مجلة حكمة
السلطة الحيوية السياسات النكروية

السلطة الحيوية والسياسات النكروية

الكاتبروزي بريدوتي
ترجمةأمل نصر

ركز النقاش المعاصر في مجال النظرية الاجتماعية والتحليل الثقافي على تناول السياسات المحايثة للحياة، مع التركيز بشكل خاص على الحدود المتغيرة بين الحياة والموت. ويدعي ميشيل فوكو (1976، 1984، 1984) أن الطاقة الحيوية مفهوم تطال احالته للممارسات المختلفة المؤدية للموت (الاحتضار)، بالاضافة الى موضوع الحياة وسياساتها. وتحدد سياسات الحياة مدى ظهور الطاقة الحيوية كمفهوم منظم للخطابات المنتشرة التي تجعل من الحياة المعتمدة على الوسائط التقنية (التكنولوجية) مجالا متنازع عليه سياسيا. وحينها يصبح جوهر الحياة في ذاتها هو العنصر الفاعل وليس الموضوع، وهذا النزوح نحو وعي يرتكز على الحاجات البيولوجية يؤثر في بنية وتفاعل العلاقات الاجتماعية.

أحد مظاهر هذا السياق التاريخي ما يسمى بالمخيال الاجتماعي الجيني (فرانكلي، لوري وستيسي، 2000). ويتجلى هذا السياق في اقتصاديات السوق من خلال ظهور ميل الى استخدام مصطلحات مستعارة من علم الوراثة والنظرية التطورية بهدف توظيفها في الخطابات التجارية والسياسة. ومن الأمثلة التي تكثف استخدام مصطلحات مثل ” الجيل القادم” في صناعات السيارات والالكترونيات الخاصة بالمستهلكين. تنشر وسائل الاعلام والثقافة المعاصرة نوعا من حالات تكرس ممارسة الفرجة (المشاهدة) من خلال تعزيز الجانب البصري واتخاذه شكل المواطنة الجينية التي تعزز رؤية الحياة جينيا في الممارسات الطبية، الثقافة الشعبية، السينما، الدعاية والاعلان. ويظهر جانب آخر لهذه الظاهرة يتجسد في توظيف علم الوراثة في المناظرات السياسية التي تتناول موضوع العرق والهجرة بالاضافة الى المناظرات العامة التي تبحث في حالات الاجهاض، والخلايا الجذعية، والتركيب أو الهيكل العائلي للسلالات البشرية. كما يتم تداول خطابات حول المذهب الحيوي والسياسات الحيوية.

تعتبر المواضيع المتعلقة بالطاقة والعلائقية المبنية على السلطة أساسا لهذا المشروع. تتموضع فكرة ” محايثة الحياة”  في صميم الدراسات والابحاث التي تتناول الرأسمالية الجينية والحيوية (ليوسيانا باريسي 2004) بما تجسده كمساحة للاستثمارات المالية والأرباح المحتملة. التكنولوجيا، بما ينفذ الينا منها، لا تعمل بشكل تلقائي على تقويض أو تنمية العلاقات الاجتماعية بما تشمل من علاقات اقصاء أو لم شمل واندماج اجتماعي، وهي علاقات استندت تاريخبا على محاور من الطبقية والاقتصاد الاجتماعي، وكذلك مابنيت عليه هذه العلاقات من آليات ترسيم للحدود الجنسية والعرقية لتمييز ” الآخر”. كما يتم استنكار الثورة التكنولوجية الجارية باعتبارها ” قرصنة بيولوجية” (فاندانا شيفا 1997)، تعمل على تكثييف أنماط التمييز التقليدي واستثماره. فقد أصبحنا جميعا رعايا للطاقة الحيوية لكننا نختلف الى حد كبير في مستويات وأنماط تحقيق تلك الطاقة.

يشكل الاهتمام المتصاعد في السياسات المحايثة للحياة انفجارا يترك أثرا في الاستفسارت المتعلقة بالموت والمآلات المؤدية اليه (حالات الاحتضار). تعد السلطة الحيوية والسياسات النكرووية وجهان لعملة واحدة (مبيمي 2003). واحتمالات أن تكون “الحياة” كطاقة مهددة بالاندثار، كما يتضح ذلك من الأوبئة الجديدة والكوارث البيئية التي تطمس التمييز بين البعدين الطبيعي والثقافي. تندرج الأشكال الجديدة للحرب في النطاق الصناعي، وحالات خصخصة الجيش، والنطاق العالمي للصراعات وتحديدا حالات التفجير الانتحاري في الحرب على الارهاب، ضمن أشكال سياسات الموت. وفي ذات الأهمية التغييرات التي حدثت في الممارسة السياسية المتمثلة في الشهادة على الموتى كشكل من أشكال الحراك السياسي مثل منظمة ” أمهات ميدان مايو” الى أشكال المساعدات الانسانية. ويأتي انتشار الفيروسات في منظور ما بعد الانسان نتيجة للاستخدام البشري لأجهزة الحاسوب الى الحيوانات والعكس.

ويمكن تتبع ممارسات ثقافية في سياق يعكس الوضع المتغير لحالات الوفاة مثل نجاح محققي الطب الشرعي في الثقافة الشعبية المعاصرة. وحيث يحضر الجسد كجثة ميتة في وسائل الاعلام العالمية والأخبار الصحفية، يحضر أيضا كموضوع للترفيه. وينعكس التفكك في الأدوار الجندرية بارتباطه بالموت أو القتل في الصور التي تظهر النساء في دور القاتل، حيث نشهد احياء للشخصيات الكلاسيكية مثل ميديا وهيكوبا الى لارا كرفت.

تأخذ علاقتنا بالموت شكلا أكثر تعقيدا في عالم تتشكل فيه ممارساتنا الحياتية من خلال الوسائط التكنولوجية، وهي ممارسة تكافلية بين الجسد (العضل) والآلة، بحيث تتأسس علاقة من الاعتماد المتبادل بينهما. وهذه المعادلة التبادلية تشير الى بعض المفارقات المهمة: تجاهل قدرة الجسد البشري، وتقويته وتعزيز وجوده في ذات الوقت، في حالة من الهروب المتخيل. تشدد الباحثة آن بالسمو 1996 على أن هذا التناقض الملازم للمؤثرات المحيطة بأجساد مابعد الانسان يتيح مشاعر من السلب والخوف، لكنه أيضا يعزز مشاعر البقاء والسيطرة الكاملة. ومع ذلك فان هذه المعتقدات حول المستقبل التكنولوجي للجسد هي امتداد لخوف ملموس من الموت والابادة اثر ما قد يهدد الجسد من أخطار هائلة لا يمكن السيطرة عليها، مثل الفيروسات المقاومة للمضادات الحيوية، التلوث العشوائي، ظهور البكتيريا الملتهمة للحم الانسان، بعبارة أخرى، بقدر ماتحشد الممارسات الحياتية الحديثة القدرات الانتاجية، فانها تعمل أيضا على الحفر بدرجات أكثرعمقا في حالة الانقراض.

أصابت هذه المخاوف كل من الليبراليين الجدد (فوكوياما، 2020) والمفكرين الكانطيين بمستويات عالية من القلق بشان امكانية التفكيير في المستقبل البشري الذي كما يبدو يسير في طريق شديد الانحدار نحو الهاوية (هابرماس 2003). وفي مقابل كل هذا، أود أن أقدم دفاعي الخاص عن السياسات المحايثة للحياة، وأن أقدم مقاربة لهذه الظواهر بطريقة غير معيارية. فهذه الظواهر هي مظاهر اجتماعية للعلاقة المتغيرة بين الحياة والموت، في سياق الزمن المعاصر للسياسات المحايثة للحياة.

أريد التقدم في الاتجاه المقابل لهذا الاتجاه الحنيني السائد في السياسات المعاصرة، وأيضا لهذا الميل الى الكآبة من قبل معظم اليسار التقدمي (بتلر،2004). أطمح أن أقدم نقاشا أزعم فيه أن التركيز على سياسات الحياة ذاتها يمكن أن يولد سياسات ايجابية، وأدعي ذلك لسبب واحد أن التركيز على محايثة سياسات الحياة في مقدرته أن ينتج كارتورغرافيا أكثر ملائمة لظروف حياتنا الواقعية، فهي ترتكز على تتبع أثر الوسائط التكنولوجية المعاصرة بكل تعقيداتها، وعلى الممارسات الاجتماعية المتجسدة بشريا. علاوة على ذلك، فان هذا النوع من المقاربة الحيوية التي ليس بالضرورة لها أن ترتكز على االفروق الواضحة بين الحياة والموت، مقاربة تقدم الزوي كقوة حية غير بشرية بشكل قطعي. وهذه الفلسفة المستوحاة من ديلوز والتي تقوم على المقاربة المادية في المذهب الحيوي لا تشترك في أي شيء مع تركيز ما بعد الحداثة على الجماليات غير العضوية والمزيفة، وعسكرات التقليد والتوليف. فهي تذهب أيضا الى ماوراء الدراسات الالكترونية (السيبيرية) المتقدمة (كاثرين هايلز 1999) وتذهب الى ما بعد المادية الالكترونية أو السيبيرية (دونا هاراواي 2003)، المزيد عن هذه النقطة تحديدا في الخاتمة.

مناقشة النظرية

يدور السياق المؤسس لهذه المناقشات في النظرية حول ارث مشروع ميشيل فوكو غير المكتمل عن مفهوم الحوكمة المعاصرة، اذ يتزامن ذلك مع عصر يشهد النهاية الرسمية لمراحل تفكك مابعد الحداثة. تراكم الطبيعة الغير مكتملة لمشروع فوكو تعقيدا يرتبط بعنصرين رئيسيين في استيعاب عمله: الأول هو الانقسام الذي حدث بين مايسمى فوكو والثاني – الذي من خلال عمله الفلسفي تاريخ الجنسانية، الذي يتم تعريفه على أنه يعبر عن تقنيات تصميم الذات، وهو بذلك شكل نموذجا جديدا للعلاقات البينية الأخلاقية- وفوكو السابق الذي ركز على تحليل أشكال السلطة وأنماط الاقصاء.

يؤسس هذا الاستيعاب المنقسم الى تقسيما جديدا في العمل بين التحليل الذي يتناول القوة (السلطة) من ناحية، والتحليل الذي يتناول الخطابات الأخلاقية من ناحية أخرى. وهذا يسمح الى ترسيب نوع من الكانطية (نسبة الى كانط) بالظهور على ظهر فوكو، اذا جاز التعبير. لذلك من الملح وضع الأسس التي يقوم عليها النقاش النظري في السلطة الحيوية بعد فوكو، لا سيما فيما يتعلق بآثارها القانونية والسياسات الأخلاقية. يشدد بعض المفكرين، على سبيل المثال، على دور المسائلة الأخلاقية كشكل من أشكال المواطنة في السياسات الحيوية، وبالتالي ادراج مفهوم السلطة الحيوية في النقاش الأخلاقي كنموذج حوكمي يعمل على تمكين هذا المفهوم بالاضافة الى فرض قيود عليه (جيليان روز2001).

تحدد هذه المدرسة الفكرية الزمن السياسي في المسؤولية العلائقية وتنظيمها الذاتي للموضوع (رعاياه) بيولوجياوأخلاقيا، بحيث يتحمل هؤلاء الرعايا المسؤولية كاملة بحق وجودهم الجيني. الميزة المرجوة في هذا الموقف هي أنه يدعو الى درجة أعلى من الوضوح حول الوجود الحيوي- العضوي للفرد، بمعنى أن النموذج الطبيعي يتم التخلي عنه بالتأكيد. لكن الضرر الذي قد يترتب بناء على هذه الحالة، وفقا للسياق السياسي الذي يدعو الى تفكيك نظام التكافل الاجتماعي ويحفز على نظام الخصخصة، أنه قد يمنح مساحة آخرى لفساد نيوليبرالي جديد. تشير المواطنة الأخلاقية التي تفترضها السلطة الحيوية الى نوع من الجدولة للبيانات يمكن من خلالها توصيل الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الرعاية الصحية التي يحتاجها الفرد، وتقييم قدرة الفرد التي تتجسد في قدر المسؤولية التي يمتثل اليها في سلوكه في الاسهام في الحد من مخاطر الجذل الناتج عن ممارسة أسلوب حياة خاطئ. بعبارة أخرى تعنى هذه الممارسة الأخلاقية الحيوية بتقديم الرعاية الملائمة لرأس المال الجيني للفرد. تشكل الحملات الحديثة الموجهة ضد التدخين والافراط في الشرب وزيادة الوزن دليلا على هذا التوجه المعياري النيوليبرالي، الذي يدعم الافراط في النزعة الفردية. وثمة العديد من النماذج الاجتماعية للمواطنة الحيوية النيوليبرالية تتمثل في ظهور النزعة الاجتماعية نحو الشباب الأبدي، وهي نزعة ترتبط بتعطيل الزمن في المجتمعات التي تحتفي بنفسها عالميا (مانويل كاستلز 1996)، ويمكن أن تقترن هذه النماذج في المواطنة الحيوية بالقتل الرحيم وممارسات اجتماعية أخرى تؤدي الى الموت.

العنصر الاشكالي الثاني في تناول مفهوم فوكو عن السلطة الحيوية هو المعدل السريع للتقدم والتغيير الذي تمر به التقنيات الحيوية المعاصرة والتحديات التي تطرحها على العلوم الانسانية والاجتماعية. وقد تعرض عمل فوكو للانتقاد من قبل دونا هاراواي 1997، لاعتماده على رؤية قديمة في معالجة الكيفية التي تقوم عليها التكنولوجيا. وكما يقال أن منظور فوكو في السلطة الحيوية يمنح كارتوغرافيا لعالم لم يعد موجودا. وفي مقابل هذا العالم البائد تصرح هاراواي أننا دخلنا عصر تهيمن عليه النظم المعلوماتية. وفي النظرية النسوية- وهو مجال وثيق الصلة بالمعرفة التي أجدها غير حاضرة في الكثير من الدراسات حول السياسات النكرووية والعولمة ودراسات التكنولوجيا- تم أخذ نقطة هيمنة المعلوماتية بشكل أكثر جدية (كارين برد 2003). من المنظرين في المجال النسوي، العرقي، البيئي والذين تناولوا الحالة المتغيرة والاختلاف الذي تشكله الرأسمالية المتقدمة، بطريقة تحترم تعقيد العلاقات الاجتماعية وتقدم نقدا لها في الليبرالية، مع التأكيد على ابراز خصوصية للدراسات الجندرية والعرق (باول غيلروي2000، بتلر2004، بريدوتي 2002).

ويشغل الجزء الرئيسي في التناقض بين مفهوم فوكو للسلطة الحيوية، والبنية المعاصرة للفكر العلمي قضية مركزية الانسان. لا تركز التقنيات المعاصرة على الانسان لكنها تذهب بعيدا الى اجتهاد جديد يفترض الترابط المتبادل بين القوى المادية والبيولوجية، الثقافية والرمزية في تشكيل الممارسات الاجتماعية والسياسية. وقد يحفز التركيز على محايثة الحياة نفسها نوعا من المساواة التي تفرضها المركزية الحيوية (كيث أنيل بيرسون 1997)، مما يفرض اعادة النظر في مفهوم الذاتية من حيث ” قوى الحياة”.

تخلخل قوى الحياة وتعيد تعريف العلاقة بين الذات والآخر عن طريق تغيير محاور الاختلاف التقليدية- الجندر، العنصرية، وحقوق التجنيس- وطرحها في سياق بعيد عن المعارضة الثنائية، وفي أنماط تفاعل أكثر تعقيدا وأقل تعارضا.

وهكذا تشرع السياسات الحيوية في فتح بعدا ايكولوجيا فلسفيا في التفكير (بريدوتي 2006)، وتؤسس لبناء ايكولوجيات بديلة للانتماء في كل من أنظمة القرابة، وفي أشكال المشاركة الاجتماعية والسياسية. وانا بدوري أقدم طرحا يقترح أن هذه الهويات الاجتماعية ” الهجينة”، والأنماط الجديدة من الانتماء المتعدد الذي تجسده، قد تشكل نقطة انطلاق للمسائلة المتبادلة والمحايثة، وتمهد الطريق لاعادة تأصيل أخلاقيات المشاركة الاجتماعية وبناء المجتمع.

اعادة النظر والتامل في السلطة الحيوية

اعادة النظر في الطاقة الحيوية يترك اثره بالتأكيد على المكانة التي تشكلها النظرية الاجتماعية والسياسية نفسها. ومن المفكرين الذين أسسوا لهذه النظرية هايدغر، لكن أغامبين 1998 أبحر في التنقيب في أبعادها. وتعرف السلطة الحيوية البيوس على أنه النتيجة المباشرة لتدخل السلطة من، خلال قدرتها على تحويل حياة رعاياها الى ماهو متعارف عليه ب ” الحياة العارية” أو مستباحوا الدم الزوي. ويتجسد ذلك من خلال حالات الوهن، والاحتضار، والميل المؤدية الى الموت والفناء.

ان نظرية الزوي في نظام أغامبين مشابهة لدور وموقع اللغة في نظرية التحليل النفسي: وهو موقع يتيح الامساك بالموضوع من كل جوانبه. هذه المعالجة للموضوع تعمل من خلال الافتراض بأنه بنية لاحقة مفقودة غالبا وبعيدة المنال. ويمثل الزوي البعد الاستطرادي لدى لاكان، مفهوم كورا لدي جوليا كريستيفا، ومفهوم أنوثة الأمومة لدى لوس أريجاري- وهي مفاهيم يستخدمها أغامبين لتأسيس أفق للخلاف والتحول الدائم ، وهو تحول لا بد من تضمينه واستبعاده بالضرورة، من اجل الحفاظ على تأطير للموضوع في المقام الأول. وهذا يقدم نظرية ” التناهي” كعنصر تأسيسي في اطار الذاتية، والذي يثير في قلب الموضوع اقتصاادا مؤثرا في الفقد والملانكوليا ” الكآبة” (بريدوتي 2002).

ومن خلال عمله بالغ الأهمية في مقاربته للنهج الشمولي لأنظمة السلطة الحيوية، يكرس أغامبين التقليد الفلسفي الذي يتخذ من مفهوم الفناء أو نظرية ” التناهي” نقاشا عابرا للتاريخ عن الحياة. هذا الترسيخ لثاناتوس ” اله الموت”، الذي انتقده نيتشه منذ أكثر من قرن- لايزال حاضرا بكثافة في النقاش النقدي الجاري اليوم. وغالبا ما ينتج عن هذا التركيز على الموت رؤية قاتمة ومتشائمة ليس فقط للسلطة، ولكن أيضا للتطورات التكنولوجية التي تدفع أنظمة السلطة الحيوية. أحاول جهدي أن أقدم طرحا مختلفا عن التقليد الذي يتجه نحو اشاعة طرح معضلة الزوي-البيوس فقط من خلال آفاق للموت، أو من خلال الحالة الحدية للعدم الوجودي.

أجد أن هذا التركيز المفرط على الموت وآفاقه المختلفة والفقد، هو تركيز غير ملائم للسياسات الحيوية لعصرنا. لهذا انتقل لمجتمع من العلماء والباحثين الذين يعملون في اطار معرفي سبينوزي، وهذا الاطار يشمل جيل ديلوز، فيليكس غواتاري (1972، 1980) غواتاري 1995، ادوارد غليسيان 1990، ايتان باليبار (2002) مايكل هارت وأنطونيو نيجري (امبراطورية هارت ونيجري 2000). يشدد التركيز على السياسات المحايثة للحياة باعتبارها قوى توليدية وانشائية، وهذا يتطلب تسليط الضوء على العلائقية المتغيرة والمتبادلة في القوى البشرية وغير البشرية على حد سواء. ويمكن تعريف القوى الغير بشرية على أنها ماوراء – البشري الانساني أو الانسان.

أتحدث من موقع يتخذ فيه موضوع الأنوثة شكلا متجسدا ومتضمنا في آن واحد، حيث أجد أن ميتافيزيقيا نظرية “التناهي” في مقاربتها لسؤال الحدود لما نسميه الحياة مقاربة غير شمولية. والمكانة التي يتموضع فيها ثاناتوس، وهي مكانة مفاهمية تسمو على كل المفاهيم، تجعل من الموت حقيقة مبالغ في تقديرها.

ويشكل الطرح النهائي بعد كل شيء مرحلة جديدة من المعالجة الانشائية للموضوع. من المؤسف أن معالجة قوى الموت المتوالدة بكل صلابتها تتطلب هذا الكبح لأقرب وأعز ما قد يكون على الذات، ذاتي أنا، وكامل وجودي الحيوي بالنسبة للموضوع. في المنظور النرجسي فان موضوع الانسان، كتحليل نفسي يعلمنا أنه من غير المعقول أن تستمر الحياة دون وجود الانسان أو الذات (الأنا). لكن عملية مواجهة هذه الامكانية في التفكير في حياة لايكون فيها ” أنا” أو أي ” انسان” في المركز هي في الواقع عملية رصينة وتعليمية. أرى في هذا التحول نحو ما يسمى الأنثرو-أوبسين أو مابعد التمركز الأنثروبي، يشكل بداية لفرض أخلاقيات تحث على الاستدامة والنماء، وتهدف الى حرف التركيز نحو ايجابية الزوي (حياة جميع الكائنات).

يهدف المشروع الى تطوير مجموعة من المعايير لنظرية اجتماعية وسياسية جديدة، تعمل على توجيه المسار القائم والمنقسم بين الحنين الانساني والنشوة الليبرالية الجديدة المتجسدة في الرأسمالية الحيوية. الممارسات الاجتماعية والسياسية التي تأخذ من محايثة الحياة نقطة مرجعية لها – لا يجب أن ترتكز أهدافها على استعادة توحيد الأعراف- لكن يجب أن تعمل على احترام والاختلاف والنمو المستدام أو المحتمل. وفي صميم مشروعي هذا تتمركز أخلاقيات تحترم حالات الضعف والوهن الكوني، بينما تعمل بنشاط على بناء آفاق اجتماعية تنمي الأمل.


 

 المراجع

braidotti_biopower-and-necropolitics.pdf

Agamben، Giorgio (1998) Homo Sacer. Sovereign Power and Bare Life. Stanford; University Press. Ansell Pearson، Keith (1997) Viroid Life Perspectives on Nietzsche and

The Transhuman Condition. London and New York; Routledge. Balibar، Etienne (2002) Politics and the Other Scene. London، Verso. Balsamo، Anne (1996) Technologies of the Gendered Body Durhman: Duke University

Press.

Barad، Karen (2003) ‘Posthumanist Performativity. Toward an Understanding of

How Matter Comes to Matter’ in: Signs Vol 28، no 3، pp 801-831.

Braidotti، Rosi (2002) Metamorphoses. Towards a Materialist Theory of Becoming

Cambridge، UK and Malden، USA; Polity Press/Blackwell Publishers Ltd.

Braidotti، Rosi (2006) Transpositions. On Nomadic Ethics Cambridge، Polity Press).

Butler، Judith (2004) Precarious Life، London; Verso. Castells، Manuel (196) The Rise of the Network Society Oxford: Blackwell. Deleuze، Gilles and Felix Guattari (1972) L’anti-Oedipe. Capitalisme.et schizophrénie I. Paris; Minuit. English translation: (1977) Anti-Oedipus. Capitalism and

Schizophrenia. New York; Viking Press/ Richard Seaver، translation by R. Hurley، M. Seem and H.R. Lane.

Deleuze، Gilles and Felix Guattari (1980) Mille plateaux، Capitalisme et schizophrénie II. Paris، Minuit. English translation: (1987) A Thousand Platcaus: Capitalism and Schizophrenia Minneapolis، University of Minnesota Press. Translation by Brian.

Massumi

Foucault، Michel (1976) Histoire de la sexualité I La volontée de savoir Paris; Gallimard English translation: (1978) The History of Sexuality. Vol. I، New York، Pantheon. Translation by Robert Hurley

Foucault، Michel (1984a) Histoire de la sexualité II: L’usage des plaisirs Paris;

Gallimard. English translation: (1985) History of Sexuality، vol. II: The Use of Pleasure.

New York، Pantheon Books. Translation by Robert Hurley. Foucault، Michel (1984b) Histoire de la sexualité III: Le souci de soi. Paris، Gallimard. English translation: (1986) History of Sexuality، vol. III: The Care of the

Self New York: Pantheon Books. Translation by Robert Hurley.

Franklin، Sarah، Celia Lury، Jackie Stacey (2000) Global Nature، Global Culture

London; Sage.

Fraser، Mariam، Sarah Kember، Celia Lury (2005) Inventive Life. Approaches to the

New Vitalism’ in: Theory، Culture & Society Vol 22، no 1، pp 1-14.

Fukuyamna، Francis (2002) Our Posthuman Future. Consequences of the

BioTechnological Revolution، London; Profile Books. Gilroy، Paul (2000) Against race. Imaging Political Culture Beyond the Colour Line. Cambridge، MA;Harvard University Press.

Glissant، Edouard (1990) Poetique de la Relation Paris، Gallimard. English translation: (1997) Poctics of Relation. Ann Arbor، University of Michigan Press. Translation by Betsy Wing. Grosz، Elizabeth (ed) (1999) Becomings. Explorations in Time، Memory and Futures.

Ithaca; Cornell University. Grosz، Elizabeth (2004) The Nick of Time Durham; Duke University Press. Guattari، Felix (2000) The Three Ecologies، London; The Athlone Press.

Habermas، Jurgen (2001) The Future of Human Nature m، Judith and Ira Livingston (eds) (1995) Posthuman Bodies. Bloomington; Indiana University Press.

HIT (1007) Mark Wit Sard Millanniam

Haraway، Donna (1997) Modest Witness@Second Millennium.

Female Man Meets Oncomouse™M، London and New York، Routledge. Haraway، Donna (2003) The Companion Species Manifesto. Dogs،

Significant Otherness. Chicago; Prickly Paradigm Press.

People and

Hayles، Katherine (1999) How We Became Posthuman. Virtual Bodies in

Cybernetics، Literature and Informatics، Chicago; The University of Chicago Press.

Mbembe، Achille (2003) ‘Necropolitics’ in: Public Culture. Vol 15، no 1، pp 11-40. Translation by Libby Meintjes. Rabinow، Paul (2003) Anthropos Today. Princeton; Princeton University Press.

Rose، Nicholas (2001) “The politics of life itself”، Theory، Culture & Society. Vol.

18، no 6، pp 1-30.

Parisi، Luciana (2004) Abstract Sex. London: Continuum.