الكاتب | أحمد الزاهد |
جان بودان، رائد نظرية السيادة
اشتهر جان بودان (1530-1596) Jean Bodin في الفلسفة السياسية والقانونية الحديثة بنظرية السيادة، إذ يعتبر أحد المؤسسين لهذا المفهوم في القاموس الفلسفي والقانوني؛ ولا ترجع أهميته إلى ابتكاره لمثل هذا المفهوم، فقد كان مألوفا لدى الفلاسفة والمنظرين، بل يعود إليه الفضل في بناء جهاز مفاهيمي نظري لهذا اللفظ، وكذلك محاولته التأصيل الفكري لطبيعة ومصادر السيادة. مما سيفتح الطريق أمام الفلسفة الحديثة لاستعادة هذا المفهوم واستعماله ضمن مناحي مختلفة ومتعددة. وتظهر جدة بودان في سعيه إلى بناء مفهوم السيادة، انطلاقا من عرض مختلف مصادره التاريخية والقانونية والسياسية. وفي هذا الصدد، فقد كشف عن أطروحته حول السيادة، في مصنف الكتب الست للجمهورية، والذي يتضمن في ثناياه نظرية عامة تتعلق بالدولة والقانون، حيث نشر لأول مرة في سنة 1576 بالفرنسية Les six livres de la république، وصدرت الترجمة اللاتينية التي أنجزها بودان بنفسه De republica libri VI سنة 1586.
نشير بأن بودان قد كان له موقف وموقع سياسي داخل الساحة الفرنسية، بحيث وهب نفسه من أجل تقديم الخدمة للنظام الملكي الفرنسي. ونظرا إلى طبيعة العلاقة التي كانت تجمع بودان بهذا النظام،فإنه كان شاهدا على فصول دموية وسمت أطوار الحروب الدينية الفرنسية المناوئة لهذا النظام، كما كان معاصرالأشد أشكال العنف التي ميزت فرنسا في سنوات 1560 و1570.
ساهمت هذه الوقائع والأحداث في بلورة تصورات بودان السياسية، حيث مكنته من وضع إطار نظري كان بمثابة نموذج معياري أبرز من خلاله تفاعله مع تلك الوقائع، التي كانت دلالة عن أزمة سياسية. وفي هذا الإطار تأتي نظريته حول السيادة، إذ توخا منها توفير الأسس الفكرية والقانونية من أجل مركزة السلطة في يد الدولة، لكي تتمكن من بسط السيطرة على كافة القوى المتصارعة داخل المجتمع، وفرض الهيمنة السياسية عليها.
ومن ثمة لاحظ أغلب الدارسين لفكر بودان بأنه لا يمكن تجاهل الخلفية الجوهرية في مقاربة مفهوم السيادة، والتي تكمن في ضرورة استحضار هذا السياق السياسي الخاص بفرنسا، والذي كان بمثابة مسرح عرف فصولا دموية وأحداث عنف قاسية، انتهت بمذبحة سان-بارتيليمي سنة 1572. ومن هذه الزاوية، لا يمكننا إنكار حجم هذا الواقع على تفتق وعي بودان بمباشرة التأليف في ميدان السياسة وبالتالي إنتاج نظرية للسيادة. لكن نعتقد أنه لا مناص من الأخذ بعين الاعتبار لمنحى آخر في مسيرة بودان، وهو ما يمثله عمله الأكاديمي، بحيث كرس عقودا عديدة لدراسة الأسس التاريخية والقانونية الخاصة بالدولة، وذلك من أجل وضع الأصول النظرية لقواعد السيادة، وهذا وفق تصور فلسفي جديد.
أدرك بودان بأن ماهية الدولة تقوم في السيادة، وبأن المشروعية السياسية للدولة تتأسس عليها؛ ومن دون تواجد مبدأ السيادة، فإننا لا نستطيع الحديث عن وجود الدولة.
لم يكن قصد بودان فقط العمل على تشييد منظور يتيح الإقرار بفلسفة للنظام، وذلك من خلال وضع قواعد تهم احترام الاستقرار السياسي؛ بل يمكن القول بأن إقامة النظام، لا يتصل أصلا بهذه الحاجة إلى الملحة التي تستدعي اللجوء لمفهوم السيادة. ووفق هذا المسعى، تنصل بودان من معالجة السيادة بحدود ومقولات تجريبية، تتوسل حقل القوة من أجل حد الأصول الأساسية والمعاني الجوهرية للسيادة. بالمقابل من ذلك، فقد اختار طريقا مغايرا، بحيث أعاد السيادة إلى معيار الحق، وأصبحت السيادة تشير في التحليل إلى مرجعية الحق. لجأ بودان إلى مجال الفقه، بغية بناء مفهوم السيادة، بحيث مكنه القانون من مقاربة منطق السيادة بالاستعانة بالحق بدلا من القوة.
في صور استقبال بودان
يظهر أن المشروع الفكري والسياسي لبودان يتضمن مجموعة من الإشكالات والتحديات، من ثمة ندرك بعض الإشارات الخاصة بآرائه المثيرة للجدل.ولهذا الغرض فقد وقع الاختيار على عرض بعض المسائل التي أثارها استقبال بودان داخل هنغاريا، وبولونيا، ورومانيا،وروسيا، والسويد. والغاية التي نرومها هي تبيان المواقف المتصلة باستمرار إرث بودان داخل هذه الدول. كيف تم استقبال فكر بودان؟ ولماذا حظي فكر بودان بهذا الاستقبال؟
آثاره في الثقافة البولونية والرومانية
لقد شمل تأثير بودان مناطق عديدة، مثل هنغاريا، وبولونيا، ورومانيا، وروسيا والسويد. ويدل ذلك على نفوذ بودان في سياقات ثقافية وشروط تاريخية مختلفة، تبدأ من القرن السادس عشر إلى القرن الحادي والعشرون. في البداية، نشير إلى اتصال فكر بودان ببولونيا. فقد خصص خارا Jarra القسم الأول من دراسته، للبحث في العلاقة النقدية للفكر السياسي البولوني مع بودان خلال القرن السادس عشر، وذكر مجموعة من الدارسين، هم أندري فريسز André Frysz (أندرياس فريسيوز Andreas Fricius)، وأندري فولان André Wolan (أندرياس فولانوس Andreas Volanus) ولورانت غوزليسكي Laurent Góslicki (لورانتيوس غوزليسيوس Laurentius Goslicius). وكرس القسم الثاني للتفصيل في المدرسة البودينية عند ألكسندر أوليزاروفسكي Alexandre Olizarowski (ألكسندر أوليزاروفيوس Alexdander Olizarowius)، باعتباره الشخصية الرئيسية التي أذاعت بودان في بولونيا Pologne خلال القرن السابع عشر.[1]
وفي مستوى آخر، يوجد تأثير بودان في السويد. فكما ألمح كاسيرر Cassirer إلى التأثير الذي مارسه مصنف الندوة Colloquium على التصورات الدينية لكريستين Christine ملكة السويد آنذاك، لهو دليل على انتشار آرائه وخلقها لآثار متباينة.[2]
في حضوره داخل روسيا
من اللافت للاهتمام، الحضور المتميز لبودان داخل روسيا. ولهذا قد يبدو مصادرة على المطلوب التساؤل حول طبيعة حضور فكره ضمن هذه الثقافة، خصوصا إذا ما قرأنا هذا الحضور من باب التعرف على أفكار الرجل وإدراجها في منحى تاريخ الأفكار، بحيث لا تعدو أفكاره تمثل سوى جانبا تاريخيا قد ولى، وبالتالي لا ضير من دراستها، لأن الأمر لا يتعلق إلا بإثراء مصادر الثقافة العامة! لكن إذا ما تفحصنا جيدا مظاهر أفكار الرجل، بكونها تعبيرا عن جوانب أيديولوجية، واعتناقها بالضبط من طرف بعض المنظرين الروس، سندرك بأن اختيار بودان من طرف هؤلاء المنظرين، كان تعبيرا عن حاجة نظرية مستعجلة وملحة، تمخضت عن مواجهة النظريات الماركسية واللاسلطوية ومحاولة إلغائها، والتي كانت سائدة لردح من الزمن داخل الاتحاد السوفياتي، لكونها نتاجا طبيعيا للثورة الروسية الاشتراكية.
سنحاول في هذا الباب مناقشة مدى حضور بودان في الوسط الروسي، من أجل وضع سياق استقباله في إطاره الخاص.
عرف استقبال جان بودان حضورا واسعا، وهو ما يدل على انتشاره داخل سياقات ثقافية وشروط تاريخية مختلفة، يمكن التأريخ لها منذ القرن السادس عشر إلى غاية القرن الحادي والعشرون. وفي هذا الإطار، سنشير فقط إلى حضور بودان في روسيا. وبخصوص استقبال بودان في روسيا، ركز شتشابوف Chtchapov على نظرية المناخ، التي لقيت صدى في القرن الثامن عشر. ثم بدأ الاهتمام بأعمال بودان حول نظرية السيادة، وبالخصوص عند مؤرخي القانون ومنظري السياسة، خلال المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر.[3]
ومن جانب آخر، اقترحت مارينا بوبكوفا Marina Bobkova في دراستها الخاصة باستقبال بودان في روسيا، الرجوع إلى البوادر المبكرة لاستقباله. واعتبرت أن الاهتمام ببودان، يجد تفسيره، في توافر عدد هائل من النشرات الأولى الصادرة في القرن السادس عشر والسابع عشر داخل المكتبات الروسية.
وحسب بوبكوفا،فإن بودان ومنذ نشره لعمله الضخم منهج ميسر لمعرفة التاريخ (1566)Methodus ad facile cognitionem Historiarum، قد قدم العديد من التصورات، طبعت بشكل كبير تطور الفكر التاريخي. ومن جملة هذه التصورات، اقتراحه لنظرية عن المناخ، والتي قصد من ورائها تفسير طبائع شعب معين تبعا لمناخ المنطقة الجغرافية المحددة لوجوده. وقام بحد طبيعة الدولة، انطلاقا من مفهوم السيادة، ووقوفه على دور الاقتصاد في بناء العلاقات بين الدول.[4]
وإذا ما تتبعنا منطق هذه الدراسة، فإنها تحيلنا إلى المسالك الأولى التي من شأنها إسعاف الباحث في تقصي استقبال بودان في روسيا. ويعود الاهتمام به إلى توافر مجموعة هائلة من الطبعات الأولى، والتي يرجح وجودها بين القرن السادس عشر والسابع عشر في المكتبات الروسية.
يمكن القول بأن المصير الذي عرفته تصورات بودان في روسيا، قد كان ملتبسا، بحيث كان تلقي أفكاره حديث العهد، خصوصا إذا ما تمت مقارنة ذلك مع استقبال مونتيسكيو Montesquieu وفولتيرVoltaire وديدرواDiderot، وجملة من مفكري القرن الثامن عشر، الذين كان لهم تأثير قوي على ما يسمى عصر التنوير الروسي. ولا يعني ذلك أن عمل بودان كان غائبا ومجهولا في أوساط روسيا، بل كان حضوره ضئيلا. وأوردت بوبكوفا في هذا الصدد، محاولة إيفان نيكيتيتش بولتين Ivan Nikititch Boltine (1735 و 1792)، مؤرخ كاثرين الثانية Catherine II، دحضه مؤلف تاريخ روسيا القديم والحديث لنيكولاس غابرييل لوكليرك Nicolas-Gabriel Le Clerc (1782)، وهو طبيب فرنسي وعضو في أكاديمية العلوم، الذي توسل في هذا الباب نظرية المناخ عند بودان. قدم لوكليرك من جانبه، رؤية سلبية عن روسيا، واتهامه السلطة بالطغيان، من خلال تأكيده على خضوع طبع الشعب إلى تربيته. بينما قام بولتين بالرد على مزاعم هذا الرأي، ففي نظره، لا تعدو معرفة لوكليرك بروسيا تتجاوز مستوى التصورات النمطية، ولا تتعدى ألفته بروسيا حدود الاطلاع على بعض الطقوس والعادات، وبالتالي فإن روايته التاريخية حول روسيا، لهي مليئة بالكثير من الأخطاء وتحتوي على العديد من الجوانب غير المعقولة وغير المقبولة. وقام بولتين بتوظيف حجج بودان، لكي يبرهن على ارتباط طبع الشعب الروسي بالمناخ. وقد شاطره الأمير ميخائيل ميهالوفيك شتشيرباتوف Mikail Mihailovic Chtcherbatov (1733-1790)، وهو مؤرخ وفيلسوف روسي مشهور وعضو بأكاديمية العلوم في سان بترسبورغ Saint-Pétersbourg، مثل هذا الرأي.
وابتداء من نهاية القرن الثامن عشر وخلال بداية القرن التاسع عشر، عرفت تصورات بودان نوعا من الإحياء، من دون الإحالة إلى نسقه الفكري بصورة مباشرة ودون الإشارة إليه باسمه.
ونشر كونستانتين أكسيلييفيتش نيفولين Konstantin Axéléévitch Névoline، وهو هيغيلي التوجه hégélien وأحد مؤسسي العلم القانوني الروسي، في سنة 1839، موسوعة الفقه القانوني، والتي كانت مرجعا معتمدا داخل الأوساط الجامعية. وتتضمن هذه الموسوعة، عرضا مختصرا حول الكتب الست للجمهورية(1576)les Six Livres de la Républiqueلبودان، وتركز على قضية «الأصل العنيف للدولة، المتولدة عن الصراع بين آباء العائلة».[5]
وقام الفقيه القانوني بوريس نيكولايفيتش تشيتشيرين Boris Nicolaévitch Tchitcherine (1828-1904)، بعرض مفصل لنظريات بودان، في الدروس التي ألقاها في جامعة موسكو، ونشرت تحت عنوان تاريخ المذاهب السياسية. العوالم القديمة والعصر الوسيط. وقد خصص القسم الأخير، لمعالجة نظرية الدولة والحق عند بودان، وبيان أهمية هذا الإسهام في الحق السياسي. وقال بوريس بأن «كتاب الجمهورية الأهم من بين كتبه. يستحق مكانا مشرفا داخل الأدب السياسي لكل العصور ولدى كافة الشعوب، بالنظر إلى سعة اطلاعه الهائلة»،[6] وتمكنه من الإمساك بمفاتيح العلوم المؤسسة لنظريته، ثم لمدى معارفه القانونية الشاسعة وكذلك في طبيعة تحديده للدولة.
عرفت هذه المرحلة من تاريخ روسيا، رواجا هاما، خص «تصورات الاشتراكية الطوباوية لكلود هنري دو روفروي سانت سيمون Claude-Henri de Rouvroy Saint-Simon، وشارل فورييه Charles Fourier وروبرت أوين Robert Owen واكتسبت أعمال كارل ماركس Karl Marx وفريدريك إنجلز Friedrich Engels شعبية في روسيا».[7] ناهض تشيتشيرين بحزم، هذا الهجوم الأيديولوجي الذي مارسته تلك التصورات، وقام بمعارضته عن طريق «الدفاع على حقوق الفرد وربط ذلك بفكرة «النظام»»،[8] نظرا لكونه كان «مناصرا للملكية الدستورية واللبيرالية، ومعاد للاشتراكية».[9] ومن هذه الزاوية، عارض كل التعبيرات الثورية، وبالخصوص الحركات الشيوعية، إذ أورد نقد بودان للشيوعية عند أفلاطونPlaton وتوماس مورThomas More، وتحزب لإقامة سلطة قوية. وأكدت بوبكوفا، أن نظريات بودان المختلفة، قد لقيت صدى خاصا ومتميزا داخل السياق السياسي الروسي، خصوصا بعد نشر مصنف تشيتشيرين.
كما تزايد الاهتمام بفكر بودان داخل روسيا في مطالع الثلاثينيات من القرن العشرين، عند مجموعة من المؤرخين. والشيء المثير للانتباه، أنه أضحى قيد الدراسة «داخل سياق الماركسية—اللينينية marxisme-léninisme»، ومن ضمن التصورات التي لقيت اهتماما ونقاشا مستفيضا، «التطور التقدمي لتاريخ البشرية، ونظريته عن المال وبصورة خاصة نزعاته المضادة للإكليروس». أنجزت المؤرخة فانيا أبراموفنا كوغان—برنشتاين Faïna Abramovna Kogan-Bernstein، تحت إشراف المؤرخ إيفجيني أليكساندروفيش كوزمينسكي Évgeny Aleksandrovich Kosminsky، أول بحث حول بودان سنة 1937. وأعقب ذلك، مناقشة أطروحتها الموسومة بجان بودان، تأملات حول رؤيته للعالم وتأليفه، في 1939. وتلاه، مناقشة فانيا للتأهيل، بموضوع جان بودان. حياة وتأليف سنة 1943. وتوخت أبحاث كوغان—برنشتاين، عرض القواعد واللبنات الأساسية «للدراسة والفهم العلمي لجان بودان داخل روسيا ولفتت المجتمع العلمي الروسي للاهتمام بأعماله».[10]
اتسعت حلقة المؤرخين المهتمين ببودان داخل روسيا، في المنتصف الثاني من القرن العشرين. وأنجز كوزمينسكي E. A. Kosminsky وأ. ل. فينشتاين O. L. Weinstein، دراسة عن أعماله، وذلك ضمن «محاضراتهم حول إيسطوغرافيا العصر الوسيط».[11] وبسطت أعمال أخرى، الآراء الاجتماعية، والسياسية والدينية لبودان؛ وعرضت أعمال أخرى تصوره عن العالم.
امتدت دائرة استقبال بودان، خصوصا بمناسبة ترجمة شذرات من الكتب الستة للجمهورية، من طرف ن. أ خاشاتوريان N. A. Khachaturian إلى الروسية؛ وترجمت مارينا بوبكوفا مصنف المنهج من أجل معرفة ميسرة للتاريخ، سنة 2000، من اللاتينية إلى الروسية.
أصبح فكر بودان يحتل مكانة مهمة داخل المحاضرات الجامعية؛ كما تضاعفت الأبحاث المرتبطةبحياة وعمل الرجل. يمكن القول أن اسم بودان أضحى يتردد بصورة كبيرة داخل روسيا، من خلال استحضاره في النقاشات العمومية، المرتبطة بالقضايا الشديدة الإثارة للجدل وسط المجتمع الروسي، مثل المستقبل السياسي لاستكتلندا cosseÉ وكتالونياCatalogne أو كالدونيا—الجديدة Nouvelle-Calédonie.
كما تراكمت الأبحاث المتعلقة بحياة وعمل بودان داخل روسيا. وخصصت المحطة الإذاعية صدى موسكو، حلقة في برنامج الوضع، «لجان بودان ونظريته في السيادة»، الذي عرضته للبث في 2018. كما نشر أ. ل. كوزمين E. L. Kouzmin، في نفس العام، مصنف «لغز جان بودان. بحث حول السيادة».[12]وحاول الكاتب الانطلاق من مفهوم السيادة عند بودان، بغية تحريك مياه النقاشات السياسية الحالية. ومن القضايا التي أومأ إليها الكاتب، «تحديات العولمة، ومذاهب «الاستثناء الأمريكي»»، إضافة إلى السجال المتعلق بمسائل، «الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير المصير، والفيدرالية وإشكالية «الدول غير المعترف بها»».[13]
ومن بذور استمرار الاهتمام ببودان داخل روسيا، حضوره المكثف داخل الأوساط العلمية. وفي هذا الإطار، «نظم مركز تاريخ الفكر التاريخي (معهد التاريخ العالمي لأكاديمية العلوم الروسية)، ندوة دولية في خريف 2021»، احتفت بالذكرى 490 لميلاده. وقد عرفت الندوة، مشاركة «أزيد من أربعين عالما من تخصصات مختلفة-مؤرخين، وفقهاء لغة، ومحامين، وعلماء سياسة-، قدموا من روسيا، وفرنسا، وانجلترا، وألمانيا والولايات المتحدة».[14]
استقبال بودان في هنغاريا
وفي مكان آخر، نلاحظ أيضا الاهتمام ببودان في رومانيا. وعرج غوليماس Golimas حول مصير استقبال بودان في رومانيا، بحيث أكد داخل سلسلة من الدراسات، على قضية احتضانه في رومانيا. كما فحص الأبحاث التي اقترحها ثلة من أساتذة القانون، والاقتصاد، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والإيسطوغرافيا الماركسية، في القرن العشرين لبودان.[15]
وفي باب مغاير، والذي يتعلق بوجود بودان في الثقافة الهنغارية. وعبر ماتي Maté بخصوص هذه المسألة الخاصةباستقبال بودان في هنغاريا، عن طبيعة آثاره التاريخية المبثوثة في ثنايا النصوص الدينية والتاريخية، وبالتحديد عند لوستار غيولافي Lestàr Gyulafi، وإزتفان سزاموسكوزي Istvàn Szamosközy، وأمبروس سوموغيي Ambrus Somogyi، ثم المؤلفين البروتستانت، في بدايات القرن السابع عشر.[16]
توخينا في هذه الدارسة فحص استقبال بودان، وذلك من خلال الإشارة إلى بعض من عناصر التأثير والاستمرار داخل فكره، ولذلك، عملنا على بسط طائفة من التأثيرات المتصلة بعمل بودان. ورأينا، بأن نظرياته بودان، قد خلفت أصداء شديدة الاختلاف، في عدة دول، وذلك منذ القرن السادس عشر إلى حدود حاضرنا.
الهوامش
[1] Jarra, E, «Le Bodinisme en Pologne au XVIIͤ siècle», Archives de philosophie du droit et de sociologie juridique, III, 1-2, 1933, p. 120-132. In Couzinet Marie-Dominique, Jean Bodin, Paris/Roma, Memini, 2001, p. 325.
[2] Cassirer, E., in Descartes. Lehre – Persönlichkeit – Wirkung, Stockholm, Bermann – Fischer Verlag, 1939, p. 189-192. In Couzinet Marie-Dominique, Jean Bodin, p. 325.
[3] Chtchapov, J., «Jean Bodin et la science sociale russe», Czasopismo prawno-historyczne, XXIX, 2, 1977, p. 21-27. In Couzinet Marie-Dominique, Jean Bodin, Paris/Roma, Memini, 2001, p. 325.
[4] Bobkova Marina, , revue «Histoire, économie et société», Armand Colin, 1, 40ͤ année, 2021, p. 73.
[5] Bobkova Marina, la réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p. 75.
[6] Boris N. Tchitcherine, Историяполитическихучений. Перваячасть.Древниймир, Средниевекаm[Histoire de la pensée politique. Première partie. Mondes anciennes. Moyen Âge], Moscou, 1869, p. 424. In Bobkova Marina, la réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p. 75.
[7] Bobkova Marina, La réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., pp. 75-76.
[8] Bobkova Marina, La réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p. 76.
[9] Bobkova Marina, La réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p.76.
[10] Bobkova Marina, La réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p. 77.
[11] Bobkova Marina, La réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p. 77.
[12] Bobkova Marina, La réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p. 79.
[13] Bobkova Marina, La réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p. 79.
[14] Bobkova Marina, la réception de Jean Bodin en Russie, Op. Cit., p. 79.
[15] Golimas, A. H., «Le Bodinisme et la Roumanie», Czasopismo prawno-historyczne, II, 1977, p. 29-37.In Couzinet Marie-Dominique, Jean Bodin, Op. Cit., p. 325.
[16] Maté, G., «La réception de Jean Bodin en Hongrie», in Jean Bodin, actes du colloque interdisciplinaire d’Angers, 24-27 mai 1984, éd. par Georges Cesbron, Angers, Presses Universitaires d’Angers, t. II, 1985, p. 523-530.In Couzinet Marie-Dominique, Jean Bodin, Op. Cit., p. 326.