الكاتب | أني كولونيا |
ترجمة | محمد نجيب فرطميسي |
يشكل السعي الى السكينة، وكبح جماح الأهواء، والاعتدال والرزانة بعضا من تعاليم حكمة الغرب القديمة. أتاح للقدماء، هذا التقليد الفلسفي الممتد في الزمان، تحقيق أسلوب للعيش، يلزمنا الكثير لتعلمه.
تصوروا، رجلا يؤكد أنه كان، لسبعة قرون مضت، محاربا مقداما، رجلا يدعي أنه “صديق الحكمة”، عارف بأسرار الكون جميعها، كما لو أنه شخصية خيالة، ما جاد الزمان بمثلها.
” عاش في جزير ساموس، رجل هاجر، لكراهيته للاستبداد والطغيان، موطنه الأصلي ومعلميه. رجل، مهما بعدت الآلهة في قبة السماء، فإنه يسمو إليها بالتأمل والنظر، وما تحجبه الطبيعة على البشر، يصل إليه بعين العقل. بعد أن ولج، بقوة فكره، وبجهد لا يكل، كل أسرار الكون، أسرار ينقلها لمريديه، يشرحها لهم، تغمرهم خطاباته، في صمتهم (من آداب المدرسة “الصمت”)، إعجابا وتقديرا، يحدثهم عن أصل الكون، مبادئ الموجودات والأشياء، الطبيعة والألوهية، من أين يأت الثلج، كيف يتكون البرق، هل جوبيتر Jupiter هو الذي يحدث الرعد أم اصطدام الرياح في السماء، ما الذي يزلزل الأرض، بمقتضى أي قانون تتحرك الأجرام السماوية، وأخيرا كل الأسرار الخفية عن أنظار البشر”. (أوفيد)
الحال إن كان هذا الرجل حكيما وعالما وفلكيا، (عاش في القرن السادس ق م)، فإنه يمتنع بكيفية صارمة عن أكل اللحوم ويدافع عن تناسخ الأرواح. تمنع القاعدة النطق باسمه ـ كان يًدعى، بكل بساطة، “هو” ـ لكن كل المفكرين القدامى والمحدثين، يذكرونه بوصفه المعلم بامتياز: كان في نظر الفيلسوف الألماني هيجل “أول معلم كوني”. إن كان قد مارس تأثيرا قويا على الفكر الغربي، فإنه لم يعد اليوم معروفا إلا بوصفه صاحب مبرهنة رياضية تحمل اسمه.
خطيب معبد دلف
هذا الرجل، بحكم قدرته على التكلم باسم أبولو، كما هو شأن الكاهنة بيتيا Pythie، هو فيتاغورس مبدع مصطلح ” فيلوسوفيا”، حب الحكمة، مبحث يًعنى بأشياء الطبيعة والنفس ويسبر أغوار ما وراء الطبيعة، ويؤسس لأخلاق الممارسة اليومية.
“سمع، يوما ما، الملك ليون، ملك الفيليسيين Les philisiens، فيتاغورس يتكلم، بمهارة فائقة، عن بعض المسائل. أعجب الملك بما سمعه، فطلب منه تعريف هذا الفن الذي يمتهنه. أجاب فيتاغورس بأنه لا يعرف عنه شيئا، لكنه فيلسوف. تفاجأ الملك بجدة هذا الاسم، ترجاه متسائلا عمن هم الفلاسفة وفي ماذا يختلفون عن بقية الناس؟ أجابه فيتاغورس على النحو التالي: ” بينما يبحث البعض، في هذا العالم، عن المجد والشهرة ويبحث آخرون عن المال والجاه، هناك صنف آخر من البشر، لكنهم أقلية، ينشغلون بتأمل أشياء الطبيعة، هؤلاء هم الفلاسفة، أي محبي الحكمة”. (شيشرون)
يذهب جل المؤلفين الى أن فيتاغورس لم يخلف أثرا مكتوبا (شأنه شأن سقراط). إن كان البعض، كهيرقليطس، ينسب إليه ثلاث مقالات، واحدة في التربية، وأخرى في السياسة، وثالثة في الطبيعة، فإننا نعتبر أن هذه المؤلفات صيغت من طرف أحد أتباعه. تبقى، مع ذلك، شخصية فيتاغورس التاريخية غير معروفة بالقدر الكافي؛ يرتبط “تعليمه” ب “المدرسة” التي شيدها، والتي كان أفلاطون واحدا ممن درس بها وكان الشاعر اللاثيني لوكرسيوس Lucrèce المتحدث باسمها: مدرسة هي في آن واحد فلسفية ودينية وعلمية، تنشد انسجام الانسان أخلاقيا، في عالم كل شيء فيه محكوم بالتغير، عالم لا شيء فيه فان. قدمت هذه المدرسة، المتأثرة بالديانة الأورفية، والفكر المصري، ومن دون شك بالرياضيات وعلم الفلك البابليين، أعمالا غنية أثرت بقوة على كل الحقب والثقافات في المغرب والمشرق، في كل المجالات المعرفية؛ من رياضيات وموسيقى وفلسفة وعلم الفلك …. الخ.
تنسب الى فيتاغورس مجموعة من التعاليم الأخلاقية، تدعى “أشعارا ذهبية”: اعتبرها البعض من وضع أحد أتباعه، ليزيس الترنتي Lysis de Tarente ، ونسبها آخرون لفيلسوف أفلاطوني محدث، هيروكليس الاسكندري. كيفما كان الأمر، فقد لعبت هذه الحكم، التي تجد مصدرها في العبادات والدرس الأخلاقي، دورا حاسما في تشكل وتداول ما ندعوه اليوم “الحكمة القديمة”. يتعلق الأمر، قبل كل شيء، بنصائح عملية تؤسس ل “أسلوب العيش” في الحياة اليومية: تنهل من تقليد مغرق في القدم، أصوله شرقية، دينية وقانونية في نفس الآن، كما تشهد على ذلك تعاليم الكتاب المقدس (الأناجيل) أو قانون حمورابي. إذ جمع السوماريون والمصريون (حضارتان عُرفتا بالكتابة) تعاليم الحياة هذه في باقة لأغراض، من دون شك، بيداغوجية. أسست هذه التعاليم المتداولة في ربوع الشرق الأوسط، لسلطة متجذرة في القدم، تضمن، من خلال ضوابط مشكلة من “حقائق خالدة”، دوام نظام أخلاقي لا يتغير.
هكذا نهل، قبل فيتاغورس، “الحكماء السبعة” من معين هذا المنبع. سبعة حكماء أسطوريين، مثلهم مثل عجائب العالم القديم السبعة، يمثلون حكمة نابعة من التجربة، سواء كانت علمية مع طاليس (صاحب المبرهنة التي تحمل اسمه) أو سياسية مع صولون (مشرع أثينا وأب الديمقراطية),
شكلت الأقوال المأثورة، المنسوبة إما لأحدهم أو للآخرين، والتي تناقلتها الأجيال والموثقة بعناية فائقة من طرف ديوجين الأيورسي في القرن الرابع ق م، قوام كل الأخلاق القديمة. مأثورات تدعو الى الاعتدال والعدل، مصاغة بكيفية “محكمة” في أسلوب مقتضب ومحكم، لتنطبع في الذاكرة، على طريقة تعاليم الانجيل:
- – “كن معتدلا في السعادة وحذرا في الوقائع المغايرة”.
- – “كن دائما كما أنت، تجاه الأصدقاء سواء كانوا سعداء أو تعساء”
- – “كن وفيا بوعودك كيفما كانت”.
- – “صُن أسرار الغير”
هذه أمثلة من تعاليم نُسبت لبرياندرس Périandre، طاغية مدينة قورينيا Corinthe .
تتشابه هذه الأوامر بأسلوبها التعويذي مع “الاعتقادات الشامانية” le chamanisme، تشهد على ذلك الإحالة الدائمة على الإله أبولو “معلم الحكمة” في معبد دلف، لكنها تدعو أيضا لإقامة حياة علمانية تدريجية داخل المدينة. هو ذا الدرس الذي يقدمه المسرح الإغريقي: تنتهي الثلاثية التراجيدية لأخيل (458 ق م) بإرساء عدالة بشرية تحت رعاية إلهية تجسد أنوار العقل (أبولو وأثينا) مقابل ظلمات الثأر البدائية، وفظاعة “قانون القصاص” كما تصوره إلهات الجحيم الثلاث Les Erinyries. الدرس في صلبه قديم إذن، بل هو أقدم من درس سقراط كما قدمه في دفاعه: ” أنا أكثر حكمة من هذا الرجل, إني وإن كنت أعلم أن كلينا لا يدري شيئا عن الخير والجمال، فإنني افضل منه حالاً: لأنه يدعي العلم وهو لا يعلم شيئا، وأما أنا فلا أدري ولا أزعم أني أدري ، ولعلي بهذا أفضله قليلا”. (محاورة الدفاع)
يشغل كل شيء مكانه في الوجود، ويتحدد كل مكان بعناية تامة, ذلك هو جوهر “هذه الحكمة الإغريقية” الذي يعلمنا إياه كلام الأسطورة “الميتوس” قبل عقلانية “اللوغوس”: ترتيب الكون وإنهاء الفوضى وإرساء الكوسموس، تنظيم المدينة، وإرساء العدالة و القانون.
“الوسط العادل” هي مفتاح السر بالنسبة للمدينة: يقتضي ذلك المعرفة الجيدة بذواتنا كي لا نتجاوز الحدود، كما تلخص ذلك الوصيتان المنقوشتان عند مدخل معبد أبولو بدلف: “لا شيء أكثر من اللزوم” و”اعرف نفسك بنفسك”.
نطام واعتدال
يحظى كل واحد منا ب “نصيبه” – حصته في الحياة، والجاه والسعادة والمحن – تحدده قوة سامية، سماه الإغريق الضرورة ananké وأطلق عليه الرومان اسم القدر fatum. جسدته رمزيا في الميثولوجيا الإغريقية ثلاث نساء عجوزات ينسجن خيط الحياة ويقطعنه. الأمر متروك للبشر لاستثماره والاستفادة منه بالتدرب والمران من أجل “حياة طيبة”: هو ذا فضاء الحرية الذي ينعمون به في عالم متغير، إنه واجبهم وكرامتهم بوصفهم بشرا.
سعيد ذاك الذي لا يبحث عن منافسة الخالدين ولا ينقاد لغرائز البهائم – “لا هو بملاك ولا بهيمة”، كما قال باسكال Pascal – ذاك الذي يرضى بنصيبه، ويفلح في التوفيق بين إله جواني (بالمعنى المقصود من شيطان سقراط الشهير) وعالم خارجي، يعيش فيه مع الآخرين ويتقاسمه معهم. لقد تم تصور حياة “الرجل الخيّر”، في نظر الرواقيين، رغم حرصهم على تحصين حياتنا الداخلية، انطلاقا من بعد إيثاري altruiste: “اختبر حياة الانسان الخير، ذاك الذي يرضى بنصيبه، ويكتفي بالتصرف بروية وتبصر، طيب القلب لطيفا”. (ماركوس أورليوس “أفكار لأجلي”)
الحكمة القديمة هي، قبل كل شيء، ذات نزعة إنسانية، بما يحمله المصطلح من معنى. حكمة نهل من معينها الفيلسوف ميشيل دي مونتاني Montaigne: “لا وجود لما هو أكثر جمالا ومشروعية من قيام الانسان بفعل الخير على أحسن وجه، ولا وجود لعلم أصعب من معرفة الخير ومعرفة كيف يعيش الانسان طبيعيا حياة الخير هذه”. (المقالات. الكتاب الثالث)
حصل الانسان، من يناصيب الكون هذا، على قسطه من الزمان. لعله يعرف، كما هو شأن فيتاغورس، أن “ما كنا عليه بالأمس، وما نحن عليه اليوم، لن نكونه غدا”، الحال أن الزمان، مثله مثل النهر، لا يتوقف أبدا عن الجريان، “يجرف كل ما هو موجود”,
لا بد إذن، من أجل حياة طيبة، تعلم القبول بالموت: “تتلخص كل حكمة العالم ومعقوليته في هذه النقطة بالذات: لنتعلم ألا نخشى الموت”، و”التفلسف هو التمرن على الموت” كما قال مونتاني. يحضر الدرس أصلا في أوديسة هوميروس، عندما رفض أوليس هبة الخلود التي عرضتها عليه الكاهنة كاليبسوCalypso ، لحثه على البقاء بقربها: الشيخوخة والموت يندرجان في الوضع البشري. إن كانت الحياة لا تساوي شيئا، فلا شيء يساوي الحياة عندما نقضيها بالقرب ممن نحب (حالة بنلوب Pénélope الحكيمة التي افترق عنها أوليس قرابة عشرين سنة),
اقطف اليوم الحاضر Carpe diem
تلخص في الواقع الفقرة التالية لأبيقور أحد توابث الفكر القديم: “إن كان في إمكان الانسان أن ينعم بالحياة على الدوام، فإن اللذة التي يحصلها لن تكون أكبر من تلك التي يتمتع بها في حدود حياته المتناهية، إن أفلح في الارتقاء بعقله ليدرك حدود هذه الحياة. إن من يعتقد بفناء الجسد ويدرك حدود الديمومة، ومن يتخلص من مخاوف المستقبل، يجعل بهذه الطريقة الحياة سعيدة تماما، لدرجة أن الانسان، وهو راض عن أسلوبه هذا في الحياة، ليس في حاجة من أجل غبطته للانهائية الزمان؛ ولم يفوت على نفسه هذه المتعة ويحرم نفسه من اللذة، مهما أدرك أن وضعيته الفانية تؤدي به لا محالة الى القبر، ما دام سينهي بسلام مساره في الحياة”. (أبيقور)
ها نحن إذن أمام مبدأ أساسي آخر، بالنسبة للإغريق والرومان على السواء، يهم “الحياة الطيبة “: هذا هو معني مقولة “اقطف اليوم الحاضر” Carpe diem – المستوحاة من الشاعر اللاتيني هوراس – بدلا من إضاعة المزيد من الوقت في اعتبارات واهية.
يتقاسم، بدءا من القرن الثالث ق م، تياران فلسفيان هذا التعليم الذي ينشد السعادة: الأبيقورية، التي اختزلت بكيفية كاريكاتورية في شعار “اقطف اليوم الحاضر”، والرواقية، التي عرفت أسمى تعبير عنها في الحقبة الرومانية مع سينيكا (معلم نيرون (والعبد المحرر إبكتيتوس (125) والامبراطور الفيلسوف ماركوس أورليوس (ت 180). يتعلق الأمر، سواء بالنسبة للأبيقوريين أو الرواقيين، بالعيش الكريم وذلك بإضفاء معنى على الحاضر، دون اللجوء لوهم الهروب الى الأمام (المستقبل) أو الى الخلف (الماضي).
- ” اعتبر آخر يوم في حياتك، هو اليوم الذي أشرق لأجلك: الساعة التي لم تتوقعها تأتيك بوصفها تأجيلا سعيدا” (هوراس Horace),
- “تطلع للعيش، واعتبر كل يوم بمثابة حياة بأكملها” (سسينيكا)
- “غدا، سيفوت الأوان: عش إذن بدءا من اليوم”,
- “يتمثل كمال الخصال في قضاء كل يوم كما لوكان آخر يوم، تجنب الإثارة والفتور، والنفاق”, (ماركوس أورليوس).
أن تكون حكيما وسعيدا
تفترض أخلاق الأوقات الطيبة هذه، بعيدا عن كونها دعوة للارتماء في أحضان نزعة فردانية أنانية، كما قد يتصور، على عجل، قارئ معاصر، “انشغالا بالذات”، تمرينا متواصلا، قريبا من تمارين الرياضيين: هذا بالضبط هو معنى كلمة “الزهد” في اليونانية. تشمل هذه المسألة الأساسية الأبيقوريين والرواقيين والشكاك على حد سواء، رغم الاختلافات البادية بينهم: الحكيم السعيد هو ذاك الذي يعرف كيف يتفادى، لمصلحته الذاتية، الافراط فيما يربطه بما هو أشد حيوانية فيه.
إن أردنا إذن أن نكون نحن أيضا حكماء وسعداء، علينا أن نتعلم:
- رفض القيم الزائفة، كالجاه والثروة، او السلطة.
- التخلي عن كل ما هو غير مُجد وعقيم، ما يصدر عن الرغبة، وما قد يجلب المتاعب والإحباط والألم.
- الرضى بآفات التناهي، كالشيخوخة والموت، بوصفها أمورا لا مفر منها، ما دمنا كائنات فانية.
- المعرفة بالطبيعة واتباعها، تقود للانسجام مع العالم ومع الذات.
- التمرن على الاعتدال والعدل.
- الانشغال بالذات والاهتمام بالآخرين,
باختصار، البحث عن الاكتمال، Otium عند الرومان، ما تمدنا به الحياة كل يوم، من دون الانشغال بما يصرفنا عن ذواتنا وما ليس من شأننا|. يستوجب برنامجٌ كهذا تبصرا وإصرارا وعزيمة: “سترى، إن توخيت الحذر، أن قسطا كبيرا من الحياة ينقضي بكيفية سيئة، لا نفعل شيئا بتاتا، نقوم بأمور لسنا ملزمين بالقيام بها تماما. دُلني إلى رجل يقدر الزمان حق قدره، رجل يعرف قيمة الحاضر، ويعي أنه يموت تقريبا كل يوم. كن إذن سيد كل هذه الأوقات. لن تتقيد بالمستقبل، إن كنت تعرف كيف تمسك بزمام الحاضر”, (سينيكا)
تستحق الحكمة، كما رأينا، كل هذا المجهود: هذا هو درس الفلسفة الغربية العظيم، لكنه في نفس الآن مفارقتها الكبرى. الفلسفة هي بالأساس زهد، هذا ما يميزها عن الفلسفة الشرقية، إذ تقوم على التأمل، تنشد حب الحكمة من دون أن يشملها موضوع حبها (الحال أن الرغبة عندما تتحقق، تلغي الرغبة في حد ذاتها),
لقد أدرك الفيلسوف جيدا أنه إن بلغ الحكمة تماما، فلن يكون فيلسوفا بتاتا: سيجد نفسه في وضعية الآلهة الذين، كما وصفهم أفلاطون، لا يرغبون في أن يكونوا حكماء ما داموا كذلك، أو في وضعية الجهال، الذين يتصورون بغباء أنهم ينعمون بكل الحكمة الممكنة من دون مشقة ولا عناء. يضع إذن الحكيم الغربي سعادته في بحثه الدؤوب، الذي لن يختزل في نعيم عديم المعنى: لن يدرك مطلقا حالة “النيرفانا”، حتى وإن استهدف السكينة التامة (الأتركسيا)، التي تستوجب جهدا متواصلا لمجمل وجوده.
يتحمل الفيلسوف، بعيدا عن البحث عن مكان آخر يلجأ إليه، (الوعد بحياة سعيدة بعد الموت)، جزءا من المسؤولية: “النفس هي ما ينبغي تغييره، لا السماء” هي ذي نصيحة سينيكا لصديقه لوسيليوس، المتذمر من عدم عثوره على السلم أينما حل وارتحل.
ليتحل إذن كل واحد بالشجاعة اللازمة في الانسجام مع ذاته، لكي “يستجمع ” شظايا هذه الذات التي شتتها المحن والأهواء والرغبات. لكل واحد، هنا والآن، ان “يستنفذ مجال الممكن” ليستعيد العبارة الجميلة للشاعر اليوناني بندور (518 – 438 ق م) Pandore: ” آه يا روحي، لا تتطلعي للحياة الأبدية بل استنفدي مجال الممكن”.
Annie Collognat : L’art de vivre dans l’Antiquité
In Sciences Humaines
Les sagesses Antiques
Hors-série N : 12 Juin juillet 2022 p12-16