مجلة حكمة
النظرية الحاسوبية للعقل

النظرية الحاسوبية للعقل

الكاتبمايكل ريسكورلا
ترجمةمساعد العريفي
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول النظرية الحاسوبية للعقل لـد. مايكل ريسكورلا؛ ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


هل يمكن للآلة أن تفكر؟ هل يمكن للعقل بحدّ ذاته أن يكون آلةً للتفكير؟ حوّلت ثورة الحاسوب النقاشَ حول هذه الأسئلة لتقدم أفضل ما توصلنا إليه من آفاق للآلات التي تحاكي المنطق واتخاذ القرارات وحل المشاكل والإدراك والاستيعاب اللغوي وعمليات عقلية أخرى. توسع التقدمات في مجال الحوسبة آفاقها لتعتبر العقل بحد ذاته نظاماً حاسوبياً، نظريةٌ تعرف باسم “النظرية الحاسوبية للعقل” (CTM). وأما الحاسوبيون، فهم من يناصرون “النظرية الحاسوبية للعقل” القابلة للتطبيق على بعض العمليات العقلية على الأقل. لعبت “النظرية الحاسوبية للعقل” دوراً أساسياً في علم الإدراك خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. رغم أنها وُصفت بكونها نظرية تقليدية لعدة سنوات، تعرضت مؤخراً لضغوطات من نماذج منافسة، فأصبح شرح ما يُقصد بقول إن العقل “يحسب” مهمة رئيسية على عاتق “الحاسوبيين”. وأما المهمة الثانية فتتمثل بإثبات أن العقل “يحسب” بالمنطق المناسب، في حين كانت المهمة الثالثة توضيح كيفية ارتباط التوصيف الحاسوبي بأنواع شائعة أخرى من التوصيف، خاصة “التوصيف الفيزيولوجي العصبي” (والذي يحدد الخصائص الفيزيولوجية العصبية لجسم أو دماغ الكائن الحي) و”التوصيف القصدي” (الذي يحدد الخصائص التمثيلية للحالات العقلية).


1. آلات تورينغ

تعدّ المفاهيم البديهية للحوسبة والخوارزميات أساسية في الرياضيات، فالخوارزميةُ بصورة عامة إجراءٌ واضح تدريجي للإجابة على سؤال ما أو حل مشكلة معينة. تقدّم الخوارزمية تعليمات ميكانيكية روتينية حول كيفية اجتياز كل خطوة، فعلى سبيل المثال، تصف الخوارزميات العادية البسيطة كيفية حساب عمليات الجمع والطرح والضرب. اعتمدت الرياضيات حتى بدايات القرن العشرين على مفاهيم غير شكلية للحوسبة والخوارزميات دون أي محاولة لإجراء التحليلات الشكلية. ولكن في النهاية دفعت التطورات في أسس الرياضيات علماء المنطق إلى اتباع منهج أكثر تنظيماً، فقدم بحث آلان تورينغ في عالم 1936، “عن الأرقام المحوسبة، مع تطبيق على مشكلة القرار” (On Computable Numbers, With an Application to the Entscheidungsproblem) تحليلاً أثبت تأثيره في هذا المجال.

وأما “آلة تورينغ” فهي نموذج تجريدي لجهاز حوسبة مثالي غير محدود بالوقت ومساحة التخزين. يتحكم هذا الجهاز بالرموز كما يتحكم الحاسب البشري بعلامات قلم الرصاص على الورق عند إجراء عملية حاسوبية. لم يوضح تورينغ طبيعة هذه الرموز بشكل كافٍ، ولكنه يفترض أن الرموز البدائية استخلصت من أبجدية محدودة، كما يفترض إمكانية كتابة هذه الرموز أو مسحها في “مواقع الذاكرة”، ويعمل نموذج تورينغ وفقاً للآتي:

  • توجد مواقع لا نهائية للذاكرة متتالية على شكل مصفوفة خطية. وعلى حد المجاز، تعتبر هذه المواقع “خلايا” على “شريط ورقي” طويل لا نهائي. وبشكل أكثر حرفيةً، يمكن تحقيق مواقع الذاكرة هذه مادياً في وسائط متعددة مثل (رقاقات السيليكون).
  • يوجد معالج مركزي يمكنه الوصول إلى مواقع الذاكرة كلٌّ على حدة. وعلى حد المجاز، يمثل المعالج المركزي “ماسحاً” يتحرك على طول الشريط الورقي من “خلية” إلى أخرى.
  • يمكن أن يدخل المعالج المركزي في عدد محدود من حالات الآلة.
  • يمكن للمعالج المركزي أن يؤدي أربع عمليات ابتدائية: أن يكتب رمزاً على أحد مواقع الذاكرة؛ أن يمسح رمزاً من أحد مواقع الذاكرة؛ أن يصل إلى موقع الذاكرة التالي في المصفوفة الخطية (“يتحرك على الشريط باتجاه اليمين”)؛ أن يصل إلى موقع الذاكرة السابق في المصفوفة الخطية (“يتحرك على الشريط باتجاه اليسار”).
  • يعتمد تحديد أي عملية ابتدائية يؤديها المعالج المركزي بشكل كامل على عاملين: الرمز المكتوب في الوقت الحالي على موقع الذاكرة الموجود وحالة الآلة التي يكون فيها الماسح.
  • يحدد “جدول الآلة” أي عملية يؤديها المعالج المركزي، تبعاً لحالة الآلة التي يكون فيها والرمز الذي يحاول الوصول إليه في الوقت الحالي. كما يحدد جدول الآلة كيفية تبدّل حالة الآلة للمعالج المركزي وفقاً للعاملين المذكورين. وبذلك يوفر جدول الآلة مجموعة محددة من التعليمات الميكانيكية الروتينية التي تحكم الحوسبة.

يحول تورينغ هذا الوصف غير الشكلي إلى نموذج رياضي شديد الدقة: لمزيد من التفاصيل انظر باب آلات تورينغ.

يعزز تورينغ منهجه من خلال الاسقاطات على عوامل الحوسبة البشريين، حيث يذكر حدوداً معينة لجهازنا الإدراكي والمعرفي، مشيراً إلى إمكانية محاكاة أي خوارزمية رمزية يجريها البشر باستخدام آلة تورينغ مناسبة. ويختم بأنه رغم البساطة الفائقة لبنية آلة تورينغ، فهي قوية بما يكفي لالتقاط جميع الإجراءات الميكانيكية التي يمكن للبشر تطبيقها على التكوينات الرمزية، علماً أن أغلب من ناقش في ذلك بعده وافقه بشكل كامل تقريباً.

غالباً ما توصف حوسبة تورينغ بأنها “رقمية” أكثر من كونها “تمثيلية”، ورغم عدم وضوح ما يعني ذلك غالباً، إلا أن الفكرة الأساسية تتمثل عادةً بأن الحوسبة تعمل على تكوينات منفصلة، فيما تعمل خوارزمياتً هامة على مر التاريخ على تكويناتٍ دائمة التغير. وعلى سبيل المثال، تمنح الهندسة الإقليدية دوراً كبيراً لـ “إنشاءات المسطرة والبوصلة” التي تتلاعب بالأشكال الهندسية، حيث يمكن إيجاد شكل مختلف عن أي شكل آخر ولو بدرجة صغيرة اعتباطياً. تعمل آلات تورينغ على سلاسلَ منفصلةٍ من العناصر (الأرقام) المستخلصة من أبجدية محدودة. ومن القضايا الجدلية المتكررة تلك التي تثير التساؤلات حول ملاءمة النموذج الرقمي أو التمثيلي لنمذجة النشاط العقلي (MacLennan 2012; Piccinini and Bahar 2013).

إلى جانب تقديمه لآلات تورينغ، أثبت تورينغ (1936) عدة نتائج رياضية أساسية تنطوي عليها، خاصة أنه أثبت وجود “آلة تورينغ عالمية” (UTM)، فعلى حد التعبير، (UTM) هي آلة تورينغ قادرة على محاكاة أية آلة تورينغ أخرى. يمكن تزويد “آلة تورينغ عالمية” بإدخالات رمزية ترمّز جدول الآلة لآلة تورينغ (M)، ثم تحاكي آلة تورينغ العالمية سلوك آلة تورينغ (M) لتنفيذ التعليمات الموجودة في جدول الآلة لآلة تورينغ (M). وبذلك تكون “آلة تورينغ العالمية” حاسوباً عام الأغراض وقابلاً للبرمجة. من وجهة نظر أولية، تُعتبر جميع الحواسيب الشخصية عامةَ الأغراض أيضاً، حيث يمكنها محاكاة أية آلية تورينغ في حال جرت برمجتها بشكل مناسب. ولكن المشكلة الأساسية تكمن في امتلاك جميع الحواسيب المادية ذاكرةً محدودة، في حين تمتلك آلة تورينغ ذاكرة غير محدودة. ولذلك بتعبير أدق، يمكن للحاسوب الشخصي محاكاة أية آلة تورينغ إلى الحد الذي تنتهي فيه ذاكرته المحدودة.

أسهم جدال تورينغ في وضع أساسات علم الحاسوب، والذي بدوره يسعى إلى تصميم أنظمة الحوسبة وبنائها وفهمها. كما نعلم، يمكن لعلماء الحاسوب الآن بناء آلات حاسوبية فائقة التعقيد، علماً أن جميع هذه الآلات تنفذ شيئاً يمثل عمل آلة تورينغ على الرغم من اختلاف التفاصيل عن نموذج تورينغ المبسط.

2. الذكاء االاصطناعي

دفع التطور المتسارع في علم الحاسوب كثيرين، بمن فيهم تورينغ، إلى التساؤل حول إمكانية بناء حاسوب قادر على التفكير، لذلك يهدف الذكاء الاصطناعي (AI) إلى بناء “الآلات المفكرة”، أو بتعبير أدق، يهدف إلى بناء آلات حاسوبية قادرة على تنفيذ مهام عقلية أساسية كالتفكير المنطقي واتخاذ القرارات وحل المشاكل وغيرها، علماً أن هذا الهدف اقترب من الواقع بشكل كبير خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين (Haugeland 1985).

ركزت أولى أبحاث الذكاء الاصطناعي على المنطق، حيث سعى الباحثون إلى “مكننة” (mechanization) التفكير المنطقي. وكان البرنامج الحاسوبي “منظّر المنطق” (Logic Theorist) أشهر الأمثلة على ذلك (Newell and Simon 1956)، والذي أثبت 38 مبرهنة من أول 52 مبرهنة من كتاب “مبادئ الرياضيات” (Whitehead and Russell 1925)، كما اكتشف في أحد الحالات إثباتاً أبسط من إثبات الكتاب.

أثار هذا النجاح المبكر اهتماماً كبيراً داخل المجتمع الأكاديمي وخارجه، حيث توقع العديد من الباحثين ظهور الآلات الذكية بعد بضع سنوات فقط. ولكن يبدو أن هذه التنبؤات لم تتحقق، لأننا حتى الآن لم نرى الروبوتات الذكية تسير بيننا. حتى أن العمليات العقلية البسيطة نسبياً، كالإدراك مثلاً، تفوق إلى حد كبير قدرات البرامج الحاسوبية الحالية. وحين بدت التنبؤات الواثقة بظهور الآلات المفكرة مبالغاً فيها، فقد العديد من المنتظرين اهتمامهم واعتبروا الذكاء الاصطناعي مهمة حمقاء. ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة تقدماً تدريجياً، فكان حاسوب “ديب بلو” (Deep Blue) الذي طورته شركة (IBM) مثالاً على النجاحات المبهرة بعد هزيمته لبطل الشطرنج غاري كاسباروف في عام 1997. كما حققت سيارة “ستانلي” (Stanly) ذاتية القيادة نجاحاً كبيراً آخر (Thrun, Montemerlo, Dahlkamp, et al. 2006)، حيث أتمت مساراً بمسافة 132 ميلاً في صحراء موهافي، وفازت في عام 2005 بالتحدي الكبير لوكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA). وأما التطور الهائل لخوارزميات التعرف على الكلام فيعدُّ من قصص النجاح الأقل إبهاراً.

كان “عدم اليقين” من المشكلات التي عرقلت العمل المبكر في الذكاء الاصطناعي، لأن معظم عمليات الاستدلال واتخاذ القرارات تجري في ظروف يتخللها عدم اليقين. فيمكن أن تضطر على سبيل المثال لاتخاذ قرار حول الذهاب في نزهة، في حين لا تكون متأكداً مما إذا كانت ستمطر أم لا. وتعدّ نظرية القرار البايزية نموذجاً رياضياً معيارياً للاستدلال واتخاذ القرارات في حالة اللايقين. تعمل الاحتمالية على تقنين اللايقين، حيث تحدد القواعد الدقيقة كيفية تحديث الاحتمالات وفقاً للأدلة الجديدة إلى جانب كيفية اختيار الأفعال وفقاً للاحتمالات والأدوات. (للمزيد من المعلومات انظر باب مبرهنة بايز والنظريات المعيارية للاختيار العقلاني: الفائدة المتوقعة). أسهمت التكنولوجيا والتطورات المفاهيمية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين في تمكين البرامج الحاسوبية الفعالة القادرة على تطبيق الاستدلال البايزي أو الاقتراب من تطبيقه في السيناريوهات الواقعية، ثم شهد العالم بعد ذلك بزوغ الذكاء الاصطناعي البايزي (Thrun, Burgard, and Fox 2006)، بما في ذلك التطورات آنفة الذكر للتعرف على الكلام والمركبات ذاتية القيادة. كما تعدّ الخوارزميات القابلة للتعقب والتي تتعامل مع اللايقين إنجازاً أساسياً للذكاء الاصطناعي المعاصر (Murphy 2012) ولعلها نذير تقدمٍ مستقبلي أكثر إدهاشاً.

على الرغم مما توصَّلت إليه الحواسيب من تطور، إلا أن بعض الفلاسفة يصرّون على أنها قادرة على محاكاة التفكير وليس إتقانه بشكل مماثل، حيث لا يمكن لمحاكاةٍ حاسوبية للطقس أن تمطر في الواقع، أو لمحاكاة حاسوبية للطيران أن تطير، فحتى لو تمكن النظام الحاسوبي من محاكاة النشاط الذهني، ما فائدة التشكيك في قدرته على تشكيل النموذج الأصلي؟

تنبأ تورينغ في عام 1950 بهذه الشكوك وحاول دحضها، فقدم سيناريو يدعى الآن “اختبار تورينغ”، حيث يقيّم الباحث فيما إذا كان المحاور غير المرئي حاسوباً أم بشرياً، فيجتاز الحاسوب “اختبار تورينغ” إذا لم يتمكن الباحث من اكتشاف أنه حاسوب. كما اقترح تورينغ تجنب سؤال “هل يمكن للحاسوب أن يفكر؟” بسبب غموضه التام، ليجري استبداله بسؤال “هل يمكن للحاسوب أن يجتاز اختبار تورينغ؟”. لقي اقتراح تورينغ انتباهاً شديداً وتأثيراً خاصاً في الذكاء الاصطناعي. كما قدم نيد بلوك في عام 1981 نقداً مؤثراً مفاده أن آلات محددة تجتاز “اختبار تورينغ” على الرغم من عدم اقترابها من التفكير أو الذكاء الأصلي. انظر باب اختبار تورينغ للاطلاع على فحوى اعتراض بلوك وقضايا أخرى حول اختبار تورينغ.

للمزيد من المعلومات عن الذكاء الاصطناعي، انظر باب المنطق والذكاء الاصطناعي. لمزيد من التفاصيل، انظر راسل ونورفينغ (2010).

3. النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل

في البداية اقترح كلٌّ من وارن ماكولوتش ووالتر بيتس في عام 1943 أنه يمكن لشيء يمثل آلة تورينغ أن يقدم نموذجاً جيداً للعقل، ثم أصبحت حوسبة تورينغ في الستينيات أساسية بالنسبة لـ “علم الإدراك” الناشئ متعدد التخصصات، والذي يدرس العقل من خلال الاعتماد على علم النفس وعلم الحاسوب (خاصة الذكاء الاصطناعي)، واللغويات والفلسفة وعلم الاقتصاد (خاصة نظرية الألعاب والاقتصاد السلوكي) والأنثروبولوجيا وعلم الأعصاب. أصبحت الآن تسمية “النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل” (CCTM) معياريةً إلى حد ما، حيث تعتبر النظرية العقلَ نظاماً حاسوبياً شبيهاً إلى حد كبير بآلة تورينغ، كما تعتبر العملياتِ العقليةَ الأساسيةَ (كالتفكير المنطقي واتخاذ القرارات وحل المشاكل) عملياتٍ حاسوبيةً شبيهةً إلى حد كبير بالعمليات الحاسوبية التي تجريها آلة تورينغ، ولكن هذه الصيغ ليست دقيقة، ما يستلزم النظر إلى النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل على أنها مجموعة من وجهات النظر، بدلاً من اعتبارها رؤية واحدة محددة. ]1[

من الشائع وصف النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل بكونها تجسيداً لـ “المجاز الحاسوبي”، علماً أن هذا الوصف يزيد من الغموض.

أولاً، تتمثل أفضل طريقة لتشكيل النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل بوصف العقل “نظاماً حاسوبياً” أو “نظاماً حسابياً” أكثر من وصفه “حاسوباً”، حيث أشار ديفيد تشالميرز (2011) إلى أن وصف نظامٍ ما بكونه “حاسوباً” يدل على أن هذا النظام قابل للبرمجة، كما أشار إلى عدم حاجة الباحث إلى أن يدّعي إمكانية برمجة العقل بمجرد وصفه على أنه نظام حاسوبي على نمط تورينغ، (علماً أن معظم آلات تورينغ غير قابلة للبرمجة). ولذلك فإن عبارة “المجاز الحاسوبي” تقترح بقوة الالتزامات النظرية الأساسية بالنسبة للنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل. ليست القضية اصطلاحيةً فحسب، بل أن نقاد النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل غالباً ما يعترضون على عدم كون العقل حاسوباً متعدد الأغراض وقابلاً للبرمجة (Churchland, Koch, and Sejnowski 1990). ويعد هذا الاعتراض في غير مكانه، بما أن الحاسوبيين الكلاسيكيين لا يضطرون إلى الادعاء (وغالباً لا يدّعون) بأن العقل حاسوبٌ متعدد الأغراض وقابل للبرمجة.

ثانياً، لا يفترض أن تُفهم النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل بشكل مجازي، فهي لا تعني ببساطة أن العقل يشبه النظام الحاسوبي، بل تعني أن العقل بحد ذاته نظامٌ حاسوبيٌ. بالطبع تُصنع معظم الأنظمة الحاسوبية الاصطناعية من رقاقات السيليكون أو مواد مشابهة، في حين يتكون جسم الإنسان من اللحم والدم. ولكن النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل تؤمن بأن هذا الاختلاف يتضمن تشابهاً أكثر جوهرية يمكن ملاحظته عبر نموذج حاسوبي على نمط تورينغ. ومن خلال تقديم نموذج كهذا، نتخلى عن التفاصيل المادية ونبقي على وصف حاسوبي مجرد قابل للتطبيق فعلياً بأساليب متنوعة (كرقاقات السيليكون أو الخلايا العصبية أو البكرات أو الرافعات). فلذلك تؤمن النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل بأن النموذج الحاسوبي المجرد المناسب يقدم وصفاً حرفياً دقيقاً للعمليات العقلية الرئيسية.

ومن الشائع أيضاً اختصار النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل بعبارة “العقل هو آلة تورينغ”، ولكن هذه العبارة مضللة بعض الشيء لأنه لا يوجد من يعتبر التشكيل الدقيق لتورينغ نموذجاً مناسباً للنشاط الذهني، حيث يبدو هذا التشكيل مقيِّداً للغاية بعدة طرق:

  • تطبق آلات تورينغ حوسبةً رمزيةً محضة، حيث تكون المدخلات والمخرجات رموزاً مكتوبة في موقع الذاكرة. خلافاً لذلك، يتلقى العقل مدخلات حسية (كالمحفزات البصرية) وينتج مخرجات حركية (التنشيط العضلي). لا بد للنظرية الكاملة أن تصف كيفية استدلال الحساب الذهني من خلال المدخلات الحسية والمخرجات الحركية.
  • تمتلك آلة تورينغ سعة ذاكرة منفصلة لا نهائية، في حين تمتلك الأنظمة البيولوجية العادية سعة ذاكرة محدودة. لا بد للنموذج السيكولوجي المناسب أن يستبدل بتخزين الذاكرة غير النهائي تخزينَ ذاكرة كبير ومحدود.
  • تمتلك الحواسيب الحديثة ذاكرة وصول عشوائي: أي مواقع الذاكرة القابلة للقصد والتي يمكن للمعالج المركزي أن يصل إليها مباشرة، علماً أن ذاكرة آلة تورينغ غير قابلة للقصد. يمكن للمعالج المركزي أن يصل إلى موقع في الذاكرة فقط من خلال الوصول إلى المواقع الوسيطة بالتتابع. تعدُّ الحوسبة دون الذاكرة القابلة للقصد غير فعالة بشكل ميؤوس منه، ولذلك أشار كلٌّ من سي آر غاليستل وآدم كينغ في عام 2009 إلى أن الذاكرة القابلة للقصد تعطي نموذجاً للعقل أفضل من الذاكرة غير القابلة للقصد.
  • تمتلك آلة تورينغ معالجاً مركزياً يعمل بالتسلسل وينجز التعليمات كلٌّ على حدة، في حين تجعل تشكيلات الحوسبة الأخرى هذا المفهوم أكثر سلاسة وتتيح وحدات معالجة متعددة تعمل بالتوازي، علماً أنه يمكن للحاسوبيين الكلاسيكيين أن يسمحوا بالعمليات الحاسوبية المتوازية (Fodor and Pylyshyn 1988; Gallistel and King 2009: 174). انظر غاندي (1980) وسيغ (2009) للأبحاث الرياضية العامة التي تحيط بالحوسبة المتوازية والتسلسلية.
  • تعد حوسبة تورينغ حتمية: تحدد الحالةُ الحاسوبيةُ الكليةُ الحالةَ الحاسوبيةَ التالية، كما يمكن السماح بالحسابات العشوائية بدلاً من ذلك، علماً أن الوضع الحالي في النموذج العشوائي لا يحدد حالة لاحقة فريدة، بل يوجد احتمالية محددة لانتقال الآلة من حالة إلى أخرى.

تدّعي النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل بأن النشاط العقلي “حوسبة على نمط تورينغ”، ما يسمح بتلك الانحرافات وغيرها عن التشكيل الخاص بـ تورينغ.

1.3 وظائفية الآلة

 أدخل هيلاري بوتنام النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل إلى الفلسفة في عام 1967 وعارض موقفه مع “السلوكية المنطقية” (Logical Behaviorism) و”نظرية هوية العقل” (Type-Identity Theory)، اللتين تتخذان موقفاً يرمي إلى الكشف عن طبيعة الحالات العقلية، بما في ذلك المواقف الافتراضية (كالمعتقدات) والأحاسيس (كالآلام) والمشاعر (كالخوف)، ووفقاً للسلوكية المنطقية، تُعتبر الحالاتُ المزاجيةُ السلوكيةُ حالاتٍ عقلية. ولكن اتخذ بوتنام وجهة نظر “وظائفية” مخالفة تعدّ فيها الحالاتُ العقليةُ حالاتٍ وظائفية. وفقاً للنظرية الوظائفية، يمتلك النظام عقلاً عندما يكون لدى هذا النظام تنظيم وظائفي ملائم، حيث تكون الحالات العقلية حالاتٍ تؤدي أدواراً ملائمة في التنظيم الوظائفي للنظام، وتتفرد كل حالة عقلية عبر تفاعلها مع المدخلات الحسية والمخرجات الحركية وغيرها من الحالات العقلية.

تقدم الوظائفية ميزات ملحوظة تتفوق على السلوكية المنطقية ونظرية هوية العقل:

  • يرمي السلوكيون إلى ربط كل حالة عقلية بنمط مميز للسلوك – مهمة ميؤوس منها لأن الحالات العقلية الفردية عادةً لا تمتلك تأثيرات سلوكية مميزة. غالباً ما ينتج السلوك عن حالات عقلية واضحة تعمل مع بعضها (كاعتقاد ما أو رغبة ما). تتجنب الوظائفية هذه الصعوبة من خلال الفصل بين الحالات العقلية عبر العلاقات المميزة، ليس فقط مع المدخلات الحسية والسلوك، بل علاقات هذه الحالات مع بعضها أيضاً.
  • وأما نظرية هوية العقل فترمي إلى ربط كل حالة عقلية بحالة فيزيائية أو عصبية فيزيولوجية مميزة. فيما يثير بوتنام الشكوك حول هذا المشروع من خلال اعتبار الحالات العقلية “قابلةً للتحقيق بطرق متعددة”: يمكن أن تتحقق الحالة الذهنية ذاتها عبر أنظمة مادية متنوعة، ولا يقتصر ذلك على المخلوقات الأرضية، بل يتضمن المخلوقات الافتراضية أيضاً (كالكائن المريخي القائم على السيليكون). صُممت الوظائفية لتلائم قابلية التحقق المتعدد، فالوظائفية تعتبر أن ما يهم بالنسبة للعقلية هو نمط التنظيم الذي يمكن تحقيقه مادياً بطرق مختلفة. للمزيد من التفاصيل حول هذا النقاش، انظر باب قابلية التحقق المتعدد.

يدعم بوتنام حالياً فرعاً من الوظائفية يدعى “وظائفية الآلة” (Machine Functionalism)، فيؤكد على “الآلات الاحتمالية” (Probabilistic Automata) المشابهة لآلات تورينغ باستثناء التنقلات العشوائية بين الحالات الحاسوبية. يفترض بوتنام أن النشاط العقلي يجري أتمتةً احتمالية، وأن حالاتٍ عقليةٍ معينة تكون حالات آلية لمعالج الأتمتة المركزي. وأما الجدول الآلي فيحدد تنظيماً وظائفياً مناسباً، كما يحدد الدور الذي تؤديه الحالات العقلية الفردية ضمن التنظيم الوظائفي. وبذلك يدمج بوتنام بين الوظائفية والنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل.

تواجه وظائفية الآلة مشاكل عديدة، من بينها المشكلة التي تتعلق بـ “إنتاجية الفكر” (Productivity of Thought)، والتي سلط عليها الضوء كلٌّ من نيد بلوك وجيري فودور في عام 1972. يمكن أن يكون لدى الإنسان العادي مجموعة لا متناهية من الافتراضات، ولكن وظائفية الآلة تشابه بين الحالات العقلية والحالات الآلية للأتمتة الاحتمالية. نظراً لمحدودية عدد الحالات الآلية، لا يوجد حالات آلية كافية لمقابلة كل واحدة من الحالات العقلية للإنسان الطبيعي مع حالة آلية، رغم أن الإنسان الطبيعي لن يتمكن من احتمال سوى مجموعة محددة من الافتراضات. ومع ذلك، أكد كلٌّ من بلوك وفودور على أن هذه المحدودية تفرض حدوداً على دورة الحياة والذاكرة أكثر من كونها قانوناً فيزيولوجياً يقيد مجموعة الافتراضات الممكنة إنسانياً. تتمتع الأتمتة الاحتمالية بالوقت وسعة الذاكرة غير المحدودين، ومع ذلك توجد مجموعة محدودة من الحالات الآلية. لذلك من الواضح أن وظائفية الآلة لا تحدد بشكل سليم القيود التي تحدّ الإدراك البشري.

ومن المشاكل الأخرى لوظائفية الآلة، التي سلط عليها الضوء كلٌّ من بلوك وفودور أيضاً في عام 1972، تلك التي تتعلق بـ “منهجية الفكر” (Systematicity of Thought)؛ ترتبط إمكانية التفكير بافتراض واحد بإمكانية التفكير بافتراضات أخرى. فعلى سبيل المثال، يمكن للشخص الذي تدور في ذهنه فكرة أن “جون يحب ماري” أن تخطر له فكرة أخرى، “ماري تحب جون”. وبذلك يبدو أنه توجد علاقات ممنهجة بين الحالات العقلية، فيجب على النظرية الجيدة أن تعكس تلك العلاقات الممنهجة. ومع ذلك، تربط وظائفية الآلة بين الحالات العقلية وحالات الآلات غير المنظمة والتي تفتقر إلى وجود العلاقات الممنهجة اللازمة فيما بينها. لذلك لا تشرح وظائفيةُ الآلةِ المنهجيةَ، وكردّ على هذا الاعتراض، غالباً ما ينكر أنصار وظائفية الآلة أنهم ملزمون بشرح هذه المنهجية، إلا أن هذا الاعتراض يدل على أن وظائفية الآلة تهمل خصائص جوهرية في العقلية الإنسانية، حيث لو وجِدت نظرية أفضل منها لوصفت تلك الخصائص بطريقة مضبوطة.

ربما لا تبدو الاعتراضات المتعلقة بالمنهجية والإنتاجية في وظائفية الآلة اعتراضاتٍ قوية، ولكنها تثير دافعاً قوياً للوصول إلى نسخة محسّنة من النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل. لمعرفة المزيد عن المشاكل التي تواجه وظائفية الآلة والوظائفية بشكل عام، انظر بلوك (1978).

2.3 النظرية التمثيلية للعقل

قدم فودور (1975, 1981, 1987, 1990, 1994, 2008) نسخة من النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل تستوعب المنهجية والإنتاجية بشكل مرضٍ أكثر، حيث وجه التركيز نحو الرموز المعالَجة خلال الحوسبة على نمط تورينغ.

توجد وجهة نظر قديمة يعود تاريخها على الأقل إلى كتاب ويليام الأوكامي، “مجموع المنطق” (Summa Logicae)، مفادها أن التفكير يحدث بـ “لغة الفكر” وتعرف أحياناً باسم “العقلية” (Mentalese). أعاد فودور هذه النظرة إلى الواجهة وافترض وجود نظام من التمثيلات العقلية يشمل التمثيلات العقلية البدائية والتمثيلات العقلية المعقدة التي تشكلها التمثيلات العقلية البدائية. فعلى سبيل المثال، يمكن للكلمات العقلية البدائية، “ماري” و”جون” و”يحب”، أن تُجمع لتشكل الجملة العقلية “جون يحب ماري”. وبذلك فإن “العقلية” إنشائية: يعدّ المعنى المعقد للتعبير العقلي وظيفةً لمعاني أجزائه والطريقة التي تُجمع فيها هذه الأجزاء، كما تعدُّ المواقف التمثيلية علاقاتٍ مع الرموز العقلية. يدعو فودور وجهة النظر هذه “النظرية التمثيلية للعقل” (RTM)، حيث يجمع بين النظرية التمثيلية للعقل والنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل، مشيراً إلى أن النشاط العقلي يتضمن حوسبةً على نمط تورينغ للغة الفكر. تخزن الحاسوبية العقلية الرموز العقلية في مواقع الذاكرة وتعالج هذه الرموز وفقاً لقواعد ميكانيكية.

أفضل ما يميز النظرية التمثيلية للعقل مدى استيعابها للإنتاجية والمنهجية:

الإنتاجية: تفترض النظرية التمثيلية للعقل مجموعة محدودة من التعابير العقلية البدائية التي يمكن جمعها لتكوّن مجموعة لا محدودة من التعابير العقلية المعقدة. يمكن للمفكر أن ينتج مجموعة لا نهائية من التعبيرات العقلية من خلال الوصول إلى المفردات العقلية البدائية وأدوات التركيب العقلية، ما يمكنه من إنشاء عدد لا نهائي من المواقف التمثيلية (بصرف النظر عن حدود الوقت والذاكرة).

المنهجية: وفقاً للنظرية التمثيلية للعقل، توجد علاقات ممنهجة بين المواقف التمثيلية التي ينشئها المفكر، فعلى سبيل المثال، إذا افترضت أنه يمكنني أن أفكر أن جون يحب ماري، يتضمن قيامي بذلك، تبعاً للنظرية التمثيلية للعقل، اتخاذي لموقف علائقي (R) تجاه جملة عقلية، “جون يحب ماري”، مشكّلة من كلمات عقلية، “جون” و”يحب” و”ماري”، مركبة بالطريقة الصحيحة. إذا كانت لدي هذه الإمكانية، فستكون لدي الإمكانية أيضاً لأتخذ موقفاً علائقياً (R) تجاه الجملة العقلية الفريدة “ماري تحب جون”، أي أنه يمكنني أن أفكر بأن “ماري تحب جون”. لذلك فإن إمكانية التفكير بأن “جون يحب ماري” مرتبطة بشكل منهجي مع إمكانية التفكير بأن “ماري تحب جون”.

تشرح النظرية التمثيلية للعقل كلاً من الإنتاجية والمنهجية من خلال معاملة المواقف التمثيلية كعلاقات مع الرموز العقلية المعقدة.

تختلف النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل (CCTM+RTM) عن وظائفية الآلة بعدة أمور أخرى. أولاً، تُعتبر وظائفية الآلة نظرية للحالات العقلية “بشكل عام”، في حين تعدّ النظرية التمثيلية للعقل نظرية للمواقف التمثيلية فقط. ثانياً، لا حاجة لأنصار النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل في أن يشيروا إلى أن المواقف التمثيلية متفردة وظائفياً. كما يلاحظ فودور (2000: 105, fn. 4)، لا بد أن نميز الحاسوبية (العمليات العقلية حاسوبية) عن الوظائفية (الحالات العقلية حالات وظائفية). بينما تؤيد وظائفية الآلة كلا الموقفين، تؤيد النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل الموقف الأول فقط. ولكن لسوء الحظ، ما زال العديد من الفلاسفة يخطؤون بافتراض أن الحاسوبية تستلزم نهجاً وظائفياً للمواقف التمثيلية. (انظر بيتشينيني 2004 للاطلاع على النقاش).

يميل النقاش الفلسفي للنظرية التمثيلية للعقل إلى التركيز بشكل أساسي على “الفكر الإنساني عالي المستوى”، خاصة المعتقدات والرغبات. ومع ذلك، يمكن تطبيق النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل في نطاق واسع من الحالات والعمليات العقلية. يطبقها العديد من علماء الإدراك على الحيوانات غير البشرية، فعلى سبيل المثال، يطبقها كلٌّ من غاليستل وكينغ (2009) على ظواهر معينة لدى اللافقاريات (كتنقل نحل العسل). حتى في حال حصر التركيز بالبشر، يمكن تطبيق النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل على المعالجة الفرعية. يعتقد فودور أن الإدراك الحسي يتضمن “وحدة فرعية تحول مدخلات شبكية العين إلى رموز عقلية ثم تؤدي العمليات الحاسوبية على تلك الرموز. وبذلك يحتمل أن يكون الحديث عن “لغة الفكر” مضللاً بما أنه يفترض وجود قيد غير موجود على النشاط العقلي عالي المستوى.

كما يعدّ وصف العقليةِ على أنها لغةٌ أمراً مضللاً أيضاً، لأنه يفترض أن جميع الرموز العقلية تمثل تعابيراً في لغة طبيعية، علماً أن العديد من الفلاسفة، بمن فيهم فودور، يدعمون هذا الرأي. ومع ذلك، يوجد أشكال غير افتراضية ممكنة للرموز العقلية، كما يمكن لأنصار النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل أن يتبنوا اتجاهاً تعددياً بما يسمح للحوسبة العقلية أن تعمل على عناصر أقرب إلى الصور أو الخرائط أو الرسوم البيانية أو غيرها من التمثيلات غير الافتراضية (Johnson-Laird 2004: 187; McDermott 2001: 69; Pinker 2005: 7; Sloman 1978: 144–176). يبدو الاتجاه التعددي ملائماً بشكل خاص عند تطبيقه على العمليات الفرعية (كالإدراك الحسي) والحيوانات غير البشرية. يستعرض مايكل ريسكورلا (2009a,b) أبحاثاً عن “الخرائط الإدراكية” (Tolman 1948; O’Keefe and Nadel 1978; Gallistel 1990) ويفترض أنه يمكن لبعض الحيوانات أن تتنقل عبر إجراء الحوسبة على تمثيلات عقلية تشبه الخرائط أكثر من الجُمل. وأما إليزابيث كامب (2009) التي تعتمد على أبحاث حول التفاعل الاجتماعي لقردة البابون (Cheney and Seyfarth 2007)، فتجادل أنه يمكن لقردة البابون أن ترمّز علاقاتِ السيطرة الاجتماعية من خلال تمثيلات غير حسية وذات بنية شجرية.

تعدّ النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل نظرية تخطيطية، ولملء المخطط، يجب تقديم نماذج حاسوبية مفصلة للعمليات العقلية، حيث إن النموذج الكامل:

  • سيصف الرموز العقلية التي تعالجها العملية؛
  • ويعزل العمليات الأولية التي تعالج الرموز (ككتابة الرمز في موقع الذاكرة)؛
  • ويحدد قواعد ميكانيكية تحكم تطبيق العمليات الأولية.

ومن خلال تقديم النموذج الحاسوبي المفصّل، نُفكِّك العمليةَ العقلية المعقدة إلى سلسلة من العمليات الأولية المحكومة بتعليمات دقيقة وروتينية.

تتخذ النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل موقفاً حيادياً من الجدال بين “المادية” و”ثنائية العقل والجسد”، حيث يتقدم النموذج القائم على نمط تورينغ في مرحلة مادية بحتة دون تحديد فيما إذا كانت العمليات الحاسوبية مطبقة عبر أجزاء مادية أو أجزاء ذات طبيعة روحية ديكارتية (Block 1983: 522). ولكن من الناحية التطبيقية، يتبنى جميع أنصار النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل وجهةَ نظرٍ مادية بشكل عام، حيث يعتقدون أن العمليات الحاسوبية العقلية لا تطبق عبر الأجزاء ذات الطبيعة الروحية، بل عبر الدماغ. ومن وجهة النظر هذه، تُدرك الرموز العقلية عبر الحالات العصبية، في حين تدرك العمليات الحاسوبية على الرموز العقلية عبر العمليات العصبية. ولكن في نهاية المطاف، لا بد أن يقدم الأنصار الماديون للنظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل نظريات تجريبية مثبتة بدقة وتشرح كيفية تطبيق النشاط العصبي للحوسبة على نمط تورينغ. كما يؤكد كلٌّ من غاليستل وكينغ (2009)، لا توجد لدينا حالياً نظريات كهذه – ولكن لمزيد من التفاصيل، انظر زيلبيربيرغ وديهين ورولفسيما وسيغمان (2011).

طوّر فودور (1975) النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل كأساس لعلم الإدراك، فتناول ظواهرَ عقليةً مثل اتخاذ القرارات والإدراك الحسي والمعالجة اللغوية. في الواقع جادل بأن نظرياتنا الوحيدة القابلة للتطبيق تكون على هذا الشكل، وتوصل إلى أن النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل هي “اللعبة الوحيدة في الميدان”، علماً أن العديد من علماء الإدراك يجادلون في خطوط مشابهة. كما أن كلاً من سي آر غاليستل وآدم كينغ (2009)، فيليب جونسون-ليرد (1988)، آلين نيويل وهيربيرت سايمون (1976)، وزينون بيليشين (1984) يرشحون الحوسبة على نمط تورينغ على الرموز العقلية كأفضل أساس لوضع النظريات العلمية حول العقل.

4. الشبكات العصبونية

ظهرت النظرية الترابطية “الاتصالية” (Connectionism) في ثمانينيات القرن العشرين كمنافس رئيسي للحوسبة الكلاسيكية. يستمد أنصار النظرية الترابطية الإلهام من الفيزيولوجية العصبية بدلاً من المنطق وعلم الحاسوب، حيث يوظفون النماذج الحاسوبية، “الشبكات العصبونية” (Neural Networks)، التي تختلف كثيراً عن النماذج على نمط تورينغ. وأما “الشبكة العصبونية” فهي مجموعة من العُقَد المترابطة، فيما تندرج هذه العقد تحت ثلاث تصنيفات: “عقد الإدخال” (Input Nodes) و”عقد الإخراج” (Output Nodes) و”العقد المخفية” (Hidden Nodes) (التي تؤدي دور الوسيط بين عقد الإدخال وعقد الإخراج)، كما تمتلك العقد قيماً للتنشيط يُعبَّر عنها بأرقام حقيقية، كما يمكن أن تحمل إحدى العقد “اتصالاً موزوناً” (Weighted Connection) بعقدة أخرى يُعبَّر عنه برقم حقيقي أيضاً. تُحدَّد تنشيطات عقد الإدخال بشكل خارجي: وتلك هي مدخلات الحوسبة. ويكون “تنشيط الإدخال الكامل” (Total Input Activation) لعقد الإدخال أو الإخراج مجموعاً موزوناً لتنشيطات العقد المدخلة إليها، فيما يكون تنشيط العقدة المخفية أو عقدة الإدخال وظيفة لتنشيط إدخالها الكلي؛ حيث تختلف الوظيفة باختلاف الشبكة. وفي أثناء الحوسبة الشبكية، تنتشر أمواج التنشيط من عقد الإدخال إلى عقد الإخراج وفقاً لما تحدده التوصيلات الموزونة بين العقد.

تتدفق التوصيلات الموزونة في “الشبكة أمامية التغذية” (Feedforward Network) باتجاه واحد فقط، فيما تحتوي “الشبكات المتكررة” (Recurrent Networks) على حلقات التغذية الراجعة التي تنبثق فيها التوصيلات من الوحدات المخفية وتعود مجدداً إلى هذه الوحدات. تعدّ الشبكات المتكررة أقل قابلية للتتبع الرياضي من الشبكات أمامية التغذية. ومع ذلك، تلعب دوراً أساسياً في النمذجة السيكولوجية لظواهر متنوعة كالتي تتضمن شكلاً من أشكال الذاكرة (Elman 1990).

تعدُّ الأوزان في الشبكة العصبونية متقلبة بطبيعة الحال، حيث تُطوَّر تبعاً لـ “خوارزمية التعلم” (Learning Algorithm). رغم أن الدراسات المتوفرة تقدم خوارزمياتِ تعلّمٍ متنوعة، إلا أن الفكرة الأساسية تتمثل عادةً بضبط الأوزان بحيث تقترب “المخرجات الحقيقية” (Actual Output) تدريجياً من “المخرجات المطلوبة” (Target Outputs) المتوقعة من المدخلات المناسبة، علماً أن “خوارزمية الانتشار العكسي” (The Backpropagation Algorithm) تعدُّ من أكثر خوارزميات هذا النوع استخداماً (Rumelhart, Hinton, and Williams 1986).

يعود تاريخ النظرية الترابطية إلى ماكولوتش وبيتس (1943) اللذين درسا شبكات “بوابات المنطق” (Logic Gates) المترابطة (مثل “بوابات الاقتران” (AND-Gates) و”بوابات الاختيار” (OR-Gates)). يمكن عرض شبكة من بوابات المنطق كشبكة عصبونية، حيث تُحصر التنشيطات بقيمتين (0 و1) وتعطى وظائف التنشيط عبر وظائف الحقيقة. طوّر كلٌّ من ماكولوتش وبيتس بوابات المنطق على شكل نماذج مثالية للخلايا العصبية الفردية، حيث كان لنقاشهم تأثيراً عميقاً في علم الحاسوب. (von Neumann 1945). ليست الحواسيب الرقمية الحديثة سوى شبكات من بوابات المنطق، ولكن يركز الباحثون عادةً في علم الإدراك على الشبكات التي تشبه عناصرها “الخلايا العصبية” (Neuron-like) أكثر من بوابات المنطق. وعلى وجه التحديد، يركز أنصار النظرية الترابطية الحديثة على الشبكات العصبونية التناظرية التي تأخذ عناصرها قيمَ تنشيطٍ متتالية لا منفصلة، حتى أن بعض الكتّاب يستخدمون عبارة “الشبكة العصبونية” للإشارة إلى هذه الشبكات بشكل خاص.

حين كانت النماذج على نمط تورينغ مسيطرة خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، لقيت الشبكات العصبونية اهتماماً ضئيلاً نسبياً من علماء الإدراك. ولكن شهدت ثمانينيات القرن العشرين عودة كبيرة للاهتمام بالشبكات العصبونية، خاصةً الشبكات العصبونية التناظرية، مع إصدار كتاب “المعالجة الموزعة المتوازية” (Parallel Distributed Processing) بمجلدين، والذي كان بمثابة بيان في ذلك الوقت (Rumelhart, McClelland, and the PDP research group, 1986; McClelland, Rumelhart, and the PDP research group, 1987). وأنشأ الباحثون نماذج ترابطية لظواهر متنوعة: التعرف على الأشياء، استيعاب الكلام، فهم الجمل، التطور الإدراكي، وغيرها، ولتأثرهم بالنظرية الترابطية، توصل العديد من الباحثين إلى أن النظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل لم تعد “اللعبة الوحيدة في الميدان”.

وفي عام 2010، اشتهرت النماذج الحاسوبية التي تعرف باسم “الشبكات العصبونية العميقة” (Deep Neural Networks) (Krizhevsky, Sutskever, and Hinton 2012; LeCun, Bengio, and Hinton 2015). وتعدُّ هذه النماذج شبكاتٍ بطبقات متعددة من العُقد المخفية (تحتوي أحياناً على المئات من هذه الطبقات). وأما الشبكات العصبونية العميقة – المدربة على مجموعاتِ بياناتٍ ضخمة عبر خوارزمية تعلّمٍ واحدة أو أخرى (عادة ما تكون ذات انتشار عكسي) – فحققت نجاحاً عظيماً في مجالات متعددة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التعرف على الأشياء ولعب الألعاب الاستراتيجية. كما تنتشر الشبكات العصبونية العميقة الآن بشكل واسع في التطبيقات التجارية وتُعتبر محطَّ تركيز لتحقيقات مكثفة مستمرة ضمن الحقل الأكاديمي والقطاع الصناعي، علماً أن الباحثين بدأوا باستخدامها في النمذجة العقلية (مثل ماربلستون ووين وكوردينغ 2016 وكريغيسكورتي 2015).

لاستعراض الشبكات العصبونية بشكل مفصل، انظر هايكن (2008). ولمقدمة مناسبة للمستخدم مع التركيز على التطبيقات السيكولوجية، انظر ماركوس (2010). ولمقدمة فلسفية للشبكات العصبونية العميقة، انظر باكنر (2019).

1.4 العلاقة بين الشبكات العصبونية والحوسبة الكلاسيكية

رغم أن للشبكات العصبونية “إحساس” مختلف عن النماذج الكلاسيكية (أي على نمط تورينغ)، إلا أن الحوسبة الكلاسيكية وحوسبة الشبكات العصبونية لا تعارض إحداهما الأخرى:

  • يمكن تطبيق الشبكة العصبونية في نموذج كلاسيكي، ولكن بالطبع يجري تطبيق كل شبكة عصبونية منشأة بشكل مادي على حاسوب رقمي.
  • يمكن تطبيق النموذج الكلاسيكي في شبكة عصبونية. تطبق الحواسيب الرقمية الحديثة الحوسبة على نمط تورينغ في شبكات بوابات المنطق، وبالتالي يمكن تطبيق الحوسبة على نمط تورينغ باستخدام الشبكة العصبونية المتكررة المترابطة التي تأخذُ عُقدُها قيمَ تنشيطٍ متتالية (Graves, Wayne, and Danihelka 2014, Other Internet Resources; Siegelmann and Sontag 1991; Siegelmann and Sontag 1995).

على الرغم من افتراض بعض الباحثين وجودَ تعارض أساسي بين الحوسبة الكلاسيكية وحوسبة الشبكات العصبونية، إلا أنه يبدو من الأدق تحديد توجهين للنمذجة يتداخلان في حالات معينة دون الأخرى (cf. Boden 1991; Piccinini 2008b). وبهذا الصدد، يجدر الإشارة إلى الأصول المشتركة للحوسبة الكلاسيكية والحوسبة الترابطية في أعمال كلٍّ من ماكولوتش وبيتس.

غالباً ما يشير الفلاسفة إلى أن الحوسبة الكلاسيكية تتضمن “معالجةً للرموز محكومةً بقواعد”، في حين تُعتبر حوسبة الشبكات العصبونية لا رمزية. تتمثل الصورة المبدئية في أن “المعلومات” في الشبكات العصبونية موزعة عمومياً عبر الأوزان والتنشيطات، بدلاً من أن تكون مركزة في الرموز المحلية. ومع ذلك يتطلب مفهوم “الرمز” بحد ذاته بياناً، نظراً لعدم وضوح ما يقصده المنظرون غالباً بوصف الحوسبة على أنها رمزية مقابل لا رمزية. كما ذكرنا في الباب الأول، تضع بنية تورينغ شروطاً قليلة على “الرموز”. فبالنسبة للرموز البدائية، لا يفترض تورينغ سوى وجود مجموعة محددة منها وأنه يمكن كتابتها في مواقع ذاكرة الكتابة والقراءة. كما يمكن للشبكات العصبونية معالجة الرموز بما يتوافق مع هذين الشرطين: كما أشرنا سابقاً، يمكن تطبيق نموذج على نمط تورينغ في شبكة عصبونية.

تقدم العديد من النقاشات حول ثنائية الرمزية واللارمزية مفهوماً أقوى “للرمز”، فبالنسبة للمنهج الأكثر قوة، يُعتبر الرمز نوعاً من الأشياء التي تمثل موضعاً معيناً. وبذلك يكون الشيء رمزاً فقط في حال امتلاكه خصائص تمثيلية أو دلالية. وإذا طبقنا هذا المفهوم الأقوى للرمز، فإن التمييز بين الرمزية واللارمزية يتعارض مع التمييز بين الحوسبة على نمط تورينغ وحوسبة الشبكات العصبونية. فطالما يكون الأمر متعلقاً ببنية تورينغ، لا تحتاج الرموز التي تجري معالجتها خلال حوسبة تورينغ إلى أن تمتلك خصائص تمثيلية (Chalmers 2011). ولكن بالمقابل، يمكن للشبكة العصبونية أن تعالج الرموز ذات الخصائص التمثيلية. كما يمكن للشبكة العصبونية التناظرية أن تعالج الرموز التي تمتلك بنية ودلالات اندماجية (Horgan and Tienson 1996; Marcus 2001).

ويمكن لنا باتباع ستيفين بينكر وآلان بنرس (1988) أن نميز بين “الترابطية الإقصائية” (Eliminative Connectionism) و”الترابطية التطبيقية” (Implementationist Connectionism).

طوّر أنصار الترابطية الإقصائية النظرية الترابطية كمنافس للحوسبة الكلاسيكية، حيث يجادلون أن بنية تورينغ غير مناسبة بالنسبة للشروحات السيكولوجية. وغالباً ما يبتغون إعادة التقليد “الارتباطي” (Associationist) في علم النفس إلى الحياة، والذي يعدُّ تقليداً واجهته النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل بشدة. وغالباً ما يهاجمون العقليين المعتقدين بفطرية اللغة أمثال نعوم تشومسكي (1965). كما أنهم غالباً ما يعبّرون عن رفضهم الشديد لمفهوم التمثيلية العقلية، ولكن الصفة المميزة للترابطية الإقصائية أنها تستخدم الشبكات العصبونية كـ “بدائل” للنماذج على نمط تورينغ. كما أن الترابطية الإقصائية تنظر إلى العقل على أنه نظام حاسوبي مختلف كلياً عن آلة تورينغ، علماً أن فئة قليلة من الباحثين تتبنى الترابطية الإقصائية بشكل صريح (Churchland 1989; Rumelhart and McClelland 1986; Horgan and Tienson 1996) فيما يميل نحوها باحثون كثر.

وأما الترابطية التطبيقية فتتخذ موقفاً جمعياً، حيث إنها تتيح دوراً فعالاً لكلٍّ من النماذج على نمط تورينغ والشبكات العصبونية لتعمل بانسجام في مستويات مختلفة من التوصيف (Marcus 2001; Smolensky 1988). بينما تعدُّ النماذج على نمط تورينغ من المستوى الأعلى، تُعتبر نماذج الشبكة العصبونية من المستوى المنخفض، حيث توضح الشبكة العصبونية كيفية تطبيق الدماغ للنموذج على نمط تورينغ بالضبط كما يوضح التوصيف القائم على بوابات المنطق كيفية تشغيل الحاسوب الشخصي لبرنامج بلغة البرمجة عالية المستوى.

2.4 الحجج المؤيدة للترابطية

تثير النظرية الترابطية اهتمام كثير من الباحثين بسبب التشابه بين الشبكات العصبونية والدماغ، حيث تمثل العُقدُ الخلايا العصبيةَ، في حين تمثل الترابطاتُ بين العقد تشابكَ الخلايا العصبية. وبذلك تبدو النمذجة الترابطية أكثر “ملائمةً بيولوجياً” من النمذجة الكلاسيكية. ومن الواضح أن النموذج الترابطي لظاهرة سيكولوجية ما يوضح (بطريقة مثالية) كيفية ولادة الظاهرة من الترابط بين الخلايا العصبية.

عند تقييم النقاش من ناحية الملاءمة البيولوجية، يجب على الباحث إدراك أن الشبكات العصبونية تتنوع بشكل واسع بمدى قربها من محاكاة النشاط العقلي، حيث إن العديد من الشبكات العصبونية البارزة في كتابات الترابطيين ليست ملائمة بيولوجياً (Bechtel and Abrahamsen 2002: 341–343; Bermúdez 2010: 237–239; Clark 2014: 87–89; Harnish 2002: 359–362)، ومن الأمثلة على ذلك:

  • تعدُّ الخلايا العصبية الحقيقية أقل تجانساً بكثير من العُقد التبادلية الموجودة في الشبكات الترابطية النمطية.
  • تُصدر الخلايا العصبية الحقيقية إشارات عصبية منفصلة (إمكانات فعلية) كمخرجات، فيما تميز المخرجات المتتالية العُقدَ التي تظهر في العديد من الشبكات العصبونية البارزة، بما في ذلك التي تعرف بالشبكات العصبونية العميقة.
  • تستلزم خوارزمية الانتشار العكسي إمكانية تنوع الأوزان الموجودة بين العُقد بين مثيرةٍ ومثبطة، ومع ذلك، لا يمكن لمشبكات الخلايا العصبية الحقيقية أن تتنوع بهذا الشكل (Crick and Asanuma 1986). بالإضافة إلى ذلك، تفترض الخوارزمية المخرجات المطلوبة المقدَّمة خارجياً عبر المنمذجين “الذين يعرفون الإجابة المرجوة”، وبذلك يجري “الإشراف” على التعلّم، علماً أن التعلّم الذي يتضمن أي شيء يمثل التدريب الخاضع للإشراف قليل جداً في الأنظمة البيولوجية الحقيقية.

ومن جهة أخرى، تعدُّ بعض الشبكات العصبونية أكثر واقعيةً بيولوجياً (Buckner and Garson 2019; Illing, Gerstner, and Brea 2019). فعلى سبيل المثال، توجد شبكات عصبونية تستبدل الانتشار العكسي بخوارزميات تعلّمٍ أكثر واقعية، مثل خوارزمية التعلّم التعزيزي (Pozzi, Bohté, and Roelfsema 2019, Other Internet Resources) أو خوارزمية التعلّم غير الخاضع للإشراف (Krotov and Hopfield 2019). كما توجد شبكات عصبونيةٌ تخرجُ عُقدُها إشاراتٍ عصبية منفصلة تشبه كثيراً تلك التي تصدرها الخلايا العصبية الحقيقية في الدماغ (Maass 1996; Buesing, Bill, Nessler, and Maass 2011).

وحتى لو لم تكن الشبكة العصبونية ملائمة بيولوجياً، يمكن أن تكون “أكثر” ملاءمةً بيولوجياً من النماذج الكلاسيكية. لا شك في أن الشبكات العصبونية تبدو أقرب من النماذج على نمط تورينغ إلى الوصف العصبي الفيزيولوجي في كلٍّ من التفاصيل والجوهر. يخشى العديد من علماء الإدراك أن النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل تعكس محاولة مضلَّلة لفرض معمارية الحواسيب الرقمية على الدماغ، كما يشكك بعضهم في تطبيق الدماغ لأي شيء يمثل الحوسبة الرقمية، مثل الحوسبة على التكوينات المنفصلة للأرقام (Piccinini and Bahar 2013). فيما يشكك آخرون في إظهار الدماغ للفصل التام على نمط تورينغ بين المعالج المركزي وذاكرة القراءة والكتابة (Dayan 2009). وأما الشبكات العصبونية فتتميز بأداء أفضل في كلتا الحالتين: فهي لا تتطلب الحوسبة على التكوينات المنفصلة للأرقام ولا تفترض وجود فصل تام بين المعالج المركزي وذاكرة القراءة والكتابة.

يردّ الحاسوبيون الكلاسيكيون على ذلك باعتبار أنه من المبكر الوصول إلى نتائج نهائية بناءً على الملاءمة البيولوجية، نظراً لقلة فهمنا للعلاقة بين المستويات العصبية والحاسوبية والإدراكية للوصف (Gallistel and King 2009; Marcus 2001). ولكن كوّن علماء الأعصاب معرفة حقيقية حول الدماغ على مستويات مختلفة من الحبوبية (Zednik 2019) باستخدام تقنيات القياس مثل تسجيل الخلايا والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، إضافة إلى الاعتماد على مجالات متنوعة كالفيزياء وعلم الأحياء والذكاء الاصطناعي ونظرية المعرفة والإحصائيات ونظرية الرسم البياني ونظرية النظيم الديناميكية. نعرف الكثير عن الخلايا العصبية المفردة وعن كيفية تفاعل الخلايا العصبية ضمن البيئات العصبية وعن تمركز النشاط العقلي في المناطق القشرية (كالقشرة البصرية) وعن التفاعلات ضمن المناطق القشرية، ومع ذلك، ما يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عن كيفية إنجاز النسيج العصبي للمهام التي ينجزها بكل تأكيد: مثل الإدراك الحسي والتفكير المنطقي واتخاذ القرارات واكتساب اللغة وغيرها. بناءً على حالة الجهل التي نعيشها الآن، سيكون من التسرع التأكيد على أن الدماغ لا يطبق أي شيء مماثل لحوسبة تورينغ.

يقدم الترابطيون العديد من الحجج الأخرى التي توصي بتطبيق النماذج الترابطية بدلاً من النماذج الكلاسيكية أو إلى جانبها. للاطلاع على ذلك، انظر باب النظرية الترابطية، علماً أننا نذكر حجتين إضافيتين تماشياً مع أغراض هذا الباب.

تركز الحجة الأولى على “التعلّم” (Bechtel and Abrahamsen 2002: 51)، حيث يتضمن نطاقٌ واسعٌ من الظواهر الإدراكية تعلماً من خلال التجربة. كما أن العديد من النماذج الترابطية مصممةٌ بشكل واضح لنمذجة التعلّم، سواء من خلال الانتشار العكسي أو بعضاً من الخوارزميات الأخرى التي تضبط الأوزان بين العُقد. من جهة أخرى، يشتكي الترابطيون غالباً من عدم وجود نماذج كلاسيكية جيدة للتعلم. ويمكن للحاسوبيين الكلاسيكيين الرد من خلال الإشارة إلى العيوب الموجودة في خوارزميات التعلم الترابطية (كالاعتماد الكثيف للانتشار العكسي على التدريب الخاضع للإشراف). كما يمكن للحاسوبيين الكلاسيكيين الإشارة إلى نظرية القرار البايزية التي تنمذج التعلّم كتحديث احتمالي. وبشكل أخص، يمكن للحاسوبيين الكلاسيكيين الإشارة إلى إنجازات “علم الإدراك البايزي” الذي يستخدم نظرية القرار البايزية للتفريق بين النماذج الرياضية للنشاط العقلي (Ma 2019). حقق علم الإدراك البايزي نجاحات تفسيرية عديدة خلال العقود الماضية، ما يفترض أن بعض العمليات العقلية تكون إما بايزية أو قريبة من البايزية (Rescorla 2020). بالإضافة إلى ذلك، تُظهر التطويرات المذكورة في الباب الثاني كيف يمكن لأنظمة الحوسبة الكلاسيكية تطبيق أو الاقتراب من تطبيق التحديث البايزي في سيناريوهات واقعية متنوعة، علماً أن هذه التطويرات تمنح الأمل حول قدرة الحوسبة الكلاسيكية على نمذجة حالات هامة في التعلم.

وأما الحجة الثانية فتؤكد على “سرعة الحوسبة” (Speed of Computation)، حيث إن الخلايا العصبونية أقل سرعة بكثير من المكونات القائمة على السيليكون في الحواسيب الرقمية. لذلك لا يمكن للخلايا العصبونية أن تنفذ الحوسبة المتسلسلة بسرعة كافية تماثل الأداء البشري السريع في الإدراك الحسي والفهم اللغوي واتخاذ القرارات وغيرها. كما أن الترابطيين يؤمنون بأن الحل الأمثل الوحيد يكون باستبدال الحوسبة المتسلسلة بمعمارية حاسوبية “فائقة التوازي” – أي ما تقدمه الشبكات العصبونية بالضبط (Feldman and Ballard 1982; Rumelhart 1989). ومع ذلك، تُعتبر هذه الحجة ملائمة فقط ضد الحوسبة الكلاسيكية التي تصرّ على المعالجة المتسلسلة. كما أشرنا في الباب الثالث، تتضمن بعض النماذج على نمط تورينغ معالجة متوازية، حيث إن معظم الحاسوبيين الكلاسيكيين لا يمانعون الحوسبة العقلية “فائقة التوازي”، أي أن هذه الحجة لا أساس لها ضد هؤلاء الباحثين. وبذلك فإن هذه الحجة تسلط الضوء على سؤال هام يجب على كل حاسوبي الإجابة عليه، سواء كان كلاسيكياً أو ترابطياً أو غير ذلك: كيف يمكن للدماغ المكون من خلايا عصبية بطيئة نسبياً أن ينفذ عمليات حاسوبية معقدة بسرعة كبيرة؟ ولكن لم يجب أحد من الكلاسيكيين أو الترابطيين على هذا السؤال بشكل مناسب (Gallistel and King 2009: 174 and 265).

3.4 المنهجية والانتاجية

يقدم كلٌّ من فودور وبيليشين (1988) نقداً مفصلاً بشكل واسع للترابطية الإقصائية، حيث يجادلان أن المنهجية والإنتاجية تفشلان في النماذج الترابطية، إلا إذا كان النموذج الترابطي يطبق نموذجاً كلاسيكياً. لذلك، لا تقدم الترابطية بديلاً ملائماً للنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل، ففي أفضل حالتها، تقدم الترابطية وصفاً منخفض المستوى يساعد في سد الفجوة بين الحوسبة على نمط تورينغ والوصف الفيزيولوجي العصبي.

أثار هذا النقاش العديد من الردود الموافقة والمعارضة، حيث يجادل البعض أن الشبكات العصبونية قادرة على إظهار المنهجية دون تطبيق أي شيء مماثل لمعمارية الحوسبة الكلاسيكية (Horgan and Tienson 1996; Chalmers 1990; Smolensky 1991; van Gelder 1990). فيما يجادل أخرون أن فودور وبيليشين يبالغان كثيراً في المنهجية (Johnson 2004) أو الإنتاجية (Rumelhart and McClelland 1986)، خاصةً بالنسبة للحيوانات غير البشرية (Dennett 1991)، علماً أن هذه القضايا، وقضايا أخرى عديدة بارزة في نقاش فودور وبيليشين، شغلت حيزاً كبيراً من الاستقصاء في الدراسات المنشورة. للاطلاع على المزيد، انظر بكتل وأبراهامسن (2002: 156–199)، بيرموديز (2005: 244–278)، تشالميرز (1993)، كلارك (2014: 84–86) وأبواب الموسوعة حول فرضية لغة الفكر والنظرية الترابطية.

وأما غاليستل وكينغ (2009)، فيقدمان حجة مرتبطة ولكن فريدة للإنتاجية، حيث يؤكدان على “إنتاجية الحوسبة العقلية” (Productivity of Mental Computation) كنقيض لـ “إنتاجية الحالات العقلية” (Productivity of Mental States). بناءً على دراسات الحالة التجريبية المفصلة، يجادل كلٌّ من غاليستل وكينغ أنه يمكن للعديد من الحيوانات غير البشرية استخراج وتخزين واستعادة تسجيلات مفصلة للبيئات المحيطة. فعلى سبيل المثال، يمكن لطائر القيق الأزرق الغربي أن يسجل الأماكن التي يخبئ فيها الطعام ونوع الطعام الذي يخبئه في كل مكان والوقت الذي يخبئ فيه الطعام، إضافة إلى معرفته بنفاد الطعام من مخبأ معين (Clayton, Emery, and Dickinson 2006). كما يمكنه الوصول إلى هذه التسجيلات واستغلالها في حسابات متنوعة: كأن يحسب لمعرفة فيما إذا فسد الطعام المخزن في إحدى المخابئ، أو يحسب الطريق من مكان إلى آخر وغير ذلك، علماً أن عدد العمليات الحاسوبية التي يمكن أن يجريها هذا الطائر لجميع الأغراض العملية لا نهائية.

تشرح النظرية الحاسوبية الكلاسيكية إنتاجية الحاسوبية العقلية عبر افتراض وجود معالج مركزي يخزن ويستعيد الرموز في ذاكرة الكتابة والقراءة القابلة للوصول، حيث يمكن للمعالج المركزي عند الحاجة أن يستعيد بشكل اعتباطي من الذاكرة مجموعات غير متوقعة من الرموز. وخلافاً لذلك، يجادل كلٌ من غاليستل وكينغ أن النظرية الترابطية تواجه صعوبةً في استيعاب إنتاجية الحوسبة العقلية. وعلى الرغم من أن غاليستل وكينغ لا يفرقان بين الترابطية الإقصائية والتطبيقية، إلا أنه يمكننا اختصار نقاشهم كما يلي:

  • لا يمكن للترابطية الإقصائية وصف كيفية جمع الخوارزميات للذواكر المخزنة (مثل مواقع المخابئ) لأغراض حاسوبية (لحساب الطريق من مخبأ إلى آخر). يوجد عدد لا نهائي من التجميعات التي يمكن أن تكون مفيدة دون التنبؤ المسبق بالمعلومات التي يجب جمعها للعمليات الحسابية المستقبلية. الحل الوحيد الذي يمكن التحقق منه حسابياً هو تخزين الرموز في مواقع ذاكرة القراءة والكتابة بحيث يمكن الوصول إليها بسهولة – علماً أنه حلٌّ مرفوض بالنسبة لأنصار الترابطية الإقصائية.
  • يمكن أن تفترض الترابطية التطبيقية تخزين الرموز في ذاكرة تتيح القراءة والكتابة، كما تطبقها الشبكة العصبونية. ومع ذلك، فإن الآليات التي يقترحها الترابطيون عادة لتطبيق الذاكرة لا تعد مناسبة. تدور المقترحات الموجودة حول فكرة وحيدة: شبكة عصبونية متكررة تسمح للنشاط المتردد بالانتقال حول دائرة كهربية كاملة (Elman 1990). توجد عدة أسباب لعدم كفاءة نموذج الدائرة الترددية كنظرية للذاكرة طويلة الأمد. فعلى سبيل المثال، يؤكد الضجيج في النظام العصبي أن الإشارات سوف تنخفض في غضون بضعة دقائق. وبذلك لم يقدم أنصار الترابطية التطبيقية أي نموذج ملائم لذاكرة القراءة والكتابة. [2]

وفي النهاية يخلص كلٌّ من غاليستل وكينغ إلى أن النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل مناسبة أكثر من النظرية الترابطية الإقصائية أو التطبيقية لشرح نطاق واسع من الظواهر الإدراكية.

يهاجم النقاد حجة الإنتاجية الجديدة هذه من نواحٍ مختلفة، ويركزون على دراسات الحالة التجريبية التي أجراها غاليستل وكينغ. يجادل كلٌّ من بيتر دايان (2009) وجون دوناهو (2010) وكريستوفر مول (2014) أن نماذج الشبكة العصبونية الملائمة بيولوجياً يمكنها استيعاب بعض دراسات الحالة على الأقل، حيث يجادل دايان ودوناهو أن نماذج الشبكة العصبونية ذات الكفاءة التجريبية يمكنها الاستغناء عن أي شيء يشبه ذاكرة القراءة والكتابة، في حين يجادل مول أن نماذج الشبكة العصبونية ذات الكفاءة التجريبية يمكنها في بعض الحالات “تطبيق” آليات ذاكرة القراءة والكتابة التي يقترحها غاليستل وكينغ، ويبدو أن النقاش حول هذه القضايا مهيأ للاستمرار في المستقبل.

4.4 علم الأعصاب الحاسوبي

يصف “علم الأعصاب الحاسوبي” (Computational Neuroscience) النظام العصبي عبر النماذج الحاسوبية. على رغم من تجذر برنامج البحث هذا في النمذجة الحاسوبية للخلايا العصبية المتفردة، إلا أن “أنظمة” الخلايا العصبية المترابطة تعدُّ التركيز الأساسي لعلم الأعصاب الحاسوبي. ومن هذا المنطلق، فهو نموذج مختلف أو فرع أو تابع للنظرية الترابطية. ومع ذلك، فإن معظم رواد علم الأعصاب الحاسوبي لا يعتبرون أنفسهم ترابطيين، حيث توجد اختلافات عديدة بين النظرية الترابطية وعلم الأعصاب الحاسوبي:

  • تعدُّ الشبكات العصبونية التي يستخدمها رواد علم الأعصاب الحاسوبي أكثر واقعية بيولوجياً من تلك التي يستخدمها الترابطيون، حيث إن الدراسات المنشورة في علم الأعصاب الحاسوبي تتحدث كثيراً عن معدلات الإطلاق العصبي والإمكانات الفعلية وضبط المنحنيات وغيرها. تؤدي هذه المفاهيم في أفضل الحالات دوراً في البحث الترابطي، مثل معظم الأبحاث المجموعة في (Rogers and McClelland 2014).
  • يعتمد علم الأعصاب الحاسوبي كثيراً على المعرفة حول الدماغ، كما أنه يولي أهمية كبيرة للبيانات العصبية الفيزيولوجية (كتسجيلات الخلايا). وأما الترابطيون فيعطون أهمية أقل لهذه البيانات، حيث إن بحثهم يعتمد بشكل أساسي على البيانات السلوكية (رغم أن آخر كتابات الترابطيين تشير إلى البيانات العصبية الفيزيولوجية بشكل أكبر).
  • عادة ما يعتبر رواد علم الأعصاب الحاسوبي أن العُقد المتفردة في الشبكات العصبونية توصيفاتٌ مثالية للخلايا العصبية الحقيقية، فيما يعتبر الترابطيون هذه العُقد عادة ً وحداتِ معالجةٍ شبيهة بالخلايا العصبية (Rogers and McClelland 2014) مع أنهم يتخذون موقفاً حيادياً من كيفية تخطيط هذه الوحدات في كيانات عصبية فيزيولوجية حقيقية.

يمكن القول إن علم الأعصاب الحاسوبي يهتم بشكل رئيسي بالحوسبة العصبونية (الحوسبة عبر أنظمة الخلايا العصبية)، في حين تهتم النظرية الترابطية بالنماذج الحاسوبية المجردة “المستلهمة” من الحوسبة العصبونية. ولكن الحدود بين النظرية الترابطية وعلم الأعصاب الحاسوبي مسامية إلى حد ما باعتراف الكثيرين. لإلقاء نظرة على علم الأعصاب الحاسوبي، انظر ترابينبيرغ (2010) وميلر (2018).

يعود تاريخ الارتباط الفلسفي الحقيقي مع علم الأعصاب على الأقل إلى كتاب باتريشيا تشيرشلاند “الفلسفة العصبية” (Neurophilosophy 1986). ومع تطور علم الأعصاب الحاسوبي، أصبحت تشيرشلاند من فلاسفته الرئيسيين (Churchland, Koch, and Sejnowski 1990; Churchland and Sejnowski 1992)، ثم انضم إليها بول تشيرشلاند وآخرون (Eliasmith 2013; Eliasmith and Anderson 2003; Piccinini and Bahar 2013; Piccinini and Shagrir 2014). يعتقد جميع هؤلاء الكتّاب أن وضع النظريات حول الحوسبة العقلية يجب أن ينطلق من الدماغ، وليس من آلات تورينغ أو أدوات أخرى غير ملائمة ومستمدة من المنطق وعلم الحاسوب. كما أنهم يعتقدون أن نمذجة الشبكات العصبونية يجب أن تطمح إلى واقعيةٍ بيولوجيةٍ أعظم من تلك التي تحققها النماذج الترابطية. يطوّر كريس إلياسميث (2013) وجهة نظر الحوسبة العصبية هذه عبر إطار الهندسة العصبية (Neural Engineering Framework) الذي يزود علم الأعصاب الحاسوبي بأدوات مستمدة من نظرية التحكم (Brogan 1990). يهدف إلياسميث إلى “عكس هندسة” الدماغ وبناء نماذج شبكات عصبونية واسعة النطاق وملائمة بيولوجياً للظواهر الإدراكية.

يختلف علم الأعصاب الحاسوبي بشكل جوهري عن النظرية الحاسوبية الكلاسيكية والنظرية الترابطية: حيث إنه يتخلى عن التحقيقية المتعددة. يشير رواد علم الأعصاب الحاسوبي إلى خصائص وعمليات فيزيولوجية عصبية، أي أن نماذجهم لا تنطبق بشكل جيد، على حد القول، على كائن مختلف تماماً وقائم على السيليكون. وبذلك يضحّي علم الأعصاب الحاسوبي بعامل جوهري جذب الفلاسفة بالأساس إلى النظرية الحاسوبية للعقل. يردّ رواد علم الأعصاب الحاسوبي باعتبارهم أن هذه التضحية تستحق الرؤية الناتجة عن الأسس الفيزيولوجية العصبية. ولكن يخشى العديد من الحاسوبيين أننا بالتركيز الزائد على الأسس العصبية قد نجازف بإغفال الغابة الإدراكية للأشجار العصبية. على الرغم من أهمية التفاصيل الفيزيولوجية العصبية، ألا نحتاج أيضاً إلى مستوىً تجريدي إضافي للوصف الحاسوبي الذي تفرضه هذه التفاصيل؟ يجادل كل من غاليستل وكينغ (2009) أن التركيز قصير النظر على ما نعرفه حالياً عن الدماغ دفع علم الأعصاب الحاسوبي إلى عدم إعطاء ظواهرٍ إدراكية أساسية حقها الكامل، مثل التنقل والتعلم المكاني والزمني وغيرها. على نحو مماثل، يشتكي إلدمان (2014) من أن إطار الهندسة العصبية يستبدل بكمية كبيرة من التفاصيل الفيزيولوجية العصبية شروحات سيكولوجية مُرضية.

رداً على مخاوفَ كهذه جزئياً، يقترح بعض الباحثين “علم أعصاب حاسوبي إدراكي” متكامل يربط النظريات السيكولوجية بآليات التطبيق العصبي (Naselaris et al. 2018; Kriegeskorte and Douglas 2018). تتمثل الفكرة الأساسية باستخدام نماذج الشبكة العصبونية لتوضيح كيفية تمثيل العمليات العقلية في الدماغ، ومن ثم تجذير الوصف الإدراكي متعدد التحقيق في الوصف الفيزيولوجي العصبي. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك العمل في الآونة الأخيرة على التطبيق العصبي للاستدلال البايزي (e.g., Pouget et al. 2013; Orhan and Ma 2017; Aitchison and Lengyel 2016). يصوغ الباحثون نماذج بايزية (تعددية التحقيق) لعمليات عقلية متنوعة، كما أنهم يبنون شبكات عصبونية ملائمة بيولوجياً وتطبق أو تقترب من تطبيق الحسابات البايزية المفترضة، إضافة إلى تقييمهم لمدى ملاءمة نماذج الشبكات العصبونية هذه للبيانات الفيزيولوجية العصبية.

 على الرغم من الاختلافات بين النظرية الترابطية وعلم الأعصاب الحاسوبي، إلا أنهما حركتان تتطرقان للعديد من القضايا المتشابهة، خاصة أن جدلية الباب (4.4) المتعلقة بالمنهجية والإنتاجية تنشأ بشكل مماثل.

5. الحوسبة والتمثيل

يستخدم الفلاسفة وعلماء الإدراك مصطلح “التمثيل” (Representation) بطرق مختلفة. ضمن الإطار الفلسفي، فيربط الاستخدام المسيطرُ التمثيلَ بالقصدية، مثل “حولية” (Aboutness) الحالات العقلية. عادةً ما يوضح الفلاسفة المعاصرون القصديةَ بـ “استدعاء المحتوى التمثيلي”، حيث إن للحالة العقلية التمثيلية محتوىً يمثل العالم بكونه بشكل محدد، أي يمكننا أن نتساءل فيما إذا كان العالم بتلك الطريقة بالتحديد. وبذلك تكون الحالات العقلية ذات المحتوى التمثيلي “قابلة للتقييم دلالياً” وفقاً لخصائص كالحقيقة والدقة والتحقيق وغيرها. للتوضيح أكثر:

  • تعدُّ المعتقدات من الأشياء التي يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة، أي أن اعتقادي بأن إيمانويل ماكرون فرنسي صحيح في حال كان إيمانويل ماكرون فرنسي وخاطئ في حال لم يكن كذلك.
  • تعدُّ الحالات الإدراكية من الأشياء التي يمكن أن تكون دقيقة أو غير دقيقة، أي أن تجربتي الإدراكية لكرة حمراء دقيقة فقط في حال وجود كرة حمراء أمامي.
  • تعدُّ الرغبات من الأشياء التي يمكن أن تتحقق أو تُحبط، أي أن رغبتي بتناول الشوكولا تتحقق إذا تناولت الشوكولا وتُحبط إذا لم أتناول الشوكولا.

تخضع المعتقدات لشروط الحقيقة (شروط إذا تحققت تكون هذه المعتقدات صحيحة)، في حين تخضع حالات الإدراك الحسي إلى شروط الدقة (شروط إذا تحققت تكون هذه الحالات دقيقة)، فيما تخضع الرغبات لشروط التحقق (شروط إذا تحققت تتحقق هذه الرغبات).

غالباً ما نتنبأ في حياتنا العادية ونشرح السلوك عن طريق المعتقدات والرغبات وغيرها من الحالات العقلية ذات المحتوى التمثيلي. كما أننا نعرّف هذه الحالات من خلال الخصائص التمثيلية، فعندما نقول “يعتقد فرانك أن إيمانويل ماكرون فرنسي”، فنحن نحدد الشرط الذي يكون معتقد فرانك صحيحاً بموجبه (ألا وهو أن إيمانويل ماكرون فرنسي). وعندما نقول “فرانك يريد أن يتناول الشوكولا”، فنحن نحدد الشرط الذي تتحقق رغبة فرانك بتحققه (ألا وهو تناول فرانك للشوكولا). لذلك يعطي علم النفس الشعبي أو المنطقي (Folk Psychology) دوراً أساسياً للتوصيفات القصدية، كالتوصيفات التي تعرّف الحالات العقلية من خلال خصائصها التمثيلية، علماً أن مسألة وجوب توظيف علم النفس العلمي للتوصيفات القصدية تعدُّ من المسائل المختلَف عليها في فلسفة العقل المعاصرة.

تعدُّ الواقعية القصدية (Intentional realism) واقعيةً بالنسبة للتمثيلات. يتمثل هذا المذهب في أدنى صوره باعتبار الخصائص التمثيلية خصائصَ أصيلة للعقلية. كما أنه يميل عادةً إلى الاعتقاد بوجوب توظيف علم النفس العلمي للخصائص القصدية بحرية عندما يكون الحال ملائماً. تعدُّ الواقعية القصدية مذهباً شائعاً يدعمه كلٌّ من تيلر بيرج (2010a) وجيري فودور (1987) وكريستوفر بيكوك (1994،1992) وكثيرون غيرهم. تشير إحدى أهم نقاشات الواقعية القصدية إلى تطبيق علم الإدراك، حيث يتضمن النقاش فكرة أن التوصيف القصدي يؤدي دوراً أساسياً في العديد من المناطق الحساسة لعلم الإدراك، مثل علم النفس الإدراكي واللغويات. فعلى سبيل المثال، يصف علم النفس الإدراكي كيفية تحويل النشاط الإدراكي للمدخلات الحسية (كالمحفزات البصرية) إلى تمثيلات للبيئة البعيدة (كالتمثيلات الإدراكية للألوان والأحجام والأشكال البعيدة). باتباع وجهة نظر واقعية علمية واسعة، تدعم الإنجازات التفسيرية لعلم النفس الإدراكي موقفاً واقعياً تجاه القصدية.

تُعتبر الإقصائية شكلاً قوياً من أشكال القصدية ومناهضاً للواقعية، حيث يرفض الإقصائيون التوصيف القصدي باعتباره غامضاً وحساساً للسياق ونسبي الاهتمام وسطحي التفسير أو إشكالياً إن لم يكن كذلك. يوصي الإقصائيون علمَ النفسي العلمي بالتخلص من المحتوى التمثيلي. ومن الأمثلة الأولى على ذلك كتاب دبليو في كوين “الكلمة والشيء” (Word and Object 1960)، والذي يدعو إلى أن نستبدل بعلم النفس القصدي علمَ النفس السلوكي القائم على التحفيز والاستجابة. كما يدعو بول تشيرشلاند (1981)، من الإقصائيين المعروفين، إلى استبدال علم الأعصاب بعلم النفس القصدي.

توجد بين الواقعية القصدية والإقصائية مواقف متوسطة متنوعة. يعترف دانييل دينيت (1987،1971) أن الخطاب القصدي مفيد بشكل تنبؤي، ولكنه يتساءل فيما إذا كانت الحالات العقلية “بالفعل” تمتلك خصائص تمثيلية. وفقاً لدينيت، لا يقدم المنظرون الذين يوظفون التوصيفات التمثيلية تأكيداً “حرفياً” على امتلاك الحالات العقلية خصائص تمثيلية، بل يكتفون بتبني “الموقف القصدي”. وأما دونالد دافيدسون (1980) فيعتنق مذهباً “تفسيرياً” مشابهاً، حيث يؤكد على الدور الأساسي الذي يؤديه الإسناد القصدي ضمن الممارسة التفسيرية العادية، مثل ممارستنا التفسيرية للحالات العقلية وأفعال الكلام. وفي الوقت ذاته يتساءل دافيدسون فيما إذا كان علم النفس القصدي سيجد مكاناً في الساحة العلمية الناضجة لوضع النظريات. يتبنى كلٌّ من دينيت ودافيدسون الواقعية بخصوص الحالات العقلية القصدية، علماً أنهما يُقرآن عادةً كفيلسوفان قصديان مناهضان للواقعية، (وعلى وجه الخصوص، يُقرأ دينيت غالباً كذرائعيٍ (instrumentalist) حول القصدية).

يتضمن أحد مصادر هذه القراءة الاعتيادية عدمَ تحديد التفسير. فلنفترض أن الأدلة السلوكية تسمح بوجود تفسيرين متعارضين لحالات المفكر العقلية، سيراً على خطا كوين، يعتقد دافيدسون ودينيت “بعدم وجود حقيقة للمسألة” حول صحة أيٍ من هذين التفسيرين. يشير هذا التشخيص إلى موقفٍ أقل من واقعي بالكامل تجاه القصدية.

تبرز الجدالات حول القصدية بشكل أساسي في النقاش الفلسفي حول النظرية الحاسوبية للعقل، لذلك نستعرض بعضاً من أهم النقاط.

1.5 الحوسبة بوصفها شكلية

يتبنى الحاسوبيون الكلاسيكيون عادةً ما يمكن أن نسميه “المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة” (FSC)، تتمثل الفكرة الأساسية بأن الحوسبة لا تعالج الرموز بناءً على خصائصها الدلالية، بل خصائصها التركيبية الشكلية.

ظهر المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة من ابتكارات المنطق الرياضي خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، خاصة المساهمات الجوهرية التي قدمها كلٌّ من جورج بول وغوتلوب فريج. يجري فريج في كتابه “الكتابة المفاهيمية” (Begriffsschrift) “تشكيلاً” كاملاً للتفكير المنطقي الاستنتاجي. لإجراء التشكيل، نحدد “لغة تشكيلية” (Formal Language) تكون تعابيرها اللغوية متفردة بشكل غير دلالي (بناءً على أشكالها الهندسية على سبيل المثال). ربما يكون لدينا بعض التفاسير المقصودة في عقلنا، ولكن عناصر اللغة الشكلية كياناتٌ تركيبية محضة يمكننا أن نناقشها دون إثارة الخصائص الدلالية كإشارات أو شروط للحقيقة. وعلى حد الخصوص، يمكننا تحديد “قواعد الاستدلال” بأشكال تركيبية شكلية. وإذا اخترنا قواعدنا الاستدلالية بحكمة، فستتناغم مع تفسيرنا المقصود: أي أنها ستحمل مقدمات صحيحة لنتائج صحيحة. ومن خلال التشكيل، يعزز فيرج المنطقَ بحزمٍ غير مسبوق، وبذلك يضع الأساس لتطورات رياضية وفلسفية لاحقة.

يؤدي التشكيل دوراً جوهرياً في علم الحاسوب، حيث يمكننا برمجة حاسوب على نمط تورينغ يعالج التعابير اللغوية المستمدة من اللغة الشكلية. وإذا برمجنا الحاسوب بشكل جيد، ستتناسب آلياته التركيبية مع تفسيرنا الدلالي المقصود. فعلى سبيل المثال، يمكننا برمجة الحاسوب ليحمل مقدمات صحيحة فقط لنتائج صحيحة، أو يمكننا تحديث الاحتمالات كما تملي علينا نظرية القرار البايزية.

وفقاً للمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة، تعالج “جميع” أشكال الحوسبة عناصر تركيبية دون مراعاة أي خصائص دلالية قد تمتلكها هذه العناصر. تتنوع التشكيلات الدقيقة للمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة، حيث تُعتبر الحوسبة “حساسة” للتركيب وليس للدلالة، أو لديها إمكانية “الوصول” إلى الخصائص التركيبية فقط، أو يمكنها العمل “بناءً على” الخصائص التركيبية لا الدلالية، أو تتأثر بالخصائص الدلالية “بواسطة” الخصائص التركيبية فقط. لا يوجد دائماً تفسير لما تعنيه هذه التشكيلات أو فيما إذا كانت متساوية في المعنى. ولكن الصورة المبدئية تتمثل بامتلاك الخصائص التركيبية أولويةً سببية أو تفسيرية على الخصائص الدلالية في دفع الحوسبة نحو الأمام.

يقدم فودور بياناً مبكراً في مقالته “وحدة الأنا المنهجية كمنهج بحثي في علم النفس الإدراكي 1980” (Methodological Solipsism Considered as a Research Strategy in Cognitive Psychology 1980)، حيث يجمع فودور بين المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة والنظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل. يشبّه فودور العقلية (Mentalese) باللغات الشكلية التي يدرسها علماء المنطق: فهي تحتوي على عناصر بسيطة ومعقدة متفردة بشكل غير دلالي، تماماً كما تحتوي اللغات الشكلية عادةً على تعابير بسيطة ومعقدة متفردة بأشكالها. على الرغم من أن الرموز العقلية تمتلك تفسيراً دلالياً، إلا أن هذا التفسير لا يؤثر (بشكل مباشر) على الحوسبة العقلية. لا تتحدد كيفية معالجة الحوسبة للرموز من خلال خصائص الرمز الدلالية، بل من خلال خصائصه الشكلية. ومن هذا المنطلق، يُعتبر الدماغ “محركاً تركيبياً”، علماً أن جميع الحاسوبيين الكلاسيكيين يتبعون فودور افتراضياً في قبوله للمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة.

غالباً ما ينكر الترابطيون معالجة الشبكات العصبونية للعناصر المبنية تركيبياً، ولذلك يتردد العديد منهم بقبول المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة. كما أن معظم الترابطيين يقبلون “فرضية شكلية عمومية”: ليست الحوسبة حساسة للخصائص الدلالية. تثير الفرضية الشكلية العمومية عديداً من القضايا المشابهة للقضايا التي يثيرها المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة، ولكننا نركز هنا على المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة، والذي لاقى نقاشاً فلسفياً واسعاً.

يجمع فودور المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة والنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل مع الواقعية القصدية، حيث يعتقد أن المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة والنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل تعزز علم النفس المنطقي من خلال مساعدتنا على تحويل الخطاب القصدي العقلاني إلى علم دقيق. ويدعم رأيه بحجة استقرائية شهيرة للنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة (1987: 18–20). من المثير أن النشاط العقلي يتتبّع الخصائص الدلالية بشكل متناسق، فعلى سبيل المثال، يحمل الاستدلال الاستنتاجي مقدماتٍ لنتائجَ تكون صحيحة في حال كانت تلك المقدمات صحيحة. كيف يمكن أن نشرح هذا المفهوم الأساسي للنشاط العقلي؟ يُظهر التشكيل قدرة المعالجة التركيبية على تتبّع الخصائص الدلالية، كما يُظهر علم الحاسوب كيفية بناء الآلات المادية التي تنفذ المعالجات التركيبية المطلوبة. وإذا عاملنا العقل كآلة قائمة على التركيب، يمكننا أن نشرح سبب تتبّع النشاط العقلي للخصائص الدلالية بشكل متناسق. بالإضافة إلى ذلك، لا يفترض تفسيرنا وجود آليات سببية تختلف بشكل كبير عن تلك التي يفترضها العلم المادي، وبذلك نجيب على السؤال المحوري: كيفيمكنأنتكونالعقلانيةممكنةًآلياً؟

 يدمج كلٌّ من ستيفين ستيتش (1983) وهارتي فيلد (2001) النظريةَ الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة مع الإقصائية، حيث يوصيان علم الإدراك بنمذجة العقل بمفهوم تركيبي شكلي، مبتعدين بشكل كامل عن القصدية. كما أنهما يؤكدان أن الحالات العقلية لديها خصائص تمثيلية، ولكنهما يتساءلان عن القيمة التفسيرية التي يكتسبها علم النفس العلمي من خلال الاستناد على تلك الخصائص. ما سبب تزويد التوصيف التركيبي الشكلي بالتوصيف القصدي؟ إذا كان العقل آلةً قائمةً على التركيب، ألا يعدُّ المحتوى التمثيلي غير ملائم من الناحية التفسيرية؟

في إحدى مراحل مسيرته العلمية، يجمع بوتنام (1983: 139–154) النظريةَ الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة مع “التفسيرية” المتأثرة بدافيدسون. يجب على علم الإدراك أن يتماشى مع المسارات التي يقترحها كلٌّ من ستيتش وفيلد، مع تحديد نماذج حاسوبية تركيبية شكلية محضة. تتماشى النمذجة التركيبية الشكلية مع التطبيق التفسيري العادي، الذي نسند فيه المحتويات القصدية إلى الحالات العقلية وأفعال الكلام الأخرى، حيث إن التطبيق التفسيري محكوم بقيود شمولية وإرشادية تثبط محاولات تحويل الخطاب القصدي إلى علم دقيق. بالنسبة لبوتنام وستيتش وفيلد، يتحقق الفعل العلمي في المستوى التركيبي الشكلي وليس المستوى القصدي.

 تتعرض فكرة الدمج بين النظريةَ الحاسوبية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة لهجومات من اتجاهات مختلفة، حيث تستهدف إحدى الانتقادات الصلةالسببيةللمحتوىالتمثيلي (Block 1990; Figdor 2009; Kazez 1995). أولاً، تمتلك محتويات الحالات العقلية صلةً سببية بالسلوك والنشاط العقلي. فعلى سبيل المثال، تدفعني رغبتي بشرب الماء بدلاً من عصير البرتقال إلى التوجه إلى مكان صنبور الماء بدلاً من الثلاجة. يبدو أن محتوى رغبتي (أن أشرب الماء) يؤدي دوراً سببياً هاماً في تشكيل سلوكي. وفقاً لفودور (1990: 137–159)، الجمع بين النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة يستوعب بديهيات كهذه. يطبق النشاط التركيبي الشكلي النشاطَ العقلي القصدي، فيضمن التفاعل السببي للحالات العقلية القصدية بالتوافق ع المحتويات. يعتبر المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة أن الحوسبة “حساسة” للتركيب وليس للدلالة. وبناءً على مصطلح “الحساسية” الرئيسي، يمكن أن يبدو المحتوى التمثيلي غير ملائم في حين يأخذ التركيب الشكلي على عاتقه كل العمل السببي. يمكن للمقارنة هنا أن توضح الأمر، فعندما تسير سيارة على طول الطريق، يوجد أنماط ثابتة تتضمن ظل السيارة، ولكن ظل السيارة في موضع معين لا يؤثر على موقع الظل في وقت لاحق. وبشكل مماثل، يمكن شرح كيفية تمثيل النشاط العقلي للأنماط الثابتة الموصوفة من منحىً قصدي عبر الجمع بين نظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة، ولكن لا يكفي ذلك لضمان الصلة السببية للمحتوى. فإذا كان العقل آلة قائمةً على التركيب، تبدو الفاعلية السببية كامنة في المستوى التركيبي وليس الدلالي، أي أن الدلالة “تؤدي دوراً ثانوياً مكملاً” فقط. فمن الواضح أن الجمع بين النظرية الحاسوبية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة يعزز الاستنتاج بأن الخصائص التمثيلية غير فعالة من الناحية السببية. ربما لا تمثل هذه النتيجة مشكلةً بالنسبة للإقصائية، ولكن غالباً ما يتجنبها الواقعيون القصديون.

يستبعد نقدٌ آخر المفهوم التركيبي الشكلي باعتباره تكهناً لا أساس له في الممارسة العلمية. يجادل تايلر بيرج (2010a,b, 2013: 479–480) أن التوصيف التركيبي الشكلي للنشاط العقلي لا يؤدي دوراً أساسياً في مناطق واسعة من علم الإدراك، بما في ذلك دراسة التفكير المنطقي النظري والتفكير المنطقي العملي والإدراك الحسي. يجادل بيرج أن العلم في شتى الحالات يوظف توصيفاً قصدياً وليس توصيفاً تركيبياً شكلياً. فعلى سبيل المثال، لا يصنف علم النفس الإدراكي الحالات الإدراكية عبر الخصائص التركيبية الشكلية، بل عبر العلاقات التمثيلية مع الألوان والأحجام والأشكال البعيدة وغيرها. لكي نفهم هذا النقد، لا بد أن نميز بين التوصيفالتركيبيالشكلي والتوصيفالفيزيولوجيالعصبي. يوافق الجميع على أن علم النفس العلمي المتكامل سيولي أهمية أساسية للتوصيفالفيزيولوجيالعصبي. ومع ذلك، يختلف التوصيف الفيزيولوجي العصبي عن التوصيف التركيبي الشكلي لأن التوصيف التركيبي الشكلي يفترض أن يكون متعدد التحقيق في التوصيف الفيزيولوجي العصبي. تتمثل القضية هنا فيما إذا كان يجب على علم النفس العلمي أن يدعّم التوصيفات القصدية والتوصيفات الفيزيولوجية العصبية بتوصيفات تركيبية شكلية غير قصدية ومتعددة التحقيق.

2.5 الخاجيانية حول المحتوى العقلي

تقدم مقالة بوتنام الهامة “معنى ’المعنى‘” (The Meaning of ‘Meaning’) (1975: 215–271) تجربة فكرة الأرض التوأم (Twin Earth Thought Experiment)، والتي تفترض وجود عالم مماثل لعالمنا باستثناء استبدال ثنائي أكسيد الكربون (H2O) بمادة مشابهة نسبياً تدعى (XYZ) ولها تركيب كيميائي مختلف. يجادل بوتنام أن مادة (XYZ) ليست ماء وأن المتحدثين على الأرض التوأم يستخدمون كلمة “ماء” ليشيروا إلى مادة (XYZ) وليس للماء. يطور بيرج هذه النتيجة بالاعتماد على الاستدلال اللغوي للمحتوى العقلي، فيجادل أن سكان الأرض التوأم يمثلون الحالات العقلية بمحتويات مختلفة. فعلى سبيل المثال، إذا كان أوسكار من الأرض على الأرض يعتقد أنالماءيرويالعطش (that water is thirst-quenching)، فإن مثيله على الأرض التوأم تخطر له فكرة بمحتوى مختلف، ويمكن أن نعبر عنها بفكرة أنتالماءيرويالعطش (that twater is thirst-quenching). يخلص بيرج إلى أن المحتوى العقلي لا يستعاض به عن الفيزيولوجية العصبية الداخلية، حيث إن المحتوى العقلي مميز جزئياً بعوامل خارج جسم المفكر، بما في ذلك العلاقات السببية مع البيئة، ويمثل ذلك مفهوم الخارجيانيةحولالمحتوىالعقلي.

يعتبر كثيرون أن الخصائص الشكلية التركيبية للحالات العقلية يمكن أن يستعاض بها عن الفيزيولوجية العصبية الداخلية، فعلى سبيل المثال، يمثل أوسكار وأوسكار التوأم المعالَجات التركيبية الشكلية ذاتها. وإذا أخذنا خارجيانية المحتوى بالحسبان، فإنها تفضي إلى وجود فجوة كبيرة بين التوصيف القصدي العادي والتوصيف التركيبي الشكلي.

تثير خارجيانية المحتوى العديد من الأسئلة الهامة حول الفائدة التفسيرية التي يحملها المحتوى التمثيلي لعمل النفس العلمي:

جدالمنالسببية (Fodor 1987, 1991): كيف يمكن أن يكون للمحتوى العقلي أي تأثير باستثناء ذلك الذي يتجلى في الفيزيولوجية العصبية الداخلية؟ لا يوجد “فعل سيكولوجي عن بعد”. تؤثر الاختلافات في البيئة المادية على السلوك فقط عبر إحداث التغيرات في الحالات الدماغية المحلية. لذلك تتمثل العوامل الملائمة سببياً بتلك التي يمكن الاستعاضة بها عن الفيزيولوجية العصبية الداخلية، حيث يعدُّ المحتوى المصنف خارجياً غيرملائمسببياً.

جدالمنالتفسير (Stich 1983): لا يجب على التفسير العلمي الدقيق أن يراعي العوامل الخارجية لجسم الفاعل. ربما يصنف علم النفس المنطقي أو الشعبي الحالات العقلية من خلال علاقات مع البيئة الخارجية، ولكن يجب على علم النفس العلمي أن يصنف الحالات العقلية بشكل كامل عبر العوامل التي يمكن الاستعاضة بها عن الفيزيولوجية العصبية الداخلية، بل يجب أن يعامل كلاً من أوسكار وأوسكار التوأم كمتماثلين سيكولوجيين. [3]

يتابع بعض الكتّاب الجدالين السابقين بشكل مترابط، حيث يصل كلا الجدالين إلى النتيجة ذاتها: لا مكان للمحتوى العقلي المصنف خارجياً ضمن التفسيرات السببية التي يقدمها علم النفس العلمي. كما أن ستيتش يجادل وفقاً لهذين الجدالين لتعزيز الإقصائية التركيبية الشكلية الخاصة به.

يردّ العديد من الفلاسفة على هذه المسائل عبر تعزيز داخليانيةالمحتوى. بينما يحبّذ أنصار خارجيانية المحتوى “المحتوى الشامل” (المحتوى الذي لا يستعاض به عن الفيزيولوجية العصبية الداخلية)، يحبّذ أنصار داخليانية المحتوى “المحتوى المحدود” (المحتوى الذي يستعاض به عن الفيزيولوجية العصبية الداخلية). المحتوى المحدود هو ما يبقى من المحتوى العقلي عندما نستثني جميع العناصر الخارجية. في إحدى مراحل مسيرته العلمية، اتبع فودور (1981, 1987) الداخليانية كاستراتيجية لدمج علم النفس القصدي مع النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل والنظرية التمثيلية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة. في الوقت الذي يعتبر فيه فودور أنه لا مكان للمحتوى الشامل في علم النفس العلمي، يحافظ على فكرة أن المحتوى المحدود يجب أن يؤدي دوراً تفسيرياً أساسياً.

يصرّ الداخليانيون المتشددون على أن كل المحتوى محدود. ومن التحليلات الاعتيادية أن أوسكار لا يفكر بالماء، بل بفئة أكثر شمولية من المواد التي تشمل (XYZ)، حيث إن أوسكار وأوسكار التوأم يمنحان الحالات العقلية المحتويات ذاتها. يوافق كلٌّ من تيم كرين (1991) وغابرييل سيغال (2000) على هذا التحليل، حيث يعتقدان أن علم النفس المنطقي أو الشعبي يصنف المواقف الافتراضية بشكل محدود. فيما توصي الداخليانية الأقل تشدداً بأن نصنف المحتوى المحدود بالإضافةإلى المحتوى الشامل. ربما يصنف علم النفس المنطقي المواقف الافتراضية بشكل شامل، ولكن يمكننا أيضاً أن نحدد مفهوماً قابلاً للتطبيق للمحتوى المحدود الذي يسهم في تطوير أهداف علمية وفلسفية هامة. ومن الداخليانين الذين اقترحوا عدة مفاهيم مرشحة للمحتوى المحدود (بلوك 1986؛ تشالميرز 2002؛ كومينز 1989؛ فودور 1987؛ ليويز 1994؛ لورا 1988؛ وميندولا 2008). للاطلاع على الترشيحات البارزة، انظر باب المحتوى العقلي المحدود.

يشتكي الخارجيانيون من أن النظريات الموجودة حول المحتوى المحدود غير مكتملة وغير محتملة سوى للتفسير الفيزيولوجي، حيث يمكن رفضها بخلاف ذلك (Burge 2007; Sawyer 2000; Stalnaker 1999). كما يشكك الخارجيانيون بجدالات الداخليانيين التي تقول بأن علم النفس العلمي يستلزم المحتوى المحدود:

جدالمنالسببية: يصرّ الخارجيانيون على أن المحتوى الشامل يمكن أن يكون له صلة سببية. تتنوع التفاصيل بين الخارجيانيين لتسيطر على النقاش غالباً قضايا معقدة حول السببية ومعارضة الحقائق وميتافيزيقيا العقل. انظر باب السببية العقلية للاطلاع على نظرة عامة تمهيدية، وانظر بيرج (2007) وريسكورلا (2014a) ويابولا (2003،1997) للاطلاع على نقاش عن الخارجيانية.

جدالمنالتفسير: يدّعي الخارجيانيون أنه يمكن للتفسير السيكولوجي أن يصنف الحالات العقلية بشكل ملائم عبر العوامل التي تتعدى الفيزيولوجية العصبية الداخلية (Peacocke 1993; Shea, 2018). يلاحظ بيرج أن العلوم غير الفيزيولوجية تصنف الأنواع التفسيرية غالباً بشكل علائقي، كالعلاقات مع العوامل الخارجية. فعلى سبيل المثال، يعتمد اعتبار كيان ما أنه قلب (بشكل تام) على ما إذا كانت وظيفته البيولوجية في البيئة الطبيعية هي ضخ الدم. لذلك تصنف الفيزيولوجيا أنواع الأعضاء بشكل علائقي. لما لا يمكن لعلم النفس أيضاً أن يصنف الحالات العقلية بشكل علائقي؟ للاطلاع على نقاش هام حول هذه المسائل، انظر بيرج (1995،1959،1986) وفودور (1991،1987).

يشكك الخارجيانيون بوجود أي سبب وجيه لنستبدل المحتوى الشامل أو ندعّمه بالمحتوى المحدود، حيث يرفضون البحث عن المحتوى المحدود باعتباره بحثاً عبثياً.

يدافع بيرج (2007,2010a) عن الخارجيانية من خلال تحليل علم الإدراك الحالي، فيجادل أن العديد من فروع علم النفس العلمي (خاصة علم النفس الإدراكي) تصنف المحتوى العقلي من خلال العلاقات السببية مع البيئة الخارجية. ويخلص إلى أن التطبيق العلمي يمثل وجهة نظر خارجيانية. ولكنه يبقي بالمقابل على فكرة أن المحتوى المحدود خيال فلسفي لا مكان له في العلم الحالي.

لنفترض أننا تركنا البحث عن المحتوى المحدود، فما هي احتمالات دمج النظرية الحاسوبية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة مع علم النفس القصدي الخارجياني؟ تؤكد أفضل الخيارات الواعدة علىمستوياتالتفسير. يمكننا أن نقول إن علم النفس القصدي يحتل إحدى مستويات التفسير، في حين يحتل علم النفس الحاسوبي التركيبي الشكلي مستوىً مختلفاً. يتناول فودور هذا المنهج في أعماله الأخيرة (2008،1994)، حيث يرفض المحتوى المحدود باعتباره عديم الجدوى. كما يقترح أن الآليات التركيبية الشكلية تطبق القوانين السيكولوجية الخارجيانية. تعالج الحوسبة العقلية التعابيرَ العقلية وفقاً لخصائصها التركيبية الشكلية، في حين تضمن هذه المعالَجات التركيبية الشكلية أنَّ النشاط العقلي يمثل أنماطاً ملائمة شبيهة بالقوانين ومحددة عبر محتويات شاملة.

في ضوء النقاش حول الخارجيانية والداخليانية، نرجع إلى التحدي الإقصائي المذكور في الباب 1.5: ما هي القيمة التفسيرية التي يضيفها التوصيف القصدي إلى التوصيف التركيبي الشكلي؟ يمكن أن يرد الداخليانيون بأن المعالَجات التركيبية الشكلية المناسبة تحدد أو حتى تكوّن المحتويات المحدودة، بحيث يكون التوصيف القصدي الداخلياني متضمناً مسبقاً في توصيف تركيبي شكلي مناسب (cf. Field 2001: 75). ربما يعزز هذا الردُّ الواقعيةَ القصدية أو لا، ولكن من المؤكد أن هذا الرد لا مكان له لدى أنصار خارجيانية المحتوى. لا يظهر التوصيف القصدي الخارجياني في التوصيف التركيبي الشكلي بشكل واضح، لأنه يمكن اعتبار التركيب الشكلي ثابتاً مع تنوع المحتوى الشامل. وبذلك لا بد لأنصار خارجيانية المحتوى الذين يتبنون فكرة الدمج بين النظرية الحاسوبية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة أن يشيروا إلى ما يمكن جنيه من تزويد التفسيرات التركيبية الشكلية بالتفسيرات القصدية. بمجرد قبولنا فكرة أن الحوسبة العقلية حساسة للتركيب وليس للدلالة، نغيّب أي توضيح لوجود عمل تفسيري مفيد للمحتوى الشامل. يتناول فودور هذا التحدي من نقاط مختلفة، فيقدم أقوى معالجاته الدلالية في كتابه “إلم والخبير 1994” (The Elm and the Expert 1994). للاطلاع على النقد، انظر آرجو (1996)، إيديدي وروبينز (2001)، ويكفيلد (2002)، وبيري (1998). للاطلاع على آراء قريبة من رأي فودور، انظر روبيرت (2008) وشنايدر (2005). يتبع كلٌّ من دريتسكي (1993) وشيه (2018, pp. 197–226) استراتيجية بديلة لتعزيز الصلة التفسيرية للمحتوى الشامل.

3.5 الحوسبة المتضمنة للمحتوى

تثير الفجوة بين التوصيف الحاسوبي والتوصيف القصدي كتاباتٍ عديدة عن النظرية الحاسوبية للعقل، حيث يحاول بعض الفلاسفة سد هذه الفجوة باستخدام التوصيفات الحاسوبية التي تصنف الحالات الحاسوبية من نواحٍ تمثيلية. تكون هذه التوصيفات متضمنةللمحتوى، بناءً على اصطلاح كريستوفر بيكوك (1994). لا يوجد في المنهج المتضمن للمحتوى حدودٌ صارمةٌ بين التوصيفين الحاسوبي والقصدي. وبشكل خاص، تُعتبر التوصيفات ذات القيمة العلمية المؤكدة للنشاط العقلي حاسوبيةً وقصدية معاً، حيث يدعى هذا الموقف الحوسبةَالمتضمنةللمحتوى.

لا يستلزم الأمر على الحوسبة المتضمنة للمحتوى أن تقول إن جميع التوصيفات الحاسوبية قصدية. فلنفترض على سبيل التوضيح أننا نصف آلة تورينغ بسيطة تعالج الرموز المصنفة حسب أشكالها الهندسية. لن يكون التوصيف الحاسوبي الناتج متضمناً للمحتوى بشكل ملائم، وبذلك لا يقدم أنصار الحوسبة المتضمنة للمحتوى عادةً أية حوسبة متضمنة للمحتوى كنظرية شمولية للحوسبة، بل يدّعون فقط أن بعض التوصيفات الحاسوبية الهامة تكون متضمنة للمحتوى.

يمكن تطوير الحوسبة المتضمنة للمحتوى باتجاهٍ داخلياني أو خارجياني. يعتقد الداخليانيون المناصرون للحاسوبية المتضمنة للمحتوى أن بعض التوصيفات الحاسوبية تحدد الحالات العقلية بشكل جزئي عبر محتوياتها المحدودة، في حين يوصي مورات إيديدي (2005) بمراعاة نقطةٍ أخرى إلى جانب هذه الخطوط. وأما الحوسبة الخارجيانية المتضمنة للمحتوى، فتشير إلى أن توصيفات حاسوبية معيّنة تحدد الحالات العقلية بشكل جزئي عبر محتوياتها الشاملة، علماً أن تايلور يبرج (2010a: 95–101) وكريستوفر بيكوك (1999،1994) ومايكل ريسكورلا (2012) ومارك سبريفاك (2010) يؤيدون هذا الموقف، في حين يدعو أورون شاغرير (2001, forthcoming) إلى حوسبة متضمنة للمحتوى تكون حيادية بين الداخليانية والخارجيانية.

يشير أنصار الحوسبة الداخليانية المتضمنة للمحتوى عادةً إلى تطبيق علم الإدراك باعتباره عاملاً محفزاً. فعلى سبيل المثال، يصف علم النفس الإدراكي النظامَ الإدراكي بأنه يجري حوسبة تقديرية لحجم الجسم من خلال المحفزات البصرية والعمق المقدر للجسم. يجري تحديد “التقديرات” الإدراكية بشكل تمثيلي، كتمثيل الأعماق والأحجام البعيدة. من المعقول أن العلاقات التمثيلية مع الأعماق والأحجام البعيدة لا يمكن الاستعاضة بها عن الفيزيولوجية العصبية الداخلية. ومن المعقول أيضاً أن علم النفس الإدراكي يحدد نوع الحسابات الإدراكية عبر المحتويات الشاملة. وبذلك يبدو أن الحوسبة الخارجيانية المتضمنة للمحتوى تنسجم بشكل جيد مع علم الإدراك الحالي.

من أهم التحديات التي تواجه الحوسبة المتضمنة للمحتوى ذلك الذي يتعلق بالالتقاء مع شكليات الحوسبة الأساسية، مثل آلة تورينغ. كيف يمكن بالضبط أن يكون للتوصيفات المتضمنة للمحتوى علاقةٌ بالنماذج الحاسوبية الموجودة في علم الحاسوب والمنطق؟ يفترض الفلاسفة عادةً أن هذه النماذج تقدم توصيفات غير قصدية، حيث يمكن أن يشكل ذلك مشكلة أساسية أو ضربة حاسمة للحوسبة المتضمنة للمحتوى.

 ومع ذلك يمكننا القول إن العديد من شكليات الحوسبة المعتادة تسمح بالتفسير المتضمن للمحتوى أكثر من التفسير التركيبي الشكلي. ولنعتبر على سبيل التوضيح آلة تورينغ، حيث يمكن تصنيف “الرموز” التي تضم أبجدية آلة تورينغ بشكل غير دلالي عبر العوامل المشابهة للشكل الهندسي، ولكن هل تتطلب شكلية تورينغ مخططاً تصنيفياً غير دلالي؟ يمكننا القول إن الشكلية تسمح لنا بتصنيف الرموز بشكل جزئي عبر محتوياتها. بالطبع لا يشير جدول الآلة لآلة تورينغ إلى الخصائص الدلالية للرموز بشكل واضح (كالدلالات أو شروط الحقيقة). ولكن يمكن لجدول الآلة أن يصوغ قواعد ميكانيكية تصف كيفية معالجة الرموز، حيث يجري تعريف هذه الرموز عادةً من ناحية تضمّن المحتوى. وبذلك يحدد جدول الآلة التنقلات بين الحالات المتضمنة للمحتوى دون الإشارة الواضحة للخصائص الدلالية. يقترح إيديدي (2005) نسخة داخليانية لهذا الموقف، حيث يجري تحديد أنواع الرموز عبر محتوياتها المحدودة. [4] كما يطور ريسكورلا (2017a) هذه النظرة باتجاه داخلياني، حيث يجري تحديد أنواع الرموز عبر محتوياتها الشاملة، فيجادل أن بعض النماذج على نمط تورينغ تصف العمليات الحاسوبية بناءً على رموز عقلية مصنفة بشكل خارجياني. [5]

من حيث المبدأ، يمكن تبني كلٍّ من التوصيف الحاسوبي الخارجياني المتضمن للمحتوى والتوصيف التركيبي الشكلي، كما يمكن القول إن هذين النوعين من التصنيف يحتلان مستويات مميزة من التفسير، بناءً على ما يقترحه بيكوك، فيما يتناول أخرون من أنصار الحوسبة المتضمنة للمحتوى التوصيفات التركيبية الشكلية للعقل بشكل أكثر تشكيكاً. فعلى سبيل المثال، يتساءل بيرج عن ماهية القيمة التفسيرية التي يقدمها التوصيف التركيبي الشكلي لمناطق معيّنة في علم النفس العلمي (كعلم النفس الإدراكي). ومن هذا المنطلق، يعيد التحدي الإقصائي المذكور في الباب 1.5 الأمورَ إلى الخلف، حيث لا يجب أن نفترض أن التوصيفات التركيبية الشكلية تمتلك قيمة تفسيرية فنتساءل بعد ذلك عن القيمة التي تقدمها التوصيفات القصدية. ولكن يجب علينا بدلاً من ذلك أن نتبنى التوصيفات القصدية الخارجيانية التي يقدمها علم الإدراك الحالي ثم نتساءل بعد ذلك عن القيمة التي يقدمها التوصيف التركيبي الشكلي.

يردّ أنصار التوصيف التركيبي الشكلي بالإشارة إلى آليات التطبيق. يفترض التوصيف الخارجياني للنشاط العقلي أن العلاقات السببية التاريخية المناسبة بين العقل والبيئة المادية الخارجية في مكانها. ولكن لا شك في أننا نريد توصيفاً “محلياً” يتجاهل العلاقات السببية التاريخية ويُظهر الآليات السببية الأساسية. يجادل فودور (1994،1987) بهذه الطريقة لتعزيز الصورة التركيبية الشكلية. للاطلاع على ردود ممكنة للخارجيانيين على نقاش آليات التطبيق، انظر بيرج (2010b)، شيه (2013) وسبريفاك (2010)، علماً أنه من المرجح أن يستمر الجدال حول هذا النقاش وغيره من النقاشات حول العلاقة بين الحوسبة والتمثيلية إلى أجل غير مسمى.

6. مفاهيم بديلة للحوسبة

تقدم الأبحاث المنشورة مفاهيم بديلة عديدة، وعادة ما تبرز كأساسات للنظرية الحاسوبية للعقل. كما تتداخل هذه المفاهيم في حالات متعددة مع بعضها أو مع المفاهيم التي جرى نقاشها سابقاً.

1.6 معالجة المعلومات

من الشائع وصف علماء الإدراك للحوسبة بأنها “معالجة للمعلومات”، ولكن نادراً ما يوضح أنصار علم الإدراك المقصد من مفهومي “معالجة” أو “معلومات”، حيث لا يجعل التوضيحُ من هذا الوصفِ سوى كلام فارغ.

قدّم كلود شانون مفهوماً هاماً علمياً لـ “المعلومات” في مقالة “نظرية رياضية للتواصل” (A Mathematical Theory of Communication) التي نشرها في عام 1948. تتمثل الفكرة الأساسية بأن المعلومات تقيس انخفاضاليقين، حيث يتجلى اليقين المنخفض في توزيع الاحتمالية المتغير للحالات الممكنة. ينسق شانون هذه الفكرة ضمن إطار رياضي صارم، واضعاً أُسسَ “نظرية المعلومات” Information Theory (Cover and Thomas 2006). يعدُّ مفهوم المعلومات لشانون أساسياً بالنسبة للهندسة الحديثة، كما أن تطبيقها مفيدٌ في علم الإدراك، خاصة علم الأعصاب الإدراكي. ولكن هل تدعم تحليلاً مقنعاً للحوسبة كـ “معالجة للمعلومات”؟ خذ على سبيل المثال آلة تسجيل قديمة الطراز تسجل الرسائل المستلمة عبر موجات الراديو اللاسلكية. يمكن استخدام إطار شانون لقياس كيفية نقل المعلومات عبر رسالة مسجلة. يبدو أن آلة التسجيل “تعالج” معلومات شانون كلما أعدنا تشغيل الرسالة المسجلة. ومع ذلك، لا تطبق الآلة نموذج حوسبة غير بسيطة أو غير تافهة (non-trivial). [6] من المؤكد أنه لا يمكن لشكلية آلة تورينغ ولا حتى شكلية الشبكة العصبونية أن تقدم رؤية عن عمليات الآلة. وبذلك يمكن القول إن النظام قادر على معالجة معلومات شانون دون تطبيق الحسابات بأي أسلوب مثير للاهتمام.

ربما يحاول البعض عند مواجهة هذه الأمثلة إيجادَ مفهوم أكثر تطلباً لـ “المعالجة”، بحيث لا “تعالج” آلة التسجيل معلومات شانون. فيما يمكن أن يصرّ البعض على أن آلة التسجيل تنفذ حسابات غير بسيطة أو غير تافهة. يقدّم كلٌّ من بيتشينيني وسكارانتينو (2010) مفهوماً فائق العمومية للحوسبة – والذي أطلقوا عليه اسم الحوسبة العامة – تماشياً مع تلك النتائج.

وأما المفهوم الأساسي الثاني للمعلومات، فيُستمد من نقاش بول غرايس (1989) المؤثر للمعنى الطبيعي، حيث يتضمن المعنى الطبيعي ارتباطات موثوقة مغايرة للواقع. يطور فريد دريتسكي (1981) هذا المفهوم إلى نظرية ممنهجة، لينتهج نهجه لاحقاً العديدُ من الفلاسفة. ولكن هل تقدم المعلومات على نمط دريتسكي تحليلاً ملائماً للحوسبة كـ “معالجة للمعلومات”؟ لنأخذ على سبيل المثال ميزان الحرارة ثنائي المعدن من الطراز القديم. يجري ربط المعدنين معاً في شريط، فيؤدي التمدد التفاضلي للمعادن إلى ثني الشريط، وبالتالي تنشيط أو إلغاء تنشيط وحدة التسخين. ترتبط حالة الشريط بدرجة الحرارة المحيطة الحالية، في حين “يعالج” ميزان الحرارة الحالة الحاملة للمعلومات عند تنشيط أو إلغاء تنشيط المسخن. ومع ذلك لا يبدو أن ميزان الحرارة يطبق أي نموذج حوسبة غير تافه أو غير بسيط، حيث لا يوجد بطبيعة الحال من يصف عمل ميزان الحرارة بالحوسبة. وبذلك يمكن القول إن النظام قادر على معالجة المعلومات على نمط دريتسكي دون تطبيق حسابات بشكل مثير للاهتمام. بالطبع يمكن أن يحاول البعض التعامل مع أمثلة كهذه عبر مناورات موازية لتلك التي ذكرناها في المقطع السابق.

المعلومات الدلالية هي المفهوم الأساسي الثالث للمعلومات، مثل المحتوى التمثيلي.[7] يعتقد بعض الفلاسفة أن النظام المادي يجري الحوسبة فقط إذا كان لحالات النظام خصائص تمثيلية (Dietrich 1989; Fodor 1998: 10; Ladyman 2009; Shagrir 2006; Sprevak 2010). ومن هذا المنطلق، تُعتبر معالجة المعلومات ضرورية للحوسبة. كما يقول فودور بشكل لا ينسى: “لا يوجد حوسبة دون تمثيل” (1975: 34). ومع ذلك، يُعتبر هذا الموقف قابلاً للجدال. يؤكد كلٌّ من تشالميرز (2011) وبيتشينيني (2008a) أنه يمكن لآلة تورينغ أن تنفذ عمليات الحوسبة حتى لو لم يكن للرموز التي تعالجها الآلة رموزاً دلالية، حيث تكون عمليات الحوسبة للآلة تركيبية محضة بطبيعتها وتفتقر إلى أي شيء يشبه الخصائص الدلالية. وفي وجهة النظر هذه، لا يعدُّ المحتوى التمثيلي ضرورياً لاعتبار النظام المادي حاسوبياً.

ومع ذلك يبقى الغموض حول إمكانية تقديم شعارِ “الحوسبة هي معالجة للمعلومات” لأيةِ رؤية واضحة. ولكن يبدو أن هذا الشعار لن يختفي من الدراسات المنشورة في أي وقت قريب. للاطلاع على المزيد من النقاشات حول الارتباطات الممكنة بين الحوسبة والمعلومات، انظر غاليستل وكينغ (2009: 1–26)، ليزير وفليكر وويليامز (2013)، ميلكاوسكي (2013)، بيتشينيني وسكارانتينو (2010) وسبريفاك (ينشر قريباً).

2.6 تقييم الوظائف

في مقطعٍ يُقتبس كثيراً، يحدد عالم النفس الإدراكي ديفيد مار (1982) ثلاث مراحل يمكن فيها وصف “جهاز معالجة المعلومات”:

النظريةالحاسوبية: “يصنف الجهاز كمخطط من أحد أنواع المعلومات إلى نوع آخر، حيث تُحدد الخصائص المجردة لهذا التخطيط بدقة، إضافة إلى توضيح ملاءمتها وكفاءتها للمهمة”. (ص. 24).

التمثيلوالخوارزميات: “خيار التمثيل للمدخلات والمخرجات والخوارزميات التي ستستخدم لتحويل واحدة إلى الأخرى”. (ص. 24-25).

تطبيقالأجهزة:

“تفاصيل كيفية تحقيق الخوارزمية والتمثيل بشكل مادي”. (ص. 25).

جذبت مراحل مار الثلاثة تمحيصاً فلسفياً مكثفاً، ولكن النقطة الرئيسية التي تهمنا هي أن “مستوى الحوسبة” عند مار يصف تخطيطاً من المدخلات إلى المخرجات دون وصف الخطوات المتوسطة. يوضح مار هذا النهج بتزويد نظريات “مستوى الحوسبة” بعمليات إدراكية متنوعة، مثل كشف الحواف.

يقترح نقاش مار مفهوماًوظائفياًللحوسبة، تكون فيه الحوسبة عبارةً عن تحويلٍ للمدخلات إلى مخرجات ملائمة. تتوسع فرانسيس إيغان بمفهوم الوظائفية في سلسلة من المقالات (1991، 1992، 1999، 2003، 2010، 2014، 2019). مثل مار، تعامل إيغان التوصيف الحاسوبي على أنه توصيف لعلاقات الإدخال والإخراج. كما أنها تدّعي أن النماذج الحاسوبية تحدد وظيفة رياضية بحتة: ألا وهي التخطيط من المدخلات الرياضية إلى المخرجات الرياضية. توضح إيغان ذلك من خلال آلية بصرية (تدعى “فيجوا” “Visua”) وتحسب عمق الشيء من التفاوت البصري. تتخيل إيغان مماثلاً فيزيولوجياً عصبياً (“فيجوا التوأم”) متضمناً بشكل مختلف في البيئة المادية التي لا تمثل العمق. يمثل كلٌ من “فيجوا” و”فيجوا التوأم” الحالات الإدراكية الحسية بخصائص تمثيلية مختلفة. ولكن ترى إيغان أن علم البصريات يعامل “فيجوا” و”فيجوا التوأم” كمتماثلين حاسوبيين. يحسب “فيجوا” و”فيجوا التوأم” الوظيفة الرياضية ذاتها، رغم أن العمليات الحاسوبية لديها استيراد تمثيلي مختلف في كلتا الحالتين. تخلص إيغان إلى أن النمذجة الحاسوبية للعقل ينتج عنها “توصيف رياضي مجرد” يتفق مع العديد من التوصيفات التمثيلية البديلة الممكنة، علماً أن الإسناد القصدي مجرد تعقيب إرشادي للتوصيف الحاسوبي الأساسي.

يجادل تشالميرز (2012) أن مفهوم الوظائفية يغفل خصائص هامة للحوسبة، حيث يلاحظ أن النماذج الحاسوبية عادةً تصف أكثر من علاقات الإدخال والإخراج. فهي تصف الخطوات المتوسطة التي تتحول عبرها المدخلات إلى مخرجات. تبرز هذه الخطوات المتوسطة، والتي يرجعها مار إلى مستوى “الخوارزمية”، بشكل أساسي في النماذج الحاسوبية التي يقدمها علماء الحاسوب والمنطق. فلذلك لا يمكن التعبير عن الممارسة الحاسوبية الرئيسية عند حصر مصطلح “الحوسبة” بتوصيف الإخراج والإدخال.

تواجه النظريات الوظائفية مشكلات إضافية، مثل مشكلة إيغان، والتي تركز بشكل أساسي على المدخلات والمخرجات الرياضية. يشتكي النقاد من أن إيغان ترفع بشكل خاطئ من شأن الوظائف الرياضية على حساب التفسيرات القصدية التي يقدمها علم الإدراك بشكل روتيني (Burge 2005; Rescorla 2015; Silverberg 2006; Sprevak 2010). فلنفترض على سبيل الإيضاح أن علم النفس الإدراكي يصف النظام الإدراكي بتقدير أن عمق جسم ما هو 5 أمتار. يمتلك العمق المقدَّر الإدراكي محتوىً تمثيلاً: يكون دقيقاً فقط إذا كان عمق الجسم 5 أمتار. نشير إلى الرقم 5 لنحدد العمق المقدَّر، ولكن اختيارنا لهذا الرقم يعتمد على اختيارنا الاعتباطي لوحدات القياس. يؤكد النقاد أن محتوى العمق المقدَّر هو ما يهم بالنسبة للتفسير السيكولوجي وليس الرقم المختار اعتباطياً لنحدد نحن المنظرون المحتوى من خلاله. تضع نظرية إيغان الرقم بدلاً من المحتوى في مركز الصدارة التفسيري. وفقاً لإيغان، يجب على التفسير الحاسوبي أن يصف النظام البصري بأنه يجري حوسبةً لوظيفة رياضية محددة تحمل مدخلات رياضية محددة إلى مخرجات رياضية محددة. تعتمد تلك المدخلات والمخرجات الرياضية المحددة على اختيارنا الاعتباطي لوحدات القياس، أي إنها تفتقر إلى الأهمية التفسيرية التي تعطيها لها إيغان.

يجب أن نميز المنهج الوظائفي كما يتّبعه كلٌّ من مار وإيغان عن نموذجالبرمجةالوظائفية (Functional Programming Paradigm) في علم الحاسوب. يعمل نموذج البرمجة الوظائفية على نمذجة تقييم الوظيفة المعقدة كتقييمٍ متتالٍ لوظائف أبسط. ومن الأمثلة البسيطة على ذلك، تقييم f(x,y)=(x2+y)f(x,y)=(x2+y)  عبر البداية بتقييم وظيفة التربيع ثم تقييم وظيفة الجمع. تختلف البرمجة الوظائفية عن توصيفات “المستوى الحاسوبي” الذي يؤكد عليه مار، لأنه يحدد المراحل الحاسوبية المتوسطة. يعود أصل نموذج البرمجة الوظائفية إلى كتاب ألونزو تشيرتش “حساب لامدا” Lambda Calculus (1936) ويستمر مع لغات البرمجة مثل (PCF) و (LISP). كما أنه يؤدي دوراً هاماً في الذكاء الاصطناعي وعلم الحاسوب النظري. يفترض بعض الكتّاب أيضاً أنه يقدم رؤية خاصة للحوسبة العقلية (Klein 2012; Piantadosi, Tenenbaum, and Goodman 2012). ومع ذلك، لا تتفق بعض الشكليات الحاسوبية مع النموذج الوظائفي: آلات تورينغ؛ ولغات البرمجة الأمرية مثل (C)؛ ولغات البرمجة المنطقية مثل “برولوغ” (Prolog)؛ وغيرها. على الرغم من وصف النموذج الوظائفي لحساباتٍ هامة عديدة (ربما الحوسبة العقلية أيضاً)، إلا أنه لا يعبّر بشكل ملائم عن الحوسبة بشكلعام.

3.6 البنيوية

تتضمن العديد من النقاشات الفلسفية مفهوماًبنيوياًللحوسبة: يصف النموذج الحاسوبي بنية سببية مجردة دون مراعاة حالات مادية معينة تنشئ البنية. يعود تاريخ هذا المفهوم على الأقل إلى معالجة بوتنام الأساسية (1967)، في حين يطوره تشالميرز (1995, 1996a, 2011, 2012) بالتفصيل، حيث إنه يقدم شكلية آلة الحالة التوافقية (CSA)، والتي تصنف معظم النماذج المعروفة للحوسبة (بما في ذلك آلات تورينغ والشبكات العصبونية). تقدم آلة الحالة التوافقية توصيفاً مجرداً للطوبولوجيا السببية للنظام المادي: نمط التفاعل السببي بين أجزاء النظام، والذي يكون مستقلاً عن طبيعة الأجزاء أو الآليات السببية التي تتفاعل من خلالها، علماً أن التوصيف الحاسوبي يحدد الطوبولوجيا السببية.

يستعرض تشالميرز البنيويةَ ليحدد نسخة عامةً جداً من النظرية الحاسوبية للعقل، حيث يفترض النظرة الوظائفية التي تشير إلى أن الحالات السيكولوجية تُصنَّف من خلال أدوارها في نمطٍ من التنظيم السببي. يحدد التوصيف السيكولوجي الأدوارَ السببية بعيداً عن الحالات السببية التي تحقق تلك الأدوار. وبذلك تكون الخصائص السيكولوجية ثابتة منالناحيةالتنظيمية، حيث يمكن الاستعاضة بها عن الطوبولوجيا السببية. بما أن التوصيف الحاسوبي يميز الطوبولوجيا السبية، فإن استيفاء توصيف حاسوبي مناسب يكفي لتمثيل خصائص عقلية مناسبة. كما أن التوصيف السيكولوجي صنفٌ من التوصيف الحاسوبي، حيث يجب على التوصيف الحاسوبي أن يؤدي دوراً مركزياً في التفسير السيكولوجي. وبذلك تقدم الحوسبة البنيوية أساساً ثابتاً لعلم الإدراك، حيث إن العقلية متجذرة في الأنماط السببية التي تمثل ما تعبّر عنه النماذج الحاسوبية بالضبط.

تقدم البنيوية أيضاً مفهوماً جذاباً للعلاقة التطبيقية بين النماذج المجردة للحوسبة والأنظمة المادية. ما هي شروط تطبيق النظام المادي للنموذج الحاسوبي؟ يرى البنيويون أن النظام المادي يطبق نموذجاً فقط في حال كانت البنية السببية للنموذج “مماثلة” لبنية النموذج الشكلية. يصف النموذجُ الحاسوبي النظامَ المادي من خلال توضيح بنية شكلية تعكس الطوبولوجيا السببية ذات الصلة، في حين يوضح تشالميرز هذه الفكرة المبدئية فيقدم التفاصيل الضرورية والشروط الوافية للتحقيق المادي لآلات الحالة التوافقية.

ربما تفيد المقارنة بين الحاسوبية البنيوية وبعض النظريات الأخرى التي نوقشت سابقاً:

وظائفيةالآلة: تعتنق الحاسوبية البنيويةُ الفكرةَ الأساسيةَ لوظائفية الآلة: الحالاتُ العقليةُ حالاتٌ وظائفية يمكن وصفها عبر شكلية حاسوبية مناسبة. يستعرض بوتنام النظرية الحاسوبية للعقل كفرضية تجريبية، حيث يدافع عن الوظائفية بناءً على هذا الأساس. ومن جهة أخرى، يسير تشالميرز على خطا ديفيد لويس (1972) من خلال تجذير الوظائفية في التحليل المفاهيمي للخطاب العقلي. بينما يدافع بوتنام عن الوظائفية عبر دفاعه عن الحاسوبية، يدافع تشالميرز عن الحاسوبية من خلال افتراض الوظائفية.

الحاسوبيةالكلاسيكية،الترابطية،وعلمالأعصابالحاسوبي. تؤكد الحاسوبية البنيوية على التوصيفات الثابتة تنظيمياً، والتي تكون تعددية التحقيق. ومن هذا المنطلق، تتشعب الحاسوبية البنيوية من علم الأعصاب الحاسوبي. تتوافق البنيوية مع كلٍّ من الحاسوبية الترابطية والكلاسيكية، ولكنها تختلف من حيث الجوهر عن هاتين النظريتين. يستعرض الكلاسيكيون والترابطيون مواقفهم المتنافسة كفرضياتٍ جريئة وموضوعية، في حين يقدم تشالميرز الحاسوبية البنيوية كموقف معتدل نسبياً ومن غير المرجح دحضه.

الواقعيةالقصديةوالنظريةالإقصائية. تتوافق الحاسوبية البنيوية مع كلا الموقفين، ولكن وصف آلة الحالة التوافقية لا يحدد بشكل واضح الخصائصَ الدلالية كالإشارة أو شروط الحقيقة أو المحتوى التمثيلي. لا يحتاج أنصار الحاسوبية البنيوية إلى منح المحتوى التمثيلي أيّ دورٍ هامٍ ضمن علم النفس العلمي. ومن جهة أخرى، لا تمانع الحاسوبية البنيوية بمنح دور هام للمحتوى التمثيلي.

المفهومالتركيبيالشكليللحوسبة. يعتمد المحتوى الشامل على العلاقات التاريخية السببية مع البيئة الخارجية، العلاقات التي تصنف الطوبولوجيا السببية. وبذلك يترك توصيف آلة الحالة التوافقية المحتوى الشامل دون تحديد. من المفترض أن المحتوى المحدود يستعاض به عن الطوبولوجيا السببية، ولكن توصيف الآلة التوافقية لا يذكر المحتويات المحدودة بشكل واضح. ومن هذا المنطلق، تعطي الحاسوبية البنيوية أولوية لمرحلة من التوصيف الحاسوبي الشكلي غير الدلالي، وتمثل بذلك المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة. من جهة أخرى، لا يحتاج أنصار الحاسوبية البنيوية إلى القول إن الحوسبة “غير حساسة” للخصائص الدلالية، أي أنهم لا يحتاجون إلى الموافقة على جميع جوانب المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة.

على الرغم من الاختلاف بين الحاسوبية البنيوية والنظرية التي تجمع بين النظرية الحاسوبية للعقل والمفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة، إلا أن الحاسوبية البنيوية تتناول بعض القضايا المشتركة بينهما. فعلى سبيل المثال، ينكر ريسكورلا فكرة (2012) أن الطوبولوجيا السببية تؤدي دوراً تفسيرياً مركزياً في علم الإدراك الذي تحدده الحاسوبية البنيوية، كما يفترض أن الأفضلية التفسيرية تكمن في التوصيف القصدي الخارجياني وليس في التوصيف الثابت تنظيمياً. ومن جهة أخرى، يوصي رواد علم الأعصاب الحاسوبي بأن نتخلى عن التوصيفات الثابتة تنظيمياً ونوظف نماذج حاسوبية معينة تكون أكثير تحديداً من الناحية العصبية. رداً على هذه الاعتراضات، يجادل تشالميرز (2012) أن التوصيف الحاسوبي الثابت تنظيمياً يتميز بفوائد تفسيرية لا يمكن للتوصيف القصدي أو التوصيف الفيزيولوجي العصبي أن يقدمها: يُظهر الآليات الأساسية للإدراك (خلافاً للتوصيف القصدي)؛ ويبتعد عن التطبيق العصبي للتفاصيل التي لا صلة لها لأسباب تفسيرية عديدة.

4.6 النظريات الميكانيكية

تُعتبر الطبيعة الميكانيكية للحوسبة موضوعاً متكرراً في علم الإدراك والفلسفة والمنطق. يطور غوالتييرو بيتشينيني (2007، 2012، 2015) ومارسن ميلكاوسكي (2013) هذا الموضوع إلى نظرية ميكانيكية لأنظمة الحوسبة. فالميكانيكيةالوظائفية هي نظامٌ من المكونات المترابطة، حيث يؤدي كل مكون وظيفةً معينة في النظام الكلي. يعمل التفسيرالميكانيكي بتقسيم النظام إلى أجزاء، فيصف كيفية تنظيم الأجزاء في نظام أكبر ويحدد الوظيفة التي يؤديها كل جزء على حدة. وأما النظام الحاسوبي فهو ميكانيكية وظائفية من نوع محدد. وفقاً لبيتشينيني، النظام الحاسوبي ميكانيكيةٌ تكون أجزاؤها منظمة وظائفياً لتشغل المركبات وفقاً للقواعد. بناءً على نقاش بوتنام لتعددية التحقيق، يطلب بيتشينيني أن تكون القواعد متوسطةالاستقلال، أي أنها تستقل عن التطبيقات المادية المحددة للمركبات. يقسم التفسير الحاسوبي النظامَ إلى أجزاء ويصف كيفية مساعدة كل جزء للنظام على معالجة المركبات ذات الصلة. في حال كان النظام يعالج مركبات مركبة بشكل منفصل، تكون الحوسبة عندها رقميةً. وأما في حال كان النظام يعالج مركبات متتالية، تكون الحوسبة عندها “تمثيلية”. تشبه نظرة ميلكاوسكي عن المنهج الميكانيكي هذه النظرة، ولكن ميلكاوسكي يختلف عن بيتشينيني باتباعه منحى “معالجة المعلومات”، بحيث تعمل الميكانيكيات الحاسوبية في حالات تحمل المعلومات، علماً أن كلاً من ميلكاوسكي وبيتشينيني يعرض نظرية الميكانيكية خاصته للدفاع عن الحاسوبية.

يصنف أنصار الحاسوبية الميكانيكيةِ الحالاتِ الميكانيكيةَ عادةً بشكل غير دلالي، فيواجهون مشكلات حول الدور التفسيري للمحتوى التمثيلي، مثل المشكلات التي تواجه المفهوم التركيبي الشكلي للحوسبة والبنيوية. ومن هذا المنطلق، يشتكي شاغرير (2014) من أن الحاسوبية الميكانيكية لا تستوعب تفسيرات علم الإدراك التي تكون حاسوبية وتمثيلية في الوقت نفسه. تعتمد مدى قوة هذا النقد على مدى ميل القارئ نحو الحاسوبية المتضمنة للمحتوى.

5.6 التعددية

استعرضنا العديد من المفاهيم المتعارضة والمتداخلة أحياناً للحوسبة: الحوسبة الكلاسيكية، الحوسبة الترابطية، الحوسبة العصبية، الحوسبة التركيبية الشكلية، الحوسبة المتضمنة للمحتوى، الحوسبة المعالجة للمعلومات، الحوسبة الوظائفية، الحوسبة البنيوية، والحوسبة الميكانيكية. كل مفهوم من هذه المفاهيم يقدم شكلاً مختلفاً للحاسوبية، كما أنه لكلِّ مفهومٍ نقاط ضعفه وقوته. ولكن يمكن تبنّي موقف تعددي يعترف بمفاهيم ملائمة محددة. بدلاً من تفضيل أحد المفاهيم على البقية، يطبق التعدديون بكل سرور أيّ مفهوم يمكن أن يكون مفيداً في أي سياق تفسيري. يتخذ إيدلمان (2008) موقفاً تعددياً كما يفعل تشالميرز (2012) في آخر نقاشاته.

يثير الموقف التعددي بعض الأسئلة الاعتيادية: هل يمكن أن نقدم تحليلاً عاماً يحيط بجميع أو معظم أنواع الحوسبة؟ هل تتشارك جميع أنواع الحوسبة علامات مميزة فيما بينها؟ أو هل يوحدها شيء مثل التشابه العائلي؟ لا بد لنا أن نتصارع مع هذه الأسئلة إذا أردنا أن نفهم الحوسبة بشكل أعمق.

7. الحجج المعارضة للحاسوبية

 لاقت النظرية الحاسوبية للعقل العديد من الاعتراضات، ولكن تطول الاعتراضات في حالات عديدة أشكالاً محددة فقط من النظرية الحاسوبية للعقل (مثل الحاسوبية الكلاسيكية والحاسوبية الترابطية). نتطرق هنا للقليل من الاعتراضات الأساسية. انظر أيضاً باب حجة الغرفة الصينية للاطلاع على اعتراض موسع النقاش لجون سيرل (1980) على الحاسوبية الكلاسيكية.

1.7 حجج البساطة أو التفاهة (Triviality Arguments)

من المشكلات المتكررة حول النظرية الحاسوبية للعقل أنها بسيطة أو تافهة (trivial)، لأننا يمكن أن نصف أي نظام مادي تقريباً بأنه ينفذ عمليات حاسوبية. يدّعي سيرل (1990) أن الجدار يطبق أي برنامج حاسوبي، بما أنه يمكننا أن نميز نمطاً معيناً للحركات الجزيئية في الجدار الذي يكون مماثلاً للبنية الشكلية للبرنامج. يدافع بوتنام (1988: 121–125) عن فرضية بساطة أو تفاهة قوية ولكن أقلَّ تشدداً تجاه الموقف ذاته. تلعب حجج البساطة أو التفاهة دوراً كبيراً في الدراسات الفلسفية المنشورة، حيث يوظف معارضو الحاسوبية هذه الحجج ضد النظرية الحاسوبية، في حين يميل الحاسوبيون إلى تجنب هذه البساطة أو التفاهة.

عادة ما ينقض الحاسوبيون حجج التفاهة مؤكدين على أن هذه الحجج تغفل الحدود التي تحكم التطبيق الحاسوبي، الحدود التي تحظر تبسيط التطبيقات. يمكن أن تكون هذه الحدود مخالفة للواقع أو سببية أو دلالية، وإلا فستعتمد على نظرية الحوسبة التي يفضلها الشخص. فعلى سبيل المثال، يعتقد كلٌّ من ديفيد تشالميرز (1996) وبي. جاك كوبلاند (1996) أن حجة البساطة لبوتنام تتجاهل الشروط المخالفة للواقع، والتي يجب على النظام المادي أن يستوفيها ليطبق النموذج الحاسوبي. يرى فلاسفة آخرون أنه لا بد أن يكون للنظام المادي خصائص تمثيلية لتطبيق النموذج الحاسوبي (Fodor 1998: 11–12; Ladyman 2009; Sprevak 2010) أو على الأقل لتطبيق النموذج الحاسوبي المتضمن للمحتوى (Rescorla 2013, 2014b). تتنوع التفاصيل هنا إلى حدٍّ كبير، حيث يتجادل الحاسوبيون فيما بينهم حول أيةِ أنواعٍ من الحوسبة بالضبط يمكنها تجنب حجج بساطةٍ معينة. يوافق معظم الحاسوبيين على إمكانية تجنب أية مشكلات مدمرة للبساطة عبر النقض الدقيق لعلاقة التطبيق بين النماذج الحاسوبية والأنظمة المادية.

تشير الحاسوبية الشاملة أو التعددية (Pancomputationalism) إلى أنه يمكن لكل نظام مادي أن يطبق نموذجاً حاسوبياً. تعدُّ هذه الفرضية ممكنة طالما يمكن لأي نظام مادي أن يطبق نموذجاً حاسوبياً بسيطاً بشكل دقيق (كحالة الأتمتة المحدودة بحالة واحدة). كما يلاحظ تشالميرز (2011) أن الحاسوبية الشاملة لا تبدو مثيرة للمشكلات بالنسبة للحاسوبية، حيث إن ما يمكن أن يكون مثيراً للمشكلات هي فرضية البساطة الأقوى التي تشير إلى أن كل نظام مادي تقريباً يطبق كل نموذج حاسوبي تقريباً.

للاطلاع على مزيد من النقاش حول حجج البساطة والتطبيق الحاسوبي، انظر سبريفاك (2019) وباب الحوسبة في الأنظمة المادية.

2.7 نظريات عدم الاكتمال لغودل

وفقاً لبعض الكتّاب، تُظهر نظريات عدم الاكتمال لغودل (Gödel’s Incompleteness Theorems) أن الإمكانات الرياضية للبشر تتفوق على إمكانات أية آلة تورينغ (Nagel and Newman 1958). يطور جي آر لوكاس (1961) هذا الموقف إلى نقد شهير للنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل. كما يتابع روجر النقد في كتاب “عقل الإمبراطور الجديد” The Emperor’s New Mind (1989) وكتابات لاحقة. ردّ العديد من الفلاسفة وعلماء المنطق على هذا النقد، حيث جادلوا أن الشكليات الموجودة تشوبها المغالطات وافتراضات المصادرة على المطلوب (Question-Begging Assumptions) وحتى الأخطاء الرياضية (Bowie 1982; Chalmers 1996b; Feferman 1996; Lewis 1969, 1979; Putnam 1975: 365–366, 1994; Shapiro 2003). يوجد إجماع كبير على أن هذا النقد للنظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل يفتقر إلى أي قوة، فربما يتبين أن بعض الإمكانات العقلية للبشر تتفوق على حوسبة تورينغ، ولكن لا تقدم نظريات عدم الاكتمال لغودل أي سبب لتوقع هذه النتيجة.

3.7 حدود النمذجة الحاسوبية

هل يمكن لأي حاسوب أن يؤلف سمفونية “إيرويكا” (Eroica)؟ أو يكتشف النسبية العامة؟ أو حتى يقلد القدرة البسيطة لطفل يدرك البيئة من حوله أو يربط حذاءه أو يدرك مشاعر الأخرين؟ ربما يبدو النشاط الإنساني الفطري والإبداعي والماهر مقاوماً للتشكيل عبر برنامج حاسوبي (Dreyfus 1972, 1992). ولكن عموماً، يمكن أن يخشى المرء أن تراوغ الجوانبُ الأساسية للإدراك البشري النمذجةَ الحاسوبية، خاصة النمذجة الحاسوبية الكلاسيكية.

ومن دواعي السخرية أن فودور يقدم نسخة قوية من هذا النقد. حتى في أولى بياناته عن النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل، يعبّر فودور (1975: 197–205) عن شكوكية كبيرة حول قدرة النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل على التعامل مع جميع الظواهر الإدراكية الهامة. ولكن لاقى التشاؤم مساحة أكبر في كتاباته اللاحقة (1983، 2000)، والتي ركز فيها بشكل خاص على التفكير المنطقي الاستنتاجي كظاهرة عقلية يمكنها أن تراوغ النمذجة الحاسوبية، ويمكن اختصار جوهر نقاشه كما يلي:

(1)

الحوسبة على نمط تورينغ حساسة فقط تجاه الخصائص “المحلية” للتمثيل العقلي، والتي تثقلها الهوية وترتيب مقومات التمثيل.

(2)

العديد من العمليات العقلية، كالاحتمال بشكل نموذجي، حساسةٌ للخصائص “غير المحلية” كالصلة والبساطة والمحافظة (Conservatism).

(3)

وبذلك، ربما يجب علينا أن نترك النمذجة على نمط تورينغ للعمليات ذات الصلة.

(4)

لسوء الحظ، ليس لدينا حالياً أدنى فكرة عن أية نظرية بديلة يمكن أن تخدم كبديل مناسب.

يرفض بعض النقاد الفكرةَ (1)، حيث يجادلون أن العمليات الحسابية المناسبة على نمط تورينغ يمكن أن تكون حساسة للخصائص “غير المحلية” (Schneider 2011; Wilson 2005). فيما يعترض البعض على الفكرة (2)، فيجادلوا أن الاستدلالات الاستنتاجية الاعتيادية حساسة فقط للخصائص “المحلية” (Carruthers 2003; Ludwig and Schneider 2008; Sperber 2002). يعترف البعض بالنقطة (3) ولكنهم يدحضون النقطة (4) ويصرون على أنه يوجد ليدنا نماذج على نمط تورينغ للعمليات العقلية ذات الصلة (Pinker 2005). متأثراً بعض الشيء بهذه الانتقادات، يتوسع فودور بنقاشه مضيفاً الكثير من التفاصيل. وليدافع عن النقطة (2)، ينتقد النظريات التي تنمذج الاحتمال عبر نشر خوارزميات إرشادية “محلية” (2005: 41–46; 2008: 115–126) أو عبر افتراص عدد كبير من النماذج الإدراكية الخاصة بهذا المجال (2005: 56–100). ولكي يدافع عن النقطة (4)، ينتقد العديد من النظريات التي تتعامل مع الاحتمال عبر نماذج ليست على نمط تورينغ (2000: 46–53; 2008) مثل الشبكات الارتباطية.

يبقى نطاق وحدود النمذجة الحاسوبية نقطةً مثيرة للجدل، حيث يمكن أن نتوقع بقاء هذا الموضوع مساحة تحقيق نشطة يزورها العلماء إلى جانب الذكاء الاصطناعي.

4.7 الحجج الزمنية

يتضح النشاط العقلي مع مرور الزمن، إضافة إلى أن العقل ينجز مهاماً معقدة (كالتقدير الإدراكي) بسرعة فائقة. يخشى العديد من النقاد أن الحاسوبية، خاصة الحاسوبية الكلاسيكية، لا تستوعب الجوانب الزمنية للإدراك بشكل ملائم. كما أن النموذج على نمط تورينغ لا يذكر بشكل واضح أي شيء عن المقياس الزمني الذي تحدث الحوسبة وفقاً له. يمكن تطبيق آلة تورينغ المجردة ذاتها مادياً بجهاز قائم على السيليكون أو جهاز أبطأ بأنبوب مفرغ أو حتى بجهاز رافعة وبكرة أبطأ. يوصي النقاد بأن نرفض النظرية الحاسوبية الكلاسيكية للعقل لصالح إطار بديل معين يدمج اعتبارات زمنية بشكل مباشر أكثر. يستخدم كلٌّ من فان غيلدير وبورت (1995) هذا النقاش لتعزيز إطارأنظمةديناميكيةغيرحاسوبية لنمذجة النشاط العقلي. كما يستخدم إلياسميث (2003, 2013: 12–13) هذا النقاش ليدعم إطار الهندسة العصبية الخاص به.

يردّ الحاسوبيون بأنه يمكننا أن نزوّد النموذج الحاسوبي المجرد باعتبارات زمنية (Piccinini 2010; Weiskopf 2004). فعلى سبيل المثال، يفترض نموذج آلة تورينغ “مراحل حوسبة” منفصلة دون وصف كيفية ارتباط هذه المراحل بالوقت المادي. ولكن يمكننا أن ندعم نموذجنا بوصف مدة استمرار كل مرحلة، وبذلك نحول نموذج آلة تورينغ غير الزمني إلى نظرية تقدم تنبؤات زمنية مفصلة. يوظف العديد من أتباع النظرية الحاسوبية للعقل هذا التدعيم إلى جانب هذه النقاط لدراسة الخصائص الزمنية للإدراك (Newell 1990). كما يشهد علم الحاسوب تدعيماً كهذا بشكل كبير، حيث يهتم ممارسو هذا العلم ببناء آلات بخصائص زمنية ملائمة. يخلص الحاسوبيون إلى أن نسخة النظرية الحاسوبية المدعمة بشكل مناسب يمكنها أن تعبر بشكل كافٍ عن كيفية توضح الإدراك مع مرور الزمن.

وأما الاعتراض الزمني الثاني، فيسلط الضوء على التعارض بين التطور الزمني المتتالي والمنفصل (van Gelder and Port 1995). تتضح الحوسبة من خلال آلة تورينغ في مراحل منفصلة، في حين يتضح النشاط العقلي في زمن متتالٍ. وبذلك، يوجد تعارض أساسي بين الخصائص الزمنية للحوسبة على نمط تورينغ وتلك الخاصة بالنشاط العقلي الواقعي، حيث نحتاج إلى نظرية سيكولوجية تصف التطور الزمني المتتالي.

يردّ الحاسوبيون على هذا الاعتراض بافتراض ما على وشك أن يُظهر: أن النشاط الإدراكي لا يمر بمراحل تفسيرية أساسية منفصلة (Weiskopf 2004). بافتراض أن الزمن المادي متتالٍ، يتضح النشاط العقلي بزمن متتالٍ. وذلك لا يعني أن النماذج الإدراكية يجب أن يكون لها هيكل زمني متتالٍ. يعمل الحاسوب الشخصي بزمنٍ متتالٍ وتتطور حالته المادية بشكل متتالٍ. وبذلك فإن النظرية المادية المتكاملة ستعكس كل هذه التغيرات المادية. ولكن نموذجنا الحاسوبي لا يعكس كل تغير مادي للحاسوب. يمتلك نموذجنا الحاسوبي هيكلاً زمنياً منفصلاً. فلماذا نفترض أن نموذج المستوى الإدراكي الجيد للعقل يجب أن يعكس كل تغير مادي للدماغ؟ حتى لو أنه توجد سلسلة متصلة من الحالات المادية المتطورة، لماذا نفترض وجود سلسلة متصلة من الحالات الإدراكية المتطورة؟ لا تتعارض حقيقة التطور الزمني المستمر بحد ذاتها مع النماذج الحاسوبية ذات الهيكل الزمني المنفصل.

5.7 الإدراك المتجسد

الإدراك المتجسد (Embodied Cognition) برنامجٌ بحثيٌ يستلهم من الفيلسوف القاريّ موريس ميرلو بونتي وعالم النفس الإدراكي جي جي غيبسون وغيرهم من المؤثرين. تعد حركة الإدراك المتجسد حركةً غير متجانسة إلى حد ما، ولكن استراتيجيتها الأساسية تتمثل في التأكيد على الروابط بين الإدراك والفعل الجسدي والبيئة المحيطة. انظر فاليرا وتومبسون وروش (1991) لبيان مبكر مؤثر. في العديد من الحالات، يستخدم أنصار هذه الحركة أدوات نظرية النظام الديناميكي، كما يقدمون منهجهم عادةً كبديل جذريٍّ للحاسوبية (Chemero 2009; Kelso 1995; Thelen and Smith 1994)، حيث يشتكون من أن النظرية الحاسوبية للعقل تعامل النشاط العقلي كمعالجة ثابتة للرموز منفصلة عن البيئة المتضمنة. تتجاهل هذه الحركة العديد من الأساليب المعقدة التي تشكل البيئةُ من خلالها النشاطَ العقلي بشكل سببي أو جوهري. يجب أن نستبدل بالنظرية الحاسوبية للعقل شكلاً جديداً يؤكد على الروابط المتتالية بين العقل والجسد والطبيعة. يكمن المفتاح الأساسي لفهم الإدراك في ديناميكيات العامل البيئي، وليس في الحوسبة العقلية الداخلية. غالباً ما يحثّ على هذا النقد موقفٌ إقصائي واسع النطاق تجاه القصدية.

يردّ الحاسوبيون بأن النظرية الحاسوبية للعقل تسمح بالاعتراف الواجب بالتجسيد الإدراكي. يمكن للنماذج الحاسوبية أن تأخذ بالحسبان كيفية تفاعل العقل والجسد والبيئة بشكل متتالٍ. ففي نهاية المطاف، يمكن للنماذج الحاسوبية أن تضمّن مدخلات حسية ومخرجات حركية. لا يوجد أي سبب واضح يجعل التركيز على ديناميكيات العامل البيئي يستبعد التركيز المزدوج على الحوسبة العقلية الداخلية (Clark 2014: 140–165; Rupert 2009). يزعم الحاسوبين أن النظرية الحاسوبية للعقل قادرة على تضمين أي رؤى ملائمة تقدمها حركة الإدراك المتجسد، كما أنهم يصرون على أن النظرية الحاسوبية للعقل تبقى أفضل إطار كلي لنا لنفسر العديد من الظواهر السيكولوجية الأساسية.

ملاحظات على النظرية الحاسوبية للعقل

  1. تؤخذ صفة “كلاسيكية” أحياناً على أنها تشمل مذاهب إضافية خارج الفرضية الأساسية التي تعتبر النشاط العقلي حوسبة على نمط تورينغ: مثل أن الحوسبة العقلية تعالج الرموز بالمحتوى التمثيلي؛ أو أن الحوسبة العقلية تعالج التمثيلات العقلية ببنية مجموعة كلية أو جزئية؛ أو أن الحوسبة العقلية تمثل شيئاً مثل عمارة فان نيومان للحواسيب الرقمية. لاحظ أيضاً أن اختصار (CCTM) يستخدم أحياناً كاختصار للنظرية الحاسوبية الترابطية للعقل.
  2. يقدم علم الحاسوب تقنيات عديدة لتطبيق ذاكرة الكتابة والقراءة في الشبكات العصبونية. فعلى سبيل المثال، إذا استخدمنا شبكة عصبونية تناظرية متكررة مناسبة، يمكننا أن نرمز محتويات شريط الذاكرة في قيَم تنشيط العُقد (Siegelmann and Sontag 1995). ومع ذلك، لا يفترض الترابطيون التطبيقيون أن الذاكرة في الأنظمة البيولوجية تعمل بهذه الطريقة، ربما لأنهم يعتبرون التطبيق غير ممكن بيولوجياً (Hadley 2000).
  3. تزعم حجة متعلقة فقط أن التفسير الداخلياني يقدم ميزات أكثر من التفسير الخارجياني (Block 1986; Chalmers 2002; Lewis 1994). لا تحاول هذه الحجة أن تلغي المحتوى الشامل من التفسير السيكولوجي، بل تزعم فحسب أنه يمكننا الحصول على فوائد تفسيرية من خلال الإشارة إلى المحتوى المحدود.
  4. يقترح فودور (1980) في نقاشه الأول نظرة مشابه: يشترك رمزان من نوع تركيبي عقلي واحد بالمحتوى المحدود ذاته، ولكن ليس بالضرورة أن يشتركا بالمحتوى الشامل ذاته. فعلى سبيل المثال، يوجد رمز عقلي تركيبي، “ماء”، يمكن أن يشير إما إلى (H2O) أو (XYZ)، ولكن لا يعبر بالضرورة عن محتوى محدود واحد ثابت. الحوسبة العقلية شكليةٌ (لأنها غير حساسة للخصائص الدلالية المحددة خارجياً) ومتضمنةٌ للمحتوى المحدود (لأن الأنواع العقلية التركيبية لها محتوياتها المحدودة بشكل أساسي). يتجاهل عمل فودور الأخير (من بداية التسعينيات فصاعداً) المحتوى المحدود إلى جانب أي توجه نحو الحوسبة المتضمنة للمحتوى.
  5. يفضل كلٌّ من هورويتز (2007) وبونتلي (1998) وشيه (2013) التصنيف الخارجياني للمركبات الحاسوبية، وإن كان ذلك لأسباب تختلف قليلاً عن تلك المذكورة هنا.
  6. كما ناقشنا في الباب 1.7، يمكن للآلة أن تطبق نموذجاً حاسوبياً بسيطاً (كالأتمتة المحدودة بحالة واحدة). ومع ذلك، يسلط النموذج البسيط مع هذه الخطوط الضوءَ قليلاً على عمليات الآلة.
  7. غالباً ما يحاول الفلاسفة الطبيعيون أن يقلصوا المحتوى التمثيلي إلى المعلومات على نمط دريتسك (Dretske 1981; Fodor 1990)، علماً أن مشروع التقليص هذا مثيرٌ للجدل.

المراجع

  • Aitchison, L. and Lengyel, M., 2016, “The Hamiltonian Brain: Efficient Probabilistic Inference with Excitatory-Inhibitory Neural Circuit Dynamics”, PloS Computational Biology, 12: e1005186.
  • Arjo, D., 1996, “Sticking Up for Oedipus: Fodor on Intentional Generalizations and Broad Content”, Mind and Language, 11: 231–245.
  • Aydede, M., 1998, “Fodor on Concepts and Frege Puzzles”, Pacific Philosophical Quarterly, 79: 289–294.
  • –––, 2005, “Computationalism and Functionalism: Syntactic Theory of Mind Revisited”, in Turkish Studies in the History and Philosophy of Science, G. Irzik and G. Güzeldere (eds), Dordrecht: Springer.
  • Aydede, M. and P. Robbins, 2001, “Are Frege Cases Exceptions to Intentional Generalizations?”, Canadian Journal of Philosophy, 31: 1–22.
  • Bechtel, W. and A. Abrahamsen, 2002, Connectionism and the Mind, Malden: Blackwell.
  • Bermúdez, J.L., 2005, Philosophy of Psychology: A Contemporary Introduction, New York: Routledge.
  • –––, 2010, Cognitive Science: An Introduction to the Science of the Mind, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Block, N., 1978, “Troubles With Functionalism”, Minnesota Studies in the Philosophy of Science, 9: 261–325.
  • –––, 1981, “Psychologism and Behaviorism”, Philosophical Review, 90: 5–43.
  • –––, 1983, “Mental Pictures and Cognitive Science”, Philosophical Review, 92: 499–539.
  • –––, 1986, “Advertisement for a Semantics for Psychology”, Midwest Studies in Philosophy, 10: 615–678.
  • –––, 1990, “Can the Mind Change the World?”, in Meaning and Method: Essays in Honor of Hilary Putnam, G. Boolos (ed.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 1995, The Mind as the Software of the Brain, in Invitation to Cognitive Science, vol. 3: Thinking, E. Smith and B. Osherson (eds), Cambridge, MA: MIT Press.
  • Block, N. and J. Fodor, 1972, “What Psychological States Are Not”, The Philosophical Review, 81: 159–181.
  • Boden, M., 1991, “Horses of a Different Color?”, in Ramsey et al. 1991: 3–19.
  • Bontly, T., 1998, “Individualism and the Nature of Syntactic States”, The British Journal for the Philosophy of Science, 49: 557–574.
  • Bowie, G.L., 1982, “Lucas’s Number is Finally Up”, Journal of Philosophical Logic, 11: 79–285.
  • Brogan, W., 1990, Modern Control Theory, 3rd edition. Englewood Cliffs: Prentice Hall.
  • Buckner, C., 2019, “Deep Learning: A Philosophical Introduction”, Philosophy Compass, 14: e12625.
  • Buckner, C., and J. Garson, 2019, “Connectionism and Post-Connectionist Models”, in Sprevak and Colombo 2019: 175–191.
  • Buesing, L., J. Bill, B. Nessler, and W. Maass, W., 2011, “Neural Dynamics of Sampling: A Model for Stochastic Computation in Recurring Networks of Spiking Neurons”, PLOS Computational Biology, 7: e1002211.
  • Burge, T., 1982, “Other Bodies”, in Thought and Object, A. Woodfield (ed.), Oxford: Oxford University Press. Reprinted in Burge 2007: 82–99.
  • –––, 1986, “Individualism and Psychology”, The Philosophical Review, 95: 3–45. Reprinted in Burge 2007: 221–253.
  • –––, 1989, “Individuation and Causation in Psychology”, Pacific Philosophical Quarterly, 70: 303–322. Reprinted in Burge 2007: 316–333.
  • –––, 1995, “Intentional Properties and Causation”, in Philosophy of Psychology, C. MacDonald and G. MacDonald (eds), Oxford: Blackwell. Reprinted in Burge 2007: 334–343.
  • –––, 2005, “Disjunctivism and Perceptual Psychology”, Philosophical Topics, 33: 1–78.
  • –––, 2007, Foundations of Mind, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2010a, Origins of Objectivity, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2010b, “Origins of Perception”, Disputatio, 4: 1–38.
  • –––, 2010c, “Steps Towards Origins of Propositional Thought”, Disputatio, 4: 39–67.
  • –––, 2013, Cognition through Understanding, Oxford: Oxford University Press.
  • Camp, E., 2009, “A Language of Baboon Thought?”, in The Philosophy of Animal Minds, R. Lurz (ed.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • Carruthers, P., 2003, “On Fodor’s Problem”, Mind and Language, 18: 508–523.
  • Chalmers, D., 1990, “Syntactic Transformations on Distributed Representations”, Connection Science, 2: 53–62.
  • –––, 1993, “Why Fodor and Pylyshyn Were Wrong: The Simplest Refutation”, Philosophical Psychology, 63: 305–319.
  • –––, 1995, “On Implementing a Computation”, Minds and Machines, 4: 391–402.
  • –––, 1996a, “Does a Rock Implement Every Finite State Automaton?”, Synthese, 108: 309–333.
  • –––, 1996b, “Minds, Machines, and Mathematics”, Psyche, 2: 11–20.
  • –––, 2002, “The Components of Content”, in Philosophy of Mind: Classical and Contemporary Readings, D. Chalmers (ed.), Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2011, “A Computational Foundation for the Study of Cognition”, The Journal of Cognitive Science, 12: 323–357.
  • –––, 2012, “The Varieties of Computation: A Reply”, The Journal of Cognitive Science, 13: 213–248.
  • Chemero, A., 2009, Radical Embodied Cognitive Science, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Cheney, D. and R. Seyfarth, 2007, Baboon Metaphysics: The Evolution of a Social Mind, Chicago: University of Chicago Press.
  • Chomsky, N., 1965, Aspects of the Theory of Syntax, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Church, A., 1936, “An Unsolvable Problem of Elementary Number Theory”, American Journal of Mathematics, 58: 345–363.
  • Churchland, P.M., 1981, “Eliminative Materialism and the Propositional Attitudes”, Journal of Philosophy, 78: 67–90.
  • –––, 1989, A Neurocomputational Perspective: The Nature of Mind and the Structure of Science, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1995, The Engine of Reason, the Seat of the Soul, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 2007, Neurophilosophy At Work, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Churchland, P.S., 1986, Neurophilosophy, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Churchland, P.S., C. Koch, and T. Sejnowski, 1990, “What Is Computational Neuroscience?”, in Computational Neuroscience, E. Schwartz (ed.), Cambridge, MA: MIT Press.
  • Churchland, P.S. and T. Sejnowski, 1992, The Computational Brain, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Clark, A., 2014, Mindware: An Introduction to the Philosophy of Cognitive Science, Oxford: Oxford University Press.
  • Clayton, N., N. Emery, and A. Dickinson, 2006, “The Rationality of Animal Memory: Complex Caching Strategies of Western Scrub Jays”, in Rational Animals?, M. Nudds and S. Hurley (eds), Oxford: Oxford University Press.
  • Copeland, J., 1996, “What is Computation?”, Synthese, 108: 335–359.
  • Cover, T. and J. Thomas, 2006, Elements of Information Theory, Hoboken: Wiley.
  • Crane, T., 1991, “All the Difference in the World”, Philosophical Quarterly, 41: 1–25.
  • Crick, F. and C. Asanuma, 1986, “Certain Aspects of the Anatomy and Physiology of the Cerebral Cortex”, in McClelland et al. 1987: 333–371.
  • Cummins, R., 1989, Meaning and Mental Representation, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Davidson, D., 1980, Essays on Actions and Events, Oxford: Clarendon Press.
  • Dayan, P., 2009, “A Neurocomputational Jeremiad”, Nature Neuroscience, 12: 1207.
  • Dennett, D., 1971, “Intentional Systems”, Journal of Philosophy, 68: 87–106.
  • –––, 1987, The Intentional Stance, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1991, “Mother Nature versus the Walking Encyclopedia”, in Ramsey, et al. 1991: 21–30.
  • Dietrich, E., 1989, “Semantics and the Computational Paradigm in Cognitive Psychology”, Synthese, 79: 119–141.
  • Donahoe, J., 2010, “Man as Machine: A Review of Memory and Computational Brain, by C.R. Gallistel and A.P. King”, Behavior and Philosophy, 38: 83–101.
  • Dreyfus, H., 1972, What Computers Cant Do, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1992, What Computers Still Cant Do, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Dretske, F., 1981, Knowledge and the Flow of Information, Oxford: Blackwell.
  • –––, 1993, “Mental Events as Structuring Causes of Behavior”, in Mental Causation, J. Heil and A. Mele (eds), Oxford: Clarendon Press.
  • Edelman, S., 2008, Computing the Mind, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2014, “How to Write a ‘How a Build a Brain’ Book”, Trends in Cognitive Science, 18: 118–119.
  • Egan, F., 1991, “Must Psychology be Individualistic?”, Philosophical Review, 100: 179–203.
  • –––, 1992, “Individualism, Computation, and Perceptual Content”, Mind, 101: 443–459.
  • –––, 1999, “In Defense of Narrow Mindedness”, Mind and Language, 14: 177–194.
  • –––, 2003, “Naturalistic Inquiry: Where Does Mental Representation Fit In?”, in Chomsky and His Critics, L. Antony and N. Hornstein (eds), Malden: Blackwell.
  • –––, 2010, “A Modest Role for Content”, Studies in History and Philosophy of Science, 41: 253–259.
  • –––, 2014, “How to Think About Mental Content”, Philosophical Studies, 170: 115–135.
  • –––, 2019, “The Nature and Function of Content in Computational Models”, in Sprevak and Colombo 2019: 247–258.
  • Eliasmith, C., 2003, “Moving Beyond Metaphors: Understanding the Mind for What It Is”, Journal of Philosophy, 100: 493–520.
  • –––, 2013, How to Build a Brain, Oxford: Oxford: University Press.
  • Eliasmith, C. and C.H. Anderson, 2003, Neural Engineering: Computation, Representation and Dynamics in Neurobiological Systems, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Elman, J., 1990, “Finding Structure in Time”, Cognitive Science, 14: 179–211.
  • Feferman, S., 1996, “Penrose’s Gödelian Argument”, Psyche, 2: 21–32.
  • Feldman, J. and D. Ballard, 1982, “Connectionist Models and their Properties”, Cognitive Science, 6: 205–254.
  • Field, H., 2001, Truth and the Absence of Fact, Oxford: Clarendon Press.
  • Figdor, C., 2009, “Semantic Externalism and the Mechanics of Thought”, Minds and Machines, 19: 1–24.
  • Fodor, J., 1975, The Language of Thought, New York: Thomas Y. Crowell.
  • –––, 1980, “Methodological Solipsism Considered as a Research Strategy in Cognitive Psychology”, Behavioral and Brain Science, 3: 63–73. Reprinted in Fodor 1981: 225–253.
  • –––, 1981, Representations, Cambridge: MIT Press.
  • –––, 1983, The Modularity of Mind, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1987, Psychosemantics, Cambridge: MIT Press.
  • –––, 1990, A Theory of Content and Other Essays, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1991, “A Modal Argument for Narrow Content”, Journal of Philosophy, 88: 5–26.
  • –––, 1994, The Elm and the Expert, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1998, Concepts, Oxford: Clarendon Press.
  • –––, 2000, The Mind Doesnt Work That Way, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 2005, “Reply to Steven Pinker ‘So How Does the Mind Work?’”, Mind and Language, 20: 25–32.
  • –––, 2008, LOT2, Oxford: Clarendon Press.
  • Fodor, J. and Z. Pylyshyn, 1988, “Connectionism and Cognitive Architecture: A Critical Analysis”, Cognition, 28: 3–71.
  • Frege, G., 1879/1967, Begriffsschrift, eine der Arithmetischen Nachgebildete Formelsprache des Reinen Denkens. Reprinted as Concept Script, a Formal Language of Pure Thought Modeled upon that of Arithmetic, in From Frege to Gödel: A Source Book in Mathematical Logic, 18791931, J. van Heijenoort (ed.), S. Bauer-Mengelberg (trans.), Cambridge: Harvard University Press.
  • Gallistel, C.R., 1990, The Organization of Learning, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Gallistel, C.R. and King, A., 2009, Memory and the Computational Brain, Malden: Wiley-Blackwell.
  • Gandy, R., 1980, “Church’s Thesis and Principles for Mechanism”, in The Kleene Symposium, J. Barwise, H. Keisler, and K. Kunen (eds). Amsterdam: North Holland.
  • Gödel, K., 1936/65. “On Formally Undecidable Propositions of Principia Mathematica and Related Systems”, Reprinted with a new Postscript in The Undecidable, M. Davis (ed.), New York: Raven Press Books.
  • Grice, P., 1989, Studies in the Ways of Words, Cambridge: Harvard University Press.
  • Hadley, R., 2000, “Cognition and the Computational Power of Connectionist Networks”, Connection Science, 12: 95–110.
  • Harnish, R., 2002, Minds, Brains, Computers, Malden: Blackwell.
  • Haykin, S., 2008, Neural Networks: A Comprehensive Foundation, New York: Prentice Hall.
  • Haugeland, J., 1985, Artificial Intelligence: The Very Idea, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Horgan, T. and J. Tienson, 1996, Connectionism and the Philosophy of Psychology, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Horowitz, A., 2007, “Computation, External Factors, and Cognitive Explanations”, Philosophical Psychology, 20: 65–80.
  • Johnson, K., 2004, “On the Systematicity of Language and Thought”, Journal of Philosophy, 101: 111–139.
  • Johnson-Laird, P., 1988, The Computer and the Mind, Cambridge: Harvard University Press.
  • –––, 2004, “The History of Mental Models”, in Psychology of Reasoning: Theoretical and Historical Perspectives, K. Manktelow and M.C. Chung (eds), New York: Psychology Press.
  • Kazez, J., 1995, “Computationalism and the Causal Role of Content”, Philosophical Studies, 75: 231–260.
  • Kelso, J., 1995, Dynamic Patterns, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Klein, C., 2012, “Two Paradigms for Individuating Implementations”, Journal of Cognitive Science, 13: 167–179.
  • Kriegesgorte, K., 2015, “Deep Neural Networks: A New Framework for Modeling Biological Vision and Brain Information Processing”, Annual Review of Vision Science, 1: 417–446.
  • Kriegesgorte, K. and P. Douglas, 2018, “Cognitive Computational Neuroscience”, Nature Neuroscience, 21: 1148–1160.
  • Krishevsky, A., I. Sutskever, and G. Hinton, 2012, “ImageNet Classification with Deep Convolutional Neural Networks”, Advances in Neural Information Processing Systems, 25: 1097–1105.
  • Krotov, D., and J. Hopfield, 2019, “Unsupervised Learning by Competing Hidden Units”, Proceedings of the National Academy of Sciences, 116: 7723–7731.
  • Ladyman, J., 2009, “What Does it Mean to Say that a Physical System Implements a Computation?”, Theoretical Computer Science, 410: 376–383.
  • LeCun, Y., Y. Bengio, and G. Hinton, 2015, “Deep Learning”, Nature, 521: 436–444.
  • Lewis, D., 1969, “Lucas against Mechanism”, Philosophy, 44: 231–3.
  • –––, 1972, “Psychophysical and Theoretical Identifications”, Australasian Journal of Philosophy, 50: 249–58.
  • –––, 1979, “Lucas Against Mechanism II”, Canadian Journal of Philosophy, 9: 373–376.
  • –––, 1994, “Reduction of Mind”, in A Companion to the Philosophy of Mind, S. Guttenplan (ed.), Oxford: Blackwell.
  • Lizier, J., B. Flecker, and P. Williams, 2013, “Towards a Synergy-based Account of Measuring Information Modification”, Proceedings of the 2013 IEEE Symposium on Artificial Life (ALIFE), Singapore: 43–51.
  • Ludwig, K. and S. Schneider, 2008, “Fodor’s Critique of the Classical Computational Theory of Mind”, Mind and Language, 23: 123–143.
  • Lucas, J.R., 1961, “Minds, Machines, and Gödel”, Philosophy, 36: 112–137.
  • Ma, W. J., 2019, “Bayesian Decision Models: A Primer”, Neuron, 104: 164–175.
  • Maass, W., 1997, “Networks of Spiking Neurons: The Next Generation of Neural Network Models”, Neural Networks, 10: 1659–1671.
  • MacLennan, B., 2012, “Analog Computation”, Computational Complexity, R. Meyers (ed.), New York: Springer.
  • Marblestone, A., G. Wayne, and K. Kording, 2016, “Toward an Integration of Deep Learning and Neuroscience”, Frontiers in Computational Neuroscience, 10: 1–41.
  • Marcus, G., 2001, The Algebraic Mind, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Marr, D., 1982, Vision, San Francisco: W.H. Freeman.
  • McClelland, J., D. Rumelhart, and G. Hinton, 1986, “The Appeal of Parallel Distributed Processing”, in Rumelhart et al. 1986: 3–44.
  • McClelland, J., D. Rumelhart, and the PDP Research Group, 1987, Parallel Distributed Processing, vol. 2. Cambridge, MA: MIT Press.
  • McCulloch, W. and W. Pitts, 1943, “A Logical Calculus of the Ideas Immanent in Nervous Activity”, Bulletin of Mathematical Biophysics, 7: 115–133.
  • McDermott, D., 2001, Mind and Mechanism, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Mendola, J., 2008, Anti-Externalism, Oxford: Oxford University Press.
  • Milkowski, M., 2013, Explaining the Computational Mind, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Miller, P., 2018, An Introductory Course in Computational Neuroscience, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Mole, C., 2014, “Dead Reckoning in the Desert Ant: A Defense of Connectionist Models”, Review of Philosophy and Psychology, 5: 277–290.
  • Murphy, K., 2012, Machine Learning: A Probabilistic Perspective, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Naselaris, T., Bassett, D., Fletcher, A., Körding, K., Kriegeskorte, N., Nienborg, H., Poldrack, R., Shohamy, D., and Kay, K., 2018, “Cognitive Computational Neuroscience: A New Conference for an Emerging Discipline”, Trends in Cognitive Science, 22: 365–367.
  • Nagel, E. and J.R. Newman, 1958, Gödels Proof, New York: New York University Press.
  • Newell, A., 1990, Unified Theories of Cognition, Cambridge: Harvard University Press.
  • Newell, A. and H. Simon, 1956, “The Logic Theory Machine: A Complex Information Processing System”, IRE Transactions on Information Theory, IT-2, 3: 61–79.
  • –––, 1976, “Computer Science as Empirical Inquiry: Symbols and Search”, Communications of the ACM, 19: 113–126.
  • O’Keefe, J. and L. Nadel, 1978, The Hippocampus as a Cognitive Map, Oxford: Clarendon University Press.
  • Ockham, W., 1957, Summa Logicae, in his Philosophical Writings, A Selection, P. Boehner (ed. and trans.), London: Nelson.
  • Orhan, A. E. and Ma, W. J., 2017, “Efficient Probabilistic Inference in Generic Neural Networks Trained with Non-probabilistic Feedback ”, Nature Communications, 8: 1–14.
  • Peacocke, C., 1992, A Study of Concepts, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1993, “Externalist Explanation”, Proceedings of the Aristotelian Society, 67: 203–230.
  • –––, 1994, “Content, Computation, and Externalism”, Mind and Language, 9: 303–335.
  • –––, 1999, “Computation as Involving Content: A Response to Egan”, Mind and Language, 14: 195–202.
  • Penrose, R., 1989, The Emperors New Mind: Concerning Computers, Minds, and the Laws of Physics, Oxford: Oxford University Press.
  • Perry, J., 1998, “Broadening the Mind”, Philosophy and Phenomenological Research, 58: 223–231.
  • Piantadosi, S., J. Tenenbaum, and N. Goodman, 2012, “Bootstrapping in a Language of Thought”, Cognition, 123: 199–217.
  • Piccinini, G., 2004, “Functionalism, Computationalism, and Mental States”, Studies in History and Philosophy of Science, 35: 811–833.
  • –––, 2007, “Computing Mechanisms”, Philosophy of Science, 74: 501–526.
  • –––, 2008a, “Computation Without Representation”, Philosophical Studies, 137: 205–241.
  • –––, 2008b, “Some Neural Networks Compute, Others Don’t”, Neural Networks, 21: 311–321.
  • –––, 2010, “The Resilience of Computationalism”, Philosophy of Science, 77: 852–861.
  • –––, 2012, “Computationalism”, in The Oxford Handbook of Philosophy and Cognitive Science, E. Margolis, R. Samuels, and S. Stich (eds), Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2015, Physical Computation: A Mechanistic Account, Oxford: Oxford University Press.
  • Piccinini, G. and A. Scarantino, 2010, “Computation vs. Information processing: Why their Difference Matters to Cognitive Science”, Studies in History and Philosophy of Science, 41: 237–246.
  • Piccinini, G. and S. Bahar, 2013, “Neural Computation and the Computational Theory of Cognition”, Cognitive Science, 37: 453–488.
  • Piccinini, G. and O. Shagrir, 2014, “Foundations of Computational Neuroscience”, Current Opinion in Neurobiology, 25: 25–30.
  • Pinker, S., 2005, “So How Does the Mind Work?”, Mind and Language, 20: 1–24.
  • Pinker, S. and A. Prince, 1988, “On Language and Connectionism”, Cognition, 28: 73–193.
  • Pouget, A., Beck, J., Ma., W. J., and Latham, P., 2013, “Probabilistic Brains: Knowns and Unknowns”, Nature Neuroscience, 16: 1170–1178.
  • Putnam, H., 1967, “Psychophysical Predicates”, in Art, Mind, and Religion, W. Capitan and D. Merrill (eds), Pittsburgh: University of Pittsburgh Press. Reprinted in Putnam 1975 as “The Nature of Mental States”: 429–440.
  • –––, 1975, Mind, Language, and Reality: Philosophical Papers, vol. 2, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 1983, Realism and Reason: Philosophical Papers, vol. 3. Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 1988, Representation and Reality, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1994, “The Best of All Possible Brains?”, The New York Times, November 20, 1994: 7.
  • Pylyshyn, Z., 1984, Computation and Cognition, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Quine, W.V.O., 1960, Word and Object, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Ramsey, W., S. Stich, and D. Rumelhart (eds), 1991, Philosophy and Connectionist Theory, Hillsdale: Lawrence Erlbaum Associates.
  • Rescorla, M., 2009a, “Chrysippus’s Dog as a Case Study in Non-Linguistic Cognition”, in The Philosophy of Animal Minds, R. Lurz (ed.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2009b, “Cognitive Maps and the Language of Thought”, The British Journal for the Philosophy of Science, 60: 377–407.
  • –––, 2012, “How to Integrate Representation into Computational Modeling, and Why We Should”, Journal of Cognitive Science, 13: 1–38.
  • –––, 2013, “Against Structuralist Theories of Computational Implementation”, British Journal for the Philosophy of Science, 64: 681–707.
  • –––, 2014a, “The Causal Relevance of Content to Computation”, Philosophy and Phenomenological Research, 88: 173–208.
  • –––, 2014b, “A Theory of Computational Implementation”, Synthese, 191: 1277–1307.
  • –––, 2015, “Bayesian Perceptual Psychology”, in The Oxford Handbook of the Philosophy of Perception, M. Matthen (ed.), Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2017a, “From Ockham to Turing—and Back Again”, in Turing 100: Philosophical Explorations of the Legacy of Alan Turing, (Boston Studies in the Philosophy and History), A. Bokulich and J. Floyd (eds), Springer.
  • –––, 2017b, “Levels of Computational Explanation”, in Philosophy and Computing: Essays in Epistemology, Philosophy of Mind, Logic, and Ethics, T. Powers (ed.), Cham: Springer.
  • –––, 2020, “A Realist Perspective on Bayesian Cognitive Science”, in Inference and Consciousness, A. Nes and T. Chan (eds.), New York: Routledge.
  • Rogers, T. and J. McClelland, 2014, “Parallel Distributed Processing at 25: Further Explorations of the Microstructure of Cognition”, Cognitive Science, 38: 1024–1077.
  • Rumelhart, D., 1989, “The Architecture of Mind: A Connectionist Approach”, in Foundations of Cognitive Science, M. Posner (ed.), Cambridge, MA: MIT Press.
  • Rumelhart, D., G. Hinton, and R. Williams, 1986, “Learning Representations by Back-propagating Errors”, Nature, 323: 533–536.
  • Rumelhart, D. and J. McClelland, 1986, “PDP Models and General Issues in Cognitive Science”, in Rumelhart et al. 1986: 110–146.
  • Rumelhart, D., J. McClelland, and the PDP Research Group, 1986, Parallel Distributed Processing, vol. 1. Cambridge: MIT Press.
  • Rupert, R., 2008, “Frege’s Puzzle and Frege Cases: Defending a Quasi-Syntactic Solution”, Cognitive Systems Research, 9: 76–91.
  • –––, 2009, Cognitive Systems and the Extended Mind, Oxford: Oxford University Press.
  • Russell, S. and P. Norvig, 2010, Artificial Intelligence: A Modern Approach, 3rd ed., New York: Prentice Hall.
  • Sawyer, S., 2000, “There Is No Viable Notion of Narrow Content”, in Contemporary Debates in Philosophy of Mind, B. McLaughlin and J. Cohen (eds), Malden: Blackwell.
  • Schneider, S., 2005, “Direct Reference, Psychological Explanation, and Frege Cases”, Mind and Language, 20: 423–447.
  • –––, 2011, The Language of Thought: A New Philosophical Direction, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Searle, J., 1980, “Minds, Brains, and Programs”, Behavioral and Brain Sciences, 3: 417–457.
  • –––, 1990, “Is the Brain a Digital Computer?”, Proceedings and Addresses of the American Philosophical Association, 64: 21–37.
  • Segal, G., 2000, A Slim Book About Narrow Content, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Shagrir, O., 2001, “Content, Computation, and Externalism”, Mind, 110: 369–400.
  • –––, 2006, “Why We View the Brain as a Computer”, Synthese, 153: 393–416.
  • –––, 2014, “Review of Explaining the Computational Theory of Mind, by Marcin Milkowski”, Notre Dame Review of Philosophy, January 2014.
  • –––, forthcoming, “In Defense of the Semantic View of Computation”, Synthese, first online 11 October 2018; doi:10.1007/s11229-018-01921-z
  • Shannon, C., 1948, “A Mathematical Theory of Communication”, Bell System Technical Journal 27: 379–423, 623–656.
  • Shapiro, S., 2003, “Truth, Mechanism, and Penrose’s New Argument”, Journal of Philosophical Logic, 32: 19–42.
  • Shea, N., 2013, “Naturalizing Representational Content”, Philosophy Compass, 8: 496–509.
  • –––, 2018, Representation in Cognitive Science, Oxford: Oxford University Press.
  • Sieg, W., 2009, “On Computability”, in Philosophy of Mathematics, A. Irvine (ed.), Burlington: Elsevier.
  • Siegelmann, H. and E. Sontag, 1991, “Turing Computability with Neural Nets”, Applied Mathematics Letters, 4: 77–80.
  • Siegelmann, H. and E. Sontag, 1995, “On the Computational Power of Neural Nets”, Journal of Computer and Science Systems, 50: 132–150.
  • Silverberg, A., 2006, “Chomsky and Egan on Computational Theories of Vision”, Minds and Machines, 16: 495–524.
  • Sloman, A., 1978, The Computer Revolution in Philosophy, Hassocks: The Harvester Press.
  • Smolensky, P., 1988, “On the Proper Treatment of Connectionism”, Behavioral and Brain Sciences, 11: 1–74.
  • –––, 1991, “Connectionism, Constituency, and the Language of Thought”, in Meaning in Mind: Fodor and His Critics, B. Loewer and G. Rey (eds), Cambridge: Blackwell.
  • Sperber, D., 2002, “In Defense of Massive Modularity”, in Language, Brain, and Cognitive Development: Essays in Honor of Jacques Mehler, E. Dupoux (ed.), Cambridge, MA: MIT Press.
  • Sprevak, M., 2010, “Computation, Individuation, and the Received View on Representation”, Studies in History and Philosophy of Science, 41: 260–270.
  • –––, 2019, “Triviality Arguments About Computational Implementation”, in Sprevak and Colombo 2019: 175–191.
  • –––, forthcoming, “Two Kinds of Information Processing in Cognition”, Review of Philosophy and Psychology.
  • Sprevak, M. and Colombo, M., 2019, The Routledge Handbook of the Computational Mind, New York: Routledge.
  • Stalnaker, R., 1999, Context and Content, Oxford: Oxford University Press.
  • Stich, S., 1983, From Folk Psychology to Cognitive Science, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Thelen, E. and L. Smith, 1994, A Dynamical Systems Approach to the Development of Cognition and Action, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Thrun, S., W. Burgard, and D. Fox, 2006, Probabilistic Robotics, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Thrun, S., M. Montemerlo, and H. Dahlkamp, et al., 2006, “Stanley: The Robot That Won the DARPA Grand Challenge”, Journal of Field Robotics, 23: 661–692.
  • Tolman, E., 1948, “Cognitive Maps in Rats and Men”, Psychological Review, 55: 189–208.
  • Trappenberg, T., 2010, Fundamentals of Computational Neuroscience, Oxford: Oxford University Press.
  • Turing, A., 1936, “On Computable Numbers, with an Application to the Entscheidungsproblem”, Proceedings of the London Mathematical Society, 42: 230–265.
  • –––, 1950, “Computing Machinery and Intelligence”, Mind, 49: 433–460.
  • van Gelder, T., 1990, “Compositionality: A Connectionist Variation on a Classical Theme”,Cognitive Science, 14: 355–384.
  • van Gelder, T. and R. Port, 1995, “It’s About Time: An Overview of the Dynamical Approach to Cognition”, in Mind as Motion: Explorations in the Dynamics of Cognition, R. Port and T. van Gelder (eds), Cambridge, MA: MIT Press.
  • Varela, F., Thompson, E. and Rosch, E., 1991, The Embodied Mind: Cognitive Science and Human Experience, Cambridge, MA: MIT Press.
  • von Neumann, J., 1945, “First Draft of a Report on the EDVAC”, Moore School of Electrical Engineering, University of Pennsylvania. Philadelphia, PA.
  • Wakefield, J., 2002, “Broad versus Narrow Content in the Explanation of Action: Fodor on Frege Cases”, Philosophical Psychology, 15: 119–133.
  • Weiskopf, D., 2004, “The Place of Time in Cognition”, British Journal for the Philosophy of Science, 55: 87–105.
  • Whitehead, A.N. and B. Russell, 1925, Principia Mathematica, vol. 1, 2nd ed., Cambridge: Cambridge University Press.
  • Wilson, R., 2005, “What Computers (Still, Still) Can’t Do”, in New Essays in Philosophy of Language and Mind, R. Stainton, M. Ezcurdia, and C.D. Viger (eds). Canadian Journal of Philosophy, supplementary issue 30: 407–425.
  • Yablo, S., 1997, “Wide Causation”, Philosophical Perspectives, 11: 251–281.
  • –––, 2003, “Causal Relevance”, Philosophical Issues, 13: 316–327.
  • Zednik, C., 2019, “Computational Cognitive Neuroscience”, in Sprevak and Colombo 2019: 357–369.
  • Zylberberg, A., S. Dehaene, P. Roelfsema, and M. Sigman, 2011, “The Human Turing Machine”, Trends in Cognitive Science, 15: 293–300.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

analogy and analogical reasoning | anomalous monism | causation: the metaphysics of | Chinese room argument | Church-Turing Thesis | cognitive science | computability and complexity | computation: in physical systems | computer science, philosophy of | computing: modern history of | connectionism | culture: and cognitive science | folk psychology: as mental simulation | frame problem | functionalism | Gödel, Kurt | Gödel, Kurt: incompleteness theorems | Hilbert, David: program in the foundations of mathematics | language of thought hypothesis | mental causation | mental content: causal theories of | mental content: externalism about, and the extended mind | mental content: narrow | mental content: teleological theories of | mental imagery | mental representation | mental representation: in medieval philosophy | mind/brain identity theory | models in science | multiple realizability | other minds | reasoning: automated | reasoning: defeasible | reduction, scientific | simulations in science | Turing, Alan | Turing machines | Turing test | zombies


[1] Rescorla, Michael, “The Computational Theory of Mind”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2020/entries/computational-mind/>.