مجلة حكمة
إفريقيا ليست مخبر تجارب

إفريقيا ليست مخبر تجارب – أوليفيي رونو / ترجمة: راضية تومي


إفريقيا ليست مخبر تجارب

أثار النقاش الذي دار بين مدير بحث من المعهد الوطني للصحة و البحث الطبي  (l’Inserm) و رئيس مصلحة في مستشفى كوشان (Cochin) على قناة أل سي إي (LCI) حول فكرة إجراء اختبارات للقاحات ضد كوفيد-19 في إفريقيا غضبا في القارة الإفريقية و عبر العالم. هذه التصريحات تُبيِّن بشكل بالغ الوضوح كيف تنظر فرنسا إلى إفريقيا.

في خِضّم هذه الأزمة، ينكشف في وضح النهار احتقار النخبة الفرنسية لإفريقيا، بدءا بمدير معهد هام للأبحاث مرورا بمستشفى كبير و وصولا إلى السياسة الخارجية لفرنسا. يجب على إفريقيا الآن أن تبني نفسها دون الاعتماد على فرنسا و الغرب و أن تستقل بذاتها. في الوقت الذي أصبحت فيه الحدود من جديد مغلقة، يجب على البلدان أن تدعم مصالح شعوبها و ألاّ تنتظر مساعدة من أحد أو تسمح بأن يسيطر عليها “جار ما”، و هي ملاحظة في محلّها بالنسبة لإفريقيا و للبلدان الأوربية.

ما زال السؤال الذي طرحه جان بول ميرا Jean-Paul Mira و هو رئيس مصلحة الإنعاش بمستشفى كوشان (Cochin) بِباريس على كامي لوكط Camille Locht و هو عالِم و مدير بحث بالمعهد الوطني للصحة و البحث الطبي (Inserm) و الذي يتعلق بالفائدة من إجراء تجارب لهذه اللقاحات ضد كوفيد-19، و اللقاح المعنيّ بالتجربة في إفريقيا هو بي سي جي (BCG)، يُذكي جدلا في القارة الإفريقية و العالَم.

يتساءل جان بول ميرا “لو سُمِح لي بأن أكون مُستفِزا، أليس من الأجدر أن نقوم بهذه الدراسة في إفريقيا حيث لا توجد كمّامات و لا يوجد علاج و إنعاش؟” مضيفا على سبيل المقارنة بأن”الأمر يشبه قليلا ما يجرى مع بعض الدراسات حول السيدا. تُجرَّب أشياء على البغايا لأننا نعلم أنهن عرضة لمخاطر كبيرة و أنهن لا تحمين أنفسهنّ”.

و يعتبر مدير المعهد الوطني للصحة و البحث الطبي (Inserm)  هذا الطّرح صحيحا تماما إذ إنه يردّ دون أن يستنكر كلام زميله:

“أنت مُحِقّ. ثم إننا بصدد التفكير في دراسة موازية في إفريقيا”.

الكثير من الشخصيات المعروفة استنكرت كلام الطبيبيْن حيث كتب أوليفيي فور Olivier Faure ، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، على تويتر”هذا ليس استفزازا. إنها العنصرية ببساطة. إفريقيا ليست مَخبَر أوروبا و الأفارقة ليسوا جرذانا!”.

أمّا المُخرجة أماندين قاي Amandine Gay فوصفت الأمر بتدخل “عنصري” و “رِهاب البغايا” و “رِهاب حامل فيروس السيدا”، داعية المشتركين في حسابها على تويتر أن يتقدموا بشكوى لدى المجلس الأعلى للسمعي البصري (CSA) و كذلك لدى نقابة عمال و عاملات الجنس (le STRASS) . كما أن رابطة الدفاع عن الأفارقة السود (LDNA) نشرت تغريدة لها مُطالبة من خلال بيان بـِ “تكذيب قاطع و فوري” من قِبَل المعهد الوطني للصحة و البحث الطبي (l’Inserm)، الذي أكّد كلام الطبيب جان بول ميرا. و في إفريقيا، يتواصل انتشار مشاعر الاضطراب التي أُثيرت بعد تصريحات الطبيبيْن الفرنسيين، بين جموع الشعوب الإفريقية مُغذية الرغبة في التحلل من الروابط مع فرنسا. يدعم هذا الجدلُ الحركات المناهضة لفرنسا التي تنشط في الساحل. و يستنكر كيمي سيبا (Kemi Seba) المُؤيد للوحدة الإفريقية قائلا:” بعد القيام باختبارات على القرود، تريد “مافْيَاكُم” للصناعة الصيدلانية القيام بتجاربها علينا نحن الأفارقة؟” ثم يهدّد:” تعالوا للقيام بلقاحاتكم عندنا و لن تغادروا على قيد الحياة!”. (1)

و بعد الجدل الكبير حول الاختبارات في إفريقيا، دافع الباحث من المعهد الوطني للصحة و البحث الطبي (l’inserm) عن نفسه من كونه قال كلاما عنصريا لأنّ “الظروف التي أقيمت فيها المقابلة لم تسمح له بأن يردّ بطريقة مناسبة”. بينما دافع المعهد المذكور أعلاه عن مديره و تحدَّث(2) عن أخبار كاذبة على حسابه في تويتر:”أخبار كاذبة #FakeNews تم تأويل فيديو مبتور مأخوذ من مقابلة على القناة “أل سي إي” @LCI مع واحد من باحثينا حول الاستعمال المحتمل للقاح بي سي جي #BCG ضد كوفيد-19    #COVID19   تأويلات خاطئة على مواقع التواصل الاجتماعي”. رئيس مصلحة العناية المركزة و الإنعاش بمستشفى كوشان (Cochin) اعتذر قائلا:”أود أن أقدّم كامل اعتذاري إلى كل اللاّتي و الذين انزعجوا و صُدموا و الذين شعروا بالإهانة بسبب كلام قلته بكيفية غير لائقة”.

في 24 مارس الماضي، أعلن جان إيف لودريون Jean-Yves Le Drian، وزير الشؤون الخارجية الفرنسي، أن غِلافا ماليا(3) سيتم تخصيصه لمساعدة البلدان الأشد ضعفا، و بالخصوص في إفريقيا، لمواجهة الوباء العالمي كوفيد-19. و بعد تصريحات الطبيبيْن اللذين ينتميان إلى الهيئتين الاستراتيجيتيْن في فرنسا و اللتين تعتبران مندمجتين جدا في آلية اشتغال الدولة الفرنسية، يمكننا أن نطرح أسئلة حول هذه المساعدة الكريمة جدا التي تمنحها الحكومة الفرنسية لإفريقيا في قلب أزمة كوفيد-19. بالفعل، برَّر جان إيف لو دريون هذه المساعدة الفرنسية لأنه، مثل الطبيبين، يعتبر أن إفريقيا قارة تخدم مصالح فرنسا و هي أقل شأنا لأنها ضعيفة:”هذا الغلاف المالي يندرج في إطار التعاون الدولي و الدعم الذي من الضروري تقديمه للدول “خارج الاتحاد الأوروبي” و الأشد ضعفا لأنها ستحتاجه في القريب العاجل، و أقصد بالخصوص إفريقيا؛ إنها مسألة تضامن و لكنها أيضا مسألةُ مصلحة لأمْننا”.

هذا الجدل يكشف أنّ على إفريقيا الآن أن تعتمد على نفسها و أن تنسحب نهائيا من وصاية  الغرب و فرنسا عليها. يجب على إفريقيا أن تبني على أراضيها هياكلها لعلاج شعوبها و أن تتخلى عن تلك الرغبة في الذهاب إلى أوروبا لطلب المساعدة.

المصدر: إفريقيا ليست مخبر تجارب


(1) انظر:

https://beninwebtv.com/2020/04/coronavirus-projet-de-test-de-vaccin-en-afrique-kemi-seba-claudy-siar-et-lafrique-choques/

(2) انظر:

https://twitter.com/Inserm/status/1245686267188256768?s=20

(3) انظر:

https://www.lefigaro.fr/flash-eco/coronavirus-un-paquet-financier-va-etre-mobilise-pour-l-afrique-ministre-francais-20200324