مجلة حكمة
المفاهيم

المفاهيم

الكاتبإيرك مارجوليس، ستيفن لورانس
ترجمةعبد الله الشبيلي
تحميلنسخة PDF

مدخل حول بنية المفاهيم وأنطولوجيتها، والنزعة التجريبية والفطرية حول المفاهيم، وعلاقتها باللغة الطبيعية؛ نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


تعريف المفهوم

تُعد المفاهيم اللبنات الأساسية للأفكار، ولذا فإنها حاسمة في العمليات النفسية كالتصنيف والاستدلال والذاكرة والتعلم واتخاذ القرارات، وهذا الأمر ليس مثار جدل كبير، لكن الجدل الأكبر يدور حول طبيعة المفاهيم – نوع الأشياء التي تتكون منها – والقيود التي تحكم نظرية المفاهيم (Margolis & Laurence 1999, Margolis & Laurence 2015). ويمكن عزو هذا الأمر، ولو بشكل جزئي، إلى حقيقة أن الجدل حول المفاهيم غالبًا ما يعكس مقاربات متعارضة بشدة في دراستها للعقل واللغة وحتى الفلسفة نفسها. ونقدم في هذا المدخل نظرة عامة عن نظريات المفاهيم، بالإضافة إلى تلخيص بعض نقاط الخلاف التي شكّلت الجدل المحيط بطبيعة المفاهيم. وتجدر الإشارة إلى أن نظريات المفاهيم لا تتخذ جميعها موقفًا من كل قضية من القضايا الخمسة [التي سيناقشها المدخل]، ولكن نظرة كلّية إلى هذه القضايا ستوضح لنا لماذا أصبحت نظرية المفاهيم موضوعًا غنيًا وحيويًا في السنوات الأخيرة. وتتمثل القضايا الخمسة في: (1) انطولوجيا المفاهيم، (2) بنية المفاهيم، (3) النزعة التجريبية والنزعة الفطرية حول المفاهيم، (4) المفاهيم واللغة الطبيعية، (5) المفاهيم والتحليل المفاهيمي.

 

  1. انطولوجيا المفاهيم

  2. 1 المفاهيم بوصفها تمثيلات عقلية

  3. 2 المفاهيم بوصفها قدرات

  4. 3 المفاهيم بوصفها أشياء مجردة

  5. 4 هل القضية مجرد مصطلحات؟

  6. بنية المفاهيم

  7. 1 النظرية الكلاسيكية

  8. 2 نظرية النموذج الأولي

  9. 3 نظرية النظرية

  10. 4 الذرية المفاهيمية

  11. 5 التعددية والإقصائية

  12. النزعة التجريبية والفطرية حول المفاهيم

  13. 1 تجدد الاهتمام بالنزاع بين التجريبية والفطرية

  14. 2 النزعة التجريبية حول المفاهيم

  15. 3 النزعة الفطرية حول المفاهيم

  16. المفاهيم واللغة الطبيعية

  17. 1 هل يمكن أن يوجد مفهوم بدون لغة؟

  18. 2 الأولوية بين اللغة والمفاهيم

  19. 3 الحتمية اللغوية والنسبية اللغوية

  20. المفاهيم والتحليل المفاهيمي

  21. 1 جاذبية التحليل المفاهيمي

  22. 2 الاعتراضات على التحليل المفاهيمي

  • المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مداخل ذات صلة


 

  1. انطولوجيا المفاهيم

سنبدأ بمسألة الوضع الانطولوجي للمفاهيم، حيث يوجد ثلاثة خيارات رئيسة لتعريف المفاهيم، من خلال: التمثيلات العقلية، والقدرات، والأشياء المجردة مثل المعاني الفريجيه Fregean [نسبة إلى جوتلوب فريجه Gottlob Frege].

 

  1. 1 المفاهيم بوصفها تمثيلات عقلية

ترى أولى وجهات النظر بأن المفاهيم كيانات نفسية، آخذةً النظرية التمثيلية للعقل (RTM) كنقطة انطلاق لها. وبحسب النظرية التمثيلية للعقل، يحدث التفكير في النظام الداخلي للتمثيل. وتدخل المعتقدات والرغبات والاتجاهات القضوية propositional الأخرى ضمن العمليات العقلية بوصفها رموزًا داخلية. على سبيل المثال، يعتقد أحمد أن زيدًا أطول من عمرو، وأن عمرو أطول من محمد، ويؤدي الجمع بين هذين المعتقديْن إلى تكوين اعتقاد لدى أحمد بأن زيدًا أطول من محمد. بالتالي، فإن اعتقاد أحمد قد تشكل عن طريق التمثيلات العقلية حول زيد وعمرو ومحمد وأطوالهم النسبية. إن السب في تكوين هذه المعتقدات، بخلاف الرغبات أو الحالات النفسية، يكمن في أن الرموز تملك أدوارًا وظيفية-سببية causal-functional  مميزة للمعتقدات. (عادةً ما تُقَدم النظرية التمثيلية للعقل RTM على أنها تفترض بأن المعتقدات والاتجاهات القضوية الأخرى هي علاقات بين الوكيل والتمثيلات العقلية (e.g., Fodor 1987)، ولكن بالنظر إلى أن العلاقة المعنية هنا هي مسألة وجود تمثيل مع نوع محدد من الأدوار الوظيفية، فمن الأسهل القول بأن المعتقدات المتشكلة هي مجرد تمثيلات عقلية مع هذا الدور الوظيفي).

ويرى كثير من أنصار النظرية التمثيلية للعقل (RTM) بأن هناك تركيب داخلي للتمثيلات العقلية المشاركة في تكوين الاعتقادات والاتجاهات القضوية الأخرى. وبناءً عليه، فإن التمثيلات التي تُكوّن اعتقادات أحمد يمكن أن تتشكل من تمثيلات أساسية أبسط. وبالنسبة لأولئك المنظرين الذين يتبنون نظرة التمثيلات العقلية للمفاهيم، فإن المفاهيم تعرف بواسطة تلك التمثيلات الأساسية.

إن المدافعين الأوائل عن النظرية التمثيلية للعقل (أمثال جون لوك(1690/1975) ، وديفيد هيوم (1739/1978)) يُطلقون على هذه التمثيلات الأساسية اسم الأفكار، وغالبًا ما ينظرون إليها على أنها صور عقلية، إلا أن الإصدارات الحديثة لهذه النظرية تفترض بأن الكثير من التفكير لا يستند إلى الصور العقلية، حيث إن المعالجة الكلاسيكية المعاصرة تتمسك، في المقابل، بأن النظام الداخلي للتمثيل يحتوي على بناء شبيه باللغة ودلالات تركيبية. ووفقًا لهذا الرأي، فإن الكثير من التفكير يستند إلى تمثيلات عقلية تشبه الكلمات، وغالبًا ما يُشار إلى هذا الرأي باسم فرضيات لغة التفكير (Fodor 1975). ومع ذلك، فإن القياس باللغة ليس مثاليًا، فمن الواضح أن نظام الرموز الداخلية يفتقر إلى كثير من الخصائص المرتبطة باللغة الطبيعية. وبالرغم من ذلك، ومثل أي لغة طبيعية، فإن صيغ النظام الداخلي يُفترض أن تحتوى على شكل فاعل/فعل [مبتدأ/خبر]، وأن تتضمن الأدوات المنطقية مثل المحددات والمتغيرات. بالإضافة إلى ذلك، يفترض أن يكون محتوى أي رمز معقد دالًا على تركيبه النحوي ومحتويات مكوناته. وبالعودة إلى اعتقادات أحمد، فإن الافتراض يكمن في أنها تتشكل من رموز مثل “زيد“، و”عمرو“، و”أطول“، وأن اعتقاداته تمثل ما تفعله في ضوء هذه المحتويات لتلك الرموز وكيفية ترتيبها.

تُعد نظرة التمثيل العقلي للمفاهيم بمثابة الموقف الافتراضي في العلوم الإدراكية (Carey 2009, Pinker 2007) وتتمتع بدعم واسع في فلسفة العقل، خاصةً في أوساط الفلاسفة الذين ينظرون إلى أعمالهم على أنها متسقة مع الأبحاث في العلوم الإدراكية (مثل: Carruthers 2006, Millikan 2000, Fodor 2003, Margolis & Laurence 2007) [1] . ويدافع مؤيدو هذا الرأي عنه بالاستناد إلى أسس تفسيرية، ويؤكدون على أن المفاهيم والتمثيلات العقلية المركبة تلعب دورًا حاسمًا في تفسير إنتاجية التفكير (على سبيل المثال، حقيقة أن البشر يمكن أن يفكروا في عدد لا محدود من الأفكار)، وفي توضيح كيف يمكن للعمليات العقلية أن تكون عقلانية وفي الوقت نفسه مطبقة داخل الدماغ، وكذلك في استيعاب الحاجة إلى عمليات عقلية حساسة للتركيب (Fodor 1987 ؛ انظر أيضًا لمدخل فرضيات لغة التفكير language of thought hypothesis).

وترى الانتقادات الموجهة لهذا الرأي أن من الممكن وجود اتجاهات قضوية دون وجود تفكير صريح بالتمثيلات العقلية ذات الصلة. على سبيل المثال، يجادل دانيال دينيت Daniel Dennett (1977) بأن معظم البشر يؤمنون بأن الحمر الوحشية لا ترتدي المعاطف في البرية – والملايين من الحقائق المشابهة – وبالرغم من ذلك لم يتوقفوا عن التفكير بمثل هذه القضايا. ويشير دينيت أيضًا إلى أن أنظمة الحوسبة يمكن أن تفتقر إلى التمثيلات المطابقة للتفسيرات التي نستشهد بها في تمييز سلوكهم والتنبؤ به. على سبيل المثال، من المنطقي تمامًا القول بأن الحاسوب في لعبة الشطرنج يفكر أنه من الجيد القضاء على مًلك اللاعب الخصم مبكرًا، على الرغم من علمنا أن طريقة برمجة الحاسوب لا تحتوي على أي تمثيل مع هذا المحتوى تحديدًا (انظر Dennett 1978, 1987 لمثل هذه الانتقادات، وFodor 1987 وManfredi 1993 للردود عليها).

ويدعي نقادٌ آخرون بأن النظرية التمثيلية للعقل (RTM) ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعلم النفس المنطقي، ويجادلون بوجوب التخلي عنه نظرًا لأنه برنامج بحث راكد ومتردي (انظر لمدخل الفلسفة الإقصائية Churchland 1981;)، أو أن التطورات في النمذجة الحاسوبية (خاصةً النظرية الاتصالية ونظرية النظم الديناميكية) تقدم بدائل، لاسيما لرؤية لغة التفكير في النظرية التمثيلية للعقل RTM (على سبيل المثال، انظر Clark 1993, Van Gelder 1995, Elman et al. 1996, McClelland et al. 2010 ؛ وانظر Fodor & Pylyshyn 1988, Marcus 2001, and Gallistel & King 2009 للنقاشات النقدية للنظريات التي لا توظف التركيب الاندماجي Combinatorial Structure).

 

  1. 2 المفاهيم بوصفها قدرات

إن من الخطأ، وفقًا لرؤية القدرات، التمسك بأن المفاهيم هي تفاصيل عقلية– المفاهيم ليست صورًا عقلية ولا كيانات شبيهة بالكلمات في لغة التفكير. وبدلًا من ذلك، فإن المفاهيم هي قدرات ينفرد بها الوكلاء المدركون (Dummett 1993, Bennett & Hacker 2008, Kenny 2010). على سبيل المثال، إن مفهوم كلمة “قطة” يعادل القدرة على التميز بين القطط وغير القطط واستخلاص استنتاجات محددة حول القطط.

وعلى الرغم من أن مجموعة متنوعة من الفلاسفة ما زالت تتمسك برؤية القدرات، فإن السبب الأبرز لتبني هذه الرؤية يكمن في التشكك العميق بشأن وجود تمثيلات عقلية والفائدة منها، ويعود هذا التشكك إلى لودفيغ فيتجنشتاين (1953/1958). وتزعم إحدى أبرز الحجج المؤثرة في هذا السياق بأن التمثيلات العقلية بلا جدوى من الناحية التفسيرية، لأنها تعيد تقديم المشكلات ذاتها التي من المفترض أن تفسرها. على سبيل المثال، يحذر مايكل دوميت Michael Dummett من محاولة تفسير معرفة اللغة الأولى على نموذج معرفة اللغة الثانية. ففي حالة اللغة الثانية، فإنه من المنطقي افتراض أن فهمها ينطوي على ترجمة كلماتها وجملها إلى كلمات وجمل اللغة الأولى. ولكن وفقًا لدوميت، لا يستطيع المرء أن يترجم كلمات وجمل اللغة الأولى إلى لغة عقلية سابقة (Dummett 1993, p. 98). وبعبارة أخرى، فإن التمثيل العقلي ذاته مجرد عنصر آخر يحتمل معناه التفسير. فإما أننا متورطون في ارتداد فاسد، بالاضطرار لاستدعاء طبقة أخرى من التمثيل (إلى ما لانهاية) أو أن نتوقف أيضًا عن اللغة الخارجية ونوضح معناه مباشرة (للنقاشات النقدية حول هذا النوع من الحجج الارتدادية، انظر Fodor 1975, Crane 2015, Laurence & Margolis 1997).

وليس من المستغرب أن يجادل منتقدو رؤية القدرات في الاتجاه الآخر، فهم يلاحظون صعوبات ترثها رؤية القدرات بسبب رفضها للتمثيلات العقلية، تكمن إحداها في أن تلك الرؤية غير مجهزة لتفسير إنتاجية التفكير، وتكمن الصعوبة الأخرى في أنها توضح القليل فقط حول العمليات العقلية. وإذا التزم مناصرو رؤية القدرات بالحياد بشأن وجود التمثيلات العقلية، فإنهم يُعرضون أنفسهم للنقد المتمثل في أن تفسير هذه القدرات سيكون أفضل من ناحية التمثيلات والعمليات العقلية الكامنة (انظر Fodor 1968 and Chomsky 1980 للنقاش العام حول مناهضة الفكر التقليدي في فلسفة العقل).

 

  1. 3 المفاهيم بوصفها أشياء مجردة

هناك تصور بديل للمفاهيم يرى بأنها أشياء مجردة لنوع أو لآخر، وتكمن الفكرة خلف هذه الرؤية في أن المفاهيم معانٍ (أو “محتويات”) للكلمات والجمل كمقابل للأشياء العقلية أو الحالات العقلية. وقد ارتبط هذا النوع من وجهات النظر بشكل بارز مع الرأي القائل بأن المفاهيم معاني فريجيه [نسبة إلى جوتلوب فريجه Gottlob Frege] (مثل: Peacocke 1992, Zalta 2001)، وسنركز هنا على هذه النسخة من وجهة النظرة القائلة بأن المفاهيم هي أشياء مجردة. وبالنسبة لمؤيدي هذا الرأي، فإن المفاهيم، بوصفها معانٍ، تتوسط بين التفكير واللغة من جهة، والمرجعيات من جهة أخرى، فالتعبير بدون مرجع (مثل الحصان المجنح “Pegasus”) لا يفتقر إلى المعنى، فهو مازال ينطوي على معنى. وبالمثل، يمكن أن يرتبط المرجع نفسه مع تعبيرات مختلفة (على سبيل المثال: “إيرك بلير” و “جورج أورويل”) لأن تلك التعبيرات تنقل معانٍ مختلفة. لذا فالمعاني أكثر تمييزًا من المراجع، فكل معنى له منظور فريد حول مرجعيته – طريقة العرض التي تصور المرجع بطريقة معينة. وتعود الاختلافات في المحتوى الإدراكي إلى الاختلافات في طريقة العرض، ولهذا السبب فإن التفكير بأن جورج أورويل هو إيرك بلير يفتقر إلى بساطة فكرة أن جورج أورويل هو جورج أورويل حتى إن كان جورج أورويل وإيرك بلير هما الشخص نفسه. ويؤكد الفلاسفة الذين ينظرون إلى المفاهيم على أنها معاني على هذه الميزة بشكل خاص. على سبيل المثال، يحدد كريستوفر بيكوك Christopher Peacocke موضوع نظرية المفاهيم على النحو التالي: “المفهومان C و D مختلفان فقط في حال كان هناك محتويان قضويان كاملان يختلفان في الغالب في أن أحدهما يحتوي C مستبدلة مكان معنى أو أكثر بالنسبة لـ D، وأن أحدهما يحتمل أن يفيد الآخر بينما الآخر ليس كذلك” (Peacocke 1992, p. 2). وبعبارة أخرى، يجسد C و D طريقتي عرض مختلفتين. (انظر المدخل Frege لمناقشة تمييز المعنى/ المرجع ولمزيد من الوظائف التفسيرية المرتبطة بالمعنى. ولتجنب الخلط في المصطلحات، يجب أن ننوه أن فريجه Frege نفسه لم يستخدم مصطلح “مفهوم” للمعاني، بل استخدمه كمرجع للمُسند [الخبر]. وبالمثل، تجدر الإشارة إلى أن فريجه استخدام مصطلح “فكر thought” للإشارة إلى القضايا propositions، لذلك فإن أفكار فريجه ليست حالات نفسية على الإطلاق، وإنما هي معانٍ للحالات النفسية).

أسوة برؤية المفاهيم على أنها قدرات، فإن كثيرًا من الفلاسفة الذين ينظرون إلى المفاهيم بوصفها معانٍ يعارضون تعريف المفاهيم بالتمثيلات العقلية. ولا يذهب بيكوك نفسه إلى القول بأن التمثيلات العقلية بلا جدوى من الناحية التفسيرية، ولكنه يعتقد أن التمثيلات العقلية دقيقة للغاية للأغراض الفلسفية. “من الممكن أن يستقبل نفس المفهوم تمثيلات عقلية مختلفة لدى أفراد مختلفين” (Peacocke 1992, p. 3). كما أنه قلق من أن تعريف المفاهيم بالتمثيلات العقلية يستبعد إمكانية وجود مفاهيم لم يفكر بها البشر أبداً أو لا يمكن أن تخطر على بالهم.

إذا سلمنا بأن حيازة المفكر للمفهوم يجب أن تدرك بواسطة حالة شبه شخصية تتضمن تمثيلًا عقليًا، فلماذا لا يقال ببساطة أن المفهوم هو تمثيل عقلي؟ وقد قدم هذا الاقتراح مارجوليس ولورانس Margolis and Laurence (1999, 77). ويمكن حتى أن تُكتب التمثيلات العقلية التي هي المفاهيم من خلال شرط الحيازة المقابل للنوع الذي أفضّله. وتبدو لي هذه الفكرة مشروعة تمامًا لإحدى أنواع التمثيلات العقلية، لكنها ليست فكرة المفهوم. قد يكون صحيحًا، على سبيل المثال، أن هناك مفاهيم قد لا يكتسبها البشر، بسبب قيودهم الفكرية، أو بسبب أن الشمس ستتوسع وتقضي على حياة البشر قبل أن يصلو إلى مرحلة يمكنهم فيها اكتساب هذه المفاهيم، ولكن “هناك مفاهيم لن تكتسب أبدًا” لا يمكن أن تعني أو تشير ضمنًا إلى “أن هناك تمثيلات عقلية ليست تمثيلات عقلية في ذهن أي أحد”. إذا مُيّزت المفاهيم بواسطة حيازة شروطها، فلن يكون هناك مشكلة حيال وجود مفاهيم لن تكتسب أبدًا. إنها ببساطة مفاهيم لن تُرضي شروط حيازتها أي مفكر (Peacocke, 2005, p. 169).

ويرد المدافعون عن رؤية التمثيل العقلي على هذه الحجج باستحضار تمييز النوع/الرمز فيما يتعلق بالتمثيلات العقلية. فكما يستطيع اثنان من المتكلمين إنتاج أمثلة متمايزة (وهي الرموز) لنفس نوع الكلمات (على سبيل المثال: كلمة “كرسي”)، فإن عقول المفكرين المختلفة يمكن أن تنتج أمثلة متمايزة (وهي رموز) لنفس نوع التمثيل العقلي (مثل: التمثيل العقلي للكرسي). حسنًا، لكن كيف يساعد هذا في الاعتراض الحالي؟ وفقًا لرؤية التمثيل العقلي، فإن القول بأن هناك مفاهيم لم تكتسب بواسطة أي شخص كقولنا عن بعض التمثيلات العقلية أنها لم تُرمز بعد بواسطة عقل أي شخص، وقول أن بعض المفاهيم لن تكتسب بواسطة أي شخص كقولنا عن بعض التمثيلات العقلية أنها لن ترمز بواسطة عقل أي شخص (Margolis & Laurence 2007).

ويشكك منتقدو رؤية المفاهيم على أساس المعنى في فائدة المطالبة بمثل هذه الأشياء المجردة (Quine 1960). وتنبع أحد المصاعب من حقيقة أن المعاني بوصفها كيانات مجردة فإنها تقف خارج المجال السببي. بالتالي، يتمحور السؤال حول كيف لنا أن نصل إلى هذه الأشياء؟ يصف أنصار رؤية المعاني الفريجيه وصولنا إلى المعاني عبر الوسائل المجازية للـ “استيعاب grasping” – حيث يقال أننا نستوعب معنى المصطلح، لكن الاستيعاب هنا مجرد مجاز عن العلاقة الإدراكية التي تحتاج إلى شرح. وبالرغم من افتراض أن المعاني تقدم أنماطًا مختلفةً من العرض للمرجع، فليس من الواضح لماذا لا تولّد المعاني نفسها نمطًا لمشكلة العرض (Fodor 1998). وحيث أن المعاني خارجية بالنسبة لعقولنا، كما هو الحال مع المراجع، فليس من الواضح لماذا لا نستطيع التوصل إلى علاقات معرفية مختلفة تجاهها، مثلما نفعل مع المراجع. وبنفس الطريقة التي يمكن أن نكتسب بها أنماط عرض مختلفة للرقم (العدد أولى، ومجموع واحد وواحد، ورقم أحمد المفضل، ..إلخ)، يجب أن نكون قادرين على امتلاك أنماط عرض مختلفة لمعنى معطى.

 

  1. 4 هل القضية مجرد مصطلحات؟

وبعيدًا عن تفاصيل وجهات النظر الثلاث، فلا يوجد سبب، من حيث المبدأ، يوضح لماذا لا تدمج وجهات النظر حول المفاهيم بطرق مختلفة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤكد أحدهم على أن المفاهيم هي تمثيلات عقلية تُكتب بحسب المعاني الفريجيه التي تعبر عنها (للمناقشة انظر Margolis & Laurence 2007).

وقد يتساءل آخر عما إذا كان الخلاف الانطولوجي هو خلاف جوهري، وعلى الأرجح أنه لا يوجد سوى قضية مصطلحية واحدة حول الاشياء التي يجب أن يُطلق عليها مصطلح “مفاهيم”. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا نُطلق على التمثيلات العقلية مصطلح “مفاهيم1“، وعلى القدرات ذات الصلة مصطلح “مفاهيم2“، وعلى المعاني مصطلح “مفاهيم3“، ونبقي الأمور هكذا؟

مع ذلك، فإن المشاركين في هذا الخلاف لا يرون عمومًا أنه خلاف مصطلحي، وهذا على الأرجح بسبب أنهم يربطون نظرياتهم الخاصة حول المفاهيم بالتزامات واسعة النطاق حول الطريقة التي يجب أن يقدم بها الفلاسفة دراسة العقل واللغة. ومن وجهة نظر دوميت، فمما لا شك فيه أن الفلاسفة الذين يتبنون رؤية التمثيلات العقلية يتبنون أيضًا النظرية التمثيلية للعقل RTM، التي يرى دوميت أنها بالأساس نظرية مضللة. وبالمثل، ومن منظور فودور، فإن النظرية التمثيلية مهمة لدراسة العقل، وإن نهجاً مثل نهج دوميت الذي لا يسمح بهذه النظرية يضع قيودًا مسبقة وغير مناسبة على دراسة العقل. وبالنظر إلى أن الاختلاف حول المفاهيم مرتبط بشكل وثيق بمثل هذه الاختلافات التفسيرية الجوهرية الواضحة، فإن الجدل حول ماهية المفاهيم قد يبدو في حد ذاته خلافًا جوهريًا حول أنواع أكثر الكيانات الملائمة للعب أدوار رئيسة تفسيرية مرتبطة بالمفاهيم.

وبالطبع، يمكن استحداث مصطلحات نظرية جديدة (“المفاهيم1“، ” المفاهيم2“، ” المفاهيم3“) لمختلف الأطر النظرية التي قدمتها المداخل المختلفة التي تناولناها (رؤية القدرات، والتمثيلات العقلية، والأشياء المجردة)، ومن ثم إعادة هيكلة الجدل حول هذه المداخل كمجرد اختلافات مصطلحية حول ما الذي يجب أن نستخدمه من هذه المصطلحات. ولكن يجب ملاحظة أنه يمكن فعل الأمر ذاته حتى مع النقاشات الجوهرية الواضحة. على سبيل المثال، يمكن أن نستحدث مصطلحات جديدة للخير الأخلاقي كما يفهمه علماء الأخلاق (“الخير1“)، وكما يفهمه أنصار النظرية العواقبية (“الخير2“)، ومن ثم إعادة هيكلة الجدل حول ما يشكل الخير الأخلاقي بوصفه مجرد اختلاف مصطلحي حول ما يجب أن نستخدم “الخير1” أو “الخير2“. أو يمكن أن نستحدث مصطلح “الإنسان1” للإشارة إلى البشر وفقًا للرؤية التطورية المعيارية (أن البشر نتيجة تطور من أسلاف غير بشرية) واستحداث مصطلح “الإنسان2” للإشارة إلى البشر وفقًا لرؤية الخلْقيين [من يؤمنون بخلق البشر من العدم] (وفقًا لأن البشر ليسوا نتاج التطور)، ومن ثم إعادة هيكلة الجدل بين هذه النهج المختلفة بوصفه مجرد جدال حول المصطلحات التي يجب أن نستخدمها “الإنسان1” أو “الإنسان2“. ويكمن الخطر في أن هذا الأمر سيؤدي إلى استنزاف المغزى من فكرة أنه مجرد خلاف مصطلحي وسيحجب الفروق الحقيقية بين شتى أنواع الخلافات (مثل: الاشتراطي مقابل الموضوعي) وسينتهي بها المطاف على أنها “مجرد خلافات مصطلحية”.

سوف نأطر الأسئلة فيما تبقى من هذا المدخل من منظور رؤية التمثيل العقلي، ولكن على القراء الذين يفضلون رؤى مختلفة إعادة تأطير القضايا وفق شروطهم المفضلة. على سبيل المثال، عادةً ما تُفهم الأسئلة مثل “هل يمكن أن توجد مفاهيم دون لغة؟” وفقًا لرؤية التمثيل العقلي على أنها أسئلة عما إذا كان بمقدور الوكيل ما قبل اللغوي أو غير اللغوي أن يفكر في تمثيلات عقلية لنوع معين. وإذا تبنى شخص وجهة النظر القائلة بأن المفاهيم أشياء مجردة، فالسؤال المقابل قد يتمحور حول ما إذا كان بمقدور الوكيل ما قبل اللغوي أو غير اللغوي أن يتوصل إلى علاقة حيازة المفاهيم المستوعبة بوصفها أشياء مجردة لنوع معين. وإذا تبنى الشخص وجهة النظر القائلة بأن المفاهيم قدرات، فإن السؤال المقابل قد يكون عما إذا كان بمقدور الوكيل ما قبل اللغوي أو غير اللغوي أن يتمتع بالقدرات التي تشكل حيازة المفهوم.

 

  1. بنية المفاهيم

وكما تتكون الأفكار من مفاهيم، فإن الكثير من المفاهيم نفسها تعتبر كيانات معقدة تتكون من مفاهيم أخرى أو مكونات تمثيلية أبسط. وسننظر في هذا القسم إلى مقترحات مختلفة حول بنية ما نسميه عادة المفاهيم المعجمية lexical concepts. وبشكل تقريبي، تميل هذه المفاهيم إلى الارتباط بكلمات الأفراد في اللغة الطبيعية – المفاهيم مثل “طائر” و “يمشي” تقابل مفاهيم معقدة بشكل واضح مثل “الحيوانات الليلية التي تعيش في الأشجار” أو “السير بلا هدف على طريق عُبّدَ مؤخرًا”. ومع المفاهيم مثل الطائر والمشي وما شابه، فليس من الواضح ما نوع بنيتها الداخلية (إن وجدت)، ما أسفر عن ظهور قدر كبير من الجدل (Margolis & Laurence 1999, Murphy 2002). وقد ركزت تفسيرات بنية المفاهيم المعجمية على مفاهيم تصنيفات الأشياء والأفعال والأحداث عوضًا عن مفاهيم الأفراد، وسيشارك نقاشنا في هذا التركيز (انظر على سبيل المثال: Blok et al. 2005 and Levine 2010 لمناقشة مفاهيم الأفراد).

 

  1. 1 النظرية الكلاسيكية

إن جميع النظريات حول بنية المفاهيم تُعد، بطريقة أو بأخرى، تطورات أو ردود فعل على النظرية الكلاسيكية للمفاهيم classical theory of concepts. ووفقًا للنظرية الكلاسيكية، يحتوي مفهوم C المعجمي بنية تعريفية من حيث أنه يتكون من مفاهيم أبسط تعبر عن الشروط الضرورية والكافية لتندرج تحت C. ويُعد مفهوم “العازب” المثال الأكثر تداولًا الذي يشير تقليديًا إلى احتوائه على مكونين “رجل” و”غير متزوج”. وإذا أخذنا المثال على ظاهره، فإن الفكرة تكمن في أن لا شيء يندرج تحت مفهوم “العازب” إلا إذا كان رجلًا غير متزوجٍ. وفقًا للنظرية الكلاسيكية، فإن المفاهيم المعجمية عمومًا سوف تعرض نفس نوع البنية التعريفية، وهذا يتضمن مفاهيم مثيرة للاهتمام فلسفيًا مثل الحقيقة، والخير، والحرية، والعدل.

وقبل التحول إلى نظريات أخرى للبُنى المفاهيمية، يجدر بنا التوقف للنظر إلى ما يجعل البنية الكلاسيكية أو التعريفية جذابة. وتأتي كثير من جاذبيتها من طريقة معالجتها الموحدة لاكتساب المفاهيم، والتصنيف، وتحديد المرجعية، حيث إن المكونات شديدة التشابه هي التي تقوم بالعمل الأهم في كل حالة. يمكن فهم اكتساب المفهوم على أنه عملية تنشأ خلالها مفاهيم جديدة معقدة بواسطة تجميع مكوناتها التعريفية. كما يمكن فهم التصنيف على أنه عملية نفسية يتم فيها مطابقة المفهوم المعقد مع عنصر مستهدف بواسطة التحقق من أن كل واحد من المكونات التعريفية ينطبق على الهدف. ويمكن فهم تحديد المرجعية، كما رأينا بالفعل، على أنه مسألة تحديد ما إذا كانت المكونات التعريفية تنطبق بالفعل على الهدف.

وعلى الرغم من أن هذه الاعتبارات وحدها كافية لإظهار سبب إيلاء النظرية الكلاسيكية هذا التقدير العالي، فقد نالت النظرية الكلاسيكية حافزًا إضافيًا من خلال اتصالها بالمنهج الفلسفي الذي يعود إلى العصور القديمة ويستمر في فرض تأثيره على الفكر المعاصر، وهو ما يتمثل في منهج التحليل المفاهيمي. تقدم التحليلات المفاهيمية النموذجية تعريفات للمفاهيم التي ستُختبر أمام الأمثلة المضادة المحتملة التي حُددت من خلال التجارب الفكرية. ويُفترض أن يكون التحليل المفاهيمي نشاطًا مميزًا يعتمد على التجارب السابقة ويُعده الكثيرون جوهر الفلسفة. وبقدر ما تكون التحليلات المفاهيمية النموذجية متاحة وناجحة، فإن هذا سيمثل دعمًا للنظرية الكلاسيكية. وبالمقابل، إذا لم تكن التعريفات موجودة لتُكتشف، فإن الرؤية حول ماهية الفلسفة والكيفية التي يجب أن تتقدم فيها المباحث الفلسفية ستكون عرضة للخطر (انظر القسم الخامس في هذا المدخل).

وقد أصبحت النظرية الكلاسيكية تحت ضغط شديد في آخر أربعين سنة أو نحو ذلك، ليس فقط في الفلسفة ولكن أيضًا في علم النفس والمجالات الأخرى. وتتمثل المشكلة الرئيسة بالنسبة علماء النفس في أن النظرية الكلاسيكية تواجه صعوبة في تفسير مجموعة قوية من النتائج التجريبية، على رأسها اكتشاف فئات معينة يُنظر إليها على أنها أكثر تمثيلًا أو نموذجية وأن درجات النموذجية ترتبط مع تشكيلة واسعة من البيانات النفسية (للمراجعات، انظر: Smith & Medin 1981, Murphy 2002). على سبيل المثال، يُنظر إلى التفاح على أنه أكثر نموذجية من البرقوق فيما يتعلق بفئة الفواكه، وبالمقابل يُنظر إلى التفاح على أن له سمات مشتركة أكثر مع الفواكه. كما أن هناك العديد من النتائج الأخرى من هذا القبيل، منها أن العناصر الأكثر نموذجية تُصنف بشكل أدق. على سبيل المثال، يحكم الأشخاص على التفاح أنه نوع من الفاكهة بشكل أسرع من حكمهم على البرقوق، ولا تكمن مشكلة النظرية الكلاسيكية في أنها غير متسقة مع مثل هذه النتائج، بل في أنها لا تفعل شيئًا لتفسيرها.

كما تعرضت النظرية الكلاسيكية لعدد من الانتقادات في الفلسفة، ولعل أكثرها جوهرية أن محاولاتها لتحديد تعريفات للمفاهيم لها سجل انجازات ضعيف. وبكل بساطة، ثمة عدد قليل من الأمثلة للتحليلات التعريفية الناجحة، ولكنها لا تخلو من الجدل (Wittgenstein 1953/1958, Fodor 1981). إن الكثير من الأدبيات حول تحليل المعرفة تمثل حالة الأشياء، ومنذ أن تحدى إدموند غيتيير Edmund Gettier (1963) لأول مرة التعريف التقليدي للمعرفة (أنها اعتقاد صحيح مبرر)، أصبح هناك اتفاق واسع بين الفلاسفة أن التعريف التقليدي غير صحيح أو على الأقل غير مكتمل (انظر مدخل تحليل المعرفة the analysis of knowledge)، لكن لا يبدو أن أحدًا يمكن أن يتفق على ما هو التعريف الصحيح. وعلى الرغم من الجهود الهائلة التي بذلت في هذا الصدد، وعشرات الأبحاث المكتوبة عن هذه القضية، فإننا ما زلنا نفتقر إلى تعريف مرضٍ وكامل. وربما تكمن المشكلة في أن الحصول على تعريفات أمر صعب، ولكن الاحتمال الآخر – الذي يأخذه الكثير من الفلاسفة حاليًا على محمل الجد – هو أن مفاهيمنا تفتقر إلى البنية التعريفية.

 

  1. 2 نظرية النموذج الأولي

إن السؤال المطروح الآن هو: ما نوع البنية الأخرى التي يمكن أن تمتلكها المفاهيم؟ وتُعد نظرية النموذج الأولى prototype theory إحدى البدائل غير الكلاسيكية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين (مثل: Hampton 2006). وفقًا لهذه النظرية، فإن مفهوم C المعجمي لا يملك بنية تعريفية ولكن يملك بنية احتمالية حيث يمكن إدراج أحد الأشياء تحت C فقط في حالة أنه يلببي عددًا كافيًا من الخصائص المرمزة بواسطة مكونات C. وتوجد جذور فلسفية لنظرية النموذج الأولى في فلسفة فيتجنشتاين (1953/1958) المشهورة التي تنص على أن الأشياء التي يشملها مصطلح معين تشترك غالبًا في تشابه عائلي، كما أن لها جذورًا نفسية في المعالجة التجريبية الرائدة لإليانور روش Eleanor Rosch (Rosch & Mervis 1975, Rosch 1978). وتتميز نظرية النموذج الأولي بإلمامها بطريقة التعامل مع التأثيرات النموذجية التي تركتها النظرية الكلاسيكية دون تفسير. وتؤكد إحدى الاستراتيجيات القياسية في نظرية النموذج الأولي أنه يجب فهم التصنيف على أنه عملية مقارنة مشابهة، حيث يحسب التشابه كدالة لعدد المكونات التي يشترك فيها مفهومان. وفي هذا النموذج، فإن السبب وراء الحكم على التفاح أنه أكثر نموذجية من البرقوق يكمن في أن أكثر مكونات مفهوم “التفاحة” تشترك مع الفاكهة، وهذا هو السبب ذاته وراء الحكم على التفاح بأنه نوع من الفاكهة أسرع من الحكم على البرقوق.

وعلى الرغم من أن نظرية النموذج الأولي تبلي بلاءً حسنًا في تفسير مجموعة متنوعة من الظواهر النفسية وتساعد على توضيح سبب الصعوبة الشديدة في استحداث التعريفات، فإن لديها مشاكلها الخاصة وقيودها. وتكمن إحدى تلك المشاكل في أن معالجتها لعملية التصنيف تكون مجدية أكثر مع الأحكام السريعة التي لا تحتاج إلى تفكير، لكن عندما يتعلق الأمر بالأحكام المتأنية التي تتطلب المزيد من التفكير، فإن الناس يذهبون إلى ما هو أبعد من نتيجة مقارنة التشابه، فإذا ما سُئلنا عما إذا كان الكلب الذي خضع لعمليات جراحية ليبدو مثل الراكون سيظل كلبًا أم أنه يتحول إلى راكون؟ فإن إجابة أغلبنا، وحتى الأطفال، ستكون أنه سيظل كلبًا (انظر Keil 1989, Gelman 2003 لمزيد من النقاش). كما أن هناك طرح نقدي آخر يتعلق بالتركيبية ضد افتراض أن المفاهيم لديها بنية نموذج أولي. عندما يمتلك مفهوم معقد بنية نموذج أولي، فغالبًا ما يملك هذا المفهوم خصائص ناشئة ليست مستمدة من النموذج الأولي لمكوناتها (مثل: ترميز سمك الزينة بخصائص مثل الألوان الزاهية، التي ليس لها أساس في بنية النموذج الأولي سواءً للحيوانات الأليفة أو للأسماك). علاوةً على ذلك، فإن الكثير من المفاهيم المعقدة لا تملك حتى بنية نموذج أولي (مثل الكراسي المشتراة في أيام الأربعاء) (Fodor & Lepore 1996, Fodor 1998 ؛ وللردود على الحجج التركيبية، انظر Prinz 2002, Robbins 2002, Hampton & Jönsson 2012, and Del Pinal 2016).

ويكمن أحد الحلول العامة التي تعالج جميع هذه المشاكل في القول بأن النموذج الأولي يشكل فقط جزء من بنية المفهوم. بالإضافة إلى ذلك، فإن المفاهيم تمتلك نوى مفاهيمية conceptual cores تعمل على تحديد المعلومات المتعلقة بالأحكام التي تتطلب المزيد من التفكير وضمان العمليات التركيبية. ومن المؤكد أن هذا الحل يثير تساؤلًا عن نوع البنية التي تملكها النوى المفاهيمية، ويقترح البعض أنها تملك بنية كلاسيكية (Osherson & Smith 1981, Landau 1982)، إلا أن هذا الاقتراح لن يجدي نفعًا لأنه يثير مجددًا معظم المشاكل المرتبطة بالنظرية الكلاسيكية (Laurence & Margolis 1999).

 

  1. 3 نظرية النظرية

يتمثل الاقتراح الآخر والأكثر شيوعًا حاليًا في أنه من الأفضل فهم تلك النوى من ناحية نظرية النظرية المتعلقة بالمفاهيم theory theory of concepts، التي ترى أن المفاهيم ترتبط ببعضها البعض بالطريقة نفسها التي ترتبط بها مصطلحات النظرية العلمية وأن التصنيف هو عملية تشبه بشدة التنظير العلمي (انظر على سبيل المثال: Carey 1985, 2009, Gopnik & Meltzoff 1997, Keil 1989). كما يُفترض عمومًا أن مصطلحات النظرية العلمية تكون متداخلة بحيث يحدد المحتوى النظري للمصطلح بواسطة دوره الفريد في النظرية التي يوجد بها.

وتُعد نظرية النظرية مناسبة بشكل خاص لتفسير أنواع الأحكام التصنيفية المتأنية التي استعصى تفسيرها على نظرية النموذج الأولي. على سبيل المثال، يؤكد أصحاب نظرية النظرية أن الأطفال يتجاوزون التشابه الإدراكي في تقييم موقف الكلب والراكون، مدعين بأنه حتى الأطفال لديهم نظرية بيولوجية بدائية. وتبين لهم هذه النظرية أن الحيوان لا يصبح كلبًا لمجرد أنه يشبهه، وإنما الأهم هو امتلاك الصفات الكامنة التي يتمتع بها الكلب – جوهر الكلب (انظر Atran & Medin 2008 on folkbiology). وتتسم نظرية النظرية بميزة أخرى تكمن في أنها يُفترض أن تساعد في توضيح أهمية جوانب التطور المفاهيمي، ويقال أن التغير المفاهيمي في مرحلة الطفولة يتبع نفس نمط تغير النظرية في العلوم.

أحد المشاكل التي أثيرت ضد نظرية النظرية هي أنها تواجه صعوبة في السماح للأشخاص المختلفين بامتلاك المفاهيم نفسها (أو حتى أن يمتلك نفس الشخص أحد المفاهيم على مر الزمن)، ويكمن سبب ذلك في أنها نظرية شمولية، إذ إن محتوى المفهوم يتحدد عبر دوره في النظرية، وليس عبر كونه يتألف من عدد قليل من المكونات. ونظرًا لأن الاعتقادات التي تدخل في النظريات العقلية للناس يُرجح أن تختلف من شخص لآخر (ومن المرجح أن تتغير)، فقد لا يوجد أساس مبدئي للمقارنة (Fodor & Lepore 1992). كما أن ثمة مشكلة أخرى بنظرية النظرية تتعلق بالتشابه مع تغير النظرية في العلوم، حيث يشير هذا التشابه إلى أن الأطفال يخضعون لإعادة تنظيم جذري للمفاهيم في سياق التطور الإدراكي، لكن العديد من دراسات الحالة المركزية أثبتت أن هذا الأمر محل جدل على أسس تجريبية، مع وجود دليل على أن المفاهيم ذات الصلة تشارك في بناء أنظمة المعرفة الأساسية التي يتم إثرائها في التطور ولكنها لا تتغير بشكل جوهري (انظر Spelke & Kinzler 2007 حول المعرفة الأساسية). ومع ذلك، هناك أمثلة محددة يكون فيها إعادة التنظيم المفاهيمي الجذري أمرًا معقولًا، على سبيل المثال، عندما يطور الأطفال في نهاية المطاف نظرية المادة التي تسمح لهم بالتمييز بين الوزن والكثافة، والهواء والعدم (Carey 2009).

 

  1. 4 الذرية المفاهيمية

وتأتي الذرية المفاهيمية Conceptual atomism كبديل عن جميع النظريات السابقة آنفة الذكر، وترى أن المفاهيم المعجمية ليس لها بنية دلالية (Fodor 1998, Millikan 2000). وفقًا للذرية المفاهيمية، فإن محتوى المفهوم لا يُحدَد بواسطة علاقته بالمفاهيم الأخرى ولكن بواسطة علاقته بالعالم.

وتتبع الذرية المفاهيمية التقليد المناهض للوصف والذي يعود إلى شاول كريبك Saul Kripke ، وهيلاري بوتنام Hilary Putnam، وآخرين ممن يعملون في فلسفة اللغة (انظر Kripke 1972/80, Putnam 1975, Devitt 1981). ويجادل كريبك، على سبيل المثال، بأن أسماء الأعلام تعمل كمجرد علامات من حيث كونها لا تملك محتوى وصفي (Kripke 1972/80). وفي نظرية الوصف، قد يفترض المرء أن “Gödel” [عالم رياضيات كورت جوديل] يعني شيئًا مشابهًا لمكتشف مبرهنة عدم الاكتمال the discoverer of the incompleteness of arithmetic. إلا أن كريبك يشير إلى أننا قد نكتشف أن شميت Schmitt هو من اكتشف حقًا مبرهنة عدم الاكتمال وأن جوديل كان من الممكن أن يقتل شميت وينسب العمل لنفسه. والقضية هنا أنه إذا كانت نظرية الوصف صحيحة، لكُنا نحيل إلى شميت Schmitt عندما نقول جوديل Gödel، ولكنّ الأمر ليس كذلك البتة. وفي السيناريو المتخيل، تشير جملة “اكتشف جوديل مبرهنة عدم الاكتمال” إلى شيء خاطئ عن جوديل، ليس شيئًا صحيحًا عن مكتشف المبرهنة، أيًا كان مكتشفها (انظر Machery et al. 2004 حول ما إذا كان الحدس عالمي، و Genone 2012 مناقشة دور الحدس في نظريات المرجعية theories of reference). ويشير تفسير كريبك البديل للأسماء إلى أن مرجعياتها تحقق عبر ارتباطها بعلاقة سببية مع تلك المرجعيات. وتوظف الذرية المفاهيمية استراتيجية مشابهة مع توسيع النموذج ليشمل جميع أنواع المفاهيم، ليس فقط أسماء الأعلام.

 

  1. 5 التعددية والإقصائية

ما زالت طبيعة البنية المفاهيمية غير مستقرة حتى وقتنا هذا، ولعل جزءًا من المشكلة يكمن في الحاجة إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لمسألة ما يفترض أن تفعله البنية المفاهيمية للعمل التفسيري واحتمالية أن يكون هناك أنواع مختلفة لتلك البنية مرتبطة بوظائف تفسيرية مختلفة. لقد رأينا كيف تُستدعى البنية المفاهيمية لتفسير عدة أمور، من ضمنها التأثيرات النموذجية، والتصنيف الانعكاسي، والتطور الإدراكي، والتحديد المرجعي، والتركيبية، ولكن لا يوجد سبب لافتراض أن نوعًا واحدًا من البنية يمكن أن يفسر جميع هذه الأمور. ونتيجة لذلك، لا يوجد سبب يمنع الفلاسفة من التأكيد على أن المفاهيم لها أنواع مختلفة من البنية. على سبيل المثال، لاحظ أن الذرية المفاهيمية مدفوعة بشكل كبير بواسطة مناهضي الوصفية. في الواقع، يتمسك أنصار الذرية بأن التباين النفسي الكبير يتسق مع دخول المفاهيم في نفس العلاقات السببية بين العقل والعالم، وأن هذه العلاقات هي من تحدد مرجعية المفهوم. ولكن مجرد سماح آليات تحديد المرجعية بتباين نفسي كبير لا يعني أنه لا يوجد، في الواقع، أنماطا مهمة يكتشفها علماء النفس. وعلى النقيض من ذلك، فإن الدليل على التأثيرات النموذجية مثير بكل المقاييس، ولذا ليس من المعقول الادعاء بأن المفاهيم تملك بنية النموذج الأولي حتى وإن كانت تلك البنية ليس لها أي فائدة في تحديد مرجعية المفهوم. تشير الاعتبارات المشابهة إلى أن المفاهيم قد تملك بنية-نظرية وربما أنواع أخرى من البنى أيضًا (انظر Laurence & Margolis 1999 حول مختلف أنواع البنى المفاهيمية).

إن إحدى طرق الاستجابة لتعدد البنى المفاهيمية هو افتراض أن المفاهيم لديها أنواع متعددة من البنى، وهذه هي الفكرة الجوهرية خلف تعددية المفاهيم conceptual pluralism. وفقًا لإحدى إصدارات تعددية المفاهيم، التي اقترحها لورانس ومارجوليس Laurence & Margolis (1999)، فإن أي مفهوم معين سيكون لديه مجموعة أنواع مختلفة من البنى المرتبطة به كمكونات له. على سبيل المثال، قد تملك المفاهيم نوى ذرية ترتبط بالنموذج الأولي، والنظريات الداخلية، وما إلى ذلك. وفي هذا النهج، تلعب مختلف أنواع البنى التي تُعد مكونات لمفهوم معين أدوارًا تفسيرية مختلفة. كما أن تحديد المرجعية والتركيبية تجمعهما علاقة أكبر بالنوى الذرية نفسها وكيفية ارتباطها سببيًا مع أشياء خارج العقل، بينما يعتمد التصنيف السريع والاستدلالات المحددة على النموذج الأولي، في حين تعتمد الاستدلالات التي تتطلب مزيدًا من التفكير والمنطق على بنية النظرية. إن العديد من المتغيرات حول هذا المقترح العام ممكنة، ولكن الفكرة الأساسية هي أنه في حين أن المفاهيم لديها تعدد في أنواع مختلفة من البنى مع أدوار تفسيرية مختلفة، فإن هذه البنى المختلفة تظل موحدة من خلال الروابط مع التمثيل الذري التي تقدم مرجعية المفهوم. ويتمثل أحد التحديات التي تواجه هذا التفسير في صعوبة تحديد أي المصادر الإدراكية التي تكون مرتبطة بأحد المفاهيم ويجب اعتبارها جزءًا من بنيته، وأيها لا يجب اعتبارها كذلك. ونظرًا لكونه إطارًا عامًا، فإن هذا التفسير محايد تجاه هذه المسألة، ولكن مع توسع هذا الإطار، ستكون هناك حاجة لتوضيح حالة الأنواع المحتملة للبنية.

كما أن هناك شكلًا مختلفًا للتعددية بشأن البنية المفاهيمية لا يوظف النوى الذرية ولكنه يقول ببساطة أن النموذج الأولي، والنظرية، …إلخ، كلها مفاهيم بحد ذاتها (Weiskopf 2009). وعوضًا عن الإصرار على أن المفهوم المفرد (مثل: مفهوم قطة) لديه أنواع متعددة من البنى كمكونات، كما هو الحال في الشكل الأول للتعددية، فإن هذا الشكل ينظر إلى كل نوع من أنواع البنى على أنه مفهوم بحد ذاته، مما يؤدي إلى تعددية المفاهيم (قطة1، قطة2، قطة3، إلخ). بناءً على هذا الرأي، فمن الخطأ افتراض وجود شيء مثل مفهوم القطة. بدلًا من ذلك، فإن هناك العديد من المفاهيم عن القطة، يختلف كل منها في البنية، ويشترك كل منها في فئة فرعية فقط من العمليات النفسية عالية المستوى المرتبطة بالقطط. على سبيل المثال، قد توضح قطة1 بعض حالات التصنيف وبعض الاستدلالات، بينما توضح قطة2، وقطة3 حالات أخرى، علاوةً على أنه في هذا الشكل من التعددية، قد يختلف الناس أيضًا وفقًا لنوع مفهومهم عن القطة، وحتى إذا اشترك شخصان في حيازة مفهوم القطة من نفس نوع البنية العامة (مثل: بنية النموذج الأولي)، فقد تبقى المفاهيم مختلفة إلى حد ما (من خلال التعامل مع النموذج الأولي للقطط على أنه يمتلك أنواعًا مختلفة من الخصائص). وردًا على الشكل الثاني من التعددية، جادل بعض الفلاسفة بأن من الأفضل فهم قطة1، وقطة2، … إلخ، كمعاني مختلفة للتعبير اللغوي المتعدد (مثل: المعنى المادي ومعنى المحتوى للـ “كتاب”) (Vicente & Manrique 2016). وبغض النظر عن قبول هذه النقطة حول تعدد المعاني، فإن التحدي الأهم الذي يواجه النسخة الثانية (“تعدد المفاهيم”) من التعددية يكمن في شرح سبب اعتبار جميع مفاهيم القطة المختلفة كمفاهيم للقطة – بمعنى شرح ما يوحد تعدد مفاهيم القطة. والإجابة الطبيعية أن ما يوحد تلك المفاهيم أنها جميعًا تشير إلى الفئة نفسها، فئة القطط. ولكن ليس من الواضح أن تلك المفاهيم يمكن أن تشير إلى الفئة نفسها بالنظر إلى الفروقات بين مفاهيم القطة المختلفة وطريقة عملها في إدراك الأفراد. على سبيل المثال، تلتقط بنية النموذج الأولي القياسية قططًا نموذجية وتستبعد القطط غير النموذجية أو غير العادية التي تشملها البنية النظرية، وبالتالي قد يحيل المفهومان إلى فئتين متمايزتين (على الرغم من ارتباطهما).

وفي جميع أشكالها، تدرك التعددية في البنية المفاهيمية أن المفاهيم لها وظائف متنوعة وأن هناك حاجة لمجموعة من الاستجابات المختلفة لأنواع التمثيلات لتلبية هذه الوظائف. هذه الاعتبارات نفسها قادت بعض المنظرين للدفاع عن مفهوم الإقصائية concept eliminativism – وهي النظرة التي ترى عدم وجود مفاهيم (Machery 2009). ويكمن السبب المنطقي وراء اقصائية المفاهيم في أن المفهوم يجب أن يُفهم على أنه نوع طبيعي إذا كانت المفاهيم موجودة بالأساس، وأن الأنواع الطبيعية يجب أن يكون لها قواسم مشتركة كبيرة يمكن اكتشافها باستخدام الأساليب التجريبية، بما في ذلك القواسم التي تتجاوز المعايير التي استخدمت لتوصيفها في البداية. ووفقًا للإقصائيين eliminativists، فليس هناك قواسم مشتركة بين أنواع التمثيلات التي يتبناها التعدديون pluralists. وربما نحتاج إلى نماذج أولية ونظريات وأنواع أخرى من التمثيلات لتمييز مستوى أعلى من العمليات الإدراكية، ولكنها شديدة التنوع لدرجة لا يمكن معها تأكيد الادعاء بأنها تشكل نوعًا واحدًا. ووفقًا لهذه الرؤية، يجب علينا ببساطة التخلي عن التركيب النظري للمفهوم والإحالة فقط إلى أنواع أكثر دقة من التمثيلات، مثل النماذج الأولية والنظريات. وقد رد معارضو الإقصائية المفاهيمية على هذه الإشكالية بعدة طرق، حيث جادل بعضهم بأن معايير ماكيري Machery حول الإقصاء قوية بشكل مبالغ فيه وأن المفهوم، الذي يفهم كنوع من المستوى الأعلى أو ربما كنوع وظيفي، له فائدة كبيرة في النماذج النفسية في العمليات الإدراكية (مثل: Hampton 2010, Lalumera 2010, Strohminger & Moore 2010). كما جادل آخرون بأن معايير ماكيري لتصنيف شيء ما على أنه نوع طبيعي تُعد شديدة الصرامة وأن رأيه له تبعات في استبعاد الحالات الواضحة من أنواع المستوى الأعلى المشروعة في العلوم بشكل عام ( مثل: Gonnerman & Weinberg 2010, Margolis & Laurence 2010). في حين يرى آخرون أنه حتى لو سمحنا بمعايير ماكيري الصارمة حول النوع الطبيعي، فلن يقود هذا إلى الإقصاء، حيث أن المفاهيم هي أنواع طبيعية بحسب معاييره (Samuels & Ferreira 2010, Weiskopf 2010). (لمزيد من النقاشات النقدية حول النزعة الإقصائية، انظر تعليق الزملاء الذي يظهر في مقال Machery 2010 وردود المؤلف).

 

  1. النزعة التجريبية والفطرية حول المفاهيم

إن أحد أقدم الأسئلة حول المفاهيم يهتم بما إذا كان هناك أي مفاهيم فطرية، وإذا كانت موجودة، فكم نسبتها من النظام المفاهيمي. ويؤكد أتباع النزعة التجريبية أن المفاهيم الفطرية قليلة، إن وُجدت، وأن معظم الإمكانات الإدراكية تكتسب على أساس عدد محدود من الآليات الإدراكية ذات الغرض العام والبسيطة نسبيًا. وعلى الجانب الآخر، يؤكد أصحاب النزعة الفطرية على أن هناك العديد من المفاهيم الفطرية وأن العقل لديه قدر كبير من التمييز الفطري ضمن أنظمة فرعية معقدة ذات نطاق محدد.

 

  1. 1 تجدد الاهتمام بالنزاع بين التجريبية والفطرية

انتعش النقاش خلال السنوات الأخيرة حول المفاهيم الفطرية حيث أن التقدم في العلوم الإدراكية قد وفر للفلاسفة أدوات جديدة لإعادة النظر في الجدل التقليدي وصقله (انظر Elman et al. 1996, Carruthers, Laurence, & Stich 2005, 2006, 2007, Johnson 2010). وقد استفاد الفلاسفة بشكل كبير من الدراسات التجريبية في المجالات المتنوعة كعلم نفس التنموي، وعلم النفس التطوري، والانثروبولوجيا المعرفية، وعلم الأعصاب، واللغويات، والإثولوجيا [علم سلوك الحيوان]. ويكمن جزء من الاهتمام الفلسفي لهذا العمل أنه في حين ينحاز العلماء أنفسهم إلى أحد جانبي النزاع التجريبي-الفطري، فإن نظرياتهم وبياناتهم غالبًا ما تكون مفتوحة للتفسير.

على سبيل المثال، كانت دراسة اللغة من أولى مسارات البحث التي بدا أنها تدعم المفاهيم الفطرية التقليدية للعقل (Pinker 1994). ويجادل نعوم تشومسكي Noam Chomsky وأتباعه بأن اكتساب اللغة ينجح على الرغم من أن الأطفال يتعرضون لأدلة محدودة للغاية حول بنية لغتهم (Chomsky 1967, 1975, 1988; see also Laurence & Margolis 2001). وبالنظر إلى الطريقة التي تتفوق بها الحالة النهائية (مثل: معرفة اللغة الإنجليزية) على البيانات المتاحة للأطفال، فلا يسعنا سوى افتراض أن عقل الإنسان يستحضر مجموعة معقدة من الافتراضات اللغوية المحددة لاكتساب اللغة. ويرى تشومسكي أن هذه الافتراضات ترتكز على مجموعة من المبادئ الفطرية التي تقيد جميع اللغات البشرية الطبيعية الممكنة، أي القواعد اللغوية العالمية (انظر Baker 2001 and Roberts 2017  حول القواعد اللغوية العالمية).

وليس من المستغرب أن يشكك كثير من الفلاسفة في موقف تشومسكي، وقد ساعد الجدل الذي أعقب ذلك في صقل الحجج الحاسمة والمدى الذي يجب أن تستمر فيه النماذج الفطرية في احتلال مكانتها المركزية في النظرية اللغوية (على الجانب التجريبي، انظرCowie 1999, Prinz 2002, and Sampson 2005;  وعلى الجانب الفطري، انظر : Laurence & Margolis 2001 and Pietroski & Crain 2012;، وانظر مدخل innateness and language  ومدخل philosophy of linguistics). على سبيل المثال، من ضمن انتقادات فيونا كواي Fiona Cowie على حجة تشومسكي المتعلقة بنقص الحافز أن أي استقراء يبني استنتاجًا يتجاوز البيانات المتاحة؛ وبالتالي، فإن تجاوز البيانات في حالة اكتساب اللغة لا يدعم الافتراضات الفطرية الخاصة باللغة –  وإلا لكان من الواجب وجود افتراض فطري محدد لكل استقراء نقوم به (للنسخة الأولى من هذه الحجة، انظر Putnam 1967, Goodman 1969). ويرد كل من لورانس وجاروليوس (2001) وكرين وبيتروسكي Crain  & Pietroski  (2001)على ذلك عبر إيجاد الطرق المختلفة التي تتجاوز فيها مشكلة اكتساب اللغة المشاكل العامة حول الاستقراء.

 

  1. 2 النزعة التجريبية حول المفاهيم

عادةً ما يجادل التجريبيون بأن جميع المفاهيم مستمدة من الأحاسيس، وقد فُهمت المفاهيم على أنها تتشكل من نسخ من التمثيلات الحسية وفقًا لقواعد التعلم ذات الأغراض العامة، مثل مبدأ هيوم في الارتباط (Hume 1739/1978). وبحسب هذه النظرة، فيجب أن يكون محتوى أي مفهوم قابلًا للتحليل من حيث أساسه الإدراكي، وأن أي مفهوم مزعوم يفشل في الاختبار يجسد التباسًا. وهكذا ختم ديفيد هيوم تحقيقه بملاحظته الشهيرة:

عندما نرتاد المكتبات مقتنعين بهذه المبادئ، فما نوع الخراب الواجب علينا إحداثه؟ إذا وقع في أيدينا أي مجلد؛ من اللاهوت أو الميتافيزيقا المدرسية، على سبيل المثال؛ فدعونا نسأل، هل تحتوي على أي منطق تجريدي يتعلق بالكمية والأرقام؟ لا. هل تحتوي على أي منطق تجريبي يتعلق بالقضايا الواقعية والوجود؟ لا. إذن ضعها في النار: فهي لا تحتوي سوى السفسطة والوهم (1748/1975, p. 165).

وقد تمسك أنصار الوضعية المنطقية بمذهب مشابه في أوائل القرن العشرين، بالرغم من صياغتهم لوجهة النظر هذه في الاصطلاح اللغوي (Ayer 1959). وتطلب مبدأهم في التحقق أن تكون الجمل أو القضايا ذات مغزى بحيث يكون لها نتائج تجريبية، كما أن بعض صيغ المبدأ تطلبت أن يكون معنى الجملة هو الإجراء التجريبي لتأكيدها (انظر مدخل دائرة فيينا Vienna Circle). بالتالي، فالجمل التي ليس لها نتائج تجريبية تُعد بلا معنى. ونظرًا لأن جزءًا كبيرًا من الفلسفة يعبر عن افتراضات تتجاوز كل الخبرات الممكنة، فقد كان الوضعيون سعداء بالقول إن تلك المذاهب الفلسفية خالية تمامًا من المعنى، وأنها تتألف من جمل ليست خاطئة فحسب وإنما مجرد هراء بالمعنى الحرفي.

وعلى الرغم من عدم شعبية مذهب التحقق من الصحة (مع ذلك انظر: Dummett 1993, Wright 1989, and Dennett 1991)، فقد انجذب عدد متزايد من الفلاسفة لأشكال معدلة من التجريبية، وتؤكد تلك الأشكال أساسًا أن العلاقات النفسية بين نظام المفاهيم وحالات الإدراك والحركة، ليست علاقات دلالية. وأحد الأمثلة على ذلك هو دفاع لورانس شابيرو Lawrence Shapiro عن الادعاء القائل بأن نوع جسم الكائن الحي له تأثيرات عميقة على عملياته الإدراكية وأيضًا على طريقة تصور الكائن الحي للعالم (Shapiro 2004). ويتوجه ادعاء شابيرو ضد النظريات الفلسفية التي تتجاهل عمدًا الحقائق المشروطة حول الأجسام البشرية كما لو أن العقل البشري قد يكون متأصلًا في أنواع مختلفة من الأجسام. وبناءً على عدد من البرامج البحثية التجريبية، يستشهد شابيرو بالأمثلة التي تبدو داعمة لما يسميه أطروحة العقل المجسد، أي أن “العقول تعكس بعمق الأجساد التي تحتويها” (Shapiro 2004, p. 167).

كما دافع جيسي برينز Jesse Prinz (2002) عن شكل من التجريبية المعدلة، ويدعي برينز أن “جميع المفاهيم (البشرية) هي نسخ أو توليفات من نسخ التمثيلات الإدراكية” (Prinz 2002, p. 108). وبالرغم من أن الإشارة إلى النسخ تُعد إشارة ضمنية بالموافقة على رأي هيوم، فإن برينز لا يوافق على نهج هيوم في التحقق من الصحة. في الواقع، يتبنى برينز نظرية سببية للمحتوى من النوع الذي يرتبط عادة بالنظريات الذرية للمفاهيم (مثل Fodor 1998)؛ وبالتالي، فإن نظرية برينز للمحتوى القصدي لا تتطلب مفهومًا لوراثة المحتوى الادراكي لمكوناته. ومع ذلك، يعتقد برينز أن جميع المفاهيم مستمدة من التمثيلات الإدراكية، ولعل الطريقة الأفضل لفهم الادعاء هي أن التمثيلات العقلية التي تنشط عندما يفكر المرء في شيء ما – بغض النظر عما يفكر به – هي تمثيلات تنشأ في الدوائر العصبية بوظائف إدراكية أو حركية، وأن العملية العقلية تتأثر بهذا المنشأ. لنفترض على سبيل المثال أن أحد الأشخاص يفكر في مطرقة، ومن ثم فإما أن يُنشط التمثيلات الموجودة في الدوائر البصرية، أو التمثيلات المشتركة في الدوائر التي تتحكم في شكل اليد، وما إلى ذلك، كما أن أفكاره تتأثر بطريقة ما بالوظيفة الرئيسة لتلك الدوائر. وعلى خطى لورانس بارسالو Lawrence Barsalou (1999) (وانظر أيضًا Barsalou et al. 2003)، يصف برينز حيازة المفهوم على أنه نوع من المحاكاة “الارتقاء للدخول في حالة إدراكية من النوع الذي يكون عليه المرء إذا كان سيختر الشيء الذي تمثله تلك الحالة” (Prinz 2002, p. 150).

ويتمثل أحد التحديثات التي تواجه هذه النظرة الإدراكية في أثارها على المفاهيم المجردة. ويسهل القول إن مفهوم المطرقة ينطوي على تنشيط الدوائر ذات العلاقة بشكل اليد، ولكن الأمر مختلف تمامًا عند تحديد التمثيلات المرتبطة بطريقة حسية معينة تكمن وراء مفاهيم مثل الحقيقة، والديمقراطية، والأنثروبي، والرقم تسعة عشر (Adams & Campbell 1999, Brewer 1999). ليس هذا فحسب، فالمفاهيم المنطقية هي تحدٍ آخر. ويقترح برينز كأساس إدراكي لمفهوم الفصل المنطقي أنه يقوم على مشاعر التردد. ومع ذلك، يبدو أن نظرته المدروسة بشكل أكبر تشير إلى أن من الأفضل فهم المفاهيم المنطقية كعمليات وليس تمثيلات، ومن ثم فإن النظرية الناتجة تفتقر فيها الأفكار للشكل المنطقي. وتكمن المشكلة في أن هذا يُصعّب النظر في كيفية التمييز بين الأفكار المتكافئة منطقيًا. وهناك مشكلة أخرى ذات صلة بالموضوع تتمثل في أنه بالنظر إلى أن تكوين برينز لا ينتج عنه تمثيلات معقدة من حيث البنية، فلا شيء على ما يبدو يميز بين أنواع المحتويات المرتبطة بالأحكام (المحتويات القضوية) وتلك القوائم المرتبطة أو حتى المفاهيم الفردية (لنقاشات ذات صلة انظر Fodor 2003). وتكمن المشكلة الأخيرة في أن هناك صعوبات تتعلق بكيفية تفسير الأدلة السلوكية والعصبية التي من المفترض أن تدعم قضية برينز وبارسلو ضد التمثيلات غير النمطية Amodal representations. على سبيل المثال، يشير ماكيري (2007) إلى أن أنصار التمثيلات غير النمطية يفترضون عادةً أن الصور مفيدة في حل أنواع معينة من المشاكل. وللمجادلة ضد التمثيلات غير النمطية، فلا يكفي إظهار أن التمثيلات الحسية تكون بارزة في المهام التجريبية التي لا يُطلب فيها صراحة من المشاركين تصور حل، نظرًا لأن استخدام الصور على أساس حسي في مهمة ما يتوافق تماماً مع وجود تمثيلات غير نمطية فيها (لنقاشات نقدية إضافية حول شكل التجريبية الذي يعارض التمثيلات غير النمطية، انظر Weiskopf 2007, Dove 2009, and Mahon 2015).

 

  1. 3 النزعة الفطرية حول المفاهيم

لعل النقاش الأكثر تأثيرًا حول المفاهيم في العلاقة الجدلية بين التجريبية والفطرية يتمثل في حجة جيري فودور Jerry Fodor (1975, 1981) التي يدعي فيها أن جميع المفاهيم المعجمية الافتراضية فطرية. وجادل فودور (1975) أن هناك مشاكل تنظيرية مع جميع نماذج تعلم المفاهيم، حيث أن جميع هذه النماذج تتعامل مع عملية تعلم المفاهيم على أنها اختبار فرضية. وتكمن المشكلة في أن الفرضية الصحيحة توظف دائمًا المفهوم ذاته الذي يجب تعلمه، وبالتالي يجب أن يكون المفهوم متاحًا للمتعلم قبل حدوث التعلم. وقد طور فودور هذه الحجة في كتابه (1981) وذلك بالسماح بأن المفاهيم المعقدة (لا غيرها) قابلة للتعلم، حيث يمكن تجميع مكوناتها خلال عملية التعلم. ومضى فودور إلى القول بأن المفاهيم المعجمية تفتقر إلى البنية الدلالية، وتبعًا لذلك فإن جميع المفاهيم المعجمية تقريبًا يجب أن تكون فطرية – وهو ما يُعرف باسم المفهوم الفطري الأصولي. وقد كان لحجج فودور تأثير كبير على النقاشات حول الفطرية وتعلم المفاهيم، خصوصًا في أوساط علماء الإدراك. وبالرغم من قلة عدد العلماء الذين أيدوا الاستنتاج الأصولي لفودور (إن كان هناك مؤيدين)، فإن العديد من العلماء صاغوا وجهات نظرهم في التطور الإدراكي، جزئيًا على الأقل، كاستجابة لحجج فودور (Jackendoff 1989, Levin & Pinker 1991, Spelke & Tsivkin 2001, Carey 2009). وقد أقنع فودور الكثيرين بأن المفاهيم البدائية غير قابلة للتعلم من حيث المبدأ (انظر مثلًا: Pinker 2007). ومع ذلك، فيمكن الطعن بحجج فودور في هذا الاستنتاج بعدة طرق، والطريقة الأكثر مباشرة هي بناء تفسير للمقصود بتعلم مفهوم بدائي وإظهار أنه محصن ضد الطعون التي طرحها فودور (Margolis 1998, Laurence & Margolis 2002, Carey 2009).

لقد غير فودور نفسه نظرته حول هذه القضايا عندما أعاد النظر فيها في (2008)، إذ يؤكد الآن أنه في حين أن الاعتبارات حول الحاجة لاختبار الفرضيات تظهر عدم وجود مفاهيم يمكن تعلمها، ولا حتى المفاهيم المعقدة، فهذا لا يقتضي أن تكون المفاهيم فطرية (Fodor 2008). وبدلًا من ذلك، يقترح فودور أنها تكتسب إلى حد كبير من خلال العمليات البيولوجية المجردة من حيث أنها لا تقبل الوصف على المستوى النفسي. وبالرغم من أن مثل هذه التفسيرات “البيولوجية” لاكتساب المفهوم تقدم بديلًا لثنائية الفطري/المكتسب، فإن هناك أسبابًا لافتراض أن كثيرًا من المفاهيم يمكن تعلمها بنفس الطريقة (Margolis & Laurence 2011). ومن ضمن هذه الأسباب حقيقة أن النظام المفاهيمي للشخص حساس جدًا للثقافة المحيطة. على سبيل المثال، يأتي مفهوم “PURGATORY” [الأعراف] من منتجات ثقافية مثل الكتب، والقصص، والمواعظ، ولكن من الواضح أن تلك المنتجات تستطيع نقل المفهوم بنجاح فقط عندما تتوسط النوع الصحيح من العمليات النفسية. بالتالي، فإن اكتساب مثل هذه المفاهيم هو انجاز على المستوى الإدراكي، وليس مجرد إنجاز بيولوجي.

وبالرغم من أن الكثير من النقاشات الفلسفية حول المفهوم الفطري ركزت على المفاهيم الفطرية الأصولية لفودور، فمن المهم الإشارة إلى وجود مناهج أخرى أقل أصولية عن منشأ المفاهيم وأن تلك المناهج الأخرى تتبنى قدرًا لا بأس به من التعلم – حيث تتمسك بأن الكثير من هذا التعلم يتشكل بواسطة أنظمة اكتساب فطرية ذات أغراض خاصة (على سبيل المثال: Gallistel 1990, Keil 1989, Spelke Newport 1998, Baillargeon 2008, Carey 2009, Margolis & Laurence 2013, Tooby & Cosmides 2016).

كما أن هناك قضية أخرى محل خلاف تتعلق بالمفاهيم الفطرية وهي ما إذا كانت فكرة الفطرية ذاتها منطقية. وتتمحور النقطة المشتركة بين المشككين في الفكرة حول ملاحظة أن جميع السمات تعتمد على التفاعلات بين الجينات والبيئة، وأنه لا يوجد طريقة لفك التشابك بشكل كامل بين الاثنين (Elman et al. 1996, Griffiths 2002 ; وانظر أيضًا  Clark 1998 and Marcus 2004 ; وانظر لمدخل  distinction between innate and acquired characteristics). ومع ذلك، هناك اختلافات واضحة بين نماذج العقل ذات النزعة التجريبية في التعلم ونماذج العقل ذات النزعة الفطرية في التعلم، وقد يُعتقد أن فكرة الفطرية تكتسب فائدتها من خلال تميز هذه الاختلافات (Margolis & Laurence 2013). وللنقاشات حول المقترحات المختلفة لماهية الفطرية انظر (Ariew (1999), Cowie (1999), Samuels (2002), Mallon & Weinberg (2006), Mameli (2008) and Khalidi (2015)).

  1. المفاهيم واللغة الطبيعية

ونتحول الآن إلى قضية كيف ترتبط المفاهيم والأفكار باللغة.

 

  1. 1 هل يمكن أن يوجد مفهوم بدون لغة؟

يؤكد بعض الفلاسفة أن امتلاك اللغة الطبيعية هو أمر ضروري لامتلاك أي مفهوم (Brandom 1994, Davidson 1975, Dummett 1993) وأن الترابط الشديد بين الأمرين يمكن بناؤه على أسس استدلالية. وفي فقرة مشهورة، يلخص دونالد ديفيدسون Donald Davidson  موقفه على النحو التالي:

إن فكرتنا حول الاعتقاد مستمدة فقط من دور الاعتقاد في تفسير اللغة، ونظرًا لأنه اتجاه خاص، فلا يمكن فهمه إلا بوصفه تعديلًا للمعايير العامة التي توفرها اللغة. ويترتب على ذلك أن أي مخلوق يجب أن يكون عضوًا في مجتمع متكلم إذا أراد أن يمتلك مفهوم الاعتقاد. ونظرًا لاعتماد اتجاهات أخرى على الاعتقاد، فيمكن القول بشكل أعم أن المخلوق الذي يستطيع تفسير الكلام هو وحده من يستطيع أن يملك مفهوم الفكر.

هل يمكن للمخلوق أن يملك اعتقادًا دون أن يكون لديه مفهوم عن الاعتقاد؟ يبدو لي أن هذا غير ممكن نظرًا لهذا السبب تحديدًا، إذ لا يمكن لأي شخص أن يملك اعتقادًا مالم يفهم احتمالية أن يكون مخطئًا، وهذا يتطلب استيعاب التناقض بين الحقيقة والخطأ – الاعتقاد الصحيح والاعتقاد الخاطئ. لكن هذا التناقض الذي حاججت به لا يمكن أن يظهر إلا في سياق التفسير، الذي يدفعنا وحده إلى فكرة الحقيقة العامة الموضوعية (Davidson 1975, p. 170).

وتربط هذه الحجة بين امتلاك الاعتقادات والمفاهيم وامتلاك مفهوم الاعتقاد. ونظرًا لأن ديفيدسون يرى أن المخلوقات غير اللغوية لا تستطيع أن تمتلك مفهوم الاعتقاد، فلا يمكنهم كذلك امتلاك مفاهيم أخرى، إلا أن هناك بعض الغموض في كتابات ديفيدسون حول سبب الحاجة إلى مفهوم الاعتقاد من أجل امتلاك المفاهيم الأخرى (Carruthers 1992)، وليس من الواضح ما إذا كانت اللغة ضرورية لهذا المفهوم تحديدًا أم بشكل عام. في الواقع، هناك برنامج بحثي مستمر في العلوم الإدراكية يعالج هذه القضية بالذات، حيث أعطى الباحثون مجموعة متنوعة من المهام غير اللغوية للحيوانات والرضع لتحديد مدى قدرتهم على عزو الحالات العقلية إلى الآخرين (انظر Andrews & Beck 2018  للدراسات حول الحيوانات، وBaillargeon et al. 2015 للدراسات حول الرضع). وتقدم هذه الدراسات وغيرها من الدراسات ذات الصلة أدلة قوية على أن بعض الجوانب على الأقل من نظرية العقل ليست لغوية.

يقدم ديفيدسون زوجًا من الحجج التكميلية التي توضح سبب تردده في ترك القضية لعلماء الإدراك، إذ يعطي مثالًا لانخراط أحد الرجال في مهمة غير لغوية حيث يشير الرجل إلى إجابته عبر الاختيار، كأن يختار التفاح بدل الكمثرى. ويعلق ديفيدسون بأنه إلى أن يفصح الرجل فعليًا عما يدور في عقله، سيكون هناك دائمًا سؤال حول التصور الموجه لاختياره. “قد تجعل الاختبارات المتكررة بعض قراءات أفعاله عقلانية أكثر من الأخرى، ولكن المشكلة ستظل متمثلة في كيفية تحديد متى يحكم أن شيئين من اختياره متطابقين” (1975, p. 163). وتشير الحجة الثانية إلى صعوبة تحديد مواصفات ما يفكر فيه الكائن غير اللغوي. “نقول أن الكلب يعلم أن سيده في المنزل، ولكن هل يعلم أن سميث (الذي هو سيده) في المنزل؟ ليس لدينا أي فكرة حقيقية عن كيفية تسوية هذه التساؤلات أو فهمها”(1975, p. 163). وليس من الواضح مدى جدية ديفيدسون نفسه في التعامل مع هاتين الحجتين، فالكثير من الفلاسفة غير مقتنعين بهما، ونلاحظ أن كلا الحجتين تعتمدان على ادعاء نقص الإثبات – مثل أن تفسير فعل الرجل ينقصه الإثبات عبر الأدلة غير اللغوية. ولكن الأمر نفسه يظل صحيحًا حتى لو أضفنا ما يقوله الرجل (أو لنكون أكثر دقة، إذا أضفنا ما يتلفظ به الرجل)، فالدليل اللغوي لا يضمن تفسيرًا صحيحًا أكثر مما يفعله الدليل غير اللغوي.

ويبدو أن ديفيدسون يستخدم معيارًا عالٍ جدًا لإسناد المفاهيم للحيوانات، حيث يطلب إثباتًا على صحة اسناداتنا. في المقابل، فإن أغلب الفلاسفة الذين يسعدون بإسناد المفاهيم للحيوانات يفعلون ذلك بسبب ثروة البيانات التي يمكن شرحها بشكل أفضل من خلال اللجوء إلى نظام داخلي للتمثيل (مثل: Bermudez 2003, Carruthers 2006, Camp 2009 ;  ولنظرة عامة داخل العلوم الإدراكية انظر : Gallistel 1990, Bekoff, Allen, & Burghardt 2002, and Shettleworth 2010). على سبيل المثال، تخبئ العديد من أنواع الطيور الطعام لتسترجعه لاحقًا، كما أن بقاءهم على قيد الحياة يعتمد على قدرتهم على استرجاعه بنجاح، ففي بعض الحالات، يصل عدد المخابئ في الموسم الواحد لأكثر من 10,000 مخبأ. وقد أظهرت دراسة الباحثين لنوع واحد من الطيور المخزِنة للطعام أنها لا تمثل مواقع الطعام فقط، ولكنها تدمج هذه المعلومات مع معلومات عن نوع الطعام، وقابليته للتلف، وما إن كانت تلك المخابئ قد اكتشفتها طيور أخرى أم لا. وتأتي الأدلة هنا من توضيحات الاسترجاع الانتقائي وإعادة التخزين لعناصر الطعام في ظل دراسة تجريبية، فسوف تسترجع الطيور الطعام القابل للتلف أولًا. وعندما تصبح الأطعمة عالية القيمة أكثر قابلية للتلف، فإن الطيور تغير استراتيجياتها لاستعادة نسبة أعلى من الأطعمة ذات القابلية الأقل للتلف. كما أن الطيور التي سرقت طعامها من طيور أخرى سوف تعيد تخزين الأطعمة انتقائيًا عند اكتشاف مكان تخزينها (انظر Clayton, Bussey, & Dickinson 2003, Emery, Dally, & Clayton 2004). وتقدم البيانات التجريبية لهذا النوع أدلة لمفاهيم محددة عند الطيور (نوع الطعام، والمواقع، وما إلى ذلك) إلى جانب العمليات الإدراكية المتطورة والمدهشة التي تستعمل هذه المفاهيم.

هناك جدل كبير بين الفلاسفة حول الآثار المترتبة على هذه الأنواع من الأبحاث، ومن المؤكد أن أنصار النظرية التمثيلية للعقل RTM سعداء جدًا بفكرة أن النظريات العلمية حول ما تفعله الطيور يمكن أخذها على ظاهرها. ويؤكد فلاسفة آخرون على أنه إذا كانت النظريات العلمية تقول إن الطيور تحسب خوارزمية لتحديد استراتيجية التخزين، فإن هذا يمكن أن يقرأ فقط على أنه طريقة كلام façon de parler. ومع ذلك، يوافق آخرون على أن الحيوانات لديها تمثيلات ولكنهم يدّعون أن هذه التمثيلات ذات مكانة أقل، ولا يجب الخلط بينها وبين المفاهيم (Brandom 1994, 2000, McDowell 1994).

ويثير هذا الجدل سؤالًا مهمًا عما إذا كان هناك اختلاف مدفوع ومبدئي بين المفاهيم عند البشر ومجرد التمثيلات عند الحيوانات (Laurence & Margolis 2012). ويستشهد الفلاسفة الذين يؤكدون على وجود مثل هذه الاختلافات بدور المفاهيم في التفكير المنطقي. على سبيل المثال، يدعي روبرت براندوم Robert Brandom أن التمثيلات في الحيوانات ليست سوى مجرد آليات موثوقة للتمييز. ويفترض أن هذه التمثيلات تشبه مقياس الحرارة [الترمومتر]، حيث أنها تستجيب لخصائص بيئية محددة دون الدخول في عمليات استنتاجية مناسبة. ومع ذلك، ليس من الواضح ما الذي يُعد عملية استنتاجية مناسبة، ومن المؤكد أن هناك مجال لمختلف الآراء حول هذه النقطة. علاوةً على ذلك، ومهما كان المنطق، فإن علم النفس المقارن يزخر بأمثلة ترى أن الحيوانات قادرة على أكثر من مجرد الاكتشاف الموثوق. قد لا تكون الحيوانات ذكية كالبشر، ولكن هذا لا يعني أنها غبية مثل مقياس الحرارة (انظر Hurley & Nudds 2006  و Carruthers 2006 حول التفكير في الحيوانات).

 

  1. 2 الأولوية بين اللغة والمفاهيم

حتى لو اتفق الجميع على إمكانية امتلاك المفاهيم بغياب اللغة، فإن هناك جدل دائرٌ حول العلاقة بينهما. يؤكد البعض أن المفاهيم هي الأسبق وأنها مستقلة عن اللغة الطبيعية، وأن اللغة الطبيعية هي مجرد وسيلة لنقل الفكر (Fodor 1975, Pinker 1994). ويركد آخرون على أن بعض أنواع التفكير على الأقل (وبالتالي بعض المفاهيم) تحدث في النظام الداخلي للتمثيلات الذي يشكل كفاءتنا اللغوية الطبيعية (Carruthers 1996, 2002, Spelke 2003)، أو أن اللغة الطبيعية تعزز مفاهيمنا بطرق مهمة (Lupyan 2012).

وتتضمن الحجج الداعية لاختيار أحد هذين الموقفين مزيجًا من الاعتبارات النظرية والتجريبية. ويدعي أنصار الرؤية الأولى أن اللغة غامضة بطرق كان من المفترض ألا تكون كذلك. على سبيل المثال، إن جملة “الجميع يحب شخصًا ما” في اللغة الطبيعية قد تفسر على أنها تعني أن كل فرد لديه شخص يحبه، أو تعني أن الجميع يحب شخصًا واحدًا (Pinker 1994). كما يجادل أنصار الرؤية الأولى أنه نظرًا لأن اللغة ذاتها يجب أن تكتسب، فإن التفكير سابقٌ للغة (Fodor 1975; Pinker 1994). ويكمن الاعتبار الثالث والمشابهة في أن الناس يبدون قدرة على صياغة مفاهيم مبتكرة تُعطى لاحقًا مسميات لغوية؛ أي أن المفهوم يأتي أولًا، والتسمية اللغوية ثانيًا (Pinker 1994).

ويشير أنصار الرؤية البديلة – أن بعض التفكير يحدث في اللغة – إلى ظواهر الفكر، إذ يبدو جليًا أننا نفكر في اللغة عندما “نسمع” حديثنا الداخلي مع أنفسنا (Carruthers 1996 ; وانظر ايضًا  Langland-Hassan & Vicente 2018 عن طبيعة وأهمية الحوار الداخلي). كما أن هناك نوع آخر من الاعتبارات التي يشير إليها مؤيدو هذه الرؤية ويكمن في اكتشاف أن النجاح في مهام محددة (مثل إعادة التوجيه المكاني الذي يعتمد على الجمع بين معلومات المعالم والمعلومات الهندسية) يضعف بشكل انتقائي عند اشتراك النظام اللغوي وليس عند إعطاء اهتمام مماثل للمشتتات غير اللغوية. ويشير الاقتراح إلى أن حل هذه المهام يتطلب التفكير بلغة المرء الطبيعية وأن بعض المفاهيم الحاسمة يجب أن تصاغ لغويًا (Hermer-Vazquez, Spelke, & Katsnelson 2001; Shusterman & Spelke 2005; Carruthers 2002 ; وانظر أيضًا Gleitman & Papafragou 2012 لنظرة نقدية عامة لمجموعة من المهام حيث يُعتقد أن المعالجة المباشرة تعتمد على التمثيل اللغوي).

 

  1. 3 الحتمية اللغوية والنسبية اللغوية

أخيرًا، توجد قضية أخرى تستحق الذكر وهي حالة الادعاءات المختلفة بشأن الحتمية اللغوية والنسبية اللغوية. الحتمية اللغوية Linguistic determinism هي المذهب القائل بأن اللغة التي يتحدث بها الشخص تجعله يتصور العالم بطرق محددة وتحد من تفكيره بواسطة فرض حدود على نظامه المفاهيمي؛ ونتيجة لذلك، من المرجح أن من يتحدثون لغات مختلفة سوف يتصورون العالم بطرق مختلفة جدًا. أما النسبية اللغوية Linguistic relativity فهي مذهب أضعف يشير إلى أن لغة المتحدث تؤثر في طريقة تفكيره.

وترتبط الحتمية اللغوية تاريخيًا بكتابات بنيامين لي وورف Benjamin Lee Whorf (Whorf 1956)، حيث كان وورف مهتمًا بلغات السكان الأصليين لأمريكا على وجه الخصوص. وقد اشتهر جداله بأن الهوبي [إحدى قبائل سكان أمريكا الأصليين] يتحدثون ويفكرون حول الزمن بطرق لا تتفق مع اللغات والأفكار الأوروبية. وعوضًا عن النظر إلى الوقت على أنه سلسة مستمرة تتدفق بالتساوي عبر الكون وأنه يمكن تقسيمه إلى أحداث قابلة للعد تحدث في الماضي والحاضر والمستقبل، يفترض أن الهوبي يركزون على التغير كعملية. كما يُفترض أن نظامهم المفاهيمي يختلف عن نظامنا من حيث أنه يجسد التمايز بين الأشياء الموجودة أو التي يمكن إدراكها مقابل الأشياء غير الموجودة، حيث تتضمن الفئة الأخيرة أشياء في المستقبل بالإضافة إلى التركيبات الأسطورية والعقلية.

إلا أن الادعاء بأن الهوبي يفتقرون إلى مفهومنا حول الزمن لم يصمد أمام التدقيق، فقد استخدم رووف ترجمات خرقاء لخطابات الهوبي أخفت مدى حديثهم عن الزمن (إشارات إلى الأمس، والغد، وأيام الأسبوع، والمراحل القمرية، ..إلخ). لكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن وورف لم يقدم دليلًا مباشرًا عن كيفية تفكير الهوبي. وبدلًا من ذلك، استخدم المنطق الدائري المتمثل في أنهم لا يفكرون بالزمن كما نفكر بسبب أنهم لا يتحدثون عن الزمن كما نتحدث. في الواقع، استعمل الهوبي العديد من الأدوات المألوفة لضبط الوقت، مثل سلاسل التقويم والمزاول [الساعات الشمسية]، وتتضح حساسيتهم للوقت في مجموعة متنوعة من الممارسات الثقافية (Pinker 1994).

إن الحتمية اللغوية ليست مذهبًا واعدًا بشكل خاص ولديها القليل من الاتباع هذه الأيام، ولكن اللغوية النسبية هي موضوع نقاش حيوي (انظر Gumperz & Levinson 1996, Bowerman & Levinson 2001, and Gentner & Goldin-Meadow 2003). وتتضمن بعض الأمثلة الأخيرة ذات الأهمية الخاصة ما إذا كانت اللغة تؤثر في كيفية تصورنا للأطر المرجعية المكانية (في التفكير المكاني غير اللغوي) (مثل: Li & Gleitman 2002, Levinson et al. 2002, Levinson 2003, Li et al. 2011)، والعلاقات المكانية (في التفكير غير اللغوي) (مثل: Choi & Bowerman 1991, Hespos & Spelke 2004)، والجنس (تأثير القواعد اللغوية للجنس) (مثل: Boroditsky, Schmidt, & Phillips 2003)، والأرقام (مثل: Gordon 2004, Pica et al. 2004, Laurence & Margolis 2007).

 

  1. المفاهيم والتحليل المفاهيمي

تركز بعض أعمق الانقسامات في الفلسفة المعاصرة على حدود السؤال التجريبي، وحالة التحليل المفاهيمي، وطبيعة الفلسفة ذاتها (انظر مثلًا: Chalmers 1996, Jackson 1998, DePaul & Ramsey 1998, Block & Stalnaker 1999, Williamson 2007, Stich 2012, Machery 2017, Strevens 2018)، كما أن المفاهيم في قلب هذا الجدل. ويرى الكثيرون أن الفلسفة هي بالأساس التحليل الاستدلالي للمفهوم، الذي يمكن، بل يجب، إجراؤه بدون ترك الأمثلة المبنية على الاستبطان الشخصي. لقد رأينا بالفعل في الحالة النموذجية أن التحليل يجسد تعريفًا؛ إنه يحدد مجموعة من الشروط التي تكون ضرورية بشكل انفرادي وكافية بشكل مشترك لتطبيق المفهوم. وبالنسبة لأنصار التحليل المفاهيمي التقليدي، يكون تحليل المفهوم ناجحًا بقدر تطابق التعريف المقترح مع حدس الأشخاص حول الحالات المحددة، بما في ذلك الحالات الافتراضية التي تظهر في تجارب التفكير الحاسمة.

 

  1. 1 جاذبية التحليل المفاهيمي

لقد كان التحليل المفاهيمي جذابًا للفلاسفة لأكثر من سبب، أحدها أنه يصبغ قدرًا كبيرًا من الممارسات الفلسفية بالمنطق- وهو ما يدعوه جورج بيلر George Bealer (1998) الإجراء التبريري المعياري the standard justificatory procedure. وتُعد تجارب الفكر واستنباط الحدس من خصائص الممارسات الفلسفية، وإذا كانت هذه الممارسة مبررة، فيجب استيعاب ماهية الفلسفة التي تفسر السبب. يُفترض أن يقدم التحليل المفاهيمي ما هو مطلوب هنا فقط، ويمكن القول أن الأفكار المبنية على الحدس ذو قيمة في الفلسفة على وجه التحديد لأنها تساعدنا على استيضاح مفاهيمنا، خاصة المفاهيم الجوهرية في الاهتمام الفلسفي (العدالة، المعرفة، …إلخ).

ومن عوامل الجذب ذات الصلة أن التحليل المفاهيمي يفسر كيف يمكن للفلسفة أن تكون تخصصًا استدلاليًا، كما يفترض الكثيرون. إذا كانت الفلسفة تتمحور بالأساس حول المفاهيم، ويمكن التحقق من المفاهيم من خلال الاستبطان الشخصي، عندئذٍ ستحوز الفلسفة قطعًا على صفة الاستدلالية (Jackson 1998).

ويتمثل العامل الثالث من عوامل الجذب في أن التحليل المفاهيمي يُنظر إليه على أنه مقدمة ضرورية للإجابة عن الأسئلة حول الاختزال الوجودي، وهو نوع الاختزال الذي يحدث عندما يقال أن الجينات هي أجزاء من الحمض النووي، وأن الأحاسيس هي حالات دماغية، و هلم جرا (Chalmers 1996, Jackson 1998). ووفقًا لإحدى طرق بلورة هذه الرؤية، يجب على المرء أن يبدأ بتحليل استدلالي لمفهوم المستوى الأعلى، لاسيما التحليل الذي يوضح العلاقات السببية، ومن ثم يمكن للمرء أن يلجأ إلى النتائج التجريبية بشأن الأشياء التي لديها تلك العلاقات. على سبيل المثال، قد يكشف علم الأعصاب أن حالة معينة للدماغ لها علاقات سببية ويكشف التحليل أنها مكونة لمفهومنا عن الألم. وفي سياق القيام بذلك، يفترض أن يعرض علينا علم الأعصاب ماهية الألم (Lewis 1966, Armstrong 1968)، ولكن علم الأعصاب في موقف يسمح له فقط بالقيام بذلك على خلفية العمل الفلسفي الذي يدخل في صياغة المفهوم (لمعالجات تفصيلية لهذه الرؤية الاختزالية انظر، Chalmers 1996, 2010 and Jackson 1998—  على الرغم من ذلك، يجب ملاحظة أن تشالمرز يجادل بأن الألم والمفاهيم والحالات العقلية الواعية، لا يمكن تحليلها فقط من حيث العلاقات السببية، واستنتج من ذلك أن الوعي نفسه غير قابل للاختزال). وقد أثار هذا العمل قدرًا كبيرًا من الجدل. (Block & Stalnaker 1999, Levine 2001, Laurence & Margolis 2003, Yablo 2008, Papineau 2002).

ويكمن عامل الجذب الرابع في أن التحليل المفاهيمي يوفر إرشادات معيارية (Goldman 1986). على سبيل المثال، يواجه علماء المعرفة سؤالًا حول ما إذا كانت ممارساتنا الاستنتاجية مبررة، وإن كانت كذلك، فما الذي يبررها. ومن ضمن الإجابات القياسية عن هذا السؤال أن تلك الممارسات يمكن أن تبرر إذا كانت تتوافق مع أفكارنا الحدسية حول ما نعتبره استنتاجًا مبررًا (Goldman 1986). بكلمات أخرى، يُفترض أن يكون تحليل مفهومنا عن التبرير هو كل ما يلزم لإثبات أن مجموعة قواعد الاستدلال مبررة. لذلك، إذا اتضح أن مجموعة من الأشخاص وظفت مجموعات مختلفة نوعيًا من المبادئ الاستنتاجية، فيمكن أن نؤسس مجموعة مفضلة ابستمولوجيًا من خلال إظهار أنها تعمل على نحو أفضل في التوافق مع مفهومنا عن التبرير.

 

  1. 2 الاعتراضات على التحليل المفاهيمي

كثير من الفلاسفة الذي يعارضون التحليل المفاهيمي يُعرفون نهجهم بأنه نهجٌ طبيعي naturalistic (مثل: Devitt 1996, Kornblith 2002, Papineau 2013 ;  انظر إلى مدخل naturalism). ومن بين الموضوعات المشتركة لهذا العمل أن الفلسفة يُفترض أن تواكب العلم، وأن النظريات الفلسفية يجب الدفاع عنها على أسس تفسيرية واسعة، وليس على أساس الحجج الاستدلالية التي تلجأ إلى الحدس. وبناءً على ذلك، توفر الصعوبات المتصورة في التحليل المفاهيمي حججًا للمذهب الطبيعي naturalism.

وتتمحور إحدى هذه الحجج حول إخفاقات النظرية الكلاسيكية بشأن المفاهيم، وقد لاحظنا سابقًا في القسم الثاني 2 أن التحليلات المفاهيمية النموذجية تتطلب أن يكون للمفاهيم بنية كلاسيكية، وهو افتراض تتزايد صعوبة الحفاظ عليه. ولهذا السبب، فقد عبّر عدد من الفلاسفة عن شكوكهم حول جدوى التحليل المفاهيمي كأسلوب فلسفي (مثل: Ramsey 1998, Stich 1992). ومع ذلك، شكك آخرون في العلاقة بين التحليل المفاهيمي والتعريفات (Chalmers & Jackson 2001).

وهناك اعتراض آخر على التحليل المفاهيمي يتمثل في أن الأفكار الحدسية التي يعتمد عليها الفلاسفة بشكل روتيني لا يمكن مشاركتها، وأي شخص يُدَرّس الفلسفة يعلم علم اليقين أن الطلبة تراودهم “أفكار حدسية خاطئة” معظم الوقت. ولكن من نحن لنقول أنهم مخطئون؟ ونظرًا لأن الناس يختلفون حول أفكارهم الحدسية، فمن الصعب للغاية التعامل معها على أنها بيانات موضوعية (Cummins 1998).

وإذا ما تفرعنا إلى ثقافات أخرى، تصبح الأمور أكثر إثارة. ففي دراسة أولية لمقارنة الأفكار الحدسية بين شرق آسيا والغرب، وجد كل من جوناثان واينبرغ Jonathan Weinberg ، شاون نيكولز Shaun Nichols، وستيفن ستيتش Stephen Stich (2001) أن فلاسفة شرق آسيا لديهم غالبًا “الأفكار الحدسية الخاطئة” فيما يتعلق بالاختلافات في تجارب الفكر الفلسفي الكلاسيكي، بما في ذلك تجارب الفكر من نوع غيتييه Gettier-type [نسبة إلى الفيلسوف الأمريكي إدموند غيتييه](انظر Machery et al 2017 للأدلة على أن بعض هذه الأفكار الحدسية قد تكون في الواقع عالمية). وعلى أقل تقدير، يشير هذا العمل إلى وجوب حذر الفلاسفة من تحول أفكارهم الحدسية إلى ادعاءات حول التحليل السليم للمفهوم.

علاوةً على ذلك، تثير إمكانية التنوع الثقافي سؤالًا مُشكلًا للفلاسفة الذي يريدون وضع ادعاءات معيارية على أساس تحليلات المفاهيم، مثل مفهوم التبرير. لنفترض، على سبيل المثال، أن ثقافة شرق آسيا تعرض مفهومًا مختلفًا للتبرير عن ذاك الذي يجسده الفكر المنطقي الغربي (على افتراض أن هناك مفهومًا واحد للتبرير في كل ثقافة). بالإضافة إلى ذلك، لنفترض أن فلاسفة شرق آسيا يستخدمون ممارسات استنتاجية مختلفة عنا وأن ممارسات كل طرف تتطابق جيدًا مع مفهومه عن التبرير. إذن، على أي أساس سنقارن هذه الممارسات المختلفة ونقيمها؟ هل من المنطقي أن نقول أن ممارساتنا تتفوق على ممارساتهم بحجة أنها تتطابق بشكل أفضل مع مفهومنا عن التبرير؟ ألن يكون هذا مجرد شكل من أشكال التحيز المعرفي؟ وبعد كل هذا، وبالنظر إلى كلا المفهومين عن التبرير، سيظل السؤال المطروح هو ما هي الممارسات التي يجب استخدامها لإجراء تقييمات معرفية معيارية (Stich 1990 ; لنقاشات أوسع انظر: Williamson 2005, Sosa 2009, Stich 2009, Weinberg, Nichols, & Stich 2001, Weinberg et al. 2010).

وقد ولّد النقد الموجه للتحليل الفلسفي التقليدي مقترحات بشأن أنواع أخرى من المشاريع المعيارية للتنقيح. وبدلًا من السؤال عن الحالات المشمولة وغير المشمولة بواسطة المفهوم، فإن تلك المشاريع تسأل عن كيفية تعديل المفهوم أو عن المفهوم الجديد الذي يجب اعتماده عوضًا عن السابق، بالنظر إلى السياق العملي الذي يُستخدم فيه المفهوم – مثل النظر إلى هدف تعزيز المساواة الاجتماعية (Haslanger 2012, Cappelen 2018).

وهناك الكثير من الأمور التي أصبحت على المحك في الجدل الدائر بين أنصار التحليل المفاهيمي والمذهب الطبيعي، ومن المحتمل أن يكون هذا الجدل موضوعًا مركزيًا في نظرية المفاهيم في المستقبل المنظور.


المراجع

  • Adams, F. & Campbell, K. (1999). Modality and Abstract Concepts. Behavioral and Brain Sciences, 22: 610.
  • Andrews, K. & Beck, J. (2017). The Routledge Handbook of Philosophy of Animal Minds, London: Routledge.
  • Ariew, A. (1999). Innateness is Canalization: In Defense of a Developmental Account of Innateness, in V. Hardcastle (ed.), Where Biology Meets Psychology: Philosophical Essays, pp. 117–38. Cambridge, MA: MIT Press.
  • Armstrong, D. (1968). A Materialist Theory of Mind, London: Routledge.
  • Atran, S. & Medin, D. (2008). The Native Mind and the Cultural Construction of Nature, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Ayer, A.J. (1959). Logical Positivism, New York: The Free Press.
  • Baker, M. (2001). The Atoms of Language: The Mind’s Hidden Rules of Grammar, New York: Basic Books.
  • Baillargeon, R. (2008). Innate Ideas Revisited: For a Principle of Persistence in Infants’ Physical Reasoning. Perspectives on Psychological Science, 3 (1): 2–13.
  • Baillargeon, R., Scott, R.M., He, Z., Sloane, S., Setoh, P., Jin, K.-S., Wu, D., & Bian, L. (2015). Psychological and Sociomoral Reasoning in Infancy, in M.Mikulincer & P.R. Shaver (eds.), APA Handbook of Personality and Social Psychology: Volume 1. Attitudes and Social Cognition, Washington, DC: American Psychological Association, pp. 79–150.
  • Barsalou, L. (1999). Perceptual Symbol Systems. Behavioral and Brain Sciences, 22: 577–609.
  • Barsalou, L., Simmons, W., Barbey, A., & Wilson, C. (2003). Grounding Conceptual Knowledge in Modality-Specific Systems. Trends in Cognitive Science, 7 (2): 84–89.
  • Bealer, G. (1998). Intuition and the Autonomy of Philosophy, in M. DePaul & W. Ramsey (eds.) Rethinking Intuition: The Psychology of Intuition and Its Role in Philosophical Inquiry, Lanham, MD: Rowman & Littlefield, pp. 201–239.
  • Bekoff, M., Allen, C., & Burghardt, G. (2002). The Cognitive Animal: Empirical and Theoretical Perspectives on Animal Cognition, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Bennett, M. & Hacker, P. (2008). History of Cognitive Neuroscience, Oxford: Wiley-Blackwell.
  • Bermudez, J. (2003). Thinking Without Words, Oxford: Oxford University Press.
  • Block, N. & Stalnaker, R. (1999). Conceptual Analysis and the Explanatory Gap, Philosophical Review, 108 (1): 1–46.
  • Blok, S., Newman, G. & Rips, L.J. (2005). Individuals and Their Concepts, in W.-K. Ahn, R.L. Goldstone, B.C. Love, A.B. Markman, & P. Wolff (eds.), Categorization Inside and Outside the Laboratory: Essays in Honor of Douglas L. Medin, Washington, DC: American Psychological Association, pp. 127–149.
  • Boroditsky, L., Schmidt, L., & Phillips, W. (2003). Sex, Syntax, and Semantics, in D. Gentner & S. Goldin-Meadow (eds.) Language in Mind, Cambridge, MA: MIT Press, pp. 61–79.
  • Bowerman, M. & Levinson, S. (2001). Language Acquisition and Conceptual Development, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Brandom, R. (1994). Making It Explicit: Reasoning, Representing, and Discursive Commitment, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • ––– (2000). Articulating Reasons: An Introduction to Inferentialism, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Brewer, W. (1999). Perceptual Symbols: The Power and Limitations of a Theory of Dynamic Imagery and Structured Frames, Behavioral and Brain Sciences, 22: 611–12.
  • Camp, E. (2009). A Language of Baboon Thought?, in R.W. Lurz (ed.) The Philosophy of Animal Minds, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 108–127.
  • Cappelen, H. (2018). Fixing Language: An Essay on Conceptual Engineering, Oxford: Oxford University Press.
  • Carey, S. (1985). Conceptual Change in Childhood, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (2009). The Origin of Concepts, Oxford: Oxford University Press.
  • Carruthers, P. (1992). The Animals Issue: Moral Theory in Practice, Cambridge: Cambridge University Press.
  • ––– (1996). Language, Thought, and Consciousness, Cambridge: Cambridge University Press.
  • ––– (2002). The Cognitive Functions of Language, Behavioral and Brain Sciences, 25: 657–74.
  • ––– (2006). The Architecture of the Mind: Massive Modularity and the Flexibility of Thought, New York: Oxford University Press.
  • Carruthers, P., Laurence, S., & Stich, S. (2005). The Innate Mind: Structure and Contents, Oxford: Oxford University Press.
  • ––– (2006). The Innate Mind: Culture and Cognition, Oxford: Oxford University Press.
  • ––– (2007). The Innate Mind: Foundations and the Future, Oxford: Oxford University Press.
  • Chalmers, D. (1996). The Conscious Mind: In Search of a Fundamental Theory, Oxford: Oxford University Press.
  • ––– (2010). The Character of Consciousness, Oxford: Oxford University Press.
  • Chalmers, D. & Jackson, F. (2001). Conceptual Analysis and Reductive Explanation, Philosophical Review, 110: 315–61.
  • Choi, S. & Bowerman, M. (1991). Learning to Express Motion Events in English and Korean: The Influence of Language-Specific Lexicalization Patterns, Cognition, 41: 83–121.
  • Chomsky, N. (1967). Recent Contributions to the Theory of Innate Ideas, Synthese, 17: 2–11. Reprinted in S. Stich (ed.) Innate Ideas, Berkeley: University of California Press, pp. 121–31.
  • ––– (1975). Reflections on Language, New York: Pantheon.
  • ––– (1980). Rules and Represenations, New York: Columbia University Press
  • ––– (1988). Language and the Problems of Knowledge: The Managua Lectures, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Churchland, P. (1981). Eliminative Materialism and Propositional Attitudes, Journal of Philosophy, 78 (2): 67–90.
  • Clark, A. (1993). Associative Engines: Connectionism, Concepts, and Representational Change, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (1998). Twisted Tales: Causal Complexity and Cognitive Scientific Explanation, Minds and Machines, 8: 76–99.
  • Clayton, N., Bussey, T., & Dickinson, A. (2003). Can Animals Recall the Past and Plan for the Future? Nature Reviews: Neuroscience, 4: 685–91
  • Cowie, F. (1999). What’s Within: Nativism Reconsidered, Oxford: Oxford University Press.
  • Crain, S. & Pietroski, P. (2001). Nature, Nurture, and Universal Grammar, Linguistics and Philosophy, 24: 139–186.
  • Crane, T. (2015). The Mechanical Mind, Third Edition, London: Routledge.
  • Cummins, R. (1998). Reflection on Reflective Equilibrium, in M. DePaul & W. Ramsey (eds.), Rethinking Intuition: The Psychology of Intuition and Its Role in Philosophical Inquiry, Lanham, MD: Rowman & Littlefield, pp. 113–27.
  • Davidson, D. (1975). Thought and Talk. In his Inquiries into Truth and Interpretation, Oxford: Oxford University Press.
  • Del Pinal, G. (2016). Prototypes as Compositional Components of Concepts, Synthese, 193 (9): 2899–2927.
  • Dennett, D. (1977). A Cure for the Common Code. Reprinted in D. Dennett (1978) Brainstorms, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (1978). Brainstorms: Philosophical Essays on Mind and Psychology, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (1987). The Intentional Stance, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (1991). Consciousness Explained, Boston: Little, Brown and Company.
  • DePaul, M. & Ramsey, W. (1998). Rethinking Intuition: The Psychology of Intuition and Its Role in Philosophical Inquiry, Lanham, MD: Rowman & Littlefield.
  • Devitt, M. (1981). Designation, New York: Columbia University Press.
  • ––– (1996). Coming to Our Senses: A Naturalistic Program for Semantic Localism, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Dove, G. (2009). Beyond Perceptual Symbols: A Call for Representational Pluralism, Cognition, 110: 412–431.
  • Dummett, M. (1993). Seas of Language, Oxford: Oxford University Press.
  • Elman, J., Bates, E., Johnson, M., Karmiloff-Smith, A., Parisi, D., and Plunkett, K. (1996). Rethinking Innateness: A Connectionist Perspective on Development, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Emery, N., Dally, J., & Clayton, N. (2004). Western Scrub-Jays (Aphelocoma Californica) Use Cognitive Strategies to Protect Their Caches from Thieving Conspecifics, Animal Cognition, 7: 37–43.
  • Fodor, J. (1968). The Appeal to Tacit Knowledge, Journal of Philosophy, 65 (20): 627–640.
  • ––– (1975). The Language of Thought, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • ––– (1981). The Present Status of the Innateness Controversy. In his Representations: Philosophical Essays on the Foundations of Cognitive Science, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (1987). Psychosemantics: The Problem of Meaning in the Philosophy of Mind, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (1998). Concepts: Where Cognitive Science Went Wrong, New York: Oxford University Press.
  • ––– (2003). Hume Variations, Oxford: Oxford University Press.
  • ––– (2008). LOT 2: The Language of Thought Revisited, New York: Oxford University Press.
  • Fodor, J. & Lepore, E. (1992). Holism: A Shopper’s Guide, Oxford: Blackwell.
  • ––– (1996). The Red Herring and the Pet Fish: Why Concepts Still Can’t Be Prototypes, Cognition, 58: 253–270.
  • Fodor, J. & Pylyshyn, Z. (1988). Connectionism and Cognitive Architecture: A Critical Analysis, Cognition, 28: 3–71.
  • Gallistel, C.R. & King, A. (2009). Memory and the Computational Brain: Why Cognitive Science Will Transform Neuroscience, Oxford: Wiley-Blackwell.
  • ––– (1990). The Organization of Learning, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Gelman, S. (2003). The Essential Child: Origins of Essentialism in Everyday Thought, Oxford: Oxford University Press.
  • Genone, E. (1963). Theories of Reference and Experimental Philosophy. Philosophy Compass, 7 (2): 152–163.
  • Gentner, D. & Goldin-Meadow, S. (2003). Language in Mind, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Gettier, E. (1963). Is Justified True Belief Knowledge? Analysis, 23: 121–123.
  • Gleitman, L. & Papafragou, A. (2012). New Perspectives on Language and Thought, in K. Holyoak & R. Morrison (eds.), Oxford Handbook of Thinking and Reasoning, Oxford: Oxford University Press, pp. 543–568.
  • Goldman, A. (1986). Epistemology and Cognition, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Gonnerman, C. & Weinberg, J. (2010). Two Uneliminated Uses for ‘Concepts’: Hybrids and Guides for Inquiry, Behavioral and Brain Sciences, 33: 211–212
  • Goodman, N. (1969). The Emporer’s New Ideas, in S. Hook (), Language and Philosophy, New York: NYU Press, pp. 138–42.
  • Gopnik, A., & Meltzoff, A. (1997). Words, Thoughts, and Theories, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Gordon, P. (2004). Numerical Cognition Without Words: Evidence from Amazonia, Science, 306: 496–499.
  • Griffiths, P. (2002). What Is Innateness? Monist, 85 (1): 70–85.
  • Gumperz, J. & Levinson, S. (1996). Rethinking Linguistic Relativity, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Hampton, J. (2006). Concepts as Prototypes, in B.H. Ross (ed.), Psychology of Learning and Motivation(Volume 46), New York: Academic Press, pp. 79–113
  • ––– (2010). Concept Talk Cannot Be Avoided, Behavioral and Brain Sciences, 33: 212–213
  • Hampton, J. & Jönsson, M. (2012). Typicality and Compositionality: The Logic of Combining Vague Concepts, in M. Werning, W. Hintzen, & E. Machery (eds.), Oxford Handbook of Compositionality.Oxford: Oxford University Press.
  • Haslanger, S. (2012). Resisting Reality: Social Construction and Social Critique, Oxford: Oxford University Press.
  • Hermer-Vazquez, L., Spelke, E., & Katsnelson, A. (2001). Sources of Flexibility in Human Cognition: Dual-Task Studies of Space and Language, Cognitive Psychology, 39: 3–36.
  • Hespos, S. & Spelke, E. (2004). Conceptual Precursors to Language, Nature, 430: 453–456.
  • Hume, D. (1739/1978). A Treatise of Human Nature, Oxford: Oxford University Press.
  • ––– (1748/1975). Enquiries Concerning Human Understanding and Concerning the Principles of Morals, Oxford: Oxford University Press.
  • Hurley, S. & Nudds, M. (2006) Rational Animals?, Oxford: Oxford University Press.
  • Jackendoff, R. (1989). What is a Concept, that a Person May Grasp It? Mind & Language, 4: 68–102.
  • Jackson, F. (1998). From Metaphysics to Ethics: A Defense of Conceptual Analysis, Oxford: Oxford University Press.
  • Johnson, S.P. (2010). Neuroconstructivism: The New Science of Cognitive Development, Oxford: Oxford University Press.
  • Keil, F. (1989). Concepts, Kinds, and Cognitive Development, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Kenny, A. (2010). Concepts, Brains, and Behaviour, Grazer Philosophische Studien, 81 (1): 105–113.
  • Khalidi, M.A. (2015). Innateness as a Natural Cognitive Kind, Philosophical Psychology, 29 (3): 319–333.
  • Kornblith, H. (2002). Knowledge and Its Place in Nature, Oxford: Oxford University Press.
  • Kripke, S. (1972/1980). Naming and Necessity, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Lalumera, E. (2010). Concepts are a Functional Kind, Behavioral and Brain Sciences, 33: 217–218
  • Landau, B. (1982). Will the Real Grandmother Please Stand Up? The Psychological Reality of Dual Meaning Representations, Journal of Psycholinguistic Research, 11 (1): 47–62.
  • Langland-Hassan, P. & Vicente, A. (2018). Inner Speech: New Voices, Oxford: Oxford University Press.
  • Laurence, S. & Margolis, E. (1997). Regress Arguments Against the Language of Thought, Analysis, 57: 60–66.
  • ––– (1999). Concepts and Cognitive Science, in E. Margolis & S. Laurence (eds.), Concepts: Core Readings, Cambridge, MA: MIT Press, pp. 3–81.
  • ––– (2001). The Poverty of the Stimulus Argument, British Journal for the Philosophy of Science, 52: 217–76.
  • ––– (2002). Radical Concept Nativism, Cognition, 86: 25–55.
  • ––– (2007). Linguistic Determinism and the Innate Basis of Number, in P. Carruthers, S. Laurence, & S. Stich (eds.), The Innate Mind: Foundations and the Future, New York: Oxford University Press, pp. 139–169.
  • ––– (2012). The Scope of the Conceptual, in E. Margolis, R. Samuels, & S. Stich (eds.), The Oxford Handbook of Philosophy of Cognitive Science, New York: Oxford University Press, pp. 291–317.
  • Levin, B. & Pinker, S. (1991). Introduction, in B. Levin & S. Pinker (eds.), Lexical and Conceptual Semantics, Oxford: Blackwell.
  • Levine, J. (2001). Purple Haze: The Puzzle of Consciousness, Oxford: Oxford University Press.
  • ––– (2010). Demonstrative Thought. Mind & Language, 25 (2): 169–195.
  • Levinson, S. (2003). Space in Language and Cognition: Explorations in Cognitive Diversity, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Levinson, S., Kita, S., Haun, D., & Rasch, B. (2002). Returning the Tables: Language Affects Spatial Reasoning, Cognition, 84: 155–188.
  • Lewis, D. (1966). An Argument for the Identity Theory, Journal of Philosophy, 63 (1): 17–25.
  • Li, P. & Gleitman, L. (2002). Turning the Tables: Language and Spatial Reasoning, Cognition, 83: 265–294.
  • Li, P., Abarbanell, L., Gleitman, L. & Papafragou, A. (2011). Spatial Reasoning in Tenejapan Mayans, Cognition, 120 (1): 33–53.
  • Locke, J. (1690/1975). An Essay Concerning Human Understanding, New York: Oxford University Press.
  • Lupyan, G. (2012). What Do Words Do? Toward a Theory of Language-Augmented Thought, in B.H. Ross (ed.), Psychology of Learning and Motivation(Volume 57), New York: Academic Press, pp. 155–297
  • Machery, E. (2007). Concept Empiricism: A Methodological Critique, Cognition, 104: 19–46.
  • ––– (2009). Doing Without Concepts, New York: Oxford University Press.
  • ––– (2010). Precis of Doing Without ConceptsBehavioral and Brain Sciences, 33: 195–244.
  • ––– (2017). Philosophy within Its Proper Bounds, Oxford: Oxford University Press.
  • Machery, E., Mallon, R., Nichols, S. & Stich, S. (2004). Semantics, Cross-Cultural Style, Cognition, 92: B1–B12.
  • Machery, E., Stich, S., Rose, D., Chatterjee, A., Karasawa, K., Struchiner, N., Sirker, S., Usui, N., & Hashimoto, T. (2017). Gettier Across Cultures. Noûs, 51 (3): 645–664.
  • Mahon, B.Z. (2015). What is Embodied about Cognition? Language, Cognition, and Neuroscience, 30 (4): 420–429.
  • Mallon, R. & Weinberg, J. (2006). Innateness as Closed Process Invariance, Philosophy of Science, 73 (3): 323–344.
  • Mameli, M. (2008). On Innateness: The Clutter Hypothesis and the Cluster Hypothesis. The Journal of Philosophy, 105 (12): 719–736.
  • Manfredi, P. (1993). Tacit Beliefs and Other Doxastic Attitudes. Philosophia, 22 (1): 95–117.
  • Marcus, G. (2001). The Algebraic Mind: Integrating Connectionism and Cognitive Science, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (2004). The Birth of the Mind: How a Tiny Number of Genes Creates the Complexities of Human Thought, New York: Basic Books.
  • Margolis, E. (1998). How to Acquire a Concept, Mind & Language, 13: 347–369.
  • Margolis, E. & Laurence, S. (1999). Concepts: Core Readings, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (2007). The Ontology of Concepts — Abstract Objects or Mental Representations? Noûs, 41 (4): 561–593.
  • ––– (2010). Concepts and Theoretical Unification, Behavioral and Brain Sciences, 33: 219–220.
  • ––– (2011). Learning Matters: The Role of Learning in Concept Acquisition, Mind & Language, 26 (5): 507–539.
  • ––– (2013). In Defense of Nativism, Philosophical Studies, 165 (2): 693–718.
  • ––– (2015). The Conceptual Mind: New Directions in the Study of Concepts, Cambridge, MA: MIT Press.
  • McClelland, J., Botvinick, M., Noelle, D., Plaut, D., Rogers, T., Seidenberg, M., & Smith, L. (2010). Letting Structure Emerge: Connectionist and Dynamic Systems Approaches to Cognition, Trends in Cognitive Sciences, 14: 348–56.
  • McDowell, J. (1994). Mind and World, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Millikan, R. (2000). On Clear and Confused Ideas, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Murphy, G. (2002). The Big Book of Concepts, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Osherson, D., & Smith, E. (1981). On the Adequacy of Prototype Theory as a Theory of Concepts, Cognition, 9: 35–58.
  • Papineau, D. (2002). Thinking About Consciousness, Oxford: Oxford University Press.
  • ––– (2013). The Poverty of Conceptual Analysis, in M. Haug (ed.),The Armchair or the Laboratory?, New York: Routledge, pp. 166–194
  • Peacocke, C. (1992). A Study of Concepts, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (2005). Rationale and Maxims in the Study of Concepts, Noûs, 39 (1): 167–78.
  • Pica, P., Lemer, C., Izard, V., & Dehaene, S. (2004). Exact and Approximate Arithmetic in an Amazonian Indigene Group, Science, 306: 499–503.
  • Pietroski, P. & Crain, S. (2012). The Language Faculty, in E. Margolis, R. Samuels, & S. Stich (eds.), The Oxford Handbook of Philosophy of Cognitive Science, New York: Oxford University Press, pp. 361–381.
  • Pinker, S. (1994). The Language Instinct: The New Science of Language and Mind.London: Penguin.
  • ––– (2007). The Stuff of Thought: Language as a Window into Human Nature.London: Penguin.
  • Prinz, J. (2002). Furnishing the Mind: Concepts and Their Perceptual Basis, Cambridge, MA.: MIT Press.
  • Putnam, H. (1967). The ‘Innateness Hypothesis’ and Explanatory Models in Linguistics, Synthese, 17: 12–22; reprinted in H. Putnam, Philosophical Papers(Volume 2: Mind, Language and Reality), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 107–116.
  • ––– (1975). The Meaning of ‘Meaning’, in H. Putnam, Philosophical Papers(Volume 2: Mind, Language and Reality), pp. 215–271, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Quine, W.V.O. (1960). Word and Object, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Ramsey, W. (1998). Prototypes and Conceptual Analysis, in M. DePaul & W. Ramsey (eds.), Rethinking Intuition: The Psychology of Intuition and Its Role in Philosophical Inquiry, Lanham, MD: Rowman & Littlefield, pp. 161–77.
  • Robbins, P. (2002). How to Blunt the Sword of Compositionality, Noûs, 36 (2): 313–34.
  • Roberts, I. (2017). The Oxford Handbook of Universal Grammar, Oxford University Press.
  • Rosch, E. (1978). Principles of Categorization, in E. Rosch & B. Lloyd (eds.), Cognition and Categorization, Hillsdale, NJ: Lawrence Erlbaum Associates, pp. 27–48.
  • Rosch, E., & Mervis, C. (1975). Family Resemblances: Studies in the Internal Structure of Categories, Cognitive Psychology, 7: 573–605.
  • Sampson, G. (2005). The “Language Instinct” Debate, revised edition, London: Continuum.
  • Samuels, R. (2002). Nativism in Cognitive Science, Mind & Language, 17 (3): 233–65.
  • Samuels, R. & Ferreira, M. (2010). Why Don’tConcepts Constitute a Natural Kind, Behavioral and Brain Sciences, 33: 222–223.
  • Shapiro, L. (2004). The Mind Incarnate, Oxford: Oxford University Press.
  • Shettleworth, S. (2010). Cognition, Evolution, and Behavior, 2nd edition, New York: Oxford University Press.
  • Shusterman, A. & Spelke, E. (2005). Language and the Development of Spatial Reasoning, in P. Carruthers, S. Laurence, & S. Stich (eds.), The Innate Mind: Structure and Contents, New York: Oxford University Press, pp. 89–106.
  • Smith, E., & Medin, D. (1981). Categories and Concepts, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Sosa, E. (2009). A Defense of the Use of Intuitions in Philosophy, in D. Murphy & M. Bishop (eds.), Stich and His Critics, Oxford: Wiley-Blackwell.
  • Spelke, E.S. (2003). What Makes Us Smart? Core Knowledge and Natural Language, in D. Gentner & S. Goldin-Meadow (eds.), Language in Mind, Cambridge, MA: MIT Press, pp 277–311.
  • Spelke, E.S. & Kinzler, K.D. (1992). Core Knowledge Developmental Science, 10 (1): 89–96.
  • Spelke, E.S. & Newport, E. (1998). Nativism, Empiricism, and the Development of Knowledge, in W. Damon (series ed.) and R.M. Lerner (volume ed.), Handbook of Child Psychology(Volume 1: Theoretical Models of Human Development), fifth edition, New York: Wiley, pp. 275–340.
  • Spelke, E.S. & Tsivkin, S. (2001). Initial Knowledge and Conceptual Change: Space and Number, in M. Bowerman & S. Levinson (eds.), Language Acquisition and Conceptual Development, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Stich, S. (1990). The Fragmentation of Reason, Cambridge, MA: MIT Press.
  • ––– (1992). What Is a Theory of Mental Representation? Mind, 101 (402): 243–61.
  • ––– (2009). Reply to Sosa. In D. Murphy & M. Bishop (eds.). Stich and His Critics, Oxford: Wiley-Blackwell.
  • ––– (2012). Collected Papers(Volume 2: Knowledge, Rationality, and Morality, 1978–2010), Oxford: Oxford University Press.
  • Strevens, M. (2018). Thinking Off Your Feet: How Empirical Psychology Vindicates Armchair Psychology, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Strohminger, N. & Moore, B. (2010). Banishing the Thought, Behavioral and Brain Sciences, 33: 225–226
  • Tooby, J. & Cosmides, L. (2016). The Theoretical Foundations of Evolutionary Psychology. In D. Buss (ed.) The Handbook of Evolutionary Psychology, Second Edition, Wiley, pp. 3–87.
  • Van Gelder, T. (1995). What Might Cognition Be, If Not Computation? Journal of Philosophy, 91: 345–381.
  • Vicente, A. & Manrique, F.M. (2016). The Big Concepts Paper: A Defense of Hybridism, British Journal for the Philosophy of Science, 67: 59–88.
  • Weinberg, J., Gonnerman, C., Buckner, C., & Alexander, J. (2010). Are Philosophers Expert Intuiters? Philosophical Psychology, 23 (3): 331–355.
  • Weinberg, J., Nichols, S., & Stich, S. (2001). Normativity and Epistemic Intuitions, Philosophical Topics, 29 (1&2): 429–460.
  • Weiskopf, D. (2007). Concept Empiricism and the Vehicles of Thought, Journal of Consciousness Studies, 14: pp. 156–183.
  • ––– (2009). The Plurality of Concepts, Synthese, 169: 145–173.
  • ––– (2010). The Theoretical Indispensability of Concepts, Behavioral and Brain Sciences, 33: 228–229
  • Whorf, B. (1956). Language, Thought, and Reality, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Williamson, T. (2005). Armchair Philosophy, Metaphysical Modality and Counterfactual Thinking, Proceedings of the Aristotelian Society, 105: 1–23.
  • ––– (2007). The Philosophy of Philosophy, Oxford: Blackwell.
  • Wittgenstein, L. (1953/1958). Philosophical Investigations, 3rd edition, G.E.M. Anscombe (trans.), Oxford: Blackwell.
  • Wright, C. (1989). The Verification Principle: Another Puncture—Another Patch, Mind, 98: 611–622.
  • Yablo, S. (2008). Thoughts: Papers on Mind, Meaning, and Modality, Oxford University Press.
  • Zalta, E. (2001). Fregean Senses, Modes of Presentation, and Concepts, Philosophical Perspectives, 15: 335–359.

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

 

مصادر أخرى على الإنترنت

  • Concepts, entry in the category philosophy of mind at PhilPapers.org.

 

مداخل ذات صلة

abilities | animal: cognition | belief | cognition: embodied | connectionism | Frege, Gottlob | innate/acquired distinction | innateness: and language | knowledge: analysis of | language of thought hypothesis | linguistics: philosophy of | materialism: eliminative | mental content: nonconceptual | mental representation | mind: computational theory of | naturalism | Vienna Circle

 


[1] Margolis, Eric and Stephen Laurence, “Concepts”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2021 Edition), Edward N. Zalta (ed.), forthcoming URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2021/entries/concepts/>.