مجلة حكمة
السياسة المدنية والمنعرج الفرداني

المستصفى حول السياسة المدنية والمنعرج الفرداني

المنطوق به والمسكوت عنه في فلسفة ابن باجة الأندلسي(مقاربة أنطو- بولتكو-هرمينوطقيّة)

الكاتبسعيد الجابلي

مقدّمة: ابن باجة: تراث زاخر وفكر رائد

  ولقد آثرنا في هذه الدّراسة تصريف القول الممكن بخصوص المستصفى حول قضيّة السّياسة المدنيّة والمنعرج الفرداني، وما يعرض فيها من المنطوق به والمسكوت عنه، باعتبارها من بين أبرز القضايا الفلسفيّة التي تناولها ابن باجة ([1]) الأندلسي بالدّرس والتّحليل. ناهيك أنّه أوّل من نصّب مسألة الإنسان في الفلسفة الإسلاميّة على نحو ما يُجليه مؤلّفه: “تدبير المتوحّد”، المتضمّن لأبرز أفكاره حول العقل والتّعقل وتدبير المنزل والمدينة ومعنى السّعادة الخ…والغاية التي طلبها من وراء تأليف هذا الكتاب هي الإبانة عن الكيفيّة التي من خلالها يمكن بلوغ المقصد الأسمى أي السّعادة، فكتاب: “تدبير المتوحّد” يرشد  إلى أقوم المسالك تحقيقا لذلك الهدف، فأيّ فرد يختار سبيل العقل يمكنه الوصول إلى الغاية القصوى، بل إنّ أهل مدينة ما إذا أعملوا عقولهم أمكنهم في مجموعهم إدراك كمالهم وسعادتهم([2]). وفي نفس السياق، ألفيناه يميّز بدقّة مطلوبه في هذا المؤلّف من مطلوب أفلاطون في كتب السّياسة. وساعيّا أيضا إلى تخطي معهود الطرح الفلسفي الفارابي لمسألة السّياسة المدنيّة: فإنّ مطلوبه الأوّل هو “الإنسان المتوحّد”، وبكلّ قصد نظري هو يحدّده كموضوع جذري للفلسفة ([3]). وفي “رسالة الوداع” التي أفردها تتويجا لتأمّلاته الفلسفيّة يعلن ابن باجة، أنّ غرضه هو إبانة “صفة الغاية التي ينتهي إليها الطبع بالسّلوك إليها”([4]).

    وإنّا لواجدون في هذه الإشكاليّة مدخلا نموذجيا لطرح هذا النّوع من المحاورة مع الفلسفة الباجويّة، التي أسّست في تقديرنا لإمكانيّة تفكير جديدة في تاريخ الفلسفة العربيّة، لا تخلو من طابع الجدّة والطرافة في آن، مقارنة بما درج عليه متفلسفة عصره ومصره. وحسبنا دليلا عمّا نزعم هاهنا، فصل الخطاب من قبل فيلسوفنا بشأن النّابت المفرد والمنعرج الفرداني الّذي يعدّ في تقديرنا المتواضع طفرة نوعيّة غير مسبوقة. كان ابن رشد أوّل من تفطّن إليها: (وهي جدّة وطرافة عمله الفلسفيّ مقارنة بسابقيه). هذه الجدّة التي كان ابن باجة نفسه واعيا بها، ستتجلى من خلال انتقاله من الحدّيث عن التدبير باعتباره يخصّ المدينة ولا يقال على غيرها من أشكال الفعل الإنسانيّ إلى تأكيده على مشروعيّة قوله الفلسفي المتعلق بتدبير المتوحّد ([5]).

     ولأنّ واقع البشر لا يرقى أصلا إلى ما ينشدون، فإنّهم لا ينفكون عن الحلم يبحثون فيه عن إمكان لمدينة فاضلة وكاملة حسب ابن باجة، لا مكان فيها للظلم وحافظة لاستمرار الوجود الإنسي، لكلّ فيها حدّه، يتوحّد فيها الشيء وضدّه، مدينة يرضها العقل كاملة. هذا مصداقا لقوله: “وبيّن أنّ المدينة الفاضلة الكاملة قد أعطي فيها كلّ إنسان أفضل ما هو معدّ نحوه وأنّ آراءها كلّها صادقة وأنّه لا رأي كاذبا فيها وأنّ أعمالها هي الفاضلة بالإطلاق وحدها، وأنّ كلّ عمل غيره فإن كان فاضلا فبالإضافة إلى فساد موجود”([6])

   وعندئذ، أفلا يكون طرح مشكل العلم المدني صلب القول الفلسفي الباجي، تُرجمانا على تنصيب فلسفي لإشكاليّة الإنسان في صناعة الفلسفة بعامّة. فمسألة “البدء” الفلسفي لإشكاليّة العمليّ قد وجدت في السّؤال عن الإنسان موضعها الأصيل. وعليه، فإنّ التلفت عن التدبير الإلهي والاقتصار على البحث في التدبير الإنسانيّ إنّما ينطوي-إذا تؤمّل من الزاوية التي تهمّنا-على قرار طوبولوجي خطير: إنّه إعادة ترتيب للموضع الّذي يقف فيه الفيلسوف. وقد أفلح ابن باجة بطرح إشكاليّة المتوحّد في دفع إمكانيّة السّؤال عن الفيلسوف إلى أقصاها ([7]).

    وقصدنا فيما نحن بسبيله: “تدبير هذا الإنسان المتوحّد. وبيّن أنّه قد لحقه أمر خارج عن الطبع، فنقول كيف يتدبر حتّى ينال أفضل وجوداته، كما يقول الطّبيب في الإنسان المنفرد في هذه المدن كيف يتوحّد حتّى يكون صحيحا، إمّا بأن تحفظ صحته، وإمّا بأن يسترجعها إذا زالت، كما وصفت في صناعة الطب. كذلك هذا القول هو للنّابت المفرد، هو كيف ينال السّعادة إذا لم تكن موجودة، أو كيف يزيل عن نفسه الأعراض التي تمنعه عن السّعادة أو عن نيل ما يمكنه منها، إمّا بحسب غاية أو بحسب ما استقر في نفسه، وأمّا حفظها فذلك شبيه بحفظ الصّحة”([8]).  

   إنّ التساؤل عن معنى المتوحّد في تقديرنا يفترض بادئ الأمر، استنطاق معنى التدبير بما هو الفعل المميّز للفيلسوف. فما المقصود بفعل التّدبير المدنيّ؟ ومن يكون متوحّد ابن باجة؟ كيف يرتّب ابن الصّائغ قوله في “المفرد” أو “النّابت”؟ أفلا تجلي فلسفة ابن باجة الأندلسي لحظة تحوّل جذري وطريف في تاريخ الفلسفة الإسلاميّة الوسيطة مقارنة بسابقيه أساسها: الانتقال من الحديث عن التّدبير باعتباره يخصّ المدينة إلى تأكيده على مشروعيّة قوله الفلسفي المتعلّق بتدبير المتوحّد والمنعرج الفرداني مدار السّياسة المدنيّة مبدأ ومنهجا وغاية؟ وإذا كان المقصود بوجود النّابت المفرد أن يبلغ السّعادة، وكان ذلك هو الكمال الأقصى الّذي بقي أن يعطه ما يمكن أن يقبله من الموجودات الممكنة، فينبغي أن يقال في الوجه الّذي به يمكن أن يصير المتوحّد نحو هذه السّعادة. وعندئذ، ما هي شروط إمكان تحصيل سعادة المفرد-النّابت؟ على أيّ نحو تجلّي قنيّة السّعادة، التآلف العضوي بين السّياسي وأخلاقي؟ كيف يكون فيلسوف ما معاصرا لكلّ الفلاسفة ولسان عصره في آن؟  ويضاف سؤال آخر لا يقلّ عن الإشكاليّة المثارة أهميّة لهو: بأيّ معنى يمكن اعتبار ابن باجة اليوم أفقا حداثيا؟

   هي ذي بعض الأسئلة التي قد يبدو للكثيرين أنّه من الأيسر بل من الأريح عدم طرحها إذا كانت تعسر الإجابة عليها أو كانت ممّا ينكأ جراحات نعمل جاهدين على التئامها بالتّناسب أو بالهرب أو بالإكراه الّذي تجبرنا عليه كلّ القوى التي لا تستسيغ التّسآل([9]).

        إنّ استنطاق تلكم الإشكاليّة في أبعادها ومقاصدها ومآلاتها الفلسفيّة العميقة، اقتضت منّا الاستئناس بمنهج استقرائي (للنّصوص) أدّى بنا إلى المنهج التّحليلي والمنهج المقارن، أساسه تتبّع رؤية ابن باجة بخصوص تأصيله النّظري لمسألة المستصفى حول السّياسة المدنيّة والمنعرج الفرداني المميّز لها على امتداد متنه الفلسفيّ، في خطوة أولى نراها ضروريّة وهامّة. والعمل في خطوة ثانيّة، لا تقلّ قيمة عن سابقتها على عقد مقارنة بينه وبين بعض التصوّرات الفلسفيّة الأخرى، التي يلتقي معها أو تلكم التي يختلف عنها بخصوص ذات المسألة على غرار بعض الفلاسفة الإغريق والعرب: أفلاطون، أرسطو، ابن طفيل والفارابي وابن رشد. ولكن أيضا الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا([10]).  

   لا جرم، انحصار الكلام في هذا البحث في سياسات التدبير المدنيّ وما يعرض في ذلك كلّه من الأحوال وما فيه من مسائل، تهمّ معنى التدبير: مفهوما واصطلاحا وصنوفا، مدار نظرنا في مستوى المبحث الأوّل من عملنا. وتطرّقنا بالدّرس والتحليل في مستوى المبحث الثّاني، إلى تدبير المتوحّد والمنعرج الفرداني بين المنطوق به والمسكوت عنه لدى فلاسفة الغرب الإسلامي من خلال ابن باجة وابن طفيل. ونهاية، ولّينا تأمّلاتنا في مستوى المبحث الثّالث، صوب الفيلسوف النّابتة وإشكاليّة السّعادة، حيث طفقنا نجوس على إثره، تقصيّا طبيعة العلاقة بين الأخلاقي والسياسي لدى ابن الصّائغ. ونعتقد أنّ تأصيله الفلسفيّ للمنعطف الفرداني، أو المنطوق به والمسكوت عنه في السّياسة المدنيّة على نحو ما عبّر عنه متنه الفلسفي برمته، لهو تأسيسي في جوهره. آملين من خلاله تحصيل دراية بمفاعيل فلسفة الرّجل من زاوية مباحث العقل السياسي والعقل الأخلاقي. ولكن، أيضا وعيا من لّدنّا بضرورة التفكّر في إمكانات أفقها الحدّاثي الرّاهن الآن وهنا.  

المبحث الأوّل: المستصفى حول سياسات التدبير، المنطوق به والمسكوت عنه من منظور ابن باجة: تدبير المدن أم تدبير المتوحّد؟

  1.  منزلة التدبير المدنيّ من خلال ابن باجة: مفهوما واصطلاحا

  استهل ابن باجة كتابه: “تدبير المتوحّد” ببيان معنى التدبير، إذ أشار إلى كون: “لفظة التدبير في لسان العرب تقال على معان كثيرة، قد أحصاها أهل لسانهم. وأشهر دلالتها بالجملة ترتيب أفعال نحو غاية مقصودة. ولذلك لا يطلقونها على من فعل فعلا واحدا يقصد به غاية ما، فإنّ من اعتقد في ذلك الفعل أنّه واحد لم يطلق عليه التدبير، وأمّا من اعتقد فيه أنّه كثير، وأخذه من حيث هو ذو ترتيب سمّي ذلك الترتيب تدبيرا”([11]). ذلك فعلا بعض ما يقوله اللّسان العربي. وبناء عليه، يحيل مفهوم التدبير من جملة ما يحيل عليه من منظور ابن باجة، على جملة من الأعمال ووقوعها وفق نسق محدّد، يؤدي في نهاية المطاف إلى بلوغ الهدف المرسوم، فالتدبير دالّ على وضع استراتيجيا يتمّ التحرّك وفقها، وهو ما يعني أنّ كلّ عمل مفرد ومعزول لا يمكن أن يدخل ضمن هذا التّحديد، فالتدبير يعني شبكة من الأفعال التي يجري ترتيبها بحسب أهميتها ([12]).

   وتجدر الملاحظة أنّ مصطلح التدبير في تقدير ابن الصّائغ يمكن أن تكون له دلالة القوّة أو دلالة الفعل، ودلالة القوّة هي الأكثر شهرة وشيوعا، ناهيك أنّ ترتيب المسائل التي هي بالقوّة يتمّ عن طريق الفكر، لذلك فإنّ الإنسان يختص به وحده دون بقيّة الكائنات. هذا ما عبّر عنه ابن باجة بقوله:” ولفظة التدبير دلالتها على ما بالقوّة أكثر وأشهر، وبين أنّ الترتيب إذا كان في أمور بالقوّة فإنّما يكون ذلك بالفكرة، فإنّ هذا مختص بالفكر، ولا يمكن أن يوجد إلّا منه. ولذلك لا يمكن أن يوجد إلّا للإنسان فقط”([13]).

  إنّ الأسبقيّة المنطقيّة للنّظر في معنى التدبير قبل توضيح مفهوم المتوحّد أو النّابت في المتن الفلسفي الباجي، مردّها الرّئيس أنّ التدبير هو الّذي يكسب صاحبه صفة التوحّد. فالمتوحّد “نابت كعشب من تلقاء نفسه”([14]). ومعلوم أنّ صورة متوحّد ابن باجة لا تتضّح ما لم نحدّد الفعل المصاحب له وهو التدبير ([15]).   وقد يبقى علينا أن نقول بصدى أثر الفارابي في فكر ابن باجة بخصوص معنى التدبير على نحو ما أبانه في كتاب السّياسة المدنيّة قائلا:” والنّاس الّذين يُدبّرون برئاسة هذا الرّئيس هم النّاس الفاضلون والأخيار والسّعداء. فإن كانوا أمّة فتلك هي الأمّة الفاضلة، وإن كانوا أناسا مجتمعين في مسكن واحد كان ذلك المسكن الّذي يجمع جميع من تحت هذه الرّئاسة هو المدينة الفاضلة”([16]). كما رصدنا أيضا حضورا لهذا التقارب بينهما في تعريف المعلّم الثّاني الغرض من الفصول (فصول المدنيّ) بقوله في مدخل الكتاب: “فصول منتزعة” تشتمل على أصول كثيرة من أقاويل القدماء فيما ينبغي أن تدبّر به المدن وتُعمّر به وتصلح به سيرة أهلها ويُسدّدوا نحو السّعادة”([17]). وفي نفس الغرض يتناسب مفهوم التدبير وإن ارتبط بالمفرد النّابت وبأفعال الفكر عند ابن باجة مع مفهوم التّعقل الوارد في المتن الفلسفي الفارابي. وهنا أعلن الفارابي أنّ: “التعقّل هو القدرة على جودة الرويّة واستنباط الأشيّاء التي هي أجود وأصلح فيما يُعمل ليحصل بها للإنسان خير عظيم في الحقيقة وغاية شريفة فاضلة، كانت تلك هي السّعادة أو شيء ممّا له غناء عظيم في أن ينال به السّعادة”([18]).

  يتمظهر التعقّل لدى الفارابي في أنواع كثيرة: منها ما هو “جودة الرويّة فيما يُدبّر به أمر المنزل وهو التّعقّل المنزليّ، ومنها ما هو جودة الرويّة في أبلغ ما تدبّر به المدن، وهو التعقّل المدنيّ، ومنها ما هو جودة الرويّة فيما هو أفضل وأصلح في بلوغ جودة المعاش، وفي أن تنال الخيرات الإنسيّة، مثل اليسار والجلال وغير ذلك، بعد أن يكون خيرا وله غناء في نيل السّعادة”([19]).

   كما أنّه، بالنّظر إلى جهة منطلقه ومصدره في فعل الفرد، ينقسم إلى تعقّل مشوري وتعقّل خصومي. ويتعلّق الأول بما “لا يستعمله الإنسان في نفسه، وإنّما فيما يشير به على غيره”. أمّا الثّاني فهو “استنباط رأي صحيح فاضل، فيما يقاوم به العدو والمنازع في الجملة أو يدفع عنه”([20]).

إنّ بحث معنى التدبير مفهوما واصطلاحا عند فيلسوف سرقسطة، إنّما يثرى أكثر، من خلال رصدنا لأنواع التدبير المختلفة لديه. حسبنا، نعي منزلة تدبير المتوحّد من جهة سياساته ومحدّداته وأبعاده في ثنايا تكوّن المشروع الفلسفي السّياسي الباجوي. هذا ما يسوّغ لنا التساؤل إذن: ما هي صنوف التدبير عند ابن باجة؟

  • القول في صنوف التدبير عند ابن باجة: مستلهما للتمشيّ المنهجيّ والمعرفيّ الّذي شيّده الفارابي عمد ابن باجة إلى التمييز بين أصناف مختلفة من التدبر، سنكتفي بالإحالة عليها حتى لا نثقل المتن بكثير من الشواهد المتيسرة لكلّ مهتم، لهي على النّحو الآتي:
  • أوّلا: تدبير الإله للعالم، وهو التدبير المطلق.
  • ثانيّا: تدبير المدن الّذي بيّن أمره أفلاطون في السياسة المدنيّة وهو في تقدير ابن باجة مبدأ كلّ “فلسفة مدنيّة”. كما ألمع إلى أرسطو في معرض حديثه عن التقاطع بين “التّعقل” والمدينة الكاملة على نحو ما تجليه المقالة السّادسة من نيقو ماخيا. وبينّ: “أنّ المدينة الفاضلة الكاملة قد أعطى فيها كلّ إنسان أفضل ما هو معد نحوه. وإنّ آراءها كلّها صادقة، وأنّه لا رأي كاذب فيها. وأنّ أعمالها هي الفاضلة بإطلاق وحدها. وأنّ كلّ عمل غيره فإن كان فاضلا فبالإضافة إلى فساد موجود”([21]). وقد تلخصت هذه الأمور في كتاب نيقو ماخيا. 
  • ثالثا: تدبير المنزل وهو من منظور ابن باجة: “أشرف الأمور التي يقال عليها التدبير هو تدبير المدن وتدبير المنزل، وقلّ ما يطلق عليه التدبير، حتّى يقال تدبير المنزل بردف وتقييد. وأمّا تدبير الحرب وسائر ذلك فهي أجزاء لهذين النّوعين”([22]).
  • رابعا: تدبير الإنسان المتوحّد: الإنسان المتوحّد في تقدير ابن باجة، إنّما هو الإنسان الفاضل الّذي يعيش ضمن جماعة فاسدة فيكون وجوده مماثلا لوجود النّابت وهو يحتاج إلى صنف خاصّ من التدبير يتناسب مع حياة التفرّد والوحدة. وبفعل التدبير يستحيل المرء متوحّدا. فالمتوحّد “نابت كعشب من تلقاء نفسه بين الزّرع، فلنخصّ نحن بهذا الاسم الّذين يرون الآراء الصّادقة”([23]).  وإذا كان ابن باجة قد ألّف تدبير المتوحّد استنادا إلى ما كتب الفارابي في الفلسفة السّياسيّة، فإنّهما معا يرجعان إلى أرسطو الّذي لا يُفهم معنى التّدبير عنده خارج تصوّره للحكمة. وعليه، أ فلا يكون إلحاق السّياسة بالحكمة هو الّذي يهب لفعل العقل، في هذا الإطار، معنى “التّدبير”. فالسّياسة المدنيّة – تأسيسا على ذلك هي التّدبير العقلي لشأن المدينة، أي النّظر في قضاياها من حيث: أسسّها وأمراضها المحتملة وعلاجاتها ([24])

إنّ مبحث المتوحّد في تقدير ابن الصّائغ يخرج بمحض صعوبته الخاصّة عن مبحث المدينة: رُبّ مبحث ظلّ لدى القدماء من أفلاطون إلى الفارابي قيد إشكاليّة المدينة ([25]). وسنفصّل ذلك كلّه إذا وصلنا إلى القول فيه. ومن بين الأسئلة اللّامعة التي تطلب أجوبة جامعة هنا: هل أتاكم نبأ تدبير المتوحّد والمنعرج الفرداني بين المنطوق به والمسكوت عنه لدى فلاسفة الغرب الإسلامي: ابن باجة وابن طفيل وما بينهما؟ كيف نفهم هذا الانزياح الحاصل في تدبير المتوحّد من إشكاليّة المدينة الفاضلة إلى إشكاليّة النّابتة؟ وهل أتى على النّابتة المفرد حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا في عرف المتفلسفة مشرقا ومغربا؟

المبحث الثّاني: تدبير المتوحّد والمنعرج الفرداني لدى فلاسفة الغرب الإسلامي: ابن باجة وابن طفيل وما بينهما:

     إنّ تركيز ابن باجة على المتوحّد تعقلا وتدبيرا، لهو ترجمان على ربط السّياسة المدنيّة بالمنعرج الفردانيّ رأسا، مؤسّسا في سياق ذلك لتقليد فلسفي جديد لم يسبقه إليه أحد من متفلسفة عصره مشرقا ومغربا. فالنّابت المفرد أو المتوحّد “الّذي فطر على أن يكون لنفسه”([26]). يروم جعل فرادته هيئة لوجوده، فما يتفرّد به هو ما يتوحّد لأجله. فابن باجة إنّما كان يفكّر بالفلسفة بوصفها البيئة الوحيدة للمتوحّد: فهو مدعو سلفا إلى ضرب من الوطن الّذي يخترعه لنفسه كبيئة فلسفيّة خاصّة في انتظار حدوث المدينة الكاملة ([27]).

   من نافل القول التّذكير أنّ المتوحّد كفاعل سياسي، حينما يخضع فعله السياسي لقانون العقل ودواعيه، لهو يسعى إلى ضبط ممارسة الأمّة وفق أنموذج عقليّ. وبالتّالي فغير المتفلسف: “تخلو سلوكياته الأخلاقيّة من الفضيلة وتفتقر أفكاره إلى الحكمة. تعطل العقل لديه، فأضحى عدّوا لذاته قبل أن يكون عدّوا للآخرين ([28]). بهذا المعنى، فإنّ ما يسوّغ ربط السّياسة المدنيّة بالمنعطف الفردانيّ أو بالنّابت دون المدينة في تقدير ابن الصّائغ، يكمن في غياب المدينة الكاملة: مدينة الفلسفة التي هي من جنس طبعه الفلسفي. وبمجرّد قيام المدينة الكاملة يكّف الفيلسوف عن أن يكون “نابتا”. “فبيّن أنّ من خواص المدينة الكاملة لا يكون فيها نوابت”([29]) على حدّ عبارة ابن باجة. وحينئذ، إذا ما استمرت المدن على هيئتها تلك غير الفاضلة:” فإنّ الفيلسوف مهدّد بأن يظل منفيّا ومعتزلا ومهاجرا وغريبا أبدا”([30]).

   يرى ابن باجة في مستوى مؤلّفه: “تدبير المتوحّد”، أنّ الإنسان بمستطاعه أن يكون فاضلا وهو منعزل ومتوحّد عن السّواد الأعظم. هذا ما أشار إليه بقوله: “والمتوحّد الظاهر من أمره أنّه يجب عليه ألا يصحب الجسمانيّ ولا من غايته الرّوحانيّة المشوبة بجسميّة، بل إنّما يجب عليه أن يصحب أهل العلوم، ولكن أهل العلوم يقلّون في بعض السير ويكثرون في بعض، حتّى يبلغ في بعضها أن يعدموا. ولذلك يكون المتوحّد واجبا عليه في بعض السير أن يعتزل عن النّاس جملة ما أمكنه فلا يلابسهم إلاّ في الأمور الضروريّة، أو بقدر الضرورة، أو يهاجر إلى السير التي فيها العلوم، إن كانت موجودة. وليس هذا مناقضا لما قيل في العلم المدنيّ”([31]). وتبيّن في العلم المدني من منظور فيلسوفنا أنّ الاعتزال شرّ كلّه. ولكن هذا إنّما هو بالذّات، وأمّا بالعرض أي في مدينة المال وفي “المدينة الجماعيّة” وفي “مدينة التّغلب” لا يمكن إلّا أن يكون “نافعا” وخيرا، كما يعرض ذلك في أكثر ممّا في الطبع. ولعلّه لهذا الأمر توقف ابن باجة طويلا عند مسألة “النّوابت”([32]).

   يرتهن إصلاح المدينة من منظور ابن باجة بفعل التوحّد، بما هو فنّ وجود ومنهاج إنالة سعادة المفرد ف”المتصل يبدأ رحلته الفلسفيّة بشعار “التوحّد” أي بالعمل على التفرّد والتميّز والاختلاف عن الشبيه البشري هروبا من الضياع في الكثرة الاجتماعيّة والابتذال في أحضان القيم المجتمعيّة والأخلاقيّة”([33]). وعليه، فإنّ توحّد الفيلسوف دليل على فشل المدينة في بلوغ درجة الفضيلة لذلك يكون الانعزال (أي التوحّد) السبيل الضروري لينقذ الفيلسوف نفسه، ويكون التّدبير الفعل الضروري لخروج المدينة من أزمتها. والتّدبير هو أيضا علامة على أزمة، لكنّه الوجه الآخر منها. ففي غياب المدبّر الفاضل للمدينة بل وفي غياب المدينة الفاضلة من الواقع الّذي يعيش فيه الفيلسوف يكون المتوحّد العلامة الوجوديّة على إمكان الخروج من الأزمة، ويكون تدبيره السّبيل المؤدّي إلى الخلاص الذّاتي من شرور.

   إنّ ما يمكن استجلاؤه هو أنّ ابن باجة يهمّ بنقل مسألة التّدبير من موضعها التّقليدي، أي إشكاليّة المدينة. فهو إذن يعلن عن قبوله باكتمال القول المدني في التّدبير، لكنّه إنّما يفتح بذلك الأفق أمام اجتهاد فلسفيّ جديد هو القول في التّدبير غير المدنيّ. وهذا أمر غير مسبوق. ولنا تخريج نميل إليه وهو أنّ ضربا من الارتداد إلى الموضع الّذي يقف فيه الفيلسوف في المدن الناقصة لمساءلته ورسم إمكانيّة موجبة للتّفكير فيه هو ما يجعل كتاب “تدبير المتوحّد” على درجة عاليّة من الابتكار. فلم يكن من السّهل قطّ الإمساك عن التّقليد الأفلاطوني الّذي كان الفارابي قد فرغ من تبيئته في فضاء التّفكير العربي على نحو جريء وغير مألوف.

   ولذلك نحن نفترض أنّ ابن باجة، وإن كان ذلك بعدّة مفهوميّة تقليدية، قد قام بما يشبه الارتداد الفينومينولوجيّ إلى القبل الّذي يسبق حدوث المدينة الفاضلة، أي الإمكان الأصلي لتلك المدينة، وهو لا يزال “نابتة” غريبة عن “الزّمان” ومتفردّة عن “أهله”. كأنّ قدر الفيلسوف ألّا يظهر حيث لا ينتظر، أو لا ينبت أو يتنبّت إلّا حيث لا يكون ممكنا ([34]). هذا مصداقا لقوله: “وبيّن أنّه قد لحقه أمر خارج عن الطبع فنقول كيف يتدبّر حتّى ينال أفضل وجوداته، كما يقول الطبيب في الإنسان المفرد في هذه المدن كيف يتوحّد حتّى يكون صحيحا”([35]).

    من البيّن بداهة أنّ ابن باجة في معرض حديثه عن إشكاليّة المتوحّد، قصد فتح دروبا جديدة أمام إمكانات أصيلة للخروج من قضيّة المدينة الفاضلة، والتّأسيس فلسفيّا للتّفكير في وجود الإنسان الّذي يجد صورته المثلى في المنعطف الفرداني موضوع السّياسة المدنيّة. ومن ثمّة، فإنّ مشروع المتوحّد مشروع تجديديّ في جوهره، يجد في العقل سلاحا يشهره ضدّ الشرّ والفساد في الحقلين السياسي والأخلاقي. فالمتوحّد رافض لما هو سائد متمرّد على المعايير السياسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والمؤسّسات التي ترتكز عليها، ووجوده داخل المدينة النّاقصة إنّما يمثّل جنين المدينة الكاملة التي يجب أن تتأسّس، وأفعاله وأفكاره بواكير لما سوف يأتي من نظم اجتماعيّة وسياسيّة وأخلاقيّة بديلة ([36]).

   إنّ تدبير المتوحّد في تقدير ابن باجة يستمد معناه وقيمته من كونه تفكيرا ضدّ الآخرين ومن أجلهم في آن، وأنّه مراهنة على إنشاء المعنى في واقع سياسة مدنيّة يؤول إلى طمس المعنى. هذا ما أعلنه ابن باجة قائلا: “ومن الصوّر الرّوحانيّة الكاذبة يكون الرّياء والمكر وقوى أخر شبيهة به، وهذه أصنافها يعظم موقعها في السير الموجودة، حتّى يظنّ بالعارف بها الحكمة، ويظنّ أنّها هي الحكمة ويرى الجمهور فيها وكثير من خواص أمثال هذه المدن أنّها التّعقل الّذي يذكره أرسطو في السّادسة. فإذا سمعوا ما شرطه في التّعقل من كون المتعقل فاضلا نبت أذهانهم عن ذلك. فكثير منهم يرى أنّ ذلك رعونة ونقصا في الإدراك وضربا من البلادة”([37]).        

     لا ضير في الإقرار مع ابن باجة أنّ المتوحّد، المتفرّد، لهو في المحصّلة الفيلسوف الّذي تحوّلت وحدته إلى وطن له وهيئة لوجوده، إذ في غرابة شخصه ما يجعل من الجماعة، لا تفتح له أبوابها بل تدفعه إلى الانفراد بنفسه وتحويل تفرّده إلى هيئة لوجود وهو أمر يستدعي منه دربة عسيرة على بلوغ هذا النّوع من الإقامة. فضلا عن الاستمرار فيه خاصّة وأنّه فضاء غير محدّد المعالم وغير واضح الحدود، وهي حدود تتبدّل بتبدل أحوال “المتوحّد” في علاقته بذاته وبالجماعة. يقوم على التّدبير بتوفير ما يحتاجه هذا “المتوحّد” من فلسفة عمليّة شأنها أن تمكّنه من سياسة حياته وسياسة تفكيره طبقا لمنطلقات محدّدة هي أساسا معرفة علميّة بالإنسان وتصوّر للطبيعة والحركة ولغايات محدّدة منها الجزئي والعرضي ومنها الأسمى والمطلق وهو الّذي يمتزج فيه اتّصال يفضي إلى تحقيق كمال نظري بترقّي أخلاقي يؤدي إلى تحصيل السّعادة ([38]).

    وبناء عليه، لا نجانب الصّواب عندما نقول بأنّ أساس هذه المدينة الفاضلة هو الفرد الفيلسوف، ومدينته الفاضلة هي عالمه الفكري الّذي يتميّز به عن محيطه ويرقى به عنه، ويوفر له العدّة المعرفيّة لبناء سلوك يعلي من شأن الباطن ويقابل القيم السّائدة بقيّمه الفلسفيّة ([39]).

   لا جناح في التنبيه ها هنا، إلى أنّ ابن الصّائغ يروم من خلال توجيه دفّة السّياسة المدنيّة نحو المنعرج الفردانيّ، تأسيس مشروعا سياسيّا للمتوحّد، لأنّ الخير الأفضل والكمال الأقصى عنده لا ينال بالمدينة ولا بالاجتماع الّذي هو أنقص منها على نحو ما يسود الاعتقاد لدى الفارابي مثلا، وإنّما ينال بتربيّة النّفس على التوحّد، إذ ينبغي على الفيلسوف أن يُربّي نفسه على الغربة حتّى تصير له وطنا، بل يجب عليه أن يبني في باطنه مدينته الفاضلة، ما دام أنّها من المستحيل أن توجد على أرض جاهليّة ([40]). وهكذا تصبح المدينة الفاضلة الكاملة من منظور فيلسوفنا الأندلسي ممكنة التّحقيق، لكن في روح الفيلسوف، ولذلك يمكن أن يحملها معه أينما ارتحل، إنّها بعبارة أخرى عزاء الفيلسوف في عالم تُهيمن عليه أخلاق العوام، وتسيطر عليه السّياسات الفاسدة. على الرّغم من أنّ ابن باجة قد عاش بفاس مدّة عشرين سنة، وتقلد منصب وزيرا في الدّولة المرابطيّة كما تذكر المصادر القديمة.  ومع ذلك نجده لا يلح على ربط المدينة بالاجتماع الفاضل كما فعل الفارابي ([41])، وكما سيفعل فيما بعد ابن رشد الّذي تحمّس كثيرا لهذه المدينة شريطة أن يترأسّها الفيلسوف ([42]).

  لا ريب، في أنّ سفر الفيلسوف على نحو ما ألفيناه لدى ابن باجة هو سفر خاصّ، لأنّه ينطلق من عالم الكون والفساد إلى عالم ما بعد الطبيعة، أو من المدينة الجاهلة إلى المدينة الفاضلة باعتبارها وطن الفلاسفة الحقيقي. وفي هذا السّياق، يطالعنا ابن الصّائغ بحديثه عن سفر الفلاسفة، وبخاصّة في لحظة إشراقة الوجود، قائلا: “هؤلاء (=الفلاسفة) هم الّذين يعنيهم الصوفيّة بقولهم الغرباء، لأنّهم وإن كانوا في أوطانهم وبين أترابهم وجيرانهم غرباء في آرائهم، قد سافروا بأفكارهم إلى مراتب أخرى هي لهم كالأوطان إلى سائر ما يقولونه”([43]).

   نستجلي من هذا القول، تحديد ابن باجة لمعنى الغربة من جهة طبيعتها ورهاناتها، في ارتباطها بالأفق الإشكالي لمسألة المتوحّد والمنعطف الفرداني محور اهتمام السّياسة المدنيّة. ويمكن أن نقول بإيجاز شديد أنّ الفيلسوف في هذه المدن ينبغي أن يكون غريبا في كلّ تلك المدن، وأن يدبر نفسه دون اكتراث بتدبير المدينة إذ عليه أن يكون غريبا في وطنه وبين أترابه وجيرانه، غريبا في رأيه. قد سافر بأفكاره إلى مرتبة أخرى هي له كالوطن. وهذه المرتبة هي بالذات ما تسمّيه: “رسالة الاتّصال” الّذين منزلتهم عند ابن باجة منزلة الّذين “يرون الشيء نفسه”([44]).  فلذلك يلجأ لتوضيح أمثولة الكهف الأفلاطونيّة التي يسمّيها “إلغازا”([45]). ليعتبر أنّ الاتّصال هو نوع من الاتّحاد “فمن كانت له الرتبة الثالثة رتبة السّعداء، أشبه عند ذلك الشّمس عينها”([46]). إنّ السّعداء يصيرون هم الشيء ذاته”([47]).  وهذه المرتبة هي التي سبق “لرسالة الوداع”([48]) إن استثمرت حولها ما ورد في المقالة العاشرة-التي يسمّيها ابن باجة الحادية عشرة من نيقو ماخيا حول ” سمو حياة التّأمّل والنّظر”([49]).  

   والأمر عينه، استرعى انتباهنا لدى ابن طفيل الأندلسي ([50])، مقتفيا أثر ابن الصّائغ بشأن هذا الانحراف الفرداني الباجوي في مستوى قصته: “حيّ بن يقظان”، التي أفردها لعرض رؤيته بخصوص الإنسان الفاضل المتوحّد في جزيرة نائيّة، ولكنّه تمكّن بمفرده من تحصيل كلّ المعارف والكمالات. وظلّ على الدّوام منهما بتدبّر وحدته كفنّ في السّعادة. يقول ابن طفيل: “فتعلق “أسال” بطلب العزلة، ورجع القول فيهما، لمّا كان في طباعه من دوام الفكرة، وملازمة العبرة، الغوص على المعاني. وأكثر ما كان يتأتى له أمله من ذلك بالانفراد”([51]).

   عمد ابن طفيل في قصته تلك إلى تقديم حالة جديدة منفردة تتحدّث عن طوباويّة فردية، ولا تتحدث عن نظام اجتماعيّ. هذا ما عبّر عنه المستشرق الهولندي “دي بور” في معرض تعليقه على “قصّة حيّ بن يقظان”، قائلا:” أنّ ابن طفيل قد ضمّنها فكرته عن الإنسان بما هو كائن قادر على إدراك الحقيقة المطلقة، الحقيقة الإلهيّة، وتحصيل السّعادة المطلقة دون معونة خارجيّة من نظرائه في المجتمع أو في أيّ مرجعيّة أخرى متعاليّة وأنّه بتحقيق الإنسان لذلك اعتمادا على مجهوده الخاصّ، فإنّه يصل إلى مستوى الكمال والخلود”. ([52])

   واللّافت للنّظر أيضا، أنّ «قصّة حيّ بن يقظان”، لابن طفيل تستقي إرهاصاتها الأولى من الإرث الفلسفي الباجوي، لا على جهة صلتها بمؤلّفات ابن باجة فحسب، وإنّما كذلك بالمشكل الرّئيس الأوّل لفلسفته وهو مشكل اتّصال العقل الإنسانيّ بالعقل الفعّال وبالمشكل الثّاني لفلسفته وهو مشكل “الفيلسوف النّابت” القادر على تحقيق غاياته القصوى ضمن المدينة النّاقصة والجماعة الفاسدة: إذ يعالج ابن طفيل في هذه الرّسالة معضلة شغلت بال الفلاسفة المسلمين، ألا وهي صلة الإنسان بالعقل الفعّال وبالله (…). أمّا طريقة معالجته لهذه القضيّة فكانت بأن وصف لنا شخصا واحدا لم يعرف بيئة اجتماعيّة ولا تأثّر بعاداتها ثمّ بيّن لنا كيف أنّ هذا “المتوحّد”، قد توصل من تلقاء نفسه وبغير معين سوى عقله هو، إلى أن يعرف جميع من حوله ([53]).

   جعل ابن طفيل “حيّ بن يقظان” متوحّدا في منشئه وتولّده غريبا عن المجتمع والمدينة عندما جعل للمجتمع حضورا لاحقا في حياة “حيّ” وهو حضور سلبي ومضادّ لغايات بطل قصّته لما يسود في هذا المجتمع من جهل وفقر وظلم يصل درجة جعلت من “حيّ” متشائما إزاء كلّ محاولة إصلاح المجتمع ومرتدا إلى جزيرته صحبة رفقته، متخليا عن كلّ رغبة في التغيير وإعادة البناء وعن كلّ دور اجتماعي أو سياسي. هذا مصداقا لقوله:” ومازال حيّ بن يقظان يستلطفهم ليلا ونهارا ويبيّن لهم الحقّ سرا وجهارا فلا يزيدهم ذلك إلّا نبوا ونفارا مع أنّهم كانوا محبين للخير راغبين في الحقّ إلّا أنّهم لنقص فطرتهم كانوا لا يطلبون الحقّ من طريقه ولا يأخذونه بجهة تحقيقه ولا يلتمسونه من بابه بل كانوا لا يريدون معرفته من طريق أربابه فيئس من إصلاحهم وانقطع رجاؤه من صلاحهم لقلة قبولهم”([54]).

 ويجلي ذلك، قناعة راسخة عند ابن طفيل مفادها أنّ الإنسان يمكنه، إذا ما كان من ذوي الفطرة الفائقة، وهؤلاء نخبة قليلة، وهم خاصّة أهل الفكر وخاصّة أهل العرفان أن يدرك الاتّصال ويحصّل السّعادة دون الحاجة إلى التّعاون مع غيره. وهذه الفكرة الأخيرة تبرهن على مدى تلقي ابن طفيل وتشبعه بفكر ابن باجة، في اعتباره أنّ الإنسان المتوحّد بمستطاعه من خلال سياسة تدبير لحياته الخاصّة أن يبلغ الغاية القصوى. على أنّ بلوغ تلكم المرتبة، قد تكون للمتوحّد دون المدينة التي يعيش فيها.

   ونحن إنّما نريد هنا أن ننظر إلى هذه المسألة من جهة الإبانة على أوجه التقاطع بين هذين الفيلسوفين الأندلسيين الّتي تهمّ هذه المرّة موقف التشاؤم المشترك تجاه المجتمع بتصوّرهما لنخبويّة الترقي إلى مصاف الحقيقة والسّعادة. فهو للمتوحدين-النّوابت دون غيرهم وهو “لحيّ بن يقظان” من يسير على خطاه. أفلا يكون هذا التصوّر النخبوي وراء دفع كل من ابن باجة وابن طفيل إلى تقسيم النّاس إلى مراتب بحسب غايتين أساسيتين يمكن أن تقود أفعال البشر وهما الغايات الجسمانيّة التي تجعل من تسيطر عليهم في مرتبة البهائم في تقدير ابن الصّائغ والغايات الرّوحانيّة العقليّة التي إذا ما صوّب إليها الإنسان ذاته مطلقا تحوّل إلى كائن إلهي. وهذه الطّائفة المكوّنة من هذا النّوع من الأفراد هي التي تكون مؤهلة لإدراك الحقيقة والسّعادة لا كلّ النّاس.

ويمكن تلمّس هذا التقارب الكبير بينهما بشأن هذا الأمر من خلال ما أعلنه فيلسوف سرقسطة، بقوله: “من النّاس من تغلب عليه الجسمانيّة فقط، وهؤلاء هم أخس النّاس، ومنهم من تغلب عليه الرّوحانيّة اللّطيفة جدا، ومنهم من يوجد فيه كلّ واحدة من هذه. وهذه تختلف بالأكثر والأقلّ. (…) وهو الرّوحانيّ الأكمل فأقلّ وجودا”([55]).  مع النظر فيما ذهب إليه ابن طفيل في “حيّ بن يقظان” من أنّ النّاظر إلى ما عليه النّاس في الواقع وداخل المجتمع يجد أنّ كلّ “حزب بما لديهم فرحون قد أخذوا إلههم هواهم ومعبودهم شهواتهم (…). وأمّا الحكمة فلا سبيل لهم إليها ولاحظّ لهم منها قد غمرتهم الجهالة وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”([56]). إذ أنّ حياتهم مغرقة في الشهوة ولا ترتقي عن مستوى حياة البهيمة فكلّهم يتجهون إلى تلمّس السّبل إلى الأمور المحسوسة والخسيسة وكلّ ذمته متعلقة بالمال واللّذة والشّهوة ولمّا رأى “حيّ” النّاس وهو على هذه الحال “فهم أحوال النّاس”([57]). وكيف أنّ “أكثرهم بمنزلة الحيوان غير النّاطق”([58]).  ما له منهم ما رآه. ولم ينسب ابن طفيل ذلك إلى صفة لحقت بهم عرضا أو جزافا وإنّما اعتبر النّقص والفساد أمرا جبلوا عليه وحملوه بذرة في فطرتهم. ولذلك، فإنّهم لا يرقون إلى مرتبة تلك الطبقة من النّاس الّذين يتصفون بصفات “حيّ بن يقظان.”

    إنّما كان من نبأ “حيّ بن يقظان” و”أسال وسلامان”، وقد اشتمل على حظ من الكلام لا يوجد في كتاب ولا يسمع في معتاد خطاب وهو من العلم المكنون الّذي لا يقبله إلا أهل المعرفة بالله ولا يجهله إلّا أهل الغرّة بالله. وقد خالفنا فيه طريق السلف الصّالح في الضنانة به والشحّ عليه، إلّا أنّ الّذي سهل علينا إفشاء هذا السّر وهتك الحجاب ما ظهر في زماننا من آراء مفسدة نبغت بها متفلسفة العصر وصرحت بها، حتّى انتشرت في البلدان وعمّ ضررها وخشينا على الضعفاء الّذين اطرحوا تقليد الأنبيّاء صلوات اللّه عليهم وأرادوا تقليد السّفهاء والأغبيّاء أن يظنوا أنّ تلك الآراء هي المضنون بها على غير أهلها، فيزيد بذلك حبّهم فيها وولوعهم بها. فرأينا أن نلمع إليهم بطرف من سر الأسرار لنجتذبهم إلى جانب التّحقيق، ثمّ نصدعهم عن ذلك الطرّيق ([59]).

   ويمكّننا في هذا السّياق الإقرار أنّ تلقي ابن طفيل للفكر الفلسفي الباجي يشمل هذه المرّة موضوع اتّصال العقل الإنسانيّ بالعقل الفعّال وجمعه بين منزع عقلي أساسه ثمار القول العلمي وبين استخدام قاموس من الألفاظ ذات السّيرة الصوفيّة من جهة ذات وقع فيضي أفلوطيني محدث وهو ما يظهر الأمر في صورة تردّد في الموقف وعدم حسم الرّؤيّة تجاه مسألة “الاتّصال”([60]) الّذي يختلط أمره بالاتّجاه حينا ويبتعد عنه ويتباين معه حينا آخر.  وواضح من هذه القصّة أنّ ابن طفيل يجمع بين المذهب العقلي والمذهب الكشفي، وهو في ذلك يختلف عن ابن باجة الّذي كان فيما يبدو لا يعوّل إلّا على العقل والتّفكير النّظري ([61]).

   أبانت قصّة: “حيّ بن يقظان”، سيّما في صفحاتها الأخيرة تحديدا تشخيصا جذريا لأزمة الفلسفة في مجتمع الملّة وزمنها، وهي أزمة تتجلّى صوّرها في:

  • إنّ العارف بأمره يستطيع بمفرده أن يحصل على كلّ المعارف التي يحتاج غيره إلى التربيّة للإلمام بها، بل ويصل خاصّة إلى أكثر المعارف سموا وهي معرفة نظام العالم في تدرجه من الماهيّة الأولى وصولا إلى معرفة النّفوس الفردية، كلّ ذلك لأنّه “صقل ذهنه” فتأهل لتحصيل المعرفة الدّقيقة والمحض ([62]).
  • أمّا الجمهور فلا يمكن أن يحصل إلّا معرفة رمزية، وخياليّة تمثلها بدقة “مجموعة المثالات” التي سمّاها الفارابي الملّة. ويقدّم ابن طفيل هذه العلاقة في لقاء حي ابن يقظان بآسال – كما عند ابن سينا إذ يكتشف آسال بسرعة أنّ العقل والنّقل متفقان وأنّ الفرق بينهما لا يتجاوز نمط العرض وشكل التعليم: ففي حين يلجأ الدّين/ النقل/ الملّة إلى الرّموز والاستعارات الحسيّة التي يدركها جميع النّاس، فإنّ الحدس يدرك الحقّ عاريا ساطعا مبهرا. وهذا ما يدفع حي وآسال – حبا في النّاس – إلى الالتقاء بسلامان قصد توصيل النّاس ما عرفوه وما عقلوه. غير أنّ هذا اللّقاء – بالجمهور – لن يكون إلّا لقاء الفشل إذ هو قد بيّن بوضوح إنّ لقاء الجمهور والحكيم هو من باب المحال. إذ أنّ الجمهور غير مؤهل لإدراك الحقيقة إدراك صافيا يقينا. فعلينا بالتّالي تركه لمثالاته ([63]).
  • اليّأس من إمكانيّة المصالحة بين النّظر الفلسفي والملّة، إذ يعتذر حي عمّا تكلّم به مع الجمهور، ويتبرّأ منه ويعلن أنّه “قد رأى مثل رأيهم”([64]). وينفصل في ذات الوقت عن النّظر العقلي وعن “التزام حدود الشرع والأعمال الظاهرة”([65] ) طلبا ل”درجة السّعداء”([66]). بالتزام طريق الولاية، إذ تنتهي القصّة كما يلي: “طلب حي مقامه الكريم بالنّحو الّذي طلبه أوّلا حتّى عاد إليه واقتدى به أسال حتّى قرب منه أو كاد وعبدا الله بتلك الجزيرة. حتّى أتاهما اليقين”([67]). ولأنّ الأمر استقر على هذا النّحو فقد هاجم ابن طفيل بحدّة العقلانيين – لعلّه يقصد ابن رشد كذلك إذ أنّ مخاطبه الأساسي هنا هو ابن باجة – إلى حدّ تشبيههم ب “الخفافيش” الّذين يدبرون نحو الظلمة اتقاء شر النّور ([68]).

   ولكن، ماذا لو اتّضح أنّ هذا الموقف الفلسفي لكل من ابن باجة وابن طفيل الدّائر حول إشكاليّة السّياسة المدنيّة في ارتباطها بالمنعرج الفرداني وتدبر سياسات المتوحّد النّابتة، بين المنطوق به والمسكوت عنه، مثّل موضوع قراءات نقدية. سيّما من طرف مواطنهم ابن رشد الّذي توجّه بنقد لاذع لكذا تصوّر داع إلى التوحّد والعزلة والبعد عن المجتمع، حيث يرى فيلسوف قرطبة ومراكش أنّ الإنسان كائن اجتماعي لا يكتمل وجوده، إلّا بمعيّة الآخرين ضمن وسط بين ذاتي متكثر، ومن يلجأ إلى التوحّد يفقد الكمال، هذا مصداقا لقوله:” إنّ من يلجأ إلى التوحّد مع نفسه لن ينال الكمال الأسمى الّذي لا يجده إلّا في المدينة الفاضلة”([69]).  نستخلص من هذا القول الرّشدي إذا، أنّ حياة التوحّد لا تنتج في تقديره صناعة أو علما أو فضيلة، ومن ثمّ لا تحقّق سعادة. لكن ذلك، لا يعدم ما تميّزت به أطروحته من نفس واقعي، أين: “رأى أنّ الحدّيث عن المدينة الفاضلة في زمانه ومكانه ضرب من الوهم: فالفلسفة محاصرة والفلاسفة غائبون، وبالتّالي فكلّ ما يمكن أن يفعله الفيلسوف الوحيد، الموجود في ذلك الزّمان والمكان، وهو ابن باجة نفسه، هو تشييد مدينة فاضلة “للمتوحد”، ومن هنا كتابه: “تدبير المتوحّد”([70]).

   إنّ على الفيلسوف تدبيرا لا مرّد له: إمّا تدبير المتوحّد أو تدبير الرّاكن إلى الجماعة، وابن رشد في تقديرنا إنّما اختار على عكس ابن باجة أو ابن طفيل وإن لم يترك مثلهما لا كتابا في “الإتيقا” ولا تأليفا في “السياسة”، أن يمارس الفلسفة بوصفها “صناعة” من الصنائع التي تحتاجها الملّة لا الفيلسوف ([71]).

   قمين بنا في هذا المستوى من التّحليل، توجيه تأمّلاتنا تدبرا لإشكاليّة السّعادة في علاقتها بالمستصفى حول السّياسة المدنيّة والمنعرج الفرداني بين المنطوق به والمسكوت عنه من منظور ابن باجة. الأمر الّذي بمقتضاه تنبجس طائفة من التّساؤلات الحارقة منها: ما هي شروط إمكان تحصيل سعادة النّابت المفرد إذا لم تكن موجودة؟ كيف يزيل عن نفسه الأعراض التي تمنعه عن السّعادة أو عن نيل ما يمكنه منها، إمّا بحسب غاية أو بحسب ما استقر في نفسه؟ وأنّى للمتوحّد نيل سعادته في غياب شرطها الأنطولوجيّ ممثّلا في المدينة الفاضلة؟  وبأيّ معنى يمكن اعتبار مطلب السّعادة ترجمانا للتّآلف العضوي بين المثل الأعلى السّياسي والمثل الأعلى الأخلاقي؟ 

المبحث الثّالث: الفيلسوف النّابتة وإشكاليّة السّعادة: أيّة علاقة بين الأخلاقي والسياسي عند ابن باجة؟

     يُعزى النظر في سياسات تدبير المتوحّد إلى فضاء إشكالي مداره الرّئيس قيمة السّعادة، بما هي مثل أعلى أخلاقي مع ما يفترضه ذلك من نبش في مناحي المتن الفلسفي الباجي، عساه يسعفنا لتحصيل فهم مأمول   بخصوص العلاقة بين السّجل السياسي والسجّل الأخلاقي في ثنايا فلسفته المدنيّة. ولأمر كهذا، أرجع ابن باجة القهقرى شطر المعلّم الأوّل أرسطو طاليس الحكيم والمعلّم الثّاني أبو نصر الفارابي، قاصدا رسم طريقا ملكيا أو سياسة خاصّة يتمكّن المتوحّد أو الفيلسوف النّابت على إثرها من نيل السّعادة التي تتحقّق له عندما يحقّق كماله ويدرك أفضل مراتب وجوده. وحسبنا دليلا عمّا نزعم ها هنا ما أعلنه ابن الصّائغ في مستهل: “رسالة الوداع” التي وجّهها إلى تلميذه وصديقه ابن الإمام أين ألمع عن هاجسه في الجهر إلى صديقه بهذه الغاية الفاضلة. هذا ما عبّر عنه قائلا: “وأوكد من هذا وأشدّه وجوبا عليّ وألذّه وأشهاه إليّ إعلامك بأجل الأمور التي وقفت عليها، وهي صفة الغاية التي ينتهي الطّبع بالسّلوك إليها، فقد وصفها وأطال (…) أبو نصر(..). لكن لا أجد في كتبه التي وصلت الأندلس هذا النّحو الّذي وقفت عليه. وسيتبيّن لك ذلك من قولي فيها إنّ هذا النّحو من النّظر إنّما تبيّن لي فقط فإنّي وجدت لأرسطو في الحادية عشر من “الأخلاق” ذلك غير أنّه مجمل جدا (…). فكلّ من له هذا النّوع من الفطرة واتفق له مع ذلك أن يرى هذا الرّأي فهو من إخواننا كما نحن من إخوان من تقدّم من أسلافنا”([72]).

    نستجلي من هذه الرّسالة جملة إشارات وتنبيهات إلى أقوم المسالك التي ينبغي على المتوحّد-النّابت انتهاجها في سبيل الفوز بالسّعادة وكيف أنّ هذا المنهاج وهو “التّدبير” يُرّد في إرهاصاته ومنابته الأولى إلى الفلسفة الأرسطيّة والفلسفة الفارابيّة في آن. ونحن إنّما نقصد فيما نحن بسبيله تدبير سياسة المتوحّد التي يحتاج إليها الفيلسوف – النّابت في المدن غير الكاملة وهي أن يحي ويُفكّر ويعمل ويتدبر بعقله لا بجسمه وهو ما يحتاج منه إلى صياغة “إتيقا” خاصّة به هي فنّ في الوجود أو “فنّ وجود خاصّ بالفيلسوف الّذي يختص بكونه نابتة في المدن غير الفاضلة فإنّ معنى الحكمة كان هنا معنى أصيلا أنّه التفرّغ للبحث عن فنّ إقامة للفيلسوف في المدن غير الفلسفيّة، أو هو البحث عن سبيل السّعادة للذي لا يأتي إلى السّعادة إلّا فردا”([73]).

     ذلك هو بالنّهاية المنطق الدّاخلي الّذي يشدّ المعماريّة الفكريّة الباجويّة، على نحو ما عبّر عنها مؤلّفه ذائع الصّيت: “تدبير المتوحّد” وغيره من آثاره الفلسفيّة التي أفردها ابن باجة، تأصيلا لدروب السّعادة الكاملة التي يطمح إليها المتوحّد-النّابتة، عساه يكون متوحّدا سعيدا.

         ولعلّنا، لا نجانب الصّواب عندما نقول أنّ السّعادة في تقدير ابن باجة، لهي غاية المتوّحد أو الفيلسوف النّابت. علما وأنّ هذه المصادرة الفلسفيّة الباجيّة المشار إليها آنفا، لا ينبغي أن تحجب عنّا، أنّها في بعدها الأصيل لسعادة فردية ينشدها الفيلسوف في غياب المدينة الفاضلة التي يكون فيها كلّ الأفراد سعداء بالفعل، وتبدو سعادة المدبّر أمرا ممكنا وفي متناوله، وتبقى المدينة الفاضلة يوتوبيا الفيلسوف، ويبقى التّدبير فعلا متجها نحو المستقبل، وواعد بأنّ مدينة الخير غير مستحيلة، ويبقى النّابت نبض الحياة المعلن عن تحقّق الحلم ([74]).

   وعلى نفس الصّعيد الإشكالي، خليق بنا التنصيص على تغيّر منزلة التّدبير والتّوحد مع تحقّق الكمال في الاجتماع الإنسانيّ الفاضل. هذا ما عبّر عنه ابن باجة بقوله: “يسقط هذا الذي نقوله متى كانت المدينة كاملة وتسقط منفعة هذا القول”([75]). نفهم من هذا الإقرار قصد المتوحّد الكامن في التّأسيس الفلسفي لنموذج المدينة الفاضلة أو الكاملة، وساعة تحققّها بالفعل يستحيل بمقتضى ذلك التّوحّد عندئذ شرّا، وتدبير نيل السّعادة الفردية غير ذي جدوى، لأنّها تحصل بطريقة ضرورية، ويظلّ التدبير الوحيد الممكن هو تدبير رئيس المدينة الفاضلة لجزئيات الحياة المدنيّة تحصيلا أو قنيّة لسعادة أهلها.  

   وظهر التّأكيد على السّعادة كغاية للاجتماع المدني الفاضل عند ابن باجة تحت تأثير الفارابي ([76]). وطبّق هذا على السياسة في تدبير المتوّحد، الّذي بحث فيه كيفيّة حصول الفرد والمجتمع على السّعادة، وكانت هذه نقطة محورية في فلسفته السياسيّة، والأمر عينه ألفيناه لدى ابن رشد الّذي طبع الأخلاق والسياسة بطابع السّعادة، وجعلها هدفا وغاية لأيّ اجتماع فاضل، متأثرا في ذلك بالفارابي وابن باجة في فلسفتهما السياسيّة ([77]).

    وتبلور هذا الرّبط عند الفيلسوف ابن باجة، فجمع بين الأخلاق والسياسة، وقد أحسن التّعبير عنه بقوله: “أنّ المدينة الفاضلة قد أعطي فيها كلّ إنسان أفضل ما هو مُعدّ له، وأنّ آراءها كلّها صادقة، وأنّه لا رأي كاذب فيها، وأنّ أعمالها هي الفاضلة بإطلاق”([78]). ويعني علم النّفس في الفلسفة الإسلاميّة تدبير النّفس، أي: سياسة الإنسان نفسه من أجل أن تكون أخلاقه وأفعاله فاضلة في مجاله الفردي، أو سياسة الإنسان بمنزله أو مجتمعه في مجاله الاجتماعي، وتمثل هذه الأقسام معا الحكمة العمليّة ([79]).

     وعلى هذا الأساس، تتحدّد الغاية التي يجب على الإنسان المفرد نشدانها في نظر ابن باجة: تحصيل سعادة مطلقة يخترق بها حدود الزّمان والمكان ويلتحق عبرها بالعقول المفارقة البسيطة ليصبح واحدا منها. بهذا المعنى، خليق بنا مسايرة ابن الصّائغ في تشديده على أنّ المتوحّد ليس بمستطاعه الزّهد أو الاستخفاف بالضرورات التي يفرضها عليه “وضعه الإنسانيّ” أي أنّه يأتي رأسا أفعالا يشترك فيها مع “الرّوحانيين” (أصحاب الفضائل الشكليّة). لكن هذه الأفعال في تقدير فيلسوفنا الفذّ ليست مطلقة لذاتها وإنّما هي لشرائط لازمة للأفعال التي على إثرها تحصل السّعادة المطلقة: الخلود. مصداقا لقوله:” الأفعال الإنسانيّة التي تضاف إلى المتوحّد ويمكن أن يفعلها متوحّد ثلاثة أصناف، كما عدّدنا قبل. منها ما هو نحو الصّورة الجسمانيّة له، ومنها ما هو نحو الصّورة الرّوحانيّة الخاصّة من حيث لها نسبة خاصّة، ومنها ما هو نحو الصّورة العاميّة، وهي الصّورة المعقولة. فأمّا الرّوحانيّة الخاصّة، من حيث لها نسبة خاصّة، والرّوحانيّة المتوسّطة، فيها تدرك الغايات، وهي ليست غايات، كما قلنا في هذه كلّها”([80]).  وقد تبين مع ابن الصّائغ أنّ: “من يفعل الفعل لأجل الرّأي والصّواب، ولا يلتفت إلى النّفس البهيميّة ولا ما يحدث فيها، فذلك الإنسان أخلق به أن يكون فعله ذلك إلهيا من أن يكون إنسانيا”([81]).

    ولمّا كان الأمر كذلك، فإنّ المتوحّد وفق منظور فيلسوفنا الأندلسي يدرك من خلال تدرجه في مراتب العلم النّظري مرحلة يتجرّد فيها تماما من المادّة وشوائبها ليحل في العقل الفعّال وليلتقي بباقي السّعداء الّذين سبقوه منهم والّذين سيلحقون. “بهذا وحده يكون المتقدّم والمتأخّر في الزّمان واحدا بالعدد”، والسّعيد بهذا الشكل هو الّذي خلّص ذاته بشكل نهائي من كلّ ما من شأنه أن يشده إلى ما هو زائل ومتغيّر حتّى يصبح كائنا إلهيّا قحا، هذا التجرّد عن المادة وكلّ ما يتّصل بها يذكرنا بمقولة “الاتحاد” المشروطة بالمجاهدة و “إماتة الجسد” عند المتصوّفة لكنّه يختلف عنه جذريا من حيث أنّه يتحقّق بالاعتماد على العقل الإنسانيّ وإن كان  هذا العقل يحتاج لتحقيق هذه الغاية إلى معونة إلهيّة وهي المعونة التي تمكنه من مغادرة الوجود المتناهي إلى الوجود اللّامتناهي ذلك أنّ طول البقاء المتناهي كقصره. 

       ونحن إنّما نقصد فيما نحن بسبيله إبانة السّند الّذي ترتكز عليه المدينة الفاضلة، وتستمدّ منه شرعيّة وجودها ألا وهو العقل، فأهل المدينة الفاضلة يبلغون السّعادة بواسطة محدّدة هي النّظر العقليّ الدّقيق، ممّا يعني تعقّل مختلف الأمور وتوضحها. وهذا التّعقّل هو الّذي يجعل المرء عالما بما يجوز وما لا يجوز، وبالتّالي يتسنّى له تجنّب الوقوع في الأخطاء، وهذا من شأنه أن يؤلّف أساسا يقوم عليه النّظام السياسي الفاضل والطباع الّتي تتّسم بالصّفاء، والأخلاق الّتي تتصف بالرّفعة، بما يعنيه ذاك من تحقيق الارتباط بين السياسة والأخلاق ([82]). وعليه، من الوجاهة بمكان اعتبار كتاب: “تدبير المتوحّد” أوّل عمل فلسفيّ أصيل تعرفه الأندلس الغرض منه تشييد صرح فلسفيّ يعنى أساسا بقضايا جوهريّة تتّصل بسياسة التّدبير التي يحتاجها الإنسان عامّة من حيث هو نابتة-متوحّد داخل مدينة فاسدة حتّى ينال هذه المراتب العليا.

   وتكمن أصالة وجدّة هذا العمل الفلسفيّ في كونه قد تجاوز المشكلة الفلسفيّة التي واجهت فلاسفة المشرق العربي الإسلامي وعلى رأسهم “المعلّم الثّاني” الّذي عاين وجودا فعليا للفلسفة والفيلسوف داخل مدن فاسدة وغير كاملة، ولكنّه بحث له عن أمل في الوجود وفي الكمال النّظري والعلميّ في مدينة لا واقعيّة هي مدينة فاضلة مثّلت ذلك المثال البديل لواقع لا يحتمل وجود الفلسفة والفيلسوف ضمن أفق يخضع للملّة والشريعة. إنّ عدم الانتفاع بالفلسفة ليس من قبل ذاتها ولكن من جهة من لا يُصغي أو من لا يريد أن يصغي إليها وفق عبارة الفارابي في ” رسالة التّحصيل” تؤكّد “أنّ الفلسفة بماهيتها فلسفة وليست تحدّ من خارج بكثرة أو بقلّة من يطاوع أو يقبل أو يصغي”([83]).

من الأهميّة بمكان الإقرار، أنّ هذا التّجاوز يأتي بعد قرنيين من الزّمن للأفق الّذي تصوّر ضمنه الفارابي منزلة الفيلسوف، نحو أفق جديد لطرح مشكلة الفيلسوف هو أفق الواقع لا أفق المثال. فظهور ابن باجة خلال القرن السّادس الهجري، شكّل تحوّلا حاسما وطفرة نوعيّة، تغيّرت بموجبها قبلة التّفكير الفلسفيّ، فلم يعد الاهتمام متّجها إلى البحث في إمكان المدينة الفاضلة واستحالة وجودها إذ حصلت لابن باجة قناعة بهزيمة “المثال” مقابل الواقع. “إذ انطلق ابن باجة من إزاحة إشكاليّة المدينة الفاضلة ومحاولة التلفّت رأسا إلى الموضوع الّذي يصيبه الفيلسوف في المدن غير الفاضلة، هو الأفق الّذي تتكوّن داخله مسألة المتوحّد”([84]).  فيكون المتوحّد هو بديله لمفهوم الفيلسوف-الإمام عند الفارابي والفيلسوف-الملك الأفلاطونيّ ويكون “تدبير المتوحّد” هو نموذجه في تأسيس إتيقا أو معرفة عمليّة تهتّم بالإجابة عن أسئلة الإنسان العمليّة وتتأسّس على مبحث في الإنسان ذلك المبحث الّذي عدّ ابن باجة الأكثر أصالة في استحداثه.

عود على بدء للأثر العمدة المتضمّن لدى ابن باجة فعل التخطي الفلسفي للإرث التقليدي في محدّداته الأفلاطونيّة الفارابيّة، ونعني “تدبير المتوحّد”، الّذي فصّل فيه فيلسوفنا القول بخصوص طرائق تدبّر الإنسان المتوحّد-الفيلسوف النّابت حياته، حتّى ينال أفضل المراتب ويحقّق لنفسه السّعادة، على نحو ما يُجليه الجزء الأوّل منه الدّائر حول مبحث الأفعال الإنسانيّة. ناهيك أنّ الإنسان في تقديره يأتي أفعالا كثيرة، لعلّ أرقاها وأرفعها شأنا لهو التعلّم، لأنّه يفيد الإنسان بذاته، في حين أنّ أفعالا أخرى تفيد غيره، ولأنّه يحقّق له كمال قوّته النّظريّة. وهنا، ألفيناه يقول ما يلي: “في حين أنّ كلّ من يسعى إلى سوى كمال القوّة النظريّة فإنّما يسعى ليوجد غيره بالحال التي هو أفضل وينشغل عن نفسه وليس للسّعي في ذلك شيء يخصّه وأصنافه تسمّى بالتعلّم والاستنباط وغير ذلك من أسماء أصنافه، ولنسمّه على العموم العلم”([85]).

   من هنا، يحسن أن نشير إلى أنّ مطمح السّعادة عند ابن باجة وهو يوصف صيغة وجود المتوحّد، لأنّ من يسلّم بغفليّة الوجود هو كمن لا وجود له البتة. وعليه، فإنّ مطمح السّعادة ليس إنهاكا أنطولوجيا للذّات وللمتخيّل وللتعبيرة الرّمزيّة المغامرة مثلما تفعله الثيولوجيا وهو لا يشير إلى الضرورة الأنطولوجيّة للفردية، بقدر ما يشير إلى عدم الامتلاء الأنطولوجي للجماعة. إنّه تعبير عن التوتر الّذي يقتضيه “السّكون الكمالي وما يحتاجه من شوق مؤلم”([86]). وهو صنو الرّغبة التي عرّف بها اسبينوزا ماهيّة الإنسان ([87]).

    خلافا لابن باجة وابن طفيل، لا يرى ابن رشد إمكانيّة تحقيق السّعادة خارج الجمع بما فيها سعادة الفيلسوف الخاصّة به. فسعادة المتوحّد تبقى ناقصة إذا انعزل الفيلسوف عن الجمع. إنّ الفيلسوف في تقدير ابن رشد مثله في ذلك مثل أيّ فرد يعجز على الحياة بمفرده ولا يستطيع أن يحقّق سعادته، إلّا وسط الجمع وخاصّة في مجال الشريعة، لكن هذا لا يمنعه من تحقيق سعادة خاصّة به وذلك عبر التّأمّل العقلي الّذي يسمح له من الاتّصال بالعقل الفعّال بواسطة عقله المستفاد، وهذه السّعادة عند ابن رشد حتّى وإن كانت فردية فهي تمثل قمّة درجات السّعادة ([88]).

    يبدو جليا من خلال هذا الشّاهد أنّ سعادة الفيلسوف إذن مضاعفة: واحدة جماعيّة تهمّه باعتباره فردا من أفراد الجمع تحقّق له سعادة دنيا وآخرة شرط أن يؤمّن بمبادئ الدّين ويطبق تعاليمه في الحياة العامّة. وسعادة ثانيّة فردية خاصّة بالفيلسوف حتّى وإن كان يعيش وسط “المدينة”. هذه السّعادة تحصل عن طريق التّأمّل العقلي وهي الغاية التي يرمي إليها الفيلسوف في صلب المدينة ووسط الجمهور. وإذا كانت سعادة الفيلسوف في نظر ابن رشد تتحقّق بالوجهين: وجه مديني ووجه فردي تأمّلي، فإنّ سعادة الجمهور ترتبط بالمدينة المتحصّنة بالدّين وذلك لأنّ وسيلة تحصيل السّعادة الجمهورية هي المخيلة، فهي وحدها القادرة عن طرّيق جميع أصناف الصوّر الجميلة من التّأثير في الجمهور بحثّه على فعل الفضيلة وحمله على عمل الخير ([89]).

   ولعمري، أنّ هذا الموقف الرّشدي لمستوحى رأسا من التصوّر الفلسفي الأرسطي القائل:” أنّ المدينة من الأمور الطبيعيّة، وأنّ الإنسان حيوان مدني بالطّبع، وأنّ من لم يكن مدنيّا، لا اتّفاقا ولكن بالطّبع، اعتبر أسمى من البشر أو عدّ رجلا سافلا، شأن ذلك اللّئيم الّذي قرّعه “هوميروس” إذ قال عنه: “إنّه متوحّش جان متشرّد. فمن طبع على هذا الغرار لم يرتح إلّا إلى الحرب لأنّه أشبه بالطّير الكاسر لا يعرف الخضوع لنير”([90]).  من الواضح “أنّ المرء قابل للحياة الاجتماعيّة أكثر من أيّ نحلة أو غيرها من الحيوانات الأليفة، لأنّ الطّبيعة كما قلنا لا تسعى عبثا: فالإنسان وحده يملك النّطق من بين الحيوان…وما اختصّ به الإنسان دون سائر الحيوان انفراده بالشّعور بالخير والشرّ والعدل والظّلم وما إليها. والاشتراك في هذه المشاعر ينشئ الأسرة والمدينة”([91]).

  يتراءى لنا من هذا الإقرار الأرسطي أنّ الإنسان حيوان سياسيّ، لا يمكنه أن يحقّق إنسانيّته، إلّا بالعيش في المجتمع.  وحينئذ، أفلا يكون التّفكير في تدبير المدينة في تقدير المعلّم الأوّل وثيق الصّلة بالتّفكير في الإنسان ومنزلته في المدينة. قاصدا من خلاله التنصيص على تهافت التصوّرات الفلسفيّة التي تراهن على تدبير المتوحّد وهُم بتدبير المدن يصدفون.

    نخلص في هذا المستوى من التّحليل إلى القول بمدى مشروعيّة اعتبار   الفلسفة مع ابن باجة، بما هي فعل عقلانيّ يمكن أن تقود إلى نيل السّعادة والكمال من جهة الحقّ، وبيداغوجيا حياة، بها يؤدّب الحكيم نفسه ويهذّبها، وغايته تحقيق الخير في وجوده المدني، ويُثمر ذلك سعادته ([92]). ويظلّ مجال السياسة والأخلاق من منظور ابن الصّائغ الفضاء الرحب الّذي تُطلب ضمنه الغاية القصوى من التّدبير المدني الفاضل، فالمقصد ليس الخيرات الخاصّة، بل الخير المطلق الّذي هو السّعادة من جهة الواقع. ولكن، السّؤال الّذي يستوقفنا تبعا لما فصلنا القول فيه هو الآتي: هل من وجاهة في اعتبار ابن باجة أفقا حداثيا اليوم؟

من قبيل الخاتمة: إمكان الفلسفة بالتدبير: ابن باجة اليوم أفقا حداثيا؟

   ولعلّ من أهمّ ما قصدنا بيانه وأنفع ما أردنا شخصه وإيضاحه، في مقاربتنا للمستصفى حول السّياسة المدنيّة والمنعرج الفرداني: المنطوق به والمسكوت عنه في فلسفة ابن باجة الأندلسي، الإبانة عمّا انطوى عليه تصوّره من ضروب تجديد وطرافة ذات بال. وحسبنا دليلا عمّا نزعم، تأسيسه لإمكانيّة تفكير جديدة في تاريخ الفلسفة العربيّة الوسيطة تعنى رأسا بشأن تدبير المتوحّد وبسعادة المفرد ([93]).  بحيث يمكن اعتبار: “تدبير المتوحّد”، نوعا من “المشروع الثوري” يتطلع من خلاله فيلسوف سرقسطة إلى تغيير الواقع وإصلاح مدن زمانه التي يراها “فسدت فسادا تاما”([94]). فيكفي القول ها هنا: إنّنا عندما نحلّل نصّا فلسفيّا لابن باجة أو ابن طفيل مثلا نفعل ذلك لمعرفة مغزى قوله بالنّسبة لزمن دولة المرابطين أو الموحّدين، أو أثر هذا الزّمن في تشكيل أفكار هؤلاء الفلاسفة وتعديلها، بل إنّنا نؤوّل نصّه إدراك رمزيّة وجودنا في العالم ([95]).

   إنّ الانزياح نحو فلسفة المتوحّد في عبارة رشيقة لأستاذي فتحي المسكيني، لتغيّرت بمقتضاها قبلة التّفكير الفلسفي من مباشرة صناعة تدبير المدن وشرائط الاجتماعات المدنيّة الفاضلة إلى بحث الأفق الإشكالي للمتوحّد أو النّابتة. وتأسيس أمثال “ابن باجة وابن طفيل لممكن التّفلسف العصامي التلقائي خارج سائر أنماط التّفكير القطيعي أو المدرسي”([96]).  فالتوحّد هو حبّ الحكمة من حيث إنّ هذه الحكمة هي التدرّب على الإتيان إلى الفلسفة من غير المرور بإشكاليّة المدينة الفاضلة. ولأنّ التوحّد هو فنّ وجود خاصّ بالفيلسوف الّذي يختصّ بكونه نابتة في المدن غير الفاضلة ([97]).

   وعلى نفس الصعيد التّأويلي، تجب الإشارة إلى أنّ تدبير المتوحّد من منظور ابن باجة، إنّما يتنزّل ضمن فضاء إشكالي مداره الرّئيس: سياسة النّفس وتدبيرها. واعلم أيّها القارئ الكيس أنّ الكلام في هذا الغرض الدّائر في فلك المتوحّد النّابتة أو في ربط السّياسة المدنيّة بالمنعرج الفرداني على نحو ما ألفيناه لدى ابن باجة، مستحدث الصّنعة، غريب النّزعة، عزيز الفائدة، اعثر عليه البحث وأدّى إليه النّبش في مضامين المتن الفلسفي لابن الصّائغ ([98]). لا مندوحة إذن، في اعتبار فلسفة ابن باجة الأندلسي في بعدها العامّ لهي فلسفة “إنسيّة”، أي نسق يجعل الإنسان محور التّفكير، ويسخّر الأشيّاء لسعادة الإنسان، وهي بذلك “إنسيّة أخلاقيّة”([99]).  وتساوقا مع ما أسلفنا ذكره ف: “إنّ الفلسفة ليست هي من الأشيّاء الفاضلة فقط، بل هي النّافعة في الحقيقة. ثمّ ليست هي نافعة غير ضروريّة بل نافعة ضروريّة في الإنسان”([100]).  يعمّ نفعها جميع، من استعملها، من طبقات النّاس، في متصرّفاته، مع كلّ طائفة، من أهل طبقته، ومن فوقه، ومن دونه، في مقولة فارابيّة مدوية. بهذا المعنى، فإنّ ابن باجة لم يأخذ عن القدماء غير الإمكان الفلسفيّ الّذي يصبح بموجبه طرح إشكاليّة الإنسان طرحا وجيها ([101]).

   ولباب المحصّل في هذا النّوع من التّدبير ترجمه عنوان مؤلّفه: “تدبير المتوحّد”، الّذي يراد به إتمام التّدبير المدني على الوجه الّذي بيّنه القدامى، ومن ثمّ، فإنّ هذا القول يعنى بالإنسان نفسه، بمعنى أنّ ضروب التّدابير السّابقة في تقدير ابن باجة قد كانت ناقصة، لأنّها لم تخصّص لهذا الصنف من التدبير المنزلة التي ينبغي أن يأخذها. ف “السّياسة الفاضلة هي التي ينال السّائس بها نوعا من الفضيلة لا يمكن أن يناله إلّا بها، وهي أكثر ما يمكن أن يناله الإنسان من الفضائل. وينال المسوسين من الفضائل في حياتهم الدّنيويّة والحياة الأخيرة الآخرويّة ما لا يمكن أن يناله إلّا بها”([102]).  فغربة المتوحّد السّعيد هي غربة المسافر من الوريد إلى الوريد، يترحّل دون أن يبرح، ويهاجر من الفكرة إلى الفكرة حين يضيق فضاء المدينة وتعلو هامة الفقهاء والسّلطان. هذا الارتحال في الدّاخل الأعمق هو ذاته الهجرة إلى الخارج الأبعد أي هو ضرب من الثني أو الطي الّذي لا يمكن أن تنتج عنه نظرية في الأخلاق وإنّما تنتج عنه صيغة وجود إتيقيّة وحسب ([103]).

   ويلبث فضل هذه الدّراسة كذلك وبالخصوص كامنا في إبراز جملة المحفزات التي دفعت بفلاسفة الغرب الإسلامي من خلال ابن باجة وابن طفيل وابن رشد وغيرهم من المتفلسفة مشرقا ومغربا إلى الخوض في موضوعات لأشدّ ارتباطا بالواقع المتقلب والمتغيّر، ونعني بذلك قضايا العقل الأخلاقي والعقل السّياسي. إذ المسألة التي عالجاها ابن الصّائغ هي دون شكّ مسألة ذات جدوى، لأنّها تتصّل بتداخل حقلي الأخلاق والسّياسة في تحديد ما يطلبه سلوك الفرد حتّى يكون مساهما في تشييد المدينة المستقبليّة الكاملة. ناهيك أنّ: “أنفع الأمور التي يسلكها المرء في استجلاب علم السّياسة أن يتأمّل أحوال النّاس وأعمالهم ومتصرّفاتهم، ما شهدها وما غاب عنها ممّا سمعه وتناهى إليه منها، وأن يُمعن النّظر فيها وأن يميّز بين محاسنها ومساوئها، وبين النّافع والضّار لهم منها، ثمّ ليجتهد في التمسّك بمحاسنها لينال من منافعها مثل ما نالوا، وفي التحرّز والاجتناب من مساوئها ليأمن من مضارّها ويسلم من غوائها مثل ما سلموا”([104]).  ولأمر كهذا، لا يهمل المتوحّد التّاريخ ولا يضرب صفحا عن السّياسة ولكنّه ينبه إلى ضرورة عدم ترك الحال بيدي الفقهاء والسّاسة. فالأوّل يتفرقون شيعا ومذاهب والكلّ يحسب أنّه هو الّذي يرضي الله والثانون همهم “التهويل والملبس والمركب والتزين… والتلذذ”([105]). وكذا ينبّه المتوحّد إلى ألّا يتسيّد أولاد المترفين وأولاد ذوي الأحساب الّذين على أيديهم “ينقطع ثبوت شرف الإنسان. وعلى أيدي هؤلاء يعمّ الهول المدن وهم الّذين يظهرون على غير ما هم أهل له ويكون فعلهم أعظم وأقوى أسباب الفساد في المدينة”([106]).

   وليس من قبيل المبالغة القول، بأنّ الأهميّة التي بوّأها ابن باجة لإشكاليّة النّابتة لم تكن بمعزل، عمّا كان يعتمل داخل المدينة العربيّة والأندلسيّة من صراعات وتنازع وتفكّك ومن شيوع للفساد، بما يفسر بالنهاية مسعاه إلى إصلاح الواقع السّياسي والاجتماعي العطوب والمأزوم في عصره، بالطرّيقة والأسلوب اللذين يخصّانه كفيلسوف. ولأنّه: “حرّم على الفاضل من النّاس المقام في السّياسات الفاسدة ووجبت عليه الهجرة إلى المدن الفاضلة إن كان لها وجود في زمانه بالفعل. وأمّا إن كانت معدومة، فالفاضل غريب في الدّنيا ورديء العيش، الموت خير له من الحياة”([107]). ونحن نجد تأكيدا لذلك عند ابن رشد عندما صرّح مثلا: “وإذا اتّفق ونشأ في هذه المدن فيلسوف حقيقي، كان بمنزلة إنسان وقع بين وحوش ضاريّة، فلا هو قادر على أن يشاركها فسادها، ولا هو يأمن على نفسه منها ولذلك فإنّه يفضل التوحّد ويعيش عيشة المنعزل”([108]). ومهما يكن من أمر، فإنّ السّؤال الخليق بالطرح من خلال ما حاورنا من مشكلات تهمّ المستصفى حول السّياسة المدنيّة والمنعرج الفرداني عند ابن باجة، لهو: لم الاهتمام بابن باجة اليوم؟ وما الّذي يبرّر العودة إليه راهنا؟

   رغم صعوبة الفرز بين الفلسفات أيّها أكثر راهنيّة وأيّها أقلّ، ورغم أنّ كلّ الفلسفات تعانق الكلّي، فإنّ بعضها يمكن أن يبدو-في زمن ما-أكثر راهنيّة من غيره بالنّسبة لثقافة ما – ولعلّ هذا شأن فلسفة ابن باجة بالنّسبة إلى الفكر العربي. فإذا عنينا بالرّاهنيّة، نشاطا ومعاصرة وأصالة، فإنّ لهذه الفلسفة راهنيّة جديّة بالنّسبة لهذا الفكر، وحجتنا على ذلك أنّ الفكر العربي الكلاسيكي عامّة وفكر ابن باجة خاصّة كان من ضمن المراجع غير الصريحة لفلسفة باروخ اسبينوزا([109]). فهذه القرابة بين ابن باجة ولكن أيضا بين فلاسفة المغرب بعامّة وبين اسبينوزا أضحت همّا أصليا للتّفلسف عندنا. على أنّنا لا نروم من خلال هذا الاستحضار للفيلسوف الهولندي التشريع لصلاته تاريخيّة مع ابن باجة، كما تحاشينا الوقوع في منهج التأثر والتّأثير وإرجاع فضل اسبينوزا إلى التّراث الإسلامي. أو إحياء التّراث الإسلامي بآراء اسبينوزا – بل رهاننا من عقدنا لتلكم المقارنة هو إثبات المشكلات المشتركة والحلول الباجوية والسبينوزية، التي قد تكون متشابهة أحيانا ومختلفة أحيانا أخرى.

   وبناء عليه، حقيق بنا استثمار تلكم الإشكاليّة التي طوّرها ابن باجة وغيره من المتفلسفة العرب مدخلا تأويليّا، عساه يمكّننا من التعرّف على محدّدات تشكّل النّسق الفلسفي السبينوزي. وإنّا لنجازف بالقول، أنّ الأفق الحداثي لابن باجة اليوم، ليدرك على جهة الرّاهنيّة العربيّة لفلسفة اسبينوزا. ففيلسوف أمستردام هاهنا، حديث على نحو “مغاير”: محايثة أنطولوجيّة وغنوصولوجيّة عقلانيّة وأنثروبولوجيا اقتدار، وتصوّر ديمقراطي للاجتماع، ولذلك فإنّ فلسفته “مختلفة” لا تعاني مشاكل الحداثة “الغربيّة -الشرقيّة” ولا تقدّم مزاعم “الحداثة البعدية”. وهذا ما يستحقّ في تقديرنا بحثا خاصّا ليس هذا مقام تفصيل القول الممكن فيه الآن. فعسى أن نستأنف له قولا آخر وبدءا جديدا. ونحن نأمل أن يكون “عرب الألف الثالثة” ورثة لفكر هذا الفيلسوف، بعد أن كان هو وريثا لفكر “عرب الألف الأولى”([110]).  لأجل أن يكون زمن مدّننا معموريا زمن الحقيقة والمعنى بعد أن اخترقها اللّا-معنى المعمّم أنطولوجيا، بفعل طبائع الاستبداد والفساد سياسة ورياسة لا قبل لنا بها في عالم أضحى بلا ضمير.

   إنّما مطلبنا تبعا لما سبق البحث في نصوص الفارابي وابن باجة رأسا، كقرّاء أصليين لأرسطو، ومحضّرين أساسيين لسبينوزا، عن إمكانيّة وجود “إتيقا” قادرة على طرح مسائلنا العمليّة من غير حاجة إلى أيّ نوع من المتعالي. هذا الإمكان الإيتيقي لابن الصّائغ اليوم هو الّذي استشكله ودافع عنه أستاذي الجليل الفيلسوف فتحي المسكيني، حين يرى أنّ المبحث الأقدر على جعلنا نفكّر بالفلسفة الإسلاميّة كجزء داخلي من همّ الذّات اليوم إنّما هو مبحث الإتيقا كأشدّ التساؤلات خصوبة ([111]).  إنّ الإتيقا ضرب من الإقامة في الإمكان الإنسانيّ، وطريقة ما لتدبير بيئة الإنسان، أعني هيئته داخل العالم ([112]). إنّها (الإتيقا) الحياة اليوميّة للفلسفة، وعمل الفيلسوف الدّائم هو تحويل الوجود إلى مدينة السّعادة. وفي المحصّلة، إنّ معنى الإتيقا، لهو الخيط اللّطيف الّذي يشدّ مقاصد الفلاسفة من الكندي إلى ابن طفيل مرورا بالفارابي وابن باجة ([113]). ولكن، التساؤل عندنا هنا هو الآتي: ما همّ الإتيقا إن لم تكن سؤالا في الكيفيّة التي يحيا بها الإنسان إنسانا؟ وما سؤال تلك الكيفيّة إن لم يكن سؤالا في معنى الحياة الإنسانيّة وفي قدرة الإنسان على الوجود وفق ذلك المعنى؟ أ وليس من السّعادة إذن أن يقد الفيلسوف “حكمته العمليّة” من لحم التّجربة الفردية والجماعيّة لتنقدر معقوليّة أفعاله على قيّمه ولتنفتح قيّمه على التصيّرات الإصطراعيّة للأفعال التي تجاهد لتمكين معقوليتها في التّاريخ؟ ([114])  

   إنّ التفاتنا حول ابن باجة راهنا بما حقّقه من إمكان فلسفيّ لإرساء مدينة العقل وعودتنا بالتمحيص لتراثه بما يحفل به من مكامن كثيرة ما تزال خفيّة تتطلب من الباحث تسليط أضواء النّقد والكشف. وإعادة قراءة بعض آثاره، إنّما يمكن أن يؤدّي دورا موجبا وأساسيّا في ارتسام إمكانيّة استئناف للبدء الفلسفيّ العربي الّذي أعطاه ابن باجة هالته العليا. “فبيّن أنّه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقدمنا في ذلك، وسواء كان ذلك الغير مشاركا لنا أو غير مشارك في الملّة”([115]). ويمكننا أن نتصوّر، في هذا المقام، مدى وجاهة تفاعلنا القائم إلى يومنا مع مقاصد ابن الصّائغ التي بقيت هي مقاصدنا وكأنّي به يعاصر قضايانا. أ ليس كلّ فيلسوف معاصر لكلّ الآخرين، وذلك بالتّحديد لأنّه في عمق ذاته لسان عصره. على نحو ما علّمنا هيدغير؟ اعتبارا لكون سؤال الإقامة في العالم-مع-الآخرين-حذو الأشيّاء أضحى أكثر الأسئلة راهنيّة ورهانيّة-إنّه بمعنى عميق وشامل، السّؤال الإيكولوجي: كيف يمكن سكنى العالم بكيفيّة تلائم حقيقة الإنسان في علاقتها التضايفيّة مع حقيقة الوجود؟ ([116]) ومن هذا المنطلق، تكمن قيمة هذا البحث الخاصّ بالمستصفى حول السّياسة المدنيّة والمنعطف الفرداني في مزاوجته بين الماضي والحاضر، من أجل بناء مستقبل نصبو إليه. وذلك من منظور أنّ قضايا العقل العملي في التّراث الفلسفي العربي يمكن استلهامها لوضع مشروع الإعراب الإنسلامي([117]) في العقل الأخلاقي والسّياسي العربي المعاصر، بإعادة قراءة تراثه، توخيّا لإعادة تسميته واستثماره في إثراء الخطاب الرّاهن داخل الوعي الفلسفيّ([118]). وعليه، استحالت فلسفة ابن الصّائغ إلى فلسفة قادرة على التّأثير حتّى في الفكر العربي المعاصر فضلا عن فضاء عصره الفلسفي الأندلسي الوسيطي. فإذا فرغنا من ذلك عاد البصر إلينا وهو حسير: إنّ علينا أن نشرع للتوّ في استئناف التساؤل: هل أتاكم نبأ المتوحّد النّابتة بعد أيّها النّاس؟ ذلك هو مطلب الخاتمة وما هي بالخاتمة، بل هي على الحقيقة محاولة لبدء آخر.

   وأخيرا، لمّا كان هذا العمل لا يدّعي كمالا، جاز لنا القول: “فإنّا مع شدّة العناية بذلك، نعلم أنّا لم نبلغ من الواجب فيه إلّا أيسر اليسير، لأنّ الأمر في نفسه صعب ممتنع جدّا”([119]). أ وليس “الإبداع هو حفظ إدامة وجود الشيء الّذي ليس له وجود بذاته، إدامة لا تتصل بشيء من العلّل غير ذات المبدع”([120]).  

الهوامش


[1]  هو أبو بكر محمّد بن يحي بن الصّائغ، ويعرف بابن باجة. ولد ابن باجة بسرقسطة من الأندلس عام (1086 م / 479 ه) أي نهاية القرن الخامس الهجري (الحادي عشر ميلاديّا)، ولعلّه كان من عائلة من الصّاغة والمشتغلين بصناعة الفضّة. وليس لنا كثير من المعلومات عن حياة ابن باجة، سوى أنّه قد درس الكثير من العلوم بسرقسطة ولاسيّما الرّياضيات والموسيقى والطّب، وأنّه قد بلغ من الشّهرة والصّيت ما جعله جليسا لحاكم سرقسطة ومقرّبا منه. وقد كال له ابن طفيل الثناء الكبير في مقدّمة كتابه: “حيّ بن يقظان”، بقوله:” لم يكن فيهم أثقب ذهنا ولا أصحّ نظرا وأصدق رويّة من أبي بكر بن الصّائغ”. سافر ابن باجة إلى اشبيليّة عام 513ه/ 1118م، وتولّى مهنة الطّب بها وألّف الكثير من كتبه. ثمّ أقبل على بلاط المرابطين في فاس لدى أبي بكر يحي بن يوسف بن تاشفين ويقال إنّه مات مسموما عناك في شهر رمضان سنة 533ه، الموافق لشهر أيار (مايو) من سنة 1139 م. راجع، ابن باجة، مقدمة كتاب تدبير المتوحّد، سراس للنشر، تونس، 1994، ص. 3 –4. وانظر أيضا بخصوص سيرة ابن باجة وحياته: زيناتي (جورج)، الفلسفة في مسارها، الأحوال والأزمنة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 2002، ص.60.

[2]  العليبي (فريد): ابن باجة وفلسفة الهجرة إلى العقل، نشر في موقع الأنطولوجيا الإلكتروني، 30 مارس، 2018، ص. 1.

[3]  المسكيني (فتحي): فلسفة النّوابت، دار الطليعة، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1997، ص. 80.

[4]  ابن باجة (أبو بكر محمّد بن يحي بن الصّائغ): رسالة الوداع، ضمن رسائل ابن باجة الإلهيّة، تحقيق: ماجد فخري، دار النّهار، بيروت – لبنان، 1968، ص. 114.

[5]  الزّغباني (كمال): سعادة المفرد أو في طرافة القول الايتيقي الباجوي، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة: مسائل إيتيقيّة، السنة الخامسة عشرة، عدد 24/25، تونس، 2000، ص. 35.

[6]  ابن باجة: تدبير المتوحّد، ص. 11.

[7]  المسكيني (فتحي): فلسفة النّوابت، ص. 90-91.

[8]  تدبير المتوحّد، ص. 40-41.

[9]  العيادي (عبد العزيز): اتيقا الموت والسّعادة، دار صامد، صفاقس، تونس، الطبعة الأولى، أبريل 2005، ص. 8.

[10]  باروخ اسبينوزا (1632 – 1677): “بنيدكت” أو “باروخ” سبينوزا فيلسوف هولندي، أبواه من أصل اسباني ولد بأمستردام، وتربّى ليتحدّث الإسبانيّة، والبرتغاليّة، والعبرية. صار فيلسوفا فذّا وذلك بشهادة هيغل الّذي قال فيه: “لا وجود للفلسفة دون سبينوزا”. تلقّى تنشئة دينيّة ودرس اللّغة اللاتينيّة ممّا ساعده على اكتشاف فلاسفة القرون الوسطى وعصر النّهضة وفلاسفة العصر الحدّيث أمثال “بيكون” و”هوبز” و”ديكارت”. تأثّر بكتابات “ابن ميمون” الّذي أخذ عن الفلسفة الرّشديّة، اعتبرت كتاباته جريئة ممّا كلفه الطرد من قبل الطائفة اليهوديّة على خلفيّة رفضه التخلي عن مبدأ وحدة الوجود وحرمانه من حقوقه المدنيّة. تلقّى عرضا للتدريس بالجامعة، لكنّه رفضه لقناعته بأنّ التدريس يحدّ من حرّية التفكير والتّفلسف الحقّ. كان يؤثر العيش في هدوء ويخشى على حريته وتفكيره أن يتأثرا بالسّلطان والمنصب. كان ميالا للحياة البسيطة بطبعه وبتأثير فلسفته، حتّى لقبوه بالقديس المدني. ينتمي سبينوزا إلى التيّار الفلسفي العقلانيّ المرتبط بنقاط ارتكاز ديكارتيّة. لكنّه يختلف عنها بنظريته حول وحدة الوجود، فالعقل البشري جزء من العقل الالاهي، وكلّما ازددنا قدرة على تأمّل الأشيّاء من حيث هي ضرورية ازددنا اقترابا من التوحّد بالله. يعد مدافعا جريئا عن حريّة التّفكير. له مؤلّفات عديدة من أهمّها: «المبادئ الفلسفيّة لديكارت” (1660)، فكان سببا في مزيد انتشار صيته، أراد كذلك أن يكتب شيئا يقدم به منهجه من طراز “المنطق الجديد” لبيكون، و “مقال في المنهج” لديكارت، و “البحث عن الحقيقة” لمالبرانش، فكتب «رسالة في إصلاح الذّهن” (1657 – 1661) لكنّه لم يكملها فنشرت ناقصة بعد وفاته. أمّا “رسالة في اللّاهوت والسياسة” (1670)، فقد أعلن فيه رأيه في الدّين والاجتماع رغم نصح أصدقائه بعدم نشره. أمّا جماع كتبه فقد كان “علم الأخلاق” (1675 – 1677) كان يطلع أصدقاؤه على ما ينجزه من فصول. سار فيه على منوال هندسي يليق بمذهب وحدة الوجود، وينزل فيه من الواحد إلى الكثرة، ومن الكل إلى الأجزاء. وإذا كان الجزء الّذي يتناول الأخلاق لا يفوق خمس الكتاب إلّا أنّه أطلق عليه اسم “الأخلاق” ليدل على اتجاهه الأخلاقي ويرمز بالاسم إلى العمل كغاية لكل نظر. واختياره المنهج الاستدلالي الهندسي ليس تقليدا للفلاسفة الّذين كتبوا في المنهج بل لأنّه يؤمّن بأنّ صدق القضيّة لا يظهر إلّا إذا عرضت بوصفها جزءا من نظام استدلالي عامّ. راجع: Misrahi (Robert),  SPINOZA BARUCH et SPINOZISME, Dictionnaire des Philosophes, Encyclopaedia Universalis et Albin Michel ; Paris ; 2e édition ; 2001 .PP.1457- 1478.

[11]  ابن باجة، تدبير المتوحّد، ص. 5. فأمّا مفهوم النّوائب فهو مشتقّ لغويّا من “نوب: ناب الأمر نوبا ونوبة: نزل. ونابتهم نوائب الدّهر… والنّوائب: جمع نائبة وهو ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمّات والحوادث. والنّائبة: المصيبة… والنّائبة: النّازلة”. ابن منظور، لسان العرب، المجلّد الرّابع عشر، ص. 377. وأمّا مفهوم النّابتة فهو يدلّ على الجاهل الغرّ. “فالنّابتة من كلّ شيء هو الطّريّ حين ينبت صغيرا. والنّوابت من الأحداث: الأغمار”. (المرجع نفسه، ص. 170 – 171).  والأغمار جمع غمر وهو الجاهل الّذي لم تمتحنه الأمور ولم تحنّكه التّجارب وخاصّة منها تجارب الحرب. (المرجع نفسه، المجلّد الحادي عشر، ص.82).

[12]  العليببي (فريد): ابن باجة وفلسفة الهجرة إلى العقل، ص. 1.

[13]  تدبير المتوحّد، ص. 5. ونعتقد أنّ لفظ “تدبير” في العربية، هو بينها جميعا الأكثر توفقا في ذلكم المقصد، نعني قول الموضوع المستحدث. فمن المعلوم أنّه إن كان يعني في المصطلح العربي  الفلسفي الوسيط – كما استقر عند الفارابي من جهة الاستشكال وعند ابن باجة من جهة المفهوم – تدبير المدن، بل اعتبر الأخير أنّ “تدبير المدن”، هو المعنى المخصوص الّذي يرادف السياسة ذاتها، وبذلك يظل الفيلسوف الأندلسي حبيس المرجع اليوناني في إطار “المدينة” رغم استحداثه تدبير المتوحّد، ولا يرقى إلى مصاف “التّدبير الإمبراطوري” الّذي سبق أن ألمع إليه الفارابي في قول شهير لم يستفض في تخريجه في كتاب الآراء حول المعمورة الفاضلة، التي تكون نتاج تعاوّن الأمّم على بلوغ السّعادة، ولا في كتاب الملّة عندما أشار إلى الله بصفته مدبر العالم، ولا إلى مدبر المدينة الفاضلة، ولكنّه لم يشر إلى مدبر واحد للمعمورة تدبيرا سياسيا إمبراطوريا، بل أنّه كأنّما كان يتردّد في اعتبار أنّ المدن الفاضلة يمكن أن تتعدّد بتعدّد الملل وبتعدّد المدبرين. وأنّ ذلك ليعبر في تقديرنا عن وعي المعلّم الثّاني، ضمن حدود عالم متناه يخضع لمدبر لا متناه، بالطابع الإمبراطوري للتّجربة التّاريخيّة الإسلاميّة ذاتها، وعيا يميزه عن أفلاطون وأرسطو سابقيه، وعن لاحقه ابن باجة، في ذات الوقت، الّذين لم يوفرا جميعا مقدرات نظرية لإدراك التنظيم الإمبراطوري للعالم. مصباح (صالح)، “تدبير العالم”: من روما القديمة إلى روما الجديدة، المجلة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، السنة 21، عدد 36 / 37، تونس 2004/ 2005، ص. 38 – 39.

[14]  المصدر نفسه، ص12. يجدر بنا التّأكيد على أنّ مفهوم النابت الّذي استخدمه ابن باجة استقاه من المتن الفارابي. رغم الاختلاف الجوهري والبيّن بينهما بشأن معنى هذا المفهوم: فلئن اتخذ دلالة ايجابيّة مع ابن الصّائغ، فإنّه مع المعلّم الثّاني يحمل على معنى سلبي. هذا ما ألفيناه في قول الفارابي:” والمدينة الفاضلة تضادُّها المدينة الجاهليّة والمدينة الفاسقة والمدينة المتبدّلة والمدينة الضّالة. وبضادها أيضا من أفراد النّاس نوائب المدن”. آراء أهل المدينة الفاضلة، قدّم له: ألبير نصري نادر، دار المشرق، بيروت – لبنان، ط6، 1991، ص. 131. ويقول أيضا: “والمدينة الفاضلة تضادّها المدينة الجاهلة والمدينة الفاسقة والمدينة الضّالة. ثمّ النّوابت في المدينة الفاضلة، فإنّ النوابت في المدن منزلتهم فيها منزلة التسليم في الحنطة أو الشوك النّابت فيما بين الزّرع أو سائر الحشائش غير النّافعة والضّارة بالزّرع أو الغرس (…) وهؤلاء بمنزلة الأغمار الجهّال عند العقلاء وبالإضافة إلى الفلاسفة. فمن واجب ذلك واجب على رئيس المدينة الفاضلة تتبّع النّابتة وإشغالهم، وعلاج كلّ صنف بما يصلحه خاصّة، إمّا بإخراج من المدينة أو بعقوبة أو بحبس أو بتصريف في بعض الأعمال وإن لم يسعوا له (…) فهؤلاء هم أصناف النّابتة في خلال أهل المدينة، ولا يحصل من آرائهم مدينة أصلا، ولا جمع عظيم من الجمهور، بل يكونون مغمورين في جملة أهل المدينة”.  كتاب السياسة المدنيّة، قدّم له وشرحه وبوّبه: د. علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت – لبنان، ط1، 1996، ص .99.  ص. 123. ص. 125. ولقد أحصى الفارابي تسعة أصناف للنّوابت. وهم المتقنّصون والمحرّفة والمارقة والمسترشدون والمموّهون والمزيّفون والرّيبيّون والعبثيّون والمغرورون. بعض هذه الأسماء استعملها الفارابي وبعضها استخلصته من متنه.  المصدر نفسه، ص. 120-125.

[15]  الخوني (محسن)، مجلّة التّفاهم، ص. 450.

[16]  الفارابي، السّياسة المدنيّة، ص. 89. ويؤكّد في ذات الموضع أنّ “مدبر المدينة، وهو الملك، إنّما فعله أن يدبر المدن تدبيرا ترتبط به أجزاء المدينة بعضها ببعض وتأتلف وترتب ترتيبا يتعاونون به على إزالة الشرور وتحصيل الخيرات”. (المصدر نفسه، ص. 95). فرئيس المدينة يعنى بتدبير أمورها ويوحّد بين أجزائها ويحصّنها من الشرور ويحث على شيوع الخير فيها.

[17]  الفارابي، فصول منتزعة، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه د. فوزي متري نجّار، دار المشرق، بيروت – لبنان، 1971، ص. 23. يضيف فيلسوفنا في معرض حديثه عن معنى التدبير قائلا: “كما أنّ الطبيب إنّما يعالج كلّ عضو يعتل بحسب قياسه إلى جملة البدن وإلى الأعضاء المجاورة له والمرتبطة به بأن يعالجه علاجا يفيده به صحّة ينتفع بها في جملة البدن وينفع بها الأعضاء المجاورة له والمرتبطة به. كذلك مدبر المدينة ينبغي أن يدبّر أمر كلّ جزء من أجزاء المدينة، كان جزءا صغيرا مثل إنسان واحد أو كبيرا مثل منزل واحد، ويعالجه ويفيده الخير بالقياس إلى جملة المدينة وإلى كلّ جزء من سائر أجزاء المدينة، بأن يتحرّى أن يجعل ما يفيد ذلك الجزء من الخير خيرا لا يضرّ به جملة المدينة ولا شيئا من سائر أجزائها بل خيرا تنتفع به المدينة بأسرها وكلّ واحد من أجزائها بحسب مرتبته في نفعه المدينة”. (المصدر نفسه، ص. 42 – 43).

[18]  فصول منتزعة، ص.55. يقول المؤرّخ الهولندي للفلسفة الإسلاميّة “دي بور”:” ويكاد ابن باجة يتبّع الفارابي، رجل الشرق – الهادي المحبّ للعزلة إتباعا تامّا.” راجع: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة: د. محمّد عبد الهادي أبو ريدة، دار النّهضة العربيّة، القاهرة -مصر، ط5، 1981، ص. 367.

[19]  فصول منتزعة، ص. 57. يقول الفارابي أيضا: “فجودة الرويّة في استنباط ما هو في الحقيقة خير ليفعل، وفي استنباط ما هو شر ليجتنب هو تعقّل”. رسالة في العقل حققه وقدّم له وعلّق عليه: فوزي متري نجّار، دار المشرق، بيروت-لبنان، 1983، ص. 5.

[20]  فصول منتزعة، ص.58.

[21]  تدبير المتوحّد، ص. 11. اهتمّ ابن باجة بتدبير المدينة، وأشار إليه في كتاب خصّصه لمعالجة هذا الأمر بعنوان: “العلم المدني”، تحدّث فيه عن معنى التّدبير قائلا: وإذا قيل التّدبير بعموم قيل في كلّ الأفعال التي تشتمل عليها الصّنائع التي تُسمّى بالقوى، وقد لخصته في العلم المدني، إلّا أنّ هذا الكتاب قد فقد. راجع، أبوزيد (منى أحمد)، المصطلح المدني عند الفارابي وفي الفلسفة الإسلاميّة، مجلّة التّفاهم، السنة الحادية عشرة، العدد 39، وزارة الأوقاف والشؤون الدّينيّة، سلطنة عمّان – مسقط، شتاء 2013 م / 1434ه، ص. 52. وأشار ابن باجة في كتابه: “تدبير المتوحّد” قائلا: “إنّ التّدبير إذا قيل بخصوص قيل على تدبير المدن”. تدبير المتوحّد، ص. 6.

[22]  المصدر نفسه، ص. 6 – 8.

[23]  المصدر نفسه، ص. 12.

[24]  شوفالييه (جا جاك)، تاريخ الفكر السّياسي، ترجمة: د. محمّد عرب صاصيلا، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، لبنان –بيروت، ط4، 1998، ص. 14.

[25]  المسكيني، فلسفة النّوابت، ص. 92.

[26]  ابن باجة، رسالة الوداع، ص. 128.

[27]  فلسفة النّوابت، ص. 90.

[28]  العليبي (فريد): ابن باجة من الكثرة إلى الوحدة، مجلّة كتابات معاصرة، العدد 38، أيلول، بيروت – لبنان، 1999، ص. 125.

[29]  ابن باجة، تدبير المتوحّد، ص. 12.

[30]  المسكيني (فتحي): الهويّة والزّمان، نأويلات فينومينولوجيّة لمسألة النحن، دار الطليعة، بيروت – لبنان، 2001، ص. 132.

[31]  تدبير المتوحّد، ص. 80.

[32]  مصباح (صالح): الفيلسوف ومدينة الملّة حول التلخيص الرّشدي لسياسة أفلاطون، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة: ابن رشد اليوم، السنة الثالثة عشرة، عدد 19، تونس، 1998، ص. 22. إنّ الأمر يتعلّق حقّا من منظور أستاذي الجليل د. فتحي المسكيني: “بإشكاليّة لم يفعل ابن باجة سوى استعادتها داخل تأوّل جديد. وإذا كان الفارابي هو من أعطى الصيغة المشهورة عن معنى أو منزلة النّوابت، فإنّه ثمّة من العرب من استعمل هذه اللّفظة قبله وذلك بخاصّة، والأمر على غاية الخطورة، للإشارة إلى فرقة كلاميّة أو سياسيّة ظهرت في عصر المأمون. ونحن نجد أنّ الجاحظ قد أرّخ لهذه الواقعة الثقافيّة الخطيرة في رسالة أفردها للقول في “النّوابت” حوالي سنة 326 ه / 840 م. إنّ هذا المعطى التّاريخي من شأنه أن يلقي ضوءا طريفا على استعمالي الفارابي وابن باجة للفظة “النّابت”. هل يتعلّق الأمر لدى الفارابي، كما يفترض بعض المستشرقين، بضرب من القول في منزلة “المعارضة” التي تظهر في أفق المدينة الفاضلة؟ وهل يتعلّق الأمر لدى ابن باجة باستئناف فلسفي يؤصّل موضع الفرقة الخارجة عن دولة الجماعة على نحو إتيقي؟ هل كان ابن باجة يدعو ضمنا “الشباب” (النّوابت، الّذين نبتوا للتوّ) إلى اضطلاع سياسي ما؟ “.  راجع، فلسفة النّوابت، هامش3، ص. 92 – 93.

[33]  المصباحي (محمّد): من المعرفة إلى العقل، بحوث في نظرية العقل عند العرب، دار الطليعة، بيروت، لبنان، 1990، ص. 117.

[34]  المسكيني، فلسفة النّوابت، ص. 96 -97.

[35]  تدبير المتوحّد، ص. 43. هذا ما يؤكّد أرسطيّة ابن باجة في هذه الفكرة: ليس التدبير علما رغم ضرورته في الاجتماع المدني ورغم شدّة حاجة الفيلسوف إليه. الخوني (محسن)، الفيلسوف النابت في “تدبير المتوحّد لابن باجة”، المجلة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، محور العدد: مسائل إيتيقيّة، السنة الخامسة عشرة، عدد 24 / 25، تونس، 2000، هامش 16، ص. 43.

[36]  العليبي (فريد): المرجع نفسه، ص. 5.  راجع أيضا مؤلّفه: رؤية ابن رشد السياسيّة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت – لبنان، 2007.

[37]  تدبير المتوحّد، ص. 31 -32.

[38]  لسود (محمّد): حوار التّفلسف والتّصوّف في الغرب الإسلامي المقاصد والمآلات، ابن باجة نموذجا، بحث لنيل شهادة الدّكتوراه في الفلسفة، إشراف: محمّد بنساسي، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، تونس، 2017، ص. 294.

[39]  أومليل (علي): السّلطة الثقافيّة والسّلطة السّياسيّة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت – لبنان، 1996، ص. 182.

[40]  أومليل (علي): السّلطة الثقافيّة والسّلطة السّياسيّة، ص. 183.

[41]  يقول الفارابي: “والمدينة الفاضلة تشبه البدن التّام الصّحيح، الّذي تتعاون أعضاؤه كلّها على تتميم حياة الحيوان وعلى حفظها عليه”. الآراء، ص. 118. وفي ذات الموضع يرى المعلّم الثّاني أنّ: “الخير الأفضل والكمال الأقصى إنّما يُنال أوّلا بالمدينة لا بالاجتماع الّذي هو أنقص منها”. الآراء، ص. 117 – 118.

[42]  الحدادي (عزيز): ابن رشد وإشكاليّة الفلسفة السّياسيّة في الإسلام نكبة الفيلسوف ومحنة الفلسفة، دار الطليعة، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، حزيران (يونيو)، 2010، ص. 181.

[43]  تدبير المتوحّد، ص. 13.

[44]  ابن باجة، رسالة الاتّصال، ضمن رسائل ابن باجة الإلهية، تحقيق وتقديم: ماجد فخري، دار النّهار، بيروت – لبنان، 1968، ص. 167.

[45]  المصدر نفسه، ص. 169.

[46]  المصدر نفسه، ص. 171.

[47]  المصدر نفسه، ص. 169.

[48]  رسالة الوداع، ص. 114.

[49]  مصباح (صالح): الفيلسوف ومدينة الملّة حول التلخيص الرّشدي لساسة أفلاطون، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، عدد خاص: ابن رشد اليوم، السنة الثالثة عشرة، عدد 19، تونس، 1998، ص.22.

[50]  ابن طفيل: (500 -581 ه)، (1102 – 1185)، هو أبو بكر بن محمّد بن طفيل القبيسي أندلسي اشتغل بالطبّ وعمل وزيرا لدى الخليفة أبي يعقوب يوسف ثاني خلفاء الموحّدين في مراكش. استمدّ شهرته من جهده الشخصي في طلب العلم واستخرج جلّ علمه من الكتب حتّى غدا من أعلام العصر المعدودين. كان سببا في شرح ابن رشد لفلسفة أرسطو وقد ساعده على تأليف كتاب:” الكليات في الطب”. تميّز بآرائه في الفلك وقيل إنّه كان طبيبا بارعا. ضمّن آراءه الفلسفيّة في كتابه المشهور:” حيّ بن يقظان” المصنّف الوحيد الّذي عرف عنه لقلّة إنتاجه على غزارة علمه، وفيه بسط مبادئ الفلسفة المشرقيّة وبيّن اختلافه عن فلاسفة الإسلام في مسائل عديدة، ممّا جعله فيلسوفا متفرّدا. راجع، تقديم الأستاذ علي أدهم، لقصّة: حي بن يقظان، دار المعارف للطباعة والنّشر، سوسة – تونس، الطبعة الثّامنة، 2001، ص. 19 – 24.

[51]  ابن طفيل، حيّ بن يقظان، ص. 150. إنّ “قصّة حي بن يقظان حسنة السرد، جيّدة البناء، خاليّة من الغموض الّذي يحدثه في بعض الأحيان الجري وراء المحسنات اللفظيّة، وقد حاول فيها ابن طفيل أن يكون مفكّرا واضحا دقيقا، والقصّة في تماسك موضوعها وإنماء فكرتها من القصص النّادرة البارعة في العربيّة. إنّها درة فريدة في الفكر العربي ومن أحسن ما تفخر به الفلسفة الإسلاميّة ومن أقرب الصوّر إلى تمثيل تاريخ الإنسانيّة في تطوّر تفكيرها”. أدهم (علي)، تقديم كتاب حي بن يقظان، ص. 7، 18.

[52]  دي بور: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة: محمّد الهادي أبو ريدة، دار النّهضة العربيّة، القاهرة، ط5، 1981، ص. 377.

[53]  لسود (محمّد): حوار التفلسف والتصوف في الغرب الإسلامي المقاصد والمآلات ابن باجة نموذجا، ص. 356 – 357.

[54]  ابن طفيل: حي بن يقظان، ص. 160.

[55]  ابن باجة، تدبير المتوحّد، ص. 47.

[56]  حي بن يقظان، ص. 160.

[57]  المصدر نفسه، ص. 162.

[58]  المصدر نفسه، ص. 162.

[59]  المصدر نفسه، ص. 164.

[60]  “الاتّصال هو عبارة عن اتحاد مقدارين في حدّ مشترك بينهما يكون هو طرفا لكلّ منهما”. راجع، الأعسم (عبد الأمير): المصطلح الفلسفي عند العرب، الدّار التونسيّة للنشر، تونس، ص. 391.

[61]  أدهم (علي)، تقديم كتاب حي بن يقظان، ص. 17. يستقي موقف ابن طفيل إرهاصاته من المدرسة الإشراقيّة التي قد أثّرت في الفكر الإسلامي فظهر ذلك في كتابات ابن طفيل: “حي بن يقظان”، وابن سينا في كتابه: “الإشارات والتنبيهات” وخاصّة السهر وردي في مؤلّفه: “حكمة الإشراق”…وقد امتدّ تأثير هذه المدرسة إلى الفكر الأوروبي في العصر الوسيط (ريمون لول، ألبرت الأكبر) وحتّى عصر النّهضة عن طريق الاتّصال بالمصادر العربيّة والإسلاميّة. يقوم منهج المدرسة الإشراقيّة على تجليّة النّفس وصقلها لكي تشرق عليها المعارف. والحكمة المرجوّة حكمة ذوقيّة تستند إلى الذّوق والإلهام على خلاف الحكمة الاستدلاليّة المستندة إلى النّظر والبرهان وإعمال العقل. وأساس الحكمة الإشراقيّة: تعدّ النّفس أساس الإشراق والكشف، فهي جوهر روحاني ومبدأ مؤسّس للإنيّة التي لا يمكن أن تتحدّد بأيّ شكل بالبدن لأنّ البدن أشبه بالقالب الّذي قامت النّفس بإحيائه واتّخاذه كآلة تساعدها على تحصيل المعارف وسائر العلوم استعدادا لاستعادة المرتبة الملائكيّة الرّوحانيّة التي تتأصّل فيها ويتحقّق ذلك عبر التحرّر من البدن والاتّصال بالأنوار الإلهية وهي مرتبة الإشراق التي تستكمل فيها جوهريتها وتستقل بذاتها.

[62]  مصباح (صالح)، المرجع نفسه، ص. 23.

[63]  المرجع نفسه، ص. 23.

[64]  حي بن يقظان، ص. 162.

[65]  حي بن يقظان، ص. 162. في السّياق التراكمي نفسه اعترف ابن طفيل بقيمة ابن باجة الفلسفيّة، وصرّح بأنّه كتب قصّة: “حي بن يقظان” تكملة لمتوحّد ابن باجة (وهنا تراكم معرفيّ). كما يظهر التفاعل الفلسفي لابن طفيل مع ابن باجة في كونه جعل بطله إنسانا منعزلا عن المجتمع، ويستطيع بفطرته الفائقة وحدها أن يتوصّل إلى معرفة كلّ الأشيّاء، ومدبّرها، وغاية الوجود الأخير. زناني (جورج)، الفلسفة في مسارها، ص. 65.علما وأنّ أوجه التقاطع الممكنة بينهما على نحو ما رصدناها رغم طابعها الإجرائي، لكنها لا تحجب عنّا نقد ابن طفيل لابن باجة على نحو ما أبانه في مقدّمة كتابه: “حي بن يقظان. راجع، حي بن يقظان، نقد فلسفة ابن الصّائغ، ص. 25 – 33.

[66]  حي بن يقظان، ص. 163.

[67]  حي بن يقظان، ص. 163.

[68]  مصباح (صالح)، المرجع نفسه، ص. 23.

[69]  ابن رشد، تلخيص السّياسة، ترجمة: حسن مجيد العبيدي، وفاطمة الذهبي، دار الطليعة، بيروت – لبنان، 1998، ص. 146.

[70]  ابن رشد، الضروري في السّياسة: مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، نقله من العبريّة إلى العربيّة: أحمد شحلان، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت – لبنان، ط1، 1998، ص. 25.

[71]  المسكيني (فتحي): ابن رشد والاستعمال العمومي للعقل، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، السنة الثالثة عشرة، عدد 19، تونس، 1998، هامش 12، ص. 69.

[72]  رسالة الوداع، ص. 114 – 115.

[73]  فلسفة النّوابت، ص. 95. يرى جمال الدّين العلوي بخصوص إرهاصات ومسوّغات تشكّل مشروع الإنسان المتوحّد عند ابن باجة ما يلي: “إنّ قراءته للمتن الأرسطي، ووقوفه على بعض مؤلّفات أفلاطون والاسكندر الأفرويديسي، وغيره من الشرّاح واهتمامه بمؤلّفات أبي نصر الفارابي، ثمّ قراءة لواقع مجتمعه وإشكالاته من خلال الزّاد المعرفي الّذي تكوّن لديه، انتهت به إلى بلورة مشروعه الفلسفي الجديد ألا وهو مشروع الإنسان المتوحّد، وهو مشروع سيشغّل أهمّ معطيّات العلم الطّبيعي الأرسطي وخاصّة السّيكولوجيا الأرسطيّة ويستلهم سياسة أفلاطون والعلم المدني لأبي نصر الفارابي، فضلا عن استلهامه الأساسي لتجربته الخاصّة ومعاناته المريرة في محيطه العامّ والخاصّ”.  انظر، العلوي (جمال الدّين): مؤلّفات ابن باجة، دار الثّقافة، بيروت – لبنان، 1983، ص. 161.

[74]  الخوني (محسن): الفيلسوف والمدن غير الفاضلة من خلال ابن باجة، ص. 486.

[75]  تدبير المتوحّد، ص.14.

[76]    يقول الفارابي:” وبلوغ السّعادة إنّما يكون بزوال الشرور عن المدن وعن الأممّ، ليست الإرادية منها بل والطبيعيّة، وأن تحصل لها الخيرات كلّها الطبيعيّة والإرادية”. السياسة المدنيّة، ص. 95. انظر في هذا الشأن أيضا: دراستنا الموسومة: الفارابي الرّائد البعيد لأبستمولوجيا العلوم الإنسانيّ خلال العصر الوسيط دراسة في منزلة العلم المدنيّ بين العلوم العقليّة، نشر مجلّة حكمة الإلكترونيّة، 2021، ص. 1 – 42.

[77]  أبوزيد (منى أحمد): المصطلح المدني عند الفارابي وفي الفلسفة الإسلاميّة، مجلّة التّفاهم، السنة الحادية عشرة، العدد 39، شتاء 2013، ص.64.

[78]  تدبير المتوحّد، ص. 41. انظر أيضا لمزيد التوسّع في كذا مسألة: الشتوي (مطاع)، نظرية المعرفة عند ابن باجة، رسالة لنيل شهادة الكفاءة في البحث، إشراف د. عبد الرّحمان التّليلي، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس، جامعة تونس، 1987 – 1988.

[79]  المصطلح المدني عند الفارابي وفي الفلسفة الإسلاميّة، ص. 55.

[80]  تدبير المتوحّد، ص. 82. في معرض حديثه عن الرّئيس الفاضل أكّد ابن الصّائغ أنّ المهمّة المنوطة بعهدة الرّئيس تجاه مواطنيه، لهي ضبط الغاية المنشودة لكلّ طبقة منهم إذ: “إنّ الرّئيس يقدر أفعال المرؤوس ليبلغ غرضه الّذي يقصده… وهذا يقال لمدبر المدينة الفاضلة وهو الملك والرّئيس”. رسالة الوداع، ص.131.

[81]  تدبير المتوحّد، ص. 18.

[82]  المصدر نفسه، ص. 18.

[83]  الفارابي (أبو نصر): تحصيل السّعادة، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه د. جعفر آل ياسين، دار الأندلس، بيروت – لبنان، ط2، 1983، ص. 96 – 97.

[84]  فلسفة النّوابت، ص. 93. إنّه هاهنا بالذّات يبدو موقف ابن باجة محدود الخطورة بالنّظر إلى موقف الفارابي: ففي حين يقدم الفارابي على رسم الإمكان النظري والإشكالي لموضع الملّة مضيفا بذلك “غرضا جديدا” للفلسفة هو القول في الملّة، نلاحظ أنّ ابن باجة ينحسر عن الأفق الّذي تهبه الملّة للفيلسوف الّذي ينبت في حقلها. راجع: مصباح (صالح)، “مسألة الملّة عند الفارابي”، في: دراسات حول الفارابي، منشورات كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، صفاقس – تونس، 1995، ص. 190 – 202، وبخاصّة ص. 196، 202.

[85]  رسالة الوداع، ص. 127 – 128. “يلتقي ابن طفيل مع ابن باجة في كون السّعادة مؤسّسة على الفضيلة، وهو مثله يضع الفضيلة في إطار عقلانيّ، بحيث تكون أعمالهما الأساسيّة التأمّل والتفكّر. والملاحظ أنّ الفضيلة عند الفيلسوفين هي فضيلة فردية، ومن جنس التنزّه عن الجسمانيّ والحسّي والآنيّ، ولا تشمل الأعمال الخيّرة والبارّة ذات البعد الاجتماعي”. لمزيد التوسّع بخصوص تلكم المسألة نحيل القارئ إلى البحث المقارن الهام بين الفيلسوفين من انجاز للباحثة: الحكيم (سعاد): قيم المعرفة والسّعادة بين ابن طفيل وابن باجة، مجلّة التّفاهم، السنة العاشرة، العدد 37، وزارة الأوقاف والشؤون الدّينيّة، سلطنة عمّان – مسقط، صيف 2012، ص. 147.

[86]  ابن باجة، في الغاية الإنسانيّة، ضمن رسائل ابن باجة الإلهيّة، ص.100-101، رسالة الوداع، ص. 125.

[87]  العيادي (عبد العزيز): اتيقا الموت والسّعادة، ص.182 -183.

[88]  الزواري (رضا): المخيّلة والدّين عند ابن رشد، دار صامد للنّشر، صفاقس، تونس، ط1، أبريل 2005، ص. 486.

[89]  المرجع نفسه، ص. 486 – 487.

[90]  أرسطو، كتاب السّياسات، نقله من الأصل اليوناني وعلّق عليه: الأب أوغسطينوس بربارة البولسي، اللّجنة الدّوليّة لترجمة الروائع الإنسانيّة، بيروت – لبنان، 1957، ص. 8 -9.

[91]  المصدر نفسه، ص. 9.

[92]  الخوني (محسن): الفيلسوف والمدن غير الفاضلة من خلال ابن باجة، ص. 473.

[93]  تدبير المتوحّد، ص. 13 – 14.  هذا ما نجده عند ابن رشد مثلا حيث يقول: “أراد أبو بكر ابن الصّائغ أن يختط طريقة لتدبير المتوحّد في هذا البلاد (…). (وهو) الوحيد الّذي عالج هذا الموضوع ولم يسبقه إليه أحد من المتقدمين”. الجابري (محمّد عابد): ظهور الفلسفة في المغرب والأندلس، “ابن باجة وتدبير المتوحّد”، ضمن: نحن والتّراث، دار الطّليعة، بيروت – لبنان، الطّبعة الثّانيّة، 1982، ص. 258.

[94]  يصف المستشرق الهولندي “دي بور” بعض ملامح السياق التّاريخي الّذي عاصره ابن باجة كالآتي:” كانت مملكة الأندلس الزّاهرة على وشكّ الانحلال إلى دويلات صغيرة، وكان يُهدّدها من الشّمال فرسان النّصارى، الّذين كانوا أقلّ ثقافة من العرب، ولكنّهم كانوا شجعانا أقوياء. غير أنّ أسرة المرابطين البربريّة جاءت لإنقاذ البلاد ولم يكن المرابطون أكثر تمسّكا بالدّين فحسب، بل أكثر حنكة وأحذق بأساليب السّياسة من أسر الأندلس، الّذين كانوا قد انغمسوا في التّرف. ولاح إذّاك أنّ زمن الثقافة الرّفيعة والبحث الحرّ قد انقضى ولن يعود. فلم يكن يجرؤ على الظهور في النّاس إلّا أهل الحدّيث المتشدّدون أمّا الفلاسفة قد كانوا عرضة للاضطهاد أو القتل إذ هم جاهروا بآرائهم.” تاريخ الفلسفة في الإسلام، ص. 365.

[95]  المصباحي (محمّد): تحوّلات في تاريخ الوجود والعقل، بحوث في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1995، ص. 321.

[96]  فرحات (مصطفى كمال): لماذا الفلسفة اليوم؟ من ممكنات فعل التّفلسف آخريّا، منشورات الجمل، بغداد-بيروت، الطبعة الأولى، 2016، ص. 359.

[97]  فلسفة النّوابت، ص. 95. يقول أستاذي الفذّ فتحي المسكيني بخصوص إشكاليّة المتوحّد: “التوحّد هو سيرة الفيلسوف كما أنّ المدينة هي سيرة الجماعة”. المرجع نفسه، ص. 100.

[98]  ” نفترض أنّ مسألة العناية بالنّفس إنّما تنتمي إلى الأفق الإشكالي عينه الّذي عمل فيه ابن باجة من حيث إنّ تدبير المتوحّد ينطوي على إمكانيّة أصيلة لبلورة ضرب طريف من “العناية بالنّفس”(…) بلورة الإمكان غير المدني للفيلسوف من حيث هو “متوحّد” في كلّ مرّة”. المرجع نفسه، هامش 2، ص. 83.

[99]  الحبابي (محمّد عزيز): ورقات عن فلسفات إسلاميّة، الدّار البيضاء، المغرب، دار توبقال للنّشر، 1988، ص. 24. إنّ مسألة: “السّعادة الإنسيّة” مشتق من التوجّه الّذي بدأ مع ابن باجة في مؤلّفه: “تدبير المتوحّد”، إذ يربط البحث في هذه المسألة بقضايا الإنسان الواقعيّة (من دون إغفال الأفق الميتافيزيقيّ العامّ الّذي يحكم البحث في مثل هذه الموضوعات). ولمزيد الإبانة عن هذا التوجّه داخل الفلسفة العربيّة، راجع: ألوزاد (محمّد): القول الإنسي لابن باجة، مطبعة الأندلس، الدّار البيضاء، المغرب، 1994، ص. 63-67.

[100]  الفارابي، فلسفة أفلاطون، ص. 16. أشار ابن طفيل إلى جرأة ابن باجة وتفرّده في خوض مغامرة التّفلسف رغم وجود بعض المحاذير والمطبات تحول دون شيوعها منها: معاداة الفقهاء المالكيّة وأمراء المرابطين وارتباطها بالزّندقة والكفر في أذهان العامّة من النّاس وهو ما سيحصل لابن باجة نفسه. هذا ما يجليه قوله: “إنّ الأمر (يعني الفلسفة) أندر من الكبريت الأحمر ولاسيّما في هذا الصّقع (يعني الأندلس) الّذي نحن فيه، لأنّه من الغرابة في حدّ لا يظفر باليسير منه إلّا الفرد بعد الفرد ومن ظفر بشيء منه لم يكلّم النّاس إلّا رمزا”. راجع، حي بن يقظان، ص. 31.

[101]  المصباحي (محمّد): من المعرفة إلى العقل، بحوث في نظرية العقل عند العرب، دار الطليعة، بيروت-لبنان، 1990، ص. 130.

[102]  الفارابي، فصول منتزعة، فصل 89، ص. 92.

[103]  العيادي (عبد العزيز)، اتيقا الموت والسّعادة، ص.181-182.

[104]  الفارابي، رسالة في السّياسة، تقديم وضبط وتعليق: علي محمّد إسبر، التّكوين للتّأليف والترجمة والنّشر، دمشق – حلبوني، 2006، ص. 52 – 53. يرى المعلّم الثّاني في ذات الموضع: “أنّ واضع النّواميس متى كان جاهلا مثل القوم، فإنّه لا يمكنه وضع النّاموس الّذي ينفعهم”. راجع، تلخيص نواميس أفلاطون، موجود في أفلاطون في الإسلام، نصوص حقّقها وعلّق عليها عبد الرّحمن بدوي، دار الأندلس، بيروت – لبنان، الطبعة الثّالثة، 1982، ص. 42. و” بيّن أنّ وجه وجود السّعادة الحقيقيّة في الإنسان أن تكون الأفعال والسّنن الفاضلة موزّعة في المدن والأمّم على ترتيب وتستعمل استعمالا مشتركا. وبيّن أنّ تلك ليست تتأتّى إلّا برياسة يمكن معها تلك الأفعال والسنّن والشيّم والملكات والأخلاق في المدن والأمّم”. الفارابي، إحصاء العلوم، مركز الإنماء القومي، لبنان-بيروت، 1991، ص. 38.

[105]  رسالة الوداع، ص. 119.

[106]  تدبير المتوحّد، ص. 39 -40.

[107]  فصول منتزعة، فصل 93، ص. 95. 

[108]  ابن رشد (أبو الوليد): الضروري في السياسة، ص. 41.

[109]  لمزيد التوسّع في هذا المبحث الجدير بكل اهتمام، راجع: مصباح (صالح): اسبينوزا في الفكر العربي المعاصر ملاحظات أوليّة، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، محور العدد اسبينوزا والفكر العربي، العدد 13-14، السنة العاشرة، تونس، ديسمبر 1993، ص. 45 – 83. يضيف أستاذي صالح مصباح قوله:”إنّ فلسفة اسبينوزا يمكن أن تساعد على إعادة طرح مسأليّات الفكر العربي الكلاسيكي (الحكمة والشريعة، الذّات والصّفات، المحايثة والتّعالي، الاتّصال والانفصال). وكذلك مشكلات الفكر العربي المعاصر (العقلانيّة، والحريّة، والدّيمقراطيّة). المرجع نفسه، ص. 5.

[110]  مصباح (صالح): المرجع نفسه، ص. 5. لمزيد التوسّع أكثر بشأن راهنيّة ابن باجة / المتوحّد والوحيد: ابن باجة أمام الفلسفة الحديثة، راجع: المسكيني (فتحي): فلسفة النّوابت، ص.82 وما بعدها.

[111]  فلسفة النّوابت، ص. 81. يقول أستاذي المسكيني: “فليست الفلسفة المقصودة هاهنا شيئا آخر سوى الفلسفة نفسها، في ماهيتها التي تحدّدت منذ الكندي إلى ابن باجة بوصفها في جوهرها “إتيقا” أي معرفة “الإنسان نفسه” وبقدر طاقة الإنسان (…) وذلك من منظور أنّ الإتيقا هي قدرة الإنسان على أن يكون ما هو بما هو”. المرجع نفسه، ص. 69 -72.

[112]  المرجع نفسه، ص. 13.

[113]  المرجع نفسه، هامش رقم 1، ص.70.

[114]  العيادي (عبد العزيز): اتيقا الموت والسّعادة، ص. 264.

[115]  ابن رشد (أبو الوليد): فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتّصال، سراس للنّشر، تونس، 1994، ص. 31.

[116]  مصطفى (كمال فرحات): قول الممكن فلسفيّا من الضّروراويّة النّدرويّة إلى الممكنيّة الجوديّة، منشورات الجمل، بغداد، بيروت، الطبعة الأولى، 2016، ص. 371.

[117]  “مشروع الإعراب الإنسلامي للوجود من جهة كونه جودا من الجود المطلق بالمطلق وللمطلق (…). وهو إعراب انسلامي سلمي في جوهره بمعنى أنّه يقطع مع إرث التعامّل الحربي الاحترابي مع الوجود والموجودات، ذلك الإرث الّذي أفرزته الهيمنة الإقصائيّة الطويلة لثالوث اللؤم والنذالة وهو ثالوث الفرعونيّة والهامانيّة والقارونيّة كناية عن تسخير السّلطة والمعرفة والكسب لخدمة شيعة ديانة العجل الذهبي حصريا وخدمة إلاهها وهو الليفياتون الرّأسمالي أو الرّسمالوت الكسبوتي الحسبوتي (…). فمشروع الإعراب الإنسلامي سيكون بالضرورة حينئذ انتفاضة مستمّرة على هذا المأتى المآلي كوكبيّا معموريّا والّذي هو بصدد تسويد الفكر الواحد والحكاية الواحدة والحاكي الواحد.” راجع، فرحات (مصطفى كمال): لماذا الفلسفة اليوم؟ من ممكنات فعل التّفلسف آخريا، ص. 374 – 376.

[118]  زيعور (علي): ميادين العقل العملي في الفلسفة الإسلاميّة الموسّعة، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت – لبنان، 2001، ص. 66.

[119]  الفارابي (أبو نصر): كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين، ضمن المجموع، مطبعة السّعادة، مصر، الطبعة الأولى، 1907، ص. 37.

[120]  الفارابي (أبو نصر): عيون المسائل، نشرة ديتريشي، لايدن، 1890، ص. 6.

المصادر والمراجع

  • ابن باجة (أبو بكر محمّد بن يحي بن الصّائغ)، تدبير المتوحّد، سراس للنّشر، تونس،1994.
  • ابن باجة (أبو بكر محمّد بن يحي بن الصّائغ)، رسائل ابن باجة الإلهية، تحقيق وتقديم: ماجد فخري، دار النّهار، بيروت -لبنان، 1968.
  • ابن رشد (أبو الوليد)، الضروري في السياسة مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، نقله عن العبرية إلى العربيّة د. أحمد شحلان، مع مدخل ومقدمة تحليليّة وشروح للمشرف على المشروع د. محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، بيروت، أيلول/ سبتمبر 1998. الطبعة الثانيّة، بيروت، تشرين الثّاني/ نوفمبر 2002.
  • ابن رشد (أبو الوليد)، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتّصال، سراس للنشر، تونس،1994.
  • ابن طفيل (أبو بكر محمّد بن عبد الملك)، قصّة حيّ بن يقظان، دار المعارف للطباعة والنشر، سوسة – تونس، الطبعة الثّامنة، 2001.
  • ابن منظور (أبو الفضل جمال الدّين محمّد بن مكرم)، لسان العرب، دار صادر، بيروت -لبنان، الطبعة الرّابعة (جديدة محقّقة)، 2005.
  • أبو زيد (منى أحمد)، المصطلح المدنيّ عند الفارابي وفي الفلسفة الإسلاميّة، مجلّة التّفاهم، السنة الحادية عشرة، العدد 39، وزارة الأوقاف والشؤون الدّينيّة، سلطنة عُمان – مسقط، شتاء 2013م/1434ه.
  • أبو زيد (منى أحمد)، نظرية “السّعادة” ووسائل تحقيقها في الفلسفتين اليونانيّة والإسلاميّة، مجلّة التّفاهم، السنة الثانيّة عشرة، العدد 43، وزارة الأوقاف والشؤون الدّينيّة، سلطنة عُمان-مسقط، شتاء 2014م/1435ه.
  • أبوزيد (منى أحمد)، الدّولة والسّعادة عند فلاسفة الإسلام، مجلّة التّفاهم، السنة الثامنة عشرة، العدد 70، وزارة الأوقاف والشؤون الدّينيّة، سلطنة عُمان-مسقط، خريف 2020/1442ه.
  • أرسطو، كتاب السّياسات، نقله من الأصل اليوناني وعلّق عليه الأب أو غسطينس بربارة البولسي، اللّجنة الدوليّة لترجمة الرّوائع الإنسانيّة، بيروت – لبنان، 1957.
  • الأعسم (عبد الأمير)، المصطلح الفلسفي عند العرب، الدار التونسيّة للنّشر، تونس، 1991.
  • ألوزّاد (محمّد)، القول الإنسيّ لابن باجة، مطبعة الأندلس، الدّار البيضاء، المغرب، 1994.
  • أومليل (علي)، السّلطة الثقافيّة والسّلطة السّياسيّة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت -لبنان، 1996.
  • الجابري (محمّد عابد)، ظهور الفلسفة في المغرب والأندلس، ابن باجة و”تدبير المتوحّد”، ضمن مؤلّفه: نحن والتراث، دار الطليعة، بيروت -لبنان، الطبعة الثانيّة، 1982.
  • الجابلي (سعيد)، الفارابي الرّائد البعيد لأبستمولوجيا العلوم الإنسانيّة خلال العصر الوسيط، دراسة في منزلة العلم المدنيّ بين العلوم العقليّة، (نشر إلكتروني)، مجلّة حكمة الإلكترونيّة، 2021.
  • الحبابي (محمّد عزيز)، ورقات عن فلسفات إسلاميّة، دار توبقال للنشر، الدّار البيضاء – المغرب، 1988.
  • الحدادي (عزيز)، ابن رشد وإشكاليّة الفلسفة السّياسيّة في الإسلام -نكبة الفيلسوف ومحنة الفلسفة-دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت -لبنان، الطبعة الأولى، حزيران (يونيو)، 2010.
  • الحكيم (سعاد)، قيم المعرفة والسّعادة بين ابن طفيل وابن باجة، مجلّة التّفاهم، السنة العاشرة، العدد 37، وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة، سلطنة عُمان-مسقط، صيف 2012م/1443ه.
  • الخوني (محسن)، الفيلسوف -النّابت، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، السنة الخامسة عشرة، عدد 24/25، تونس، 2000.
  • الخوني (محسن)، الفيلسوف والمدن غير الفاضلة من خلال ابن باجة الأندلسي، مجلّة التفاهم، العدد 37، السنة العاشرة، وزارة الأوقاف والشؤون الدّينية، سلطنة عمّان -مسقط، صيف 2012م / 1443ه.
  • دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة: محمّد الهادي أبو ريدة، دار النّهضة العربيّة، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1981.
  • الزغباني (كمال)، سعادة المفرد، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، السنة الخامسة عشرة، عدد 24/25، تونس، 2000.
  • الزّواري (رضا)، المخيّلة والدّين عند ابن رشد، دار صامد للنشر، صفاقس -تونس، الطبعة الأولى، أبريل 2005.
  • زيعور (علي)، ميادين العقل العملي في الفلسفة الإسلاميّة الموسّعة، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنشر والتوزيع، بيروت -لبنان، 2001.
  • زيناتي (جورج)، الفلسفة في مسارها، الأحوال والأزمنة للطباعة والنشر والتّوزيع، بيروت – لبنان، 2002.
  • الشتوي (مطاع)، نظرية المعرفة عند ابن باجة، شهادة الكفاءة في البحث، إشراف د. عبد الرّحمن التّليلي، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس، جامعة تونس،1987-1988.
  • شوفالييه (جان جاك)، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة: د. محمد عرب صاصيلا، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، لبنان، الطبعة الرّابعة، 1998.
  • العلوي (جمال الدّين)، مؤلّفات ابن باجة، دار الثقافة، بيروت – لبنان، 1983.
  • العليبي (فريد)، ابن باجة من الكثرة إلى الوحدة، مجلّة كتابات معاصرة، العدد 38، بيروت / شوران، 1995.
  • العليبي (فريد)، العقل والتّعقل عند ابن باجة من خلال كتاب “تدبير المتوحّد”، شهادة الكفاءة في البحث، إشراف د. محمد الجوّة، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، صفاقس، تونس، 1992-1993.
  • العليبي (فريد)، رؤية ابن رشد السياسيّة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت -لبنان، 2007.
  • العليبي (فريد)، مفهوم العقل عند ابن باجة، نشر إلكتروني، الموقع الإلكتروني أنطولوجيا، 30 مارس، 2018.
  • العيادي (عبد العزيز)، اتيقا الموت والسّعادة، دار صامد للنشر، صفاقس-تونس، الطبعة الأولى، أبريل 2005.
  • الفارابي (أبو نصر)، إحصاء العلوم، مركز الإنماء القومي، بيروت – لبنان، 1991.
  • الفارابي (أبو نصر)، آراء أهل المدينة الفاضلة، قدّم له وعلّق عليه، د. ألبير نصري نادر، دار المشرق، بيروت – لبنان، الطبعة السّادسة، 1991.
  • الفارابي (أبو نصر)، أصول وقوانين سياسيّة يعمّ نفعها جميع من استعملها، تحقيق وتقديم: عبد العزيز السيروان، دار الجيل للطباعة والنّشر، دمشق، 1991.
  • الفارابي (أبو نصر)، التّنبيه على سبيل السّعادة، دراسة وتحقيق: د. سحبان خليفات، الجامعة الأردنيّة، عمّان-الأردن، الطبعة الأولى، 1987.
  • الفارابي (أبو نصر)، رسالة السياسة المدنيّة، قدّم له وشرحه وبوّبه د. علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1996.
  • الفارابي (أبو نصر)، رسالة في السياسة، تقديم وضبط وتعليق، علي محمّد أسبر، التّكوين للتّأليف والترجمة والنّشر، دمشق-حلبوني، 2006.                                                          
  • الفارابي (أبو نصر)، رسالة في العقل، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه، د. فوزي متري النّجار، دار المشرق، بيروت – لبنان، 1983.
  • الفارابي (أبو نصر)، عيون المسائل، نشرة دي تريشي، لا يدن، 1890.
  • الفارابي (أبو نصر)، فصول منتزعة أو فصول المدني، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه د. فوزي متري نجّار، دار المشرق، بيروت – لبنان،1971.
  • الفارابي (أبو نصر)، فلسفة أفلاطون وأجزائها ومراتب أجزائها، منشور ضمن كتاب: “أفلاطون في الإسلام”، تحقيق: عبد الرّحمن بدوي، طهران، 1974.
  • الفارابي (أبو نصر)، كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين، ضمن المجموع، مطبعة السّعادة، مصر، الطبعة الأولى، 1907.
  • الفارابي (أبو نصر)، كتاب تحصيل السّعادة، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه، د. جعفر آل ياسين، دار الأندلس، بيروت – لبنان، الطبعة الثانيّة، 1983.
  • فرحات (مصطفى كمال)، قول الممكن فلسفيّا من الضروراوية النّدرويّة إلى الممكنيّة الجوديّة، منشورات الجمل، بغداد – بيروت، الطبعة الأولى، 2017.
  • فرحات (مصطفى كمال)، لماذا الفلسفة اليوم؟ من مُمكنات فعل التّفلسف آخريّا، منشورات الجمل، بغداد-بيروت، الطبعة الأولى، 2017.
  • لسود (محمّد)، حوار التّفلسف والتصوّف في الغرب الإسلامي، المقاصد والمآلات، ابن باجة نموذجا، رسالة بحث لنيل شهادة الدّكتوراه في الفلسفة، إشراف، محمّد بنساسي، كلّيّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس، جامعة تونس، 2017.
  • المسكيني (فتحي)، الهويّة والزّمان، تأويلات فينومينولوجيّة لمسألة النحن، دار الطليعة، بيروت – لبنان، 2001.
  • المسكيني (فتحي)، فلسفة النوابت، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، تشرين الأوّل (أكتوبر)، 1997.
  • مصباح (صالح)، “تدبير العالم”: من روما القديمة إلى روما الجديدة، المجلة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، السنة 21، عدد 36 / 37، تونس، 2004 / 2005.
  • مصباح (صالح)، “مسألة الملّة عند الفارابي”، في دراسات حول الفارابي، منشورات كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، صفاقس، تونس، 1995.
  • مصباح (صالح)، اسبينوزا في الفكر العربي المعاصر، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، محور العدد: اسبينوزا والفكر العربي، السنة العاشرة، العدد 13-14، تونس، ديسمبر 1993.
  • مصباح (صالح)، الفيلسوف ومدينة – الملّة حول التلخيص الرّشدي لسياسة أفلاطون، المرجع نفسه.
  • المصباحي (محمّد)، تحوّلات في تاريخ الوجود والعقل، بحوث في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1995.
  • المصباحي (محمّد)، من المعرفة إلى العقل، بحوث في نظرية العقل عند العرب، دار الطليعة، بيروت – لبنان، 1990.
  • مهدي (محسن)، ابن رشد شارحا جمهورية أفلاطون، ترجمة: صالح مصباح، المجلّة التونسيّة للدّراسات الفلسفيّة، عدد خاصّ: ابن رشد اليوم، السنة الثّالثة عشرة، عدد 19، تونس، 1998.