مجلة حكمة
مفهوم الشر

مفهوم الشر – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: أنس إبراهيم


حول مفهوم الشر وهجوم فريدريك نيتشه عليه، وتاريخ نظريات الشر ومستقبلها المحتمل؛ نص مترجم لد. تود كالدر، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


منذ الحرب العالمية الثانية واهتمام الفلاسفة القانونيين، السياسيين والأخلاقيين في تصاعد متزايد بمفهوم بالشر. كان هذا الاهتمام مدفوعا من قبل العامة، العلماء الاجتماعيين، الصحفيين والسياسيين الذين عزو إلى “الشر” مختلف الفظائع والأهوال التي حاولوا فهمها والاستجابة لها كالإبادات الجماعية، الهجمات الإرهابية، القتلة الجماعيين، ونوبات القتل والتعذيب من قبل القتلة المتسلسلين المعتلّين نفسياً. ويبدو أننا لا نستطيع القبض على الوزن الأخلاقي لهذه الأفعال ولمرتكبيها بوصفهم بـ”الخطأ”، أو “السيء”، أو حتى “خطأ جدا جدا”، أو “سيء جدا جدا”؛ نحتاج مفهوم الشر .

ولتجنب الالتباس؛ لا بد من الإشارة إلى أن ثمة، على الأقل، مفهومان للشر: مفهوم عريض وآخر ضيق. يستوعب المفهوم العريض أي ظرف سيء، فعل خاطئ أو عيب في الشخصية. يكون وجع الأسنان شرا بالمفهوم العريض كالكذبة البيضاء. قُسّم الشر بمعناه العريض إلى فئتين: الشر الطبيعي والشر الأخلاقي. الشرور الطبيعية تلك التي لا تتمخض عن نوايا أو إهمال الفاعلين الأخلاقيين؛ كالإعصارات أو وجع الأسنان كأمثلة على الشرور الطبيعية. في المقابل، تتمخض الشرور الأخلاقية عن نوايا أو إهمال الفاعلين الأخلاقيين؛ كالقتل والكذب كأمثلة على الشرور الأخلاقية.

يميل الشر بمعناه العريض، والذي يتضمن كل الشرور الطبيعية والأخلاقية، إلى أن يكون ذاك النوع من الشر المشار إليه في السياقات اللاهوتية، كما في نقاش مشكلة الشر. مشكلة الشر هي مشكلة تفسير الشر في عالم خلق من قبل إله كلي القدرة، كلي المعرفة وكلي الخير. لأنه يبدو لو أن خالقاً يملك هذه الصفات فلن يكون هناك شر في العالم، ولكن هنالك شر في العالم. وعليه، يكون ثمة سبب للاعتقاد بأن إلهاً كلي القدرة، كلي المعرفة وكلي الخير لا يوجد.

على النقيض من الشر بمفهومه العريض، يستوعب الشر بمفهومه الضيق فقط أكثر أنواع الأفعال، الشخصيات والوقائع.. إلخ، فظاعة. كما يقول ماركوس سنغر: “الشر [بهذا المعنى]… أسوأ مصطلح للسوءة يمكن تصوره” (Singer 2004, 185). وبما أن مفهوم الشر الضيق ينطوي على إدانة أخلاقية، فإنه يُنسَب فقط وبشكل ملائم للفاعلين الأخلاقيين وأفعالهم. مثلاً، إن كان البشر فقط فاعلين أخلاقيين، فوحدهم البشر يمكنهم ارتكاب أفعال شريرة. والشر بهذا المعنى الضيق هو المقصود غالبا عند استخدام مصطلح “الشر” في السياقات السياسية، الأخلاقية والقانونية المعاصرة. وسيركز هذا المدخل على الشر بمعناه الأضيق، فلن يناقش المدخل الشر بمعناه العريض أو مشكلة الشر بأي درجة مهمة (هذه المواضيع ستناقش مختصرة في القسم 2).

كانت المسائل الأساسية التي نوقشت من قبل الفلاسفة في موضوع الشر هي: هل علينا استخدام مصطلح “الشر” في خطابنا وتفكيرنا القانوني، السياسي والأخلاقي، أم أن الشر مفهوم فارغ، أو عفى عليه الزمن ويجب التخلي عنه؟ ما العلاقة بين الشر ومفاهيم أخلاقية أخرى كالسوء والفعل الخطأ؟ ما الشروط الضرورية الكافية للفعل الشرير؟ ما الشروط الضرورية الكافية للشخصية الشريرة؟ ما العلاقة بين الشخصية الشريرة والفعل الشرير؟ أي أنواع من الأفعال الشريرة والشخصيات يمكن أن توجد؟ ما التحليل الملائم لمفاهيم مشتقة كالعرف الشرير؟

يقدم هذا المدخل نظرة عامة على الإجابات لهذه الأسئلة استنادا إلى الأدبيات.

 

  • شكوكية الشر مقابل إحيائية الشر

  • 1 الشر والخارق للطبيعة

  • 2 الشر والقوة التفسيرية

  • 3 مخاطر “الشر”

  • 3.1 هجوم نيتشه على الشر

  • 4 حجج في صالح مفهوم الشر

  • تاريخ نظريات الشر

  • 1 نظريتا الثنائية والعدم

  • 2 نظرية كانط عن الشر

  • 3 تحليل أرندت للشر

  • نظريات معاصرة عن الفعل الشرير

  • 1 الشر وفعل الخطأ

  • 2 الشر والأذى

  • 3 الشر والدافع

  • 4 الشر والأثر

  • 5 الشر والمسؤولية

  • 5.1 المعتلون نفسيا

  • 5.2 التنشئة السيئة

  • 5.1 الجهل

  • نظريات معاصرة عن الشخصية/ الصفة الشريرة

  • 1 التفسيرات القائمة على الفعل

  • 2 التفسيرات القائمة على الأثر

  • 3 التفسيرات القائمة على الدافع

  • 4 التفسيرات القائمة على الانتظام

  • 5 التفسيرات القائمة على القابلية

  • 6 أطروحات إضافية عن الشخصية الشريرة

  • 6.1 أطروحة الثبات

  • 6.2 أطروحة الاتساق

  • 6.3 أطروحة المرآة

  • الأعراف الشريرة

  • المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مقالات ذات صلة

 

 

  1. إحيائية الشر مقابل شكوكية الشر

يعتقد المتشككون في الشر Evil-Skeptics أن علينا التخلي عن مفهوم الشر . وعلى هذا الرأي؛ يمكننا بدقة أكبر وبخبث أقل فهم ووصف الأفعال الأخلاقية الدنيئة، الشخصيات والوقائع باستخدام مصطلحات أخلاقية أكثر شيوعا كالـسوء Badness والفعل الخطأ Wrongdoing. وعلى النقيض، يعتقد أصحاب النزعة الإحيائية للشر Evil-Revivalist؛ أن لـ مفهوم الشر مكانه في تفكيرنا وخطابنا السياسي والأخلاقي، وعلى هذا الرأي يجب إعادة بعث مفهوم الشر لا التخلي عنه (see Russell 2006 and 2007).

يمكن وصف شخص بالمتشكك في الأخلاق Moral-Skeptic، إن كان يعتقد بضرورة التخلص من الخطاب الأخلاقي كلياً، أو بالعدمي الأخلاقي Moral Nihilist؛ إلا أن شكوكية الشرEvil-Skepticism تختلف في نطاق طرحها؛ إذ يعتقد المتشككون أن مفهوم الشر في حد ذاته هو الإشكالي ويجب التخلص منه بينما تستحق مفاهيم أخلاقية أخرى كالصواب، الخطأ، الجيد Good والسيء Bad، الإبقاء عليها.

يعطي المتشككون في الشر أسبابا ثلاث أساسية للتخلص من مفهوم الشر: (1) انطواءه على التزامات ميتافيزيقية غير مبررة بالأراوح المظلمة، الخارق للطبيعة أو الشيطان؛ (2) يفتقد مفهوم الشر لقوة تفسيرية ما يجعله عقيما، و(3) يمكنه أن يكون ضارا أو خطيرا عند استخدامه في سياقات سياسية، أخلاقية وقانونية ولذلك لا يجب استخدامه في تلك السياقات أو بالمطلق.

 

  • الشر والخارق للطبيعة

غالبا ما يقترن مفهوم الشر بالقوى/ المخلوقات الخارقة للطبيعة، وخصوصا في السياقات الخيالية والدينية. يُفَكر في وحوش الخيال، كمصاصي الدماء، الساحرات والمستذئبين werewolves، كنماذج للشر Paradigms of evil؛ إذ تملك هذه المخلوقات قوى وقدرات تستعصي على التفسير العلمي وربما الفهم البشري. كما أن العديد من الأفلام الرائجة تصور الشر أيضا كنتاج لقوى ظلامية أو مس شيطاني Satanic possession. ونجد إرجاعات مشابهة لقوى ومخلوقات خارقة للطبيعة عند استخدام مصطلح “الشر” في السياقات الدينية. ويعتقد بعض المتشككين في الشر أن المفهوم بالضرورة يحيل إلى أرواح خارقة للطبيعة، قوى ظلامية أو مخلوقات خارقة للطبيعة. ووفقا لهؤلاء المنظرين، فإن لم نكن نؤمن بوجود هذه الأرواح، القوى أو الوحوش، فيجب ألا نستخدم مصطلح “الشر” إلا في سياقات خيالية، إن لم يكن على الإطلاق (انظر/ي: Clendinnen 1999, 79–113; Cole 2006).

يرد إحيائيو الشر بأن مفهوم الشر لا يحتاج إرجاعات لأرواح خارقة للطبيعة، قوى ظلامية أو وحوشا؛ إذ ثمة مفهوم أخلاقي علماني للشر يختلف عن التصورات الخيالية أو الدينية، وهو هذا التصور العلماني للشر الأكثر شيوعا عند استخدام مصطلح “الشر” في سياقات سياسية وأخلاقية (see Garrard 2002, 325; Card 2010, 10–17). يسعى إحيائيو الشر إلى تقديم تحليل معقول للشر يتجنب أي إحالة لأرواح، قوى ظلامية ووحوش خارقة للطبيعة، بل يستوعب كافة الاستعمالات العلمانية لمصطلح “الشر”. ويعتقد إحيائيو الشر أنهم لو تمكنوا من تقديم تحليل معقول للشر لا يحيل لأي خارق للطبيعة، سينجحون في دفاعهم عن مفهوم الشر من الاعتراض بأن توصيفات الشر تتضمن بالضرورة التزامات ميتافيزيقية غير مبررة (انظر/ي القسم 3 و4 للتفسيرات العلمانية للشر).

 

  • الشر والقوة التفسيرية

يجادل بعض المتشككين في الشر بأن علينا نبذ مفهوم الشر لافتقاره قوة تفسيرية وعليه يكون مفهوما بلا جدوى (انظر/ي: e.g., Clendinnen 1999, 79–113; Cole 2006). كان من الممكن أن يملك مفهوم الشر قوة تفسيرية، أو يكون مفيداً تفسيرياً، لو كان قادراً على تفسير أداء أفعال بعينها أو لماذا أديت هذه الأفعال بعينها بوساطة فاعلين Agents معينين بدلا من آخرين. متشككون مثل إنجا كليندينين Inga Clendinnen وفيليب كول Philip Cole يجادلون بأن مفهوم الشر يعجز عن تقديم تفسيرات من هذا النوع ولذلك يجب نبذه.

طبقا لكليندينين، يعجز مفهوم الشر عن تفسير أداء الأفعال لأنه جوهرياً تصنيف إقصائي Dismissive Classification؛ فالقول بأن شخصا أو فعل شرير بمثابة القول بأن ذاك الشخص أو الفعل عصي أو مستغلق على التفسير (انظر/ي: Clendinnen 1999, 81; see also, Pocock 1985). (ويعتقد جويل فاينبيرغ Joel Feinberg (2003) أيضا بأن الأفعال الشرير في أساسها تستعصي على التفسير، ولكنه لا يعتقد أن علينا التخلي عن مفهوم الشر لهذا السبب).

وعلى نحو مماثل يعتقد كول بأن مفهوم الشر عادة ما يوظف عندما نعدم أي تفسير لارتكاب فعل ما. على سبيل المثال؛ قد نتساءل لماذا يُعَذِّبُ ويَقْتُلُ صبيان يبلغان عشر سنوات، روبرت طومبسون وجون فينيرابلز، الطفل ذو العامين جيمس بولغر، بينما صبية آخرون في العمر نفسه، بمواصفات جينية وتنشئة متشابهة يتسببون بقليل من الأذى؟ يعتقد كول أن مفهوم الشر يوظف في هذه الحالات لتوفير التفسير الغائب؛ إلا أن كول يجادل بأن مفهوم الشر لا يقدم تفسيراً أصيلاً في هذه الحالات لأن القول بأن فعلا ما شرير يعني إما أن الفعل نتاج قوى خارقة للطبيعة أو أنه فعل ملغز. لا يقدم القول أن الواقعة نتاج قوى خارقة للطبيعة تفسيراً أصيلاً لأن هذه القوى لا توجد، ولا يقدم القول بأن الواقعة ملغزة تفسيراً أصيلاً، بل الأحرى إشارة إلى أن الواقعة لا يمكن تفسيرها (على الأقل في سياق المعلومات المتوافرة)( 2006, 6–9).

قدم إحيائيو الشر ردودا متعددة على اعتراض أن مفهوم الشر يجب التخلي عنه للاجدواه التفسيرية. أحد الردود الشائعة هو أن مفهوم الشر قد يستحق الإبقاء عليه لأغراض وصفية وإرشادية حتى لو لم يكن نافعا تفسيرياً (Garrard 2002, 323–325; Russell 2009, 268–269).

رد شائع آخر يجادل بأن الشر ليس بأقل نفعا تفسيريا من مفاهيم أخلاقية أخرى كالجيد، السيء، الصواب والخطأ (Garrard 2002, 322–326; Russell 2009, 268–269). ولذلك، فإن توجب علينا التخلي عن مفهوم الشر فعلينا أيضا التخلي عن مفاهيم أخلاقية أخرى.

توضح إيف جيرارد ولوك راسل أيضا أنه حتى وإن لم يتمكن مفهوم الشر من توفير تفسير مكتمل لأداء فعل ما، فإنه يستطيع تقديم تفسير جزئي. على سبيل المثال، تجادل جيرارد بأن الأفعال الشريرة نتاج دافع معين، سنسميه بالدافع E، وعليه، يكون القول بأن فعلا ما فعل شرير يعادل القول أنه نتاج الدافع E، وهذا يقدم تفسيرا جزئيا لماذا ارتكب الفعل.

 

1.3 مخاطر “الشر”

بعض المتشككين في الشر يعتقد أن علينا التخلي عن مفهوم الشر للخطر المحيط باستخدامه أو لكونه نفسه شديد الضرر (See e.g., Cole 2006, 21; Held 2001, 107) ، ولا أحد يمكنه إنكار أن المصطلح “شر”، يمكن أن يكون ضارا أو خطيرا عند إساءة تطبيقه، استخدامه بخبث أو استعماله دون حساسية للسياقات السياسية والتاريخية المعقدة. على سبيل المثال، من المرجح أن وصف الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، للإرهابيين بـ”الآثمين Evildoers”، ولكل من العراق، إيران وكوريا الشمالية بـ”محور الشر The axis of evil”، قد أدى لإساءة معاملة المشتبه بكونهم إرهابيين وصعّب من إمكانية وجود علاقات سلمية بين شعوب وحكومات العراق، إيران وكوريا الشمالية وشعب وحكومة الولايات المتحدة.

ولكن، أعلينا التخلي عن مفهوم الشر لأن إساءة تطبيقه أو استعماله تؤدي إلى ضرر؟ تجادل كلاوديا كارد بأنه “إن كان احتمال إساءة توظيف مصطلح ما أيديولوجيا سببا كافيا للتخلي عن المفهوم، فربما يتوجب علينا التخلي عن كل المفاهيم المعيارية وخاصة “الصواب” و”الخطأ” (Card 2010, 15) وبعد، فإن المتشككين في الشر لا يعتقدون أن علينا التخلي عن كل المفاهيم المعيارية، فلماذا إذن يعتقدون أن علينا التخلي عن مفهوم الشر ؟

قد يجيب متشكك في الشر بأن علينا الإعراض عن مفهوم الشر دوناً عن المفاهيم المعيارية الأخرى لأن مفهوم الشر في حد ذاته ينطوي على خطر وأكثر قابلية للإساءة. يمكننا بيان عدة أسباب تبين كيف أن توصيفات مفهوم الشر أكثر خطورة وضرراً من توصيفات مفاهيم معيارية أخرى كالسوء وسوء التصرف. أولا؛ مذ كان توصيف الشر أعظم أشكال الإدانة الأخلاقية، فعندما نسيء تطبيق مصطلح “الشر” نُخضِعُ شخصا ما لحكم قاس بشكل غير مستحق. وأبعد من ذلك؛ من المعقول الافتراض أن “المجرمين” لا يستحقون فحسب أعظم شكل من أشكال الإدانة الأخلاقية، بل أيضا أعظم شكل من أشكال العقاب، وعليه، لا يَخْضَعُ المجرمون المدانون عن ظلم لأقسى أنواع الحكم بشكل غير مستحق فقط، بل أيضا، قد يُخْضَعُون لأقسى أنواع العقاب غير المستحق أيضا.

ثمة سبب آخر لماذا توصيفات الشر تحديدا قد تكون ضارة أو خطرة يتمثل في انعدام الوضوح الدائم المرافق لاستخدام الناس لمصطلح “الشر”؛ أي كما تقول إيف جيرارد “يدفع الغموض العام المحيط بالمصطلح ببعض المفكرين إلى النفور من التعامل مع فكرة الشر” (Garrard 2002, 322). مثلا، يعتقد البعض أن القول بأن شخصا ما ارتكب فعلا شريرا يوحي بأن ذاك الشخص تصرف بدافع حقد دفين (e.g., Kekes 2005)، في حين يعتقد آخرون أن ارتكاب الشر قد ينشأ عن أنواع مختلفة من الدوافع، حتى الجيد منها (see e.g., Card). وبالنظر إلى حالة الغموض، قد لا يكون واضحا ما إن كان توصيف الشر ينسب سمات نفسية دنيئة للمجرم ومن ثمّ تجلّيه في حكم قاس مبالغ فيه.

وثمة غموض آخر قد يكون أشد ضررا يتعلق بمعنى المصطلح “الشر”. ينظر مثلا إلى المجرمين في بعض التصورات عن الشر بوصفهم ممسوسين، غير بشريين، عنيدون أو يتمتعون بسمات شخصية ثابتة (See Cole 2006, 1–21; Russell 2006, 2010, and 2014; Haybron 2002a and 2002b). تثير هذه الأطروحات الميتافيزيقية والنفسية عن المجرمين الجدل؛ فكثيرون ممن يستخدمون مصطلح “الشر” لا يعنون الإيحاء بأن المجرمين فيهم مس أو غير بشريين، عنيدون أو يتمتعون بسمات شخصية ثابتة، إلا أن آخرين يعنون ذلك. وإن كان المجرمون يمتلكون هذه الصفات، ومن ثم سيستمرون في ارتكاب الأفعال الشريرة مهما فعلنا، فربما يكون الرد الملائم الوحيد في عزلهم عن المجتمع أو إعدامهم. ولكن إن لم يمتلك المجرمين تلك النزعات الثابتة وعوملوا على أساس امتلاكها، فعلى الأرجح أن تساء معاملتهم.

وعليه، بينما توافق أغلبية المنظرين على أن مفهوم الشر قد يكون ضارا أو خطيرا، فثمة خلاف أساسي حول الاستخلاص الواجب استنتاجه من هذه الحقيقة. يعتقد المتشككون في الشر أنه ونظرا للضرر أو الخطر الكامن في مفهوم الشر ، يجب أن نتخلى عنه لصالح مفاهيم أخرى أقل خطرا كالسوء والتصرف الخاطئ. ويعتقد إحيائيو الشر أنه ولأن مفهوم الشر ضار أو خطر، فيجب الاشتغال عليه فلسفيا أكثر لإزالة الغموض وتقليل احتمالية إساءة التوظيف أو الاستخدام. يجادل كل من كارد وكيكيز بأن تجاهل مفهوم الشر أشد خطرا من محاولة فهمه (Card 2002 and 2010; Kekes 1990)، لأننا إن لم نفهم الشر، سنكون غير قادرين على استئصال مصادره، وعليه، لن نتمكن من منع وقوعه في المستقبل.

 

1.3.1 هجوم نيتشه على الشر

يجادل، فريدريك نيتشه، الفيلسوف الألماني في القرن التاسع عشر وأكثر المتشككين في الشر المحتفى بهم، بأن مفهوم الشر يجب التخلص منه لأنه مفهوم خطير. إلا أن أسبابه للتفكير بـ مفهوم الشر بوصفه مفهوما خطرا تختلف عن تلك التي نوقشت أعلاه. يرجع نيتشه خطر مفهوم الشر إلى أثره السلبي على الإمكان البشري والحيوية وذلك من خلال الترويج للضعف في الروح وقمع القوة. في كتابه:”في جينيالوجيا الأخلاق On The Genealogy of Morality: A Polemic، يحاجج نيتشه بأن مفهوم الشر ينشأ عن مشاعر الحسد السلبية، الكراهية والاستياء ( ويستخدم المصطلح الفرنسي ressentiment  الذي يعني سلوكاً يعكس مجمل هذه العناصر). إنه يؤكد أن الضعفاء والعاجزين خَلَقوا مفهوم الشر للانتقام من مضطهديهم؛ إذ يعتقد نيتشه أن مفهومي الشر والخير يساهمان في رؤية غير صحية للحياة تحكم على التخفيف من المعاناة بوصفها أعلى قيمة من تمظهر الذات الخلاقة والإنجاز، ولهذا السبب يعتقد نيتشه أن علينا تجاوز أحكام الخير والشر (Nietzsche 1886 and 1887).

شجع هجوم نيتشه الشكوكي على مفهوم الشر الفلاسفة على تجاهل طبيعة الشر ودلالته الأخلاقية، والتركيز بدلاً من ذلك على الدوافع التي قد يملكها الناس لاستخدام مفهوم “الشر” (Card 2002, 28).

تدافع كلاوديا كارد، في كتابها “أنموذج الفظائع Atrocity Paradigm”؛ ضد شكوكية نيتشه الهجومية على مفهوم الشر (Card 2002, 27–49). ترفض كارد رؤية نيتشه لتوصيفات الشر بوصفها بالكاد شيطنة للأعداء ومؤشر على منظور سلبي ضد الحياة؛ وبدلاً من ذلك، فهي تحاجج بأن الحكم بالشر غالباً ما يعد مؤشراً صحياً على اعتراف المرء بمعاملته معاملة ظالمة. أبعد من ذلك يذهب كل من ديفيد مكنوهتان وإيف جيرارد برفضهم نموذج شكوكية نيتشه والجدال ببغض المساءلة الأخلاقية لتوصيفات ضحايا الجرائم الفظيعة للشر (Garrard and McNaughton 2012, 11–14).

تجادل كارد أيضا أن لدينا سبباً كافياً لمساءلة دوافع الذين يعتقدون بوجوب التخلي عن مفهوم الشر وبالمثل مساءلة دوافع أولئك الذين يستخدمون المفهوم. وتقترح بأن أولئك الراغبين بالتخلي عن مفهوم الشر ربما يكونون أثقلوا بمهمة فهم ومنع الشر وفضلوا بدلاً من ذلك التركيز على المهمة الأقل رعباً وهي مساءلة دوافع من يستخدمون المصطلح (Card 2002, 29). 

 

  • مقولات في صالح مفهوم الشر

البعض يعتقد أن علينا عدم التخلي عن مفهوم الشر لأنه فقط [المفهوم] يمكنه القبض على ثقل أفعال، شخصيات ووقائع التعذيب السادي، القتلة المتسلسلين، هتلر والهولوكست. كما يقول دانيال هايبرون “بادئ صفاتك التوكيدية – كالخطأ أو السيء – بما ما استطعت من “جدا Very”؛ ستظل قاصراً، فقط “الشر”، يبدو مشبعاً” (Haybron 2002b, 260). وطبقاً لهذا النوع من الحجج من الصعب إنكار وجود الشر، وإن كان الشر موجوداً سنكون بحاجة لمفهوم يجسد هذا التطرف اللاأخلاقي. إيف جيرارد وديفيد مكناهتون يجادلان بالمثل بأن مفهوم الشر يقبض على جزء مميز من ظواهرنا الأخلاقية، بالتحديد “حاصل تلك الأفعال الخاطئة والتي تسبب لنا… رعباً أخلاقياً” (Garrard and McNaughton 2012, 13–17).

الحجة الثانية لصالح مفهوم الشر أنه فقط بمواجهة الشر، أو بمعنى آخر، إيضاح طبيعته وأصوله، يمكن أن نأمل منع وقوع الشرور المستقبلية وعيش حياة طيبة (Kekes 1990, Card 2010). وأما الحجة الثالثة للإبقاء على مفهوم الشر تتمثل في أن تصنيف الأفعال والممارسات بوصفها شراً يساعد على تركيز طاقاتنا ومصادرنا المحدودة. فإن كانت أسوأ الأخلاقيات الخاطئة الشريرة منها، يتوجب علينا تفضيل تقليص الشر على تقليص الأفعال الخاطئة الأخرى كانعدام المساواة غير العادل. كارد، مثلا، تعتقد أن منع شرور العنف المنزلي أكثر أهمية من ضمان المساواة في الأجور بين الرجال والنساء في الأعمال المتكافئة (Card 2002, 96–117).

سبب رابع لعدم التخلي عن مفهوم الشر يتمثل في أننا أقدر من خلال تصنيف الأفعال والممارسات بوصفها شراً على وضع حدود للاستجابات المشروعة للشر، وأيضا، بامتلاك فهم أعمق لطبيعة الشر، نكون أقدر على ضمان عدم الاستجابة للشر بشر مماثل (Card 2010, 7–8).

 

  1. تاريخ نظريات الشر

كان ثمة القليل من الأدب الفلسفي الذي يتناول مفهوم الشر بالمعنى الضيق قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن الفلاسفة، ومنذ الأزمان القديمة، نظروا في المعنى العريض لطبيعة وأصول الشر. ورغم أن هذا المدخل يُعنى بالأساس بالشر في معناه الضيق، فثمة إفادة في  مسح تاريخ نظريات الشر بالمعنى العريض نظراً لكونها تشكل الخلفية التي في ضد منها تطورت نظريات الشر بالمعنى الضيق.

 

2.1 نظريتا الثنائية والعدم

بدأ تاريخ نظريات الشر بمحاولة حل مشكلة الشر، بمعنى آخر، محاولات المصالحة ما بين وجود الشر (بالمعنى العريض) ووجود خالق كلي القدرة، كلي المعرفة وكلي الخير. اعترف الفلاسفة واللاهوتيون بأن فهم الشر ضروري لحل مشكلته، أو كما يقول الأفلاطوني الجديد، أفلوطين “أولئك الذين يتحرّون من أين يدخل الشر في الكائنات، أو بالأحرى، إلى نظام الكائنات، يؤسسون أفضل انطلاقة، إن هم وقبل كل شيء أسسوا بدقة لماهية الشر”( Plotinus, Enneads, I, 8, 1).  

إحدى النظريات التي تقدم حلاً لمشكلة الشر هي المانوية الثنائية؛ وفقا للمانوية الثنائية، الكون نتاج معركة مستمرة بين صنوين متكافئين في الخلود والقدرة: الإله وأمير الظلام Prince of Darkness، ومن هذين المبدأين تتبع مواد الشر والخير التي هي في معركة ثابتة على السيادة. يشكل العالم المادي طوراً من أطوار هذه المعركة الكونية حيث قوى الشر تنصب أشراكاً لقوى الخير في المادة. مثلا، يكون الجسد البشري شراً بينما الروح البشرية خير ولا بد لها من تحرير نفسها من الجسد بطاعة صارمة للتعاليم المانوية. يتمثل الحل المانوي لمشكلة الشر بأن الإله ليس مطلق القوة ولا هو الخالق الوحيد للعالم؛ الإله مطلق الخير ويخلق الأشياء الخيرة فقط، ولكنه/ها يعجز عن منع أمير الظلام من خلق الشر (للمزيد عن المانوية، انظر/ي/ي: Coyel 2009 and Lieu 1985).

نُقِدَت المانوية منذ نشأتها لتقديمها القليل من الإسناد التجريبي لعلمها الكوني المبالغ فيه، وثمة مشكلة أخرى تتمثل في أن الموحّد سيصعب عليه قبول أن الإله ليس الخالق الوحيد كلي القدرة. ولهذه الأسباب المؤثرة، رفض الفلاسفة المسيحيين الأوائل، كالقدس أوغسطين، الذي قبل في البداية النظرية المانوية عن الشر، في النهاية رفضها لصالح التصور الأفلاطوني الجديد(انظر/ي Augustine, ConfessionsOn the Morals of the ManichaeansReply to Manichaeus; Burt, Augustine’s World.)

وفقا للأفلاطونيين الجدد؛ لا يوجد الشر كـمادة أو كطبيعة، بل بالأحرى كانعدام للمادة، الشكل والخير (Plotinus, Enneads, I, 8; See also O’Brien 1996). مثلا، يتجسد شر المرض في انعدام الصحة، وشر الخطيئة في انعدام الفضيلة. تقدم الأفلاطونية الجديدة حلاً لمشكلة الشر لأنه إن كان الشر عدم المادة، الشكل أو الخير، فالإله لم  يخلق شراً؛ كل خلق الإله خير ويكون الشر نقص في الكينونة والخير.

ثمة مشكلة في حل نظرية العدم Privation Theory، لمشكلة الشر تتمثل في أنها لا تقدم إلا حلا جزئيا لمشكلة الشر، لأنه حتى وإن كان الإله لا يخلق شراً فلا نزال في ضرورة شرح لماذا يسمح الإله بوجود الشر الناشئ عن العدم (See Calder 2007a; Kane 1980). وثمة مشكلة أكثر أهمية، هي أن نظرية العدم تبدو كأنها تفشل في أن تكون نظرية عن الشر لأنها تفشل في تفسير أنماط بعينها من الشرور. مثلا، لا نستطيع مساواة شر الألم مع انعدام اللذة أو أي شعور آخر. فالألم تجربة ظاهراتية مميزة سيئة بشكل إيجابي لا محض غير جيدة. بشكل مشابه؛ المعذبة السادية ليست فحسب، ليست جيدة كما يمكنها أن تكون، وليست ببساطة، تفتقر للعطف أو التعاطف، بل هي تشتهي معاناة ضحاياها للمتعة، وتلك صفات تملكها لا صفات تفتقرها، وهي، أي صفاتها، سيئة بشكل إيجابي لا محض تعبير عن افتقار للخير (Calder 2007a; Kane 1980. See Anglin and Goetz 1982 and Grant 2015 for replies to these objections).

 

2.2 نظرية كانط عن الشر

كان إيمانويل كانط، في كتابه “الدين في حدود مجرد العقل Religion Within the Limits of Reason Alone”، الأول في طرح نظرية علمانية عن الشر، بكلمات أخرى، نظرية لا تقوم على إحالات لقوى ما فوق طبيعية أو كينونات إلهية ولم يكن وضع النظرية كرد على مشكلة الشر. اهتم كانط في فهم ثلاث حقائق تبدو متعارضة عن الطبيعة البشرية: (1) نحن أحرار بصورة جذرية، (2) بطبيعتنا نميل إلى الخير، (3) بطبيعتنا نميل إلى الشر.

كان لأفكار كانط عن الشر والأخلاق تأثير هام على فلاسفة لاحقين كتبوا عن طبيعة الشر كحنة أرندت، كلاوديا كارد وريتشارد بيرنشتاين؛ ولكن معظم المنظرين يعترفون بأن نظرية كانط مخيبة للآمال كنظرية عن الشر بالمعنى الضيق لأنها لا تختار فقط أسوأ أنواع الأفعال والشخصيات (See, e.g., Card 2010, 37) ، ويساوي كانط بدلا من ذلك الشر بإرادة غير خيرة تماما.

وفقا لكانط؛ نملك إرادة خيرة فقط إن اخترنا أن نؤدي أفعالا صائبة أخلاقيّاً لأنها صائبة أخلاقياً (Kant 1785, 4: 393–4:397; Kant 1793, Bk I). أي شخص لا يملك إرادة خيرة أخلاقياً، في رؤية كانط، يملك إرادة شريرة؛ وثمة درجات ثلاث من الشر والتي يمكن رؤيتها كنسق الشر المتصاعد الدال على فساد الإرادة. أولا، ثمة الهشاشة. إن أحداً بإرادة هشة، تحاول أداء أفعال أخلاقية صائبة لأنها صائبة أخلاقياً، ولكنها تكون أضعف من الاستمرار حتى النهاية في مسارها وبدلا من ذلك، تنتهي إلى فعل الخطأ لضعف في إرادتها (Kant 1793, Bk I, 24–25).

الدرجة الأخرى هي الدنس/الخبث. أخرى بإرادة خبيثة لا تحاول أداء أفعال صائبة أخلاقياً فقط لأنها أفعال صائبة أخلاقياً، ولكنها تؤدي أفعالا صائبة أخلاقياً جزئيا لأنها جزئيا صائبة أخلاقياً وجزئيا لدوافع أخرى كالمصلحة الشخصية. إن شخصا بإرادة خبيثة سيؤدي أفعالا صائبة أخلاقياً ولكن جزئيا فقط للسبب الصحيح. يعتقد كانط أن هذا العيب في الإرادة أسوأ من الهشاشة حتى وإن كانت ضعيفة الإرادة تفعل الخطأ في حين أن الخبيثة تفعل الصواب. يكون الخبث أسوأ من الهشاشة لأن الشخصية الخبيثة سمحت لدوافع أخرى غير القانون الأخلاقي توجّه أخلاقها في حين أن الشخصية الضعيفة تحاول ولكنها تفشل في فعل الشيء الصحيح للسبب الصحيح (Kant 1793, Bk I, 25–26).

ويكون الفساد، أو الخسة، الدرجة الأخيرة من الفساد. ستقوم أخرى بإرادة فاسدة بعكس الترتيب اللائق للدوافع؛ فبدل أن تفضل القانون الأخلاقي على كل الدوافع الأخرى، تُسبّق حب الذات على القانون الأخلاقي، وهكذا لا تتماثل أفعالها والقانون الأخلاقي إلا إن كان ذلك في صالحها الشخصي. وهي لن تحتاج إلى ارتكاب أي خطأ إن كانت الأفعال التي في صالحها قد تتوافق والقانون الأخلاقي. ولكن، منذ أن كان السبب وراء تأديتها لأفعال صائبة أخلاقية هو حب الذات لا كون تلك الأفعال صائبة أخلاقياً، فليس ثمة وزن أخلاقي لأفعالها، ووفقا لكانط، تجسد إرادتها أسوأ أنواع الشر الممكنة في الكائن الإنساني. إذ يعتبر كانط الشخص بإرادة فاسدة شخصا شريرا (Kant 1793, Bk I, 25).

 يعارض معظم المنظرين المعاصرين رأي كانط في أن أسوأ أشكال الشر يتضمن تفضيل الصالح الشخصي على القانون الأخلاقي (See, e.g., Card 2010, 37 and 2002; Garrard 2002; Kekes 2005). ويبدو أن وصف شخصية ما بالشخصية الشريرة يعتمد على التفاصيل المتعلقة بدوافعها وبالأذى المترتب على تلك الدوافع، وليس فقط على ما إن كانت تفضل صالحها الشخصي على القانون الأخلاقي. مثلا؛ يبدو أكثر سوءا أن تعذب أحدا لمتعة سادية من أن تقول الحقيقة لتنال سمعة جيدة. في الواقع، يبدو معقولا افتراض أن الفعل الأول (التعذيب السادي) يشير إلى إرادة شريرة بينما الفعل الثاني (قول الحقيقة لصالح شخصي) يشير إلى إرادة ببساطة تفتقر إلى الخير الأخلاقي. ولكن لكانط؛ كلا الفعلان يدلان على إرادتين متساويتين في الشر (لمحاولات معالجة هذا النّقد، انظر/ي:  Garcia 2002, Goldberg 2017, and Timmons 2017).

ثمة المزيد من الادعاءات المثيرة للجدل حول طبيعة الشر في كتاب كانط “الدين في حدود مجرد العقل Religion Within the Limits of Reason Alone“. إحدى تلك الادعاءات أن ثمة شر متأصل في الطبيعة البشرية، وبهذا يعني أن الكائنات البشرية كافة لديها نزوع لإخضاع القانون الأخلاقي لأهوائها وأن ذاك النزوع متأصل ومغروس في الطبيعة البشرية بمعنى أنه لا يمكن انتزاعه بالمطلق. ويعتقد كانط أيضا أننا مسؤولون عن هذه النزعة إلى الشر (Kant 1793, Bk I). يجادل ريتشارد بيرنشتاين بأن كانط لا يمكنه، بمنطق متماسك، إقامة هاتين الفرضيتين لأننا لا يمكن أن نكون مسؤولين عن نزعة متأصلة فينا ولا يمكننا التخلص منها (Bernstein 2002, 11–35). وعلى الرغم من أهمية هذا النقد، إلا أن عدة فلاسفة جادلوا بأن أفكار كانط عن الشر المتأصل تقدم رؤى ثاقبة هامة حول طبيعة الشر. مثلا، يجادل بول فورموسا بأن تأملات كانط في جذرية الشر تحول انتباهنا إلى حقيقة أن حتى الأفضل فينا قد ينحط إلى الشر وعليه فعلينا أن نكون متيقظين دائما ضد الشر المتأصل في طبيعتنا (Formosa 2007. See also, Bernstein 2002 and Goldberg 2017). 

يخبرنا القدس أوغسطين في الـ”اعترافات Confessions“، بأنه سرق بعض الكمثرى في أحد الأيام فقط لغاية فعل شيء خاطئ (Augustine, Confessions, II, v-x). إلا أن كانط يرفض بأن البشر قد يُحفَّزون بطريقة كهذه (Kant 1793, Bk I, sect. 2)، لأنه وفقا لكانط، فالكائنات البشرية دائما تتأرجح بين القانون الأخلاقي وحب الذات كدافع إلى التصرف، وليس ثمة غير الشيطان بإمكانه فعل شيء خاطئ فقط لأنه خاطئ (للمزيد عن كانط والشر الشيطاني، انظر/ي: Bernstein 2002, 36–42; Card 2010 and 2016, 36–61; Allison 2001, 86–100; and Timmons 2017, 319–327).  

 

2.3 تحليل أرندت للشر

تعود بداية التحليل العلماني لـ مفهوم الشر في القرن العشرين إلى عمل حنة أرندت. نشأت أفكار أرندت عن طبيعة الشر عن محاولتها لفهم وتقييم أهوال معسكرات الموت النازية. تستعير أرندت في كتابها “”أصول الشمولية Origins of Totalitarianism”(1951)، مصطلح كانط “الشر المتأصل Radical Evil”، لوصف شر الهولوكست، ولكن آرندت لا تعني ما يعنيه كانط ـبـ “الشر المتأصل” (انظر/ي القسم 2.2 لرؤية كانط للشر المتأصل). وبدلا من ذلك، تستخدم أرندت المصطلح للتدليل على شكل جديد من أشكال الفعل الخاطئ الذي لا يمكن التعبير عنه بواسطة مفاهيم أخلاقية أخرى. ينطوي مفهوم الشر المتأصل عند أرندت على تحويل البشر إلى بشر فائضين ويتم هذا عند تحويل البشر إلى جثث حية تفتقر إلى أية بداهة/ عفوية أو حرية. فطابع الشر المتأصل الاستثنائي يتجلى وفقا لآردت في أنه لا يُفعَل لدوافع بشرية يمكن فهمها كالصالح الشخصي، ولكن وببساطة لترسيخ سيطرة شمولية وترسيخ فكرة أن كل شيء ممكن (Arendt 1951, 437–459; Bernstein 2002, 203–224).

يركز تحليل أرندت في كتابها “أصول الشمولية Origins of Totalitarianism” على الشر الناتج عن أنظمة توضع بوساطة أنظمة شمولية، ولا يعالج تحليلها الشخصية في حد ذاتها وملومية الأفراد الذين يشكلون جزءا من ارتكاب الشر. وفي كتابها “آيخمان في القدس: تقرير عن تفاهة الشر Eichmann In Jerusalem: A Report on the Banality of Evil”، تحول أرندت انتباهها إلى ملومية الأفراد عن الشر بتحليلها للموظف النازي، أدولف آيخمان، الذي حوكم في القدس لتنظيمه عمليات نقل وترحيل اليهود إلى معسكرات الاعتقال والإبادة. في عام 1961 ذهبت أرندت إلى القدس لمتابعة محاكمة آيخمان لصالح مجلة The New Yorker، وفي آيخمان في القدس Eichmann In Jerusalem، تجادل بأن “قتلة المكتب Desk Murderers“، كآيخمان لم يُحفَّزوا بدوافع شيطانية أو وحشية، ولكن، كان الأمر أشبه بـ”انعدام تفكير مطلق – شيء لا يتطابق والغباء بأي معنى – ما جعله (آيخمان) يصبح أحد أعتى المجرمين في تلك الفترة” (Arendt 1963, 287–288). وفقا لأرندت، لم تكن دوافع آيخمان وشخصيته متوحشة، بل الأحرى تافهة Banal، وتصفه بأنه إنسان “عادي بصورة مرعبة Terrifyingly Normal” ببساطة لم يفكر كثيرا بما كان يفعله.

تأملات أرندت حول آيخمان ومفهومها عن تفاهة الشر the Banality of Evil، كانوا في الآن ذاته مؤثرين ومثيرين للجدل (للمنظرين الذين يعتقدون أن لأفكار أرندت صلة وثيقة بالحاضر، انظر/ي: Bar On 2012 and Bernstein 2008. For a discussion of the controversy see Young-Bruehl 1982). بعض المنظرين يأخذون طرح أرندت عن تفاهة الشر بوصفه مرجعا معلوماتيا يمكن تفسيره. فمثلا، حاول عالما النفس الاجتماعي ستانلي ميلجرام (1974) وفيليب زيمباردو (2007) تفسير كيف لظروف اجتماعية أن تؤدي بالناس العاديين إلى ارتكاب أفعال شريرة، بينما اعترض آخرون على مقترح أرندت بأن الناس العاديين قد يكونون مصدرا منتظما للشر (see Card 2010; Calder 2003 and 2009).

 

  1. نظريات معاصرة عن الفعل الشرير

سعى عدد من المنظرين منذ ثمانينات القرن الماضي غير الراضين عما وُجِدَ من تحليل للشر في تاريخ الفلسفة ويحركهم عمل أرندت، إلى تقديم الشروط الضرورية والوافية للشر. البعض ركز على الصفة الشريرة Evil Character، أو الشخصية الشريرة Evil Personhood، كالمفهوم الجذري للشر (انظر/ي:, e.g., Haybron 2002b, 280; Perrett 2002, 304–305; Singer 2004, 190). يعتقد هؤلاء المنظرين أن الفعل الشرير Evil action، مفهوم اشتقاقي، بكلمات أخرى، هم يعرّفون الفعل الشرير على أنه نوع الفعل الذي يؤديه شخص شرير Evil person. ولكن أيضا، ثمة منظرين مماثلين، أو أكثر، يعتقدون أن الفعل الشرير هو المفهوم الجذري للشر (انظر/ي:, e.g., Garrard 1998, 44; Russell 2014, 31–34; Kekes 2005, 2; Thomas 1993, 74–82). وهؤلاء المنظرين يعتقدون أن مفهوم الشخصية الشريرة Evil personhood مفهوما اشتقاقيا، بكلمات أخرى، هم يعرفوّن الشخص الشرير بالشخص الذي يؤدي، أو يميل لأداء أفعال شريرة. بعض المنظرين الذين يعتبرون الفعل الشرير المفهوم الجذري، يعتقدون أن ثمة سمة أو اثنتان جوهريتان للفعل الشرير، في حين يعتقد آخرون أن ثمة خواص متعددة وجوهرية للفعل الشرير. يناقش هذا القسم وجهات النظر المختلفة حول المكونات الجوهرية للفعل الشرير (جادل زاكري غولدبيرج مؤخرا بأن هناك ما هو أكثر لفهم طبيعة الأفعال الشريرة من معرفة مكوناتها الجوهرية: انظر/ي:  Goldberg forthcoming)، ولكن هذا السياق لن يناقش في هذا المدخل.

 

 3.1 الشر وفعل الخطأ

يفترض معظم الفلاسفة، والعامة، أن الضلال Wrongfulness مكون جوهري للفعل الشرير (See e.g., Card 2002, Garrard 1999, Formosa 2008). ويبدو أنه، لتكون شريراً، لا بد، على الأقل، من فعل خاطئ. ولكن هذا الادعاء غير متفق عليه عالميا (Calder 2013). السؤال المركزي لمعظم المنظرين هو: ما الضروري للشر أكثر من فعل خاطئ؟ إحدى الإجابات الجدلية لهذا السؤال هي أن لا شيء ضروري أكثر من هذا: الفعل الشرير هو فقط فعل خاطئ جدا (Russell 2007 and 2014). قاوم معظم الإحيائيون هذا الموقف وادعوا بدلا من ذلك أن الشر نوعي qualitatively، وليس كميا quantitatively، ويتمايز عن مجرد الفعل الخاطئ (انظر/ي:, e.g., Steiner 2002; Garrard 1999 and 2002; Calder 2013).

لتحديد ما إن كان الشر يتميز نوعيا عن مجرد الفعل يجب علينا، أولا، أن نفهم ماذا يعني لمفهومين أن يتمايزا نوعيا. وفقا لبعض المنظرين؛ فإن مفهومان يتمايزان نوعيا فقط وفقط إذا تشاركت في سمة واحدة كل تمثلات instantiation المفهوم الأول والتي لا تتشارك فيها أي من تمثلات المفهوم الثاني (Steiner 2002; Garrard 1999, 2002; Russell, 2007). مثلا، يدعي هيليل شتاينر بأن “الأفعال الشريرة مميزة عن الأخطاء العادية بإضافة نوعية تغيب كليا عن أداء الأفعال الخاطئة” (Steiner 2002, 184)، ووفقا لشتاينر، فإن “تلك الإضافة النوعية التي تتشارك فيها كل الأفعال الشريرة وتفتقد إليها كل الأفعال التي هي مجرد أفعال خاطئة، تتمثل في متعة المجرم؛ الفعل الشرير يكمن في متعة فعل الخطأ. وليس ثمة فعل خاطئ خالص يُمتِع فاعله” ( للمزيد عن نظرية شتاينر عن الشر، انظر/ي/ي إلى القسم 3.4).

يعارض تولد كالدر (2013) هذا الفهم لما يعنيه أن يكون ثمة مفهومين متمايزين، مجادلا بدلا من ذلك بأن مفهومين يتمايزان نوعيا شريطة أن لا يتشاركا كل خواصهما الجوهرية؛ وعليه، فالأفعال الشريرة تتمايز نوعيا عن الأفعال الخاطئة المجردة شريطة أن لا تكون الخواص الجوهرية للأفعال الشريرة أيضا تلك الخاصة بالأفعال الخاطئة المجردة بل لا بد من أن تكون على درجة أعظم.

يجادل كالدر بأنه في إطار النظريات المعقولة عن الشر والفعل الخاطئ؛ لا يتشارك الشر والفعل الخاطئ أيا من خواصهما الجوهرية، وعليه يتمايز الفعل الخاطئ والشر نوعيا. مثلا، يحاجج كالدر بأن سمة جوهرية تميز الأفعال الشريرة هي في نية المجرم المُسبَقة التسبب في ضرر بالغ لضحاياه في حين تغيب تلك النية عن مرتكب الخطأ ولا تكون سمة جوهرية للفعل الخاطئ. على سبيل المثال، قد تكون أفعال كالكذب، الخيانة والتهور أفعالا خاطئة حتى إن غابت نية مرتكب الخطأ بالتسبب بأذى (Calder 2013).

هيلي ليبرتو وفريد هارينغتون يذهبان أبعد من كالدر في المجادلة بأنه يمكن لمفهومين أن يكونا غير متمايزين كميا حتى وإن لم تتشارك تمثلاتهما أية خواص (Liberto and Harrington 2016). طبقا لهارينغتون وليبرتو، يكون مفهومان غير متمايزين كميا شريطة أن يملك أحدهما خاصية تحدد درجة تمثل ذلك المفهوم ولا تحدد درجة تمثل المفهوم الثاني. على سبيل المثال؛ تقترح ليبرتو وهارينغتون بأن كلا الأفعال البطولية والإيثارية تملك الخواص الجوهرية التالية: (1) تؤدى لأجل الآخرين، و(2) أداؤها يأتي على حساب أو بخطر على الفاعل. ولكن، تحدد درجة الإيثارية في فعل ما قياسا إلى أي درجة يؤدى فيها لأجل الآخرين (وليس قياسا بدرجة الخطر أو الكلفة المترتبة على الفاعل)، في حين أن بطولية فعل ما تقاس بناء على الخطر والكلفة المترتبة على الفاعل (وليس قياسا إلى أي درجة يؤدى فيها لأجل الآخرين). ويطلقان على نمط التمييز المفاهيمي هذا:”نوع السمة الطاغية Quality of emphasis Distinctness (Liberto and Harrington 2016, 1595).

أكثر أهمية من ذلك؛ إن كان هارينغتون وليبرتو محقان في أن مفهومان قد يكونان غير متمايزين كميا بأن يكونا في سياق نوع السمة الطاغية، فإن كالدر يكون مخطئا في أن مفهومان يمكن أن يكونا غير متمايزين كميا فقط إن لم يتشاركا كل خواصهما الجوهرية. ويجادل هارنيغتون وليبرتو أبعد من ذلك بالقول أن الشر وارتكاب الخطأ غير متمايزين كميا بمعنى أنهما متمايزان من حيث السمة الطاغية. لننظر، مثلا، في تعريف كلاوديا كارد للشر والذي يقول:” الشر ضرر لا يطاق قابل للتوقع وصنيعة أخطاء غير مبررة” (Card 2010, 16). يمكن القول، وفقا لهارينغتون وليبرتو وباستخدام هذه النظرية، أن درجات الشر تحدد بدرجات الضرر بينما لا تحدد درجات الخطأ بدرجات الضرر. وإن كان الأمر كذلك، فالشر والخطأ غير متمايزين كميا ولكن متمايزان بمعنى السمة الطاغية.

 

3.2 الشر والأذى

يعتقد أكثر المنظرين الذين يكتبون في مفهوم الشر أنه لا بد للأفعال الشريرة من التسبب، أو السماح، بضرر واضح لضحية واحدة على الأقل (انظر/ي:, e.g., Card 2002; Kekes 2005; Calder 2013; Formosa 2013; Goldberg forthcoming). إلا أن ثلاث أنواع من الحجج استخدمت لمعارضة هذا الادعاء.

أولا؛ بعض المنظرين جادلوا بأن الأفعال الشريرة لا تحتاج التسبب، أو السماح، بأذى واضح لأنه يمكن لنا أداء أفعال شريرة تكون محاولة، أو المخاطرة بجدية للتسببب بأذى، حتى وإن فشلنا. مثلا، ووفقا لهذه الرؤية، فمحاولة تفجير قنبلة في غرفة مليئة بالأشخاص البريئين، سيُعدّ عملا شريرا، حتى وإن أحبَطتْ الشرطة المحاولة (See Kramer 2011, 204–205; Russell 2014 52–53).

ثانيا؛ يجادل بعض المنظرين بأن الأفعال الشريرة لا تحتاج التسبب، أو السماح، بأذى واضح لأنه يمكن لنا أداء أفعال شريرة بمجرد الشعور بالمتعة لمعاناة ضحية أخرى (Calder 2002, 56; Garrard 2002, 327; Kramer 2011, 211). مثلا، تخيل شعور “ألكس” بالمتعة في مراقبته لمعاناة “كارول” الشديدة، ولكن “أليكس”، ليس السبب في معاناة “كارول”. البعض سيسمي هذا النوع من “التلصص السادي” شرا حتى ولو لم يتسبب بأذى إضافي للضحية (ونستطيع تخيل أن “كارول” لم تكن على دراية بمتعة “أليكس” بمعاناتها حتى لا تضاعف مراقبته لها مزيدا من الأذى). يقترح باول فورموسا أن التلصص السادي sadistic voyeurism شر يعود فقط إلى أن المتلصص يسمح بوقوع الأذى ولذلك فهو مسؤول جزئيا عن المعاناة (Formosa 2008, 227). والمشكلة في تحليل فورموسا للتلصص السادي، أنه غير منطقي في كثير من الحالات التي فيها يكون المتلصص غير قادر على منع وقوع الأذى. ولننظر، مثلا، في حالة دانيال هايبرون المتمثلة في سادي يعاني من شلل رباعي ولا يملك القدرة على التواصل؛ شخصية كهذه قد “تتمنى أعظم أشكال المعاناة للمخلوقات الأخرى”، ومع ذلك تبقى عاجزة عن التسبب أو منع معاناة الضحية ((Haybron 2002b, 264). وقد يجادل أحد في أنه لو استمتعت هذه الشخصية في مراقبتها معاناة شخصية أخرى ستكون استنادا إلى ذلك قد ارتكبت شرا حتى وإن لم يكن ثمة منطق في أنها سمحت بوقوع الأذى؛ وإن كان الأمر كذلك، فالأفعال الشريرة لا تحتاج للتسبب، أو السماح، بأذى.

يميل بعض المنظرين الذين يعتقدون أن المحاولات الفاشلة و/أو التلصص السادي تظهر أن الأفعال الشريرة لا تحتاج التسبب، أو السماح، بأذى واضح؛ مع ذلك يميلون إلى الاعتقاد بأن الأفعال الشريرة لا بد وأن تتصل، بطريقة بينة، بأذى واضح (See, e.g., Kramer 2011, 203–223; Russell 2007, 676)، إلا أن آخرين يعترضون على هذا الادعاء. وهؤلاء المنظرين يجادلون في المقابل بأنه يمكن أن يكون ثمة “مقياس طفيف للشر small-scale evil” بحيث الأفعال الشريرة تنطوي على قدر ضئيل من الأذى أو لا أذى على الإطلاق (De Wijze 2018; Garrard 1998 and 2002; Morton 2004, 60). وتكون هذه الحالات النوع الثالث من الحجج ضد الادعاء بأن الأفعال الشريرة لا بد وأن تتسبب، أو تسمح، بأذى بين. على سبيل المثال؛ أشارت إيف جيرارد إلى أن متنمري باحة المدرسة يمارسون أفعالا شريرة حتى ولو أنهم لا يتسببون بالكثير من الأذى (Garrard 1998, 45)، بينما ارتأى ستيفن دي وايز، بأن تعذيب وقتل ما تعرف أنه روبوت على هيئة بشرية Lifelike robot، سيكون شرا حتى وإن كان الروبوت بلا وعي حي (De Wijze 2018, 34).

يمكن الاستجابة لهذه الأنواع من القضايا بردين؛ أولا، في حين أن الأفعال موضع التساؤل شريرة بالفعل، فهي في الواقع، تنطوي على أذى واضح، ويبدو هذا الرد مناسبا لقضية التنمر المدرسي (See Kramer 2011, 218). ثانيا، يمكن محاججة أنه لن يكون الفعل موضع البحث في حال لم يتسبب بأذى، فعلا شريرا أيضا، وهذا الرد يبدو مناسبا لقضية الروبوت. 

ثم وفي معرض الرد على الحجج الثلاث التي تدعي أن الأفعال الشريرة لا تحتاج التسبب، أو السماح، بأذى واضح (كالمحاولات الفاشلة، التلصص السادي ومقياس الشر الطفيف)، يمكننا المجادلة أن المنظرين الذين يعرضون هذه الحجج يخلطون ما بين الأفعال الشريرة والشخصيات الشريرة. مثلا؛ بإمكاننا القول أن المحاولات الفاشلة تبدو شرا لأن محاولة ارتكاب فعل شرير مؤشر على أن الفاعل نفسه المؤدي للفعل شخصية شريرة، وليس بسبب أن الفعل في حد ذاته شرير (See Calder 2015a, 121). وبالمثل يمكن القول أنه وبالنظر إلى نواياهم، دوافعهم ومشاعرهم، فمعذبو الروبوت والمتلصصون الساديون أشخاص أشرار حتى ولو لم يرتكبوا أفعالا شريرة (للمزيد حول الشخصية الشريرة انظر/ي القسم 4).

على افتراض أن الأذى مكون جوهري للشر، يصبح السؤال كم يتطلب الشر من الأذى؟ في كتابه “جذور الشر Roots of Evil”، يرى جون كيكيز أن الأذى لا بد وأن يكون جديا ومفرطا (Kekes 2005, 1–3). يوضح كيكيز في عمل مبكر، أن الأذى الجدي هو ذاك “الذي يعبث بقدرة الشخص على الأداء كفاعل مكتمل” (Kekes 1998, 217). وتصف كلاوديا كارد ضرر الشر بالضرر الذي لا يطاق، وبـلا يطاق تعني كارد الضرر الذي يجعل من حياة الشخص المعني من وجهة نظره حياة لا تستحق العيش. ومن الأمثلة على الضرر الذي لا يطاق، المعاناة الجسدية أو العقلية الشديدة وكذلك الحرمان من الأساسيات كالطعام، الماء النظيف والتواصل الاجتماعي (Card 2002, 16، للمزيد عن مكوّنات الضّرر، انظر/ي: Russell 2014, 64–68).

 

3.3 الشر والدافع

يعتقد معظم المنظرين الذين يكتبون عن الشر أن الفعل الشرير يتطلب دافعا من نوع معين؛ ومرة أخرى، هذا الادعاء جدلي بطريقة أو بأخرى. في كتابها “نموذج الفظائع Atrocity Paradigm”؛ تضع كلاوديا كارد تعريفا للشر دون النظر في دوافع المجرمين. وهي تفعل ذلك لأنها تريد التركيز بنظريتها على التخفيف من معاناة الضحايا لا فهم دوافع المجرمين (Card 2002, 9). ولنظرية كارد منقبةُ قدرتها على تصنيف ما يمكن نشوءه عن دوافع مختلفة على أنه فعل شرير.

ولكن، وفي حين أن كارد تدعي أن نموذج الفظائع لا يشتمل على مكون الدافع، فإن جزءا من معقولية نظريتها يأتي من حقيقة أنها تُضيّق مصنّف الأفعال الشريرة على تلك التي تتبع نوعا معينا من الدوافع. نظرية كارد عن الشر هي أن “الشر ضرر لا يطاق قابل للتوقع صنيعة أخطاء غير مبررة” (Card 2010, 16). وفي حين أن تفسير الشر هذا يسمح بطيف واسع من الدوافع، إلا أنه يُعيّن وجوب تكهن الأشرار بالضرر الذي يصنعوه وافتقارهم إلى التبرير الأخلاقي لصنعه. بكلمات أخرى، الأشرار بالنسبة لكارد، مدفوعون برغبة إلى شيء أو حالة ما والتي لا تبرر الضرر الذي يتوقعون التسبب فيه.

أشار فلاسفة آخرون إلى أن الأشرار يشتهون التسبب بأذى، أو ارتكاب الخطأ، لأسباب أكثر تعيينا كالمتعة (Steiner 2002)، اشتهاء فعل ما هو خاطئ (Perrett 2002)، شهوة إبادة كل الكائنات (Eagleton 2010)، أو لتدمير الآخرين كغاية لذاتها (Cole 2006). عندما يكون الشر محصورا في الأفعال التي تتبع هذا النوع من الدوافع، يقول المنظرون أحيانا أن موضوعهم شر نقي، شيطاني، راديكالي أو شر وحشي. وهذا يشير إلى أن نقاشهم مقتصر على نوع أو شكل من الشر وليس الشر في حد ذاته.

وفي حين يناقش بعض الفلاسفة ضرورة بعض الدوافع كالخبث أو البغض كدوافع لا بد منها للشر، يركز آخرون بدلا من ذلك على الدوافع أو الرغبات التي يفتقر إليها الأشرار. مثلا، يؤكد آدم مورتون، أن الأشرار وبصورة قاطعة ليسوا مسكونين بالحواجز – الواجب حضورها، والتي تعمل ضد النظر في إيذاء أو إذلال الآخرين (Morton 2004, 57). وبالمثل، يؤكد لورانس توماس أن ثمة سمة استثنائية في مرتكب الشر أنه “في حين تعترض حساسية الشخص الطبيعي الأخلاقية أداءه فعلا أخلاقيا ثقيلا ( كفعل يتسبب بضرر جدي)، فإن هذا لا يحدث عند ارتكاب شخص لفعل شرير (Thomas 1993, 77). 

تركز نظرية إيف جيرارد عن الشر على عيب في البنية الأخلاقية لمرتكب الشر. ولفهم نظرية جيرارد عن الشر لا بد لنا من فهم الفرق ما بين الكاتم النفسي والكاتم الميتافيزيقي. الكاتم الميتافيزيقي metaphysical silencer علة بوزن هائل بحيث، موضوعيا objectively  يمكنها تحييد أي علة أخرى لأي اعتبار، بحيث نقول أن العلة الأقل وزنا/ أهمية، تم إصماتها/كتمها ميتافيزيقيا. وعلى النقيض؛ الكاتم النفسي psychological silencer علة بوزن هائل لفرد ما For an Individual بحيث، ذاتيا subjectively تُحيّد أي قوة لأية اعتبارات أخرى، بحيث نقول أن الاعتبار أصمت نفسيا لأجل الفرد.

ولننظر في حالة بيتر سنجر عن اصطدامنا بطفل يغرق في بركة ضحلة (Singer 1972)؛ إن اصطدمنا بطفل يغرق في حوض سباحة ضحل، ستكون الحاجة لإنقاذ الطفل في غاية الضرورة أخلاقيا بحيث ستُسْكَتُ ميتافيزيقيا الرغبة في إبقاء ملابسنا نظيفة كسبب للتصرف من عدمه. يفقد إذن الاعتبار في الحفاظ على ملابسنا نظيفة كل قوته في حالة كان الطفل في حاجة طارئة للإنقاذ، ويتوقف عن أن يكون سببا للتصرف من عدمه. ولأشخاص كثر، خاصة الفاضلين virtuous، يُكْتَمُ الاعتبار في الحفاظ على ملابسهم نظيفة نفسيا أيضا بواسطة الحاجة الطارئة لإنقاذ الطفل من البركة الضحلة؛ بكلمات أخرى، لا يكون الاعتبار “الحفاظ على ملابسهم نظيفة”، أصلا حاضرا لدى الناس الفاضلين عندما يُحضَرونَ بحالة طفل بحاجة طارئة للإنقاذ.

لدى الشّرير Evildoer، وفقا لجيرارد، بنية تحفيزية دنيئة؛ إنها تُسْكِتُ نفسيا الاعتبارات التي لها وزن أخلاقي هائل التي بدورها تُسْكِتُ ميتافيزيقيا الاعتبارات ذاتها التي تدفعها إلى التصرف (Garrard 1999, 55). على سبيل المثال؛ سيكون شرا كتم الحاجة الملحة لإنقاذ الطفل الغارق نفسيا كسبب للتصرف لأننا نريد الحفاظ على ملابسنا نظيفة.

يعتقد نقاد نظرية جيرارد عن الشر أنها محدودة جدا لأنها لا تعتبر شرا، الأفعال التي تتسبب، أو تسمح، بضرر واضح لسبب تافه عندما يكون الفاعل مدفوعا بقدر ضئيل باعتبار أخلاقي هام (Russell 2007, 675; Calder 2015a, 118). مثلا؛ طبقا لنظرية جيرارد، لن يكون شرا لو أن جون ترك الطفلة تغرق لو كان مدفوعا بقدر ضئيل لإنقاذها ولكن ليس مدفوعا إلى درجة توسيخ ملابسه. ومع ذلك، يبدو من الشر أن يترك جون الطفلة تغرق لتلك الأسباب.

 

3.4 الأثر والشر

يعتقد بعض المنظرين أنه لا بد لنا لفعل الشر من الشعور بطريقة معينة أو الإحساس بمشاعر معينة أثناء التصرف؛ مثلا، يعتقد لورانس توماس أن الأشرار يشعرون بالبهجة لتسببهم بالأذى أو كراهية ضحاياهم (Thomas 1993, 76–77). ويذهب هيلل شتاينر أبعد من ذلك بالتأكيد على أن للشر ثمة مكونان لا غير: المتعة والفعل الخاطئ، ووفقا لتشاينر فـ”الأفعال الشريرة هي أفعال خاطئة ممتعة لمرتكبيها” (Steiner 2002, 189).

ويعتقد معارضو شتاينر بأنه ليس ضروريا ولا كافيا ليكون شرا ترافق المتعة بأداء الأفعال الخاطئة. يجادل معارضوه بأنه ليس ضروريا الاستمتاع بأداء بالفعل الخاطئ لارتكاب فعل شرير لأنه قد يكون كافيا التسبب بضرر هائل عن قصد ولغاية تافهة كالمصلحة الشخصية (Calder 2013). لنفترض أن ثمة قاتل متسلسل يعذب ويقتل ضحاياه لكنه لا يستمتع في تعذيبهم أو قتلهم، وسيكون جليا أنه شرير حتى لو لم يستمتع في فعل الخطأ.

ولن يكون كافيا لأداء فعل شرير، يجادل نقاد رؤية شتاينر، الاستمتاع في أداء فعل خاطئ لأننا لن نفكر أنه شر الاستمتاع بأداء فعل خاطئ لم تعاني ضحيته أي ضرر واضح؛ ومثال ذلك، لن يكون شرا الاستمتاع بإخبار كذبة بيضاء (Russell 2007).

 

3.5 المسؤولية والشر

من المتعارف عليه عالميا أنه لأداء فعل شرير فعلى الشخصية أن تكون مسؤولة أخلاقية عن تصرفها؛ فرغم أن الأعاصير والأفاعي الجرسية قد تتسبب بضرر هائل، فلا يمكنها أداء فعل شرير لأنها لا تملك شخصية الفاعل الأخلاقي moral agent. وأكثر من ذلك؛ يرتكب الفاعلون الأخلاقيين أفعالا شريرة فقط عندما يكونون مسؤولين أخلاقيا عن تصرفاتهم وتكون أفعالهم لا تغتفر أخلاقيا (see e.g., Kekes 2005; Card 2010; Formosa 2008 and 2013). وعلى فاعلي الشر، لموافقة هذه الشروط، أن يتصرفوا طواعية، وأن يتقصدوا أو يتكهنوا بمعاناة ضحاياهم وأن يعدموا التبرير الأخلاقي لأفعالهم. ومن المثير للجدل بشكل خاص إن كانت تلتقي هذه الشروط في      ثلاث أنواع من الحالات: (1) الضرر البالغ الناشئ عن المعتلين نفسيا psychopaths، (2) الضرر البالغ الناشئ عن أشخاص عايشوا تنشئة سيئة، و(3) الضرر البالغ الناشئ عن الجهل.

 

3.5.1 المعتلون نفسيا Psychopaths

الاعتلال النفسي متلازمة تتمثل في الافتقار إلى سمات سلوكية، شخصية وشعورية بعينها وامتلاك آخرين (Hare 1999). بعض الصفات التعريفية للاعتلال النفسي تشمل المشاعر السطحية، مركزية الذات/الأنانية Egocentricity، الخداع، النزوية impulsivity، غياب التعاطف empathy، وغياب الشعور بالذنب guilt أو الندم remorse. ويرتبط بشكل خاص، لتقييم المسؤولية الأخلاقية، عجز المعتل النفسي عن الاكتراث بالآخرين أو بالقواعد الأخلاقية.

وفقا لقواعد M’Naughten للجنون الإجرامي؛ تكون الشخصية مجنونة قانونيا، إن، بسبب مرض عقلي أثناء الفعل، لم تستطع إدراك طبيعة أو نوع فعلها أو إدراك خطأ ما تفعله. مثلا؛ مريضة الشيزوفرينيا المتوهمة التي على يقين من أن جارتها شيطان ليست مسؤولة عن إيذاء جارتها لأنها لا تفهم أنها تؤذي شخصا بريئا؛ بل هي تعتقد أنها تدافع عن نفسها من كائن شرير غير إنساني. فلاسفة كثرٌ يعتقدون أن قواعد M’Naughten تمنحنا الشروط اللازمة للمسؤولية الأخلاقية كما الشروط اللازمة للمسؤولية الإجرامية (see, e.g., Wolf 1987). 

من غير المتفق عليه إن كان المعتلون نفسيا مجانين طبقا للمعايير الموضوعة من قبل قواعد M’Naughten لأن من المثير للجدل أصلا إن كان المعتلون نفسيا يدركون الخطأ في أفعالهم. يعتقد الباطنيون الذي يعتقدون بهيمنة الدافع الداخلي على السلوك الخارجي Motivational Internalists؛ أنه من المستحيل من الناحية المفاهيمية الاعتقاد (ومن ثم الإدراك)، أن فعلا ما خاطئ أخلاقيا ومع ذلك أن نكون غير مدفوعين بالمطلق إلى الإمساك عن ارتكاب الفعل. ذلك أن ثمة، بالنسبة للباطني، علاقة مفاهيمية بين الاعتقاد بخطأ فعل ما وامتلاك موقف سلبي تجاه الفعل. يعتقد الباطني بإمكانية إدراك الشخصية لخطأ ما تفعله، لأن الشخصية ومع الأخذ بالاعتبار لكل شيء، تكترث أكثر لشيء ما لا يتوافق والإحجام عن ارتكاب فعل خاطئ؛ شريطة أن تكون مالت إلى الامتناع عن الإتيان بالفعل الذي تعرف أنه فعل خاطئ. وبما أن المعتلين نفسيا يبدون لامبالين بالمطلق لما إن كانت أفعالهم صائبة أو خاطئة، يعتقد الباطني المعتقد بهيمنة الدافع الداخلي، أنهم لا يعتقدون حقا، أو يفهمون، أن ما يفعلونه خاطئ أخلاقيا؛ وفي الحد الأقصى قد يعتقدون أن ما يفعلونه يخرق الأعراف الاجتماعية. ولكن الاعتقاد بأن أحدا خرق العرف الاجتماعي شيء، والاعتقاد بأنه كسر قاعدة أخلاقية شيء آخر كليا. أما الفلاسفة الذين يرفضون الطرح الباطني؛ بكلمات أخرى، الظاهريون أي الذين لا يعتقدون بأهمية الدافع الباطني Motivational externalists، يميلون أكثر للاعتقاد بأن المعتلين نفسيا يعرفون الفرق بين الصواب والخطأ. فالمعرفة الأخلاقية وفقا لهم، تتطلب فقط القدرة الفكرية للتعرف لإدراك الصواب والخطأ، وليس القدرة على الاكتراث بالأخلاق. وبما أن المعتلين نفسيا ليسوا معاقين فكريا؛ يعتقد الظاهريون أنه ليس ثمة سبب للاعتقاد أن المعتلين نفسيا لا يستطيعون التمييز بين الصواب والخطأ ( للمزيد عن كيف ترتبط الأطروحات الباطنيّة والظاهريّة بالمسؤوليّة الأخلاقيّة للمعتلّين نفسياً، انظر/ي: see Brink 1989, 45–50; Duff 1977; Haksar 1965; and Milo 1984. See also Rosati 2006. مؤخراً، حاول بعض المنظّرين الذين يكتبون في المسؤولية الأخلاقية للمعتلّين نفسياً تجنّب الجدال الباطنيّ/ الظاهريّ، ومن المستبعد من وجهة نظر هذا المدخل مسح هذا الأدب: انظر/ي: Levy 2007 and 2014, Matravers 2008, Talbert 2008, Aharoni, Kiehl, and Sinnott-Armstrong 2011).

 

3.5.2 التنشئة السيئة

من الصعب، تجريبيا، البت في سؤال السلوك المنحرف وعلاقته السببية بالتنشئة السيئة بدلا عن الخيارات الفردية أو الأوّليات الجينية. وعلى فرض أن ثمة علائقية سببية قوية بين التنشئة السيئة والسلوك المنحرف؛ ثمة حجتان أساسيتان لادعاء أنه لا يجدر بنا تحميل المجرمين مسؤولية أخلاقية عن سلوك كان نتاج تنشئة سيئة. تؤكد الحجة الأولى أنه لأننا لا نختار نشأتنا فلا يجب تحميلنا مسؤولية الجرائم التي نجمت عن نشأتنا (See, e.g., Cole 2006, 122–147). تقدم سوزان وولف (1987) حججا متعددة في إطار هذه الحجة؛ وفقا لوولف، فالناس الذين مروا بشكل خاص بتنشئة سيئة غير قادرين على اتخاذ أحكام معيارية دقيقة لأنهم عُلِّموا القيم الخاطئة. تشبه وولف الناس الذين عُلِّموا القيم الخاطئة بأولئك الذين يعانون الذهان، لأنهم مثلهم، لا يستطيعون إطلاق أحكام دقيقة عن العالم. على سبيل المثال؛ تجعلنا وولف ننظر في حالة “Jojo”، ابن “Jo” الطاغية عديم الشفقة في إحدى دول أمريكا الجنوبية الصغيرة. يعتقد “Jo”، أن لا شيء خاطئ في تعذيب وإعدام الأبرياء؛ في الواقع، يستمتع بالتعبير عن قوته اللامحدودة بأمر حراسه في فعل ذلك تحديدا. وقد أعطي “Jojo”، تعليما خاصا والذي يتضمن قضاء وقت طويل مع أبيه؛ تكون النتيجة المتوقعة لهذا التعليم أن يتحصل “Jojo” على قيم أبيه. تزعم وولف أن علينا عدم تحميل “Jojo”، المسؤولية عن تعذيب الأبرياء لأن تنشئته جعلته غير قادر على الحكم بخطأ هذه الأفعال. وبما أن “Jojo” غير قادر على الحكم بأن أفعاله خاطئة فإنه سيوافق شروط الجنون كما هي في قواعد M’Naghten (انظر/ي القسم 3.5.1 أعلاه).

الحجة الثانية للادعاء بأن علينا أن لا نحمل الناس مسؤولية أخلاقية عن جرائم نتاج التنشئة السيئة تبدأ بافتراض أننا نكون مسؤولين أخلاقيا عن جرائمنا فقط إن كنا مواضيعا مناسبة للمواقف التفاعلية Reactive Attitudes، كالاستياء (Strawson 1963). ووفقا لهذه الحجة؛ لا يشكل المجرمون الذين ارتكبوا جرائم نجمت عن تنشئة سيئة مواضيع مناسبة للمواقف التفاعلية لأن لا جدوى من التعبير عن هذه المواقف تجاه هؤلاء المجرمين. يتعين على المؤيد لهذه الحجة أن يفسر عدم الجدوى في التعبير عن المواقف التفاعلية تجاه هؤلاء المجرمين. في ورقته “Responsibility and the Limits of Evil: Variations of Strawsonian Theme (1987)؛ يأخذ غاري واطسون في الاعتبار طرقا مختلفة لجعل الزعم بلا جدوى التعبير عن مواقف تفاعلية تجاه الأشخاص الذين يرتكبون جرائم تعود إلى تنشئة سيئة منطقيا. يتركز نقاش واطسون على حالة روبرت ألترون هاريس؛ في طفولته كان هاريس صبيا محبا طيب القلب. إلا أن أما مسيئة، كما يقول أفراد من العائلة، ومعاملة قاسية في مراكز الإصلاح حولته إلى قاتل بغيض بدم بارد.

 

3.5.3 الجهل

يكون الجهل أحيانا عذرا لفعل الشر المفترض (Jones 1999, 69–70)؛ وتكون الحجة نوعا ما كما يلي: إن لم تملك الشخصية سببا جيدا للاعتقاد أنها تتسبب بضرر واضح دون تبرير أخلاقي، فهي ليست مسؤولة أخلاقيا عن التسبب بهذا الضرر لأنها لم تملك سببا جيدا للتصرف بطريقة أخرى. مثلا، إن أطلق “دوريان” النار على بعض الشجيرات في ممتلكات ريفية دون امتلاكه أي سبب ليفكر أن رجلا قد يكون مختبئا هناك، فهو غير مسؤول أخلاقيا عن أذية الرجل الذي يختبئ هناك (هذه الحالة مأخوذة من رواية أوسكار وايلد “صورة لدوريان غراي A Picture of Dorian Gray)؛ وبهذه الطريقة يشكل الجهل عذرا شرعيا للتسبب بأذى غير مبرر.

على أية حال؛ أقر المنظرون منذ أرسطو بأن الجهل يكون عذرا شرعيا للتسبب بأذى غير مبرر فقط عندما نكون غير مسؤولين عن جهلنا، بكلمات أخرى، عندما لا يكون الجهل ملوما (Nichomachean Ethics, Bk III). أحد أنواع الجهل الملام والذي حاز قدرا معقولا من انتباه الفلاسفة الذين يكتبون عن الشر هو الجهل الناجم عن خداع الذات Self-Deception. نتهرب في حالة خداع الذات من الاعتراف لأنفسنا ببعض الحقيقة، أو ما قد كنا لنراه كحقيقة لو أن معتقداتنا لم تكن متحيزة بنيويا في تقييمها للأدلة المتاحة. “في البداية، يدرك مخادعو ذواتهم لحظات تحويل انتباههم بعيدا عن الدليل المتاح إلى شيء آخر، وذلك على الرغم من احتمالية عدم إدراكهم لكلية مشروع خداعهم الذاتي”( Jones 1999, 82). وثمة بعض الأساليب التي توظف من قبل مخادعي ذواتهم للتهرب من الاعتراف ببعض الحقيقة، وتشمل (1) تجنب التفكير في الحقيقة، (2) إلهاء أنفسهم بتبريرات عقلانية rationalizations تناقض الحقيقة، (3) الفشل المنتظم للقيام بأية تحريات من شأنها أن تقود إلى دليل على الحقيقة و(4) تجاهل الدليل المتاح على الحقيقة أو إلهاء أنفسهم عن الانتباه إلى هذا الدليل (Jones 1999, 82). اقترح عدة منظرين يكتبون عن الشر أن خداع الذات يلعب دورا بالغ الأهمية في إنتاج الأفعال والمؤسسات الشريرة (Calder 2003 and 2004; Jones 1999; Thomas 2012).

 

  1. النظريات المعاصرة للشخصية/ الصفة الشريرة

يتم استخدام مصطلحا “الشخصية الشريرة Evil Personhood”، و”الصفة الشريرة Evil Character”، بشكل متبادل في الأدبيات، وذلك ما يُتّبع في هذا المدخل.

يمكن إدراج نظريات الشر الموجودة في خانتين؛ إما القابلية Dispositional أو الانتظام Regularity كعلة التفسير، أو التفسير القائم على الفعل Action-Based، أو التفسير القائم على الأثر Affect-Based، أو التفسير القائم على الدافع Motivation-Based، كعلة للتفسير (ورغم أنه من غير الواضح إن كان ثمة منظرين يأخذون بكلية العلة أو التّفسيرات الشّاملة Aggregative accounts، إلا أنها قد تكون ممكنة < See Russell 2014, 139–153>). مثلا، يأخذ كيكيز بالتفسير القائم على انتظام الفعل (Kekes 1990, 48; 1998, 217; 2005, 2)، بينما يأخذ تود كالدر بالتفسير القائم على قابلية الدافع (Calder 2009, 22–27).

وفقا للتفسير القائم على الانتظام Regularity accounts؛ تملك الشخصيات الشريرة خواص سجية الشر بشكل اعتيادي؛ أو بشكل منتظم. ووفقا للتفسير القائم على القابلية Dispositional accounts؛ لا تحتاج الشخصيات الشريرة أبدا خواص سجية الشر؛ يكفي امتلاك نزعة لامتلاك خواص سجية الشر.

يؤكد التفسير القائم على الفعل Action-Based، أن خواص سجية الشر هي أنواع معينة من الأفعال- أفعال شريرة. ويؤكد التفسير القائم على الأثر أن خواص سجية الشر هي أنواع معينة من المشاعر- مشاعر شريرة. والتفسير القائم على الدافع يؤكد أن خواص سجية الشر هي أنواع معينة من المشاعر- رغبات شريرة.

يجادل بعض المنظرين إمكانية وجود أكثر من نوع واحد من خواص سجية الشر؛ مثلا، يجادل لوك راسل أن كلا الأفعال الشريرة والمشاعر الشريرة هي من خواص سجية الشر (Russell 2014, 292)، في حين يرى دانيال هايبرون أن المشاعر الشريرة والدوافع الشريرة هي من خواص سجية الشر (Haybron 2002b, 269). 

 

4.1 التفسير القائم على الفعل

يمل معظم المنظرين الذين يكتبون عن الشخصية الشريرة إلى التفسير القائم على الفعل (انظر/ي:, e.g., Barry 2013, 87; Kekes 2005, 2; Thomas 1993, 82; Russell 2014, 180).). وفقا للتفسير القائم على الفعل؛ الأشخاص الأشرار هم من يرتكبون شرا غالبا بما فيه الكفاية؛ أو أنهم لديهم القابلية لارتكاب أفعال شريرة. مثلا، يرى لورانس توماس أن “الشخص ذو الشخصية الشريرة عادة ما يكون أكثر عرضة لارتكاب فعل شرير”( Thomas 1993, 82).

الإشكال المتعلق بالتفسير القائم على الفعل كما يجادل النقاد؛ أنه يبدو كافيا لشخصية شريرة امتلاك مشاعر أو دوافع، ومن ثم، لا يكون الأشخاص الأشرار في حاجة إلى ارتكاب، أو الجنوح لارتكاب أفعال شريرة. مثلا، يبدو أن ساديا غير مؤذ ويتلذذ بمعاناة الآخرين بلا أي نزعة لارتكاب أفعال شريرة، قد لا يزال ممكنا أن يكون شخصا شريرا. وبالمثل؛ يمكن اعتبار سادي عاجز أو جبان، ومع ذلك يشتهي بقوة التسبب بمعاناة الآخرين ولكنه غير مهيئ لارتكاب أفعال شريرة، أيضا يمكن اعتباره شخص شرير (Calder 2009, 23; Haybron 2002b, 264).

 

4.2 التفسير القائم على الأثر

استنادا إلى التفسير القائم على الأثر فإن الناس الأشرار يمتلكون نوعا معينا من المشاعر أو العواطف مثلا؛ يرى كولين مكغين أن “الشخصية الشريرة هي تلك التي تستقي الألم من المتعة والمتعة من الألم”( McGinn 1997, 62). وثمة بعض المعقولية الأولية في هذا الطرح بما أن السادية والحسد الخبيث يشكلان نماذج عن الشر. ولكن، في حين أن لا شك في صحة أن بعض الناس الأشرار هم ساديون أو حسودون خبيثون، فثمة سبب للاعتقاد بأن مشاعر الألم في المتعة والمتعة في الألم أو أية أنواع أخرى من المشاعر، ليست بالضرورة كافية للشخصية الشريرة. مشكلة التفكير في ضرورة امتلاك الشخصية الشريرة لمشاعر من نوع معينة هي أنها قد تتسبب بأذى بالغ وبشكل روتيني لضحاياها دون أي مشاعر مرافقة. مثلا؛ الشخص الذي عادة ما يذم بالمشاة غير مبال بسلامتهم، دون أي مشاعر مرافقة، يبدو صالحا ليكون شخصا شريرا (Calder 2003, 368). 

مشكلة التفكير في أن أنواعا معينة من المشاعر، كالشعور بالمتعة لألم شخص آخر، كاف لاعتبار الشخص شريرا هي أن هذا النوع من المشاعر قد يكون لاإراديا ولا تطاق من قبل الشخص الذي يملكهم. مثلا؛ قد يكون جون مُكوّنا للتعامل مع ألم شخص بمتعة، ولو أن جون لا يشتهي الشعور بالمتعة لألم الآخرين ومُروّعٌ من مشاعره السادية فسيكون قاسيا وصفه بالشرير. وبدلا من إدانته يجب الإشفاق عليه.  وسيكون وصف شخص كجون بالشرير، كلوم إحداهن على منعكسها الرضفي Patellar reflex (Calder 2003, 368–369).  

4.3 التفسير القائم على الدافع

استنادا إلى التفسير القائم على الدافع؛ أن تكون شخصا شريرا يعني أن تكون مدفوعا بطريقة معينة. مثلا؛ يعتقد تود كالدر أنه حَسْبُ المرء امتلاك نزعة منتظمة لنوع معين من الرغبات e-desires ليكون شخصا شريرا. والـ e-desires، هي حالة تحفز تتكون من رغبة فيما يُعتَقدُ بشكل واضح صحيح أنه أذى صريح لشخص آخر لغاية تافهة؛ أو ما يعتقد بشكل واضح صحيح أنه أذى صريح للشخص الآخر لغاية تافهة في غياب خداع الذات (انظر/ي القسم 3.5.3 للمزيد عن شر خداع الذات). وفقا لكالدر؛ يكون الأذى الصريح مرغوبا لغاية تافهة، إن كان إنجاز الغاية إلى جانب الأذى أقل قيمة من لو أن الغاية لم تنجز وتم تجنب الأذى (Calder 2003 and 2009. See also Card, 2002, 21 for a similar view).

مشكلة التفسير القائم على الدافع هي في تفسير لماذا علينا أن نحكم على إحداهن كشريرة فقط بناء على دوافعها؛ بكلمات أخرى، لماذا ندين شخصا بالأسوأ أخلاقيا لامتلاك رغبات معينة إن لم يتمخض عن هذه الرغبات أي أذى ملحوظ؟ لماذا لا نحكم على الناس كأشرار فقط لو أنهم حقا تسببوا بأذى صريح؟ إحدى طرق الرد على هذا الاعتراض الإشارة إلى أنه حتى لو لم يتمخض عن الـ e-desires أذى صريح في بعض الحالات بعينها أو عند بعض الأشخاص بعينهم، فإن الـ e-desires، عند أغلب الناس في أغلب الأوقات، تقود إلى أذى صريح (لنظرية السائق التبعية Driver’s consequentialist عن الفضيلة والرذيلة خط تفكير مماثل). أو أيضا، قد يصر مؤيد للتفسير القائم على الدافع على أن الحكم على الشخصية الشريرة ينظر إلى داخل سيكولوجيا الفاعل وليس إلى الآثار (أو الآثار المحتملة) لأفعالها (انظر/ي: Calder 2007b، لوجهة نظر مشابعة عن الفضيلة والرذيلة).

ولكن، إن كنا نصر على أن الحكم على الشخصية الشريرة ينظر إلى داخل سيكولوجيتها وليس إلى الآثار المترتبة على أفعالها، لم إذن الحكم على الشخصية الشريرة فقط استنادا إلى دوافعها؟ لم لا نأخذ بالحسبان حالاتها العاطفية أيضا؟ (Haybron 2002b, 267).

 

4.4 التفسير القائم على الانتظام

استنادا إلى التفسير القائم على الانتظام؛ يمتلك الأشخاص الأشرار خواص سجية الشر مرارا أو بشكل اعتيادي (انظر/ي:, e.g., Card 2002, 20; Kekes 1990, 48; 1998, 217; 2005, 3; Stone 2009, 23). على سبيل المثال، يكتب جون كيكيز أنه عندما “يكون الفاعلون مصادر اعتيادية للشر.. يمكننا اعتبارهم، لا مجرد أفعالهم أو سماتهم الشخصية، بوصفهم شرا”( Kekes 1990, 48). وما يميز الذين يستندون إلى التفسير القائم على الانتظام أنهم يفسرون بداهة استحاق الأشخاص الأشرار أشد إداناتنا الأخلاقية (Russell 2014, 135). لأنه لو أن الأشخاص الأشرار يتمتعون بخواص سجية الشر مرارا أو بشكل اعتيادي، فمن المنطقي القول أنهم أسوأ أناس ويستحقون أشد إداناتنا الأخلاقية.

ولكن ثمة مشكلة بالتفسيرات القائمة على الانتظام وهي أنها تبدو غير قادرة على منْطَقَةِ حقيقة أن بعض الأشخاص الأشرار نادرا (إن أبدا) ما يتمتعون بسجية الشر. مثلا، يرى لوك راسل، بأن علينا رفض التفسيرات القائمة على الانتظام لأنها لا تلائم بداهة أن قاتلا نوابيا Spree Killer، في حالة خمول، قد يكون شريراً (Russell 2014, 139). لا يرتكب القاتل النوابي أفعالا شريرة بشكل منتظم أو مرارا؛ إنها تخطط وتتخيل هجماتها، ومن ثم تؤدي أفعالها الشريرة بشكل متقطع أو كلها دفعة واحدة. ولذلك، يجادل راسل، إن كان القتلة النوابيين الذين في حالة خمول أشراراً كما نعتقد أنهم ما عليه، فإذن علينا رفض التفسيرات القائمة على الانتظام.

ولكن، يجب ملاحظة أن مثال راسل المضاد يصلح فقط لمعارضة التفسيرات القائمة على الفعل المنتظم، بما أن مؤيدي التفسيرات القائمة على الدافع المنتظم أو الأثر المنتظم قد يجادلون بأن القتلة النوابيين الخاملين يملكون بالفعل خواص السجية الشريرة، كالمشاعر الشرير أو الشهوات الشريرة، بشكل منتظم أو متقطع، أثناء مرحلة التخطيط و/أو التخيل (حتى لو لم يرتكبوا أفعالا شريرة)، ومن ثم، يمكن عدُّهم كشخصيات شريرة في إطار هذه الأنواع من التفسيرات القائمة على الانتظام. يصبح السؤال إذن، هل ثمة أشخاص يمكن مقارنتهم مع القتلة النوابيين الخاميون في كونهم بدل أن يملكوا مشاعر أو شهوات شريرة بشكل اعتيادي، يملكونها نادرا أو بشكل متقطع؟ يبدو أن ثمة احتمالية لهكذا حالات عند شحّ فرص المشاعر والشهوات الشريرة. مثلا، يمكننا تخيل شخصية شريرة تقطعت بها السبل في جزيرة نائية تفشل في امتلاك مشاعر أو شهوات شريرة. وبعد سنوات عديدة دون أي ضحايا محتملين، ومع الحاجة إلى تركيز انتباهها على البقاء، قد تعدم المشاعر والشهوات الشريرة نظرا لانعدام الحافز. سيعني هذا أنها لم تعد شخصا شريرا استنادا إلى التفسيرات القائمة على انتظام الدافع والأثر. ولكن، سيجدر بنا القول أنها لا تزال شخصية شريرة إن كانت لا تزال في قابلية disposed، لامتلاك مشاعر وشهوات شريرة بمعنى أن شهواتها ومشاعرها الشريرة ستعود من فورها إن ضحية ظهرت أمامها. وإن كان الأمر كذلك، فيجب أن نرفض التفسيرات القائمة على انتظام الأثر والدافع.

 

4.5 التفسيرات القائمة على القابلية

يتبنى معظم المنظرين الذين يكتبون عن الشخصية الشريرة التفسيرات القائمة على القابلية (انظر/ي:, e.g., Barry 2013, 87; Haybron 2002a, 70; Russell 2010 and 2014, 154–195). وبشكل عام؛ تدعي التفسيرات القائمة على القابلية أن شخصا تكون شريرة فقط وفقط إذا،كانت معدة لامتلاك خواص سجية الشر.

مشكلة التفسيرات القائمة على القابلية المحتملة هي أنها تبدو في تعارض مع بداهة أن الأشخاص الأشرار نادرون بما أن معظمنا معد لامتلاك خواص سجية الشر في وضعيات معينة (Russell 2014, 159). مثلا، ولنفترض للحظة أن الأفعال الشريرة هي خواص سجية الشر، يبين ستانلي ميلغرام، أن معظمنا لدينا الاستعداد لارتكاب أفعال شريرة (على وجه الخصوص، إدارة الصدمات الكهربائية التي قد تكون قاتلة لأناس أبرياء) عندما نكون في ظروف تجريبية معينة (مثلا عندما يطلب منا فعل ذلك بوساطة باحث يعمل في مؤسسة راقية وفي سياق دراسة عن العقاب والتعلم) (Milgram 1974). صممت تجارب ميلغرام لتفسر لنا كيف أن آلاف الأشخاص العاديين كانوا ليلعبوا دورا في صناعة الهولوكست خلال الحقبة النازية. يظهر بحث ميلغرام إلى أن معظمنا لديه القابلية لارتكاب أفعال شريرة بتأثير، بتلاعب أو بضغط لفعل ذلك بوساطة رموز سلطوية كما كان حال أناس كثر في ألمانيا النازية (Russell 2014, 170–173). ولكن إن كان معظمنا معد لارتكاب أفعال شريرة في تلك الوضعيات، فسيبدو الأمر في سياق التفسيرات القائمة على القابلية للشخصية الشريرة، أن معظمنا أشرار، وعليه، فالشر ليس نادرا.

لمَنْطَقَةِ ندرة الشخصية الشريرة، يقترح لوك راسل تفسيرا ضيقا يقوم على القابلية والذي استنادا إليه يكون الشخص شريرا، فقط وفقط إذا كانت شديدة الاستعداد إلى ارتكاب أفعال شريرة في ظروف تكون فيها متحكمة ذاتيا (Russell 2014, 72–75. ، يجادل Peter barry بوجهة نظرٍ مماثلة: انظر/ي: 2013, 82–90]).). لتكون شديد الاستعداد (كضد لمجرد مُعَدّ) لامتلاك خواص سجية الشر، أي من المحتمل جدا أن، كضد لمجرد قادر، تمتلك خواص سجية الشر (Russell 2014, 156). وظروف التحكم الذاتي هي الظرروف التي فيها تكون فاعلة الشر ليست “مخدوعة، مهددة، مجبرة أو مضغوطة” (Russell 2014, 173)، وعليه، تكون قادرة على فعل ما تريد فعله حقا. واستنادا لراسل، رغم أن معظمنا مستعدون بشدة لارتكاب أفعال شريرة في سياريوهات ميلغرام، وبما أن سيناريوهات ميلغرام ليست ظروف تحكم ذاتي، فمعظمنا ليسوا أشخاصا أشرار.

قوبل تفسير راسل القائم على القابلية المتحكمة ذاتيا بعدة اعتراضات (Calder 2015b). اعتراض أول عدم وضوح التحسين الذي يضفيه تفسير راسل الضيق القائم على القابلية على تفسير أكثر أولية قائم على القابلية والذي فيه يكون الأشخاص الأشرار ببساطة أولئك المستعدون بشدة لارتكاب أفعال شريرة (Calder 2015b, 356–357). بحيث يمكن المجادلة بأنه وبما أن معظم مواضيع تجربة ميلغرام فوجئوا أو وُتِّروا بما طلب منهم فعله، كان يمكن لهم عدم المشاركة في إعادات لاحقة من التجربة. وإن كان الأمر كذلك، فمواضيع تجربة ميلغرام كانوا مستعدون بشدة لارتكاب أفعال شريرة فقط لمّا فوجئوا بالظروف الأولية لتجربة ميلغرام، وليس بشكل استمرارية تلك الظروف. ولكن إن لم يكن لدينا الاستعداد لارتكاب أفعال شريرة بشكل مستمر، فليس لدينا إذن استعدادية شديدة لارتكاب أفعال شريرة، أو على الأقل، قد يجادل أحدهم، ليس بالمعنى الضمني الذي يعنيه التفسير القائم على القابلية. أكثر من ذلك، لو أن بعض مواضيع تجربة ميلغرام كانوا قد شاركوا بكامل إرادتهم في إعادات لاحقة للتجربة، فليس واضحا إن لم يكونوا بالأصل أشخاصا أشرارا، الأمر الذي يعاكس تفسير راسل القائم على القابلية المتحكِّمة ذاتيا.

اعتراض ثان على تفسير راسل القائم على القابلية المتحكمة ذاتيا أنها خيطت خصيصا للقبض على بداهة بعضنا لا يشاركها: أن بعض الناس لا يمكن أن يكونوا أشخاصا أشرارا في أي بيئة، ولا حتى السياسيين العدائيين. تقوم نظرية راسل على فكرة أنه لو كان معظمنا مُعَدّ بشدة لارتكاب أفعال شريرة في بيئة من نوع معين، كألمانيا النازية، فإذن نحن لسنا أشخاصا أشرارا إن كنا قابلين لارتكاب أفعال شريرة فقط في تلك الحالات. ولكننا قد نرفض هذا الاستنتاج ونجادل بدلا منه بأن معظمنا معرض لنكون أشخاصا أشراراً في هذه البيئات ولذلك نحتاج لنكون متيقظين من هذه البيئات.

 

4.6 أطروحات إضافية عن الشخصية الشريرة

إضافة إلى بحثهم في التفسيرات القائمة على الانتظام أو القابلية من جهة، والتفسيرات القائمة على الفعل، الأثر أو الدافع من جهة أخرى؛ بحث المنظرون أطروحات إضافية أخرى تتعلق بالشخصية الشريرة.

 

4.6.1 أطروحة الثبات

تتمتع الشخصيات الشريرة، استنادا لأطروحة الثبات، بشخصيات ثابتة، أو راسخة، على نحو أنه من الصعب الانتقال من الشر إلى اللاشر، وتغيّر كهاذ يندر وقوعه. يضيف المنظرون مكونات الثبات إلى نظرياتهم عن الشخصية للقبض على الحدس القائل بأن الأشخاص الأشرار أقرب لحالة مستعصية أخلاقيا، أي وراء “التواصل والتفاوض، التوبة والإصلاح” (Russell 2014 169. See also, Barry 2013, 82–87).

جادل تود كالدر ضد أطروحة الثبات؛ لنتصور أن دارلين تتمتع بقابلية عالية الثبات لارتكاب أفعال شريرة إلى درجة أنها لا تفعل إلا القليل لمقاومتها، وجيوف أيضا يتمتع بقابلية لارتكاب أفعال شريرة، ولكن قابليته ليست عالية الثبات لأنه لامبال بما إن كان يتوجب به أن يكون مُعَداً لارتكاب أفعال شريرة وبشكل عام فهو نزوي بلا مبادئ. فمن غير الواضح إن كانت دارلين شخصا شريرا في حين أن جيوف ليس كذلك. وإن كان الأمر كذلك فلن يكون ثمة حاجة بشخصيات الأشخاص الأشرار أن تكون عالية الثبات (Calder 2015b, 354).

 

4.6.2 أطروحة الاتساق

يملك الأشخاص الأشرار، وفقا لأطروحة الاتساق، خواص سجية الشر، أو القابلية لامتلاك خواص سجية الشر، بشكل دائم، أو تقريبا طوال الوقت. مثلا، يرى دانيال هايبرون أنه كي “تكون شريرا… يعني أن تكون وبشكل دائم سافلا بالمنطق التالي: أن لا تتحيز إلى الخير إلى حد هائل أخلاقيا”. (Haybron 2002b, 269). ويقصد بهذا المعنى أن الناس الأشرار تقريبا دائما ما يعدمون التعاطف والاهتمام بالآخرين، وليسوا محفزين بأي طريقة لمساعدة الآخرين أو فعل الصواب أخلاقيا.

يناقض بعض المنظرين أطروحة الاتساق بأطروحة التطرف الحدي Extremity والتي وفقا لها يتمتع الأشخاص الأشرار ببعض السمات الشخصية المتطرفة، كالقسوة الشديدة أو كالخبث الشديد (Haybron 2002a; Barry 2013, 56–71). وفي حين تبقى أطروحة الاتساق مثيرة للجدل، تنسجم أطروحة التطرف الحدي مع معظم نظريات الشخصية الشريرة.

يعتقد نقاد أطروحة الاتساق بأنها شديدة التقييد (Calder 2009, 22–27; Russell 2010, 241). لنتخيل أن بوب يحب تعذيب الأطفال ويفعل ذلك بشكل دائم، ولكنه، بوب، أيضا يظهر تعاطفا أصيلا للكبار في السن، ربما من خلال التطوع في منشأة رعاية طويلة الأمد بشكل منتظم. استنادا إلى أطروحة الاتساق، لن يكون بوب شخصا شريرا لأنه لا يتمتع بخواص سجية الشر بشكل متسق. ومع ذلك، سيقول معظم الناس أن التسلي بتعذيب الأطفال وبشكل منتظم سيجعل من بوب شخصا شريرا (Calder 2009, 22–27).

 

4.6.3 أطروحة المرآة

يكون الشخص الشرير، استنادا لأطروحة المرآة، انعكاس صورة القديس الأخلاقي. يعتنق العديد من المنظرين الذين يكتبون عن الشخصية الشريرة هذه الأطروحة ويستخدمونها في مجادلاتهم النظرية (Barry 2009; 2013; Haybron 2002b). دانيال هايبرون، مثلا، يعتقد أن أحد الأسباب لقبول قناعته بأن الأشخاص الأشرار كليا (أو تقريبا كليا) لا يتحيزون إلى الخير، هو أنه، أي السبب، ينسجم تماما مع بداهة أن القديسين الأخلاقيين يصطفّون بشكل كامل (أو شبه كامل) إلى جانب الخير  (Haybron 2002b, 274)، وتتضمن هذه المجالة إحالة ضمنيّة لأطروحة المرآة.

يرفض لوك راسل أطروحة المرآة، مجادلا بأنه في حين أن القديسين الأخلاقيين محط إعجاب أخلاقيا من كل النواحي، فإن بعض الأشرار النموذجيين يمتلكون سمات أخلاقية محط إعجاب أيضا، كالشجاعة، الالتزام والوفاء، والتي تساعدهم على تحقيق غاياتهم اللاأخلاقية (Russell 2010, 241–242). وبما أن الأشخاص الأشرار ليسوا بحاجة لأن يكونوا سيئين بكل حيثية وعلى القديسين الأخلاقيين أن يكونوا خيرين في كل حيثية فيتوجب علينا رفض أطروحة المرآة. وفي الرد يعتقد بيتر باري أنه في سياق المفاهيم المعقولة عن القداسة الأخلاقية، أي تلك التي بمكنتها مَنْطَقَةُ القديسين الأخلاقيين الواقعيين كالمهاتما غاندي، مارتن لوثر كينج جونيور والأم تيريزا، يمكن للقديسين الأخلاقيين امتلاك بعض العيوب الأخلاقية (Barry 2011). وعليه، فحقيقة امتلاك بعض الأشخاص الأشرار لسمات موضع إعجاب لا يجب أن يقنعنا برفض أطروحة المرآة. 

 

  1. الأعراف الشريرة

في حين أن معظم المنظرين الذين يكتبون عن الشر يركزون على الفعل الشرير والشخصية الشرير، أيضا كان هناك نقاش للأعراف الشريرةEvil institutions . وعند حديثنا عن الأعراف الشريرة قد نعني شيئا من اثنين: (1) المنظمات الشريرة أو التي ترتكب أفعالا شريرة، أو (2) الممارسات الاجتماعية الشريرة، كالعبودية أو الإبادة الجماعية. وبما أن المنظمات تكون شريرة، أو ترتكب أفعالا شريرة فقط إن كانت مسؤولة أخلاقيا عما تفعله، فالسجال المتعلق بمفهوم الأعراف الشريرة بالمعنى الـ (1) يجري في إطار “المسؤولية الجماعية collective responsibility”. ولن تناقش الأعراف الشريرة بهذا المعنى في هذا المدخل (للمساهمات الأخيرة حول الأدبيات التي تتتناول بشكل جلي الشر الجماعي، انظر/ي/ي: Scarre 2012).

وفقا لكلاوديا كارد، يكون العرف بالمعنى الـ (2)، كممارسة اجتماعية، شرا إن كان معقولا التكهن بأن ضررا لا يطاق سيتمخض عن سيره الطبيعي أو الصحيح دون تسويغ أو عذر أخلاقي (2002, 20; 2010, 18, 27–35). فمثلا، تكون الإبادة الجماعية عرف شرير an evil institution بما أن ضررا بالغا وخسارة اجتماعية حيوية تتمخص عن سيره الطبيعي والصحيح دون مسوغ أخلاقي (Card 2010, 237–293). 

ولكن، في حين أن تفسير كارد للأعراف الشرير يحدد بشكل صحيح الإبادة الجماعية ونماذج أعراف شريرة أخرى كشر؛ يصنف تفسيرها أيضا كشر بعض الأعراف الأقل وضوحا أن تكون شرا، كعقوبة الإعدام، الزواج والأمومة (Card 2002, 2010). وكان تصنيفها للزواج والأمومة بشكل خاص مثيرا للجدل.

استنادا لكارد، تعد الأمومة والزواج شرا ممؤسسا لأنه من المعقول التكهن أن سيرهما الطبيعي، أو المضبوط، سيؤدي إلى ضرر لا يطاق في شكل العنف المنزلي دون أي عذر أو مسوغ (Card 2002, 139–165). مثلا، تعتقد كارد أن السير الطبيعي، أو المضبوط للزواج يؤدي إلى الإساءة الزوجية “لأنه يوفر الدوافع للشركاء للبقاء في علاقة محطمة، يضع عقبات في طريق الهروب من علاقات محطمة، يمنح المجرمين المسيئن حقوق وصول افتراضية غير محدودة لضحاياتهم، ويجعل بعض أشكال الإساءة من الصعب أو المستحيل كشفها أو إثباتها”( Calder 2009, 28). تعتقد كارد أنه ليس ثمة مسوغ أخلاقي للضرر الذي لا يطاق الناشئ عن عرف الزواج لأن لا شيء يمنعنا من إبطال الزواج لصالح أعراف أخرى أقل خطرا.

يعتقد النقاد أنه حتى لو كانت كارد محقة في أنه المعقول التكهن أن عرف الزواج سيؤدي إلى أضرار لا تطاق، يظل وصف الزواج بالعرف الشرير وصفا أخرقا. مثلا، يعتقد تود كالدر أن من الواجب اعتبار عرف شرا فقط إن كان ضررا لا يطاق مكونا جوهريا من مكونات العرف. وبما أن الخسارة الاجتماعية الحيوية والمعاناة مكونان جوهريان للإبادة الجماعية؛ فالإبادة الاجماعية عرف شرير. ولكن، بما أن الإساءة الزوجية ليست مكونا جوهريا للزواج فالزواج ليس عرفا شريرا (Calder 2009, 27–30).

 


المراجع

  • Aharoni, E., K.A. Kiehl, and W. Sinnott-Armstrong, 2012, “Can Psychopathic Offenders Discern Moral Wrongs? A New Look at the Moral/Conventional Distinction,” Journal of Abnormal Psychology, 121 (2): 484–497.
  • Allison, H.E., 2001, “Reflections on the Banality of (Radical) Evil: A Kantian Analysis,” in Rethinking Evil: Contemporary Perspectives, María Pía Lara (ed.), Berkeley: University of California Press, pp. 86–100.
  • Anglin, B. and S. Goetz, 1982, “Evil Is Privation,” International Journal of the Philosophy of Religion, 13 (1): 3–12.
  • Arendt, H., 1951 [1985], The Origins of Totalitarianism, San Diego: A Harvest Book, Harcourt, Inc.
  • –––, 1963 [1994], Eichmann in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil, New York: Penguin Books.
  • Aristotle, Nichomachean Ethics, M. Ostwald (trans.), Upper Saddle River, New Jersey: Prentice Hall, 1999.
  • Augustine, Confessions, H. Chadwick (trans.), Oxford: Oxford University Press, 1991.
  • –––, On the Morals of the Manichaeans, in Writings in Connection With the Manichaean Heresy, Vol 2 of The Works of Aurelius Augustine: Bishop of Hippo, R. Stothert (trans.), Rev. M. Dods (ed.), Edinburgh: T&T Clark, 1872, pp. 51–63.
  • –––, Reply to Manichaeus’ Fundamental Epistlein Writings in Connection With the Manichaean Heresy, Vol 2 of The Works of Aurelius Augustine: Bishop of Hippo, R. Stothert (trans.), Rev. M. Dods (ed.), Edinburgh: T&T Clark, 1872, pp. 132–144.
  • Bar On, B., 2012, “Standing Between Us and Our Grave Wrongdoings,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVI: 112–126.
  • Barry, P.B., 2009, “Moral Saints, Moral Monsters, and the Mirror Thesis,” American Philosophical Quarterly, 46 (2): 163–176.
  • –––, 2011, “In Defense of the Mirror Thesis,” Philosophical Studies, 155 (2): 199–205.
  • –––, 2013, Evil and Moral Psychology, New York: Routledge.
  • Bernstein, R., 2002, Radical Evil: a philosophical interrogation, Malden, MA: Polity Press.
  • –––, 2008, “Are Arendt’s Reflections on Evil Still Relevant?,” The Review of Politics, 70 (1): 64–76.
  • Brink, D., 1989, Moral Realism and the Foundations of Ethics, New York: Cambridge University Press.
  • Burt, D.X., 1996, Augustine’s World: An Introduction to His Speculative Philosophy, Lanham, Maryland: University Press of America.
  • Calder, T., 2002, “Towards a Theory of Evil: A Critique of Laurence Thomas’s Theory of Evil Acts,” in Earth’s Abominations: Philosophical Studies of Evil, D. M. Haybron (ed.), New York: Rodopi, pp. 51–61.
  • –––, 2003, “The Apparent Banality of Evil,” Journal of Social Philosophy, 34 (3): 364–376.
  • –––, 2007a, “Is the Privation Theory of Evil Dead?” American Philosophical Quarterly, 44 (4): 371–381.
  • –––, 2007b, “Against Consequentialist Theories of Virtue and Vice,” Utilitas, 19 (2): 201–219.
  • –––, 2009, “The Prevalence of Evil,” in Evil, Political Violence and Forgiveness, A. Veltman and K. Norlock (eds.), Lanham, Maryland: Lexington Books, pp. 13–34.
  • –––, 2013, “Is Evil Just Very Wrong?” Philosophical Studies, 163 (1): 177–196.
  • –––, 2015a, “Evil and Its Opposite,” Journal of Value Inquiry, 49 (1–2): 113–130.
  • –––, 2015b, “Evil Persons,” Criminal Justice Ethics, 34 (3): 350–360.
  • Card, C., 2002, The Atrocity Paradigm: A Theory of Evil, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2010, Confronting Evils: Terrorism, Torture, Genocide. Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2016, “Taking Pride in Being Bad,” in Oxford Studies in Normative Ethics, 6: 37–55.
  • Clendinnen, I., 1999, Reading the Holocaust, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Cole, P., 2006, The Myth of Evil: Demonizing the Enemy, Westport, Connecticut: Praeger.
  • Coyel, J.K., 2009, Manichaeism and Its Legacy, Boston: Brill Academic Publishers.
  • De Wijze, S., 2018, “Small-Scale Evil,” Journal of Value Inquiry, 52 (1): 25–35.
  • Driver, J., 2001, Uneasy Virtue, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Duff, A., 1977, “Psychopathy and Moral Understanding,” American Philosophical Quarterly, 14 (3): 189–200.
  • Eagleton, T., 2010, On Evil, New Haven, Connecticut: Yale University Press.
  • Feinberg, J., 2003, “Evil,” in Problems at the Roots of Law, Oxford: Oxford University Press.
  • Formosa, P., 2007, “Kant on the Radical Evil of Human Nature,” The Philosophical Forum, 38 (3): 221–245.
  • –––,2008, “A Conception of Evil,” Journal of Value Inquiry, 42 (2): 217–239.
  • –––,2013, “Evils, Wrongs and Dignity: How to Test a Theory of Evil,” Journal of Value Inquiry, 47 (3): 235–253.
  • Garcia, E.V., 2002, “A Kantian Theory of Evil,” The Monist, 85 (2): 194–209.
  • Garrard, E., 1998, “The Nature of Evil,” Philosophical Explorations: An International Journal for the Philosophy of Mind andAction, 1 (1): 43–60.
  • –––, 2002, “Evil as an Explanatory Concept,” The Monist, 85 (2): 320–336.
  • Garrard, E. and David McNaughton, 2012, “Speak No Evil” Midwest Studies in Philosophy, XXXVI: 1–17.
  • Goldberg, Z.J., 2017, “Can Kant’s Theory of Radical Evil Be Saved?” Kantian Review, 22 (3): 395–419.
  • –––, forthcoming, “A Relational Appraoch to Evil Action: Vunerability and its Exploitation,” Journal of Value Inquiry, first online 16 May 2018, doi: 10.1007/s10790-018-9637-x
  • Grant, W.M., 2015, “The Privation Account of Moral Evil: A Defense,” International Philosophical Quarterly, 55 (3): 271–286.
  • Haksar, V., 1965, “The Responsibility of Psychopaths,” Philosophical Quarterly, 15 (59): 135–45.
  • Hare, R.D., 1999, Without Conscience: The Disturbing World of the Psychopaths Among Us, New York: The Guilford Press.
  • Haybron, D.M., 2002a, “Consistency of Character and the Character of Evil,” in Earth’s Abominations: Philosophical Studies of Evil, D.M. Haybron (ed.), New York: Rodopi, pp. 63–78.
  • –––, 2002b, “Moral Monsters and Saints,” The Monist, 85 (2): 260–284.
  • Held, V., 2001, “The Language of Evil,” in Controversies in Feminism, J. Sterba (ed.), Oxford: Rowman& Littlefield Publishers, Inc, pp. 107–110.
  • Jones, D., 1999, Moral Responsibility in the Holocaust: A Study in the Ethics of Character, Lanham, MD: Rowman& Littlefield Publishers, Inc.
  • Kane, G.S., 1980, “Evil and Privation,” International Journal of the Philosophy of Religion, 11 (1): 3–58.
  • Kekes, J., 1990, Facing Evil, Princeton: Princeton University Press.
  • –––, 1998, “The Reflexivity of Evil,” Social Philosophy and Policy, 15 (1): 216–232.
  • –––, 2005, The Roots of Evil, Ithaca: Cornell University Press.
  • Kant, I., 1785, The Groundwork of the Metaphysics of Morals, M. Gregor (Trans. and ed.), New York: Cambridge University Press, 1997.
  • –––, 1793, Religion Within the Limits of Reason Alone, T. M. Greene and H. H. Hudson (trans.), La Salle, Illinois: The Open Court Publishing Co., 1960.
  • Kramer, M.H., 2011, The Ethics of Capital Punishment: A Philosophical Investigation of Evil and Its Consequences, Oxford: Oxford University Press.
  • Levy, N., 2007, “The Responsibility of the Psychopath Revisted,” Philosophy, Psychiatry, & Psychology, 14 (2): 129–138.
  • –––, 2014, “Psychopaths and Blame: The Argument from Content,” Philosophical Psychology, 27 (3): 351–367.
  • Liberto, H. and Fred Harrington, 2016, “Evil, Wrongdoing, and Concept Distinctness” Philosophical Studies, 173 (6): 1591–1602.
  • Lieu, S.N.C., 1985, Manichaeism: In the Later Roman Empire and Medieval China A Historical Survey, Manchester: Manchester University Press.
  • Matravers, M., 2007, “Holding Psychopaths Responsible,” Philosophy, Psychiatry, & Psychology, 14 (2): 139–142.
  • McGinn, C., 1997, Ethics, Evil, and Fiction, Oxford: Clarendon Press.
  • Midgley, M., 1984, Wickedness: A Philosophical Essay, London: Routledge & Kegan Paul.
  • Milgram, S., 1974, Obedience to Authority: An Experimental View, New York: Harper and Row, Publishers.
  • Milo, R.D., 1984, Immorality, Princeton: Princeton University Press.
  • Morton, A., 2004, On Evil, New York: Routledge.
  • Nietzsche, F., 1886, Beyond Good and Evil: Prelude to a Philosophy of the Future, in The Nietzsche Reader, K. A. Pearson and D. Large (ed.), Malden, MA: Blackwell Publishing Ltd, 2006, pp. 311–359.
  • –––, 1887, On the Genealogy of Morality: A Polemic, in The Nietzsche Reader, K. A. Pearson and D. Large (ed.), Malden, MA: Blackwell Publishing Ltd, 2006, pp. 390–435.
  • O’Brien, D., 1996, “Plotinus on matter and evil,” in The Cambridge Companion to Plotinus, L.P. Gerson (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 171–195.
  • Perrett, R.W., 2002, “Evil and Human Nature,” Monist, 85 (2): 304–319.
  • Plotinus, The Enneads, S. Mackenna (trans.), London: Faber, 4th edition, revised by B.S. Page, 1969.
  • Pocock, D., 1985, “Unruly Evil,” in The Anthropology of Evil, D. Parkin (ed.), Oxford: Basil Blackwell Ltd, pp. 42–56.
  • Rosati, C. S., 2008, “Moral Motivation”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Fall 2008 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2008/entries/moral-motivation/>.
  • Russell, L., 2006, “Evil-Revivalism Versus Evil-Skepticism,” Journal of Value Inquiry, 40: 89–105.
  • –––, 2007, “Is Evil Action Qualitatively Distinct From Ordinary Wrongdoing?” Australasian Journal of Philosophy, 85 (4): 659–677.
  • –––, 2009, “He Did It Because he Was Evil,” American Philosophical Quarterly, 46 (3): 267–282.
  • –––, 2010, “Dispositional Accounts of Evil Personhood,” Philosophical Studies, 149 (2): 231–250.
  • –––, 2014, Evil: A Philosophical Investigation, Oxford: Oxford University Press.
  • Scarre, G., 2012, “Evil Collectives,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVI: 74–92.
  • Singer, M.G., 2004, “The Concept of Evil,” Philosophy, 79: 185–214.
  • Singer, P., 1972, “Famine, Affluence, and Morality,” Philosophy and Public Affairs, 1 (3): 229–243.
  • Steiner, H., 2002, “Calibrating Evil,” The Monist, 85 (2): 183–193.
  • Stone, M.H., 2009, The Anatomy of Evil, New York: Prometheus Books.
  • Strawson, P., 1963, “Freedom and Resentment,” in Perspectives on Moral Responsibility, J. M. Fischer and M. Ravizza (ed.), Ithaca: Cornell University Press, 1993, pp. 45–66.
  • Talbert, M., 2008, “Blame and Responsiveness to Moral Reasons: Are Psychopaths Blameworthy?” Pacific Philosophical Quarterly, 89: 516–535.
  • Thomas, L., 1989, Living Morally, Philadelphia: Temple University Press.
  • –––, 1993, Vessels of Evil: American Slavery and the Holocaust, Philadelphia: Temple University Press.
  • –––, 2012, “Self-Deception as the Handmaiden of Evil,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVI: 53–61.
  • Timmons, M., 2017, “The Good, the Bad, and the Badass,” in Significance and System: Essays on Kant’s Ethics, Oxford: Oxford University Press, pp. 293-330.
  • Watson, G., 1987, “Responsibility and the Limits of Evil: Variations on a Strawsonian Theme,” in Responsibility, Character, and the Emotions, F.D. Schoeman (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 256–286.
  • Wolf, S., 1987, “Sanity and the Metaphysics of Responsibility,” in Responsibility, Character, and the Emotions, F.D. Schoeman (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 46–62.
  • Young-Bruehl, E., 1982, Hannah Arendt: For Love of the World, New Haven, Connecticut: Yale University Press.
  • Zimbardo, P., 2007, The Lucifer Effect: Understanding How Good People Turn Evil, New York: Random House Trade Paperbacks.

Other Interesting But Uncited Works

  • Anderson-Gold, S. and Pablo Muchnik (eds.), 2010, Kant’s Anatomy of Evil, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Aquinas, T., Summa Theologia(Volume 8: Creation, Variety and Evil), T. Gilby (trans.). Cambridge: Cambridge University Press, 2006.
  • –––, On Evil, R. Regan (trans.). Oxford: Oxford University Press, 2003.
  • Calder, T., 2004, “Evil, Ignorance, and the 9/11 Terrorists,” Social Philosophy Today, 20: 53–66.
  • Card, C., 2001, “Inequalities versus Evils,” in Controversies in Feminism, J. Sterba (ed.), Oxford: Rowman& Littlefield Publishers, Inc, pp. 83–98.
  • Cesarani, D., 2004, Becoming Eichmann: Rethinking the Life, Crimes, and Trial of a “Desk Murderer,”Rayleigh, Essex: Da Capo Press.
  • Cleckley, H., 1955, The Mask of Sanity: An Attempt To Clarify Some Issues About the So-Called Psychopathic Personality, St. Louis: The C.V. Mosby Company, 3rd
  • Haybron, D.M., 1999, “Evil Characters,” American Philosophical Quarterly, 36 (2): 131–148.
  • Kekes, J., 1988, “Understanding Evil,” American Philosophical Quarterly, 25 (1): 13–23.
  • Lara, M.P. (ed.), 2001, Rethinking Evil: Contemporary Perspectives, Berkeley: University of California Press.
  • Mathewes, C.T., 2001, Evil and the Augustinian Tradition, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Milo, R.D., 1998, “Virtue, Knowledge, and Wickedness,” Social Philosophy and Policy, 5 (1): 196–215.
  • Neiman, S., 2002, Evil: an Alternative History of Philosophy, Princeton: Princeton University Press.
  • Stocker, M., 1979, “Desiring the Bad: An Essay in Moral Psychology,” The Journal of Philosophy, 76 (12): 738–753.
  • Svendsen, L., 2010, A Philosophy of Evil, K.A. Pierce (trans.). Champaign: Dalkey Archive Press.
  • Thomas, L., 1996, “Becoming an Evil Society: The Self and Strangers,” Political Theory, 24 (2): 271–294.
  • Vetlesen, A.J., 2005, Evil and Human Agency: Understanding Collective Evildoing, Cambridge: Cambridge University Press.

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

[Please contact the author with suggestions.]

مقالات ذات صلة

Augustine, Saint | evil: problem of | Kant, Immanuel: moral philosophy | Kant, Immanuel: philosophy of religion | moral motivation | moral responsibility | moral skepticism | Nietzsche, Friedrich: moral and political philosophy | Plato: middle period metaphysics and epistemology | Plotinus | reasons for action: internal vs. external | responsibility: collective


[1] Calder, Todd, “The Concept of Evil”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2020/entries/concept-evil/>.