مجلة حكمة

الدين والعنف

الكاتبهنت دي فريس
ترجمةنوفل الحاج لطيف

مقدمة: الإرهاب الديني

يتساءل هذا الكتاب حول ما إذا كان مفهوم العنف يمكن أن يساعد بالضرورة على تمثل أو أن يضلل ارتباطاتنا وقراراتنا الأخلاقية والسياسية، وأكثر من ذلك وعينا بهويّاتنا ماضيا وحاضرا، جماعيا وفرديا ذلك أن فكرة العـــنف هي في الآن ذاته إمبيريقية، وبطريقة معينة، متعالية أو ميتافيزيقية تنتمي إلى عالم ينتسب تقليديا إلى الما قبلي، وإلى العقلي أو النومينال (كما يقول كانط)، وباختصار إلى المثالية والتمجيد على حد السواء. فالعنف في كل الحالات، في أتم معنى الكلمة، أيّا كان سببه، ومهما كان استعمالا للقوة مبررا أو غير مشروع، هو تعدي-جسدي أو بأي شكل كان-لشيء (حدث أو واقعة، جماعة أو فرد، وربما، كلمة أو شيء) على شيء آخر. وبالتالي فإن تعريف العنف يجد نموذجه الأول –مصدره، قوته والقوة المضادة له – في العناصر الأساسية للتقليد الدّيني كما نسميه عادة. ويمكن أن يعدّ من العناصر الجوهرية المكونة للدين. حتى يبدو وكأنه لا يخلو دين من عنف، وأن العنف ديني بالأساس.

ثمة طريقة واحدة لصياغة ذلك وتتمثل فيما يلي: “الدين” هو علاقة بين ذات (أو ذوات) وذات أخرى – أو ذوات أخرى –علاقةٌ لا تنغلق على نفسها في مفهوم كلّي كما يقول بذلك ليفيناس (أو أنها لا تفعل ذلك إلا بشكل تعسفي، أي بواسطة العنف)، وبالتالي فإن الدين في جزء منه، على الأقل، لا يمت بصلة للاستقلالية الإنسانية والقرار الإرادي، وما إلى ذلك. وعلى هذا النحو يكون ”الدين” هو آخر –الآخر-العنف. إنّه يستحضر صورته المضادّة، نقيضه، الفداء والنقد[1]. فلا يوجد أي تناقض هنا (أو إن كان لا مفرّ منه) ذلك أنّ آخر (أو الآخر) العنف هو العنف، أو لا يزال كذلك عنفا بمعنى آخر للكلمة.

يبدو التصدّي إلى العنف في علاقته بالدّين وفي جميع تعقيدات جذروه البعيدة ووسائطه وآثاره مشروعا أساسيّا لعديد الأسباب. ويكشف تحليل فلسفي مقارن خاطف للمفاهيم المختلفة للأخلاق والسياسة في النقاشات الأخيرة بشأن التعددية الثقافية والمواطنة، والهجرة، والديمقراطية عن افتراض غير معلن: ترتبط النشأة الحديثة وكذلك التحول المعاصر للفضاء العمومي– كما أشرنا إلى ذلك من قبل -بتغيير الدور الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي لعبه الدين. وتبين هذه المناقشات أنّ الدين، لم يعد قادرا -وربما لم يكن كذلك-على النفاذ إلى مجال الخصوصية والضمير الفردي. ولكن مع بعض الاستثناءات القليلة يبدو أنّ أولئك الذين كان لهم دورا رئيسيا في الأطروحات المركزية لهذه المناقشات-سواء صنفوا أنفسهم ضمن تقاليد النظرية النقدية، والليبرالية، والجماعتيّة، والأرسطية الجديدة، والبراغماتية المحدثة، أو ما بعد البنيوية-لا يرغبون في أن يكون للدين أكثر من وظيفة هامشية في الدستور، وتعريفه، وإعادة تعريف للفضاء العمومي[2]. واجمالا، فإنّ جميع المساهمين في هذه المناقشات يتفقون على أن الفضاء العمومي يتنزل في سياق الحداثة من خلال الانخراط في تحديد معنى الرقابة وأشكال ممارستها وحرية التعبير، خاصة في ضوء مسألة التسامح الديني.

لعل أهم ما يثير خشيتي بشكل رئيسي هو تقديم تحليلٍ فلسفيٍّ لنشأة الفضاء العمومي وصياغتها مفهوميا حديثا كما في مفتتح كتابات كانط حول الدين (خصوصا علاقته بسيادة الدولة الحديثة وبمؤسساتها، وخاصة الجامعة). ولم يكن هذا السياق الوحيد الذي طوّر فيه كانط أفكاره حول الشر الجذري، وإنما أيضا، في ”الملاحظات العامة” التي تلخص مختلف الأقسام الأربعة لـكتاب الدين في حدود مجرد العقل، حيث يمكن للمرء أن يكتشف، كما يشير ستانلي كافيل في كتابه زعم العقل، “نظرية عامة في اللاعقلانية، وتفسيرا منهجيا لما هو بصدد التحول، في هذه النظرية، لتكون بمثابة مجموعة كاملة من الظواهر، تمثل كل واحدة منها تشويها معينا للعقل البشري”. ويضيف كافيل: “وتتكون هذه المجموعة من أربعة عناصر وهي حسب كانط: التعصب والخرافة والوهم والشعوذة. ومن بين التوضيحات نذكر اقتراحها ضمنيا –كما يمكن أن نتصور ذلك-علاجا للفاوستية [على حد تعبير كافيل: ”الرغبة في التخلص من الشروط الإنسانية للمعرفة”] وللريبية في الآن ذاته”[3].

لازالت الأمور أكثر تعقيدا. فمن ناحية، تخطو ظاهراتية كانط للأشكال الأولية للحياة الدينية خطوة حاسمة تتجاوز المعايير المحددة التي تفترضها النقود الثلاثة الأولى. وبريبية أكثر، ينطلق كانط من مشكلة الشر الجذري ويبيّن تواليا أنّ هذا الشر يتعذر استئصاله وأنّه يمكن أن يقضي بشكل متزايد، لا فقط على كل المحاولات الفردية بل والجماعية أيضا لتصحيحه أو احتوائه. وهكذا يُصوَّرُ تاريخ البشرية كما لو كان سلسلة من وسائل اجتماعية وسياسية فاشلة ولاعقلانية من أي وقت مضى خدمة للخير وإنشاء ”مملكة الغايات”.  فالكنائس المرئية (الأشكال الإمبيريقية للديانات المنزلة أو الوضعية عبر التاريخ) والطوائف المعارضة لها لا تعكس البتة الكنيسة غير المرئية (شكل الأشكال، ديانة، وأخلاق قويمة) دون تشويه. وأكثر من ذلك، يدفع نموها المتسارع مجيء هذه المملكة أبعد وأبعد، إلى مستقبل أكثر بعدا وغير آمن من أي وقت مضى. وكلما اقتربت أكثر، كلّما تأجل ذلك أكثر، وبقدر ما تُطاع أكثر بقدر ما تُخان أكثر، كما لو كان مبدأ الوضوح والخاصية الإمبيريقية في خلاف مستمر وحتى متنامي، بل كما لو كانا في حالة حرب.

ومن ناحية أخرى، يلعب الدين، حسب كانط، دورا تصحيحا حاسما (بمعنى الترياق) في مواجهة كل مظاهر التشويه والتسمم المتزايدة التي بدأت تطفو على السطح فيما يبدو. فالدين -على نحو أدق، هو المعنى الخالص والأساسي أو المتعالي لعبادة روحيّةٍ فضلاً عن كونه لاهوتا عقلانيا-يحرّض ضد التدين الذي تلوث وتعفن أو يكاد في جميع أشكاله التاريخية (بما في ذلك أشكالا مسيحية معينة) حتى صار كما وصفه كانط في عبارة بليغة “خليطا هجينا من الوثنية”. ويعكس هذا التعبير ما مثل، بالنسبة لكانط على الأقل، في كتاباته حول الدين واللاهوت التوراتي والعقائدي بشكل واضح وخاصة الدين في حدود مجرد العقل وصراع الكليات، لا فقط أشكال الحد بل أيضا العنصر الأساسي والوسيط أو الوساطة للفلسفي والعقلاني، والعام، وإذن للحقيقة.  ويقاوم الدين، وليس فقط الدين العقلي (أو ما يكون مرادفا للأخلاق: مرادفا للفلسفي، والكلي الحقيقي، في مجال الفعل الإنساني) ولكن الدين، في تشكله التاريخي والسياسي، وباختصار تشكله الإمبيريقي، وكما يقول كانط الوحي ”مملكة الغايات”، وأيضا، يمنحها الوجود شأنه في ذلك شأن غاياته هو وهنا عين المفارقة. 

وهكذا يعتقد كانط فعلا أن الحداثة لا تحول، مرة واحدة، جميع مقولات الدين (جميع أوجه الفكر والأجهزة البلاغية ومفاهيم وأشكال الالتزام، وممارسات الطقوس، وما إلى ذلك) إلى مقولات بالية. على العكس من ذلك، حتى هنا لم يعد ممكنا تحديد ”الديني” كمنظومة متكاملة ومقنعة للاعتقاد، أو بصورة غير مباشرة، كطريقة بناء سرديّة للحياة، لأنها توفر مصطلحات نقدية ومصادر جدلية، والصور الجريئة اللازمة لتحليل الثقافة المعاصرة بنجاح. وبعبارة أخرى، ما وراء طلبها لآخر ما توصلت إليه العلوم الاجتماعية الإمبيريقية أو إلى الأدوات النظرية الأكثر تقدما التي يوفرها التحليل الفلسفي والدراسات الأدبية والثقافية، فإنّ الدراسة المقارنة للدين المعاصر يجب أن تعيد صياغة هذه المصطلحات النقدية والظواهر الملموسة التي تستند إليها في ضوء التقاليد التاريخية والمعيشة التي تسعى إلى فهمها.

صارت هذه المهمة المزدوجة أكثر وضوحا من أي موضع أخر قياسا لما هو عليه الحال في محاولة فهم الترتيبات السياسية والمؤسساتية التي تنظم المجتمعات الديمقراطية الليبرالية الحديثة بواسطتها التفاعل بين مواطنيها، وبينهم وبين ”الآخرين” (الأجانب المقيمون بصفة قانونية، ومواطني الدول الأخرى، المهاجرون واللاجئون، وأولئك الذين لا يملكون وثائق إقامة، وغيرهم). وتمتد هذه الممارسة المتغيرة لأشكال التنظيم إلى العلاقة بين الكائنات البشرية الحية وكائنات أخرى غيرها أيضا: الموتى، والذين لم يولدوا بعد، والكائنات الحية غير البشرية. وبطبيعة الحال، قد يشكل الصناعي والافتراضي، أو كل ما نعتبره تكنولوجيا مغايرا-أو، بحسب هذا التصنيف، مختلف الأغيار الذين لا ينتسبون إلى هذه الأصناف-يوما ما تحديا لهذه المتمايزات، كما في هو الحال في خيال وفي التجارب الفكرية للفلاسفة والمؤلفين والمخرجين السينمائيين. ولنا أن نهتدي في هذا الصدد بأفكار كانط حول الضيافة الكوسموسياسية. فمن حيث المبدأ، يتعيّن على فلسفته في التاريخ والانعتاق الذي لا هوادة فيه من الشر الجذري الذي تفترضه أن تشمل الجميع –بما في ذلك أيضا الكائنات غير البشرية-الفاعلون الأخلاقيون: الملائكة، الأوتوماتا، وما شابه ذلك. ولكن ما الذي جعل كانطيتردد، إذن، في استخلاص ما قد يترتب عن ملاحظاته تلك من نتائج؟

في إطار محاولة تعيين العودة إلى الدين وتضخيمها، يسعى هذا الكتاب لتمييز وتحديد دافع بعينه للرعب الديني. ويتعرضكيركيغارد لهذا المصطلح في كتابه خوف ورعدة، ضمن تحليل بارع حول كيفية تحديد ملامح الأخلاقي والسياسي –كما صيغت بعد التأويل الكانطي (والهيغلي)-على ضوء التصور الديني. يعني بهذا صاحب السيادة، والمطلق، (من وجهة نظرنا البشرية المحدودة) والفعل التعسفي القطعي للإرادة الإلهية، لمظهر ونموذج يبدو – في عالم الظهور-جزءا لا يمكن فصله عن أقل تشويه مطلق لهم. أفترض أن كل آخر هو كل آخر، الذي كتب عنه كيركيغارد بكثير من العنف حيث عنى به الشيطاني في خوف ورعدة. وبشكل عام، تظهر نفس الفكرة أيضا عندما، يتحدث عن القلق واليأس في مؤلفيه مفهوم القلق والمرض حتى الموت، وكلاهما سيمكناننا من اعتبار وجهة النظر الكانطية أكثر راديكالية.

أزعم أننا لسنا بعيدين في هذا الصدد، عن الغضب الإلهي الذي شدد عليه كل من والتر بنيامين وميشيل دي سارتو. وعلاوة على ذلك، فإننا نجد هذه الأفكار في نص دريدا قوة القانون: “الأساس الخفي للسلطة”. وكما سنتبيّن ذلك، فقد كان لها وقعها في عرضه للعلاقة بين الضيافة والعداء (مرة أخرى في أعقاب كانط، ليفيناس، وشميت). ويتحدث دريدا-الذي تمثل كاتباته حول المؤلفين المذكورين أعلاه نقطة انطلاقي، وإن كنت استخدم بعضا من تحليلاته في اتجاهات قد لا تتوافق مع ذهب إليه-عن الضرورة الملحة للوعي بـ ”تاريخ الشر الجذري وبأشكاله التي لا يمكن أن تكون مجرد أشكال وتلك التي تخترع دائما شرّا جديدا، وهذا هو الشر في أكمل صوره” “الإيمان والمعرفة” 9/18). وقد ورد هذا المقطع في “الإيمان والمعرفة: مصدرين لـلدين في حدود مجرد العقل”، وهو نص يتضمن مناقشة دريداالأكثر وضوحا حتى الآنللدين.

وفي سياق مختلف[4]، فقد اكتشفت من خلال بعض تبعات فرضية دريدا، وقد عُرضت في هذا المقال أيضا، أن ”العودة إلى الديني” ارتبطت ارتباطا وثيقا بظهور أنماط الإنجاز التي نلاحظها في التكنولوجيات الحديثة وبواسطتها. وهنا أريد أن أعود مرة أخرى إلى هذا النص لتقصي فكرته المركزية عن الشر الجذري، تلك التي لا تنفصل إمكانياته النظرية والتطبيقية، كما يزعم دريدا، عن التجريد أو القطع مع الهوية الوطنية الذي يعزى غالبا إلى الدين (وخصوصا في طابعه السالب-، أي السلبية اللاهوتية)، وكذلك إلى القطع مع الخصوصية المحلية الذي يعزى إلى وسائل الإعلام الجديدة. وتتطلب فكرة الشر الجذري الانطلاق من مناقشة هذه الأولوية المطلقة في كتاب كانط الدين في حدود مجرد العقل، لأسباب عديدة اعتبارا للإشارة الصريحة في العنوان الفرعي لمقال دريدا.

ولكن ما ذا يعني ”تاريخ” ”شر جذري” – أعني أيضا غير الإمبيريقي، المتعالي، وحتى المطلق؟ وتحديدا كيف يمكن أن يرتبط بتاريخ الدين وبالغضب الإلهي بما لا يقل عن الارتباط الثيودسيا والايمان بالآخرة وبنهاية العالم والخلاص؟ وفي مستوى من كتابه الآخر بوصفه كينونة أو ما وراء الجوهر، يتحدث ليفيناس عن مهمة بناء ”تاريخ الوجه”. ولكن تغير الأزمنة بحيث يعد هناك تعارض حقيقي بين كتابة تاريخ الوجه (كما حاول ليفيناس أكثر من أي شخص آخر) وبين تاريخ أسوء أشكال العنف (كما أقدم على ذلك ليفيناس مرة واحدة وفي الآن ذاته). وربما لم يوجد قط. وفي الواقع، وهو الامكانية الظاهرة، إن لم تكن حقيقة ملموسة، فإنّ العنف والسعي إلى وقفه لا ينفصلان. وأنماط ظهوره واحتوائه ليست سوى وجهان لعملة واحدة.

سأقتفي في الفصل الأول من هذا الكتاب أثر دريدا في بعض خطواته بعناية، في كتابه البارز عن الحق في الفلسفة، فيما يتعلق بالتفكيكية النظرية والعملية للمؤسسة الحديثة، وخاصة المؤسسة الأكاديمية، والجامعة من حيث هي تقدم نفسها كتعبير عن فكرة كانط الفلسفية أو العقلية على وجه الخصوص. فهذا الكتاب يسعى إلى تسليط الضوء على الصعوبات التي يصادفها المرء عندما يطرح السؤال حول المؤسسة ومأسستها، وحول الأرضية المشتركة بين المؤسسات وأساسها أو تأسيسها، ومسوغاتها وغاياتها. يعرض دريدا في المقالات الرئيسية من مجلده قراءته للدين في حدود مجرد العقل وصراع الكليات، أعمال لم تحظ بنفس الاهتمام في الدراسات الحديثة مثل النقود الثلاثة. في حين كانت سخرت النقود في الغالب لاستيعاب مشروع كانط الفلسفي الأكثر نسقية ونضجا، وربما المشفوعة فقط ببعض المقالات الصغيرة حول التاريخ التي اعتبرها بعض الدارسين ”نقد رابعا” للمقولات، فإنّ الكتابات حول الدين لم تقدر حق قدرها من الناحية النظرية[5]. تتناول هذه النصوص وتشذب من جديد مفهوم الدين الأخلاقي في اصطلاحيته، على النحو الذي قدمته الكتابات النقدية وتفترضه المقالات حول فلسفة التاريخ. إنها تركز على علاقته المعقدة والمربكة بالأشكال الإمبيريقية لديانات “الوحي” تاريخيا، وهذا يعني، علاقته بالمجتمع، والسياسية، والدولة، والكنيسة، والناس، والطوائف والحركات والنخب، وما إلى ذلك.

ينخرط صراع الكليات في مناقشة هذه المسألة ضمن علاقة الصراع التي لا يمكن تفاديها بين الكلية الفلسفية “الدنيا” في الجامعة الحديثة والكليات “العليا” (خاصة اللاهوت، ولكن أيضا القانون والطب)، التي تعكس الاهتمامات المباشرة للدولة القومية. وأزعم أن المسألة تتعلق هنا بما هو أكثر من الدفاع عن استقلال أو نقاء انضباط الفلسفة، وبالتالي نقاء العقل: في الواقع، يشذب كانط نظرية معقدة ومربكة إلى أقصى حد في التسامح والرقابة في ظل الأوضاع الحديثة. فالصراع يجد صداه فيما يترتب عنه من توازن غير مستقر بين املاءات السيادة وبين العقل، وبين الضرورات السياسية وبين حريتي التفكر والتعبير. كما أنه يتيح لنا تأسيس –وتشكيل-فضاء تفاوضها المؤقت والجزئي.

يطور كتاب الدين في حدود مجرد العقل الذي تم التطرق لهفقط ضمنكتاب دريدا عن الحق في الفلسفة ولكن خاصة في مقاله “المعرفة والايمان”-“الصراع” من خلال تنزيله ضمن سياق أوسع يشمل تطور المبدأ الأخلاقي والدينالأخلاقي في تاريخ البشرية برمته حيث ينبسط حقل الشر الجذري. وسأبين كيف يمكن استخلاص هذه الفكرة انطلاقا من مفهوم دريداللفساد المطلق، وهذه الفكرة هي في حد ذاتها ترجمة مغايرة لفهمه السابق للبشاعة، وانطلاقا مما بات يُنذر أكثر من أي وقت مضى بالأسوأ، والتهديد الذي يخيّم ويضبط، فيما يبدو، شروط كل اتفاق. وبما أنّ بنية الاتفاق تكمن وراء كل أحداث تترابط مع الأفعال البشرية -يعني، تأسيس الدول، وصياغة واستخلاص القوانين، وكل قرار يتّخذه الأفراد والجماعات-فإنّه يكمن بالمثل وراء النظريات المعاصرة للفعل الخطابي، والتنفيذي، وإتباع القواعد، التي تشير باستمرار إلى مجال القانون والحكم القضائي. وإننا على يقين بأن ج. لي. أوستين، وجون رولز، وستانلي كافيل، وجوديث بتلر ليسوا سوى قلة قليلة ممن تناولوا هذه المفاهيم في اتجاهات مختلفة جدا بالفعل[6]. وأعتقد أنّ دريدا أسبغ هذه المشكلة بهاجس كيركيغارديّ أساسي ألا وهو، في كلمة، القلق الذي فرضه الرعب الديني.

هكذا والحالة تلك، فإنّ هذه المشكلة سبق طرحها في كتاب دريدا إعلانات الاستقلال[7]. فأنا أتتبع التطور الذي يمر به هذا التشكّل الأول لقانون البناء المتجدد إلى حد التأسيس (للأمم والدول، وبطبيعة الحال الدساتير) وأركز على إعادة تمفصله اللاحقة فيما يبدو قيدا شبه لاهوتي في ”قوة القانون: الأسس الروحية للسلطة”. فما الذي بالضبط، في هذا التحول أو التبدل، إذا كان واحدا (أو واحد فقط) يُكسبُ، أو لذلك السبب، يُخسرُ؟

يدافع فصلي الافتتاحي على أنه في حين أن كتابي كانط الدين في حدود مجرد العقل وصراع الكليات كثيرا ما قرئا أقرب كمعارض ورسوم توضيحية لأخلاق كانط ولاهوته المتعالي، إلا أنهما لم يلقيا الاهتمام الذي يستحقانه باعتبارهما من أولى التصورات الفلسفية الواضحة –ولازالا الأكثر قوة-للعلاقات بين الدين والأمة والمجتمع والحياة العامة. وعلى الرغم من أن التراث الكانطي كثيرا ما تم تخفيضه إلى استكشاف طبيعة الشرعية السياسية في ضوء مجرد عقلانية شكلية وإجرائية، فإنّ الأهمية الفلسفية لهذه الكتابات تتكون على الأقل من أكثر ما يمكن في استنطاق الحجج التي يبدو أنها تتوقّع المناقشات الحالية حول آثار المفهوم وممارسة ”المواطنة متعددة الثقافات” و ”قانون الشعوب”[8]. وعلاوة على ذلك، في حين أنّ تحديد كانط لحرية التعبير العمومي من جهة هو جزء من نقد المؤسسات -كما هو واضح في تعامله مع الرقابة، وفكرة الجامعة، والتسامح الديني-فإنّ تحليله الفلسفي للأنواع المختلفة من التصريحات والبيانات لها تأثير مباشر على نشر نظرية فعل التعبير المعاصر في تحليل الصراعات الثقافية أو تفعيل الهويات الثقافية التي تم تكوينها.

إنّ عمل كانط يساعد على توضيح لماذا لا يمكن أن تكون هناك أي حيادية مطلقة، وتجانس -أو، لهذا السبب، علمانية-في الفضاء العمومي، وأكثر أهمية، لماذا توحي هذه الرؤية على أيّة حال بأن العمل النقدي الشكلي للعقل أصبح مهملا. وحيث أنّ كل آخر هو آخر تماما، حسب عبارة دريدا المحيرة والاستفزازية “كل آخر هو كل آخر “، فإنّ سياسات حقيقية أو مسئولة حول الاختلاف تظهر للعلن. إذ ينبغي عدم الخلط بين مثل هذه السياسات مع سياسات الهوية، ولا مع خطابات الجماعتيين التي تحرض ضد الشكلانية المفترضة للنظريات السياسية الليبرالية الحديثة. ما يعتبر مختلفا أو آخرا، ناهيك عن الآخر تماما، هو وبأية حال من الأحوال ثابت أو معطى. لا أحد يمكن أن يحدده أو يجعله ملكا لأحد.

بعيدا عن استكشاف مفهوم الفضاء العمومي مع الإشارة إلى كانط وشارحيه الأخيرين، خصوصا حنة آرنت ويورغن هابرماس، فإنّ فصلي الأول بناءً على ذلك يتناول بشكل غير مباشر المناقشات المعاصرة بشأن الليبرالية السياسية والجماعتية، والبراغماتية الجديدة. وعلى وجه الخصوص فقد ساهم مقال تشارلز تايلور ”سياسات الاعتراف”، في إجراء جولة جديدة من النقاش حول الأبعاد الفلسفية للتعددية الثقافية، ومفهومها الضمني للمواطنة، وعواقب ذلك على التعليم الليبرالي، والمناهج الدراسية، وهلم جرا[9]. يشارك المشروع المعاصر تركيز تايلور على جدارة المفاهيم والقضايا الفلسفية التي شاب نقاشها في كثير من الأحيان الجدل السياسي والأكاديمي. تكمن زاوية نظري المختلفة في دراسة الطرق المتعددة التي لا يشكّل فيها فقط الدين، والرقابة، والتسامح في الحكم الكانطي والما بعد كانطي تجربتنا للتوتر بين الهويات الثقافية الجماعية والفردية، ولكن تؤثر أيضا في فهمنا للظروف التي لا يمكن حلها إلى حدّ ما تحت الشقاق العام والانفصال الثقافي.

أتحرّى في فصلي الثاني، منطقا معقدا للمسؤولية واللامسؤولية الذي يتوافق مع الاعتبارات –الكانطية-السابقة المتعلقة بالشر الجذري والتوتر بين اللاهوت الفلسفي والتوراتي، وكذلك بين الدين الروحي والمنزّل (التاريخي أو الوضعي). وسيكون رد كيركيغاردعلى نموذج كانط منطلق وجهة نظري، وأنا أعيد بناءها عبر دراسة -واستقراء-بعض اقتراحات دريدافي عن الحق في الفلسفة و”الإيمان والمعرفة”. سيكون إطاري المرجعي في هذا الفصل قراءة دريدا لكتاب كيركيغارد، خوف ورعدة، والتي تستجيب جزئيا لتفسيرات سابقة لليفيناس، وغالبا بشكل غير مباشر، لإريك فايل وجون فاهل. في هدية الموت، يقرأ دريدا، على إثر هؤلاء المؤلفين، شهادة ذبيحة إبراهيم، ”لحظة التخلي الإبراهيمي”، وأعمال العنف التي تأتي معها باعتبارها نموذجا لما هو على المحك في كل قرار أخلاقي سياسي حقيقي. وأتساءل كيف يمكن لنا أن نفهم الحقائق المقلقة – وشيء آخر ”حقيقة العقل”، لاستخدام تركيبة كانط-التي يمكن أن نفكّر فيها وأن نمارسها على أية حال في غياب المسؤولية الأخلاقية، سواء العملية أو النظرية.

وفقا للمنطق المتناقض للمسؤولية واللامسؤولية، يصبح الأخلاقي ممكنا على وجه التحديد في إمكانية القلق حول إيقاف العمل به -احتمال اندلاع أعمال عنف ووحشية، أعمال العائد من الموت، والشبح، والثّمة (الموجود بصفة عامة/الوجود اللاشخصي) il y a الغفل -ولكن دون أن يكون قادرا على تأكيد أو فرض نفسه بكل قوة أو على هذا النحو، وذلك راجع أيضا لنقاوته. إنّ أيّ قوة يمتلكها الأخلاقي – عنف في سبيل أحقيته-فإنه يبقى دائما ليّنا ومقاوما، ليس فقط من قبل القوى التي ينشئها، ولكن أيضا من خلال هيكلة نجاحه. ويعطل الإفراط فيه مسبقا كلّ امتثال -فإن لم يكن فاحترامنا له، وإلاّ فتوافقنا مع القانون الأخلاقي ومع العدالة. إنّ الأخلاقي يحجّر، بل يمنع في الواقع، كل ”ضمير خيّر”.

 يتخذ هذا الفصل نقطة انطلاقه في مناقشة المفاهيم المركزية التي قدّمها إريك فايل في منطق الفلسفة، مفاهيم وجدت طريقها في نصوص ليفيناس وفي قراءة دريدا لليفيناس في ”العنف والميتافيزيقيا”. أبدأ بمراجعة مناقشات دريدا، وليفيناس، وفايلبشأن ما إذا كان العنف متوطنا في الخطاب وظهور الكينونة. فإذا كان العنف هو في الواقع كوني وبالإجماع هو عنيف، فأنا أسأل، هل أنّ هذا لا يهوّن مفهوم العنف، مبطلا شدة أي استجابة أخلاقية سياسيّة له؟ من خلال قراءة اعتبار دريدا لتضحية إبراهيم في “هدية الموت”، فإنّي أبيّن أن ذلك ليس بالضرورة صحيح. ومن ثمّ فإنّ دراسة أوجه التضحية والضرورة، فإنّه يمكن للمرء أن يبين أن الشرط الأساسي لأي عمل أخلاقي سياسي حقيقي هو قرار منفرد وسري، وهو عمل لعهد يقاوم بحماس المفاهيم التقليدية للأخلاقي، والسياسي، وحتى “الفعل”. وعلى هذا النحو، فإنه ينطوي على علاقة إما أن تؤثر في العنف أو تتأثر به: وبالتالي فهو إرهاب ديني. ولكي نكون يقظين لتقارب الأفضل والأسوأ فإنّ علينا إعادة اكتشاف جبل موريا، الذي نودي إبراهيم فيه للتضحية بابنه، كما كان المكان اليومي لعلاقتنا مع الجميع وفي الواقع علاقتنا بكل شيء. إنّ استدعاء هذا المثال وكل مقوماته ليس دعوة للعودة إلى الدين في حد ذاته. بدلا من ذلك، فإنّه يعني البدء في مشروع مستمر، كما بيّن دريدا بشكل مقنع، ينطوي على ”ازدواجية” الله الذي ليس توحيديا ولا إلحاديا، ولكن يكمن في مصدر كل خطاب واعٍ حول المسؤولية.

أثير أيضا قضية طرحت للمرة الأولى في “الفلسفة والعودة إلى الدين، ومسألة ما إذا كان المفهوم والافتراض المسبق وعمّا إذا كان ”الممكن” -من الجواز، ومن الإمكان، وبالتالي من جميع المعضلات داخل شروط إمكان الموصوف بالتعالي -غير كاف للتفصيل على هذا الشرح وغير كاف لعرض الأخلاقي على نقيضه. أزعم أن الأمر ليس كذلك. على الرغم من أن هذا الفصل، يبدأ من مناقشة مفهوم العنف كما صاغه ليفيناسوفايل، فإنّه يدور حول تحليل دريدا ”لاستحالة ” ”الإمكانية” القصوى ذلك أن هيدغرفي الكينونة والزمان، يعادلها بالموت –موت الشخص نفسه-وحده. عند هذه النقطة أعود إلى استنتاجات مناقشاتي السابقة في Sauf le nom وApories. يقدم دريدا هذه الفكرة أيضا في سياق مناقشة لبنيامين نقد العنف الذي سأنتقل إليه في الفصل الثالث: ” إن التفكيكيات الأكثر صرامة لم تدّع أبدا أن تكون . . . ممكنة. وأود أن أقول إن التفكيكية لا تخسر شيئا في الاعتراف بأنه مستحيل… بالنسبة لعملية تفكيكية فإنّ الإمكان سيكون بالأحرى خطرًا، خطرٌ في أن تصبح مجموعة متاحة من الإجراءات التي تحكمها قواعد وأساليب ومقاربات سهلة. إنّ مصلحة التفكيكية. . . تجربة معينة للمستحيل” (قوة القانون 981).

وما ينبغي أخذه في عين الاعتبار أيضا من بين جميع الإمكانات هو ما يسميه كيركيغارد، في المرض حتى الموت-نص أثّر من نواحٍ أخرى بعمق في تفكير هيدغر، في محاضرات سنوات 1920-1921 التي تقدم لظاهراتية الدين-“الضرورة”، يقولكيركيغارد  ”الإمكانية والرغبة ضروريتان بنفس القدر للكينونة (ومهمة الذات أن تكون نفسها في الحرية) … ذات لا تعرف اليأس، و في حل من الضرورة “[10].

وبمقتضى الحال، فإنّ الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الضرورة عند أنانكي* من La Nécessité، ومن ظاهرة معينة (بالمعنى الكانطي للكلمة)، ومن الآلة، ومن التقنية، ومن حضورية معينة، وطبيعانية، وهلم جرا. ولعل التكرار، والتحقق وأوراق الثبوتية يجب أن تكون موجودة التحقق، وصحة المستندات ليس فقط في إعادة التأكيد على القدرة القصوى للذات (الحرية والاستقلالية، وتقرير المصير، والخصوصية، والأشياء التي لا يمكن استبدالها، وأن يكون قبالة موت شخص ما)، ولكن أيضا في علاقة الآخر مع الآخر، ليستشهد بأكثر غاية مهمة تشغل كانط، هيدغر، وليفيناس. ربما أنه يحتوي كثيرا على الأقل -طبعا من الحاجة-قدر من الوزن الموجود هناك بالفعل، وهذا يعني، من التعثر، والانحراف، والفساد، وبعض الاختلاط بالوثنية، وباختصار ما هو آخر أكثر من الآخر -أو أيضا-وعلى الرغم من ذلك فإنه ينتمي أساسا (لا محالة، وبالضرورة) له ويشكل جزءا لا يتجزأ من التجربة الخالصة، أي تجربة واختبار الحرية. هذا الإذعان المزدوج -أو التأكيد المضاعف-صريح في نصوص كانط، هيدغر، وليفيناس؛ وأعتبر أن تحليلها المتسق هو الموضوع الرئيسي الذي يخترق عمل دريدا بأكمله.

وسأناقش في الفصل الثالث، فكرة الخطاب الروحي كما صوره ميشيل دي سيرتو في خرافة التصوف La Fable mystique، وهي دراسة متعددة التخصصات من بعض خصائص الروحانيات الرئيسية في القرنين السادس عشر والسابع عشر. الذي اكتمل جزؤه الأول فقط، ونشر في 1982. وأزعم أن هذا النص يجب أن يفسر على أنه إحباط لإعادة صياغة-دريداللمسلمة الروحية عند مونتانييه، وباسكال، وبنيامين. وبذلك يكشف عن القوة الكاملة لحجة دريدا، ولكن –بغرض تحديده-أيضا يسلط الضوء على إعادة تقييمه غير المتوقع لعنف مبرر وأخلاقي سياسي معين، وإرهاب ديني، يبيَّنُ على سبيل المثال، في الاقتباس من كتاب جويس Finnegans Wake الذي تمعّنه دريدابعمق في Ulysse gramophone: ”إنه يحارب”[11].

إنّ تفسير هذا الشكل من الغضب الإلهي مقابل خلفية عمل دي سيرتو حول الروحاني والسياسي يؤكد الانسجام الضمني بين كتابات دريدا حول المؤسسة والجامعة ووسائل الإعلام، والفاعلية، وحول مسألة العنف في جميع تداعياته المختلفة. ويعزز هذا الانطباع ما جاء في جزء من المنشورات بعد وفاة دي سارتو الثقافة بصيغة الجمع La Culture au pluriel وأخذ الكلمة La Prise de parole وكتابات سياسية أخرى[12]. يحتوي الكتاب السابق على “لغة العنف”، وكذلك مقالات عن الجامعة؛ كما تصفه كلمة المترجم على نحو صحيح بأنه ”ميثاق تأسيسي للدراسات الثقافية”[13] وفي قلب المجموعة الأخيرة تقف إعادة تقييم معنى ومضمون الدين في الانتقال من نظام مخصوص من الاعتقاد إلى أداء خطابي قوي -بعنف غير عنيف-، وهو ”الخطاب الصوفي” الذي بدأنا الآن نفهم بعمق آثاره السياسية والثقافية. لاستدعاء النموذج المقترح من قبل هذه الكتابات على لا تعتبر ”التغايرية” سوى جزء من الحركة داخل القضية. والذي يتوسط بالتساوي هذا الخطاب الأدائي والصوفي هو تقريبا تحصيل حاصل. وبعد حصر التأثير الذي لا لبس فيه لدى سيرتو في احتجاج دريدا حول المسلمة الصوفية، فإنّي أبين عبارة دريدا “كل آخر هو آخر” التي وقع شرحها في الفصل السابق، لتحمل على التحليلات التاريخية والمنهجية لخرافة التصوف La Fable mystique. على كلّ فمن أجل القيام بذلك، فإننا بحاجة إلى التراجع عن المرور عبر المؤلف الذي لعمله أهمية كبيرة في فهمنا للاهوت السياسي، وخاصة العلاقة بين الدين والعنف.

ولذلك يبدأ الفصل الثالث، بالتركيز على عناصر في كتابات كارل شميت تعتبر ضرورية لفهم مؤلفات بنيامين. ومن شأن هذه الاستطرادات أن تساعدنا على العودة بإيجاز لكانط. وبعد إعادة النظر في مفهوم شميت للسياسي والشر في الطبيعة البشرية، وللسيادة، وللمعجزة، فإنّي سأركّز على مقالين من مقالات بنيامين الرئيسية، التي كرّسها لمشكلة الترجمة فيما يتعلق بالمقدس: “حول اللغة بعامة وحول لغة الإنسان”، و”مهمة المترجم”.

سنرى أنّ الترجمة، تشكل بحد ذاتها الفعل التأويلي، والابتكار، والتفاوض – وليس، كما يقال، وساطة أو تطبيق، هي مفاهيم جدلية جدا وتأويلية في تذوق بنيامين ودريدا – للانهائية وتطرف القانون في السياقات العينية للكثير من القوانين الضرورية للمنع والرّدع. إنّ احترام الاختلاف الثقافي والحاجة (لم أجد كلمة أفضل من الحاجة) للاندماج تجتمع هنا في مسألة التجسيد، والتمثيل، وبالتالي الترجمة[14]. فبناء برج بابل، الذي نوقش في كتاب دريدا برج بابل وفي بعض كتاباته الأخرى، يعبر، في ما يبدو، عن الصورة التي تعكس تماما مخاطر هذا المشروع.

تحضّر دراستي لهذه النصوص لتأويل أشكال غريبة أخرى للديني تبنّاهادريدا: فالمسلمة الصوفية تؤسس وتقوض أو تقاطع مثل ما يفعل الطابع المفارقي، أو بالأحرى، المتناقض لسلطة القانون القضائي. هذه الفكرة لا علاقة لها بفكرة إثبات العدالة التي وضعها ليفيناس. بالاعتماد على مؤلف دي سيرتو المحوري حول خرافة التصوف La Fable mystique، فإنّي أزعم أن هذا الافتراض في بنيته العميقة ليس مُرتَكَزًا معرفيا أو قيميا كشيء يشبه الأداء المطلق، مثل بنية التوجّه التي تسم كل صلاة حقيقية أو مثل الوعد والشهادة، أو هدية. هذه الهدية، هدية الهدية -إعطاء الهدية فضلا عن الهدية في العطاء-، تفوق وتتجاوز كل تبادل اقتصادي في أوسع معانيه. إنّ فكرة وجود مسلمة صوفية ليست مجرد بناء نظري ولا مجرد افتراض، بل على علاقة بالمسائل الأخلاقية السياسية المركزية، كما يوضحدريدافي تعقيبه المتذبذبعلى “نقد العنف”لبنيامين في قوة القانون وكما في مساءلتهلمارسيل ماوسفي هبة الوقت Donner le temps (Given Time) وهو نص يعود في صفحاته الأخيرة لمشكلة الشر الجذري عند كانط.

إنّ أشكال المسلمة الصوفية والهدية تؤكد أن إعادة تقييم دريدا للتقليد الفلسفي -وتوجهه إلى الدين من أجل استخلاص ما يغفل عنه أو يسكت عنه هذا التقليد– يبقى ممارسة فردية أو فعل إثبات وإعادة إثبات. كما أنّ أي تحليل معقول للتقارب بين فكرة الاختلاف والفكرة التي رسخها أسلوب الدحض التقليدي يفرض أن نعيد الاعتبار لمساءلة الدحض الجدلي وغير الجدلي في جميع نصوص دريدا. ويتعين على مثل هذا التحليل أن يناقش ما، في كتاباته الأخيرة، والسابقة، وإعادة مراجعاته، وإعادة مناقشاته للسلبية بصفة غير مباشرة، أو في أكثر الأحيان بشكل واضح من مصطلحات دينية. ليس هذا هو دحض الدحض -أي الإثبات بالمعنى المنطقي الشائع والكلاسيكي والرسمي للكلمة. بدلا من ذلك، فإننا نتعامل أكثر مع الأصل أو بأصالة مع مصطلح “الإثبات” مما يعني، مع المسلمات غير التأسيسية التي لا تعرف الثبات والصرامة، أو الانغلاق (كل الدلالات تجمع أنّ دريدايرتكز على تأكيد فرنسي، يربطه بفضفاضة مع الفعل التفكيكي للصرامة وللانغلاق.

ومن الأمثلة على ذلك، يشير دريدافي ”كيف نتجنب الحديث” وفي الروح De l’esprit (Of Spirit) أنّه يمكن أن يوجد في عدة أشكال الهرطقة اليهودية والمسيحية والتصوف العربي، وكذلك في فكر هيدغر حول ”اللاشيء” في ما هي الميتافيزيقا؟ وفي ماهية اللغة وعن الطريق إلى اللغة Unterwegs zur Sprache (On the Way towards Language). ويؤشر هيدغر في كل هذه الكتابات على ضرب من الصفاء الذهني والتحرر من (أو الإعفاء من) تقليد الفكر التمثيلي للميتافيزيقيا في تأسيسها الفوق لاهوتي. وقد وردت هذه الإشارة، فيما أعتقد، في الفلسفة والعودة إلى الدين، وقد تجلت بالفعل في محاضرات هيدغر الباكرة حول القديس بولس والقديس أوغسطينوس. لكن هيدغر يترجم على الفور تقريبا هذا الحافز والدافع في “منطق الافتراض” (بحسب مفارقة دريدا) الذي يثبّت حماسة وارتباك الإشارة الأصلية ويحشرها قبل أن تتحول إلى أساس ممكن أنطولوجيا –ميتافيزيقيا- يمكن تفكيك تصميمه (الذي ينتمي إلى الفكر المتعالي الكلاسيكي والحديث) بأكثر من طريقة.

وسأناقش في الفصل الأخير من هذا الكتاب، أفكار دريدا على حسن الضيافة والصداقة في كتابات ليفيناس، ومرة أخرى، كانط. واستنادا إلى الحجج المقدمة في كتاب وداعا إيمانويل ليفيناسوفي كتاب سياسات الصداقة، فإنّي أقترح أن كلا من هذه المفاهيم هي بدائل غير مرادفة للانفتاح على الآخر. في النمط التاريخي والسياسي المعاصر –وربما في أوقات ستأتي-فإنّ الدين، بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح الذي حددناه أعلاه، لا يزال، أو سيكون مرة أخرى المثال المميز لهذا الانفتاح، وبالتالي ترحيب حتمي لانفتاح الأفضل والأسوأ. ولا تعبر حقيقة الدين هذه عن جزء من الحقيقة الميتافيزيقية ذات الصلة بمفهومي حسن الضيافة والصداقة، كما لو كانا في جوهرهما -أو حتى في معناهما الأصلي والصحيح- قابلين لأن يفهما دينيا أو لاهوتيا. وعلى العكس من ذلك، فإن ترابطهما هو قبل كل ما هو ذرائعي، يتأسس على انجذاب منتخب تاريخيا وتشابه بنيوي، وهذا الشيء قد يصمد يوما من الأيام (مرة أخرى.

وستظهر هنا أهمية الديني مرة أخرى في مناقشة بضع الفقرات المدهشة من مؤلف كانط، في ميتافيزيقيا الأخلاق والأنثروبولوجيا من وجهة نظر براغماتية. يأخذ دريدا هذين الملحقين ”مادي” و ”دغمائي” حسب تعبير كانط الخاص إلى النقود ويعطيهما مكانة هامة في مناقشاته الصداقة، جنبا إلى جنب مع السياسة الفعلية ومثل السياسات الكونية غير المكتشفة بعد والديمقراطية التي ستأتي. وهذه الأشكال النهائية سوف تمكننا من العودة إلى الموضوعات الرئيسية في الفصل الأول: سؤال المؤسسة، -أو، بالأحرى المؤسسات-، والفلسفة، والجامعة، وبنجاح جميع الأمكنة الأخرى.

واستئنافا لتساؤلنا المحوري، لنا أن نتساءل ما معنى تحتذي فكرة حسن الضيافة الرئيسية وممارستها (الصداقة، الكوسموسياسية، الديمقراطية، ووظائفها المتساوية)، في قراءة دريدا لهذه النصوص، حذو النعل بالنعل مع الدافع إلى العداء والانشغال به. وبعبارة أخرى، يبدو أن فكرة الصداقة الحقيقية وتجربتها تبدو أنها تتعايش مع نوع من العنف النظري والواقعي الذي ينبغي على هذه الفلسفة المتحررة من كل أخلاقية ومثالية، أن تجتهد في ألا تطمسه أو تغض عنه الطرف.

أعتقد أنّ أكثر ما يثير الاهتمام في حجة دريدا هو ما ستخلصه من قراءته المتجددة لكتاب ليفيناس الكلّية واللامتناهي انطلاقا من بنية قصدية تتجه صوب الدين -دين معلن رسميا ويحدد كعلاقة بآخر غير منغلق على ذاته كلّيا- وهو الأكثر وضوحا في التحليلات المكرسة لمنطق حسن الضيافة في كتاب وداعا إيمانويل ليفيناس. يبيّن دريدا أنّ ما يتأصل في بنية أي ترحيب، هو ترحيب ثانٍ يهدد إمكانية الترحيب الأول. هذا التشوه، أو بالأحرى، ”التشويه” – بقطع النظر عن حدوثه الفعلي والواقعي أو الإمبيريقي-ليس مجرد حادث، ولكن جزء من ماهية الظاهرة وبنية الظاهرة كما تظهر على نحو ما هي عليه. ومرة أخرى يكون تجنب إمكانية حدوث الأسوأ شرط تحقيق الأفضل.

ومن المفارقات، أنّ هذا هو السبب في ألا يكون هناك شيء من قبيل تجربة أو معنى أوّليّا في ذاته.  اجتهد ليفيناس دائما من أجل اثبات العكس في كتاب الكلية واللامتناهي، رغم أنه راجع مؤخرا وجهات نظره جذريا، خاصة في ردوده على أسئلة دريدا الملحة في ”العنف والميتافيزيقيا”[15]. كما لا يمكن أن تكون هناك عملية بسيطة، غير مشوشة، ومتسقة لتأسيس، واشتراط، أو جعل أي تجربة من هذا القبيل ممكنة. وتظل بنية هذا الإمكان (أي الوحي، التجلي ولكن أيضا المسيانية والمسيحانية) مشروطة، وبالتالي بطريقة ما يصبح ممكنا-حدثا (الوحي، والرؤيا، والمسيانيات، والـكايروس، وما إلى ذلك) يجعل ذلك ممكنا في المقام الأول فيما يبدو. وما يفترض أن يأتي أولا، يأتي في الواقع وبحكم القانون في وقت لاحق، والعكس بالعكس.

وليست مجموعة المسائل التي نوقشت في هذا الفصل وحدها هي التي اضطرتنا إلى العودة مرة أخرى إلى تأثير بنيامين الحاسم الذي تعرضنا له آنفا – وإنما دراسات كارل شميت خاصة في اللاهوت السياسي-، هي بدورها اضطرتنا إلى العودة إلى بعض اللحظات المحورية التي مرّت في صمت في مناقشة الفصل الأول لكانط. وسأختم بسؤال: كيف، تشكلت فكرة كانط الرئيسية حول الكوسموسياسية (والميكرو-اجتماعي، وحول الصداقة) في ضوء المباني والحجج التي اعتمدها. ما عسى الكوسموسياسية أن تفعل في مواجهة خلفية العودة إلى الدين ضمنا وعلنا والعلاقة الجوهرية لـ(مشكلة) العنف، والإرهاب الديني الذي تشكل بنيته وأشكاله الهامة فكرتنا الرئيسية؟

الجزء الختامي من الكتاب يلفُّ الحجة، ويرسم بعض آثار مهمة الفلسفة عند تقاطع الدراسات المعاصرة لمقارنة الأديان، والنظرية السياسية، والتحليل الثقافي. إنّ التصدي للعنف في علاقة بالبرهان لا يتطلب أقل من المساءلة المتواصلة للمفاهيم والاستراتيجيات الجدلية، والأدوات البلاغية، والحدوس المركزية في مفترق الطرق بين قواعد السلوك المؤسسية التي تسهم في فهم هذه الظواهر. لا يمكن لهذا المؤلف أن يطمح إلى أكثر من وضع بعض الافتراضات التوجيهية التي يمكن أن توجه وتلهم تحقيقا مثل هذا. بهذا المعنى، فإن ما سيأتي، على الرغم من طوله وتفصيله، لا يزال مجرد مشروع في كثير من النواحي ولا يقدم أيّ نتائج وإنما يكتفي بصياغة المقدمات النقدية والافتتاحية التي يتعين القيام بها.


[1] إن هذه السمة الصورية للدين التي يقول بها ليفيناستبدو من الناحية التاريخية محدودة جدا وتحتاج إلى مزيد التوضيح، أنظر،

Jonathan Z. Smith,” Religion, Religious, Religions,” in Critical Terms for Religious Studies, ed. Mark C. Taylor (Chicago: University of Chicago Press, 1998).

[2]مع بعض الاستثناءات، أنظر،

Ronald F. Thiemann, Religion in Public Life: A Dilemma for Democracy (Washington: Georgetown University Press, 1996);

لمزيد التوسع أنظر مساهمات

Paul J. Weithman, ed., Religion and Contemporary Liberalism (Notre Dame: University of Notre Dame Press, 1997); and Veit Bader, “Religious Pluralism: Secularism or Priority for Democracy?, “Political Theory 27, no. 5 (1999): 597–633.

انظر أيضا

Jose Casanova, Public Religions in the Modern World (Chicago: University of Chicago Press, 1994),

بما في ذلك الدراسات الإمبيريقية في

Heiner Bielefeldt and Wilhelm Heitmeyer, eds., Politisierte Religion: Ursachen und Erscheinungsformen des modernen Fundamentalismus (Frankfurt a. M.: Suhrkamp, 1998).

[3] Stanley Cavell, The Claim of Reason: Wittgenstein, Skepticism, Morality, and Tragedy (New York: Oxford University Press, 1979), 455.

انظر أيضا،

Arnold I. Davidson, “Religion and the Distortions of Human Reason: On Kant’s Religion within the Limits of Reason Alone,” in Pursuits of Reason: Essays in Honor of Stanley Cavell, ed. Ted Cohen, Paul Guyer, and Hilary Putnam (Lubbock: Texas Tech University Press, 1993), 67.

[4]Hent de Vries, ‘‘In Media Res,’’ in Religion and Media, ed. Hent de Vries and Samuel Weber (Stanford: Stanford University Press, 2001). On Derrida’s ‘‘Faith and Knowledge,’’

انظر أيضا مقدمتي لـ: Philosophy and the Turn to Religion.

[5] تستعيد حنة أرنت عبارة “النقد الرابع”، لكنها ترفضها في بداية

Lectures on Kant’s Political Philosophy, ed. Ronald Beiner (Chicago: University of Chicago Press, 1982), 7.

ويُنسب المصطلح إلى

Kurt Borries, Kant als Politiker : Zur Staats- und Gesellschaftslehre des Kritizismus (Leipzig, 1928).

[6] J. L. Austin, How to Do Things with Words, 2d ed., J. O. Urmson and Marina Sbisa, eds. (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1994; orig. pub. 1962); Stanley Cavell, A Pitch of Philosophy: Autobiographical Exercises (Cambridge, Mass.: Harvard University Press 1994), chap. 2; Judith Butler, Excitable Speech: A Politics of the Performative (New York: Routledge, 1997).

[7]Jacques Derrida, ‘‘Declarations d’Independance,’’ in Otobiographies: L’Enseignement de Nietzsche et la politique du nom propre (Paris: Galilee, 1984); ‘‘Declarations of Independence,’’ trans. Thomas Keenan and Thomas Pepper, New Political Science 15 (1986): 7–15.

[8] استقيت هذه الصيغ من كل من،

Will Kymlicka, Multicultural Citizenship: A Liberal Theory of Minority Rights (Oxford: Clarendon Press, 1995), John Rawls, The Law of Peoples (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1999).

وسأعود إلى هذين المفكرين في الفصول اللاحقة.

[9]Charles Taylor, ‘‘The Politics of Recognition,’’ in Multiculturalism and ‘‘The Politics of Recognition,’’ ed. Amy Gutmann (Princeton: Princeton University Press, 1992), and in Charles Taylor, Philosophical Arguments (Cambridge: Harvard University Press, 1995).

وأنظر أيضا ‘‘Liberal Politics and the Public Sphere.’’

بينما توفر مقالات تايلور سياقا لمناقشة الرهانات الفلسفية المتضمنة في سياسة الاعتراف، ينبغي علينا من حيث المبدأ التمعن التام في الانتقادات العديدة التي عرفها موقفه من قبل عدد كبير من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، والنقاد في مجال الثقافة وأخص بالذكر منهم كوامي أنتوني أبيا، يورغن هابرماس، وإيمي غوتمان. وتتنزل إعادة النظر في الفضاء العمومي وتحدي التعددية الثقافية والعولمة في المشروع الحديث لليبرالية السياسية لسيلا بن حبيب، كريستين م. كورسغارد، ويل كمليكا، جون رولز، ريتشارد رورتي، وكورنيل ويست، في هذا السياق أيضا. انظر كذلك

Werner Hamacher, ‘‘One 2 Many Multiculturalisms,’’ in Violence, Identity, and Self-Determination, ed. Hent de Vries and Samuel Weber (Stanford: Stanford University Press, 1997).

[10] Kierkegaard, The Sickness unto Death: A Christian Psychological Exposition for Upbuilding and Awakening, ed. and trans. Howard V. Hong and Edna H. Hong, Kierkegaard’s Writings, vol. 9 (Princeton : Princeton University Press, 1982), 35. For an extensive discussion of Heidegger’s lecture course Einleitung in die Phanomenologie de Religion (Introduction into the Phenomenology of Religion), see my Philosophy and the Turn to Religion, chap. 2

* أنانكي بالإغريقية تعني الحتمية وتجسد في الميثولوجيا الإغريقية القدر. تظهر في الأعمال التراجيدية كأعلى سلطة وكمهيمنة على الآلهة. أما في ثيوغونية الأورفكريين حيث تقارن أنانكي بأدراستايا (التي لا يمكن تجنبها / القدر) فهي إلهة البداية وأنها هي من خلقت مع كرونوس (الزمن) أيثر وكاوس وايريبوس، وتعد أيضا زوجة ديميوورغ Demiurg إله الخَلْقْ وأم هايمارميني Heimarmene إلهة القدر الذي لا يمكن تغييره. أما عند أفلاطون فهي أم المويرائيات Moirae (مجموعة من آلهات القدر)، ويعدها إحدى قوى الخلق الأولى أما في الميثولوجيا الرومانية فقد أطلق على أنانكي اسم Necessitas.

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%83%D9%8A.

[11] Jacques Derrida, Ulysse gramophone : Deux mots pour Joyce (Paris : Galilee, 1987); ‘‘Two Words for Joyce,’’ trans. Geoffrey Bennington, in Post-Structuralist Joyce: Essays fromthe French, ed. Derek Attridge and Daniel Ferrer (Cambridge: Cambridge University Press, 1982); ‘‘Ulysses Gramophone: Hear Say Yes in Joyce,’’ trans. Tina Kendall, in Acts of Literature, ed. Derek Attridge (London: Routledge, 1992).

[12] Michel de Certeau, La Culture au pluriel, ed. Luce Giard (Paris : Seuil, 1994) / Culture in the Plural, trans. Tom Conley (Minneapolis : University of Minnesota Press, 1997); La Prise de parole, et autres ecrits politiques, ed. Luce Giard (Paris: Editions du Seuil, 1994) / The Capture of Speech and Other Political Writings, trans. Tom Conley (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1997).

[13] De Certeau, Cultural in the plural, p145.

[14] Jacques Derrida, Sur parole : Instantanées philosophiques (Paris : L’Aube, 1999), 73–74.

[15]Jacques Derrida, ‘‘Violence et métaphysique,’’ in L’Ecriture et la différance (Paris : Seuil, 1967) / ‘‘Violence and Metaphysics,’’ in Writing and Difference, trans. Alan Bass (Chicago : University of Chicago Press, 1987).

لقد صار هذا المقال كلاسيكيا بأتم معنى الكلمة وقد كان له الأثر العميق في ليفيناس في بداياته بيد أن حجته تذهب عموما أبعد من ذلك بكثير، لقد وضع الأساس الذي ستقوم عليه كل المناقشات المستقبلية بشأن هذه المسائل.