 1988. “Yishi, duo, us and consciousness.” In A. Marcel and E. Bisiach, eds.,Consciousness in Contemporary Science. Oxford: Oxford University Press.
  • Wilkes, K. V. 1995. “Losing consciousness.” In T. Metzinger, ed.Conscious Experience. Paderborn: Ferdinand Schö
  • Watson, J. 1924.Behaviorism. New York: W. W. Norton.
  • Wegner, D. 2002.The Illusion of Conscious Will. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Wittgenstein, L. 1921/1961.Tractatus Logico-Philosophicus. Translated by D. Pears and B. McGuinness. London: Routledge and Kegan Paul.
  • Wundt, W. 1897.Outlines of Psychology. Leipzig: W. Engleman.
  • Yablo, S. 1998. “Concepts and consciousness.” Philosophy and Phenomenological Research, 59: 455–

أدوات أكاديمية

 How to cite this entry.
 Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
 Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).
 Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مقالات ذات صلة

consciousness: and intentionality | consciousness: higher-order theories | consciousness: representational theories of | consciousness: unity of | dualism | epiphenomenalism | free will |functionalism | materialism: eliminative | panpsychism | qualia | qualia: knowledge argument |quantum theory: and consciousness | self-knowledge | universals: the medieval problem of | zombies

Acknowledgments

The SEP editors would like to thank Claudio Vanin for pointing out a rather lengthy list of typographical errors that had crept into this entry. We’re grateful to him for taking the time to compile the list.


[1] Van Gulick, Robert, “Consciousness”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2018/entries/consciousness/>.