مجلة حكمة
اللوم لوم

اللوم

الكاتبنيل تونازيني، جوستين كوتس
ترجمةمنى الشدي
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول اللوم؛ ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


 

اللوم هو استجابة لأمر ذو دلالة معيارية سلبية خاصة بإنسان ما أو بسلوكياته. قد تكون الحالة النموذجية لذلك عندما يخطيء المرء في حق أحدهم، ويستجيب هذا الأخير بالاستياء والاستنكار اللفظي. إلا أننا طبعاً نلوم الآخرين على توجهاتهم وسماتهم الشخصية (انظر مثلاً، Smith, 2005). لذا تنطوي حالات اللوم عادةً على استجابات متعددة داخلية وخارجية لفعلٍ، أو توجه، أو طبعٍ خاطيء أو سيء (تشمل هذه الاستجابات: الاعتقادات، الرغبات، التوقعات، الانفعالات، العقوبات وغير ذلك). وعليه، فعند وضعهم نظرية مفسرة للوم، يطرح الفلاسفة عادةً سؤالين:

  •  ما هي بالضبط الاستجابات والتفاعلات التي يتألف منها اللوم؟
  • §               ما هي الظروف التي من المناسب أن يستجيب فيها المرء بهكذا سلوكيات؟

عندما يتناول كثير من المُنظرين هذه التساؤلات، فإنه عادةً ما يكون في ذهنهم اهتمامات نظرية أوسع. على سبيل المثال، عند سعيهم لفهم حالات المسؤولية الأخلاقية بشكلٍ عام وطبيعة الحرية (مثلاً، (Wallace, 1994 ، أو عند سعيهم لتحديد محتوى الخصائص الأخلاقية (مثلاً، .(Gibbard, 1990 ومع ذلك، فالتساؤلات حول اللوم هي في حد ذاتها مثيرة للاهتمام، لا سيما أن اللوم سمة عامة للممارسة الأخلاقية. سوف يناقش هذا المدخل على نحوٍ نقدي ما قُدِم من إجابات للأسئلة أعلاه الخاصة باللوم، وذلك بغية تسليط بعض الضوء على طبيعة اللوم وأخلاقياته ودلالاته. (هناك افتراض سائد – إلا أنه ليس شائع على أية حال – بأن الثناء نظير اللوم، إلا أن اللوم يظل مع ذلك الظاهرة الأكثر أهمية في الفلسفة الأخلاقية).

1. ما هو اللوم؟

1.1 النظريات الإدراكية لللوم

 2.1 النظريات الانفعالية لللوم

3.1  النظريات النزوعية لللوم

1.3.1 النزعات ذات العلاقة بثنائية الاعتقاد – الرغبة

 2.3.1تعديل الاتجاه كاستجابة للخلل

4.1 النظريات الوظيفية لللوم

 . 2متى يكون اللوم مناسباً؟

1.2  الوقائع الخاصة بالشخص المُلام

 1.1.2الفاعلية الأخلاقية

2.1.2 الحرية والمسؤولية

2.2 الوقائع الخاصة بالتفاعل أثناء اللوم

1.2.2 التناسب

2.2.2 الاعتبارات المعرفية

2.3 الوقائع الخاصة بالشخص اللائم

  1.3.2 الأهلية

2.3.2  النفاق

 3.3.2 إشكاليات أخرى متعلقة بالشخص اللائم

2.4  أنواع اللوم

  • المـــــــــــــراجع
  • أدوات أكاديمية
  • مصادر أخرى على الإنترنت
  • مداخل ذات صلة

 

1. ما هو اللوم؟

في البداية، لاحظ أن أغلب نقاشات الفلاسفة لللوم تتجاهل (أو تذكره فقط كأمر جانبي) نوع اللوم الذي يوصف أحياناً بأنه مسؤولية تفسيرية أو سببية .(Kenner 1967; Hart 1968; Beardsley 1969) يتمثل مفهوم اللوم قيد البحث هنا في قولنا بأن إعصار هوجو Hugo مسؤول عن تدمير ميناء شارلستون Charleston، أو أن القطة مسؤولة عن سقوط الآنية على الأرض. يُقارن المُنظرون هذا المعنى “لللوم” باللوم بين الأشخاص، والذي مثلاً يكف عنه المرء عندما يُسامح الشخص المُلام. تُشير باميلا هيرونيمي Pamela Hieronymi (2001) في هذا الصدد إلى أن التسامح في الواقع لا يتطلب أن يتخلى المرء عن رأيه بأن الشخص الآخر من الواضح أنه المُلام. تُمثل العلاقة بين اللوم السببي واللوم بين الأشخاص تساؤلاً مهماً لم يتم حتى الآن بحثه جيداً. بالرغم من ذلك، فسيركز هذا المدخل على النوع الأخير من اللوم – لوم الأشخاص لبعضهم البعض – والذي هو استجابة للفاعلين الأخلاقيين بسبب أفعالهم، أو اتجاهاتهم، أو طباعهم الخاطئة، أو السيئة، أو غير المقبولة.

 يُمكن تصنيف نظريات اللوم بعدة طرق مختلفة، بناءً على أهداف من يصنفها. لننظر إلى ثلاث من هذه الطرق المحتملة. أولاً، يمكننا تصنيف نظريات اللوم وفقاً لمحتوى اتجاهات اللوم. من خلال هذه الطريقة في التصنيف، فإن الرأي المقدم من قبل باميلا هيرونيمي Pamela Hieronymi (2004) – والذي ينص على أن حُجِية اللوم تكمن في الحكم بسوء النية – يمكن وضعه مع رأي آر .جي. والاس R. Jay Wallace (1994, 2011) في فئة واحدة والذي يرى بأن اللوم عبارة عن استجابة انفعالية لسوء النية التي تتكشف من خلال تصرفات الآخرين. وكبديلٍ لذلك، يمكن أن نصنف نظريات اللوم تبعاً للحالات أو الميول النفسية التي يُعتقد أنها تُكًون اللوم. تؤكد طريقة التصنيف هذه على اختلاف هام بين بين نظريات هيرونيمي  Hieronymi ونظريات والاس Wallace. فبالنسبة لهيرونيمي، يُمكن أن يحدد اللوم بصفة أساسية بالحُكم عليه، إلا أنه بالنسبة لوالاس هو انفعال في المقام الأول. يُمكن أن تركز طريقة التصنيف الثالثة على المسائل المتعلقة بتوجهات وسلوكيات اللوم. هل اللوم موجه نحو التصرفات فقط؟ أو هل يمكن توجيهه عوضاً عن ذلك نحو الاتجاهات، بما في ذلك الاعتقادات، كما في حالة اللوم المعرفي (انظر مثلاً، Rettler, 2018)؟ هنا قد تختار النظرية التي تؤكد على أهمية الانفعالات تفسيراً مقيداً أكثر، طالما أنه ليس من الواضح أن الامتعاض أو غيره من أشكال اللوم الغاضب هي في الواقع استجابات ملائمة للإخفاقات المعرفية الجديرة باللوم. وبالمقابل، لدى نظرية (مثل نظرية هـيرونيمي  Hieronymiأو انجيلا سميث Angela Smith (2005) مفهوم لللوم أكثر بساطة يمكنه بمنتهى السهولة تفسير اللوم على الاتجاهات.

وبطبيعة الحال، فإن أي تنظيم لتصنيف النظريات له مزاياه وعيوبه، وباختيار تنظيم بعينه دون آخر، سيركز بالضرورة التنظيم المُختار على جوانب معينة لللوم وسيُهمل جوانبه الأخرى التي قد تكون بذات القدر من الأهمية. وبالرغم من ذلك، فالتصنيف التالي مُتسق مع أغلب الأدبيّات التي تُصنف النظريات وفقاً للنشاط أو الحالة الذهنية التي يُعتقد أنها تُكون اللوم. وبمقتضى طريقة التقسيم هذه، سيكون لدينا أربع فئات: نظريات إدراكية. انفعالية، نزوعية، ووظيفية للوم.

  1. النظــريات الإدراكية للــلـــوم

ترى النظريات الإدراكية لللوم بأنه أساساً حكم أو تقييم نقوم به بشأن فاعلٍ ما agent، بالنظر لأفعاله، توجهاته أو طبعه. تعود واحدة من أقدم النظريات الإدراكية لللوم إلى جي جي سي سمارت J. J. C. Smart (1961) ، الذي طور تحليله لللوم بصورة غير مباشرة، إذ استهلهُ بالتمييز بين المديح والاستهجان (بدلاً من التمييز الأكثر اعتيادية بين الثناء واللوم). وفقاً لسمارت Smart، فعل الثناء على الفرد أو استهجانه هو ببساطة تقييم له كعضو ينتمي لفئة معينة. وكما يذكر سمارت Smart، فهذا النوع من التقييم لا يختلف عن نوع التقييم الذي يتضمنه الحكم على تفاحة بأنها أفضل من تفاحة أخرى في السوق المركزي. يُشير سمارت Smart إلى أمرٍ بالغ الأهمية، فبينما قد تستهجن فيلسوفاً يافعاً بسبب كتابته الرديئة في خطابٍ ما، فأنت باستهجانك هذا لا تلومه على ذلك. لذا، فبالنسبة لسمارت Smart، اللوم مُغاير للاستهجان. فبعكس الاستهجان، ينطوي اللوم على ما هو أكثر من مجرد تقييم تصرفات أو طبع الانسان (أخلاقياً)، لأن اللوم يحمل دلالة ضمنية بأن الفرد المُلام مسؤول عن فعله أو طبعه. وبذلك، فاللوم إذن حكم تقييمي سلبي يقتضي المسؤولية.

وفي نفس السياق، يُوضح جاري واتسون Gary Watson (1996) بأن هنالك شكلاً تقييماً للوم له صلة بما يدعوه “منظور الفضيلة “. فلوم الشخص على هذا النحو هو بمثابة الحكم بأنه أخفق في تحقيق بعض معايير الفضيلة. ويعني كذلك تأكيداً على أن الفاعل مسؤول عن أفعاله بمعنى أن الفعل يُعزى إلى الفاعل، ففعله هذا يمثل وجهة نظره التقييمية، وهويته الفعلية، وما “يؤمن به” .(Watson 1996) ومثل سمارت Smart، يُنوه واتسون Watson بأن من الممكن اصدار هكذا حكم بشكلٍ يخلو من أي انفعال. وبالتالي، لا يوجد في اللوم ما يستدعي ممارسة انفعالية أياً كان نوعها في نظريات اللوم التصنيفية والتقييمية التي قدمها كلٌ من سمارت Smart وواتسون Watson. لكن، وبخلاف سمارت Smart – الذي يُعرف اللوم بصفته شكلاً من أشكال التقييم المتضمن لمسؤوليةً أخلاقية – لا يعتبر واتسون Watsonاللوم القائم على الفضيلة تحليلاً عاماً لللوم. وإنما عوضاً عن ذلك، هذا الشكل من اللوم مجرد طريقة واحدة من بين عدة طرق نلوم الآخرين بها على أفعالهم.

وبالرغم من إبداء الكثيرين ممانعةً في التفكير في اللوم بوصفه شكلاً من أشكال التقييم، فإن عدداً من النظريات المعاصرة لللوم ظلت محتفظة بالفكرة الجوهرية لنظريات سمارت Smart وواتسون Watson التي ترى بأن اللوم هو نوع من الحكم التقييمي. ولكن أي نوع من الحكم التقييمي يقوم به اللوم؟ يُميز الكثير من المُنظرين اللوم بالأحكام التي تتضمن في جوهرها كيفية انخراط الذات الأخلاقية أو الفعلية للفاعل المُلام في انتاج الفعل. وهذا يسمح للنظريات الإدراكية بتفسير الفاعلية المُمَيزة لللوم.

يقول تي. ام. سكانلون : T.M. Scanlon “بسبب أن غالبية البشر يهتمون” بذواتهم الأخلاقية (وبآراء الآخرين حول ذواتهم الأخلاقية)، فالأحكام التي تتضمن هذه الجوانب من المرء ليست “مجرد أوصاف” (Scanlon 1986: 170). يوضح مايكل زيمرمان Michael Zimmerman (1988) و واشتياق حاجي Ishtiyaque Haji (1998) ذلك بصورة جلية أكثر عندما يحاجان بأن لوم شخص ما هو بمثابة حكمٍ عليه بسبب اتجاهاته، أفعاله، أو طبعه، فذاته الأخلاقية تتضمن ما يعيبهُ أو ما يحسب ضده في سجله الأخلاقية. كما يذكر زيمرمان Zimmerman، فعند لومنا للفرد، نحن نحكم بأن هناك ” تشكيك” أو “مأخذ عليه” في سجله الأخلاقي . . . وبأن “أهليته الأخلاقية” قد “تناقصت”.(Zimmerman 1988: 38)

لا يحتاج المرء إلى أن يتبنى فكرة السجل الأخلاقي الراهن لأجل أن يكون لديه نظرية إدراكية لللوم. توضح مثلاً باميلا هيرونيميPamela Hieronymi (2004) المنظور الإدراكي لللوم، حيث يكون الحكم المعني حكماً بأن الفاعل المُلام أظهر للشخص اللائم (أو لغيره) نيته السيئة. وبما أننا نهتم كثيراً بأحكام الآخرين عن نوعية نوايانا، فيمكن لهذا الحكم أيضاً أن يحمل الفاعلية المُمَيزة لللوم.

وبالرغم من وجود الكثير من المؤيدين، إلا أن هناك أيضاً العديد ممن هم أقل تفاؤلاً بمآلات النظريات الإدراكية المحضة لللوم. أحد الإشكاليات المحتملة للنظريات الإدراكية هي أنها تُجازف بالخلط بين اللوم والحكم باستحقاق اللوم (Kenner 1967; Coates and Tognazzini 2012). يبدو على كل حال أنه من المحتمل كثيراً أن نحكم مثلاً بأن شخصاً أظهر سوء النية أو هناك ما يُحسب ضده في سجله الأخلاقي (وبالتالي، أحكم عليه بأنه يستحق اللوم)، دون أن نلوم هذا الشخص بشكل فعلي. قد يكون في الواقع إقرار المتآمر المتعاون بخطأ شريكه في نشاطهما الإجرامي مبعثه الإعجاب ببراعة شريكه في تنفيذ هذه الجريمة الشنيعة التي لن يقبلها أغلبنا. إن واقع أن نفس الحكم قد يثير استجابات مختلفة (النفور والاستياء لدى البعض منا الذين يتمسكون بقيم الأخلاق، والإعجاب لدى آخرين لا يلتزمون بتلك القيم) يشير إلى أن الحكم لوحده لا يمكن أن يشكل اللوم. تُحاج مؤخراً هانا بيكارد  Hanna Pickard (2013) بأنه نظراً لأنه بالإمكان لوم الآخرين عن دراية وبشكل غير مناسب (مثلاً، لوم الآخرين حتى عندما نعلم بأنهم حقيقةً لا يستحقون اللوم على أفعالهم)، فإن الحكم على شخص آخر بأنه مستحق لللوم، أو بأنه أبدى سوء النية أو عدم الاكتراث، ليست لازمة لللوم. يبدو إذن أن هذا النوع من الأحكام المناقشة أعلاه ليست ضرورية أو كافية لللوم.

هناك إشكالية أخرى للنظريات الإدراكية لللوم يذكرها جاري واتسون.Gary Watson (1987) فبالنسبة لواتسون، محاولات تحديد اللوم أو قصره على مكوناته الإدراكية فقط (لنتذكر بأنه رغم أن اللوم القائم على الفضائل يأخذ شكل الأحكام، إلا أنه لا يُعبر عن ظاهرة اللوم بأسرها) يجعلنا عند لومنا للآخرين كَتَبة أخلاقيين بالأساس، نسجل الأخطاء الأخلاقية . . . من منظور منفصل و “موضوعي” بشكل صارم1987) ، أُعيدت طباعته في(Watson 2004: 226 – 27 .

يُحاج واتسون Watson هنا بأن اللوم مصدره منظور المرء كمشارك في العلاقات الإنسانية، حيث نحن عبر هكذا منظور لسنا مجرد ملاحظين للنظام الأخلاقي، وإنما مشاركين فاعلين في مجتمع أخلاقي. تُشكل أنواع هذه الاعتبارات أساس النظريات الانفعالية لللوم.

2.1 النظريات الانفعالية لللوم

بالرغم من أن كتاب بي. اف. ستراوسون P. F. Strawson ” الحرية والاستياء Freedom and Resentment ” ( (1962 يحوي قليلاً من النقاش المؤيد للمنظور الانفعالي لللوم، إلا أن هناك الكثير ممن يعتبرون كتابه هذا المصدر الأول للنظريات الانفعالية لللوم. وفقاً لستراوسون Strawson ، يرتكز وضعنا كفاعلين مسؤولين أخلاقياً على اتجاهاتنا وانفعالاتنا غير المجردة والتي تشكل (في جانب منها) العلاقات الشخصية المعتادة. يعتقد ستراوسون Strawson فيما يخص الآخرين كفاعلين مسؤولين أخلاقياً، بأن الأمر لا يتعلق بما يصدرونه من أحكام، وإنما باستجاباتهم الانفعالية. لاحظ بأنه وفقاً للنظريات الإدراكية للانفعالات، فإن الحالات الانفعالية تحددها مجموعة من الأحكام.(Solomon 1993; Nussbaum .2001) وبالتالي، إذا كانت النظريات الإدراكية للانفعالات صحيحة، فلن يكون هنالك فرق جوهري بين النظريات الإدراكية والانفعالية لللوم. وبالرغم من ذلك، فالنظريات الإدراكية للانفعالات مثيرة كثيراً للجدل، لذلك سننحي هذا التساؤل جانباً.

طور آر. جي. والاس R. Jay Wallace (1994) هذه الفكرة لتصبح نظرية تحمل اسم “تحميل المسؤولية” والتي بموجبها نُحمل الآخرين المسؤولية فقط في حالة شعورنا بالاستياء، السخط، أو الذنب ( في الحالة الخاصة بالذات) كردة فعل لتصرفاتهم، أو اعتقادنا بأن هكذا استجابة ستكون مناسبة. وعليه، بالنسبة لوالاس Wallace، فإن )جزءً محدداً من) الاتجاهات التفاعلية لستراوسون Strawsonهي ضمنية بالأساس في الموقف الذي نتخذه عندما نُحمل الآخرين المسؤولية. إلا أنه من الوارد أن نتخذ موقف “تحميل أحدهم مسؤولية” بدون ممارسة انفعالية، إذ يُشدد والاس ) Wallace ويؤكد على ذلك مجدداً فيWallace, 2011 ) بأنه للوم الفاعل في الواقع، لا بد للمرء من ممارسة انفعالية.

وبطبيعة الحال، فإن ستراوسون Strawson و والاس Wallace ليسا الوحيدين المؤيدين للنظريات الانفعالية لللوم. ففي حين أن هذه النظريات الستراوسونية (نسبةً إلى ستراوسون) لللوم تركز على الاتجاهات التفاعلية (خاصةً الاستياء، السخط، والشعور بالذنب)، فإن نظريات اللوم الانفعالية الأخرى هي أكثر شمولية. فمثلاً، سوزان وولف Susan Wolf (2011)، وديفيد شوميكرDavid Shoemaker (2015, 2017) ، وليونهارد مينجز Leonhard Menges (2017)يدافعون عن نظريات اللوم التي تركز على الغضب (بالنسبة لشوميكر Shoemaker ، هنالك في الواقع ثلاثة أنواع مختلفة من الغضب). وعلى نحوٍ مماثل، تُدافع ماكالستر بيل Macalester Bell (2013a, 2013b) عن نظرية “التوجهات العدائية” لللوم والتي تتضمن اتجاه الإزدراء كأسلوب لللوم. بناءً على ذلك، فإن ما يجمع بين النظريات الانفعالية لللوم ليس الاتفاق المشترك حول ماهية الانفعالات التي يتألف منها اللوم، وإنما ما يجمعها بدلاً من ذلك، التزامها المشترك باعتبار اللوم استجابة انفعالية سلبية لأفعال الآخرين.

وبالرغم من أنه من المعقول جداً أن نلوم الآخرين من خلال الرد على أفعالهم بالغضب، أو الاستياء، أو السخط، أو حتى الازدراء، إلا أن هنالك عدد من المآخذ على النظريات الانفعالية لللوم. يُحاجج جورج شير George Sher (2006) بأن الاستجابات الانفعالية ليست لازمة لللوم. على سبيل المثال، يذكر شير Sher بأنه يمكن لنا أن نلوم شخصاً عزيزاً علينا دون شعورنا باستجابات انفعالية سلبية. وكذلك أيضاً، يمكننا لوم الأشرار الذين هم بعيدون عنا زمنياً دون أن نبدي استجابة انفعالية. الفكرة هنا ببساطة أنه بإمكاننا أن نلوم نيرون Nero على حرقه روما، بالرغم من عدم شعورنا بأي استياء أو سخط نحوه بسبب وحشيته. وحيال ذلك، قد يحاجج ببساطة المدافعون عن النظريات الانفعالية قائلين بأنه بغض النظر عما يبدو ظاهرياً، فبدون الانفعالات، لا يلوم المرء نيرون ببساطة، وإنما بدلاً عن ذلك هو يعتقد بأنه مستحق لللوم فحسب (انظرWallace 1994, 2011 ). وبخلاف ذلك، قد يحاجج المدافعون عن النظريات الانفعالية (بصورة مقنعة، لكنها مثيرة للجدل على أية حال) بأن المرء قد يكون في وضع انفعالي حتى ولو لم يشعر بأية انفعال.

ثاني اعتراض على النظريات الانفعالية لللوم يمكن تسميته ” بالاعتراض على الفاعلية”. تبدي باميلا هيرونيمي Pamela Hieronymi هذا الاعتراض عبر إشارتها إلى أن الانفعالات المصاحبة للحكم تمثل اختلالاً انفعالياً مزعجاً . . . لكن فاعلية اللوم تبدو أشد، وذات شأن أكبر أو أكثر وطأة(Hieronymi 2004: 121)

وبالتالي، من وجهة نظر هيرونيمي Hieronymi، لابد أن ترتكز فاعلية اللوم على المكونات الإدراكية لانفعالات اللوم، لأن هذه المكونات هي التي تستجيب وتعكس اهتمامنا بالأخلاق. ولكن إذا كانت فاعلية اللوم تنبثق من المكونات الإدراكية للانفعالات، فلماذا لا يُعتبر الحكم الذي يتضمن نفس المحتوى مثالاً لللوم؟ يبدو أنه على الرغم من أن الانفعالات قد تصاحب اللوم، إلا أن المكون الإدراكي – والذي يمكن أن يظهر حتى ولو لم يبدِ الفرد اللائم انفعالاً – وليست الانفعالات في حد ذاتها هي التي تكون اللوم لدى المرء. وكرد على هذا النوع من الاعتراض. يحاجج والاس Wallace (2011) بأن المشاعر التفاعلية ليست مجرد إضافة لا لزوم لها للحكم، بل هي تسهم في تغيير معنى الحكم، مما يضفي على الحكم نوعاً من الأهمية التعبيرية المميزة لللوم والتي بخلاف كذلك ستكون معدومة في الحكم الصرْف.

تحاجج في الآونة الأخيرة ميراندا فريكر Miranda Fricker (2016) بأن ممارسات اللوم لدينا تكشف عن الكثير من التنوع الداخلي بحيث لا يمكن أن نحددها بدقة مستعينين بعدد محدود من الاتجاهات التي يُعني بها منظرو الانفعالات. وسبب ذلك أن اللوم في سياقٍ ما قد يختلف اختلافاً كبيراً عن اللوم في سياق آخر – لوم الذات يختلف عن لوم مباشر من شخص آخر، وكلا هذين الشكلين من اللوم يختلفان على نحوٍ هام عن اللوم الصادر من طرف ثالث –  وهناك قدر ضئيل للغاية من اللوم مشترك وموجود في جميع الحالات. ومن المؤكد أنه لا توجد خبرة انفعالية محددة في كافة الحالات. ورداً على هذا، يقول ليونارد مينجز Leonhard Menges (2017) بأن التنوع في ممارستنا للوم في الواقع هو أقل مما تفترضه فريكر Fricker، للحد الذي لو كان هناك أي تنوع في كيفية اللوم، فلن يكون مؤثراً في زعزعة التبرير المنطقي للنظريات الانفعالية لللوم.

 3.1 النظريات النزوعية لللوم

تؤكد النظريات النزوعية لللوم على الجوانب الدافعية، مثل الرغبات والنيات، بوصفها عناصر أساسية لللوم. اثنتان من أكثر النظريات القائمة لللوم تطوراً – نظرية جورج شير George Sher (2006) و تي. ام. سكانلون T.M. Scanlon (2008,  2013) – تقعان في هذه الفئة، وبالرغم من أننا سنركز ع على هاتين النظريتين، فمن الممكن وجود نظريات نزوعية أخرى.

1.3.1 النزعات ذات العلاقة بثنائية الاعتقاد – الرغبة

كما ذكرنا سابقاً، يبدي جورج شير George Sher (2006) شكوكاً حول النظريات الانفعالية لللوم. إلا أنه مع ذلك لديه شكوك أخرى حول النظريات الإدراكية البحتة لللوم. فالنسبة إليه، ينطوي اللوم على ما هو أكثر من مجرد الحكم بأن فاعلاً ما تصرف بشكلٍ خاطيء، ولكن لا يحتاج المرء أن يبدي انفعالاً لكي يلوم هذا الفاعل. يُفضل شير Sher الاعتدال المناسب بين هذين الخيارين من نظريات اللوم و اللذان يحظيان بقبولٍ واسع.

وفقاً لشير Sher، ما يجب إضافته إلى الحكم بخطأ الفرد هو الرغبة الماضوية بأن ” الشخص المعنى لم يقم بفعلته السيئة السابقة” .(2006: 112) لكن لا يكفي فقط أن يتمنى اللائم عدم وقوع هذا الفعل السيء، فلا بد أن تكون الرغبة نابعة من ما لدى الفرد اللائم من التزام أخلاقي عام، لأن ما نرغبه حقاً هو أن المخطيء لم ” يمارس قدرته الخاصة باتخاذ القرار بطريقة معينة”، وأنه ” قد استجاب، أو أنه يميل للاستجابة لما نعتبره منطقاً أخلاقياً مقنعاً “.(2006: 105)

ينجم عن ذلك وجهة النظر التي ترى أنه عندما يقترن المكون الإدراكي للحكم باستحقاق اللوم مع هذه الرغبة، التي تعكس التزامنا العام بالأخلاقيات، فإننا هنا نلوم (انظر أيضاً Arpaly, 2006 and Arpaly & Schroeder, 2014 ، للاطلاع على منظور مماثل حيث يتطلب اللوم وجود نزعة “ضد الأمر الخاطيء أو السيء”Arpaly & Schroeder 2014: 161 ). علاوةً على ذلك، يُحاج شير Sher بأن ثنائية الاعتقاد- الرغبة محل النظر هنا هي في حد ذاتها أساس تلك النزعات الوجدانية والسلوكية التي ترتبط عادةً باللوم. على سبيل المثال، يمكن تفسير نزعة اللائم للشعور باتجاهات عدائية كالغضب نحو الفاعل، وأيضاً التوبيخ، الاعتراض، وطلب الاعتذار من خلال وجود ثنائية الاعتقاد- الرغبة هذه.

بالرغم من دقة منظور شير Sher، إلا أنه أثار عدد من الردود الناقدة. تعترض مثلاً باميلا هيرونيمي  Pamela Hieronymi (2008) على مسألة العلاقة بين ثنائية الاعتقاد-الرغبة و النزعات الوجدانية والسلوكية المصاحبة لها، فهي ترى أن الصلة ضعيفة للغاية. ورغم أنها تقبل زعم شير Sher بأن ثنائية الاعتقاد-الرغبة ضالعة بشكلٍ أساسي في الالتزام الأخلاقي العام للفرد، إلا أنها لا تعتقد أن شير Sher أوضح بشكلً وافٍ بأن النزعات المُميزة ضالعة بالطريقة ذاتها. ففي نهاية المطاف، “من المؤكد أنه بالإمكان تأكيد أو توضيح التزامنا الأخلاقي بطرق لا تتضمن سلوكاً عدائياً أو انتقاداً” (2008: 25). ولكن، في حال كان هذا صحيحاً، يبدو إذن كما لو أن النزعات المُميزة لللوم لا يجب أن تكون موجودة، حتى لدى أولئك الدين يلتزمون بصدق وإخلاص بالمعايير الأخلاقية. جراء ذلك، تخلص هيرونيمي  Hieronymiإلى أن شير Sher أخفق في إيضاح أن اللوم – الذي لا بد أن يتضمن مثل هذه النزعات – يرتبط بالضرورة بالالتزام الأخلاقي بصفة عامة.

يأتي الاعتراض الثاني على منظور شير Sher من جانب أنجيلا سميثAngela Smith (2008) . ترفض سميث Smith زعم شيرSher بأن مُكون الرغبة يمثل جزءً من حالة اللوم. ولتبرر رأيها هذا، تدعونا سميث Smith للتفكير في حالة اعتيادية لللوم. لنأخذ مثلاً اللوم الذي نشعر به حيال السياسي الذي دفع بنا نحو حربٍ مأساوية. ففي حين أننا نرغب بلا شك بأن هذا السياسي لم يدفع بنا إلى هكذا حرب لأننا ملتزمون أخلاقياً بالعموم (وبالتالي لن نستمتع بمعاناة الأبرياء)، إلا أنه ليس من الواضح كيف أن هذه الرغبة نفسها جزء من لومنا لهذا السياسي. بالنسبة لسميث Smith، مكون الرغبة في ثنائية الاعتقاد-الرغبة، مثل النزعات الوجدانية والسلوكية المصاحبة لها، يبدو أنه شيء متجاوز لللوم نفسه. تُحاج سميث Smith كذلك في أحدث أعمالها بأنه في بعض الحالات، لنقل في “ردود فعل الأم الذي يستحق ابنها اللوم بسبب جريمته”(Smith 2013: 35) ، نجد أن ثنائية الاعتقاد-الرغبة المعنية قد توجد دون لوم. تتضمن التحديات الأخرى لنظرية شير Sher إشكالية أنها “مُصَحَحة” كثيراِ، وذلك لأنها تزعزع الواقعية النفسية عبر ما تقوم به من ” تجريدٍ [لللوم] من السمات البغيضة .(McGeer 2013: 166)

 2.3.1تعديل الاتجاه كاستجابة للخلل

طور تي. ام. سكانلون T.M. Scanlon (2008) نظريته المؤثرة لللوم والتي تمثل نوعاً من التحول عن نظريته السابقة الأكثر “إدراكيةً” في توجهها (انظر (Scanlon, 1986 . دافع سكانلون Scanlon الأساسي لتطويره لهذه النظرية الجديدة مماثل لدافع شيرSher ، حيث يعتقد سكانلون Scanlon بأن نظرية اللوم التي تفي بالغرض لا بد لها أن تكون في موضعٍ ما بين مجرد الحكم بأن شخصاً آخر تصرف بطريقة مرفوضة و المصادقة على هذا الحكم (اذي يُعبر عن مشاعر تفاعلية، لكنها تمثل حالة نموذجية واحدة). إلا أنه بخلاف شير Sher ، لا يعتقد سكانلون Scanlon بأنه بإمكاننا ببساطة تجنب هذه البدائل (المفترضة) غير المستحبة عن طريق رفد الاعتقاد بأن أحدهم تصرف بشكلٍ خاطيء أو سيء بالرغبة في أنه لم يتصرف على هذا النحو. في واقع الأمر، يرى سكانلون Scanlon بأن الاعتقاد بأن أحدهم تصرف بشكلٍ خاطيء ليس جزء من اللوم على الإطلاق. إنما هو المكون الإدراكي لللوم الذي يوفره الحكم بأن أحدهم تصرف بطريقة تضعف العلاقات الشخصية الهامة، وهذا هو الحكم باستحقاق اللوم. إن اللوم لدى سكانلون Scanlon عبارة عن استجابة لما تعنيه أفعال شخصٍ ما، وليست مشروعية هذه الأفعال (للمزيد بخصوص هذا التمييز، انظر الفصول الثلاثة الأولى من كتاب سكانلون (Scanlon, 2008. لكن هذا الحكم في حد ذاته لا يكفي لللوم ( لأسباب مماثلة لما قدمه شير Sher). وبذلك، فبالإضافة إلى الحكم بأن فاعلٍ ما يستحق اللوم، يتطلب اللوم منك كلائم “تعديل علاقتك معه بحيث يُعد [حكم اللوم] مناسباً” .(Scanlon .2008: 128–29) وبعبارةٍ أخرى، لا يقتصر لوم الشخص الآخر على الاعتقاد بأنه قد تصرف بطريقة تضعف علاقتك به، بل يتضمن أيضاً اعتبارك بأن لديك أسباباً لإعادة النظر في نواياك واتجاهاتك نحو هذا الشخص، وبناءً على ذلك، تعيد النظر في نواياك واتجاهاتك على أساس هذه الأسباب.

ومثل شير Sher، قدم سكانلون Scanlon مبدئياً نظريةً مقنعة لما يكون عليه اللوم. ولكن أيضاً، و مثل شير Sher، اُنتقدت نظرية سكانلون Scanlon بشكلٍ كبير. نجد أفضل ملخص لأحد أكثر أنواع النقد شيوعاً لدى آر. جي. والاس R. Jay Wallace (2011) في تعبيره بأن نظرية سكانلون Scanlon ” تركت اللوم بدون لوم”. وعلى نحوٍ أكثر تحديداً، يُحاج والاس Wallace بأن اللوم يحمل صفة الإزدراء والتي لا تجسدها الاعتبارات الخاصة بالأهمية المعيارية للعلاقات المختلة التي هي مركزية في نهج سكانلون;Wallace, 2011: 349) Scanlon انظر أيضاً (Mason, 2011 .

تُحاج أيضاً سوزان وولف Susan Wolf (2011) بأنه في بعض الحالات، مثل حالة عائلة مُندفعة، ولكنها مُحبة، يبدو أنه من الممكن في هكذا عائلة أن تلوم الآخر بدون أن تأخذ على عاتقك اختلال علاقتك، أو ما يصاحب ذلك من أسباب تجعلك تُعيد النظر في نواياك واتجاهاتك نحو هذا الشخص. وبالتالي، يبدو أن الخصائص المُميزة لتفسير سكانلون Scanlon لللوم غير ضرورية. يُحاج شير Sher مؤخراً بأن تركيز سكانلون Scanlon على العلاقات يُمثل إشكاليةً. فعلى كل حال، كثير من حالات ارتكاب الأخطاء أو الإساءة تتضمن أفراداً غرباء، مثلاً في أغلب حالات سرقة السيارات، لا توجد معرفة مسبقة بين المعتدي والمجني عليه. وبالرغم من ذلك، لا يزال من الممكن لوم الأفراد الذين لا تربطنا بهم علاقة. لذلك، لا يرتبط اللوم بشكلً أساسي بالعلاقات الشخصية. ورداً على ذلك، يؤكد سكانلون(2008, 2013) Scanlon على أن لدى كل الفاعلين العقلانيين ينتظمون في “علاقةً أخلاقية” تربط بعضهم ببعض. إلا أنه برغم ذلك، فليس من الواضح إذا كان هذا النوع من العلاقات كافي لتفسير لوم أحدهم للغرباء. وفي الواقع، وكما يذكر شير Sher بأنه حتى لو كانت هناك علاقة ما بين المجني عليه والغريب المعتدي عليه، فليس واضحاً أن هذه العلاقة تلعب أي دور على الإطلاق في تعليل وتفسير اللوم.

.1 النظريات الوظيفية لللوم

تشابه النظريات الوظيفية لللوم النظريات الوظيفية للحالات أو الخصائص العقلية. فبدلاً من تحديد اللوم بمسلك معين ( كاعتقاد أو انفعال ما) أو بمجموعة من التوجهات (كثنائية الاعتقاد- الرغبة)، تُعرف النظريات الوظيفية اللوم من خلال دوره الوظيفي. يترك هذا النوع من التناول مسألة مكونات اللوم مفتوحة لتوجه أو مسلك معين، أو لمجموعة من التوجهات. وعلى هذا النحو، يمكن أن تتمتع النظريات الوظيفية بمرونة أكثر من غيرها. وفقاً لأحد النظريات الوظيفية لللوم، فإن وظيفة اللوم هي الاحتجاج. وبعبارةٍ أخرى، ما نفعله عند لوم الآخرين عبارة احتجاج على أفعالهم أو طباعهم. إلا أن هذا يعني بالطبع أن أي عدد من الاتجاهات أو مزيج منها يمكن أن يُشكل اللوم. تُحاج باميلا هيرونيمي Pamela Hieronymi (2001)، وماثيو تالبرت ،Matthew Talbert (2012) وفيكتوريا ماكجير Victoria McGeer (2013) بأن الاتجاهات التفاعلية من قبيل الاستياء (ومظاهر التعبير عنها) تمثل شكلاً مؤثراً من الاحتجاج. وبالمقابل، تُحاج أنجيلا سميث  Angela Smith (2013) بأنه عند تعديلنا لاتجاهاتنا ونوايانا كما يعتقد سكانلون Scanlon، إلا أننا نفعل ذلك كنوع من الاحتجاج، فنحن هنا نلوم في الواقع. وبتعبيرٍ آخر، ليس كافياً بالنسبة لسميث Smith تغيير اتجاهاتنا ونوايانا، فلا بد أن يخدم هذا التغيير وظيفة معينة، ألا وهي الاحتجاج، ليُعتبر مثالاً لللوم. ولكي يُعد اللوم احتجاجاً، لا يلزمه أن يتضمن انفعالاً معيناً (للمزيد بخصوص كيف يتيح لنا اللوم الدفاع عن قيمنا، انظر Franklin (2013)  و Houston ((1992).

يوجد على الأقل سببان للقلق بشأن هكذا نظريات تعتبر الاحتجاج وظيفة اللوم. أولاً، ليس من الواضح أن الاحتجاج مستقل عن اللوم، بحيث يمكن للمرء أن يحدد ما هو الذي يحتج عليه دون الاستعانة باتجاهات اللوم. ولكن، إذا كان الأمر كذلك، فليس من الواضح أن الاستعانة بفكرة الاحتجاج ستعيننا في توضيح طبيعة اللوم. ثانياً، يبدو الاحتجاج مُعبراً عنه بشكل نموذجي. ففي الواقع، فإنه من الصعوبة بمكان تحديد وفهم الاحتجاج الذي لم يُعبر عنه. هل يحتج العمال على ظروف العمل غير العادلة ببساطة من خلال اعتقاداتهم أو اتجاهاتهم؟ أم يتعين عليهم أن يجعلوا مثل هذه الاعتقادات والاتجاهات معلومة ومعلنة؟ وإذا كان الأخير صحيحاً، فإنه ليس من الواضح إذن بأن الاحتجاج قد يكون وظيفة اللوم. فعلى أية حال، ليست كل حالات اللوم مُعبر عنها. هذه الاعتراضات ليست حاسمة بالطبع، لكنها تُشير إلى أن هنالك الكثير مما يجب عمله للدفاع عن وجهات نظر الاحتجاج وذلك لأجل مساعدتنا على الوصول لفهم أفضل لطبيعة الاحتجاج، فهكذا اهتمام بفهم الاحتجاج من شأنه أن يزودنا بتفسير غير دائري[2] non-circular لـ اللوم.

قد توجد بالطبع وظائف أخرى لللوم، كالتعبير أو الإخبار عن الإدانة أو الرفض. فعلى سبيل المثال، يُدافع مايكل ماكينا Michael McKenna (2012, 2013) عن هكذا منظور لوظيفة اللوم. وهو في الحقيقة يزعم بأن اللوم ذو طبيعة تحاورية، لذا يعمل اللوم على استمرار المحادثة التي بدأت بسبب التصرف الخاطيء من قبل الفرد المُلام. يزعم ماكينا McKenna تحديداً بأن الاتجاهات التفاعلية ومظاهرها التعبيرية تجسد هذه الوظيفة. ويقترح أنتوني داف Antony Duff فهماً مماثلاً لهدف اللوم، والذي اللوم تبعاً له عبارة عن محاولة إبلاغ مرتكب الخطأ بالفهم الأخلاقي لفعله الخاطيء، ولحمله على الإقرار بذنبه والندم على فعلته .(Duff, 1986: 70)

وعلى ذات المنوال، تُحاج أيضاً كولين ماكنمارا Coleen Macnamara (2011,2015) بأن أساليبنا في تحميل الآخرين المسؤولية الأخلاقية بصفةٍ عامة (كمجموعة أساليب من ضمنها اللوم) هي أساليب إخبارية أو تواصلية من حيث وظيفتها. وعلى نحوٍ مماثل، يقول كريستوفر بينيت Christopher Bennet (2013) بأن اللوم يؤدي وظيفة رمزية تتمثل في التعبير عن رفضنا. وكما هو الحال مع سميث Smith، فقد طور هذه النظرية عبر استكمال نظرية اللوم لسكانلون Scanlon، ومع ذلك، يبدو ممكناً تنقيح نظام بينيت Bennet التعبيري بمعزلٍ عن الإطار النظري لسكانلون Scanlon، حيث إن جانبه المُميز هو تعبيره عن أمرٍ هام يتعلق بموقفنا من أفعال الفرد المُلام. تزعم مؤخراً ميراندا فريكر (2016) Miranda Fricker بأن اللوم الإخباري الذي يحدد الأخطاء ويُخبر عنها هو بمثابة حالة نموذجية لللوم.

وبسبب من الحداثة النسبية لهكذا وجهات نظر، لا يوجد كثير من النقد لها. ورغم ذلك، فأحد الإشكاليات المحتملة لهكذا وجهات نظر هو أن العديد (ربما أغلب) حالات اللوم لا يتم التعبير عنها أو الإخبار بها. فكيف تكون هكذا حالات لوم إخبارية؟ وفي حال لم تكن كذلك، فكيف يمكن أن يكون اللوم إخبارياً بطبيعته في الأساس؟ يقترح جاري واتسون  Gary

Watson بأن الاستياء ” إخباري بصفة مبدئية” ويذكر بأنه ” في بعض الحالات المُربِكة، من المفترض التعبير عن الاستياء”

.(Watson 2011: 328) يظل هذا الفهم مُحيراً، لكن لمزيد من النقاش حول ذلك، انظر Watson (2012)و Macnamara (2015).

2. متى يكون اللوم مناسبا؟

يحدث أن يُستغل ويُساء استخدام اللوم بسهولة، لذلك سيتطلب الفهم المكتمل لهذه الظاهرة ليس مجرد البحث في ماهية اللوم، وإنما أيضاً متى يكون مناسباً. نحن نستخدم مصطلح “مناسب” كمصطلح معياري عام بحيث يشمل كافة أشكال التقييم، مثل ما إذا كانت أي حالة لوم محددة مناسبة، ومُبرَرَة، ومقبولة، وضرورية، وفعالة وما إلى ذلك. وكما تقول ميراندا فريكر Miranda Fricker: “مثل معظم الأمور في الحياة، أساليبنا في اللوم عُرضة لرذائل فعلها بدافعٍ خاطيء، وبقدرٍ خاطيء، وبطريقة خاطئة، أو مع النوع الخاطيء من الأمور” (: 1682016 ,Fricker). تُقدم هذه القائمة تصنيفاً أولياً جيداً للأشكال التي قد ينحرف فيها اللوم عن مساره الصحيح. من الضروري أن تُعنى أخلاقيات اللوم بكلٍ من أ) الوقائع الخاصة بالشخص اللائم، (ب) الوقائع الخاصة بالتفاعل نفسه أثناء اللوم، و (ج) الوقائع الخاصة بالشخص المُلام. نحن هنا نضم سويةً “بقدرٍ خاطيء” مع “بطريقة خاطئة”، لأن عدم التناسب سيكون أحد الأشكال التي يمكن أن يكون فيها التفاعل أثناء اللوم إشكالياً). ضع في اعتبارك أيضاً أن الكيفية التي تجيب بها على سؤال ماهية اللوم ستؤثر على هذه التساؤلات الأخلاقية، لأن شروط ملاءمة الحكم تختلف منطقياً عن شروط ملاءمة الاستنكار. ونظراً لأننا هنا لسنا مؤيدين لنظرية لوم بعينها، فتحديدنا للمعايير المعنية هو نوع من التنظير المجرد الذي يخلو من التزامات موضوعية فيما يخص طبيعة اللوم. من الجدير بالذكر أيضاً أن شروط اللوم المناسب الموضحة أدناه قد يتم تجاهلها بصورة مُسوغة في حال كانت المخاطر مرتفعة بما فيه الكفاية، وكانت النتائج المحتملة لللوم ذات أهمية كبيرة. بعبارةٍ أخرى، قد تكون هناك حالات من المناسب فيها اللوم بسبب نوع خاطيء من الدوافع. لقد نحينا هكذا حالات جانباً لأجل تحقيق أهداف نقاشنا.

  1. الوقائع الخاصة بالشخص المُلام

لنبدأ بتناول الوقائع التي قد تكون هامة عن الشخص المُلام. إن الجواب الطبيعي لسؤال متى يكون اللوم مناسباَ هو القول بأن اللوم مناسب فقط عندما يكون الشخص المُلام مُستحق لللوم في الواقع. قد يبدو هذا للوهلة الأولى نوعاً من التكرار الخالي من أي معنى، إذ ما الذي يمكن أن يعنيه أن تكون مُستحقاً لللوم إذا لم يكن يعني ببساطة أن تكون ملاماً بشكلٍ مناسب؟ لكن المقصود من التأكيد على الاستحقاق هو لفت الانتباه إلى حقيقة أنه من المناسب فقط لوم الشخص عندما يستحق ذلك أو يكون جديراً به. أي فقط عندما تكون هنالك وقائع معينة مناسبة عن الشخص المُلام. أية وقائع؟ ما الذي يتعين على المرء فعله ليستحق اللوم؟

 1.1.2الفاعلية الأخلاقية

كما أشرنا في القسم الأول أعلاه، فأن تُلام (أي أن تكون مسؤولاً على نحوٍ سببي; انظر Beardsley,1969 و Kenner,1967) ليس كافياً لأن تكون مستحقاً لللوم، لأنه في أحيانٍ كثيرة لا يتضمن أفضل أو أهم تفسير سببي فاعلاً أخلاقياً على الإطلاق. يمكن لوم الزلازل والبعوض على الآثار السلبية المتعددة، ولكن لا يمكن لأيٍ منها أن يستحق اللوم لأنه لا يمكنهما، كما يذكر جاري واتسونGary Watson ، أن ” يتصرفا بفاعلية وكفاءة في الأمور الأخلاقية” (2013a: 3322). كائنات محددة فقط مرشحة لأن تُلام في المقام الأول، وبالرغم من أنها مسألة خلافية نوعاً ما فيما يخص ماهية القدرات المعينة اللازمة، إلا أن قائمة هذه القدرات تتضمن بالتأكيد قدرات خاصة بالتفكير، والاستقصاء، واتخاذ القرار، وتقرير المصير. لكن الزلازل والبعوض هي حالات سهلة. فهنالك حالات أصعب، كالأطفال والأفراد المعادون للمجتمع (السيكوباتيون)، والأفراد الذين لم يُكُوِنوا (أو لم يَتكَون لديهم بعد) فهم أو إدراك للمعايير الأخلاقية. يبدو أن هؤلاء الأفراد لا يزالون قادرين على التصرف على نحوٍ دال أخلاقياً – بطرق في الواقع يمكن أن نصفها عادةً بأنها قاسية، وحتى شريرة – ولكن سؤال من قبيل هل في وسعهم نيل اللوم الأخلاقي (بدلاً من مجرد منحنا سبباً جيداً لحماية أنفسنا منهم) هو سؤال مُحير (انظر Watson,

2011 وShoemaker, 2015 ، للاطلاع على المزيد من النقاش المُتعمق.( ولكن بغض النظر عن الطريقة التي يجيب بها المرء على هذا السؤال، فمن المقبول بصفةٍ عامة أن الفاعلين الذين من المحتمل أن يستحقوا اللوم لا بد أن يكونوا قادرين على التفكير، والتحليل، وتنفيذ القرار الخاص بكيفية التصرف. وإذا كان هناك من يفتقر إلى هذه القدرات، فسيكون مُعفى من اللوم.

2.1.2 الحرية والمسؤولية

بالإضافة إلى امتلاك قدرة عقلية عامة تُحدد كيفية التصرف، إلا أنه كثيراً ما يُعتقد بأنه لا يُلام الفرد بطريقة مناسبة إلا إذا (مارس في ذلك الموقف) الإرادة الحرة. غالباً ما يكون عذر ” لم يكن بيدي حيلة أو ” اُجبرت على فعل ذلك” كافياً ليصبح اللوم غير مناسب. لذلك من الطبيعي أن يُلام المرء فقط على تلك الأمور التي كان الممكن أن يتحكم فيها، أو لم

يُجبر على فعلها. وبتعبيرٍ آخر، أن يُلام المرء على الأمور التي اختار فعلها بمحض إرادته. لكن لاحظ أن هذا هو الشرط الأساسي المُطبق على الأفعال التي يُعتقد أن المرء يستحق اللوم عليها. إذا ما أخذنا على محمل الجد احتمال أن نكون مستحقين لللوم بسبب اتجاهاتنا، فهذا قد يقودنا بطبيعة الحال إلى التقليل من أهمية الإرادة الحرة، أو إعادة النظر فيما تنطوي عليه (انظر مثلاً، Smith, 2005). من المعتاد أن تُعد الإرادة الحرة نوعاً من التحكم، بوصفها قدرة على التحكم (عبر اختيار) أيٍ من الاحتماليين المستقبليين سيحصل مثلاً، أو بوصفها قدرة على التحكم (عبر توجيه) تصرفات المرء في ظل أحكامه المُعتبرة بشأن ما الذي يتعين عليه فعله (انظر،;Fischer,1994 ;van Inwagen,1983 ;Nelkin, 2011 Franklin, 2018). لقد تبين أن سؤال ما إذا التحكم من النوع المناسب متوافقاً مع الجبرية هو سؤال من الصعب إجابته، وبالتالي فسؤال هل سيكون اللوم مناسباً في عالمٍ تسوده الحتمية، هو سؤالُ صعبة إجابته. ومع ذلك، فهناك تهديدات عامة أقل للحرية. فنحن جميعنا معرضون للإكراه، والتلاعب، الضغوط الموقفية، ومعرضون لدرجات متفاوتة من الإغراء أو الاضطرار، وبقدر ما تسلب هكذا عوامل منا حريتنا، بقدر ما نكون غير مستحقين لللوم.

إذا أضفت القدرة العقلية العامة المُحددة لكيفية التصرف إلى النوع الصحيح من قدرات التحكم (والتي من المحتمل أن تتضمن ليس فقط القدرات الإرادية، ولكن القدرات الإدراكية أيضاً)، ستحصل على فاعلٍ مسؤول أخلاقياً، أي فرد لديه القدرات التي تجعل منه مُعرض منطقياً للوم (انظر، Fischer & Ravizza, 1998 وVargas, 2013). في حال استخدام الفاعل لتلك القدرات في ممارسة تصرف مشين أخلاقياً، فسيكون عندئذٍ مسؤول أخلاقياً عن هذا الفعل، أي أنه مُعرض منطقياً لأن يُلام على هذا التصرف. فهو ليس معذوراً أو مُعفى من لومنا له.

يوجد المزيد من اللبس هنا، لكنه غير ضروري للنقطة الرئيسية، وهو أن أغلب المنظرين ببساطة يعتقدون أنه من المناسب فقط لوم الشخص إذا امتلك قدرات معينة للتحكم، ولتحديد كيفية التصرف، وللفهم الأخلاقي وما إلى ذلك، ومارس هذه القدرات في الموقف المعني. أحد مواطن اللبس هو أنه حتى لو استوفى الفاعل جميع شروط التحكم ذات الصلة، فريما يظل غير مسؤول إذا أخفق في تحقيق شرط المعرفة المستقلة. يبدو أن الجهل بدون ذنب (وربما حتى الجهل بذنب) بنتائج أفعال المرء تُبرر له سلوكه السيء بقدر ما يُبرره افتقاره للتحكم (انظر، ; Mele, 2011;Ginet, 2000 Robichaud

& Wieland 2017). وبالمثل، يعتقد معظم المنظرين أنه إذا امتلك المرء هذه القدرات ومارسها، فإنه مُستحق لللوم، أي أنه جلب اللوم لنفسه. لكن مجرد أن الشخص يستحق اللوم لا يعني أن اللوم هو الاستجابة الصحيحة بالضرورة. لمعرفة سبب ذلك، دعونا ننتقل الآن إلى الوقائع الخاصة بالتفاعل أثناء اللوم.

2.2 الوقائع الخاصة بالتفاعل أثناء اللوم

حتى لو كان الشخص مُستحق لللوم، فليس كل تفاعل أثناء اللوم مطلوب. إذا فكرنا في اللوم على أنه “خطوة” نقوم بها خلال مجال أخلاقي، أو كمساهمة في حديث أخلاقي ( انظر، McKenna, 2012)، فإن أحد أبعاد التساؤلات الطبيعية سيكون ذو صلة بهذه الخطوات أو الرسائل المطلوبة. قد نعتبر هذه الخطوات أو الرسائل بمثابة قواعد إجرائية (Coates and Tognazzini 2012).

1.2.2 التناسب

على غرار الاعتقاد السائد بأن العقاب يجب أن يتناسب مع الجريمة، فمن المعقول أن نفترض بأنه لا بد لللوم أن يتناسب على نحوٍ ما مع الخطأ الحاصل. ربما من المسموح أن تتضايق من صديقك لأنه نسي عيد ميلادك ذات عام، لكن لا يجب (على الأقل في حالة غياب بعض القرائن المعينة) أن تُقسِم بعدم الحديث معه مرةً أخرى جراء تلك الهفوة. لا شك أن ما يمكن اعتبارها استجابة لوم مناسبة لخطأ أو تجاوز ما، من المرجح أنها تختلف باختلاف العلاقات، والانتهاكات، إلا أنه من المحتمل دائماً أن تكون هنالك بعض الاستجابات التي تأخذ الخطأ الواقع بجدية كبيرة، وبعضها لن يأخذه على محمل الجد بالقدر الكافي. ورغم ذلك، فإن ما يمكن اعتبارها استجابة لوم مناسبة لا يعتمد فقط على طبيعة الخطأ، إذ من الوارد أن يعتمد أيضاً على الطريقة التي استجاب بها مرتكب الخطأ لفعله الخاطيء. كما تقول أنجيلا سميث Angela Smith:

إذا كان لدى شخصٍ ما اتجاهات مرفوضة نحوي مثلاً، لكنه في الواقع ينتقد نفسه بسببها، ويبذل جهوداً لتغييرها، فربما أعتقد أنه ليس لدي سبب لأتخذ أو أعبر عن اتجاهات لوم نحوه على الإطلاق. إذ أن انتقاد هذا الشخص لذاته يُظهر لي بأنه يُدرك فعلياً بأن لدي اعتبار أخلاقي، وبأني أستحق معاملة أفضل. وبالتالي، قد لا أرى أن اتجاهاته الخاطئة تمثل تحدياً لي أو لمكانتي. في مثل هكذا حالات، لا يزال يُعزى التوجه الخاطيء إلى الفاعل وهو مستعد لتلقي الانتقاد الأخلاقي المشروع لذلك. إلا أن الفاعل يستجيب أصلاً لهذا الأمر، وعليه فربما لا يوجد ما يسوغ لمزيدٍ من النقد له من جانب الآخرين (Smith 2007: 482).

وبالمثل، في حالة اللوم الصادر من طرفٍ ثالث – عندما تلوم أنت شخصاً أساء إلى شخص آخر – فهنالك تساؤلات إجرائية خاصة بكيفية تناسب شدة لومك مع شدة لوم الشخص المُتضرر. إذا شككت في أن فشلك في لوم شخص ما أخطأ في حقك ينبع من افتقارك لاحترام ذاتك أو من نقص في شعورك بالقدرة، فربما عندها من المناسب أن أكون أكثر غضباً منك. لكن في حالاتِ أخرى، يبدو كما لو أني بحاجة إلى أن أخفف من لومي بحسب الطريقة التي تنظر بها إلى الخطأ الذي اُرتكب في حقك. على سبيل المثال، ماذا لو سامحتَ مُرتكب الخطأ؟ هل هذا في حد ذاته يجعل لوم الطرف الثالث في غير محله؟ تقترح ماورا بريست Maura Priest (2016) بأن نُميز بين “لوم المُشاهد” و ” لوم الشريك” للمساعدة في التعامل مع هذه المسألة. في حين أن التسامح قد يجعل اللوم بالنيابة عن المجني عليه غير مناسب، إلا أنه لا يزال هناك شكل مستقل أو منفصل من اللوم يمكن الإبقاء عليه بصورة مناسبة.

2.2.2 الاعتبارات المعرفية

تُسرد الأمثلة الخيالية دائماً من قبل راوي عليّم، ولكن بالطبع حالات اللوم في الحياة الواقعية ليست كذلك أبداً، ولا بد علينا أن نعتمد على أحكامنا المُعرضة للخطأ بشأن الدوافع المُبهمة للبشر الآخرين. نكون أحياناً واثقين من أن الشخص قد أخطأ، وفي أوقاتٍ أخرى ندع غضبتا يُعيق مخيلتنا وسماحتنا في البحث عن أعذار محتملة لخطأ واضح. إن الغضب السريع هو في حد ذاته يجعل المرء عُرضة للنقد، والذي يجعلنا نعتبر الغضب سريعاً هو أنه غالباً ما يسبق الدليل على ارتكاب الخطأ. بالطبع مجال اللوم بين الأفراد لا يشبه تماماً مجال المسؤولية القانونية. لذلك، “بما لا يدع مجالاً للشك” قد يكون متطلباً صعباً للغاية، ولكن بالرغم من ذلك، فإن هنالك بعض المعايير المعرفية التي لا بد من استيفائها قبل أن يكون اللوم مناسباً، حتى إذا كان المستهدف باللوم مستحق لللوم في الحقيقة (تُوسع في هذه المسألة بتفصيلٍ أكثر من قِبل .(D. Justin Coates (2016)

لقد دعا أيضاً جيدون روزينGideon Rosen إلى الأخذ بالاعتبارات المعرفية في اللوم، إلا أنه يستخدمها للدفاع عن نوعٍ عام من الشكوك حول المسؤولية الأخلاقية:

ما الذي يتعين عليك أن تفكر به لأجل أن تعتقد بأن بيل Bill مثلاً مسؤول عن كذبه على زوجته؟ لا بد أن تعتقد بأنه في وقتها، إما أنه كان يعلم بأن لديه سبب حاسم ليمتنع عن الكذب، أو إذا لم يكن على دراية بذلك، فجهله كان نتيجة لبعض الأفعال السيئة في الماضي التي قام بها مع علمه الكامل بكل ما يتصل بها من وقائع أو معايير. يجب أن تعتقد بأن فعله السيء إما أنه نوبة حقيقية وشديدة القوة من ضعف في الإرادة akrasia ، أو ناتج عنها.

أقترح أنه بالنظر إلى غموض العقل – عقول الآخرين وحتى عقل المرء نفسه – فمن غير المعقول على الدوام أن نضع ثقة كبيرة في هكذا حكم .(Rosen 2004: 308)

تستند شكوك روزين Rosen هنا على الحجج المقدمة سابقاً في مقالته ليصل إلى الاستنتاج بأن المتطلبات المعرفية للمسؤولية الأخلاقية متشددة للغاية (لأجل أن يُدان الجهل، يجب أن يُعزى ما عملهُ في النهاية لفعلٍ واضح لإرادة ضعيفة؛ انظر أيضاً .(Levy, 2011 ولكن من أجل أهدافنا، فالنقطة الهامة هي ببساطة أن “غموض العقل” على حد تعبير روزين Rosen، قد يجعل من الصعب معرفة متى يكون الشخص مستحقاً لللوم بالفعل، وبالتالي يمكن أن يجعل الحكم بارتكاب الخطأ غير مُبَرر، وهذا الحكم هو الذي يعتمد عليه اللوم المناسب. بالطبع لا يحتاج المرء إلى قبول خلاصة روزين Rosen المتشككة ليوافق على أنه يجب على اللائمين ألا يتسرعوا في استنتاجاتهم بخصوص الأخطاء المرتكبة.

2.3 الوقائع الخاصة بالشخص المُلام

حتى في حال كان أحد الفاعلين مستحقاً لللوم، وحتى إذا لم يوجد انتهاك لمبدأ ما، فليست المسألة (أو على الأقل، ليست المسألة دائماً) بأن أي شخص يمكنه أن يلوم. كما يوضح روجر فيرتهايمر:Roger Wertheimer

قد لا تكون بعض الأمور – مثل العلاقات الأسرة الحميمية لدى الناس – من شأنك، أو تخصك، أو هي اهتمام (مناسب) لك. لذا، فمهما كانت أدلتك ومشاعرك، فليس من حقك أن تحمل سوء النية (Wertheimer 1998 : 499).

يحمل جي. اي. كوهينG. A. Cohen  رأياً مماثلاً، ولكن من منظور مختلف:

قد يكون التحذير [الأخلاقي] صحيحاً وفي محله، لكن البعض قد يكون في وضع غير ملائم لتقديمه. عندما يرد الإنسان على ناقد بقوله: “أنّى لك أن تنتقدني بسبب ذلك؟ “، هو لا ينكر (أو يؤكد بالطبع) صحة ما ينطوي عليه انتقاد الناقد. إنه ينكر حق ناقده في توجيه هذا النقد في موقف حكم (Cohen 2006: 118).

إن الفكرة العامة هنا أنه قد تكون هنالك وقائع عن الشخص الذي يُبدي اللوم تجعل لومه غير مناسب. هذا ليس من حقهم، ليسوا في وضع يسمح لهم بذلك، ليس لديهم السلطة وما سوى ذلك. تشير مارلين فريدمان Marilyn Friedman (227:2013) إلى هذه النقطة بشكلٍ جيد بقولها بأنه ليس كل شخص يستحق اللوم. وللمتابعة مع المقارنة القانونية الواردة أعلاه: في حين أن التفاعل أثناء اللوم يثير تساؤلات حول الإجراءات، فإننا قد نفكر في الوقائع الخاصة بالشخص اللائم على أنها تثير أسئلة حول الصلاحيات. من المسلم به أن مرتكب الخطأ مستحق لللوم، وبأن إجراءات اللوم ستكون صحيحة، فمن يستطيع بالضبط سن تلك الإجراءات؟

  1.3.2 الأهلية

  يوجد مؤخراً فيض في الأبحاث الخاصة بما يُسمى الأهلية لللومstanding to blame ، والذي عادةً ما تُعتبر واقعةً أساسية عن اللائم وتتعلق بما إذا كان اللوم مناسباً أم لا. عادةً ما يُعامل اللوم المنافق كمثال نموذجي، وأهم فكرة أساسية هي ببساطة أنه يظهر بأن هناك أمراً ما غير مناسب بشأن اللوم الصادر عن اللائم المذنب بنفس الانتهاك الذي يتصدى له. إن الطريقة المعتادة للحديث عن الخطأ الذي يحدث في هذا النوع من الحالات هي استخدام مسمى “الأهلية”. يفتقر اللائم المنافق إلى وجود أهلية لديه تسمح له باللوم. ولكن قبل أن ننظر عن كثب إلى فكرة الأهلية بشكل عام، والنفاق على وجه الخصوص، يجدر بنا أن نقدم لمحة موجزة حول هذه المصطلحات.

لا يستخدم كل من يكتب عن “الأهلية” هذا المصطلح بنفس الطريقة. ما يمكننا قوله هو أن هنالك ثلاث استخدامات مختلفة لهذا المصطلح، وقد نتج عن ذلك أن المنظرين يتحدثون أحياناً مع بعضهم البعض عن موضوع “الأهلية”، وهم يعتقدون أنهم يتحدثون عن نفس المصطلح. يبدو أن الجميع متفق على أن “الأهلية” هي تسمية تُطبق على بعض الوقائع الخاصة باللائم والتي تسمح باللوم المناسب (أو بصورة متحفظة أكثر، إن “الافتقار إلى “الأهلية” تسمية تُطبق على بعض الوقائع الخاصة باللائم والتي تجعل اللوم غير مناسب). إلا أنه من هذا الأساس المشترك، تتباين استخدامات هذا المصطلح.

بالنسبة للبعض، “الأهلية” هو مصطلح يشير إلى أي حالة للائم ذات صلة باللوم المناسب. من خلال هذا المعنى الواسع،

تمثل فكرة “الأهلية” طريقة لتمييز التباين مع الوقائع الخاصة بالشخص الملام، مثل ما إذا كان الشخص المُلام مستحق لللوم. وبالاستعانة مجدداً بمصطلحات فريدمان Friedman، ففكرة “الأهلية” تُطبق أحياناً على نطاق واسع على أي أمر يخص ما إذا كان اللائم مستحق لللوم. ولكن المنظرين الآخرين يستخدمون هذا المصطلح على نحوٍ أضيق نطاقاً.

بالنسبة لآخرين، ترتبط الأهلية بشكل أكثر تحديداً بما يجعل اللوم المنافق غير مناسب. لقد ذكرنا سابقاً أن اللوم المنافق

عادةً ما يُعامل كمثال نموذجي لللوم الذي لا أهلية له، لذا من المفهوم أن بعض المنظرين ينظرون إلى حالة المنافق على اعتبار أنها تقدم مضموناً ومعنى لفكرة الأهلية. إذن ستكون الأمثلة الأخرى لللوم الذي لا أهلية له حالات أخرى ذات صلة بشكل كبير بما يحدث في حالة المنافق. هذه الطريقة لفهم الأهلية تدع الاحتمال مفتوحاً لوجود بعض الوقائع عن اللائم بمعزل عن الأهلية، لكنها تجعل اللوم غير مناسب.

أخيراً، هناك أولئك الذين يربطون فكرة الأهلية باعتراض معين قد يثيره على ما يبدو الشخص المُلام. على وجه الخصوص، وكرد على اللوم المنافق أو التطفلي (لنأخذ مثالين شائعين)، يبدو أن الشخص المُلام يمكنه أحياناً رفض اللوم بشكل مناسب (أو ربما بشكلٍ أفضل، إسكات اللائم) بالرد: “من أنت لتلومني على هذا؟”. في هذا النوع من المحادثة، الفكرة بأن الشخص المُلام يتحدى أهلية اللائم. وبالنسبة لأولئك الذين يتبنون وجهة النظر هذه لمفهوم الأهلية، فالوقائع الوحيدة عن اللائم والتي تعتبر ذات اعتبار هي تلك التي غيابها سيضمن مشروعية الرد بعبارة “من أنت؟”.

من الواضح أن كل هذه الأسئلة الثلاثة: (1) ما هي الوقائع الخاصة باللائم ذات الصلة بمدى ملاءمة اللوم ولماذا،(2) ما الخطأ الذي يحدث في حالات اللوم المنافق، و (3) ما هي الوقائع الخاصة بالفرد اللائم الخاصة بصحة التهجم بــــــ “من أنت؟” والتي يجدر السؤال عنها، ومن المحتمل أن تكون لها إجابات مزدوجة. إلا أن هناك مخاطرة كبيرة لوقوع سوء فهم إذا لم نفرق بين هذه الأسئلة. ونظراً لأن النفاق يلعب مثل هذا الدور الجوهري في الأبحاث الحديثة حول هذه الأسئلة، فسنبدأ منه.

2.3.2 النفاق

يحدث أحياناً على الأقل أن نلوم الآخرين بهدف دفعهم لرؤية الخطأ في أسلوبهم وليغيروا من سلوكياتهم مستقبلاً. طريقتنا المؤكد فشلها في هذا الشأن هي أن نكون مذنبين بنفس الخطأ. قد يكون اللائم المنافق مثالاً نموذجياً لانحراف لوم الشخص عن مساره. فمن ناحية، ليس من المحتمل أن يكون اللوم المنافق فعالاً (انظر، Dworkin 2000; Roadevin 2018)، لكن يـبدو أن المشكلة أعمق من ذلك. لنقل بطريقةٍ أخرى، أن اللوم المنافق سيظل مُشكلاً، حتى لو كان فعالاً. وبالاتساق مع التمييز الذي عرضناه في نهاية آخر قسم، دعنا نفرق بين سؤالين: أولاً، ما هي المشكلة في اللوم المنافق؟ وثانياً، ما هي طبيعة الاعتراض على اللوم المنافق بـــــ “من أنت”.

لذا، أولاً: ما هي بالضبط مشكلة اللوم المنافق؟ (انظر،Szabados and Soifer, 2004 ، للاطلاع على عرض مُسهب لأخلاقيات النفاق عموماً). من المرجع أن تعتمد إجابة هذا السؤال على طبيعة اللوم. فآر. جي. والاس R. Jay Wallace مثلاً، والذي يؤيد نظرية ستراوسون Strawson لللوم، يوضح مشكلة النفاق من خلال الاستعانة بالالتزامات التي تقوم عليها الاتجاهات التفاعلية. بالنسبة لوالاسWallace (2010: 326) “يحمل اللوم في طياته نوعاً من الالتزام بالتمعن في الذات على نحوٍ ناقد”، وهو التزام أخفق اللائم المنافق في الوفاء به. وبالنظر إلى أن ” لدينا جميعاً اهتمام بأن نكون محميين من مثل هذا النوع من الرفض الاجتماعي، والازدراء الذي يتضمنه اللوم”، فاللائم المنافق – طالما أنه لا يلوم نفسه أيضاً، وفي هذه الحالة قد لا يعتبر منافقاً – يتعامل مع مصلحته الخاصة في تجنب اللوم باعتبارها أكثر أهمية من مصلحة الشخص الذي يوجه اللوم إليه. وكما يذكر والاس Wallace (2010:328): “هذا يسيء إلى الافتراض المؤيد للأهليات المتساوية للأشخاص والتي اعتبرها أساسية للتفكير الأخلاقي”. ولذلك، فبالنسبة لوالاس Wallace، مشكلة اللوم المنافق هي أنه خاطيء أخلاقياً (وبالتالي ليس مناسباً، حتى لو كان المستهدف باللوم مستحق لللوم). يعتقد أيضاً كايل فريتزKyle Fritz و دانيال ميللر2018) Daniel Miller ) بأن اللوم المنافق أمر مرفوض أخلاقياً لأنه يتضمن “نزعة لوم تفضيلية” وغير عادلة، وهي ” تتعارض مع المساواة بين الأشخاص”.(2018: 123) يحاج فريتز Fritz وميللر Miller بأن منظورهما، بعكس والاس Wallace، يمكنه أن يفسر ليس فقط ما هو مرفوض بشأن الخطاب الأخلاقي المنافق، بل وأيضاً لماذا حتى اللوم المنافق غير المعبر عنه يمثل مشكلة أخلاقية.

ومن جانبٍ آخر، يعتبر تي. ام. سكانلون T.M.Scanlon اللوم تعديلاً للاتجاهات كاستجابة لاختلال العلاقة، لذا فمشكلة اللوم المنافق هي أنه يشوه الوقائع. إن تعديل الاتجاهات والتوقعات المُكونة لللوم تمثل استجابة لطريقةٍ ما تسبب فيها الشخص المُلام في إضعاف علاقته مع الشخص اللائم. إلا أنه وكما يذكر سكانلون Scanlon (2008: 177)، ” فهناك أمرٌ ما خاطيء في [اللائم المنافق] يشير إلى أن عدم رغبة [المُلام] في التصرف بطريقة ما، يدل على انعدام استحقاق الثقة الذي يُضعف علاقتهما الأخلاقية”، وذلك لكون الاتجاهات والتصرفات السابقة للائم المنافق أضعفت بالفعل العلاقة المعنية.

وبالتالي، فبالنسبة لسكانلون Scanlon، قد نقول بأن مشكلة اللوم المنافق أنه غير مناسب (غير صحيح وفقاً للوقائع).

حتى في حال كان اللوم المنافق غير مناسب أو غير منصف، فليس من الواضح كيف سيساعدنا ذلك على فهم التهجم بـــــ “من أنت” التي شجعت على وجود الكثير من الأبحاث الحالية حول “الأهلية”. عندما أتحدى صلاحياتك في القاء اللوم عبر اتهامك بالنفاق، فأنا لا أحاول فقط إخبارك بأنك تفعل أمراً ما خاطيء أخلاقياً. ولا بأن لديك افتراضات خاطئة. وعلى الرغم من أن هذه يمكن اعتبارها أسباباً للتوقف عن القاء اللوم، إلا أن تهجم “من أنت” محدد أكثر من الزعم بأن لدى اللائم ما يدعوه للتوقف عن اللوم. بدلاً من ذلك، يبدو بأني أحاول اسكات لومك بطريقةٍ ما. وهذه الفكرة الإضافية التي تدفع بما لدى ماكالستر بيل Macalester Bell (2013a)  من شكوك حول فكرة الأهلية. فسيكون سؤالنا الثاني إذن هو كيف نفهم بالتحديد تهجم “من أنت” عند تطبيقه على اللائم المنافق.

يوجد اقتراحان عامان لفهم الطريقة التي يبدو فيها أن النفاق يجعل اللائم يخسر صوته الأخلاقي، إن جاز التعبير. لقد رأينا سابقاً أن فريتز Fritz و ميللر Miller يتفقان إلى حدٍ كبير مع والاس Wallace في أن اللوم المنافق غير منصف وذلك لما يحمله المنافق من ” نزعات لوم تفضيلية”، إلا أنهم يذهبان إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال افتراضهم بأن المآل المعتاد لعدم عدالة اللوم المنافق هو ما يتسبب فيه اللائم من “إسقاط الحق في لوم الآخرين” جراء ما وقع من انتهاكات للمعايير المتعلقة بحدوث النفاق(Fritz & Miller 2018: 125) . تتسق هذه الفكرة بشكل طبيعي مع بعض الطرق التي عادةً ما يُصاغ فيها تهجم “من أنت”. عندما أسأل السؤال الخطابي، “من أنت لتلومني؟”، ربما ما أحاول قوله هنا هو أنه بالرغم من أن الآخرين قد يكون لديهم الحق في لومي على هذا الخطأ، إلا أنه ليس لديك أنت مثل هذا الحق. لقد سلبك نفاقك هذا الحق. ومع ذلك، حتى وإن بدا ذلك حازماً جداً. ربما لا يعني نفاقك خسارتك للحق في اللوم، ولكن يعني فقط أن لديك سبباً خاصاً لحدٍ ما يمنعك من القاء اللوم. ونظراً لأن اللوم – حتى اللوم المنافق -يمكن أن يكون أحياناً واجباً أخلاقياً، فهذا السبب ليس حاسماً على الدوام. لكن وجوده قد يكون كافياً ليفسر الإدراك بأن المنافق يتخطى حدوده على نحوٍ ما في كثيرٍ من الحالات.

قد تقلق بالطبع بشأن الافتراض بأن هنالك شيء ما من قبيل الحق العام أو استحقاق اللوم في المقام الأول. يُحاج مات كينج Matt King (في عمل سيصدر قريباً) على هذا الأساس ليؤيد الشكوك الخاصة بفكرة الأهلية. وفقاً لكينج King ، لا يوجد ما هو خاص في تهجم “من أنت”، و يقدم منظوراً للخطأ الواقع في اللوم المنافق لا يستخدم فيه فكرة الأهلية، وإنما بدلاً عنها، يستخدم فكرة بأن المنافق ينتهك معايير الأولوية (أو ربما معايير الانخراط) والتي تحدد أين يجب أن يكون تركيزنا النقدي. إن تركيز المنافق في موضعٍ خاطيء، وهذا يقدم للمنافق سبباً أخلاقياً هاماً بأن لا يلوم.

الاقتراح الثاني الذي طوره مؤخراً أوري هيرشتاينOri Herstein ، لتفسير كيف أن تهجم “من أنت” لا يثير الحق العام في اللوم، وإنما بدلاً من ذلك، يبدأ من منظور أن اللوم – في جانب منه – هو محاولة لإبداء أسباب للشخص المُلام، أسباب لإيقافه عما يفعل، وليعتذر، وليُقر بما ارتكبه من خطأ. وحتى بدون لومه، فمن المفترض أن يكون لدى مرتكب الخطأ هذه الأسباب، ولكن ما يفعله اللوم هو إضافة نوع آخر من الأسباب إلى هذه المجموعة من الأسباب، وبالأخص السبب التوجيهي. هذا المنظور الأكثر اثراءً لعملية اللوم يتيح المجال لطرق جديدة لفهم تهجم “من أنت”. من وجهة نظر هيرشتاين Herstein، بالرغم من أن اللائم المنافق لا يزال يقوم بتوجيه صائب من خلال اللوم، إلا أن هذا التوجيه مع ذلك قد يكون من المسموح تجاهله “بدون تفكير كبير في جدارته”.(Herstein, 2017: 3110)

 3.3.2 إشكاليات أخرى متعلقة بالشخص اللائم

على الرغم من أن النفاق هو أكثر الوقائع الخاصة باللائم التي نُوقشت والتي تجعل اللوم إشكالياً، إلا أنه توجد بالتأكيد وقائع أخرى جديرة بالبحث. سنناقش هنا بإيجاز أربعة منها: التواطؤ ، التطفل، الحظ الأخلاقي، والظلم المدّعى.

إن اتهام الشخص بإلقاء اللوم نفاقًا هو الزعم بأنه يلوم (أو على الأقل يتظاهر باللوم) رداً على انتهاكات مشابهة لتلك (أو ربما مطابقة لتلك) التي ارتكبها في الماضي. هناك اتهام ذو صلة إلى حد ما، لكنه يستحق أن نميزه، وهي الزعم بأن اللائم متورط بطريقة ما وعلى نحوٍ مرفوض في نفس الفعل الذي يدينه في هذه اللحظة الراهنة. هذا لاتهام اللائم بالتواطؤ ، وقد تتخذ هكذا تهمة أشكالاً عديدة. يقدم جي.ام. كوهين (2006: 126) GA Cohen مثالاً جيداً: “لقد أمرتني بفعل ذلك، وطلبت مني فعل ذلك، وأجبرتني على فعل ذلك، ولم تترك لي أي بديل معقول، ومنحتني السبل لفعل ذلك”. الضابط المسؤول الذي يأمر مرؤوساً بفعل أمر مستهجن أخلاقياً، ليس في وضع يسمح له بلوم المرؤوس لتنفيذه الأمر ، حتى ولو كان كلاهما موظفين مدنيين. وهذا ليس بالضرورة لأن الضابط المسؤول فعل أشياء مماثلة في الماضي، وإنما بدلاً من ذلك، لأنه ضالع بشكل كبير في نفس الفعل الذي يزعم إدانته.

نُوقشت مسألة التواطؤ مؤخراً بخصوص إذا كان للدولة الحق في لوم بعض المجرمين. يعرض جاري واتسون Gary Watson (2015) وجستاوفو اي. بيدي Gustavo A. Beade (يصدر قريباً) بعض الإشكاليات حول حقيقة ارتباط الإجرام

 ببعض جوانب الحرمان الاجتماعية والتي قد تكون الدولة نفسها مسؤولة عنها. إذا كان التواطؤ في ارتكاب انتهاكات يُزعزع الأهلية لللوم، وإذا كانت الدولة – كما يبدو منطقياً – مسؤولة جزئياً على الأقل عن الظروف الاجتماعية التي تفسر جانب من السلوك الإجرامي، فسيغدو من غير الواضح فجأة بأن الدولة في وضع يخولها معاقبة مخالفين معينين للقانون. يتناول واتسون Watson أيضاً استنتاجاً أكثر إثارة للقلق وهو أن بعض المجرمين المحرومين اجتماعياً ليسوا ملزمين بالقوانين أساساً، وذلك جراء المُعوقات البُنيوية التي الدولة فيها متواطئة.

بالرغم من أنه من المفيد لبعض الأغراض التمييز بين النفاق والتواطؤ، فقد يكون ذلك إشكالياً على مستوى أساسي أكثر للسبب نفسه. هذا هو الرأي الذي يؤيده باتريك تودPatrick Todd (2012، يصدر قريباً). وفقاً لتود Todd، السبب الذي يجعلنا نثير تهجم “من أنت” ضد كل من المنافقين والمتواطئين في أخطائنا هو أنه في كلتا الحالتين، يُظهر سلوك اللائم افتقاده للالتزام بالمعايير الأخلاقية ذات الصلة.

حتى لو لم يكن اللائم منافقاً ولم يشارك في الفعل الذي يدينه، فقد يكون اللوم مع ذلك غير مناسب إذا كان الخطأ المعني ليس من شأنه. تقدم ليندا رادزيك Linda Radzik وصفاً جيداً لمواقفنا الأخلاقية العامة حيال هذه المواقف:

على سبيل المثال، غالباً ما يُصر مجموعة من زملاء العمل على أن الخيانة العاطفية لأحد أعضائها ليس من شأنهم (ثم يشعرون بالخجل قليلاً عندما يستمرون في الحديث عنها). يتردد الجيران والمعلمون في التدخل في معاملة أحد الوالدين لطفلهما، بالرغم من اعتقادهم بأن معاملة الطفل خاطئة، مالم يبلغ الخطأ مستوى معين من الخطورة. حتى في العلاقات المُقربة، فإننا أحياناً نكون غير متيقنين مما إذا كان يتعين علينا التعبير عن حكمنا الأخلاقي السلبي على سلوك صديقنا. صحيح أن التردد في العقاب في هكذا حالات يكون مبعثه الكسل، أو المصلحة الذاتية، أو الجُبن، أو عدم اليقين بشأن الأحكام الأخلاقية المعنية. ولا يتعارض أيٍ منها مع الزعم بأن لدينا أهلية العقاب. إلا أنه في أوقاتٍ أخرى، يبدو أن ترددنا مبعثهُ الشعور بأنه من الخطأ أن نعاقب. فنحن نقول،” ليس من حقي أن أتدخل، بالرغم من أنه يمكنني رؤية أن ما يفعله هذا الشخص أمر خاطيء”. نحن لا نشعر بأن لدينا الحق في معاقبة كل من مُذنب على كل خطأ (Radzik, 2011: 582).

والفكرة بطبيعة الحال هي أننا لا نشعر بأن من حقنا معاقبة كل مذنب على كل خطأ لأننا لسنا مُخولين بدرجة كبيرة لذلك. تصف رادزيك Radzik ثلاث مواقف يمكن فيها لمجموعة محدودة من الأفراد إلقاء اللوم بشكلٍ مناسب: (1) الحالات التي يُخَطيء فيها الفاعلون أنفسهم، (2) الحالات التي يكون فيها الخطأ “مرتكباً في علاقات خاصة، مثل العلاقات العاطفية، والصلات العائلية، والصداقات” (2011: 593)، و (3) الحالات التي يكون فيها لوم طرف ثالث “مُتعارض مع قدرة المجني عليه على أن يجد تبريراً عقب ارتكاب الخطأ”.(2011: 597)

إنه سؤالً جيد: لماذا يقتصر اللوم المناسب على أفراد معينين في مثل هذه الحالات. ربما هنالك دور لمعــــايير الخصــــوصية

(Smith, 2007; Nagel, 1998)، أو ربما هنالك تشابه مع فكرة الأهلية في القانون يُوضح ذلك (Sabini and Silver 1982, Bell, 2013a and King)، أو ربما في حال اعتبرنا اللوم استجابة يُفترض فيها مسبقاً بأن الشخص اللائم مسؤول على نحوٍ ما أمام أعضاء مجتمعه الأخلاقي، فقد يمكننا حينها التمييز بين عدة مجتمعات أخلاقية (متداخلة)، حيث ينتمي الشخص فقط إلى بعضٍ منها، وبالتالي يدعم بعضها قدرة الشخص على أن يلوم بصورة مناسبة (Duff, 2010: 126). إذا تبنينا نظرية سكانلون  Scanlonالحديثة لللوم (2008)، فقد يكون في وسعنا عندئذٍ القول بأن بعض الأخطاء ليست من شأننا لأنها لا تُضعف أيٍ من علاقاتنا، وبذلك لا تجعل أيٍ من التعديلات المُدخلة التي تُشكل اللوم في هكذا علاقات، تعديلات مناسبة. ما يسمى بـ “حالة الشأن” لللوم المناسب – اللوم غير مناسب إذا كان الخطأ ليس من شأنك – هي موضع آخر من المفيد فيه التمييز بين سؤال لماذا اللوم التطفلي يُمثل إشكاليةً، والسؤال الخاص بالطبيعة المحددة لتهجم ” من أنت” الذي قد يُثيره الشخص المُلام.

يقدم الحظ الأخلاقي (في كافة أشكاله) منظوراً آخر يمكن من خلاله فهم كيف قد يكون اللوم غير مناسباً. لنتناول مناقشة جاري واتسون Gary Watson (1987) لروبرت هاريس Robert Harris والمؤثرة، هاريس Harris الذي هو قاتل متوحش بصورة لا لبس فيها، وهو أيضاً في الحقيقة وفي الآن ذاته، ضحية لظروف نشأته المأساوية. إنه سؤال مشروع، عطفاً على ماضي هاريس، ما إذا كان هاريسHarris نوعاً من البشر الذين هم معرضين بشكل معقول لللوم – أي هل هاريس Harris حتى فاعل مسؤول أخلاقياً في المقام الأول – إلا أنه حتى في حال تسليمنا بذلك، فهنالك عقبة محتملة أخرى مؤثرة في إلقاء اللوم. يصفها واتسون Watson على النحو التالي:

إن واقع أن وحشية هاريس Harris هي ردة فعل مفهومة لظروفه، تمنحنا أساساً ليس فقط للتعاطف، ولكن لفكرة أنه إذا كنتْ تعرضت لمثل هذه الظروف، فربما سأصبح شريراً. إن ما يبعث على القلق هو فكرة أن الذات الأخلاقية للفرد بهذه الهشاشة. يميل المرء إلى التفكير في حسه الأخلاقي على أنه أعمق من ذلك (على الرغم من أنه ليس من الواضح ما يعنيه هذا). لا تثير هذه الفكرة قشعريرة وجودية فحسب، بل تثير أيضاً شعوراً بالمساواة مع الآخر، فأنا أيضاً بالإمكان أن أكون مذنباً  (Watson, 1987

   (أُعيدت طباعته في .in Watson, 2004: 245

إن عقبة إلقاء اللوم التي يصفها واتسون Watson هنا  هي ليست الفكرة بأن هاريس Harris قد لا يكون مستحقاً لللوم (بالرغم من أنه قد لا يكون كذلك)، إنما هي الفكرة التي عُبر عنها بشكلٍ جيد بعبارة “قد أكون مثله في نفس هذه الظروف[3]“. إنه منظور متواضع يتخذه الفاعل لنفسه، منظور قد “يشوه نظرة المرء إلى ذاته الأخلاقية بوصفها إنجازاً” (2004: 246)، ويجعل المرء يشعر بأن “السخط من جانبه سيكون تعالياً واعتداداً بالذات” (2004: 254). وبسبب عدم وجود مصطلح أفضل، فقد نقول إن هنالك مخاوف بشأن النفاق المحتمل، لأنه يحمل صفة مماثلة للمخاوف من النفاق التي نُوقشت سابقاً. إن لفكرة هنا هي شيء من قبيل: “إذا كنت سيء مثله، فلن يكون لدي أهلية للومه. وإنما الاختلاف بيننا هو مسألة حظ ببساطة، ومن المؤكد أنه لا يمكن أن يمُثل حظي الأخلاقي الجيد أساساً لأهليتي الأخلاقية لللوم. ولذلك فأنا أفتقر إلى الأهلية التي تخولني من اللوم رغم أني لم أفعل الأمور الفظيعة المعنية”.

من الجدير أن نشير إلى أمر أخير يخص اللائم والذي قد يُعقد التفاعل الحاصل أثناء اللوم، بالرغم من أن هذا الأمر لا يتسق بصورة جيدة مع الإطار النظري الذي تناولناه، لأنه لا يجعل اللوم غير مناسب بقدر ما يجعل اللوم غير مُصغى إليه. لدينا فكرة قدمتها فانيسا كاربونيلVanessa Carbonell (إصدار قريب)، والتي وصفتها بـ “الظلم المدّعى”. ترى كاربونيل Carbonell بأن الظلم المدّعى” . . . يحدث عندما تقوض التحيزات الاجتماعية أو عدم المساواة الهيكلية قدرة الفاعل الأخلاقية على الانخراط في خطاب أخلاقي مُلائم – على تقديم مزاعم أخلاقية، ولفت الانتباه للأفعال الخاطئة، والحكم على الآخرين أو إدانتهم بسبب أفعالهم، وتحميل الآخرين المسؤولية، والدعوة للإنصاف، واللوم أو العقاب، والمشاركة في أي من الممارسات الاجتماعية ذات العلاقة بأطرافٍ مشاركة وبالتصرفات التفاعلية بالنيابة عن الآخرين” (إصدار قريب: 16). الفكرة هنا هي أن القوة ذاتها للانخراط في الخطاب الأخلاقي هي مسألة تستلزم سياقاً اجتماعياً فيه يُدرك اللائم (ويعتقد هو نفسه) بأنه مرجعية سليمة للدعوات الأخلاقية، ولكن هذا السياق قد يكون مفقوداً لدى الأفراد المهمشين. الأمر الذي يجعلهم منهم غير قادرين على تحميل أعضاء الجماعات المسيطرة المسؤولية. وبالتالي قد تكون هناك واقعة أخرى تخص اللائم – حقيقة بأنهم مهمشين – يمكن لها أن تجعل اللوم غير مناسب. (للاطلاع على المزيد من النقاش ذو الصلة، انظرHornsby, 1995 ). ومرة أخرى، ليست الفكرة أنه قد تجاهل لومهم بقدر ما هي أنه لم يُعار الانتباه له بوصفه خطاباً أخلاقياً في الأساس.

2.4   أنواع اللوم

نظرًا لأن طبيعة اللوم مثيرة للجدل، فقد اتجهنا في هذا القسم إلى استخدام كلمة “يلوم” ببساطة، إلا أن من المهم أن ندرك بأن آراء المرء بخصوص أخلاقيات اللوم ستعتمد إلى حد كبير على ما يعتقد بأنه لوم. على سبيل المثال، فبالرغم من أن الخطاب الأخلاقي المنافق (مستخدمين مصطلح والاسWallace ) يبدو من الواضح أنه يكفل مشروعية تهجم “من أنت”، إلا أنه أقل وضوحاً فيما يخص ما إذا كان مجرد إضمار حكم اللوم المنافق هو أمر غير مناسب بالمثل، أو غير مناسب بنفس الطريقة. يعد الاختلاف عموماً بين اللوم المُعبَّر عنه وغير المُعبَّر عنه تمييزًاً مهماً ينبغي أخذه بالاعتبار عند التنظير حول الطرق التي يمكن أن يسير فيها اللوم بمسارٍ خاطيء (انظر Fritz and Miller, 2018 ؛ اصدار قادم.(Todd, علاوةً على ذلك، يبدو أن اللوم ليس سوى طريقة واحدة من بين العديد من الطرق التي نستجيب فيها لما يقع من أخطاء وتجاوزات، ولا يزال السؤال مفتوحاً حول كيفية ارتباط اللوم بممارسات من قبيل تحميل المسؤولية، والمطالبة بإجابات، والعقاب وما سوى ذلك. (فيما يخص بعض محاولات التصنيف، انظر Macnamara, 2011؛ Shoemaker, 2011؛ Smith, 2012؛Tognazzini, 2015). لذلك، فالإجابات على أسئلة أخلاقيات اللوم أعلاه، لن تتضاعف تلقائياً مثل الإجابات على الأسئلة المشابهة الخاصة بأخلاقيات هذه الطرق الأخرى للتفاعل.


 

المراجع

  • Arpaly, N., 2006, Merit, Meaning, and Human Bondage: An Essay on Free Will, Princeton: Princeton University Press.
  • Arpaly, N. and T. Schroeder, 2014, In Praise of Desire, New York: Oxford University Press.
  • Beade, G. A., forthcoming, “Who Can Blame Whom? Moral Standing to Blame and Punish Deprived Citizens”, Criminal Law and Philosophy.
  • Beardsley, E., 1969, “A Plea For Deserts”, American Philosophical Quarterly, 6: 33–42.
  • Bell, M., 2013a, “The Standing to Blame: A Critique”, in Coates & Tognazzini 2013: 263–281.
  • –––, 2013b, Hard Feelings: The Moral Psychology of Contempt, New York: Oxford University Press.
  • Bennett, C., 2013, “The Expressive Function of Blame”, in Coates & Tognazzini 2013: 66–83.
  • Carbonell, V., forthcoming, “Social Constraints on Moral Address”, Philosophy and Phenomenological Research.
  • Coates, D. Justin, 2016, “The Epistemic Norm of Blame,” Ethical Theory and Moral Practice, 19: 457–473.
  • Coates, D. J. and N. A. Tognazzini, 2012, “The Nature and Ethics of Blame”, Philosophy Compass, 7: 197–207.
  • ––– (eds.), 2013, Blame: Its Nature and Norms, New York: Oxford University Press.
  • Cohen, G. A., 2006, “Casting the First Stone: Who Can, and Who Can’t, Condemn the Terrorists?” Royal Institute of Philosophy Supplement, 58: 113–136.
  • Duff, R. A., 1986, Trials and Punishments. Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2010, “Blame, Moral Standing and the Legitimacy of the Criminal Trial”, Ratio, 23: 123–140.
  • Dworkin, G., 2000, “Morally Speaking”, in Edna Ullmann-Margalit (ed.), Reasoning Practically, New York: Oxford University Press, pp. 182–188.
  • Fischer, J. M., 1994, The Metaphysics of Free Will: An Essay on Control, Oxford: Blackwell.
  • Fischer, J. M. and M. Ravizza, 1998, Responsibility and Control: A Theory of Moral Responsibility, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Franklin, C. E., 2013, “Valuing Blame”, in Coates & Tognazzini 2013: 207–223.
  • –––, 2018, A Minimal Libertarianism: Free Will and the Promise of Reduction, New York: Oxford University Press.
  • Fricker, M., 2016, “What is the Point of Blame? A Paradigm-Based Explanation”, Noûs, 50: 165–183.
  • Friedman, M., 2013, “How to Blame People Responsibly”, The Journal of Value Inquiry, 47: 271–284.
  • Fritz, K. G. and D. Miller, 2018, “Hypocrisy and the Standing to Blame”, Pacific Philosophical Quarterly, 99: 118–139.
  • Gibbard, A., 1990, Wise Feelings, Apt Choices: A Theory of Normative Judgment, Cambridge: Harvard University Press.
  • Ginet, C., 2000, “The Epistemic Requirements for Moral Responsibility”, Nous, 34: 267–277.
  • Haji, I., 1998, Moral Appraisability: Puzzles, Proposals, and Perplexities, New York: Oxford University Press.
  • Hart, H. L. A., 1968, Punishment and Responsibility, Oxford: Oxford University Press.
  • Herstein, O. J., 2017, “Understanding Standing: Permission to Deflect Reasons”, Philosophical Studies, 174: 3109–3132.
  • Hieronymi, P., 2001, “Articulating an Uncompromising Forgiveness”, Philosophy and Phenomenological Research, 62: 529–555.
  • –––, 2004, “The Force and Fairness of Blame”, Philosophical Perspectives, 18: 115–148.
  • –––, 2008, “Sher’s Defense of Blame”, Philosophical Studies, 137: 19–30.
  • Hornsby, J., 1995, “Disempowered Speech”, Philosophical Topics, 23: 127–147.
  • Houston, B., 1992, “In Praise of Blame”, Hypatia, 7: 128–147.
  • Kenner, L., 1967, “On Blaming”, Mind, 76: 238–249.
  • King, M. forthcoming, “Skepticism about the Standing to Blame”, in D. Shoemaker, ed., Oxford Studies in Agency and Responsibility, vol. 6, Oxford: Oxford University Press.
  • Levy, N., 2011, Hard Luck, New York: Oxford University Press.
  • Macnamara, C., 2011, “Holding Others Responsible”, Philosophical Studies, 152: 81–102.
  • –––, 2015, “Reactive Attitudes as Communicative Entities”, Philosophy and Phenomenological Research, 90: 546–569.
  • Mason, M., 2011, “Blame: Taking it Seriously”, Philosophy and Phenomenological Research, 83: 473–481.
  • McGeer, V., 2013, “Civilizing Blame”, in Coates & Tognazzini 2013: 162–188.
  • McKenna, M., 2012, Conversation and Responsibility, New York: Oxford University Press.
  • –––, 2013, “Directed Blame and Conversation”, in Coates & Tognazzini 2013: 119–140.
  • Mele, A., 2011, “Moral Responsibility for Actions: Epistemic and Freedom Conditions”, Philosophical Explorations, 13: 101–111.
  • Menges, L., 2017, “The Emotion Account of Blame,” Philosophical Studies, 174: 257–273.
  • Nagel, T., 1998, “Concealment and Exposure”, Philosophy and Public Affairs, 27: 3–30.
  • Nelkin, D., 2011, Making Sense of Freedom and Responsibility, New York: Oxford University Press.
  • Nussbaum, M. C. 2001, Upheavals of Thought: The Intelligence of Emotions, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Pickard, H., 2013, “Irrational Blame”, Analysis 73: 613–626.
  • Priest, M., 2016, “Blame After Forgiveness”, Ethical Theory and Moral Practice, 19: 619–633.
  • Radzik, L., 2011, “On Minding Your Own Business: Differentiating Accountability Relations within the Moral Community”, Social Theory and Practice, 37: 574–598.
  • Rettler, L., 2018, “In Defense of Doxastic Blame,” Synthese, 195: 2205–2226.
  • Roadevin, C., 2018, “Hypocritical Blame, Fairness, and Standing”, Metaphilosophy, 49: 137–152.
  • Robichaud, P. and J. W. Wieland. (eds.), 2017, Responsibility: The Epistemic Condition, Oxford: Oxford University Press.
  • Rosen, G., 2004, “Skepticism about Moral Responsibility”, Philosophical Perspectives, 18: 295–313.
  • Sabini, J. and M. Silver, 1982, Moralities of Everyday Life, Oxford: Oxford University Press.
  • Scanlon, T. M., 1986, “The Significance of Choice”, The Tanner Lectures on Human Values VIII, Salt Lake City: University of Utah Press.
  • –––, 2008, Moral Dimensions: Permissibility, Meaning, Blame, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 2013, “Interpreting Blame”, in Coates & Tognazzini 2013: 84–99.
  • Sher, G., 2006, In Praise of Blame, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2013, “Wrongdoing and Relationships: The Problem of the Stranger”, in Coates & Tognazzini 2013: 49–65.
  • Shoemaker, D., 2011, “Attributability, Answerability, and Accountability: Toward a Wider Theory of Moral Responsibility”, Ethics, 121: 602–632.
  • –––, 2015, Responsibility from the Margins, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2017, “Response-Dependent Responsibility”, The Philosophical Review, 126: 481–527.
  • Smart, J. J. C., 1961, “Free Will, Praise and Blame”, Mind, 70: 291–306.
  • Smith, A. M., 2005, “Responsibility for Attitudes”, Ethics, 115: 236–271.
  • –––, 2007, “On Being Responsible and Holding Responsible”, The Journal of Ethics, 2: 465–484.
  • –––, 2008, “Character, Blameworthiness, and Blame: Comments on George Sher’s In Praise of Blame”, Philosophical Studies, 137: 31–39.
  • –––, 2012, “Attributability, Answerability, and Accountability: In Defense of a Unified Account”, Ethics, 122: 575–589.
  • –––, 2013, “Moral Blame and Moral Protest”, in Coates & Tognazzini 2013: 27–48.
  • Solomon, R. C., 1993, The Passions: Emotions and the Meaning of Life, Indianapolis: Hackett Publishing Company.
  • Strawson, P. F., 1962, “Freedom and Resentment”, Proceedings of the British Academy, 48: 1–25, reprinted in Watson 2003.
  • Szabados, B. and E. Soifer, 2004, Hypocrisy: Ethical Investigations, Broadview Press.
  • Talbert, M., 2012, “Moral Competence, Moral Blame, and Protest”, The Journal of Ethics, 16: 89–109.
  • Todd, P., 2012, “Manipulation and Moral Standing: An Argument for Incompatibilism”, Philosophers Imprint, 12 (March) [Todd 2012 available online].
  • –––, forthcoming. “A Unified Account of the Moral Standing to Blame”, Nous.
  • Tognazzini, N. A. 2015. “The Strains of Involvement,” in Clarke, McKenna, and Smith (eds.), The Nature of Moral Responsibility, New York: Oxford University Press, pp. 19–44.
  • van Inwagen, P., 1983, An Essay on Free Will, Oxford: Clarendon Press.
  • Vargas, Manuel, 2013. Building Better Beings: A Theory of Moral Responsibility, Oxford: Oxford University Press.
  • Wallace, R. J., 1994, Responsibility and the Moral Sentiments, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 2010, “Hypocrisy, Moral Address, and the Equal Standing of Persons”, Philosophy & Public Affairs, 38: 307–341.
  • –––, 2011, “Dispassionate Opprobrium: On Blame and the Reactive Sentiments”, in Wallace, Kumar, and Freeman (eds.), Reasons and Recognition: Essays on the Philosophy of T. M. Scanlon, New York: Oxford University Press, pp. 348–372.
  • Watson, G., 1987, “Responsibility and the Limits of Evil: Variations on a Strawsonian Theme”, in F. Schoeman (ed.), Responsibility, Character, and the Emotions: Essays in Moral Psychology, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 256–286.
  • –––, 1996, “Two Faces of Responsibility”, Philosophical Topics, 24(2): 227–248.
  • –––, 2004, Agency and Answerability, Oxford: Clarendon Press.
  • –––, 2011, “The Trouble with Psychopaths”, in Wallace, Kumar, and Freeman (eds.), Reasons and Recognition, New York: Oxford University Press, pp. 307–331.
  • –––, 2013a, “Moral Agency”, in H, LaFollette (ed.), The International Encyclopedia of Ethics, Oxford: Blackwell, pp. 3322–3333.
  • –––, 2015. “A Moral Predicament in the Criminal Law”, Inquiry, 58: 168–188.
  • Wertheimer, R., 1998, “Constraining Condemning”, Ethics, 108: 489–501.
  • Wolf, S., 2011, “Blame, Italian Style”, in Wallace, Kumar, and Freeman (eds.), Reasons and Recognition: Essay on the Philosophy of T. M. Scanlon, New York: Oxford University Press, pp. 332–347.
  • Zimmerman, M., 1988, An Essay on Moral Responsibility, Totowa, NJ: Rowman & Littlefield.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت عن اللوم

  • “Praise and Blame”, entry by Garrath Williams in the Internet Encyclopedia of Philosophy.
  • Blame, an episode of the NPR show Radiolab.

مداخل ذات صلة

compatibilism | desert | emotion | forgiveness | free will | incompatibilism: arguments for | luck: moral | moral responsibility | punishment, legal | Strawson, Peter Frederick

Acknowledgments

Our sincere thanks to John Martin Fischer, Coleen Macnamara, Angela Smith, and Gary Watson for all of their help thinking about moral responsibility and blame over the past several years, and to the American Council of Learned Societies and The College of William & Mary for financial assistance during the research for this entry. Thanks also to Dee Payton and Patrick Todd for helpful discussions about the issue of standing.


[1] Tognazzini, Neal and D. Justin Coates, “Blame”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2021 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2021/entries/blame/>.

[2]  بعكس التفسير الدائري والذي يتضمن سلفاً افتراض لما ينبغي اثباته، مما يجعل منه تفسيراً خاطئاً ومُضللاً (المترجمة).

[3] ترجمة لعبارة “There but for the grace of God go I” (المترجمة).