مجلة حكمة
الفلسفة العربية الإسلامية الطبيعية

الفلسفة العربية الإسلامية الطبيعية وعلوم الطبيعة

الكاتبجون ماكغينيس
ترجمةعبد الله البريدي
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول الفلسفة العربية الإسلامية الطبيعية؛ نص مترجم لد. جون ماكغينيس، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


الفلسفة الطبيعية – أو الفيزياء بالمعنى الدقيق للكلمة – هي دراسة الطبائع. ومع ذلك، نظرًا لكون معظم الفلاسفة الطبيعيين في العصور الوسطى كانوا يقصدون بـ “الطبيعة” مبدأ داخليًا للتغيير أو الحركة ينتمي جوهرياً إلى شيء ما، فقد حُددتْ الفلسفةُ الطبيعية بشكل أكثر بلورة بدراسة الحركة والشروط التي يُزعم أنها ضرورية للحركة، مثل: اللانهائي، المكان، الفراغ والزمان. في العالم العربي الإسلامي في العصور الوسطى، كان ثمة تقليدان فكريان أساسيان تبلورتْ فيهما الفلسفة الطبيعية: الكلام والفلسفة. اقترب الكلام، أو علم اللاهوت التأملي الإسلامي، بشكل عام من القضايا في الفيزياء في قالب ذري، متضمناً عند بعض المتكلمين ليس فقط تكوين الأجسام، ولكن أيضًا الحركة والزمن أيضًا، وبلغت ذروتُها -عند أهل الكلام اللاحقين- في النظرة السببية للعالَم التي احتفظت بالقوة السببية لله وحده. الفلسفة لها جذورها في العالم الفكري اليوناني، وبشكل أكثر تحديدًا في الفكر الفلسفي لـ أرسطو وفق تفسيرات الشراح المشائيين، والأفلاطونيين المحدثين، بجانب إسهامات جالينوس في علم الأحياء وعلم التشريح، وبطليموس في علم الفلك. عقب ذلك ثمة نظريات ذرية كلامية متبوعة بالتطورات في الفلسفة الطبيعية الأرسطية من لدن الفلاسفة العرب وإسهاماتهم المتفردة في هذا المجال.


 

1. ذرية الكلام

1.1 الذرات والحوادث

 على الرغم من أن بعض المتكلمين الأوائل أكدوا أن ثمة حوادث فقط، وأن الأجسام عبارة عن تركيب من مجموعة حوادث، رأى آخرون أن هنالك أجساماً عينية فقط، وأن كل شيء آخر يتكون من تداخل هذه الأجسام، على أن معظم المتكلمين يتبنون الذرات[1] والحوادث في إطارهم الوجودي بجانب ما يتعلق بالإله. إحدى طرق تبرير هذه الأنطولوجيا هي البدء بإثبات الخلق الزمني للعالَم. قيل أنه إذا لم يُخلق العالَم، فسيكون ثمة تسلسل زمني في إطار لا متناهٍ، وهذا أمر مستحيل. لذلك يجب أن يكون العالم قد خُلق في لحظة ما. ولكن في هذه الحالة، يجب أن يكون للعالَم خالق. وهكذا يكون ثمة خالق، وهو الله، ومخلوق. ما يُخلق ينقسم إلى ما يشغل حيزًا، أي الجواهر أو الذرات، وما لا يشغله أي الحوادث.

كان شَغْل الحيز (التحيُز) بالنسبة للمتكلمين نتيجة ضرورية لكون أي شيء جوهر، وهذه السمة المتمثلة في شَغْل الحيز هي التي أكدت وجود الجواهر؛ لأن شَغْل الحيز صفة تدركها الحواس مباشرة، ومن ثمَّ لا يمكن إنكارها. يُعرف وجود الجواهر بشكل مباشر. بالإضافة إلى ذلك، أكد معظم المتكلمين أن لهذه الجواهر أيضًا بِنية ذرية. هذا لا يعني أنهم اعتقدوا أن البشر يسعهم الإدراك المباشر لذرة منفردة؛ ومع ذلك، فقد اعتقدوا أنه يمكن للمرء أن يثبت أن المكونات المادية النهائية للعالَم يجب أن تكون منفصلة لا متصلة. وبشكل عام، تضمنتْ حججهم ذات الطابع الذري بدلاً من الجواهر المتصلة مفارقات بخصوص اللانهائي. على سبيل المثال، قيل إنه إذا كان الجسم متصلاً، فسيكون قابلاً للقسمة بلا نهاية، وفي هذه الحالة سيكون للجسم عددُ لا نهائي من الأجزاء التي تلتصق معًا لتشكل الجسم، والتي تستجيب مع عدد لا نهائي من الانقسامات. ويسعنا القول مع ذلك إن وجود اللانهائي الفعلي أمر متعذر، ولذا يجب أن ينتهي تقسيم الجسم عند عدد محدود من الأجزاء أو الذرات غير القابلة للتجزئة. ليس مفيداً الاكتفاء بالقول إن الجسم يتضمن عدداً لا حصر له من الأجزاء المتوافقة مع التقسيمات، عوض القول بعدد غير محدود، لأنه قيل أنه إذا كان هناك ثمة محتمل حقًا في هذا، فيجب أن يكون لبعض الفاعلين، الله، من حيث القدرة على تحقيق هذه الإمكانية. ولهذا، فإن المسألة موكولة إلى الله ليُحدث عدداً مفترضاً لانهائياً من الانقسامات، حينها سيكون ثمة عدد لا حصر له من الأجزاء، وهو أمر متعذر أيضًا. وبالمثل، لا جدوى من القول إن الانقسامات ليست فعلية ولا محتملة، ولكنها متخيلة فقط، لأن ما هو مستحيل حقًا لا يسعنا تخيله، وكان يُعتقد أن وجود لانهائي فعلي مستحيل بامتياز. كانت الحجة الأخرى للتركيب الذري للمادة هي الاختلاف في مفارقة زينون Zeno ثنائية الانقسام، والتي صيغت في مشهد يظهر زحف نملة على صندل. إذا كان الجسم متصلاً، فإن الجدل قائم، ثم إذا حاولت نملة عبور صندل، فستحتاج أولاً إلى الوصول إلى نقطة المنتصف على الصندل، ولكن قبل أن تصل إلى نقطة المنتصف، يجب أن تصل إلى نقطة المنتصف. وهكذا إلى ما لا نهاية. نظرًا لأنه لا يمكن عبور اللانهائي، فإنه لا يمكن لنملة أبدًا أن تعبُر الصندل، ولكن بالطبع يمكن عبور جسم مثل الصندل، ومن ثمَّ فلا يمكن للأجسام أن تكون متصلة، ولكن يجب أن تتكون من عدد محدود من الأجزاء الذرية. ومع ذلك، ذهبت حجة أخرى إلى أن الاختلافات في الحجم تُحسب من خلال الاختلاف في عدد الأجزاء المكونة للجسم. الآن إذا كانت الأجسام متصلة ومتكونة من عدد لا حصر له من الأجزاء، فإن عدد الأجزاء المكونة لبذور الخردل وعدد الأجزاء المكونة للجبل سيكون هو ذاته: لانهائي. ولهذا، يتوجب عدم اختلاف الهيئتين في الحجم؛ لأن لانهائية واحدة لا يمكن أن تتعدى الأخرى، ومع ذلك فإن هذا الاستنتاج خاطئ تماماً. في النهاية، استنتج معظم المتكلمين أن المادة المكونة للكون يجب أن تكون منفصلة وليست متصلة.

إلا أن العلماء اختلفوا حول ما إذا كان ينبغي النظر إلى الأجزاء غير القابلة للتجزئة ضمن فيزياء المتكلمين على أنها ممتدة أو شبيهة بالنقاط. جادل شلومو باينز Shlomo Pines بأنه على الرغم من أن المتكلمين في وقت لاحق أخذوا الذرات للظفر بمقياس معين، ومن ثمَّ اعتبارها ممتدة، فقد تصورها سلفُهم كنقاط. كتب باينز دراسته الرائدة عن الذرية الإسلامية، Beiträge zur islamischen Atomenlehre في عام 1936؛ ومع ذلك فقد أُتيح بعد ذلك المزيد من نصوص الكلام. في ضوء هذه المصادر الجديدة، طعن النور دهاناني Alnoor Dhanani (Dhanani 1994، 90-140) بنجاح في اقتراح باينز وجادل بدوره بأن ذرات المتكلمين سلفاً وخلفاً هي أقرب إلى الأجزاء البيقورية Epicurean البسيطة. في هذا الصدد، يمكن القول إن الذرة هي الحد الأدنى من الوحدة التي تشغل حيزًا ولها بٍنية داخلية بسيطة تمامًا. على هذا النحو، لا تمتلك الذرة سمات مادية أو مفاهيمية يمكن من خلالها أن نقسمها. وفق هذا الفهم للذرات، وعلى الرغم من أنها تعمل بوصفها مكونات للأحجام المختلفة المركبة منها، مثل الخطوط والطائرات والمواد الصلبة، فإنه لا يمكن من الناحية الفنية القول بأنها تمتلك الطول والعرض والعمق؛ إذ إنها من حيث الطول والعرض والعمق، تكون دوماً مقيدة بالأطراف، في حين أن الذرات ببساطة لا يسعها امتلاك أي أطراف، بيد أنها بدلاً من ذلك، تلعب نفس دور الأطراف لتلك الأشياء ذات الطول والعرض والعمق.

مرة أخرى، الذرات بذاتها تشغل حيزاً؛ ومع ذلك فإن من بين الأشياء المخلوقة، افترض المتكلمون أيضًا أشياء لم تكن في ذاتها تشغل حيزًا، إذ إنها ملازمة للذرات. الأشياء من هذا النوع الأخير هي ما يسمى بـ “الحوادث”. وقد جادل المتكلمون بوجود الحوادث، انبثاقاً من حقيقة أن الذرات على هذا النحو متشابهة أو متجانسة، ولذا، فإن كان ثمة تمايزات ملموسة بين الأجسام (ومن الجلي وجود مثل هذه التمايزات)، فيجب أن تكون هذه التمايزات حاصلة من جراء الاختلافات بين الحوادث الموجودة في الذرات. ثم واصل المتكلمون تحديد ما لا يقل عن اثنين وعشرين نوعًا مختلفًا من الحوادث، والتي تشمل الحوادث الجلية مثل: الذوق واللون والرائحة، وكذلك الإذعان adhesion والقوة والتحكم والإرادة، بجانب حوادث أقل وضوحًا مثل: الحياة، والعدم.  

2.1 المكان والزمان

بجانب ذلك فيما يخض الله والذرات والحوادث، طرح بعض المتكلمين أيضًا مسألة المكان (الفارغ). ادعى ابن رشد أنهم فعلوا ذلك من أجل أن يكون ثمة مكان يخلق فيه الله الذرات والحوادث بشكل مؤقت، على الرغم من أن هذا الادعاء لم يُذكر بوضوح من قبل المتكلمين أنفسهم. فيما يتعلق بالمكان، نوقش سؤالان بين الذريين: أحدهما، “هل المكان منفصل (مثل الذرات التي تشغله) أم متصل؟” وثانيًا، “هل ثمة أي مكان غير مشغول، أو بشكل أكثر تحديدًا، هل يمكن أن يكون ثمة فراغات بينية بين الذرات أم أن الكون يجسد امتلاء؟”

في حين أن المتكلمين أجمعوا تقريبًا على أن المادة منفصلة، إلا أنهم اختلفوا بخصوص تكوين المكان الذي تشغله الذرات، أي ما إذا كان المكان مكونًا من خلايا بحجم الذرة بقالب مناسب تماماً، أو ما إذا كان امتدادًا مفتوحًا ومتصلاً. يدور النقاش حول مسألة ما إذا كان يمكن وضع الذرة فوق ذرتين بحيث ترتكز الذرة العلوية على الذرات السفلية بقدر متساوٍ، ومن ذلك مثلاً الكتلة العلوية في هرم صغير، إذ إنه يتكون من ثلاث كتل متساوية الحجم. أولئك الذين جادلوا بأن المكان يجب أن يكون منفصلاً تبنوا ذلك على أساس أنه إذا لم يكن كذلك، فسيترتب على ذلك أن الذرات قابلة للقسمة من الناحية المفاهيمية على الأقل، ومع ذلك اتفق جميع الذريين المسلمين على أن الذرات ليست فقط غير قابلة للتجزئة فيزيائيًا، وإنما غير قابلة للتجزئة من الناحية المفاهيمية أيضًا. بدأت إحدى أكثر حججهم شيوعًا بفرضية أن الذرة تمثل أصغر حجم ممكن. إذا كان المكان متصلاً بحيث يمكن للذرة أن ترتكز على ذرتين عند حدودهما، وبالتالي تشكل شيئًا مثل الهرم المكوّن من ثلاث كتل، تخيل إذن هرمين من هذا القبيل مرتبطين في قاعدتهما بحيث تتشكل فجوة بين الذرتين العلويتين. في هذه الحالة، ستُفصل الذرتان العلويتان عن بعضهما بمقدار أقل من الذرة. ونظرًا لكون الذرة هي أقل حجم ممكن، وإذا قدرنا أن الحجم بين الذرتين العلويتين أقل من الذرة، فيكون ثمَّ تناقض؛ لأن هناك مقدارًا أقل من أصغر حجم ممكن. وأما الذين دافعوا عن مكان متصل فهم على النقيض من ذلك، حيث إنهم بدأوا بفرضية أن الذرة يمكن أن تشغل أي مكان شاغر بحجم كافٍ لاحتوائها. وهكذا، كان لديهم منْ يتخيل خطًا طوله ثلاث ذرات ثم ذرتين إضافيتين فوق هذه الذرات، حيث توجد ذرة واحدة بالضبط فوق أقصى اليمين، والذرة السفلية، على سبيل المثال، وثمة ذرة أخرى تتموضع فوق الذرة المستقرة في القاع في أقصى اليسار. بعد ذلك، تخيل أحدُهم أنه في نفس اللحظة بالضبط تدفع قوتان متساويتان الذرتين العلويتين تجاه بعضهما البعض. إما أن تكون الذرتان على جانبي حدي الذرات الثلاث السفلية أم لا. إذا ركبوا بعضها على بعض، فيجب أن يكون المكان متصلاً وليس منفصلاً. فإذا أنكر الخصم أنها تتخطى التخوم، فإنه مُلزم بالإجابة عن سبب ذلك. بالتأكيد يمكن تحريك الذرتين بالطريقة الموصوفة؛ لأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع الحركة هو وجود عائق، ومع ذلك فإن المكان المجاور الذي تتحرك فيه الذرات يُفترض أنه فارغ. على الرغم من أن هذه الحجة الأخيرة قدمت تحديًا خطيرًا لمفهوم المكان المنفصل، إلا أن معظم المتكلمين اللاحقين كانوا في الواقع يميلون إلى جعل جميع الأحجام منفصلة، سواء كان هذا الحجم جسماً أو مكاناً أو حتى، كما سنرى، زماناً temporal.

السؤال الثاني المتعلق بالمكان يتضمن مسألة الوجود المحتمل للفراغات البينية، متضمناً الإشارة إلى ما إذا كان يمكن فصل ذرتين عن بعضهما البعض دون وجود ذرة ثالثة بينهما. صنف النور دهاناني (Dhanani 1994 , 74-81) الحجج ضد مثل هذا الاحتمال إلى نوعين: تلك التي تنطوي على عدم وجود، وتلك التي تنطوي على مبدأ “الطبيعة تمقت الفراغ”. يمكن طرح مثال على النوع الأول من الحجة كما يلي: افترض أن ثمة ذرتين منفصلتين، وأنه لا يوجد شيء بينهما. بما أنه لا يمكن للمرء أن يدرك ما هو غير موجود، إذن في هذه الحالة لا ينبغي أن يكون المرء قادرًا على إدراك مساحة فارغة حقًا بين الذرات المنفصلة؛ ومع ذلك، يبدو من الواضح أن المرء سيكون قادرًا على إدراك المسافة بينهما، ومن ثمَّ فلا يمكن أن يكون المكان فارغًا حقًا، إذ يجب أن تشغله الذرة. وأما المثال على النوع الثاني من الحجة ضد الفراغات البينية، فمأخوذ من الفنون الطبية واستخدام أدوات الحجامة المسيلة للدم. يُلاحظ أنه عند وضع كأس الحجامة فوق الوريد وسحب الهواء، يُسحب اللحم إلى الكوب. استخدم منتقدو الفراغات البينية هذه الظاهرة بوصفها تحققاً من المبدأ القائل بأن الطبيعة تمقت الفراغ. وعليه، وبما أن الطبيعة تمقت الفراغ، فلن يكون ثمة فراغات في الطبيعة. ومن المثير للاهتمام، أن أنصار الفراغات البينية كانوا قادرين على قلب ظاهرة الحجامة الزجاجية ضد خصومهم لإظهار أن الفراغ يجب أن يكون موجودًا. لقد تخيل أحدهم أن ورقة من الذرات بسمك ذرة واحدة موضوعة بين كأسي حجامة، ثم يُزال الهواء في نفس الوقت من كلا الكأسين. في هذه الحالة، إما أن تُسحب الصفيحة في أحد الكأسين أو لا تُسحب، فإذا سحبت الصفيحة في كأس الحجامة، فإنه يوجد فراغ في الكأس الآخر؛ وإذا لم تسحب الصفيحة في أي منهما، فيحل إذن فراغ في كليهما. في كلتا الحالتين ثمة فراغ.

بخصوص الزمان، على الرغم من أن موسى بن ميمون قد ادعى في كتابه “دلالة الحائرين” أن المتكلمين لديهم نظرية ذرية واحدة للزمان، فإن مثل هذا الادعاء قد أنكر من قبل المصادر السابقة المتاحة لنا (موسى بن ميمون 1963، الفصل 73، المقدمة 3). يذكر المتكلم الأشعري ما لا يقل عن ثلاث روايات مختلفة عن اللحظة والزمان (الأشعري 1980، 443). إحدى النظريات تجعل الزمان مجموعًا للحظات، حيث تمثل اللحظة “المدة المعينة بين فعل معين والإجراء الموالي” (المرجع نفسه). ليس من الواضح ما إذا كانت المدة المعنية عبارة عن وحدة زمنية صغيرة أو وحدة زمنية قابلة للقسمة أو حتى ما إذا كان يمكن أن تعتمد على الإجراء المعني. إذا كانت وحدة زمنية صغيرة، أو ذرة زمنية، فإن وجهة النظر هذه ستدافع بوضوح عن وجود بنية ذرية للزمان. تعد النظريةُ الثانية اللحظةَ بمثابة حادث. بهذا الخصوص، علق الفيلسوف ابن سينا ​​(980-1037)، الذي جاء بعد أكثر من جيل بقليل، على هذا الرأي مشيراً إلى أن الصدفة اللحظية التي يفترضها بعض المتكلمين هي ما يحدد موقع الذرة مؤقتًا، وأن الزمان هو مجرد مجموعة من هذه الحوادث. جعلت النظرية النهائية للزمان، والتي كانت الأكثر شيوعًا بين المتكلمين، اللحظة ببساطة حدثًا محددًا تقليديًا، مثل دخول شخص ما إلى منزل، ومن ثمَّ، فليس لها وضع وجودي خاص، في حين أن “الزمان” هو مجرد حدث آخر، اسم لحركة الأفلاك. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت الحركة المعنية لها بٍنية ذرية، فإن الزمان الفعلي سيكون ذريًا، وبالفعل أيد العديد من أولئك الذين اعتنقوا هذا المفهوم للزمان الحركة الذرية. بيد أنه ليس واضحاً تماماً ما إذا كان المتكلمون قد تبنوا صراحة نظرية الزمن الذري، كما سنرى في القسم اللاحق، إذ تبنى بعضهم مذهب المناسبة أو الظرفية أو الاقتران occasionalism [عزو كل مسبّب في العالَم إلى الله مباشرة تجسيداً لمقولة: “عندها، لا بها”]، والذي يؤيد ضمنيًا -على الأقل- مثل هذا الرأي.

3.1 التغير والسببية

على الأقل، ضمن أولئك المتكلمين الذين وضعوا الذرات والحوادث في إطارهم الوجودي، شُرح معظم التغيرات من حيث استبدال حادثة محددة بعكسها، أو على أقل تقدير بشيء يتصرف بطريقة مناقضة. في هذه الحالة تتغير الذرة، وليس الحادث، التي في الواقع تبيد بنقيضها. على الرغم من أن استبدال الحوادث كان الأساس الأكثر عمومية للتغير، فإن التغيرات التي تنطوي على نوع واحد من الجسمية نابع من نوع آخر من الجسمية (على سبيل المثال عندما ينشأ حريق من حرق خشب أو شرارة ناتجة عن احتكاك الحجارة) تمثل حالة خاصة مفتقرة إلى تحليل مختلف للتغير. شرح بعض المتكلمين هذا النوع من التغير عبر نظرية الكمون، الذاهبة إلى أن ذرات النار قابعة بالفعل في الخشب أو الحجر، أي أنها كانت كامنة فيهما، ثم ظهرت من خلال فعل الإحراق أو الحك.

بإزاء نوع التغير الأكثر بروزًا، أي استبدال الحوادث، طُرح سؤالان آخران: الأول، “هل التغير من نوع واحد أم لا؟” والثاني، “أين تحدث الحركة، أي هل تحدث الذرات قبل الحركة أم الذرات لاحقة للحركة أي أنها تتلقى حادث الحركة؟”. استخدمت إحدى الحجج لإظهار أن ثمة أنواعاً عديدة من الحركة، التي تقرر أن نوعًا واحدًا لا يمكن أن يؤدي إلى أشياء متناقضة، على سبيل المثال، النار لا تنتج برودة ودفئاً معاً؛ ومع ذلك، فإن الحركات تؤدي إلى وجود متناقضات مثل أن تكون إلى اليمين أو إلى اليسار، أو أن تكون سوداء أو بيضاء. ولذا، فلا يمكن للحركة أن تشكل نوعًا واحدًا. كان الرد اللافت على هذا الاتجاه الفكري، والذي شكل في حد ذاته حجة أن الحركة تشكل نوعًا واحدًا، كما يلي: عندما يقرر الشخص التحرك، على سبيل المثال إلى اليمين، فعندئذٍ في اللحظة التالية ثمة حركة، مصحوبة بحالة جود إلى اليمين، وبالتالي ثمة حركة يمنى. وبالمثل، إذا اختار المرء الانتقال إلى اليسار، فسيكون ثمة حركة مع حالة وجود إلى اليسار، وبالتالي حركة يسرى. يمكن بعد ذلك تحليل الحركة في كل من الحركة وحالة الوجود التي تُصاحب الحركة (إذ قد تُفهم الحالة المصاحبة على أنها نتيجة للحركة، على الرغم من عدم وصفها صراحةً على هذا النحو). تختلف الحركة المعتبرة في حد ذاتها عن كل من الحالة المصاحبة (أو النتيجة) بالإضافة إلى مركب الحالة والحركة. إذن، فإن الحركات المدروسة في حد ذاتها متشابهة فيما يتعلق بكونها حركة، بيد أنها تختلف فيما يتعلق بالحالة أو طريقة الوجود التي تصاحب الحركات، ومن ثمَّ فإن الحركة التي تعد منفصلة عن الحالة المصاحبة لها نوع واحد.

كانت المسألة الثانية التي تناولها المتكلمون بخصوص الحركة هي ما إذا كان ينبغي التفكير في أن الحركة تحدث في اللحظة الأولى أو في الثانية، على سبيل المثال ما إذا كانت ثمة حركة في اللحظة ذاتها التي يقرر فيها المرء التحرك إلى اليمين، أو في اللحظة التي يكون فيها المرء إلى اليمين. ثمة ما لا يقل عن ثلاث إجابات عن هذا السؤال: إحداها، أن حادث الحركة يقع في الموقع الأول للجسم المتحرك؛ والثانية جعلت الحركة في مكان آخر؛ والثالثة، أكدت أن الحركة تتطلب وجود الجسم في موقعين في لحظتين مختلفتين. الفريق الأول الذين أكدوا أن حادث الحركة يحدث في المواقع الأولى زعموا أن الحركة هي قوة الجسم التي تتطلب وجوده في الموقع الثاني. نظرًا لأن القوة يجب أن تكون موجودة في البداية في الجسم إذا كانت ستنتقل إلى الموقع الثاني، وتُحدد الحركة بهذه القوة، ويجب أن يكون حادث الحركة موجودًا بينما لا يزال الجسم في الموضع الأول. وأما الفريق الثاني الذين أكدوا أن حادث الحركة يحدث في الموقع الثاني، فقد ذهبوا إلى ذلك متوسلين بتحليل لغوي لمصطلح “الحركة”؛ إذ تعني “الحركة” وجود ممر أو انتقال لجسم؛ ومع ذلك، لم يكن ثمة ممر أو انتقال لجسم، بينما لا يزال في موقعه الأول. ولهذا، فيجب أن يقع حادث الحركة في الموقع الثاني. أبو الهذيل العلاّف (توفي 841) يرى أن الحركة مختلفة عن الحالة، أو مركب الحالة والحركة، مؤكداً أن الحركة تتطلب مكانين ولحظتين ” حركة الجسم عن المكان الأول إلى الثاني تحدث فيه وهو في المكان الثاني في حال كونه فيها وهي انتقاله عن المكان الأول وخروجه عنه، وسكون الجسم في المكان هو لبثه فيه زمانين فلا بد في الحركة عن المكان من مكانين وزمانين ولا بد للسكون من زمانين” (الأشعري 1980، 355).

تواشجتْ القضايا المتعلقة بالحركة والتغير بالسببية، أي “ما أو من هو الفاعل الذي يُحدث التغير؟”. تبنى العديد من المتكلمين الأوائل في نظرية التوالد، وهي تلك النظرية التي حافظت على درجة من الفاعلية السببية للبشر، في حين تبنى معظم المتكلمين اللاحقين نظرة عرضية للعالَم، احتفظت بكل الفاعلية لله ولله وحده. بالنسبة إلى المتكلمين الأوائل، تستلزم الفاعلية السببية معرفة كاملة (العلم)، من أن المرء يتصرف في ضوء معرفة ما ينتج عن هذا الفعل. وهكذا تقتصر الفاعلية السببية على الله والبشر. لقد افترض معظم المتكلمين الأوائل أن البشر لديهم القدرة على توليد أفعال معينة. كان السؤال إذن هو ما إذا كان لدى البشر القدرة على توليد الفعل في أنفسهم فقط أو في أشياء أخرى أيضًا. إحدى الحجج التي استخدمها أولئك الذين اعتقدوا أن البشر يمكن أن يولدوا تأثيرات في أشياء أخرى غير أنفسهم نبعتْ من معيار المعرفة بالفاعلية. ومثال ذلك، أنه حينما يضرب شخص آخر، فإنه يعرف مصدر الضرب، أي العلم بفعل ضرب أحدهما للآخر (الأشعري 1980، 401-402). يبدو أن الحجة المعممة هي أنه إذا علم المرء أن المرء فاعل (ومرة أخرى، فقد ذهب المتكلمون الأوائل إلى أن البشر فاعلون)، فيجب عليه أن يعرف آثار عمله، أي أن يعرف المرء آثار أفعال معينة في حالات عديدة، كما في حالة الضرب والتسبب في الألم. في المقابل، جادل آخرون بأن البشر يولِّدون أفعالًا داخل أنفسهم فحسب، وأن الله وحده هو الذي يُحدث تأثيرًا في الآخرين، فعلى سبيل المثال، قد ينتج الإنسان فعلاً ممثلاً بالرغبة في رمي حجر، لكن الله هو الذي يحدث فعلاً الحركة في الحجر. كانت إحدى طرق الدفاع عن هذه الأطروحة هي ملاحظة أن الله يخلق أجساماً دفعة واحدة، وأنه في كل لحظة يعيد تكوينها (نفس المرجع، 404). يبدو أن الافتراض هو أنه بما أن الله يعيد تكوين الأجسام [فكرة الخلق المستمر]، سواء كانت بشرية أم لا في كل لحظة، فلا أحد من ثمَّ ينعتق من إحدى لحظتين، وذلك أن الفعل الذي يقدر في جسم الإنسان في لحظة ما، يمكن أن يكون عاملاً سببيًا على جسم آخر في لحظة ثانية؛ بمعنى ما، فإن أي فعالية مفترضة لما أُريد في لحظة ما تكون منفصلة تمامًا عن أحداث لحظة ثانية أخرى.

ومع ذلك، فإن هذه الحجة الأخيرة التي طُردت إلى استنتاجاتها المنطقية تستلزم عمليًا تبني مذهب المناسبة occasionalism، أي الرأي القائل بأن الله في كل لحظة يعيد خلق العالم، وذراته وحوادثه وكذلك جميع الأفعال، سواء كانت بشرية أم لا، وهكذا. فإن الله وحده هو الذي يصنع الأحداث التي تحدث في عالمنا. في الواقع، اعتنق المتكلمون في وقت لاحق مثل هذا المذهب حيال العالَم. ومع ذلك، لم تكن حجتهم المفضلة بشأن مذهب المناسبة هي الحجة الموضحة أعلاه، ولكنها كانت تستند إلى فكرة الاحتمال (الاستطاعة) [3]. كانت الحجة تقريبًا هي أن المخلوق لا يقوم إلا ببعض الإجراءات، إذا كان يمتلك إمكانية القيام بهذا الفعل. عندما يمتلك المخلوق هذه الإمكانية، فإن الاحتمال إما أن يتحقق أم لا. من ناحية أخرى، فإن التأكيد على شيء موجود غير محقق، مثل احتمال غير محقق، هو بمثابة تأكيد على شيء غير موجود، وهذا يناقض الخلق. من ناحية أخرى، إذا حقق الاحتمال، فيجب على المخلوق أن يقوم بالإجراء اللازم، وهو سوف يفعل ذلك دوماً حالما امتلك الإمكانية الفعلية، غير أنه في الواقع تفعل بعض المخلوقات ذلك وقد لا تفعله. ولهذا، فيجب تأسيس إمكانية قيام مخلوق بأي فعل معين في أي وقت يريد، والله هو الذي يخلق باستمرار إمكانية الفعل، ومن ثمَّ الفعل اللازم، في كل لحظة يعمل فيها شيء ما. باختصار، يجب أن تكون كل فاعلية لله وحده لا شريك له.

4.1 النظام والطفرة

كقاعدة عامة يتبنى أكثر أهل الكلام إطارًا ذريًا لشرح الظواهر الطبيعية. ومع ذلك، فإن مثل هذا الموقف ليس خلواً من منتقدين كلاميين، ومن بين أشهرهم إبراهيم النظَّام (توفي حوالي 840). أنكر النظَّام أنطولوجيا الصدفة الذرية لجمهور الكلاميين، وبدلاً من ذلك أكد أنه باستثناء حادث الحركة، فإن كل شيء آخر في عالمنا إنما هو جسم. علاوة على ذلك يذهب النظَّام إلى أنه ليس للأجسام، فضلًا عن الفضاء، بِنية ذرية، بل بنية متصلة. إن التأكيد على الفراغ المستمر والحركة، جعل النظَّام عرضة لمفارقة زينو Zeno، حيث واجهه علانية الذري أبو هذيل بمفارقة نمل الصندل المشار إليها سابقاً. بلور النظَّام حلاً، تمثل في القول إن جسمًا متحركًا، مثل النملة، يمكنه عبور مساحة متصلة بعدد لا نهائي من نقاط المنتصف عن طريق قفزة (طفرة). وكانت الفكرة العامة هي أن الجسم المتحرك يمكن أن يقطع مساحة متصلة عبر القيام بعدد محدود من القفزات، بحيث يتجاوز خلال كل قفزة الجسمُ المتحرك الفراغاتِ المتداخلة. بمعنى آخر، الجسم المتحرك يقفز من مكان ما إلى موضع ثالث بمقدار مستمر دون المرور بأي مكان آخر بين الاثنين.

على الرغم من الطبيعة غير البديهية لاقتراح النظَّام، إلا أنه جادل بأنه حتى الذريون كان عليهم أن يتخذوا منظور القفزات الكبيرة أيضًا. كان يتخيل دوران حجر رحى، إذ في دورة واحدة، ستقطع الذرة عند الحافة الخارجية للرحى مسافة مساوية لمحيط الرحى، في حين أن الذرة عند المحور ستقطع مسافة أقصر، مساوية لمحيط المحور. نظرًا لأن الذرة عند الحافة الخارجية تعبر مسافة أكبر في وقت مساوٍ للذرة عند المحور، فإن الذرة يجب أن تتحرك عند الحافة الخارجية بشكل أسرع من الذرة عند المحور. لاحظ النظَّام بعد ذلك أن ثمة طريقة واحدة فقط من طريقتين لتفسير هذه الظاهرة: إما أن تقفز الذرة عند الحافة الخارجية فوق بعض التجويفات الذرية المتداخلة، أو أن الذرة الموجودة في المحور تقع في بعض التجويفات الذرية لبعض اللحظات، بينما تصل الذرة الموجودة إلى الحافة الخارجية. كان الحل الذري المفضل لسيناريو الاختلافات في السرعة هو افتراض أن الأجسام المتحركة الأبطأ لديها عدد أكبر من الرقدات الفاصلة مقارنة بالأجسام المتحركة الأسرع؛ ومع ذلك، فقد رفض النظَّام هذا الحل بخصوص حجر الرحى الدوار على أساس أنه في هذه الحالة سوف يتفتت حجر الرحى مع استقرار بعض الذرات بينما تستمر ذرات أخرى في الحركة. بعبارة أخرى، كانت بعض الذرات التي كانت في بداية الحركة بجوار ذرات أخرى قد ابتعدت عن بعضها البعض لأن الذرات القريبة من الحافة استمرت في التحرك من أجل قطع المسافة الأكبر والأخرى القريبة من المحور استقرت بالترتيب لقطع المسافة بين بعضها البعض، وهكذا من خلال ابتعاد الذرة عن بعضها البعض، فإن حجر الرحى ككل سوف يتفتت ويتفكك. ومع ذلك، يقول النظَّام، من الملاحظ بشكل مباشر أن الحجر لا يتفتت، ومن ثمَّ، فيجب أن يتبنى الذريون بفكرة القفزات.

2. الفلسفة: الأرسطية والأفلاطونية المحدثة في العالم الإسلامي

1.2 التعريف وشكل الحركة

عرضتْ الأجزاء السابقة مخططًا عامًا جدًا لأحد المناهج الفكرية البارزة للفلسفة الطبيعية في العالم الناطق بالعربية إبان العصور الوسطى. يعود جوهر العرف الرئيس الثاني للفلسفة الطبيعية، وهو الفلسفة، إلى كتابات أرسطو الفيزيائية وتقليد التعليق اليوناني العربي الذي نشأ حولها. نظرًا لأن الفلسفة الطبيعية، على الأقل كما حدث في العرف العلمي اليوناني، هي دراسة الطبيعة، والطبيعة هي أسباب الحركة أو التغير، فإن فهم ماهية الحركة والظروف اللازمة للحركات ضمن الإطار الواسع لأرسطو كان هو نقطة التركيز الأكبر لـلفلاسفة الطبيعيين العاملين في حقل الفلسفة. كان أرسطو نفسه قد عرّف الحركة على أنها “الاكتمال entelekheia للإمكانات بقدر ما هي كذلك” (فيزياء، الجزء الثالث 1). كانت إحدى القضايا التفسيرية التي جهدتْ الشروحات اليونانية السابقة للظفر بفهم المصطلح الغامض entelekheia في تعريف أرسطو، وهو مصطلح يبدو أن أرسطو قد نحته بنفسه. جادل البعض بأن entelekheia يجب أن تشير إلى تقدم أو عملية نحو النهاية أو بلوغ الكمال. يشير البعض الآخر إلى أن entelekheia يجب أن تحمل معنى ما حيال الواقع الكامل بخصوص النهاية الجزئية أو الكمال. إذن، حسم الخلاف في العالم القديم حول ما إذا كانت entelekheia بحد ذاتها تعكس دلالة العملية أم لا. إذا كانت entelekheia تجسد مصطلح عملية، فمن الواضح أن تعريف أرسطو للحركة يصف عملية ما، غير أنه يفعل ذلك بإدماج مصطلح عملية في التعريف، في حين أن تعريف أرسطو للحركة كان يهدف إلى توفير المعنى الأساسي لماهية العملية، ولذا لا ينبغي أن نفترض وجود عملية. إذا لم يكن entelekheia مصطلحًا للعملية، فإن هذا يعني أن تعريف أرسطو يسعى لتجنب الدور، ولكن ليس واضحًا كيف يصف العملية، لأن الإكمال أو الكمال هو نهاية العملية، لا العملية نفسها. يقدم ما ورد أعلاه تقريبًا نقاشًا فلسفيًا رئيسيًا حول تعريف أرسطو للحركة عندما وصلت إلى الفلاسفة الناطقين بالعربية .[5]

عُولج جزءُ من هذه الإشكالية الاصطلاحية من خلال الترجمة العربية لفيزياء أرسطو نفسها. إذ إن تعريف أرسطو ثمَّ للحركة أنها: ” كمال ما هو فعال بقدر ما هو كذلك”، حيث جرت ترجمة entelekheia على أنها “كمال”، وذلك من شأنه أنه يدفع الأرسطيين الناطقين بالعربية باتجاه مضادر للتفسير العملياتي لهذا المصطلح. وعليه، فإن القضية الأساسية لهؤلاء الفلاسفة تتمحور حول شرح كيف يسع التعريف الأرسطي للحركة أن يصف عملية ما. ربما كان الحل الأكثر تعقيدًا لهذه المسألة نابعاً من ابن سينا​​، حيث جادل في الواقع عن الحركة في لحظة (Avicenna 2009، II.1، 4–6؛ Hasnawi 2001؛ McGinnis 2006a) [6]. يبدأ ابن سينا ​​تحليله بالتمييز بين حاستين اثنتين للحركة: إحداهما يمكن تسميتها بـ “حركة المرور” والأخرى بـ “الحركة الوسيطة”. تحدث الحركة الانتقالية حينما يلاحظ المرء كائنًا في حالتين مختلفتين متعارضتين، على سبيل المثال، الوجود هنا، ثم الوجود هناك. الآن في العالَم، الجسم المتحرك ليس هنا جزئيًا، وهو جزئي في نفس الوقت أثناء حركته. وبناء على ذلك، ففي العالم، الحركة ليست شيئًا مستمرًا يمتد فعليًا في أي لحظة بين هنا وهناك بالطريقة التي تمتد بها المسافة باستمرار بين نقطتين، فبدلاً من ذلك، فإن العلاقة بين هاتين الحالتين مؤثرة على العقل، وهذا الانطباع العقلي هو الذي يؤدي إلى فكرة حركة العبور، أي فكرة الحركة باعتبارها مقدارًا ممتدًا مستمرًا.

وبخصوص الحركة الوسيطة، أي الحركة الموجودة خارج العقل، فيأتي هاهنا دورُ التحليل الجديد لابن سينا ​​ للحركة في لحظة. يقرر هو أولاً أن الكمال المعني في تعريف أرسطو لا يمكن أن يشير لا إلى نقطة البداية، ولا إلى نقطة نهاية الحركة، لأنه في الحالة الأولى لم تبدأ الحركة بعدُ، وفي الحالة الثانية تكون الحركة قد اكتملت بالفعل. ومن ثمَّ، فإن ذلك الكمال يجب أن يشير إلى بعض الكمال في الجسم المتحرك بينما يكون في حالة وسيطة بين هذين النقيضين. لذلك، على سبيل المثال، الجسم المتحرك بين (س) و (ص) لا يتحرك عند س أو ص، ولكن فقط عندما يكون في الفراغ بين س و ص. هذه الحالة الوسيطة، بدورها، يسعها أن تشير إما إلى الوسط المستمر الكامل بين الطرفين أو إلى نقطة. ولهذا، فمرة أخرى، قد تشير الحالة الوسيطة إلى الحركة بأكملها على طول المسافة المستمرة بأكملها بين س و ص، أو إلى أن الكائن المتحرك يقع عند نقطة واحدة أو أخرى على طول المسافة، على سبيل المثال، ع. بعد ذلك، لاحظ ابن سينا ​​أنه في كل لحظة أثناء الحركة المستمرة لجسم متحرك، فإنه يتحرك، إلا أنه لا توجد لحظة تتجسد فيها الحركة بأكملها بشكل كبير. إذن، فإن الكمال في تعريف الحركة يجب أن يشير إلى كمال الشيء المتحرك عند نقطة أو أخرى بين نقطتي البداية والنهاية، وإن كان الشيء المتحرك في تلك النقطة هو للحظة فقط. إنها حقيقة أن الجسم المتحرك يقع فقط في النقطة الوسيطة للحظة معينة تضمن أن الكائن يمر بالحركة؛ لأنه إذا بقي في نقطة ما لأكثر من لحظة، وهكذا لفترة من الوقت، فسيكون الكائن في الواقع في حالة سكون في تلك المرحلة.

لم يكن الجميعُ جَذلى بتفسير ابن سينا ​​للتعريف الأرسطي للحركة، ولم يتحدَ بعضُ المؤلفين ابن سينا ​​فحسب، بل تجاوز ذلك لتحدي أصل الحاجة إلى تعريف أرسطو المتجدد للحركة في مصطلح entelekheia. كان هذا الموقف بالتأكيد هو الحال في الشرق الإسلامي خلال الفترة التي أعقبت ابن سينا ​​مباشرة، كما شهدنا في أعمال أبو البركات البغدادي (ت 1165) وفخر الدين الرازي (ت 1209). كان أبو البركات، على الرغم من كونه جزءًا من التراث الفلسفي، قارئًا نقديًا لكل من أرسطو وابن سينا على حد سواء​​، في حين أن فخر الدين الرازي، أثناء عمله ضمن تراث الكلام، تفاعل مع الفلاسفة بجدية، ليس ذلك فحسب، بل كتب تعليقًا على أحد الموسوعات ​​الفلسفية المختصرة لابن سينا. لقد فضلوا تعريف الحركة على أنها ظهور تدريجي أو ليس في وقت واحد من الفاعلية إلى الفعل. ابن سينا ​​نفسه تعاطى مع هذا التعريف، لكنه وجده ناقصًا. على وجه التحديد، اشتكى ابن سينا ​​من أن هذا التعريف يتضمن في النهاية دوْراً (Avicenna، 2009، II.1، 3). وهكذا أشار إلى أن التدريجي/ليس الكل في وقت واحد يُفهم من حيث الوقت، والوقت، وفقًا لأرسطو، يُعرف من حيث الحركة، أي مقياس الحركة فيما يتعلق بـ : قبل و بعد. وعليه، يجادل ابن سينا ​من أن فهم الوقت يتطلب أن يَفهم المرءُ الحركةَ بالفعل، لكن الفهم المقترح للحركة يستدعي فهمَ الوقت. رداً على هذا الاعتراض، أشار أبو البركات إلى أن أرسطو (التحليلات اللاحقة، 1.13، 78a22-b32) وابن سينا ​​(كتاب البرهان، III.2، 202-3) كليهما يعترفان بالفرق بين الشيء الذي المعروف لنا بشكل أفضل، وذلك المعروف بشكل أفضل بالطبيعة. أي شيء يكون معروفاً لنا بشكل أفضل، إذا كان يتعلق بالملاحظة الحسية المباشرة، في حين أنه يكون معروفاً بشكل أفضل بطبيعته، إذا كان المرء مستوعباً للتفسير السببي الأساسي. والمثال القياسي مأخوذ من ملاحظة أن ما هو قريب لا يومض، والكواكب لا تومض. وهكذا لاحظ أرسطو وابن سينا معاً ​​أنه من خلال حقيقة أن الكواكب لا تومض (وهي حقيقة معروفة لنا بشكل أفضل)، فإنه يمكن للمرء أن يستنتج أن الكواكب قريبة. يسع المرء بعد ذلك تحويل هذا الاستنتاج واستخدامه لإثبات يوضح بقالب سببي باعثَ عدم تلألؤ الكواكب، أي لأنها قريبة (الآن حقيقة معروفة أكثر بطبيعتها). يُزعم أن ظهور الدوْر خادع، لأنه في الاستنتاجين، لا تستخدم المقدمات بالطريقة نفسها: إذ إنه في إحدى الحالات، تشرح المقدمة شيئًا معروفًا لنا بشكل أفضل، وفي الحالة الأخرى تشرح شيئاً معروفاً بشكل أفضل بالطبيعة. إن مسألة قبول المرء لتحليل أرسطو وابن سينا هي ​​أقل أهمية من أن كليهما بدا ملتزمًا به، ويستغل أبو البركات هذه الحقيقة، فيجادل بأن الدوْر المفترض الكامن في تعريف الحركة من حيث الظهور التدريجي من الفاعلية إلى الواقعية، ليس أكثر من حالة تحول من شيء معروف لنا إلى شيء معروف أكثر بطبيعته.

  1. الوقت المعروف لنا بشكل أفضل هو: الحركة.
  2. الحركة هو: الوقت المعروف بالطبيعة.

علاوة على ذلك، يكرر فخر الدين الرازي في كتابه المباحث المشرقية اقتراح أبو البركات باستحسان:

إن تصور الطبيعة الحقيقية لـ “الكل في وقت واحد”، و”ليس الكل في وقت واحد”، و”التدريجي” كلها تصورات مفاهيمية بدائية من جراء معاونة الإحساس. بالتأكيد، نحن نفهم أن هذه الأشياء لا تُعرف إلا بسبب الوقت الحاضر والزمان، لكن هذا يتطلب توضيحًا. من الممكن أن تكون الطبيعة الحقيقية للحركة معروفة بهذه الأشياء، وبعد ذلك تحدد الحركةُ معرفةَ الوقت والحاضر، وهي أسباب لتصور هذه الأشياء الأولى، بيد أنه في هذه الحالة ليس ثمة دور. وهذه إجابة جيدة (الرازي، فخر الدين، 1990، المجلد 1، 670).

فكرة الرازي تشبه فكرة أبي البركات، وهي أن المفاهيم مثل الكل في وقت واحد، والتدريجي، معروفة على الفور من خلال الإحساس. في حين أنه من الصحيح أن الوقت والحاضر، على التوالي، يوفران الأساس في الواقع لتصوراتنا للأشياء الناشئة تدريجيًا أو في كل مرة، يجب إثبات هذه العلاقة، لا على الفورية. نظرًا لأن مفاهيم التدريجي والجميع في وقت واحد هي فورية، فيمكنهما حينذاك تزويدنا بالطبيعة الحقيقية لماهية الحركة. وبعد تحديد ماهية الحركة، يمكن للمرء استخدامها بعد ذلك لتحديد الوقت، ومن ثمَّ شرح التدريجي وما شابه.

اختير تعريفُ أبي البركات والرازي للحركة من قبل الموسوعي أثير الدين الأبهري (ت 1262 أو 1265)، حيث استخدمه في كتابه الناجح للغاية في الفلسفة الطبيعية “هداية الحكمة”. وأدى ذلك إلى شيوع هذا التعريف، إلى أن جرى تحديه من قِبل الفيلسوف واللاهوتي الشيعي البارز الملا صدرا (المتوفي عام 1636)، بالاعتماد على رواية ابن سينا ​​السابقة للحركة، حيث يدافع عنها الملا صدرا على الأقل في كتابه شرح الهداية (الملا صدرا، 2001، 103-105)، إذ إنه يُذكّر قارئَه بأن الحركة في حد ذاتها مصطلح ملتبس، ويُقال فيما لا يقل عن مفهوين: حركة الاجتياز والحركة الوسيطة. وفيما يتعلق بجواب أبي البركات وفخر الدين الرازي حيال الاتهام الأساسي لابن سينا ​​بخصوص الدور، فيضع الملا صدرا ملاحظة إذا كان الإحساس بالحركة هو نفسه في المقدمتين المحولتين. في حين أنه من الصحيح أنه يمكن استخدام الوقت الذي نعرفه جيدًا لفهم الحركة، فإن الحركة المعنية هي حركة اجتياز، أي فكرة الحركة التي، وفقًا لابن سينا، هي موجودة عقليًا فقط. في المقابل، فإن إحساس الحركة المستخدم لشرح طبيعة الوقت ليس حركة اجتياز بل حركة وسيطة، أي الحركة غير الذهنية الموجودة في العالَم. وعليه، فالمقدمات الفعلية هما ليستا اللتان ذكرهما أبو البركات وفخر الدين الرازي، بل هي الآتيتين:

  1. الوقت المعروف لنا بشكل أفضل هو: الاجتياز الحركة.
  2. الحركة الوسيطة هي: الوقت المعروف بشكل أفضل بالطبيعة.

وعليه، فلا يتم التحويل، نظرًا لعدم شيوع أي من المصطلحين في كلتا المقدمتين. ثم يختتم الملا صدرا روايته للحركة بتكرار فكرة ابن سينا ​​والدفاع عنها، بأن شكل الحركة كما هو موجود في العالَم يتضمن الحركة في لحظة، وهذا المعنى هو الذي سيطر على الشرق المسلم (الهند المسلمة بالتأكيد) على الأقل حتى أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر.

2.2 الأبدي والمتصل

على الرغم من أن الحجة المذكورة سالفاً، تقدم بعض التفسيرات العربية في العصور الوسطى لشكل الحركة وفق مناقشاتها في التر اث الفلسفي، إلا أن ثمة عوامل سببية أخرى وشروط ضرورية متضمنة في تحليل الحركة. ومن أهم هذه الشروط: (1) اللانهائي (لا سيما كما يظهر في أوصاف المتصل، باعتباره -مثلاً- ما يمكن تقسيمه إلى ما لا نهاية)، (2) المكان، والمرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمكان، (3) الفراغ، وكذلك (4) الزمن.

يمكن إرجاع الحجة القياسية ضد الوجود الفعلي لللامحدود إلى وقت مبكر، كما هي عند الكندي وتمتد طوال الفترة الكلاسيكية للفلسفة العربية أو الإسلامية حتى السهروردي على الأقل (الكندي 1950، 115-116. & 202-203؛ ابن سينا ​​1983، III.8، 212-214؛ مرجع سابق، 1985، IV.11، 244-246؛ ابن باجة 1978، 36-37؛ ابن طفيل 1936، 75-77؛ والسهروردي 1999، 44) [7]. ثمة نسخة مبسطة من تلك الحجة تشتغل كما يلي: تخيل حِزماً صلبة لا يمكن أن تفسح مجالاً للتمدد. بجانب ذلك، افترض أن هذه الحِزم تمتد من الأرض إلى الفضاء بلا حدود. بعد ذلك، تخيل أن بعض الطول المحدد، (س)، أُزيل من إحدى الحِزم، على سبيل المثال، المسافة بين الأرض ونهاية مجرتنا؛ وأنه جرى تسمية ذلك الشعاع الذي أزيل س منه بـ (ر) . تخيل راهناً أن (ر) سُحبت نحو الأرض، ثم جرت مقارنتها بالشعاع الذي لم يُزل أي شيء منه. لنسمي تلك الحُزمة الأصلية (و). في هذه الحالة، نظرًا لأن الحِزم صلبة، فلا يمكن أن تمتد( ر) لزيادة الطول الإضافي (س)، وبالتالي، فإنه يجب أن يكون) ر (أقل من (و (بطول يساوي (س). الآن تخيل الحِزمتين مستلقيتن جنبًا إلى جنب وقارن بينهما. نظرًا لكونهما جنبًا إلى جنب، فإما أن تتوافق ) ر ( تمامًا مع (و)، ومن ثمَّ تساوي (و) في المدى المكاني، أو أن (ر) تقصر عن (و) من ناحية، فإذا لم تَقصُر (ر) عن (و)، وجرى توافق تام مع (و) ومن ثمَّ مساواة لها، فإن مؤدى هذا أن (ر) ليست بأقل من (و). ولكن فُرِض أن (ر) أقل من (و) بالطول (س)، وعليه، فإن ثمة تناقضاً من زاوية أخرى، إذا كانت (ر) أقل من (و) على الجانب الممتد إلى الفضاء، فعندئذٍ حيث تكون أقل من (و) هو حد (ر)، وفي هذه الحالة تكون (ر) محدودة على كل من الجانب الممتد إلى الفضاء وعلى جانب الأرض. في هذه الحالة، تكون (ر) محدودة، لكن كان من المفترض أنها لانهائية، وهو تناقض آخر. باختصار، إذا كان من الممكن وجود امتداد لانهائي فعليًا ويمكن تقصيره بمقدار معين (والذي يُفترض أنه معطى)، فيجب أن يكون المدى المختصر إما مساويًا أو أقل من الامتداد اللانهائي الأصلي؛ ومع ذلك، فإن كلتا الحالتين تؤدي إلى التناقض. إذن، يتعين رفض الافتراض الذي أدى إلى التناقضات، المتمثلة في أنه يوجد بالفعل امتداد لانهائي.

واصل الكنديُ في استخدام خلاصة هذه الحجة لإثبات أن الوقت نفسَه يتوجب أن يكون محدودًا، وعليه، فإنه يجب أن تكون الفترة الزمنية التي وُجد فيها العالَم محدودة. ولذلك، فقد انتهي الكندي على أساس هذه الحجة إلى أن العالَم يجب أن يكون قد خُلق في لحظة زمنية معينة، ومن ثمَّ فهو ليس أبديًا (الكندي 1950، 121-122 و 205-206). كما أن حجة الكندي بشأن المحدودية الزمنية للكون هي نفس الحجة التي يفضلها أهلُ الكلام، وهي ليست سوى “الحجة الكلامية الكونية”، التي أعاد ويليام لين كريج نشرها مؤخرًا (Craig، 2000). على العكس من تطبيق الكندي للحجة السابقة بخصوص الزمن، ذهب معظم الفلاسفة اللاحقين في التراث الفلسفي بخصوص خلاصة الحجة المذكورة أعلاه إلى أنها تُلزم فقط بعدم وجود حجم أو عدد لا نهائي من الأشياء، أي أنه لا يمكن أن يوجد عدد لا نهائي من الأشياء. لا يمكن أن يوجد بعض اللانهائيات المكتملة بالكامل، والتي توجد جميع أجزائها في وقت واحد ونفس الوقت. في تلك الحالات التي لا يوجد فيها كل الحجم أو أجزائه معًا في لحظة واحدة – كما في حالة الوقت وأجزائه، الماضي والحاضر والمستقبل – فقد جادلوا بأنه يمكن أن يوجد لانهائي، وإن كان ذلك ممكنًا فقط.

بجانب تقديم وسيلة لفهم أبدية الكون، فإن فكرة وجود لانهائي محتمل كانت مفيدة للعديد من الفلاسفة الطبيعيين لكونها أمَّنتْ وسيلة لتفسير المتصل. على الرغم من أن الفلاسفة الناطقين بالعربية قد تبنوا تعريف المتصل الذي قدمه أرسطو في الفيزياء V 3، والذي يقرر أن حدين متلامسين يصبحان حداً واحدًا متماثلاً، إلا أنهم مع ذلك طوروا هذا التعريف، من جهة قابليته للقسمة إلى أجزاء أصغر من أي وقت مضى بلا حدود، بمعنى أنه يحتمل أن يكون قابلاً للقسمة بلا نهاية. من الجلي أن فكرة استمرار تعارض حجج علماء الذرة ضد الاستمرارية، والتي ناقشناها سابقاً، إلا أن ثمة ردًا على مثل هذه الحجج، حيث أصر الفلاسفة على أن الحجم المتصل يبدو تماماً واحداً موحداً، وبالتالي فهو لا يتكون من عدد لا حصر له من الأجزاء، وعليه، فإنه لا يحتوي على عدد لا حصر له من الأقسام (انظر مثلاً:، Avicenna 1983، III .2، 8-10).

لقد أكدوا كذلك أنه إذا ناقشنا ذلك بشكل صحيح، فإنه لا يمكن حتى الزعم بأن الحجم المتصل يحتوي على عدد لا حصر له من التقسيمات المحتملة، على الأقل ليس بمعنى أن عددًا لا حصر له من الأقسام غير المحققة موجودة بشكل خفي في الحجم المتصل، بحيث يمكن أن تظهر جميعها في الوجود وتتحقق كلها مرة واحدة. بالنسبة للفلاسفة، ليس ثمة من معنى حقيقي أن الانقسامات هي في الحجم، سواء كانت في الواقع أو محتملة؛ وبدلاً من ذلك، فإن المعنى الذي يكون فيه المقدار المتصل قابلاً للقسمة إلى ما لا نهاية هو أنه يمكن للمرء أن يفترض عقلياً انقسامات عرضية ضمن الحجم دون نهاية. ستكون هذه التقسيمات العرضية مثل الجانب الأيسر عند الإشارة إلى اليسار، والجانب الأيمن عند الإشارة إلى اليمين.

لا توجد انقسامات حقيقية ذات اليمين وأخرى ذات الشمال ضمن الحجم، وإنما افتراض. بعبارة أخرى، ليس ثمة شيء في الحجم يمنع أو يعيق المرء من الافتراض العقلي بانقسامات أصغر. على سبيل المثال، فكر في 1/2، و 1/2 مرة أخرى، وهكذا دواليك؛ ومع ذلك، فإن هذين النصفين لا يكونان فعليًا أو واقعياً في الحجم ما لم يمر المرء بعملية تمييزها عقليًا (أو حتى حسياً). وعليه، فعندما يقول الفلاسفة أن المتصلَ قابلُ للقسمة إلى ما لا نهاية، فإنهم إنما يعنون أنه من المستحيل إكمال عملية القسمة بحيث يكون الناتج عددًا لا نهائيًا من الأجزاء. ولهذا، فثمة تناقض متأصل في اعتراض الكلاميين على أنه إذا كان من المحتمل أن يكون المتصل قابلاً للقسمة إلى ما لا نهاية، فإنه لا بد من وجود قوة، مثل الله، يمكنها تحقيق جميع التقسيمات المحتملة؛ لأن مثل هذه الحجة تتضمن خُلفاً مفاده أن ما لا يمكن استكماله عبر التعريف قد اكتمل.

 3.2 نقد الذرّة والحدود الدنيا الطبيعية Minima Naturalia

بعد ظهور أن فكرة المتصل ليست خُلفاً كما يقدم علماء الذرة، جادل فلاسفة بأن الذرية نفسها هي فكرة غير متماسكة من الناحية المفاهيمية. وعند التفكير في حجج الفلاسفة المعارضين لنظرية الذرية، لعله من المهم مراعاة العوامل التي تدعوهم لرفضها. تشتق كلمة “ذرة” “Atom” من الكلمة اليونانية atomos، وتعني حرفياً ما لا يمكن قطعه أو تقسيمه. في العالم الإسلامي في عصر الحضارة العربية الإسلامية، أدرك الفلاسفة وعلماء الدين على حد سواء نوعين من التقسيم، وهما: “القابلية المادية للتقسيم” و “القابلية المفاهيمية للتقسيم “. المعنى الأول والحقيقي لقابلية القسمة عند ابن سينا ​، القابلية المادية، هو شكل القسمة التي تؤدي في الواقع إلى الانفصال والانقطاع ضمن المقدار المحدد، بحيث ينطوي على قسمة مقدار ما ماديًا إلى جزأين مختلفين بالفعل. والنوع الثاني من التقسيم، أي القسمة المفاهيمية، ينطوي فقط على التقسيم العرضي للحجم. الأجزاء الداخلة في هذا النوع من القسمة هي الأجزاء العرضية المذكورة آنفاً الناتجة من عملية نفسية معينة، أي الانقسام الحاصل من مجرد الوضع (الافتراض). أما بالنسبة لنقدهم للنظريات الذرية للحجم، فقد جاءت حججهم في توصيفين عامين: الحجج التي تجهد لإظهار أن الذرية لا يسعها تفعيل الرياضيات بشكل جيد، وتلك الحجج التي تسعى لإظهار أن مفهوم الحد الأدني من الأجزاء لا يمكن تقسيمها من الناحية المفاهيمية، إذ إنها غير كافية لوصف بعض الظواهر الطبيعية الأساسية.

يتمثل النقد الرياضي الأشيع ضد النظرية الذرية في القول بأنه إذا كانت الذرية صحيحة، فلن يتمكن المرء حينذاك من تقريب نظرية فيثاغورس، باعتبار أن نظرية فيثاغورس هي أفضل نظرية مثبتة في الرياضيات (على سبيل المثال: ابن سينا، 1983، III.4، 190). تبدأ الحجة بتصور الفضاء الذري كما لو كان رقعة شطرنج، وهذا توصيف تقريبي جيد لكيفية تفكير أهل الكلام في الفضاء الذري. بعد ذلك، لنتخيل أن ثمة مثلثًا متساوي الساقين واقعاً في هذا الفضاء الذري، طول أضلعه أربع ذرات. هنا، يجب أن يتساوى طول وتر المثلث مع عدد الذرات التي تنساب على القطر في المربع الذري المفترض؛ ومع ذلك، فبالنظر إلى أن الفضاء ذري، فإن هذا الطول سيكون فقط أربع ذرات طويلة. كما هو معلوم، وفقًا لنظرية فيثاغورس، يجب أن يساوي مربع مجموع الساقين مربع الوتر، وهنا يحصل لدى المرء 42 + 42 = 42، إذا كان الفراغ ذريًا، ومن الواضح أن هذا خاطئ. نظرًا لأن الخطأ نشأ من تبني الافتراضين معاً، وهما أن الفضاء ذري، ونظرية فيثاغورس، فإنه يتوجب رفض أحدهما، والأكثر ترشيحاً للرفض هو إنكار وجود وحدات ذرية محدودة من حيث الحجم. ليس ثمة فائدة إذا قررنا أن قطر الذرة أطول من جوانبها؛ إذ إن مثل هذا الافتراض يستوجب وجود أطوال أقصر من أصغر جزء، أي الكمية التي يفترض أن يكون قطر الذرة أطول من جانبها، بيد أن الطول الذي يقصر عن مساواة أقصر طول يعد تناقضًا. باختصار، يمكن إجمال ذلك بالقول إنه إذا قدَّرنا أن نظرية فيثاغورس صحيحة، فإن ذرية أهل الكلام لابد أن تكون خاطئة.

تضمن الشق الثاني من الحجة المبنية ضد النزعة الذرية بيان أن مفهوم الأجزاء الدنيا من الناحية المفاهيمية كان مطلوبًا فلسفيًا وعلميًا (على سبيل المثال، ابن سينا 1983، III.4، 189–190). هذه المسألة تتعلق بكيفية تجميع الذرات، على نحو يؤدي إلى ظهور الأجسام المادية التي نلاحظها من حولنا. في هذا المسار، يبدو أن ثمة أربع طرق ممكنة: (1) الذرات يمكنها أن تتعاقب بعضها إثر بعض، بيد أنها لا تتلامس بأي شكل من الأشكال؛ أو يمكن للذرات أن تتلامس، وفي هذه الحالة يمكن أن يحدث ذلك لكونها: (2) متجاورة مع بعضها البعض، (3) متصلة ببعضها البعض، أو (4) متداخلة. جلي أن الأجسام التي نلاحظها من حولنا هي كليات موحدة، أي أن أجزاءها مترابطة مما يجعلها تكوّن موادَ صلبةً عوض كونها “شبيهة السحابة”. ولهذا، فلا يمكن للذرات أن تكون متعاقبة فحسب. إذا كانت الذرات على اتصال ببعضها البعض عبر التداخل مع بعضها البعض، ففي هذه الحالة لن تكون الأجسام قطعاً أكبر من ذرة واحدة، وهنا ننبه مرة أخرى إلى هذه النتيجة خاطئة من الناحية التجريبية. وبناء على ما سبق، يتعين أن تكون الذرات على اتصال ما، إما عبر كونها متصلة أو متصلة ببعضها البعض. ومع ذلك، في هذه الحالة، تخيل ثلاث ذرات، (أ) (ب) (ج)، ​​على افتراض أنها إما متجاورة أو متصلة ببعضها البعض. في هذه الحالة، يجب أن تفصل (ب) بين( أ) و( ج )؛ لأنه إذا لم تكن (ب) فاصلة بين (أ) و (ج)، فإنه حينئذ، على سبيل المثال، يمكن أن تكون (أ) على اتصال بـ (ج) على الرغم من وجود (ب)، بحيث تكون (أ) في الواقع متداخلة مع (ب)؛ غير أنه جرى استبعاد هذا البديل. وهذا ما يدعو إلى التقرير بأنه يتعين أن يكون ثمة شيء آخر (د)، إذ بموجبه تكون (ب) على اتصال بـ (أ) وشيء آخر (ه)، وذلك لكون (ب) على اتصال بـ (ج)، ويجب أن تكون (د) و (هـ) منفصلتين عن بعضهما البعض، وإن لم يكن ذلك فلن تكون (أ) منفصلة عن (ج). ومع ما قررناه، في هذه الحالة، يمكن تقسيم (ب) من الناحية المفاهيمية إلى (د) و(هـ)، ومع ذلك افترضنا أن (ب) غير قابلة للتجزئة من الناحية المفاهيمية، مما يوجد تناقضاً. إذن، يمكن القول باختصار أن الأجزاء غير القابلة للتجزئة من الناحية المفاهيمية -وفقاً للذريين- غير كافية لتفسير وجود الأجسام المادية التي نلاحظها من حولنا.

مع رفضهم للأجزاء المصغرة من الناحية المفاهيمية، فقد تبنى بعض الفلاسفة المسلمين الذين درجوا على نهج أرسطو (الفيزياء، 1.4، 187 ب 13 – 21) وبعض المعلقين اليونانيين مثل جون فيلوبونوس (المتوفى 570)، القول بأن الأجسام تحتوي على أجزاء صغيرة ماديًا. ولكي نظفر بالدقة، فإنه يتعين القول بأنهم قد تعرفوا على الحد الأدنى من الطبيعة، وهذه هي الحدود التي يمكن فيها تجزئة نوع معين من الأجسام، مثل الماء أو اللحم، ومثل هذا النوع المحدد من الجسم لا يحول إلى نوع آخر (ابن سينا، 2009، III.12، 2–9؛ ابن رشد، 1962، ad 1.4 & 3.7؛ للدراسات انظر Glasner، 2001 & 2009، ch.8؛ Cerami، 2012؛ McGinnis، 2015 ). وللاطلاع على حجتهم حول الحدود الدنيا الطبيعية (ابن سينا 2009، III.12، 8 )، يتوجب على المرء أولاً أن يراعي نظرية العناصر والتغيير الأولي elemental change، التي تفترضه مسبقًا. وفقًا لنظرية العناصر القديمة ونظيرتها في العصور الوسطى، يختص كل عنصر من العناصر الأربعة التقليدية بخاصيتين أساسيتين، واحدة لكل زوجين. تتضمن هذه الأزواج الصفات الأساسية: الساخنة / الباردة والرطبة / الجافة. يتسم عنصر الأرض بالصفات الباردة الجافة والماء البارد الرطب والهواء الساخن الرطب والنار بالحرارة الجافة. ترتبط هذه الصفات الأساسية بالسبب المادي للعناصر. عندما يجري تغيير هذه الصفات الأولية عبر عملية السببية المادية – وذلك من خلال بعض الحركة أو التغيير في العنصر مثل زيادة أو نقصان درجة الحرارة أو البرودة أو الجفاف أو البلل – فإن التعديل يكون مهيأ أو معرضاً للمادة الأساسية بحيث يكون جاهزاً لتلقي شكل جوهري جديد. ولهذا فعلى سبيل المثال، عندما يسخن الماء على نحو كافٍ، وهو المتعلق بزوج: البارد والرطب، فإن الصفة النوعية الأساسية لم تعد مناسبة للشكل الأساسي للمياه. ومن ثمَّ، ففي مرحلة ما من عملية التسخين، تصطبغ المادة بشكل جوهري جديد يتوافق مع الصفة النوعية الأساسية الجديدة، أي أن المادة تتقبل شكل الهواء. وبناء على ذلك، يسعنا القول إن البخار الناتج عن تسخين المياه بقوة له صفة محددة شبيهة بالهواء. ثمة قيمة مشابهة للقيمة التي سقناها تواً تنطبق أيضًا على الحالات الأكثر تعقيدًا للخلائط المختلفة، مثل الدم واللحم والبذور، والتي تشارك في تكوين الحيوانات والنباتات.

وبخصوص الإثبات الوجودي لـ الحد الأدنى الطبيعي minima naturalia نفسه، فإنه يبتدئ بتكرار هذا التقسيم بنهجين: تقسيم مادي – وهو الذي يؤدي إلى تقسيم فعلي أو فصل أو تجزئة للحجم؛ وتقسيم مفاهيمي – وهو الذي يتضمن تجزئة عقلية مجردة أو وضعاً يدع المقدار كما هو. مرة أخرى، يتمحور الجدل بشكل رئيس حول القسمة المادية. هذه الحجة تبنى على هذا النحو: كلما كانت كمية مادة معينة أصغر، كان أدعى للأجسام المحيطة أن تتحرك. لذلك، فعلى سبيل المثال، في حالة تساوي جميع الأشياء، يستغرق الأمر وقتًا أطول حتى يُبرّد قدر من الماء طنًا من الحديد المصهور مقارنةً بنفس القدر من الماء إذا كان موجهاً لتبريد أوقية فقط من الحديد المنصهر، وبالمثل، فإن الفرن عالي السخونة قادر على تسخين نفس الأوقية بسرعة أكبر من الطن. ولهذا نؤكد بأنه كلما كانت التقسيمات الفيزيائية لمادة معينة أصغر، أضحت الكمية المخفضة من المادة أكثر ميلًا إلى الصفات الأساسية للأجسام المحيطة. بافتراض أننا إزاء أقل من حد معين، تكون النسبة بين قوة الصفات الأولية للأجسام المحيطة وتلك الخاصة بالجسم المقسم هي على نحو تتغلب فيه صفات الأجسام المحيطة على تلك الموجودة في الجسم المنقسم. في هذه اللحظة، يجري تغير نوعي أساسي للمادة المقسمة، بحيث لا تغدو مناسبة لشكلها الأولي، وتصطبغ بشكل جوهري جديد. وبناء على ذلك، لنفترض أن كوبًا من الماء محوطاً بهواء صيفي حار جاف. دعونا نتخيل إزاء نصف هذه الكمية من الماء، ثم نتخيل أزاء النصف الآخر منه. في مرحلة ما، تكون كمية الماء صغيرة جدًا لدرجة أن الماء ببساطة يتبخر على الفور، أو كما يعتقد الفلاسفة الطبيعيون في العصور الوسطى، يستبدل شكل الماء بهذه الكمية المادية الضئيلة على الفور بشكل الهواء. باختصار، بالنسبة لهؤلاء الفلاسفة، فإن العناصر، بالإضافة إلى الخلائط الأكثر تعقيدًا، لها حدود طبيعية لا يمكن بعدها تقسيمها مع قدرتها على على الاحتفاظ بشكل نوعها، لأن الصفات الأولية للأجسام المحيطة تغير ذلك الجسم بحيث يكون لم يعد قادراً على الحفاظ على شكله الأولي. يجب، إذن، أن نخلص إلى الحجة: الحدود الدنيا الطبيعية minima naturalia.

4.2 المكان والفراغ

تبنى أرسطو في كتابه الفيزياء (IV 4، 212a2–6) فكرة أن المكان هو أول جانب لا يتحرك للجسم. لكن فكرته تعرضت لانتقادات لاذعة من المفكر اليوناني الأفلاطوني المحدث جون فيلوبونوس Philoponus، إذ إنه أكد أن المكان هو امتداد ثلاثي الأبعاد (محدود)، على الرغم من أنه لا يخلو أبدًا من ملمح الجسد، ومع ذلك فإنه يعد في حد ذاته قائمًا بنفسه، ولذا فمن الناحية النظرية يمكن أن يوجد بشكل مستقل عن الجسد. كانت إحدى الطرق التي دافع بها فيلوبونوس عن هذه الأطروحة هي القول بأن وصف أرسطو للمكان كان غير متسق مع السمات الأخرى لنظامه الفلسفي. وذلك أن أرسطو يبدو ملتزمًا بادعاءات ثلاثة، وهي: الأول أنه إذا كان لشيء ما مكان، فبالنظر إلى تعريفه لـ “المكان” يجب أن يكون ثمة شيء آخر يتجاوز ذلك الشيء الذي يحتويه؛ والثاني أنه مرة كل أربع وعشرين ساعة تقريبًا تدور الكرة السماوية الخارجية دورة كاملة باتجاه الغرب؛ والثالث أنه لا يوجد سوى ثلاثة أنواع عامة من الحركة، وهي: الحركة بالنسبة إلى (1) المكان، (2) الكمية و (3) النوع. بالنظر إلى هذه المعتقدات، طرح فيلوبونوس هذه المعضلة: إما أن الكون ككل له مكان أو لا. إذا كان له مكان، فإن تعريف أرسطو للمكان خاطئ لأنه لا يوجد شيء خارج الكون نفسه يحتويه. وإذا لم يكن للكون ككل مكان، فإن فيلوبونوس يسأل: “بأي شكل تتحرك الكرة السماوية الخارجية أثناء حركتها اليومية؟”. مرة أخرى، يمكن أن تكون الحركة إما (1) فيما يتعلق بفئة المكان (كما هو الحال عندما يخضع شيء ما للتنقل)، (2) فيما يتعلق بفئة الكمية (كما هو الحال عندما ينمو شيء ما أو ينكمش) أو (3) فيما يتعلق فئة النوع (مثل عندما يتغير شيء ما في اللون أو درجة الحرارة وما شابه). من الواضح أن الحركة اليومية للكون لا تتعلق بأي من التصنيفات الكمية أو النوعية، ومن ثم وجب أن تتعلق بالمكان؛ ومع ذلك، ففي زمن تلك المعضلة، كان من المفترض أن الكون ليس له مكان، مما يؤدي إلى وجود تناقض. على الرغم من أن فيلوبونوس كان لديه حجج أخرى لاعتقاده أن المكان هو المكان الذي يشغله الجسد، فإن هذه المعضلة هي التي وظفها الفلاسفة الطبيعيون اللاحقون الناطقون بالعربية.

في الواقع، تبنى جميع الفلاسفة الناطقين بالعربية تفسير أرسطو للمكان على أنه حدود الجسد، ولذا كان التحدي هو شرح ما إذا كان للكون ككل مكان وبأي معنى يمكن القول أنه يتحرك. كانت هنالك طريقتان لهذه المشكلة: الأولى هي إنكار وجود مكان للكون، ثم شرح معنى تحركه، بينما كانت الثانية هي تأكيد أن الكون له مكان ثم إظهار كيف يكون ذلك. المكان يتوافق مع تعريف أرسطو للمكان. يمثل ابن سينا ​​النهج الأول، بينما اتخذ ابن باجة وابن رشد (ويبدو أيضًا الفارابي) النهج الثاني.

على سبيل المثال، أنكر ابن سينا ​​أن للكون مكانًا، لكنه أيضًا نفى أن تكون قائمة أنواع الحركة التي وظفها فيلوبونوس في معضلته شاملة، حيث يقرر ابن سينا بأنه يجب على المرء أن يضيف إلى تلك القائمة، الحركة فيما يتعلق بـ فئة الموضع ( Avicenna 1983، II.3، 103-105.13؛ McGinnis 2006b). وفقًا لابن سينا ​​، فإن جميع حالات الحركة المستقيمة، أي الحركة من نقطة مكانية معينة x إلى نقطة مكانية أخرى y، هي حالات حركة فيما يتعلق بفئة المكان، في حين أن جميع حالات الدوران أو الالتفاف، حيث لا ينحرف الجسم المتحرك عن موقع مكاني معين، هي حالات حركة فيما يتعلق بفئة الموضع. وخلص ابن سينا ​​إلى أنه نظرًا لأن الكون أثناء دورانه اليومي لا ينحرف من موقع مكاني إلى آخر، فإنه لا يحتاج إلى مكان، مع قدرته على التحرك، وإن كان فيما يتعلق بفئة الموقع.

 أما المقاربة المتناقضة فهي نهج ابن باجة الذي يقال لنا أنه اتبع الفارابي في ذلك. سيكون هذا الموقف أيضًا هو الموقف الذي سيتبناه ابن رشد بشكل عام مع قدر من التحفظات والتعديلات. (Lettinck 1984، 297-302؛ Averroes 1962، 141E-144I). يشرع ابن باجة بتعديل طفيف في تعريف أرسطو للمكان؛ إذ عوض أن يكون المكان الأول هو الذي يحتوي على الحد، يحدد المكان بـ “السطح المحيط القريب”. هذا تغيير لغوي طفيف، بيد أنه يتيح لابن باجة الفرصة للتمييز بين مفاهيم “السطح المحيط”. ابن باجة يقرر بأنه يمكن أن تكون الأشياء إما محوطة بسطح مقعر أو محدب. الجسم المستقيم، أي الجسم الذي يخضع لحركة مستقيمة، مكانه سطح مقعر خارجه، في حين أن الجسم الكروي حقًا، أي الجسم الذي يخضع لحركة دائرية أو دوران، له مكانه المسطح المحدب، وهو داخل الجسم الدوار وهو في الواقع سطح المركز الذي يدور حوله الجسم، فنظرًا لأن الكون يدور حول الأرض، فعلى الأقل وفقًا لعلم الكونيات القديم والعصور الوسطى، فإن الكون “ محوط ” بالأرض على سطح الأرض المحدب، ولذا فإنه يكون للكون ككل مكان، أي سطح الأرض . جعلت تعديلات ابن رشد سطح الأرض فقط المكان العرضي للكون بدلاً من المكان الجوهري، ولكن منذ أن تحدث أرسطو عن وجود مكان للكون فقط عن طريق الصدفة، كان الشارح راضيًا.

لم يدافع الفلاسفة الطبيعيون في العالم الإسلامي بالضرورة عن وصف أرسطو للمكان ضد نقد فيلوبونوس من منطلق إذعاني لأرسطو، ولكن لأن التفسير البديل لفيلوبونوس حيال المكان يستلزم إمكانية وجود مساحة فارغة، ويعتقد معظم هولاء الفلاسفة أن وجود الفراغ كان مستحيلًا من الناحية المادية، بجانب كونه غير متماسك من الناحية المفاهيمية. أرسطو نفسه أقر بالعديد من المستحيلات المادية المرتبطة بالفراغ، في حين اكتشف هولاء الفلاسفة الجانب غير المترابط من الناحية المفاهيمية لمفهوم الفراغ، بغية إظهار استحالة وجوده. على سبيل المثال، في رسالة الفلسفة الأولى، لاحظ الكندي أن معنى “الفراغ” هو المكان الذي لا يوضع فيه أي شيء؛ ومع ذلك، تابع القول إن المكان والشيء المتوضع هما مصطلحان مترابطان لا يتقدم أي منهما الآخر، ولذا فإذا كان ثمة مكان، فيجب أن يكون ثمة شيء ما، وإذا كان هنالك شيء ما، فيجب أن يكون هنالك مكان. وبناء على ما سبق، لا يمكن أن يكون هنالك مكان دون أن يوضع فيه شيء ما. وتأكيداً على ما سبق، إن المكان الذي لا يوضع فيه شيء هو بالضبط المقصود بـ “الفراغ”. لذلك، استنتج الكندي أنه من المستحيل وجود فراغ مطلق (الكندي، 1950، 109).

سلك الفارابي في أطروحة صغيرة عن الفراغ نهجًا مشابهًا، مستكشفاً المقصود من “الجسد” (الفارابي 1951). يسرج الفارابي تفكيره بتجربة قد تقود المرء إلى استنتاج أن الفراغ موجود. تتضمن التجربة شفط الهواء من قنينة ثم وضع الإصبع على فم القارورة، ثم تقلب القارورة في وعاء من الماء، ثم يرفع الإصبع من فم القارورة. حينها تنجذب كمية معينة من الماء إلى القارورة، مما يجعل المرء يستنتج أن فراغًا يتناسب مع كمية الماء المسحوبة إلى القارورة كان موجودًا بينما كان الإصبع مطبقاً على فم القارورة. يقرر الفارابي بأن الاستنتاج ليس منطقياً، لأنه كان يعتقد أنه يجب على المرء أن يسلِّم بأن الفراغ المفترض في القارورة له حجم معين، ولكن بما أن الحجم هو مجرد جسم ذو طول وعرض وعمق، فإن ذلك يتطلب وجود جسم في هذا الفراغ المفترض. وفي هذا الصدد، كان الفارابي ببساطة يتبني التعريف القياسي لـ “الجسم” على أنه أي شيء له ثلاثة أبعاد؛ ومع ذلك، فقد اقترح أيضًا أن هناك شيئًا غير متماسك بخصوص اعتبار الفراغ نوعًا من العدم المطلق الذي يمتلك ثلاثة أبعاد، حيث لا يمكن توليد معنى متماسك يجعل من العدم موضوعًا للصفات العرضية للطول والعرض والعمق. بالنظر إلى هذه المسوغات ضد الفراغ، يتابع الفارابي فكرته، حيث يقرر بأنه ينبغي للمرء أن يستنتج من التجربة المذكورة أعلاه أن حجم الهواء قد تمدد، ولذا فإن كمية أقل من الهواء تشغل في الوقت ذاته نفس القدر من المساحة. بعبارة أخرى، الحجم المعين الذي يمتلكه الجسم، وخاصة في الحالة أو الهواء، ليس ضروريًا لذلك الجسم، وبالتالي بالنظر إلى العوامل أو الظروف السببية الصحيحة، فإنه يمكن أن يتوسع حجم الجسم أو ينقص. أضحى اقتراح الفارابي هذا هو المعيار بين فلاسفة الطبيعة في العالم العربي عند التعامل مع الفراغات المصطنعة المفترضة.

5.2 الزمان والخلود

كالعديد من القضايا في الفلسفة الطبيعية، تبنى الفلاسفة الكلاسيكيون الموضوعات الزمنية وفق آراء أرسطو. وهكذا فإن معظم الفلاسفة الناطقين بالعربية جعلوا من الوقت مقياساً للحركة فيما يتعلق بالأولوية والتاريخ [10]. على الرغم من أن كثيراً من القضايا والمشكلات المرتبطة بالوقت تتعلق بمسألة خلود العالم، بما يجعلها منتمية إلى الميتافيزيقيا بشكل ما، على أنه كان ثمة بعض الأسئلة الملحة المتعلقة بطبيعة الوقت عولجت بالكامل داخل الفلسفة الطبيعية. ويمكن القول إن أهم هذه الأسئلة المادية كانت تتعلق بتوضيح أي حركة أو حركات هي التي تقيس الوقت. وفي هذا، وضع ابن رشد المشكلة على المحك بشكل جيد في تعليقه الطويل على فيزياء أرسطو (Averroes 1962, 178F-179I).

شرع ابن رشد تحليله بسؤال عما إذا كان الوقت مرتبطًا بكل حركة أم بحركة خاصة واحدة فقط. إذا كان الوقت مرتبطًا بكل حركة، ومولداً منها بالفعل، فسيكون ثمة تكرار للحركات، ومع ذلك يبدو واضحًا على الفور أنه لا يوجد سوى وقت واحد فقط. ولذا، أمكن القول إن الوقت يجب أن يقترن بحركة خاصة واحدة فقط؛ وبالفعل فقد ربط التقليد الأرسطي، على الأقل بالعودة إلى الإسكندر الأفروديسي، إن لم يكن أرسطو نفسه، الوقت بحركة خاصة واحدة، ألا وهي حركة السماوات. وهنا يجادل ابن رشد مقرراً بأنه إذا كان الوقت مرتبطًا بشكل فريد بهذه الحركة على وجه التحديد، فإن إحساس المرء وإدراكه للوقت سيرتبط بإحساس المرء وإدراكه لحركة السماء. ولهذا فإذا لم يشعر شخصُ ما أبدًا بهذه الحركة، مثل سجناء أفلاطون في الكهف كما في الجمهورية، فلن يكون هذا الشخص على دراية بالوقت تمامًا، ومثل هذا الاستنتاج يبدو خاطئًا ببساطة. في الواقع، عمم ابن رشد حجته لتشمل جميع الحركات الخاصة الموجودة خارج أرواحنا. ومن ثم يبدو أن الحركة المعنية في تعريف الوقت يجب أن تشير إلى حركة نفسية، أي بعض الحركة التي تمر بها أرواحنا. وقد خلص ابن رشد إلى أن الصعوبة في هذا الاقتراح ذات شقين: أولاً، يعني أنه لا يوجد وقت خارج الروح، وثانيًا، نظرًا لأنه سيكون هناك العديد من الحركات النفسية مثل الأرواح، فقد عدنا إلى الصعوبة الأولى التي واجهناها: الوجود عدة مرات.

حل ابن رشد يكمن في القول بأن وعينا بالزمن هو أولاً وعينا لأنفسنا بشكل أساسي بقدر ما نمر به من التغيير. نحن ندرك بدورنا أننا مررنا بنوع من التغيير من خلال إدراكنا لحظتين مختلفتين، على سبيل المثال، أدرك أن اللحظة التي بدأت فيها كتابة هذا النص لأول مرة تختلف عن اللحظة الحالية، وفي هذه الحالة أدرك أنني خضعت لنوع من التغيير. ومع ذلك، فقد أضاف ابن رشد مباغتاً أن تغييرنا الجاري لا ينتج إلا عن حركة السماوات الجارية، مشيراً إلى أنه يجب أن تتوقف السماوات عن الحركة، ومن ثم لن نخضع للتغيير لاحقاً. ومن ثمَّ، فعلى الرغم من أن وعينا بالوقت يرتبط فورًا بتغيرنا الجاري، فإنه يمكننا أن نكون مدركين للوقت على الرغم من أننا لسنا على علم بأي حركة خاصة تحدث خارج العقل، مع أن الوقت نفسه يرتبط بحركة السماوات التي هي السبب النهائي لحركتنا الجارية، وبالتالي فإن الوقت واحد وليس متعدداً.

هنالك قضية زمنية أخرى كانت تهم الفلاسفة الطبيعيين في العالم الإسلامي وتتعلق بتضاريس الزمن: “هل هي محدودة أم لانهائية؟” و “هل هي” مستقيمة “أم” دورية “؟”. من بين هولاء الفلاسفة، كان الكندي وحيدًا تقريبًا في تأكيد محدودية الوقت. حيث جادل معظم الفلاسفة الآخرين بأن الوقت يجب أن يكون بالضرورة لانهائيًا، لكونه لا بداية له. وتكشف الطريقة التي يناقش بها العديد من الفلاسفة هذه الأطروحة أن مفاهيم: المستقيم والدوري للوقت، كانت حاضرة ضمن تقليد الفلسفة، حيث ينادي ابن سينا ​​بمفهوم مستقيم للوقت، بينما يقر ابن رشد المفهوم الدوري للوقت.

مرة أخرى، كانت المنطقة التي نشأت فيها هذه القضية مقتنعة ببراهين أبدية الزمن. لذلك، على سبيل المثال، في إثبات جديد لوجود الوقت بناءً على الاختلافات في مقدار المسافة التي يمكن أن تغطيها أجسام متحركة ببطء أو بسرعة، ربط ابن سينا ​​الوقت بإمكانية أو قدرة (إمكان) للحركة (Avicenna 1985, 228–229)، ثم شرع يجادل ببرهان نقض الفرض reducto ad absurdum. لقد جعلنا نفترض أن الوقت محدود، ولذا فيجب أن يكون لحركة الكون لحظات أولى حينما بدأت. ثم يواصل القول، حتى لو بدأت حركة الكون في لحظة ما، فإنه من الواضح أنه ما تزال ثمة إمكانية لخالق العالَم للقيام بحركة تمتد إلى الوراء. في هذه الحالة، توجد قدرة أو إمكانية للحركة تسبق اللحظة الأولى المزعومة، لكن الوقت وفقًا لابن سينا ​​هو مرة أخرى مجرد قدرة أو إمكانية معينة للحركة. وهكذا كان زمن يسبق اللحظة الأولى المزعومة، وهذا عبث. بما أن نفس الحجة تنطبق على أي لحظة زمنية أولى مزعومة، كما خلص ابن سينا ​​، فإن الوقت لا يمكن أن يكون له بداية، ولذا وجب أن يكون لانهائيًا. من الواضح أن مفهوم الوقت الضمني في حجة ابن سينا ​​هو أن الخط الزمني يمتد إلى ما لا نهاية.

من جهته، قدم ابن رشد أيضًا حجة أن الوقت ليس له بداية، وكان ذلك من حيث تصور الوقت كدائرة (Averroes 1991, question III). وكما وُضح أعلاه، فإن الوقت بالنسبة لابن رشد هو نتيجة وقياس للحركة الدائرية للسماء، والوقت نفسه دائري. وإذا تقرر هذا، فمثل أن أي نقطة على دائرة هي بداية ونهاية لقوس ما على الدائرة، فإن أي لحظة مفترضة في الوقت يجب أن تكون بداية ونهاية لفترة زمنية معينة. ولهذا، فإن الوقت ليس له بداية. ومع ذلك، فإن عدم وجود بداية له ليس بمعنى أن الخط المستقيم ليس له بداية، ولكن بمعنى أنه لا توجد نقطة على دائرة يمكن القول أنها بداية الدائرة. وعلى الرغم من أن ابن رشد لم يزعم بقالب صريح أن كل الأحداث والأشياء ستعود مرة أخرى، فإن حجته على ما يبدو تشير إلى مثل هذا الاستنتاج.

6.2 الرازي والزمان والمكان المطلقان

وفق ما بيناه من أن معظم الفلاسفة الكلاسيكيين قد استوحوا إلهامهم من أرسطو وشراحه اللاحقين، فإن الاستثناء الأكثر بروزًا هو الفيلسوف المستقل والطبيب أبو بكر الرازي (حوالي 864-925 أو 930)، حيث كانت فلسفته الطبيعية وعلم الكونيات الخاص به متكئة على النسخ العربية من طِيمَاوُس Timeaus لأفلاطون، مع بعض المصادر غير اليونانية. لقد أكد الرازي أن هناك خمسة أزواج، وهي: (1) الخالق، (2) الروح العالمية، (3) المادة الأولية، (4) الوقت المطلق و (5) الفضاء المطلق (يُفهم على أنه شيء مثل الفراغ) (ar-Razi 1939, 195–215) . تجد المبادئ الثلاثة الأولى الخالدة نظيراتها في الفلسفة الطبيعية للأرسطية الأفلاطونية المحدثة في العالم الإسلامي، في حين أن المفهومين الأخيرين هما اللذان يميزان الرازي عن غيره من الفلاسفة الطبيعيين في العصور الوسطى.

بخصوص جميع الفلاسفة الذين طرحنا رؤاهم، فإن الزمان والمكان عبارة عن مصطلحات نسبية، تعتمد تباعاً على: الحركة والشيء المتموضع لوجودها. في المقابل، يجادل الرازي بأن على المرء أن يميز بين التصور النسبي لهذه المفاهيم والمفهوم المطلق. ولذاـ فقد ميّز بين الوقت (مفهوم زمني نسبي) والمدة (مفهوم زمني مطلق)، كما أنه قد ميّز بين المكان (مفهوم مكاني نسبي) والفراغ (مفهوم مكاني مطلق). ويمضي بالقول بأن كلا من المدة والفراغ جوهران، بمعنى أن لهما وجودًا مستقلًا عن أي شيء آخر، ولهذا، فيمكن أن يوجدا من حيث المبدأ إذا تعذر وجود أي شيء آخر في الوجود.

وفيما يتعلق بمسألة خلود المدة، فقد أشار الرازي إلى أن الزمن (المفهوم الزمني النسبي) يتلاشى باستمرار ويقترب من الوجود، وذلك لأن كل الأوقات الماضية لم تعد موجودة فعلاً، في حين أن الزمن في المستقبل يحضر باستمرار. في هذه الحالة، يتغير الوقت نفسُه، بيد أن كل تغيير يستلزم مدة يتغير خلالها. وإذا خضعت هذه المدة نفسها للتغيير، فستكون هنالك حاجة إلى مدد إضافية وهكذا إلى ما لا نهاية. لوقف مثل هذا التسلسل، يفترض الرازي مدة ثابتة، والتي هي في حد ذاتها الشرط المسبق للوقت المقيس لأولئك الفلاسفة الذين اتبعوا سَنن أرسطو.

وأما بالنسبة للفراغ أو الفضاء المطلق، فقد رأينا كيف ربط الفلاسفة في العالم العربي الإسلامي المكان بشيء موضوع فيه. فإذا كان المكان وما يوضع فيه مترابطين بشكل جوهري وفق ما أكده الفلاسفة، فإن الرازي يجادل عبر تخيل تدمير أحدهما، إذ يجب على المرء في حالة كهذه تخيل تدمير الشيء الآخر. ويزعم الرازي أن المرء لو تخيل تدمير الكون، فإنه لا يتخيل تدمير فكرة الفضاء أو الفراغ، حيث لا يكون التدمير جارياً على كل شيء يحتله. ولهذا، فإن الفراغ وما يوضع فيه لا يرتبطان كما يزعم الفلاسفة. ومن ثم يجب على المرء أن يميز بين فكرة الفضاء الفارغ، الذي لا يجري تدميره عندما يتخيل المرء تدمير الكون، ومفهوم المكان، الذي يجري تدميره عندما يتخيل المرء تدمير الكون. الأول مطلق، في حين أن الأخير فقط نسبي.


المراجع

المراجع الأساسية

  • Aristotle, 1964/65, At-Tabi‘i, 2. vols., Cairo: The General Egyptian Book Organization.
  • al-Ash‘ari, 1980, Die dogmatischen Lehren der Anhänger des Islam, Wiesbaden: Franz Steiner Verlag, G.m.b.H.
  • –––, 1953, al-Luma‘, in The Theology of al-Ash‘ari, R.J. McCarthy (ed.), Beirut: Imprimerie catholique.
  • Averroes, 1962, Long Commentary on the Physics, in Aristotelis Opera cum Averrois Commentariis, Vol. IV, Frankfurt am Main: Minerva, G.m.b.H.
  • –––, 1991, Averroes’ Questions in Physics, H. T. Goldstein (trans.), Dordrecht: Kluwer Academic Publishers.
  • –––, 2003, Averrois Cordubensis Commentum magnum super libro De celo et mundo Aristotelis, F. J. Carmody and R. Arnzen (eds.), 2 vols., Louvain: Peeters.
  • Avicenna, 1956, Kitab al-Burhan, A.E. Affifi (ed.), Cairo L’Organization Egyptieene Générale du Livre.
  • –––, 1985, Najat, M.T. Danishpazhuh (ed.), Tehran: Danishgah-i Tihran.
  • –––, 1983, Shifa’, Kitab as-Sama‘ at-tabi‘i, S. Zayed (ed.), Cairo: The General Book Organization.
  • –––, 1996, Shifa’, Kitab as-Sama‘ at-tabi‘i, J. Al-Yasin (ed.), Beirut: Dar al- Manahil.
  • –––, 2009, The Physics of The Healing, J. McGinnis (ed. and trans.), Provo: Brigham Young University Press.
  • al-Baqillani, 1986, Insaf, ‘A. Haydar (ed.), Beirut: ‘Alim al-Kutub.
  • –––, 1957, Kitab at-Tamhid, R.J. McCarthy (ed.), Beirut: Librairie Orientale.
  • al-Farabi, 1951, Fârâbî’s Article on Vacuum, N. Lugal and A. Sayili (ed. and trans.), Ankara: Türk Tarih Kurumu Basimevi. (Page reference in brackets to the Arabic.)
  • –––, 1985, On the Perfect State, R. Walzer (ed. and trans.), Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 1964, As-Siyasa al-madaniya al-mulaqqab bi-mabadi’ al-mawjudat, F. Najjar (ed.), Beirut: Imprimerie Catholique.
  • Ibn Bajja, 1973, Sharh as-sama‘ at-tabi‘i ‘ala Aristutalis, M. Fakhry (ed.), Beirut: Dar an-Nahar li-N-Nashr.
  • Ibn Bajja, 1978, Shuruhat as-sama‘ at-tabi‘i, M. Ziyada (ed.), Beirut: Dar al-Kindi/Dar al-Fikr.
  • Al-Juwayni, 1950, Kitab al-Irshad ila qawati‘ al-adillah fi usul li-i‘ tiqad, M. Musa and ‘A. al-Hamid (eds.), Cairo: Maktabat al-Khanji.
  • –––, 2000, A Guide to the Conclusive Proofs for the Principles of Belief, P. Walker (trans.), Lebanon: Garnet Publishing.
  • al-Kindi, 1950, Rasa’il al-Kindi al-falsafiyya, M. ‘A. Abu Rida (ed.), Cairo: Dar al-Fikr al-‘Arabi.
  • Maimonides, Moses, 1963, The Guide of the Perplexed, S. Pines (trans.), Chicago: University of Chicago Press.
  • Mulla Sadra, 2001, Sharh al-Hidaya al-Athiriyya li-Ṣadr al-Din Muhammad al-Shirazi, M.M. Fuladkar (ed.), Beirut: Dar Iḥyaʾ al-Turath al-‘Arabi.
  • ar-Razi, Abu Hatim, 2011, The Proofs of Prophecy, T. Khalidi (ed. and trans.), Provo: Brigham Young University Press.
  • ar-Razi, Abu Bakr, 1939, Opera Philosophica, P. Kraus (ed.), Cairo: n.p.
  • –––, 2007, “On the Five Eternals,” selections in Classical Arabic Philosophy: An Anthology of Sources, J. McGinnis and D. C. Reisman (trans.), Indianapolis/Cambridge: Hackett Publishing Co.
  • ar-Razi, Fakhr al-Din, 1990, al-Mabhith al-mashriqiyya, M.M. Billah al-Baghdadi (ed.), Beirut: Dar al-Kitab al-‘Arabi.
  • as-Suhrawardi, 1999, The Philosophy of Illumination, J. Walbridge and H. Ziai (ed. & trans.), Provo, UT: Brigham Young University Press.
  • Ibn Tufayl, 1936, Hayy Ben Yaqdhân, Roman Philosophique D’Ibn Thofaïl, L. Gautier (ed. and trans.), Beirut: Imprimerie catholique.

المراجع الثانوية

  • Adamson, P., 2017, “Fakhr al-Dīn al-Rāzī on Place,” Arabic Sciences and Philosophy, 27: 205–236.
  • Ahmed, A. Q., 2016, “The Reception of Avicenna’s Theory of Motion in the Twelfth Century,” Arabic Sciences and Philosophy, 26: 215–243.
  • Baffioni, C., 1982, Atomismo e antiatomismo nel pensiero islamico, Series minor, Istituto universitario orientale (Naples) Seminario di studi asiatici, 16, Rome: Herder.
  • Cerami, C., 2012, “Mélange, minima naturalia et croissance animale dans le Commentaire moyen d’Averroès au De genratione et corruptione I,5,” in La Nature et le vide dans la physique médiévale: Études dédiées à Edward Grant, Joël Biard et Sabine Rommevaux (eds.) Turnhout: Brepols.
  • Craig, W. L., 2000, The Kalam Cosmological Argument, Eugene: Wipf & Stock Publishers.
  • Dhanani, A., 1994, The Physical Theory of Kalam: Atoms, Space, and Void in Basrian Mu‘tazili Cosmology, Leiden: E. J. Brill.
  • –––, 2002, “Problems in Eleventh-Century Kalam Physics,” Bulletin of the Royal Institute for Inter-Faith Studies, 4: 73–96.
  • –––, 2015, “The Impact of Ibn Sīnā’s Critique of Atomism on Subsequent Kalām Physics,” Arabic Sciences and Philosophy, 25: 79–104.
  • Frank, R., 1978, Beings and Their Attributes: the teaching of the Basrian School of the Mu‘tazila in the Classical Period, Albany: State University of New York Press.
  • Giannakis, E., 1998, “Yahya ibn ‘Adi Against John Philoponus on Place and Void,” in Zeitschrift für Geschichte der arabisch-islamischen Wissenschaften, 12: 245–302.
  • Glasner, R. 2001, “Ibn Rushd’s Theory of minima maturalia,” Arabic Sciences and Philosophy, 11: 9–26.
  • –––, 2009, Averroes’ Physics: A Turning Point in Medieval Natural Philosophy, Oxford: Oxford University Press
  • Harvey, S., 2004, “The Impact of Philoponus’ Commentary on the Physics on Averroes’ Three Commentaries on the Physics,” in Philosophy, Science and Exegesis in Greek, Arabic and Latin Commentaries (Volume 2), P. Adamson, H. Baltussen and M. W. F. Stone (eds.), London: Institute of Classical Studies.
  • Hasnawi, A., 1977, “Certain Notions of Time in Arab-Muslim Philosophy,” in Time and the Philosophies, n.p.: UNESCO Press.
  • –––, 1984, “La dynamique d’Ibn Sina,” in Études sur Avicenne, J. Jolivet and R. Rashed (eds.), Paris: Les Belles Lettres.
  • –––, 2001, “La definition du mouvement dans la Physique du Šifa’ d’Avicenne,” Arabic Sciences and Philosophy, 11: 219–255.
  • –––, 2004, “Le Statut categorical du mouvement chez Avicenne: Contexte grec et postérité médiévale latine,” in De Zénon d’Élée a Poincaré: Recueil d’études en homage a Roshdi Rashed, R. Morelon and A. Hasnawi (eds.), Louvain-Paris: Peeters.
  • Lammer, A., 1994, The Elements of Avicenna’s Physics: Greek Sources and Arabic Innovations, Berlin, Boston: de Gruyters, 2017.
  • Lettinck, P., 1994, Aristotle’s Physics and Its Reception in the Arabic World, Leiden: E. J. Brill.
  • –––, 1999, “Ibn Sina on Atomism,” al-Shajarah, 4: 1–51.
  • MacDonald, D. B., 1927, “Continuous Re-Creation and Atomic Time in Muslim Scholastic Theology,” Isis, 9: 326–344.
  • Maróth, M., 2011, “Averroes on the void,” in La lumiére de l’intellect. La pensèe scientifique et philosophique d’Averroés dans son temps. Actes du IVe colloque international de la SIHSPAI, A. Hasnawi (ed.), Leuven: Peeters.
  • McGinnis, J., 2003, “The Topology of Time: an Analysis of Medieval Islamic Accounts of Discrete and Continuous Time,” The Modern Schoolman, 81: 5–25.
  • –––, 2004, “On the Moment of Substantial Change: a Vexed Question in the History of Ideas,” in Interpreting Avicenna: Science and Philosophy in Medieval Islam, J. McGinnis (ed.), Leiden: E. J. Brill.
  • –––, 2006a, “A medieval Arabic analysis of motion at an instant: The Avicennan sources to the forma fluens/fluxus formae debate,” British Journal for the History of Philosophy, 39: 1989–205.
  • –––, 2006b, “Positioning Heaven: the Infidelity of a Faithful Aristotelian,” Phronesis, 51: 140–161.
  • –––, 2010, “Avicennan Infinity: A Select History of the Infinite through Avicenna,” Documenti e Studi, 21: 199–222.
  • –––, 2013, “Pointers, Guides, Founts and Gifts: The Reception of Avicennan Physics in the East,” Oriens, 41: 433–456.
  • –––, 2015, “A Small Discovery: Avicenna’s Theory of Minima Naturalia,” Journal of the History of Philosophy, 53: 1–24.
  • Nasr, S. H., 1993, An Introduction to Islamic Cosmological Doctrines, Albany: State University of New York Press.
  • Nony, S., 2011, “La dynamique d’Abû l-Barakât: faire le vide pour penser le changement du changement,” in In the Age of Averroes: Arabic Philosophy in the Sixth/Twelfth Century, P. Adamson (ed.), London: Warburg Institute.
  • Pines, S., 1936, Beiträge zur islamischen Atomenlehre, Berlin: A. Heine G.m.b.H.; 1997, Studies in Islamic Atomism, M. Schwarz (trans.), Jerusalem: The Magnes Press.
  • –––, 1979a, “Études sur Awhad al-Zaman Abu’l-Barakat al-Baghdadi,” in Studies in Abu’l-Barakat al-Baghdadi, Physics and Metaphysics (The Collected Works of Shlomo Pines, Volume 1), Jerusalem: The Magnes Press.
  • –––, 1979b, “Nouvelles Études sur Awhad al-Zaman Abu’l-Barakat al-Baghdadi,” in Studies in Abu’l-Barakat al-Baghdadi, Physics and Metaphysics (The Collected Works of Shlomo Pines, Volume 1), Jerusalem: The Magnes Press.
  • –––, 1979c, “Note on Abu’l-Barakat’s Celestial Physics,” in Studies in Abu’l-Barakat al-Baghdadi, Physics and Metaphysics (The Collected Works of Shlomo Pines, Volume 1), Jerusalem: The Magnes Press.
  • Rashed, M., 2005, “Natural Philosophy,” in the Cambridge Companion to Arabic Philosophy, P. Adamson and R. Taylor (eds.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2008, “Avicenna’s Theory of Primary Mixture,” Arabic Sciences and Philosophy, 18: 19–58.
  • –––, 2011, “Le concept de lieu: Ibn al-Haytham, Averroés,” in La lumiére de l’intellect. La pensèe scientifique et philosophique d’Averroés dans son temps. Actes du IVe colloque international de la SIHSPAI, A. Hasnawi (ed.), Leuven: Peeters.
  • Sabra, A.I., 1997, “Thabit ibn Qurra on the Infinite and Other Puzzles,” in Zeitschrift für Geschichte der arabisch-islamischen Wissenschaften, 11: 1–33.
  • –––, 2006, “Kalam Atomism As an Alternative Philosophy to Hellenizing Falsafa,” in Arabic Theology, Arabic Philosophy. From the Many to the One: Essays in Celebration of Richard M. Frank, J. E. Montgomery (ed.), Leuven: Peeters.
  • Sayili, A., 1984, “Ibn Sînâ and Buridan on the Dynamics of Projectile Motion” in Ibn Sînâ, Dogumunum Bininci Yili Armagani, A. Sayili (ed.), Ankara: Türk Tarih Kurumu Basimevi.
  • Setia, A., 2008, “Time, motion, distance, and change in the Kalam of Fakhr al-Din al-Razi: a preliminary survey with special reference to the Matalib Aliyyah,” in Islam & Science, 6: 13–42.
  • Shamsi, F. A., 1984, “Ibn Sina’s Argument against Atomicity” Uluslararasi Ibni Sînâ Sempozyumu Bildirileri, Ankara: Kultur ve Turism Bakanligi.
  • Stone, A., 2008, “Avicenna’s Theory of Primary Mixture,” Arabic Sciences and Philosophy, 18: 99–119.
  • Walbridge, J., 2012 “Kalam Illuminationists, Place, and the Void,” in La nature et le vide dans la physique médiévale, J. Biard and S. Rommevauz (eds.), Turnhout: Brepols.
  • Wisnovsky, R., 2003, Avicenna’s Metaphysics in Context, Ithaca: Cornell University Press.
  • Wolfson, H. A., 1929, Crescas’ Critique of Aristotle: Problems of Aristotle’s Physics in Jewish and Arabic Philosophy, Cambridge: Harvard University Press.
  • –––, 1976, The Philosophy of Kalam, Cambridge: Harvard University Press.
  • Zarepour, M. S., forthcoming, “Avicenna on Mathematical Infinity,” Archiv für Geschichte der Philosophie.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

[Please contact the author with suggestions.]

مداخل ذات صلة

al-Kindi | Aristotle, Special Topics: natural philosophy | atomism: ancient | Ibn Rushd [Averroes] | Ibn Sina [Avicenna] | Maimonides | Neoplatonism | Philoponus


[1] McGinnis, Jon, “Arabic and Islamic Natural Philosophy and Natural Science”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2022 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2022/entries/arabic-islamic-natural/>.