مجلة حكمة
مقاربات فلسفية في العمل

مقاربات فلسفية في العمل

الكاتبمايكل تشولبي
ترجمةأحمد قاضي
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول المقاربات الفلسفية في العمل ؛ نص مترجم، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


 

يحمل مفهوم العمل إرثًا فلسفيًا تاريخيًا طويلًا. فقد كرّست بعض أكثر المذاهب الفلسفية تأثيرًا اهتمامًا معتبرًا للأسئلة المتعلقة بمن ينبغي أن يعمل، وكيف، ولماذا. على سبيل المثال، قدّم أفلاطون في المدينة الفاضلة التي وصفها في مؤلّفه “الجمهورية” نظامًا لتوزيع العمل يقوم على التخصّصية، صنّف به الأفراد إلى واحدة من ثلاث طبقات اقتصادية، بناءً على قدراتهم الفطرية: الطبقة العاملة أو التجارية، فئة من المساعدين المكلّفين بالحفاظ على السلام والدفاع عن المدينة، والطبقة الحاكمة من “الملوك الفلاسفة”. جادل أفلاطون بأنّ هذا التقسيم للعمل يضمن أنّ المهام الأساسية لازدهار المدينة سوف يقوم بها أولئك الأكثر قدرة على القيام بها.

من خلال طرحه بأنّ على المجتمع العادل الاهتمام بكيفية أداء العمل ومن يقوم به، اعترف أفلاطون بمركزية العمل في الحياة الاجتماعية والشخصية. في الواقع، يقضي معظم البالغين وقتًا طويلاً في العمل، ويمكن القول إنّ العديد من المجتمعات المعاصرة “تتمحور حول العمل” (غورز 2010). في مثل هذه المجتمعات، يكون العمل هو المصدر الأساسي للدخل وهو “معياري” بالمعنى الاجتماعي، بمعنى من المتوقع أن يكون العمل سمة مركزية للحياة اليومية، على الأقل بالنسبة للبالغين.

يمكن القول إذن، بأنّه لا توجد ظاهرة اجتماعية لها تأثير أكبر على جودة وظروف حياة الإنسان من العمل. وبالتالي، لذلك يستحق العمل ذات المستوى من الفحص الفلسفي مثل الظواهر الأخرى المركزية للنشاط الاقتصادي (على سبيل المثال، الأسواق أو الملكية الخاصة) أو الحياة الجماعية (مثل العائلة).

ينطوي تاريخ الفلسفة على مجموعة من وجهات النظر المتباينة فيما يتعلق بمكانة العمل في حياة الإنسان (أبلباوم 1992، شاف 2001، بود 2011، ليس وسولي 2012، كوملوسي 2018). الفكر الكونفوشيوسي التقليدي، على سبيل المثال، يتبنى مبادئ مثل العمل الجاد والمثابرة والحفاظ على العلاقات المهنية، والانسجام مع القيم التنظيمية. ورفعت تقاليد البحر الأبيض المتوسط ​​القديمة، التي جسّدها أفلاطون وأرسطو، من قيمة الحِرف والنشاط الإنتاجي القائم على المعرفة مع الإيمان بضرورة الترفيه والحرية من أجل حياةٍ فاضلة. ويشمل التقليد المسيحي على العديد من وجهات النظر المختلفة حول العمل، بما في ذلك الاعتقاد بأنّ العمل تكفير عن خطيئة الإنسان، أو أنّه نشاط لتمجيد الله وتنفيذ إرادته، واعتباره مساحة لإظهار مكانة الفرد كمختار في نظر الله (“أخلاقيات العمل البروتستانتية”). وفي العصر الحديث، أثارت بداية الثورة الصناعية وظروف العمل القاسية اهتمامًا فلسفيًا متجددًا بالعمل، وعلى الأخص في الانتقادات الماركسية للعمل التي تتنبأ باغتراب العمال في ظل الرأسمالية الحديثة وظهور مجتمع لا طبقي يتم فيه العمل بالحد الأدنى أو بتوزيع منصف.

يبدو أن الاهتمام الفلسفي بالعمل يزداد عندما تبدو ترتيبات أو قيم العمل في حالة تغيّرٍ مستمر. على سبيل المثال، شهدت السنوات الأخيرة ازديدًا في وتيرة البحث الفلسفي حول العمل، وهي جهودٌ مدفوعةٌ جزئيًا على الأقل بتصوّرات تفترض أنّ مفهوم العمل يعاني من “أزمة”: لا يزال التفاوت الاقتصادي في المجتمعات التي تتمحور حول العمالة في ارتفاع، ويبدو أن الأتمتة التكنولوجية في طور محو الوظائف وتُبشّر بعصرٍ من البطالة المرتفعة يشكلٍ متزايد، ويبدو أن عدم الرضا عن جودة أو جدوى العمل في الوظائف الحالية في تزايد (شوتز 2015، ليفينغستون 2016، جريبر 2018، دناهر 2019). ويتساءل العديد من العلماء الآن بصراحة عما إذا كان يجب التعامل مع العمل على أنه “معطىً” مسلّم به في المجتمعات الحديثة (وييكس 2011).

سيحاول هذا المدخل تقديم تأطيرًا منهجيًا للأدبيات الفلسفية الموجودة حول العمل من خلال فحص الأسئلة المفاهيمية والأخلاقية والسياسية المركزية في فلسفة العمل (أبيا 2021).


 

1. الفروق المفاهيمية: العمل، اليد العاملة، التوظيف، أوقات الفراغ

ليس من الصعب تعداد أمثلة للعمل. ومن هنا قال صموئيل كلارك:

أعني بالعمل الأشياء المألوفة التي نقوم بها في الحقول، والمصانع، والمكاتب، والمدارس، والمتاجر، ومواقع البناء، ومراكز الاتصال، والمنازل، وما إلى ذلك، لكسب العيش. تشمل أمثلة العمل في مجتمعنا التجاري قيادة سيارة أجرة، وبيع الغسالات، وإدارة مجموعة من مطوري البرمجيات، وتشغيل حافظة أموال في سوبر ماركت، وربط الشاشات بالهواتف الذكية على خط التجميع، وإرسال شكاوى العملاء في مركز اتصال، والتدريس في مدرسة (كلارك 2017: 62).

لاحظ بعض المحللين المعاصرين أنّ الحياة البشرية تُفهم بشكلٍ متزايد من خلال استخدام مصطلحات شبيهة بالعمل: غالبًا ما توصف الأبوّة بأنها وظيفة، أولئك الذين يعانون من صعوبات رومانسية مدعوون إلى “العمل على” علاقاتهم، ويُنصح أولئك الذين يكابدون آلام موت أحبائهم “بالعمل على معالجة الحزن”، وما كان يومًا تمرينًا (exercise) أصبح الآن “عمل”[2] (ماليسك 2017). أدّى تنوع المهام التي نسميها كـ “عمل”، والاختلافات الواضحة فيما بينها، إلى استنتاج بعض الفلاسفة أن العمل يقاوم أي تعريف (مويرهيد 2007: 4، سفيندسن 2015) أو في أحسن الأحوال مفهوم فضفاض تظهر فيه حالات مختلفة من العمل وكأنها تشترك في “تشابه عائلي” (بنس 2001: 96-97).

على الرغم من سهولة إحداث اختراقة في تعريف مفهوم العمل، يبدو أنّ بعض التقدم في تعريف العمل ممكن من خلال النظر أولاً في الطرق المتنوعة التي يتم بها تنظيم العمل. على سبيل المثال، على الرغم من أنّ العديد من المناقشات المعاصرة حول العمل تنصبّ في المقام الأول على مفهوم التوظيف، إلا أنّه لا يتخذ كل العمل شكل التوظيف. لذلك من المهم قصر العمل في التوظيف، لأنه ليس كل ادعاء فلسفي مثير للاهتمام ينطبق على التوظيف يمكنه الانطباق على العمل بحد ذاته، والعكس صحيح. في علاقة العمل، يبيع العامل الفرد عمله إلى شخص آخر مقابل تعويض (عادةً ما يكون نقودًا)، حيث يعمل مشتري عملهم كنوع من الوسيط بين العامل وأولئك الذين يتمتعون في نهاية المطاف بالسلع التي يساعد العامل على إنتاجها (المستهلكون). يعمل الوسيط، صاحب العمل، عادةً على إدارة (أو تعيين أولئك الذين يديرون) العمال المستأجرين – الموظفون -، وتحديد معظم شروط السلع التي سيتم إنتاجها، وكيفية تنظيم عملية الإنتاج، وما إلى ذلك. مثل هذا الترتيب هو ما نفهمه عادةً على أنّه الحصول على وظيفة.

لكن يمكن للعامل أن ينتج سلعًا دون أن يتم التوسّط في إنتاجها بهذه الطريقة. في بعض الحالات، يكون العامل مالكًا، أو شخصًا يمتلك المشروع بالإضافة إلى مشاركته في إنتاج السلع التي تنتجها تلك المؤسسة (على سبيل المثال، صاحب مطعم وهو أيضًا رئيس الطهاة). قد يُطلق على هذا الترتيب أيضًا اسم العمالة الذاتية، ويختلف عن الترتيبات التي لا يكون فيها المالكون عاملين في المشروع ولكنهم يقومون فقط بالاستثمار فيه. وبعض المالكين هم أيضًا أرباب عمل، أي أنهم يوظفون عمّالًا آخرين للمساهمة بعملهم في عملية الإنتاج. يمكن القول إنّ ريادة الأعمال أو العمل الحر، بدلاً من الحصول على وظيفة، كان هو الشكل السائد للعمل عبر تاريخ البشرية، ولا يزال سائدًا. يعمل أكثر من نصف إجمالي العاملين لحسابهم الخاص في أجزاء من العالم مثل أفريقيا وجنوب آسيا، كما أن عدد العاملين لحسابهم الخاص آخذ في الازدياد في العديد من مناطق العالم (منظمة العمل الدولية 2019). في المقابل، فإن الوظائف – علاقات العمل الدائمة إلى حد ما – هي نتيجة ثانوية للحداثة الصناعية أكثر مما ندرك (سوزمان 2021).

غالبًا ما يكون الموظفون والمالكون في علاقة معاملات مع المستهلكين؛ ينتجون السلع التي يشتريها المستهلكون باستخدام دخلهم، ولكن ليست الحال كذلك دومًا. لا يتقاضى الأطباء في “العيادة المجانية” رواتبهم من مرضاهم بل من قبل وكالة حكومية أو مؤسسة خيرية، إلخ. ومع ذلك، يتوقع هؤلاء الموظفون كسب دخل من عملهم من مصدر ما. لكن لا يعود العمل أحيانًا بدخل تمامًا. يعمل العبيد، كما يفعل السجناء في بعض الحالات، لكن لا يتم تعويض عملهم في كثير من الأحيان. وكذلك بالنسبة لأولئك الذين تطوعوا للأعمال الخيرية أو الذين يقدمون أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر، ويلبون احتياجات الأطفال أو كبار السن أو المرضى.

لذلك، لا يتطلّب العمل دومًا العمل لدى الآخرين، ولا يحتاج إلى تعويض مادي. هذه الملاحظات مفيدة لأنها تشير إلى أن بعض الشروط التي قد نفترض أنها ضرورية للعمل (التوظيف، الحصول على تعويض مالي) ليست في الواقع ضرورية لذلك. ومع ذلك، فإن هذه الملاحظات تشير فقط إلى ما ليس عليه شكل العمل. هل يمكننا القول على نحوٍ مضبوط ما هو العمل؟

ينطوي جانب من الصعوبة في تحديد ماهيّة العمل على ما إذا كانت أنشطة الشخص تشكّل عملًا، في أنّ التعريف يعتمد على كيفية مساهمة هذا النشاط في تشكيل وتغيير العالم، ومواقف الشخص نفسه إزاء هذه الأنشطة. من ناحية أخرى، يعتبر نشاط العمل سببيًا من حيث أنه يعدّل العالم بطريقة غير عرضية. كما لاحظ برتراند راسل (1932):

العمل نوعان: أولاً، تغيير موضع المادة على سطح الأرض نسبيًا إلى مادة أخرى من هذا القبيل؛ ثانيًا، إخبار الآخرين بفعل ذلك

لكن يُفترض أنّ العمل يُغيّر العالم بطرق جديرة بالاهتمام. في هذا الصدد، يرتبط العمل ارتباطًا وثيقًا بإنتاج ما أطلق عليه ريموند جيس (2021: 5) القيمة “الموضوعية”، القيمة الكامنة في المنتجات “الخارجية” التي يمكن “قياسها وتقييمها بشكلٍ مستقلٍ عن أي شيء قد يعرفه المرء عن العملية التي من خلالها ظهر هذا المنتج أو الأشخاص الذين صنعوه”. من خلال العمل، ننتج سلعًا (أشياء مادية ولكن أيضًا تجارب وحالات ذهنية وما إلى ذلك) يمكن للآخرين تقديرها والاستمتاع بها في حد ذاتها. في معظم حالات العمل (على سبيل المثال، عند التوظيف)، يتم تعويض الشخص ليس عن أداء العمل على هذا النحو، ولكن لأن عملهم يساهم في إنتاج السلع التي لها مثل هذه القيمة “الموضوعية”. لاحظ، مع ذلك، أنه على الرغم من أن العمل ينطوي على إنتاج ما يمكن للآخرين الاستمتاع به أو استهلاكه، إلا أنه في بعض الأحيان لا يتمتع الآخرون أو أي شخص على الإطلاق بالقيمة الموضوعية الناتجة عن العمل. يعمل المزارع الذي يتمتع بالاكتفاء الذاتي من خلال إنتاج الغذاء لاستخدامه الشخصي فقط، وفي هذه الحالة ينتهي العامل (وليس غيره) باستهلاك القيمة الموضوعية لعملهم. وبالمثل، فإن المزارع الذي يعمل على إنتاج خضروات للسوق لا يتم بيعها في نهاية المطاف قد أنتج شيئًا لا تُستهلك قيمته الموضوعية.

اقترح جوس خاصية أخرى للعمل، وهي “ضروريته” للأفراد و”المجتمعات ككل” (2021: 18). بالنظر إلى الأنماط الحالية والتاريخية للحياة البشرية، كان العمل ضروريًا لتلبية احتياجات الإنسان. ومع ذلك، إذا ثبتت صحّة بعض التكهنات حول الأتمتة والذكاء الاصطناعي (انظر القسم 4 حول “مستقبل العمل ”)، فقد يتم التخلص من الندرة التي شكّلت حالة البشرية حتى الآن، ما يفضي إلى انتفاء ضرورة العمل على صعيد الفرد والمجتمع. علاوةً على ذلك، كما يلاحظ جوس، تهدف بعض الأعمال إلى إنتاج سلع تلبي رغبات الإنسان بدلاً من الاحتياجات أو الضروريات البشرية (أي إنتاج الكماليات)، فضلًا عن أنّ بعض الأفراد لا يضطرون للعمل بفضل ثروتهم السابقة.

ومع ذلك، يبدو أنّ إحدى سمات العمل الأساسية تتجسّد في كونه نشاطٌ يزيد من القيمة الموضوعية في العالم. لذلك يمكن القول إنّ بعض الأنشطة البشرية لا تُعدّ عملًا لأنها تولّد قيمة لمن يعمل نفسه بدلاً من الآخرين. على سبيل المثال، يقف العمل على النقيض من أوقات الفراغ. لا يعني وقت الفراغ مجرد خمول أو غياب العمل، ولا هو غياب النشاط تمامًا (بيبر 1952، والزر 1983: 184–87، أدورنو 2001، هاني وكلاين 2010). في أوقات الفراغ، ينخرط الأفراد في أنشطة تنتج سلعًا يتمتعون بها أنفسهم غير مبالين إلى حد كبير بالقيمة الموضوعية التي قد تولدها هذه الأنشطة للآخرين. ترتبط السلع الناتجة عن وقت فراغ الشخص بحقيقة أنّه يولّدها من خلال نشاطه. لا يمكننا توظيف آخرين لأخذ حمام شمس لنا أو الاستمتاع بأداء موسيقي لنا لأن قيمة مثل هذه الأنشطة الترفيهية تتوقف على أدائنا للأنشطة. وبالتالي ينتج الترفيه قيمة ذاتية “نصنعها” لأنفسنا، وهي قيمة (على عكس القيمة الموضوعية المتولّدة من العمل) لا يمكن نقلها أو تبادلها مع الآخرين. قد يكون من الممكن أيضًا صناعة القيمة الموضوعية المرتبطة بالعمل خلال أوقات الفراغ. فالرياضية المحترفة، على سبيل المثال، قد يكون لديها الدافع لممارسة رياضتها كشكلٍ من أشكال الترفيه ولكنها تنتج (ويتم تعويضها ماليًا عن إنتاجها) قيمة موضوعية للآخرين (المتفرجون الذين يستمتعون بهذه الرياضة). ربما تكون هذه الأمثلة أمثلة على العمل أو الترفيه أو العمل على سبيل الترفيه.

تؤكّد بعض وجهات النظر حول العمل ليس على طبيعة القيمة التي ينتجها العمل بل على مواقف الفرد إزاء العمل. مثلًا، تشدّد العديد من تعريفات العمل على أنّع يُعاش كمجهود أو إجهاد (بود 2011: 2 ، فيلتمان 2016: 24-25، جيس 2021: 9-13). العمل، من هذا المنظور، هو حتمًا شاق. لا شك أن العمل غالبًا ما يكون شاقًا. لكن تعريف العمل بهذه الطريقة يستبعد العمل الممتع للعامل بدرجة كافية بحيث لا يشعر بأنّه عبء. قد يستمتع الممثل بالأداء بحيث لا يختبره كضغط على الإطلاق. ومع ذلك، فإن الأداء هو عمل لأنّ على الممثل توجيه أنشطته بقصد لتحقيق القيمة الموضوعية التي قد يمتلكها الأداء للآخرين. لن ينجح تمثيله في إنتاج هذه القيمة الموضوعية ما لم يندفع انطلاقًا من الاهتمام بإنتاج القيمة الموضوعية من خلال استحضار خطوطها العامة وتقديمها. في الواقع، قد يجد الممثل أن الأداء ممتعًا وليس عبئًا لأنه يشعر بارتياح كبير في إنتاج هذه القيمة الموضوعية للآخرين. يتضمّن العمل الآخر قدرًا بسيطًا من الإجهاد لأنه سلبي بالكامل تقريبًا؛ يتم تعويض أولئك الذين تقام عليهم تجارب طبّية مدفوعة الأجر في البحث الطبي ليس عن مساهمتهم النشطة في جهود البحث ولكن ببساطة “لتحمّل” الفحص الطبّي والخضوع لإرادة الآخرين (مالمكفيست 2019). ومع ذلك، يجب أن يعي المبحوثون الالتزامات المترتّبة عن مشاركتهم، مثل الحرص على الالتزام بالبروتوكولات التي تضمن صحة البحث. تشير أمثلة مثل هذه إلى أن أحد الأبعاد المهملة للعمل هو أننا، في العمل، نسترشد بشكل نموذجي بإرادات الآخرين، لأننا نهدف في أنشطة عملنا إلى إنتاج سلع يمكن للآخرين الاستمتاع بها.

2. قيمة العمل

يُشير التعريف المقترح للعمل باعتباره جهود مقصودة لإنتاج سلع يمكن للآخرين الاستمتاع بها أو استهلاكها إلى القيمة التي يتمتّع بها الأفراد الآخرون وليس العمّال الذين ينتجون القيمة، حيث يتمتّع ويستهلك أفرادٌ سلعًا ينتجها العمّال. في بعض التقاليد الدينية، يُعدّ العمل وسيلة لخدمة الله و/أو المجتمع. لكن هذه الاعتبارات لا تلقي الكثير من الضوء على القيمة الشخصية المباشرة للعمل: ما هي القيمة التي يُكسبها العمل للعاملين؟ كيف نستفيد عندما ننتج سلعًا يمكن للآخرين الاستمتاع بها؟

1.2 سلع العمل

إذا ما نظرنا للعمل من زاوية ضيّقة، فإنّ له قيمة تبادلية فقط. بناءً على هذا المفهوم، يتم قياس قيمة العمل من حيث السلع المادية التي يولّدها للعامل، إما من الناحية النقدية أو من حيث منتجات العمل (زراعة الخضروات الخاصة به، على سبيل المثال). إن النظر إلى العمل على أنه ذو قيمة تبادلية يعني رؤية قيمته على أنها خارجية بالكامل؛ لا توجد قيمة ذاتية للعمل على هذا النحو، فقط القيمة التي يمكن اكتسابها مما ينتُج عن عمل الفرد بشكلٍ ملموس. إذا كان للعمل قيمة تبادلية فقط، فإن العمل هو مجرد تكلفة أو عبء، لا يستحق القيام به لذاته. ينسجم هذا المفهوم لقيمة العمل مع رواية الكتاب المقدس لسقوط البشرية، والتي تقدّم العمل على أنّه لعنة فرضت علينا بسبب حدود القدرات البشرية أو أوجه قصورها.

لكن غالبًا ما يتم نسب قيمة العمل لمصادر أخرى. لعلّ أبرز الأدلة المؤيدة لتقييم العمل لأسباب لا علاقة لها بقيمته التبادلية فقط تستخلص من دراسات البطالة (غير الطوعية). عادةً ما يكون للبطالة آثارًا اقتصادية ضارة على العمال بقدر ما تحرمهم، مؤقتًا على الأقل، من الدخل. لكن البطالة المطوّلة لها أيضًا آثار سلبية قابلة للقياس على صحة الأفراد، جسديًا وعقليًا (كالفو وآخرون 2015، مارجيرسون وآخرون. 2016، هيليول وآخرون 2017)، فضلاً عن كونها من بين أكثر الظروف تسببًّا للتوتر في حياة الإنسان (هولمز وراهي 1967). من الواضح أنّ الحرمان من العمل يُضرّ بشدة برفاهية الفرد ما يُشير إلى أنّ العمل مهمٌ للكثيرين بعيدًا عن المقابل النقدي.

ترتبط العديد من سلع العمل بحقيقة أنّ العمل نشاط اجتماعي تقريبًا. كما لاحظت سينثيا إستلوند (2003: 7)، “مكان العمل هو أهم موقع للتفاعل التعاوني والتواصل الاجتماعي بين المواطنين البالغين خارج الأسرة”. وبالتالي يسعى الأفراد إلى العديد من المنافع الاجتماعية من خلال العمل. يقترح (غيوس وهرتسوغ 2016) إلى أنّه بالإضافة إلى توفير الأجور لنا، يؤدي العمل أدوارًا اجتماعية مختلفة. على سبيل المثال، العمل هو وسيلة أساسية يمكن للأفراد من خلالها تحقيق الإحساس بالانتماء للمجتمع. من خلال العمل مع الآخرين، يمكننا إنشاء روابط تساهم في إحساسنا بالانتماء وتمكننا من المساهمة في ثقافة مكان العمل. في سياق مماثل، غالبًا ما يجادل المنظّرون المجتمعيون بأنّ العمل، من خلال دمجنا في الممارسات أو التقاليد المشتركة، ضروري للحياة الاجتماعية (وولزر 1983، برين 2007). يُعرِّف ماكنتاير (1984: 187) ممارسة العمل بأنّها “أي شكل متماسك ومعقّد من الأنشطة التعاونية المبنية اجتماعيًا والتي يتم من خلالها إنتاج السلع الداخلية لهذا الشكل من النشاط في سياق محاولة تحقيق والالتزام بمعايير التميّز الملائمة والمعرّفة لهذا النوع من النشاط “. أولئك الذين يعملون معًا في (على سبيل المثال) مخبز يتعاونون لإنتاج السلع الداخلية لهذا النشاط (الخبز)، مما يؤدي إلى توسيع قدراتهم وإثراء تقديرهم للسلع التي ينتجونها بشكلٍ تعاوني.

ربط العديد من الفلاسفة قيمة العمل ارتباطًا وثيقًا بجوانب مختلفة من العقلانية البشرية. على سبيل المثال، أكّد الفلاسفة الملهمون مثل أرسطو على قدرة العمل على السماح لنا بإتقان أنفسنا من خلال تطوير وممارسة إمكاناتنا العقلانية الكامنة بطرقٍ جديرة بالاهتمام. في هذا السياق، يُعدّ العمل ساحةً مركزيةً لتحقيق طبيعتنا البشرية عبر حياتنا (كلارك 2017). يتفق الماركسيون عادةً على أن العمل يسمح لنا بتطوير وممارسة قدراتنا العقلانية، لكن تكمن قيمة العمل أيضًا في الكيفية التي يمكّننا بها من جعل تلك القدرات العقلية مرئية من خلال نقلها إلى العالم الطبيعي الملموس، ولولا ذلك لبقي الجهد البشري غريبًا عنا. ومن ثم، بالنسبة للماركسيين، فإن العمل إنّما تعبير عن طبيعتنا النشطة، وطريق لتحقيق الذات بقدر ما يخلق العمل منتجات “تجسّد” الإرادة البشرية. وهكذا يمثّل العمل ثقلًا مناهضًا لسمة الاستهلاكية السلبية التي تتسم بها المجتمعات الحديثة (إلستر 1989، سايرس 2005).

يرتبط بالعمل قيمة أخرى لا تقل أهمّية وهي المعنى. عادةً ما يوازي البحث الفلسفي في معنى العمل البحث الفلسفي عن معنى الحياة. أحد الخلافات المركزية حول العمل الهادف هو ما إذا كان في الأساس مسألة ذاتية (كيف يشعر العامل تجاه عمله)، أو موضوعية (خصائص عمل الفرد أو المنتجات التي يصنعها)، أو كليهما (يومان 2014، مايكلسون 2021). وتوصف أبرز تفسيرات العمل الهادف المعروفة على نطاقٍ واسعٍ بأنّها كانطية (نسبةً إلى كانط)، حيث تنطلق في فهم معنى العمل انطلاقًا من قيمة الاستقلالية التي يتيحها (شوارتز 1982، باوي 1998، روسلر 2012). تحكم هذه التفسيرات على العمل باعتباره ذا مغزى إذا دخلنا في علاقة العمل بحرّية، إذ يتيح للعمال فرصًا لممارسة الاستقلال الذاتي والاعتماد على الذات، ويسمح لهم بالسعي وراء أهدافهم الخاصة التي تختلف إلى حد ما عن الغايات التي يفرضها أصحاب العمل. تشخّص تفسيرات أخرى جدوى العمل في قدرته على تعزيز قدراتنا لإظهار الفضائل مثل الفخر أو الانضباط الذاتي أو الإحساس بالهدف عاطفيًا (بيدل ونايت 2012، سفيندسون 2015، يومان 2014، فيلتمان 2016).

في ذات الوقت، يُجادل البعض بأنّ العمل الهادف شرطٌ مسبقٌ لسلع مهمّة أخرى. يفترض جون راولز على سبيل المثال، بأنّ غياب فرص للعمل الهادف يقوّض احترام الذات، واحترام الذات هو الإيمان بأن خطتنا لحياتنا تستحق المتابعة ويمكن تحقيقها من خلال جهودنا المقصودة لذلك الغرض. ينطوي العمل الهادف، كما فهمه راولز، على الاستمتاع بممارسة قدراتنا، ولا سيما قدراتنا الأكثر تعقيدًا. بالنظر إلى أن العمل الهادف هو “أساس اجتماعي” لاحترام الذات، فقد يتعين على المجتمع العادل والمستقر أن يقدم عملاً ذا مغزى إذا كان هذا العمل غير متوفر بطريقة أخرى (راولز 1996، موريارتي 2009).

شهدت السنوات الأخيرة عودة الاهتمام بكرامة العمل. لطالما افترض الفكر المسيحي، والكاثوليكي على وجه الخصوص (يوحنا بولس الثاني 1981)، أنّ العمل يُظهر الكرامة المتأصلة في البشر. إن الادعاء بأن “كل عمل له كرامة”، بغض النظر عن طبيعته أو مدى الاحترام الاجتماعي الذي يتمتع به، يعتمد على مُثل المساواة في العمل، وهي مُثل صاغها مفكرون أمريكيون سود مثل بوكر تي واشنطن ومارتن لوثر كينج الابن. عبّر واشنطن عن ذلك قوله إنّ “هناك قدر من الكرامة في حراثة الحقل كما هو الحال في كتابة القصيدة” (واشنطن 1901: 220). ومع ذلك، في الوقت نفسه، نشر هذا التقليد أيضًا مفهوم الكرامة كمفهوم نقدي، لتسليط الضوء على ظلم العمل وشجب أشكال العمل الاستغلالية (بما في ذلك العبودية) التي تفشل في خدمة الإنسانية أو الارتقاء بها (واشنطن 1901: 148 ، كينغ 2011: 171-72 ، فيلتمان 2016: 29-31). يبدو أنّ هذا الموقف يؤكد أن العمل في حد ذاته له كرامة ولكن هذا العمل يمكن أن يختلف أيضًا في كرامته اعتمادًا على الظروف الاقتصادية للعمال أو الوضع الاجتماعي. بحثت الدراسات الفلسفية الحديثة حول كرامة العمل في علاقته بحقوق الإنسان، على سبيل المثال، يميّز باولو جيلبرت (2018) بين الكرامة كحالة والكرامة كشرط. ترتكز الكرامة كشرط على بعض القدرات القيّمة التي يمتلكها الأفراد، وهي القدرات التي تتطلب بدورها معاملة العمال باحترام واهتمام. تتحقق كرامة الحالة عندما يعامل الأفراد وفقًا لمعايير “الكرامة” التي يفرضها هذا الاحترام أو الاهتمام. قد يسمح تمييز جيلبرت بتأكيد كل من الكرامة المتأصلة في العمل، بقدر ما يقدم العمل دليلاً على القدرات البشرية الجديرة بالاحترام، والادعاء بأن الفشل في توفير ظروف عمل لائقة يتعارض مع (ولكن لا يقوض) الكرامة.

2.2 المعارضة للعمل والمجتمعات المتحمورة حول العمل

كون العمل مصدر دخل محتمل، أو سلع اجتماعية وشخصية، أو معنى، أو كرامة، لا يعني الضرورة أنّه في الواقع يوفّر هذه السلع أو أنّ العمل مفيد لنا بشكلٍ متوازن. منذ الثورة الصناعية على وجه الخصوص، كان العديد من الفلاسفة والمنظرون الاجتماعيون متشككين في قيمة العمل والثقافات المتمحورة حول العمل باعتبارها نموذجًا للمجتمعات الثرية المعاصرة (ديرانتي 2015).

ليست الكثير من الشكوك المحيطة بقيمة العمل شكوكًا حول قيمة العمل في حد ذاته، بل شكوكٌ حول قيمة العمل في الظروف الاجتماعية الحالية أو شكوك حول تبجيل العمل كما هو مفهوم في “أخلاقيات العمل البروتستانتية” (فيبر 1904–05) أو في مجتمعات تتمحور حول العمل. يتساءل المشككون حول الثقافة التي تتمحور حول العمل عما إذا كان الحماس الشعبي للعمل عقلانيًا أم مستنيرًا أو ما إذا كان يعطي مصداقية كافية لبدائل الثقافة التي تتمحور حول العمل (شولبي 2018b، سيج 2019). في الواقع، يجادل العديد من نقّاد ترتيبات العمل المعاصرة أساسًا بأنّ العمل الجيّد أو المرغوب فيه ممكن ولكنه أكثر ندرة مما نعتقد. في “العمل المفيد مقابل الكدح المفيد” (1884)، على سبيل المثال، يرفض الناشط الاشتراكي ويليام موريس “عقيدة الأخلاق الحديثة بأنّ كل عمل جيّد في حد ذاته” ويدافع عن التمييز بين العمل الذي يُعدّ “نعمة، إنارة الحياة “والعمل الذي هو” مجرد لعنة، عبء على الحياة”، لا يمنحنا أي أمل بالراحة، ولا أمل في إنتاج أي شيء مفيد حقًا، ولا أمل في الاستمتاع بأدائه. وبالمثل، افتتح الأناركي بوب بلاك مقالته “إلغاء العمل” (1985) على النحو التالي:

لا ينبغي لأحد أن يعمل. العمل هو مصدر كل البؤس في العالم تقريبًا. تقريبًا أي شر تريد تسميته يأتي من العمل أو من العيش في عالم مصمم للعمل. من أجل وقف المعاناة، يجب أن نتوقف عن العمل.

لكن بلاك شرع في تعريف العمل على أنّه “العمل القسري، أي الإنتاج الإجباري”. وبالتالي، فإن “إلغاءه” للعمل ينسجم مع الأفراد الذين ينخرطون طواعية في أنشطة منتجة اقتصاديًا، والتي (كما رأينا) يمكن أن تشبه العمل في أساسياتها. يعتقد دناهر (2019: 54) بأنّ العمل يمكن أن يساهم في رفاهية الإنسان، ولكن كما هو منظّم حاليًا، فإنّ عالم العمل “سيّء من الناحية الهيكلية” ومن غير المرجح أن يتغير في هذه الجوانب:

استقر سوق العمل في معظم البلدان المتقدمة على نمط توازن يجعل العمل سيّئًا للغاية بالنسبة للعديد من الأشخاص، ويزداد سوءًا نتيجة للتغييرات التقنية والمؤسسية، ومن الصعب جدًا إصلاحه أو تحسينه بطريقة تؤدي إلى إزالة خصائصه السيئة.

وبالتالي، حتى أولئك الذين يتبنون مواقفًا “مناهضة للعمل” بشكلٍ صارم لا يستهدفون عادةً العمل بحدّ ذاته، ولكن العمل كما تم تنظيمه أو فهمه في العالم المعاصر. في الواقع، فإنّ الكثير من غضبهم موجه إلى ظروف العمل الحالية، والتي (كما ذكرنا سابقًا) ليست سوى نوع واحد بارز يمكن أن يقوم به العمل. إنّ المحاججة المشكّكة في ثقافة العمل لها أبعاد عديدة، ولكن يمكن تحليلها بشكلٍ فعّال على مستويات أربعة:

*السلع لا تدرك: في حين يمكن للعمل أن يكون مصدرًا لسلعٍ مختلفة، فإنّ حياة العديد من الأشخاص العملية تفشل في تزويدهم بهذه السلع. وهكذا يبدو الحماس الشعبي للعمل في غير محله، وفقًا للمشككين في العمل، لأنّ “القداسة الأخلاقية للعمل تتعارض بشكلٍ مؤلم مع الطريقة التي يعيش بها عدد كبير من الناس وظائفهم بالفعل” (فرين 2015: 62-63).

فيما يتعلق بالقيمة التبادلية للعمل، غالبًا ما يتم تعويض العمل بشكلٍ ضعيف أو غير آمن. تتميّز الاقتصادات المعاصرة بشكلٍ متزايد بـ “تفريغ” القوى العاملة من الطبقة الوسطى، حيث تستمر الأجور في الزيادة لمن هم في الطبقة العليا، وتركد لدى الطبقة الدنيا، وعدد العمال في الوسط في تقلّصٍ متواصل. وقد أدّى ذلك إلى ظهور طبقة من “العمال الفقراء”، الأفراد الذين يفتقرون إلى الدخل الكافي لسداد الاحتياجات الأساسية مثل السكن أو الطعام على الرغم من الوظيفة.

يتمتّع بعض العمال بالعديد من سلع العمل المحتملة الأخرى، لكن العديد منهم لا يتلقون سوى القليل من الاعتراف الاجتماعي أو لا يحقّقون إحساسًا أكبر بالمجتمع من خلال عملهم. قدر كبير من العمل ذي القيمة الاجتماعية أو “الأساسية” غير مرئي إلى حد كبير للمستفيدين منه. العديد من الوظائف مملّة أو صعبة، ولا تساهم إلا قليلاً في تطوير أو ممارسة قدراتنا البشرية الأكثر تطورًا. من الصعب أن نتخيّل، على سبيل المثال، أنّ عمال الأكشاك يجدون وظائفهم محفزة أو صعبة (بعيدًا عن جدواها في اختبار قدرتهم على تحمل التكرار أو الملل).

يتمركز العمل الحديث حول مفهوم تقسيم العمل، أي الفصل المتزايد للعمليات الإنتاجية إلى مهام أصغر من أي وقت مضى (يوفر خط التجميع في لمصنع نموذجًا في هذا السياق). يؤدّي تقسيم العمل إلى أن يصبح العمال متخصصين للغاية، ويقومون بشكلٍ متكرر بأداء مهام ضيّقة أو بسيطة. على الرغم من أن تقسيم العمل يزيد الإنتاجية الاقتصادية الإجمالية، إلا أنّ النقّاد مثل الاقتصادي الكلاسيكي آدم سميث قلقون من أنه في نهاية المطاف يجعل العمال “أغبياء وجاهلين إلى أقصى قدر يمكن أن يصبح الإنسان” (سميث 1776 [1976]: V.178). فيما يتعلق بالمعنى أو الكرامة، لا تُشرك مجموعة واسعة من العمل البشري العمال ولا تسمح لهم بممارسة حكمهم المستقل، ويعمل العديد منهم في ظروف قمعية أو استغلالية تبدو على النقيض مع كرامة العمل الذي يؤدونه.

*التوترات الداخلية بين سلع العمل: من سمات المجتمعات المتمحورة حول العمل أنّ أعضاءها يتطلعون إلى العمل لتزويدهم بالعديد من السلع المختلفة. لكن العمل (والتوظيف على وجه الخصوص) قد يكون غير مناسب لتوفير هذه الحزمة من السلع، أي أنّ العمل قد يكون قادرًا على توفير بعض هذه السلع ولكن فقط على حساب الآخرين. على سبيل المثال، العديد من المهن التي يرى الأفراد أنها تقدم أكبر الفرص لعمل هادف (مثل التعليم أو المشورة أو رعاية المرضى أو الشباب أو المعاقين) هي من بين أفقر المهن مدفوعة الأجر. وهكذا يبدو أن أسواق العمل المعاصرة تتيح للعمال فرصة الحصول على دخلٍ كافٍ أو عملٍ ذي مغزى، ولكن نادرًا ما يوفر كلاهما. يجادل عالم النفس باري شوارتز (2015) بأنّ دوافعنا غير المادية للعمل، مثل البحث عن المغزى والمشاركة الاجتماعية وفرص الاستقلالية، هي في منافسة تحفيزية مع الحوافز المالية المرتبطة بالعمل. تشوّه الحوافز المالية المواقف والسلوكيات في مكان العمل بحيث تزاحم السلع غير المادية التي نسعى إليها في العمل من خلال التركيز على الإنتاجية والسلع الاقتصادية التي يوفرها العمل. قد تؤدي المنافسة في أسواق العمل أيضًا إلى تقويض المزايا الاجتماعية للعمل، حتى أولئك الذين ينجحون في سوق العمل يفعلون ذلك من خلال “تحريضهم” على العمال الآخرين بطرقٍ تقلل من التضامن فيما بينهم، وتحوّل المواطنين إلى منافسين غير مبالين (أو حتى معادين) لمصالح بعضنا البعض (حسين 2020).

*التكاليف غير المعترف بها: يشير المشكّكون أيضًا إلى “السيئات” أو التكاليف المرتبطة بالعمل الذي يميل المجتمع المعاصر إلى عدم الاعتراف به. وأكثرها وضوحًا هي تكاليف الفرص البديلة التي يضيعها مقدار الوقت الذي نستغرقه في العمل. يقضي عادةً العاملون بدوامٍ كامل ما بين 1500 – 2500 ساعة في السنة في العمل، أي ما يعادل حوالي تسعة إلى خمسة عشر أسبوعًا سنويًا. هذه هي الساعات التي، لو لم يتم تخصيصها للعمل، يمكن تخصيصها للترفيه والنوم والتمارين الرياضية والحياة الأسرية والمشاركة المدنية والمجتمعية، وما إلى ذلك (روز 2016). لا تشمل هذه الساعات المقدار الكبير من الوقت الذي يقضيه العمال في التدريب أو تثقيف أنفسهم للعمل أو في التنقل من وإلى أماكن العمل. كما أنّه لا يشمل الساعات التي يتوقع أن يكون العديد من العمال بأجر “على اتصال” أو “تحت الطلب” من قبل أرباب عملهم. يميل العمل الرسمي أيضًا إلى حرمان العمال من أي وظيفة أخرى غير العمل الذي يؤدونه لأصحاب عملهم، مما يؤدي غالبًا إلى دفع العمال أموالًا لعمال آخرين مقابل هذا العمل. وتشمل هذه التكاليف توظيف مدبّرة منزل ومقدمي رعاية الأطفال وخبراء الصيانة ومنسقي الحدائق، وما إلى ذلك، وبينما يبدو أن البطالة لها آثار سلبية على صحتنا الجسدية والعقلية، فإن العمل لا يخلو من الآثار الصحية الضارة أيضًا، بما في ذلك الإجهاد والعاطفي، الإحباط والأمراض الجسدية من مهام العمل المتكررة أو أوجه القصور المريحة في تصميم مكان العمل.

يجادل المشككون أيضًا بأنّه عندما يفشل العمل في تحصيل أنواع معينة من السلع، يعاني العمال من بعض الأضرار النفسية. تستحق ثلاث فئات منها اهتمامًا خاصًا:

  • يستند نقد ماركس للعمل في ظل الرأسمالية على فكرة أنّ العمل يفتقر غالبًا إلى السلع التي يؤدي غيابها إلى مزيد من الاغتراب. افترض ماركس (1844) أنّ العمل في ظل الرأسمالية يبعد العمال عما ينتجون، إذ ليس لديهم رأي يذكر فيما يتعلق بما يتم إنتاجه وكيف، ابتداءً من فعل العمل نفسه، وصولًا بالقدر ذاته إلى أنّ العمال يضطرون للعمل بسبب الضرورة الاقتصادية وبالتالي لا يحصلون على الرضا الذاتي، طالما أن العمال لا يتحكمون في منتجات عملهم؛ ومن العمال الآخرين، بقدر ما تعامل الرأسمالية العمال كمدخلات قابلة للتبادل في الإنتاج وتضع العامل في موقع ضد العامل (إلستر 1989، برودني 1998، كانديالي 2020).
  • يؤكد العديد من المشكّكين في العمل كيف يمكن للعمل تشويه أولوياتنا أو قيمنا. أصبحت قيمة العمل، في نظرهم، عقيدة أخلاقية لا جدال فيها. “الاقتصاديون والأخلاقيون ألقوا هالة مقدسة على العمل”، وفقًا لبول لافارج (1883)، مما غرسنا في “وهم” “حب العمل” (انظر أيضًا فرين 2015). جادل برتراند راسل (1932) بأنّ تبجيل العمل قد أدى إلى تآكل تقديرنا لقيمة الترفيه والكسل (انظر أيضًا أوكونور 2018). لاحظ الاقتصاديون مثل كينز (1930) أنّ الزيادات الهائلة في الإنتاجية الاقتصادية لم تؤد في كثير من الأحيان إلى انخفاض في وقت العمل، وهو تطوّر يعزوه إلى أخلاقيات العمل التي تعوق قدرتنا على الاستمتاع بأوقات الفراغ و وفرة.
  • ينتهي المطاف بهالة العمل الاجتماعية إلى تشويه علاقتنا الأخلاقية بأنفسنا، ومعاملة أنفسنا ليس على أنها ذات قيمة جوهرية ولكن كأدوات إنتاج فقط. جادلت حنا آرندت (1958) بأن تصوّر أنفسنا بشكلٍ أساسي كعاملين يؤدي إلى نوع من الموقف الأداتي تجاه أنفسنا وسائر الفاعلين البشريين، حيث نعتبر أنفسنا مجرد موارد للإنتاج أو مواقع للاستهلاك. يعتقد النقّاد الأكثر حداثة أن الثقافات التي تتمحور حول العمل تشجعنا على النظر إلى الذات كسلعة يتم “تمييزها” أو تسويقها لأصحاب العمل المحتملين (دافيس 2003).

أخيرًا، يمكن أن يكون للعمل تكاليف على الآخرين فضلًا عن العمال أنفسهم. قد تؤدي تكاليف الفرص السالفة الذكر الناتجة عن الوقت المخصّص للعمل إلى تدهور علاقات العمال مع الآخرين أو منع مجتمعاتهم من الاستفادة من مهارات هؤلاء العمال لأغراض اجتماعية جديرة بالاهتمام. يمكن القول إنّ بعض الأعمال تجعل العمال متواطئين في ممارسات ضارة أو غير عادلة، مثل بيع التبغ أو الأطعمة غير الصحية. وينطوي العمل على تأثيرات سلبية خارجية ليست خاصة بهم، مثلًا، يؤثر العمل خارج المنزل عادةً على البيئة بشكلٍ أوسع، بما في ذلك المساهمة في انبعاثات الكربون المسؤولة عن تغيّر المناخ (جيمس 2018).

*المصادر البديلة للسلع الناتجة عن العمل: حتّى الجانب الإيجابي للعمل الذي تعترف به الأيديولوجية المناهضة للعمل، من الواضح أنّه ليس متفرّدًا أو مسارًا وحيدًا في توفير السلع التي يوفرها. يمكن أن يتجذر الشعور بالاعتراف الاجتماعي أو الهوية في مجالات الحياة البشرية إلى جانب التوظيف، مثل العمل التطوعي أو الحياة الأسرية أو الدين أو الصداقة. يمكن أن توفر أنشطة اللعب، فرصًا لممارسة وصقل قدراتنا العقلانية (بلاك 1985، نجوين 2019). يعتقد البعض أنّ الواقع الافتراضي سيوفر لنا محاكاة لأنشطة شبيهة بالعمل يمكن أن تحل محل العمل نفسه. على عكس غيوس وهرتزوغ) إذن، قد لا يكون العمل “سياقًا متميزًا” لتحقيق السلع التي نربطها بالعمل.

يدعو المنظرون المناهضون للعمل عادةً إلى إعادة تقييم العمل بحيث “يعمل الأفراد من أجل العيش، وليس العيش في العمل”، وكذلك سياسات العمل (مثل تخفيض ساعات العمل الأسبوعية) لتقليل تأثير العمل على جودة حياتنا. كون العمل لا يمكن تجنبه ويبدو ضروريًا على ما يبدو، لكنه محبطٌ في ذات الوقت، قد يدلل على حكمة الموقف الساخر من العمل (دي بوتون 2010).

3. العدل وسياسة العمل

يمكن الاعتقاد بأنّ للمجتمعات البشرية مساعٍ تعاونية تهدف إلى تأمين مصالح أعضائها. إذا كان الأمر كذلك، فستكون العدالة الاجتماعية معنية بشكلٍ مركزي بتلك الممارسات داخل المجتمعات التي يتعاون الأفراد من خلالها لإنتاج سلعٍ لاستخدام بعضهم البعض. لذلك فإن العمل هو الشغل الشاغل للعدالة الاجتماعية. تنشأ أسئلة عن العمل والعدالة فيما يتعلق بتصميم المؤسسات وخيارات الأفراد.

1.3 عدالة التوزيع

تفترض معظم وجهات النظر حول العدالة أنّ عددًا كبيرًا من الأفراد داخل مجتمع معين سوف ينخرطون في عمل مدفوع الأجر. إذن، السؤال الأخلاقي الحاسم هو ما يحق للأفراد الحصول عليه من مزايا العمل وأضراره. بعبارة أخرى، كيف يتم توزيع سلع العمل وسيئاته بشكلٍ عادل؟

تتمثل إحدى الإجابات المحتملة على هذا السؤال في أنّه يحق لكل عامل الحصول على أي مزايا تمكنهم مواهبهم وقدراتهم من تأمينها في سوق عمل يحكمه العرض والطلب فقط. تستلزم هذه الإجابة أنّ أولئك الذين تكون مواهبهم أو قدراتهم مطلوبة بشدّة و/أو نقص في العرض سيحصلون على فوائد أكبر من أرباب العمل المحتملين من أولئك الذين تكون مواهبهم أو قدراتهم منخفضة الطلب و/أو يتم توفيرها بسخاء (بواترايت 2010) (ينطبق هذا المنطق نفسه على أولئك الذين يستخدمون عملهم لإنتاج سلع للبيع بدلًا من أولئك الذين يعملون في وظيفة).

نفّذت العديد من الدول في مستهل العقود الأولى من القرن العشرين سياسات تتعارض مع رؤية “السوق الخالصة” للعمل والعمالة، فمعظمها لديها لوائح للأجور، تفرض حدًا أدنى للأجور على سبيل المثال. لكن لا زالت عدالة الحد الأدنى للأجور محل تنازع، حيث يجادل بعض المنظرين بأنّ عدم السماح لأي شخص ببيع عمله بسعرٍ يعتبره مناسبًا ينتهك حريته الشخصية. وفقًا للعديد من المفكرين التحرريين، فإن عملنا هو تمرين لأجسادنا أو مواهبنا، كل منها نمتلك بطريقة تشبه ملكيتنا للملكية الخاصة. إن عدم السماح لشخص ما بالحق في بيع عملهم حتى بتكلفة منخفضة للغاية ينتهك حقوقهم في الملكية الذاتية (ماك 2002). إنّ عدالة الفروق في الأجور محل نزاع أيضًا. هل يجب أن تتبع الأجور القيمة الاقتصادية لمساهمات العامل أو جهوده، أم أن الأجور هي في الأساس حافز لتشجيع التزام العمال وتحفيزهم؟ (هيث 2018، موريارتي 2020) اقترح بعض المنظرين بأنه يجب القضاء على عدم المساواة في الأجور تمامًا (أورتنبلاد 2021)، في حين أنّ البعض يؤيّدون الدخل الأساسي غير المشروط، حيث يتلقى الأفراد مدفوعات منتظمة بغض النظر عن وضعهم في العمل، يرون أنّه طريقة بديلة لضمان حد أدنى كافٍ من الدخل، يحصّنهم من العطالة عن العمل (فان باريس وفاندربروغت 2017).

تتعلق عدالة التوزيع أيضًا بمختلف أشكال الحماية ضد الأضرار أو الأخطاء المرتبطة بالعمل. مرة أخرى، تضع معظم المجتمعات قيودًا قانونية على ظروف العمل المختلفة. وتشمل الحماية من إرهاق العمل عبر قيود على طول يوم العمل أو أسبوع العمل؛ حظر التمييز في التوظيف أو الترقية على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو الفئات الاجتماعية الأخرى؛ التأكيدات على أن المخاطر والأخطار في مكان العمل قد تم تخفيفها؛ وعلى المستوى المجتمعي الأوسع، المحظورات التي تهدف إلى ضمان أن حياة الأفراد لا يهيمن عليها العمل في مراحل معينة من الحياة (حظر عمل الأطفال والأحكام التي تجعل التقاعد ممكناً). أحد الأسئلة الأخلاقية المهمة حول هذه الحماية هو ما إذا كان يجب أن يكون للعمال الحق في المساومة على بعض هذه الحماية إما لزيادة الأجور (كما هو الحال عندما يتفاوض الموظفون على أجور أعلى مقابل أداء وظائف أكثر خطورة) أو لتعزيز الحماية الأخرى.

2.3 العدالة المساهمة والإنتاجية

تتعلق أسئلة العدالة التوزيعية التي تم تناولها في القسم السابق بما يحصل عليه العمال من السلع الناتجة عن العمل. لكن الأسئلة المهمة حول العدالة تتعلق أيضًا بما إذا كان يحق للعمال العمل وما إذا كانوا ملزمين بذلك. وهكذا فإن العمل يثير تساؤلات حول العدالة التوزيعية والإنتاجية على التوالي.

أولًا، هل للعمال الحق في العمل في المقام الأول؟ ينصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ذلك، ويضمن لكل فرد “الحق في العمل، والتوظيف المجاني، وظروف العمل العادلة والمرضية، والحماية من البطالة” (الأمم المتحدة 1948، المادة 23). من المفترض أن يكون الحق في العمل أكثر من مجرد حرية سلبية، أي ليس مجرد حق لا يتدخّل فيه الآخرون في محاولات المرء للعمل، وتأمين العمل، وما إلى ذلك، ولكن المطالبة بالحصول على عمل إذا رغب المرء (شاف 2017). وجرى الدفاع عن الحق في العمل بشكلٍ خاص لفئات معيّنة من السكان (مثل الأشخاص ذوي الإعاقة انظر كافكا 1992) أو لعامة الناس (تشيرنيفا 2020). إذا كان هنالك مثل هذا الحق، فمن المفترض أن يكون كذلك لأن العمل وسيلة أساسية (أو على الأقل الوسيلة السائدة) لاقتناء السلع الحيوية. يقترح إلستر (1988) ضرورة ضمان العمل للإنسان انطلاقًا من ضرورته لتحقيق الذات. يجادل جومبيرج (2007) بأنّ العمل منفعة اجتماعية رئيسية لأنه المسار الأساسي الذي يمكن من خلاله تقديم مساهمة مصدق عليها اجتماعيًا إلى المجتمع الأوسع للفرد، وهي مساهمة يمكن أن توفر لنا الاعتراف والشعور بالمعنى. سؤالان مهمان ينشآن فيما يتعلق بالحق المفترض في العمل هما (أ) من يجب أن يوفر العمل إذا كان للعمال الحق فيه، أو (ب) ما إذا كان العمل المقدّم للوفاء بهذا الحق سيوفر في الواقع السلع التي يقوم عليها الحق في العمل.

يعني الحق في العمل أنّ أي شخص (أو أي شخص بالغ على الأقل) يرغب في العمل سيكون قادرًا على القيام بذلك. ولكن هل يحق للأفراد عدم العمل أم أن العمل بمعنىً أو آخر واجب أخلاقي؟ الأساس الأكثر وضوحًا لمثل هذا الالتزام يحتكم إلى مفاهيم اللعب العادل (Fair play): يتصرّف الأفراد بشكلٍ خاطئ عندما يفشلون في المساهمة في المؤسسات الاجتماعية التي يستفيدون منها، وبما أن الاقتصاد الإنتاجي يفيد كل فرد في المجتمع، فإن الأفراد ملزمون بالمساهمة بالاقتصاد الإنتاجي من خلال العمل (بيكر 1980، وايت 2003). يجادل معارضو هذا الأساس المنطقي لقانون اللعب العادل بأنّ شروط العلاقات المتبادلة بين المجتمعات ومجموعات معيّنة (مثلًا، فقراء المنعزلات، انظر شيلبي 2012) لا تحصل، وبالتالي يُعفى أعضاء هذه المجموعات المهمّشة من الالتزام بالعمل، أو أن التطورات الاقتصادية المعاصرة تفشل في توفير الظروف الأساسية للالتزام بتطبيق قواعد اللعبة العادلة (شولبي 2018a). ويجادل معارضو الالتزام بالعمل بأنّه يمثل انتهاكًا لواجب الدولة في معاملة المواطنين على قدم المساواة؛ المواطنون الذين يجبرون على العمل يُجبرون على السعي وراء مفهوم الحياة الجيّدة الذي قد لا يوافقون عليه، ويجب على الدولة العادلة أن تعامل المواطنين على قدم المساواة من خلال البقاء على الحياد بين المفاهيم المتنافسة للحياة الجيّدة (فان باريج 1991، ليفين 1995) . إنّ الالتزام بالعمل من شأنه أن يرقى في الواقع إلى مصادقة الدولة على “أخلاقيات العمل” ورفض أساليب الحياة (على سبيل المثال، أن تكون متنزهًا على الشاطئ) التي تعارض أخلاقيات العمل. يجادل المعارضون الآخرون لوجوب العمل بأنّ إلزام الأفراد بالعمل من المرجح أن يقف في طريق تحقيق الذات لأشخاص آخرين (ماسكيفكر 2012).

الاحتمال الآخر يتمثّل في أنّه حتى لو لم يكن هناك التزام عام بالعمل، فقد نكون عرضة لقيود على الحريات المتعلقة بالعمل من أجل تلبية مطالب العدالة التوزيعية. كثير من السلع التي يوفرها المجتمع العادل، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، تتطلب عمالة مكثّفة. لكن المجتمعات غالبًا ما تواجه نقصًا في العمالة في نفس المهن التي توفر هذه السلع. جادل بعض الفلاسفة بأن مطالب العدالة التوزيعية قد تقيّد خياراتنا في العمل، وفي الواقع، قد يدفع الحكومات إلى تجنيد العمالة من أجل تأمين العمال لتوفير هذه السلع، على غرار التجنيد العسكري أثناء الحرب. (فابري 2008 ، ستانزيك 2012). تظهر مخاوف مماثلة بشأن العمل “القذر” الضروري اجتماعيًا ولكنه غير مرغوب فيه (والزر 1983 ، شمود 2019). على العكس من ذلك، إذا كانت العدالة تتطلب من الأفراد أداء أنواع معينة من العمل، فقد يتعارض ذلك مع الحق في الإضراب (بورمان، 2017، جوريفيتش 2018)، لا سيما للعمّال في المهن الأساسية (مونوز 2014).

كيف يساهم اختيار المرء للعمل في العدالة والصالح العام هو سؤال أخلاقي يواجهه الأفراد أيضًا. بعض الوظائف (قاتل مأجور، على سبيل المثال) تبدو غير أخلاقية في حد ذاتها. ولكن إلى أي مدى، إن وجد، نحن ملزمون باختيار مهن أو وظائف تعزّز العدالة أو رفاهية الآخرين؟ من ناحية أخرى، لا يبدو أن اختيار الوظائف والمهن مستثناة من الاعتبارات الأخلاقية، إذ أنّ العمل الذي يؤديه المرء يؤثر على الآخرين والمجتمع ككل، وبالنظر إلى الحالة الكئيبة التي يمر بها العالم، ربما نكون ملزمين باختيار الوظائف والمهن لأسباب أخلاقية وليس فقط على أساس المصلحة الذاتية. يقترح نورمان كير (1984: 285) “أن الأخلاق في عالم اليوم تتطلب وضع خدمة للآخرين قبل تحقيق الذات في مسألة اختيار المهنة.” على النقيض من ذلك، فإن بعض الفلاسفة الذين يعتقدون أنّ الأفراد (وليس المؤسسات فقط) داخل المجتمع يخضعون لمطالب العدالة مع ذلك يمنحون الأفراد حرية التصرف في اختياراتهم للمهنة. ج. كوهين، على سبيل المثال، يؤكد أنه يجب أن يتمتع كل منا “بامتياز شخصي” يسمح لنا بأن نكون شيئًا أكثر من مجرد “محرّك لرفاهية الآخرين” أو “عبيد للعدالة الاجتماعية”. (2008: 10) قد نشعر بالقلق أيضًا من أن اشتراط أن تكون وظيفتنا أو اختياراتنا المهنية هي الأمثل من وجهة نظر العدالة أو الرفاه الاجتماعي أمر يتطلب الكثير في ضوء كيف تعكس هذه الخيارات هوياتنا وتشكلها (شولبي 2020).

3.3 المساواة وإدارة مكان العمل

بدأ فلاسفة المساواة في السنوات الأخيرة في نقد ترتيبات مكان العمل النموذجية باعتبارها معادية لمتطلبات العلاقات المتساوية بين الأفراد في المجتمع. من المؤثر هنا على نحوٍ خاص اقتراح أندرسون بأن العديد من أماكن العمل ترقى إلى شكلٍ من أشكال “الحكومة الخاصة”، على الأقل في طابعها الاستبدادي مثل أي حكومة دولانية.

تخيّل حكومة تكلّف كل فرد تقريبًا برئيس يجب أن يطيعه. على الرغم من أن الرؤساء يمنحون أتباعهم روتينًا ليتبعوه، إلّا أنّه لا سيادة للقانون. قد تكون الطلبات تعسّفية ويمكن تغييرها في أي وقت، دون إشعار مسبق أو فرصة للاستئناف. الرؤساء غير خاضعين للمساءلة أمام من يطلبون من حولهم. لا يتم انتخابهم أو عزلهم من قبل من دونهم. … لا تعترف الحكومة بمجال شخصي أو خاص أو استقلالية خالية من العقوبة. قد يصف قواعد اللباس ويمنع بعض تسريحات الشعر. يعيش الجميع تحت المراقبة، للتأكد من امتثالهم للأوامر. … النظام الاقتصادي للمجتمع الذي تديره هذه الحكومة هو نظام شيوعي. تمتلك الحكومة جميع وسائل الإنتاج غير العمالية في المجتمع الذي تحكمه. ينظم الإنتاج عن طريق التخطيط المركزي. شكل الحكومة ديكتاتورية (أندرسون 2017: 37-38).

يدعونا أندرسون إلى تخيّل “المجتمع” كمكان عمل معاصر، على الأقل كما هو الحال في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى. يرى أندرسون وغيره من خبراء المساواة في العلاقات، العلاقات التي تحددها السلطات التي يمتلكها أصحاب العمل عادةً على موظفيهم على أنها علاقات قمعية وغير عادلة. يخضع العمال لـ “حوكمة” أصحاب العمل، لكن هذه الحوكمة تتكون من أن يخضع الموظفون بشكل تعسفي وغير مسؤول لإرادة أصحاب العمل. وبالتالي، يخلص القائم على المساواة العلائقية إلى أن أماكن العمل، كما تم تشكيلها حاليًا، لا تشمل الموظفين وأرباب العمل المرتبطين كأنداد حقيقيين. وبينما سيكون للموظفين عمومًا الحق في الخروج من علاقات العمل، فقد تكون هذه حماية ضعيفة ضد الاضطهاد إذا كانت معظم أماكن العمل منظمة بالطريقة التي يوضحها أندرسون.

إلى حدٍ ما، إنّ التفاوتات التي يشير إليها أندرسون هي نتاج قوانين وسياسات العمل الخاصة بالدول المختلفة. ومع ذلك، هناك طرق لتغيير العلاقات بين أصحاب العمل والعمال من أجل منع أو معالجة هذه التفاوتات (وغيرها).

ربما تكون الطريقة الأكثر شيوعًا هي النقابات أو المفاوضة الجماعية. تضخم نقابات العمال قوة العمال الفرديين فيما يتعلق بأصحاب العمل من خلال إجبار أصحاب العمل على التفاوض بشأن العقود مع العمال كهيئة. قد تنظم النقابات العمال في مهنة معينة، في العديد من المهن، أو في مكان عمل واحد أو شركة واحدة. تتفاوت المجتمعات بشكل كبير في درجات انضمام عمالها إلى النقابات وأن تكون قوانين العمل الخاصة بها ملائمة لتشكيل النقابات وسلطتها. يُفترض أن تكون النقابات مبررة على أساس أن العمال الذين يشكلون النقابات أو ينضمون إليها بالتراضي يمارسون حقهم في الارتباط بحرية مع الآخرين الذين يشاركونهم المصالح من أجل تعزيز تلك المصالح (ليندبلوم 2019)، على الرغم من أن العضوية النقابية مطلوبة من أجل أن تكون كذلك. الموظفون في مكان عمل أو صناعة معينة، قد ينتهك تكوين النقابات حق الأفراد في عدم الارتباط بالآخرين أو الارتباط (في هذه الحالة، للدخول في علاقة عمل) مع أي طرف من اختيارهم (وايت 1998). جادل مارك ريف (2020) بأنه يجب النظر إلى النقابات على أنها مؤسسة أساسية للمجتمع تحمي حرية العمال من الاستغلال من قبل أصحاب العمل. من وجهة نظر ريف، يجب أن تكون النقابات شاملة وإلزامية.

تتضمن الطرق الأخرى لإصلاح العلاقات غير المتكافئة والقمعية على ما يبدو بين أصحاب العمل والموظفين كسر احتكار اتخاذ القرار الذي تمارسه الإدارة عادةً داخل شركة معينة أو ترتيب توظيف معين. أماكن العمل النموذجية هي هرمية وليست ديمقراطية. يدعو العديد من منتقدي المساواة في العمل إلى أن يكون مكان العمل أكثر ديمقراطية، بحيث يكون للعمال رأي أكبر ليس فقط فيما يتعلق بظروف عملهم الخاصة ولكن أيضًا فيما يتعلق بالقرارات المخصصة عادةً للإدارة. غالبًا ما يجادل المدافعون عن الديمقراطية في مكان العمل بأنه من المرجح أن تكون المنظمة الأكثر فاعلية في مكان العمل في حماية مصالح العمال. (غونزاليس ريكوي 2014). يؤكد آخرون على أن مكان العمل هو صورة مصغرة لمجتمع أكبر وبالتالي فهو بمثابة ساحة تدريب لتطوير الفضائل اللازمة للعيش في مجتمع ديمقراطي أكبر (باتمان 1970، إستلوند 2003). لكن ربما تكون الحجة الأساسية للديمقراطية في مكان العمل هي أنّ الشركات شبيهة بالدول، وبالتالي إذا كان يجب أن تُحكم الدولة ديمقراطيًا، كذلك يجب على الشركات وأماكن العمل الأخرى (داهل 1986، ماير 2000، لاندمور وفريراس 2016). يبدو أن الديمقراطية في مكان العمل تجعل مكان العمل أكثر عدلاً بقدر ما تجعل ظروف العمال نتيجة ثانوية جزئية لموافقتهم وانعكاس لاستقلاليتهم (شاف 2012).

4.3 الجنس والرعاية والعمل العاطفي

يزداد تقييم دور العمل في العدالة تعقيدًا بسبب لأنّ العمل ظاهرة شديدة التمييز بين الجنسين في العديد من المجتمعات. على سبيل المثال، تؤدي المرأة عادةً الكثير من أعمال التدبير المنزلي ورعاية الأطفال، وهي أعمال لم يتم الاعتراف باستحقاقها تقليديًا مقابل نقدي. في سوق العمل الرسمي، توجد فجوة في الأجور في العديد من المجتمعات حيث تحصل المرأة على أجر أقل من الرجل مقابل عمل مماثل، وهناك اختلافات كبيرة في التمثيل الجنساني في المهن المختلفة (تقليديًا، تمثّل النساء بشكل كبير في مجالات مثل التدريس في المدارس الابتدائية والتمريض، والعمل الاجتماعي، يمثّل الرجال بدرجة عالية في مجالات مثل الهندسة والتمويل). وجد الفلاسفة النسويون في هذه الفوارق شيوع وعي يقلل من قيمة أنواع العمل التي تؤديها عادةً النساء، لا سيما أعمال الرعاية (جورتلر وسميث 2005) وكذل نقطة عمياء في التنظير الفلسفي حول العدالة حيث السلع “العلائقية” التي تهمنا ولكن لا يتم توفيرها عادةً من خلال تبادل السوق (غيوس 2009). تتمثّل إحدى مجموعات القضايا الأساسية هنا في فهم العلاقات بين السبب والنتيجة: هل تُدفع النساء في المجتمعات ذات الأعراف التمييزية القائمة على الجنس نحو وظائف منخفضة الأجر أو مكانة منخفضة لأنهن نساء، أم أن هذه الوظائف منخفضة الأجر أو المكانة المنخفضة لأن النساء يملن إلى أدائها (أو كلاهما)؟ في سياقٍ مماثل، قد نتساءل كيف تتقاطع معايير الجنس مع التقسيم الجنساني للعمل (كيف، على سبيل المثال، تغذّي الصورة النمطية التي تقول إنّ النساء أكثر حرصًا على رعاية الأطفال التقسيم الجنساني للعمل أو ما إذا كان التقسيم الجنساني للعمل يعزز تلك الصورة النمطية، أو كليهما).

يقع التقسيم الجنساني للعمل تحت مطرقة العديد من الاعتراضات من أنواع مختلفة: من ناحية، يبدو أنه يؤدي إلى توزيع السلع المتعلقة بالعمل (مثل الدخل، ووقت الفراغ، وما إلى ذلك) التي يتم فيها اختزال النساء بشكلٍ منهجي. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون التقسيم الجنساني للعمل غير عادل لأنه يساهم في التسلسل الهرمي بين الجنسين الذي يجعلهم غير متساويين. يجادل (هارتلي وواتسون 2018) سكوتن (2019) بأنّه على الرغم من اعتناق العديد من الأفراد للمعايير الجنسانية التقليدية والتقسيم الجنساني للعمل الذي يستلزم ذلك، فإنّ أولئك الذين يفضلون بدلاً من ذلك أساليب الحياة القائمة على المساواة بين الجنسين لديهم أسباب معقولة للشكوى عندما تنشئ المجتمعات مؤسسات والسياسات التي تدعم التوقعات – التقسيم الجنساني للعمل من بينها – التي تكون بمثابة عوائق أمام أساليب الحياة هذه. وفقًا لشوتين، فإن المجتمع العادل سوف ينظم وقت العمل، والإجازة العائلية، والرعاية التابعة من أجل تعزيز أساليب الحياة القائمة على المساواة بين الجنسين وتقسيم العمل غير الجنساني. (انظر أيضًا رايت وبريهاوس 2008، غيوس 2012.)

ينشأ خيط آخر في الفكر النسوي حول العمل من منحة هوشيلد (2012) حول العمل العاطفي. تتضمن بعض الأعمال مراقبة أو إدارة مكثفة لعواطف المرء من أجل الانخراط أو التلاعب بمشاعر الآخرين. على الرغم من أن هوشيلد تقدم أمثلة على مثل هذا العمل العاطفي الذي يقوم به كل من النساء والرجال، فإن بعض المهن التي تغلب فيها النساء مشبعة بالعمل العاطفي. يلاحظ هوشيلد أن المضيفات، على سبيل المثال، يخضعن لمجموعة واسعة من التوقعات العاطفية تجاه المسافرين جواً (الابتسام، والمزاح الودي، والاهتمام بوجهات المسافرين أو المهن، وما إلى ذلك). سلّط العلماء الضوء على عدد من السمات البارزة أخلاقيًا للعمل العاطفي (انظر باري وأوليكالنز وريس 2019 للحصول على نظرة عامة مفيدة)، لكن هذه الظاهرة خضعت لقليل من التحليل الفلسفي المنهجي. يؤكد هوشيلد في المقام الأول على الآثار الضارة للعمل العاطفي على العمال أنفسهم، بحجة أنه يمكن أن يؤدي إلى اغتراب العمال عن عواطفهم ومن ثم إلى الحاجة للنضال لتحديد أو التعبير عن المشاعر الحقيقية داخل وخارج مكان العمل. علاوة على ذلك، عندما ينتج عن العمل العاطفي “تصرّف سطحي” للموظفين، أي إظهار مشاعر تتعارض مع مشاعرهم الداخلية، ولما لذلك من تأثير على صحة الموظفين. المخاوف الأخلاقية الأخرى هي أكثر شخصية – على سبيل المثال، إنّ العمل العاطفي خادع أو يفتقر إلى النزاهة. يقدم باري وأوليكالنز وريس (2019) نقطة انطلاق مفيدة من خلال ملاحظة حول العمل العاطفي باعتباره يثير احتمال للتضارب بين حقوق العمال وحقوق أصحاب العمل، وبين حقوق العمال وواجباتهم، وبين حقوق صاحب العمل وواجباته.

4. العمل ومستقبله

توقّع عددٌ من المعلقين الاجتماعيين بأنّ النزعات الاقتصادية والتكنولوجية سوف تتوّج قريبًا بتحوّل المجتمعات على نحوٍ متزايد في مرحلة “ما بعد العمل”، أي أن عددًا أقل بكثير من الأفراد سيشاركون في العمل بأجر، وستنخفض ساعات العمل بشكلٍ كبير، وسيكون للعمل دور أقل بين قيم الأفراد أو اهتماماتهم (فراي وأوزبورن 2013، ثومبسون 2015، برينجولفسون ومكافي 2014). يعتمد ما إذا كان ينبغي الاحتفاء بهذه التوقعات أو الذعر منها إلى حدٍ كبير على القضايا التي تم تناولها مسبقًا في هذه المقالة: مدى جودة العمل في الواقع، وما إذا كانت هناك طرق أخرى للحصول على السلع المرتبطة بالعمل، وما إلى ذلك.

يُرحّب البعض بمستقبل ما بعد العمل باعتباره مستقبلًا حرًّا (ليفينغستون 2016، تشامبرلين 2018، جيمس 2018، دناهر 2019)، بحجّة أنّ تراجع مركزية العمل يوفر لنا قدرًا أكبر من الترفيه أو الحرية أو التواصل الاجتماعية، لا سيّما إذا ما حلّت أنشطة مثل اللعب أو والتمتّع بالطبيعة محل العمل. يشعر آخرون بالقلق من أن يؤدي أفول العمل إلى حرماننا من مساحة مركزية ندرك من خلالها مركزية السلع لطبيعتنا البشرية (ديرانتي 2015)، أو تؤدي إلى مستويات أعلى من عدم المساواة أو إلى ضائقة اقتصادية (فريس 2016). يعرب آخرون عن قلقهم بشأن قدرة الأفراد على الانتقال نفسيًا من مجتمع قسري العمل إلى مجتمع طوعي العمل (شولبي 2018b).

5. الخلاصة

ينطوي العمل على اهتمامٍ فلسفيٍ فطري، مع ذلك فإنّ مركزيته في تشكيل الحالة الإنسانية تضع العمل في تقاطعٍ مع أسئلة فلسفية أوسع، ولا زالت قائمة، حول الصالح الإنساني والتنظيم العادل للمجتمعات البشرية. لا بد أن توفر التغيّرات الجارية والمتوقعة في عالم العمل مادة غنية للبحث الفلسفي في العقود القادمة. فمن المرجح أن تلعب الفلسفة دورًا خاصًا في معالجة ما أسماه أبياه (2021: 7) “المشكلة الصعبة”، لتحديد “كيفية إنتاج السلع والخدمات التي نحتاجها، مع تزويد الناس بالدخل والتواصل الاجتماعي والأهمية.”


 

مراجع

  • Adorno, Theodor, 2001. Free Time,” in J.M. Bernstein (ed.), The Culture Industry: Selected Essays on Mass Culture, London:Routledge, pp. 187–198.
  • Anderson, Elizabeth, 2017. Private Government: How Employers Rule Our Lives (and Why We Don’t Talk About It), Princeton: Princeton University Press.
  • Appiah, Kwame Anthony, 2021. “The Philosophy of Work,” in D. Sobel, P. Vallentyne, and S. Wall (eds.), Oxford Studies in Political Philosophy (Volume 7), Oxford: Oxford University Press, pp. 1–22.
  • Applebaum, Herbert, 1992. The Concept of Work: Ancient, Medieval, and Modern, Albany: State University of New York Press.
  • Arendt, Hannah, 1958. The Human Condition, Chicago: University of Chicago Press.
  • Barry, Bruce, Olekalns, Mara, and Rees, Laura, 2019. “An Ethical Analysis of Emotional Labor,” Journal of Business Ethics, 160: 17–34.
  • Beadle, Ron, and Knight, Kelvin, 2012. “Virtue and Meaningful Work,” Business Ethics Quarterly, 22: 433–450.
  • Becker, Lawrence C., 1980. “The Obligation to Work,” Ethics, 91: 35–49
  • Black, Bob, 1985. “The Abolition of Work,” in The Abolition of Work and Other Essays, Port Townsend: Loompanics Unlimited, pp. 17–34.
  • Boatright, J.R., 2010, “Executive Compensation: Unjust or Just Right?,” in G.G. Brenkert & T. L. Beauchamp (eds.), Oxford Handbook of Business Ethics, New York: Oxford University Press, pp. 161–201.
  • Borman, D.A., 2017. “Contractualism and the Right to Strike,” Res Publica, 23: 81–98.
  • Bowie, Norman E., 1998. “A Kantian Theory of Meaningful Work,” Journal of Business Ethics, 17: 1083–1092.
  • Breen, Keith, 2007 “Work and Emancipatory Practice: Towards a Recovery of Human Beings’ Productive Capacities,” Res Publica, 13: 381–414.
  • Brudney, Daniel, 1998. Marx’s Attempt to Leave Philosophy, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Brynjolfsson, Erik and McAfee, Andrew, 2014. The Second Machine Age: Work, Progress, and Prosperity in a Time of Brilliant Technologies, New York: Norton.
  • Budd, John W., 2011. The Thought of Work, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Calvo, E., Mair, C.A., & Sarkisian, N., 2015. “Individual Troubles, Shared Troubles: The Multiplicative Effect of Individual and Country-level Unemployment on Life Satisfaction in 95 Nations (1981–2009),” Social Forces, 93: 1625–53.
  • Care, Norman S., 1984. “Career Choice,” Ethics, 94: 283–302.
  • Chamberlain, James A., 2018. Undoing Work, Rethinking Community, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Cholbi, Michael, 2018a. “The Duty to Work,” Ethical Theory and Moral Practice, 21: 1119–1133.
  • –––, 2018b. “The Desire to Work as an Adaptive Preference,” Autonomy, 04 (July). [Cholbi 2018b available online]
  • –––, 2020. “The Ethics of Choosing Jobs and Careers,” in B. Fischer (ed.), College Ethics, 2nd edition, Oxford: Oxford University Press, pp. 878–889.
  • Clark, Samuel, 2017. “Good Work,” Journal of Applied Philosophy, 34: 61–73.
  • Cohen, G.A., 2008. Rescuing Justice and Equality, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Dahl, Robert A., 1986. A Preface to Economic Democracy, Berkeley: University of California Press.
  • Danaher, John, 2019. Automation and Utopia: Human Flourishing in a World Without Work, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Davis, Joseph E., 2003. “The Commodification of Self,” Hedgehog Review, Summer [Davis 2003 available online].
  • De Botton, Alain, 2010. The Pleasures and Sorrows of Work, New York: Penguin.
  • Deranty, Jean-Philippe, 2015. “Historical Objections to the Centrality of Work,” Constellations, 22: 105–121.
  • Elster, Jon, 1988. “Is There (or Should There Be) a Right to Work?,” in A. Gutmann (ed.), Democracy and the Welfare State, Princeton: Princeton University Press, pp. 53–78.
  • –––, 1989. “Self-realisation in Work and Politics,” in J. Elster and K.O. Moene (eds.), Alternatives to Capitalism, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 127–158.
  • Estlund, Cynthia, 2003. Working Together: How Workplace Bonds Strengthen a Diverse Democracy, New York: Oxford University Press.
  • Fabré, Cecile, 2008. Whose Body Is It?: Justice and the Integrity of the Person, Oxford: Oxford University Press.
  • Frase, Peter, 2016. Four Futures: Life After Capitalism, London: Verso.
  • Frayne, David, 2015. The Refusal of Work: The Theory and Practice of Resistance to Work, London: Zed.
  • Gheaus, Anca, 2009. “The Challenge of Care to Idealizing Theories of Distributive Justice,” in L. Tessman (ed.), Feminist Ethics and Social and Political Philosophy: Theorizing the Non-Ideal, Dordrecht: Springer, pp. 105–119.
  • –––, 2012. “Gender Justice,” Journal of Ethics and Social Philosophy, 6: 1–24.
  • Gheaus, Anca, and Herzog, Lisa. 2016. “The Goods of Work (Other Than Money!),” Journal of Social Philosophy, 47: 70–89.
  • Gilabert, Pablo, 2018. “Dignity at Work,” in H. Collins, G. Lester, and V. Mantouvalou (eds.), Philosophical Foundations of Labour Law, Oxford: Oxford University Press, pp. 68–86.
  • Gomberg, Paul, 2007. How to Make Opportunity Equal: Race and Contributive Justice, Oxford: Blackwell.
  • González-Ricoy, Iñigo, 2014. “The Republican Case for Workplace Democracy,” Social Theory and Practice, 40: 232–254.
  • Gorz, Andre, 2010. Critique of Economic Reason, London: Verso.
  • Gourevitch, Alex, 2018. “The Right to Strike: A Radical View,” American Political Science Review, 112: 905–917.
  • Graeber, David, 2018. Bullshit Jobs: A Theory, New York: Simon and Schuster.
  • Gurtler, Sabine, and Smith, Andrew F., 2005. “The Ethical Dimension of Work: A Feminist Perspective,” Hypatia, 20: 119–134.
  • Haney, Mitchell R., and Kline, A. David, 2010. The Value of Time and Leisure in a World of Work, Lanham, MD: Lexington Books.
  • Hartley, Christie and Watson, Lori, 2018. Equal Citizenship and Public Reason: A Feminist Political Liberalism, New York: Oxford University Press.
  • Heath, Joseph, 2018. “On the Very Idea of a Just Wage,” Erasmus Journal for Philosophy and Economics, 11: 1–33.
  • Helliwell, J., Layard, R., & Sachs, J., 2017. “World Happiness Report 2017,” New York: Sustainable Development Solutions Network.
  • Hochschild, Arlie, 2012. The Managed Heart: Commercialization of Human Feeling, Berkeley: University of California Press.
  • Holmes, Thomas, and Rahe Richard, 1967. “The Social Readjustment Rating Scale,” Journal of Psychosomatic Research, 11: 213–18.
  • Hussain, Waheed, 2020. “Pitting People Against Each Other,” Philosophy and Public Affairs, 48: 79–111.
  • International Labour Organization, 2019. Small Matters. Global Evidence on the Contribution to Employment by the Self-employed, Micro-enterprises and SMEs, Geneva: ILO.
  • James, Aaron, 2018. Surfing with Sartre: An Aquatic Inquiry into the Life of Meaning, New York: Penguin/Random House.
  • Kandiyali, Jan, 2020. “The Importance of Others: Marx on Unalienated Production,” Ethics, 130: 555–587.
  • Lis, Catharina, and Soly, Hugo, 2012. Worthy Efforts: Attitudes to Work and Workers in Pre-Industrial Europe, Leiden: Brill.
  • Kavka, Gregory, 1992. “Disability and the Right to Work,” Social Philosophy and Policy, 9: 262–280.
  • Keynes, John Maynard, 1930. “Economic Possibilities for Our Grandchildren,” in Essays in Persuasion, New York: W.W. Norton and Co., 1963, pp. 358–373.
  • King, M.L., 2011. “All Labour Has Dignity,” M.K. Honey (ed.), Boston: Beacon Press.
  • Komlosy, Andrea, 2018. Work: The Last 1,000 Years, London: Verso.
  • Levine, Andrew, 1995. “Fairness to Idleness: Is There a Right Not to Work?,” Economics and Philosophy, 11: 255–274.
  • Lafargue, Paul, 1883. “The Right to Be Lazy,” in C.H. Kerr, trans., The Right to Be Lazy and Other Studies, Chicago: Charles H. Kerr & Co., 1907, pp. 3–62.
  • Landemore, Hélène and Ferreras, Isabelle, 2016. “In Defense of Workplace Democracy: Towards a Justification of the Firm–State Analogy,” Political Theory, 44: 53–81.
  • Lindblom, Lars, 2019. “Consent, Contestability, and Unions,” Business Ethics Quarterly, 29: 189–211.
  • Livingston, James, 2016. No More Work: Why Full Employment is a Bad Idea, Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • MacIntyre, Alasdair, 1984. After Virtue: A Study in Moral Theory, 2nd edition, Notre Dame: University of Notre Dame Press.
  • Mack, Eric, 2002. “Self-Ownership, Marxism, and Egalitarianism: Part I: Challenges to Historical Entitlement,” Politics, Philosophy, and Economics, 1: 75–108.
  • Malesic, Jonathan, 2017. “Parenting is Not a ‘Job,’ and Marriage is Not ‘Work,’” New Republic, 9 Aug 2017 [Malesic 2017 available online].
  • Malmqvist, Erik, 2019 “’Paid to Endure’: Paid Research Participation, Passivity, and the Goods of Work, ”American Journal of Bioethics, 19: 11–20 .
  • Margerison-Zilko, C., Goldman-Mellor, S., Falconi A., & Dowing, J., 2016. “Health Impacts of the Great Recession: A Critical Review,” Current Epidemiology Reports, 3: 81–91.
  • Marx, Karl, 1844. Economic and Philosophic Manuscripts of 1844, Martin Milligan (trans. and ed.), Mineola, NY: Dover.
  • Maskivker, Julia, 2012. Self-Realization and Justice: A Liberal-Perfectionist Defense of the Right to Freedom from Employment, New York: Routledge.
  • Mayer, Robert, 2000. “Is there a Moral Right to Workplace Democracy?” Social Theory and Practice, 26: 301–325.
  • Michaelson, Christopher, 2021. “A Normative Meaning of Meaningful Work,” Journal of Business Ethics, 170: 413–428.
  • Moriarty, Jeffrey, 2009. “Rawls, Self-Respect, and the Opportunity for Meaningful Work,” Social Theory and Practice, 35: 441–459.
  • –––, 2020. “What’s in a Wage? A New Approach to the Justification of Pay,” Business Ethics Quarterly, 30: 119–137.
  • Morris, William, 1884. “Useful Work Versus Useless Toil,” in Collected Works of William Morris, Cambridge: Cambridge University Press, 2012, pp. 98–120.
  • Muñoz, Cristian Pérez, 2014. “Essential Services, Workers’ Freedom, and Distributive Justice,” Social Theory and Practice, 40: 649–672.
  • Muirhead, Russell, 2007. Just Work, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Nguyen, C. Thi, 2019. “Games and the Art of Agency,” Philosophical Review, 128: 423–462
  • O’Connor, Brian, 2018. Idleness: A Philosophical Essay, Princeton: Princeton University Press.
  • Örtenblad, A., 2021. Debating Equal Pay for All: Economy, Practicability, and Ethics, London: Palgrave Macmillan.
  • Pateman, Carole, 1970. Participation and Democratic Theory, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Pieper, Josef, 1952. Leisure, the Basis of Culture, A. Dru, (trans.), London: Faber and Faber.
  • Pence, Gregory, 2001. “Towards a Theory of Work,” in Schaff (ed.) 2001, pp. 93–106.
  • Reiff, Mark, 2020. In the Name of Liberty: The Argument for Universal Unionization, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Rawls, John, 1996. Political Liberalism, New York: Columbia University Press.
  • Rose, Julie, 2016. Free Time, Princeton: Princeton University Press.
  • Russell, Bertrand, 1932. “In Praise of Idleness,” Harper’s Magazine, October 1932. [Russell 1932 available online]
  • Sage, Daniel, 2019. “Unemployment, Wellbeing and the Power of the Work Ethic: Implications for Social Policy,” Critical Social Policy, 39: 205–228.
  • Sayers, Sean, 2005. “Why Work? Marx and Human Nature,” Science and Society, 69: 606–616.
  • Schaff, Kory, 2001. Philosophy and the Problems of Work: A Reader, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • –––, 2012. “Democratic Rights in the Workplace,” Inquiry, 55: 386–404.
  • –––, 2017. “A Right to Work and Fair Conditions of Employment,” in K.P. Schaff (ed.), Fair Work: Ethics, Social Policy, Globalization, London: Rowman and Littlefield, pp. 41–56.
  • Schmode, Frauke, 2019. “What Difference Does It Make? UBI and the Problem of Bad Work,” in M. Cholbi and M.E. Weber (eds.), The Future of Work, Technology, and Basic Income, New York: Routledge, pp. 151–170.
  • Schwartz, Adina, 1982. “Meaningful Work,” Ethics, 92: 634–646.
  • Schwartz, Barry, 2015. Why We Work, Simon and Schuster: New York.
  • Shelby, Tommie, 2012. “Justice, Work, and the Ghetto Poor,” The Law and Ethics of Human Rights, 6 December 2012. doi:10.1515/1938-2545.1068
  • Smith, Adam, 1776 [1976], An Inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations, E. Cannon (ed.), Chicago: University of Chicago Press
  • Stanczyk, Lucas, 2012. “Productive Justice,” Philosophy and Public Affairs, 40: 144–164.
  • Suzman, James, 2021. Work: A History of How We Spend Our Time, London:Bloomsbury.
  • Svendsen, Lars Fredrik, 2015. Work, 2nd edition, London: Routledge.
  • Tcherneva, Pavlina R., 2020. The Case for a Job Guarantee, New York: John Wiley & Sons.
  • Thompson, Derek, 2015. “A World Without Work,” The Atlantic, July-August 2015. [Thompson 2015 available online]
  • United Nations, 1948. Universal Declaration of Human Rights. [available online]
  • Van Parijs, Philipe, 1991. “Why Surfers Should Be Fed: The Liberal Case for an Unconditional Basic Income,” Philosophy & Public Affairs, 20: 101–131.
  • Van Parijs, Phillipe, and Vanderbroght, Yannick, 2017. Basic Income: A Radical Proposal for a Free Society and a Sane Economy, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Veltman, Andrea, 2016. Meaningful Work, Oxford: Oxford University Press.
  • Walzer, Michael, 1983. Spheres of Justice: A Defense of Pluralism and Equality, New York: Basic Books.
  • Washington, Booker T., 1901. Up From Slavery: An Autobiography, New York: Doubleday.
  • Weber, Max, 1904–05. The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism, translation of Die protestantische Ethik und der Geist des Kapitalismus, T. Parsons (trans.), New York: Charles Scribner’s Sons, 1930.
  • Weeks, Kathi, 2011. The Problem with Work:, Feminism, Marxism, Antiwork Politics, and Postwork Imaginaries, Durham: Duke University Press.
  • White, Stuart, 1998. “Trade Unionism in a Liberal State,” in A. Gutmann (ed.), Freedom of Association, Princeton: Princeton University Press, pp. 330–356.
  • –––, 2003. The Civic Minimum: On the Rights and Obligations of Economic Citizenship, Oxford: Oxford University Press.
  • Wright, Erik Olin, and Brighouse, Harrry, 2008. “Strong Gender Egalitarianism,” Politics and Society, 36: 360–372.
  • Yeoman, Ruth, 2014. “Conceptualizing Meaningful Work as a Fundamental Human Need,” Journal of Business Ethics, 124: 235–251.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

economics [normative] and economic justice | ethics: business | exploitation | feminist philosophy, topics: perspectives on class and work | justice: distributive | life: meaning of | markets | Marx, Karl | Smith, Adam: moral and political philosophy | value: intrinsic vs. extrinsic | well-being


[1] Cholbi, Michael, “Philosophical Approaches to Work and Labor”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2022 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2022/entries/work-labor/>.

[2] باللغة الإنجليزية work out.