مجلة حكمة
الدين عند ابن ميمون

الدين عند ابن ميمون: الغرض من الدين والميثولجيا – كينيث سيسكين


  • مقدمة

كان من الواضح أن تصور الدين عند ابن ميمون لم يكن من النوع العادي. وقد أدرك أن المرء عندما يتعرض لقصص الكتاب القدس وطقوس الصلاة اليومية لأول مرة سوف يحتاج لوصف متجسد للإله ووعود بثواب مادي منه. كما أشار لذلك مرارا وتكرارا، فالتوراة تتحدث بلغة العامة من الناس. وإلا لما لقيت هذه الجاذبية بينهم. لكن ابـن ميمون استمر مصرّا على أن الغرض من الدين هو الوصول لنقطة تكون فيها تلك الأشياء أقل أهمية ويمكن التغلب عليها.

.

  • الدين عند ابن ميمون

لنأخذ القليل من الأمثلة، على سبيل المثال، يشير الكتاب المقدس غالبا إلى أن النبي أو “في حالة واحدة أكبر شيوخ بني إسرائيل” قد رأى الإله (e.g., Exodus 24:10, Numbers 12:8, Isaiah 6:1–3, Ezekiel 1:26–29). يواصل ابن ميمون بقوله إن الرؤية كانت ذهنية بدلا من بصرية، تماما مثلما يرى المرء طريقه للخروج من مشكلة عويصة.

وعلى هذا القياس، عندما يوصف الإله بأنه قريب أو الأقرب فإن الكتاب المقدس لا يتحدث عن قرب مادي بل إدراك ذهني- كما يقول العلماء عندما يقتربون من اكتشاف علاج لمرض معين (GP 1.18). العديد من المواضع التي تشير التوراة فيها إلى أن الإله تكلم للنبي، لا تلمح إلى أنه يملك حبالا صوتية تخرج صوتا، بل أن النبي قد توصل لفهم ما يريده الإله (GP 1.65). بطريقة أكثر تعقيدا، يشير حلم يعقوب إلى الهيكل الهرمي للعالم المادي، ويقدم الطريق الذي يسلكه الفيلسوف من معرفة العالم الكوني إلى معرفة المحيط والوعي بوجود الإله (GP 1.65).

مرة أخرى يتساءل المرء، هل هذا دين الأنبياء أم دين معقم فلسفيا اخترعه مفكر قرن أوسطي تحت تأثير أرسطو؟ يرد ابن ميمون على ذلك بأنه ليس هنالك من فرق. إن أعلى إنجاز بشري هو كمال العقل (GP 3.27)، وهو مستحيل دون السعي للحقيقة. التوراة مصدر للحقيقة كوثيقة مقدسة. بينما الحقائق التي وردت في الكتاب المقدس ربما لا تكون ظاهرة على الدوام، فنحن نعلم من حيث المبدأ أنها موجودة إذا سعى المرء إلى البحث عنها بشكل عميق. يترتب على ذلك، أن المرء حينما ينسب للكتاب المقدس مذهبا غاية في الزيف والكذب، مثل الادعاء بتجسد الإله، فالتفسير خاطئ مهما بدا مباشرا وبسيطا. هل على المعرفة الإنسانية أن تتقدم وتأتي ببراهين كانت تفتقر لها، حينها لن يكون لنا خيار إلا العودة للكتاب المقدس وتغيير تفسيرنا لنضعها في الحسبان (GP 3.27)، ماعدا ذلك لن يكون صدقا فكريا.

أين يأخذنا ذلك؟ إلى (حكاية القصر) (GP 3.51). حين يصف ابن ميمون الشخص الذي دخل السكن الداخلي للملك كالتالي:

هو… من حقق البرهان إلى درجة أن أي شيء قابل لأن يشرح: وهو من تحقق في المسائل الإلهية إلى درجة أن جعل أي شيء يمكن التحقق منه، وهو من اقترب إلى اليقين في تلك المسائل التي لا يقترب منها سواه…

وهذا ليس بإنجاز فكري في رأي ابن ميمون، بل وإنجاز روحي أيضا. وهو الهدف الذي أشارت إليه جميع وصايا التوراة. ليس هنالك شعور رضا يمكن أن يلحق ذلك، لكن لا شأن له هنا برضا الحاجات المادية أو “النشوة” كما يفهم عادة.