مجلة حكمة
قصة الفلسفة في الأندلس ابراهيم

عن قصة الفلسفة في الأندلس – إبراهيم بورشاشن

هل يمكن القول إن قصة الفلسفة في الأندلس بدأت وانتهت برحلتين، إحداهما انطلقت بانزياح قبل أن تبلغ يفاع استبصارها. والأخرى تحركت بتراكم نظري حثيث، قبل أن تبلغ كمال ميتافيزيقاها؟ تلك فرضية نصوغها على شكل سؤال مجمل، وندعيها هاهنا، ونتخذها هديا لنا في كتابة معالم قصة موجزة لرحلة شاقة للفلسفة في الأندلس.

نروم من هذا القول الحديث عن الفلسفة في الأندلس من خلال مسارين كبيرين؛ مسار انطلق من ابن مسرة واتخذ له منهجا تأويليا للنص، نزعم أنه بلغ أوجه مع ابن عربي. وهو مسار غلب عليه العمل. ومسار انطلق من العلوم القديمة واتخذ له طريقا مستقلا مع حرص على التقريب، وبلغ أوجه مع الشارح الأكبر، وهو مسار غلب عليه النظر. لنختم هذه الرحلة، ذات الشوطين الكبيرين، بمحاولة إبراز تقاطعات ولقاءات، جوهرية أو عرضية، بين اجتهادات مختلفة كانت تقصد إلى ضرب من الخلاص الفردي يتجاوز النص من داخله، أو يضع أمام النص الشرعي نصا آخر يخالفه في المنهج ويوافقه في القصد والغاية.

إن الرحلة الفلسفية في الأندلس، كانت ككل الرحلات الطويلة والشاقة محفوفة بمخاطر جسيمة بعضها عاد بـ “السخطة الشنيعة”، بعبارة ابن الخطيب، على المشتغلين بها. فأحيانا تكون الرحلة هينة سهلة حثيثة الخطى، مع جو الحرية حين يُفسح الفضاء للعلوم الفلسفية ويُعْرَض عن تحجير طلبها، بعبارة صاعد. وأحيانا تصادف الرحلة مَفَاوز ومَهَامِه يضطر فيها الفلاسفة إلى أصعب المسالك فتحرق كتبهم، ويمنع نشاطهم، ويحد من إشعاعهم الفكري. ويبدو أن السبب الأكبر في هذه المحنة المتكررة التي لحقت “العقل الحر” في الأندلس هي خروج النخبة الكلامية والصوفية والفلسفية “عن العلوم المعلومة بأرض الأندلس، الجارية على مذهب التقليد والتسليم”، بعبارة ابن الفرضي.

فكلما تم الخروج عن التقليد العلمي والعملي الذي تم ترسيمه، إلا ولحقت بأهل الفكر والعمل المحن لغياب ثقافة الاختلاف واحترام المخالف في المجتمع الإسلامي القديم، رغم أن المشتغلين بالنظر الفلسفي كانوا حريصين على ربط الفلسفة بالوحي، كما يبدو في أول الكتابات التي أرخت للفكر الفلسفي في الأندلس، وأبرز مثال على ذلك ما وجدناه عند ابن جلجل من “أن أولية تعلم الطب والفلسفة كان من أمر الله وحيا وإلهاما”[1].

لكن التاريخ الثقافي الأندلسي ينئبنا، مع ذلك، عن ظاهرة فريدة وهي أنه إذا كانت نكبة الفلسفة تعود إلى بعض الحكام، إما رأيا منهم أو انصياعا لسلطة فقهية قوية أو جموحة، فإن الفلسفة لم تنتعش إلا تحت كنف حكام متنورين عرفتهم الأندلس، حكام شجعوا اقتناء الكتب الفلسفية، وأسسوا مكتبات ضخام وغنية بصنوف المعرفة العقلية، وفتحوا قصورهم المنيفة لأهل النظر، بل وشجعوا على ممارسة الفلسفة كما هو حال الخليفة الموحدي، يوسف بن عبد المؤمن، مع ابن طفيل وأبي الوليد بن رشد، فكان لثلة من الحكام والحواضر الأندلسية الراقية فضل كبير على حضور الفكر الفلسفي في الأندلس، فكانت الفلسفة في الأندلس بنت المدينة والأخت الرضيعة للحاكم المسلم المتنور.

شعاع الكهف: قصة الفلسفة على المجري الكلامي ــ العملي.

بدأت قصة الفلسفة، في فترة الطوائف الأولى من تاريخ الأندلس، من كهف لا يشبه كهف أفلاطون، وكانت البداية مع ابن مسرة، فقد حبب لهذا الرجل الخلاء، فكان يعتكف في جبل السيرانا El-Serrena بقرطبة للتأمل والتعليم والتعلم، وكأنه كان يستنسخ تجربة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أفق علمي وجغرافي آخر، حتى وُسِم بـ “الجبلي”، قبل أن يغادر كهفه ويسيح في بلاد المشرق يطلب الشيوخ، بعد رحلته الأولى مع أبيه الذي كان محبا للعلم وملاقاة الشيوخ والتأليف على طريقة المعتزلة.

وقد ترك ابن مسرة مؤلفين، لا يزال الجدال يثار حولهما؛ “كتاب الحروف” و”رسالة الاعتبار”، وفيهما تظهر معالم فلسفة رجل يزدوج فيها الميثي والعقلي، ولكنها حريصة على أن تظل قريبة من مقتضيات التداول الإسلامي، رغم أنه لم يترك صدى علميا طيبا فيمن لقيهم أو جايلهم، فاتهم بالزندقة، وتعرض لنقد مكتوب بقلم ابن الأعرابي، تلميذ الجنيد.

لكن موقف الخليفة المتنور عبد الرحمن الناصر كان موقفا إيجابيا من مؤسس المدرسة المسرية قبل أن ينقلب على الأتباع بعد وفاة الشيخ المؤسس، ويهيء حملة، علمية ودينية وأمنية، لاستئصال دعوتهم من الأندلس، لخروجهم عن الجماعة، حتى إذا جاء الخليفة الحكم المستنصر، تعاطف مع الآراء المسرية، [350هـ ـ 366 هـ] فخفف عنهم الحصار، ثم شُدد عليهم مع المنصور بن عامر، لتدخل العامة في شؤون الدين.

 لكن لما كانت للأفكار أجنحة عصية على الحصار، فقد أثمرت الفكرة أفكارا، وخلقت تيارا هو إلى الكلام والفلسفة أميل، وأَوْرَق معها رجالٌ كانوا يجمعون إلى جانب الزهد ميولا عقلانية واضحة، فقد كانت صورة الفيلسوف مرتبطة بإصلاح الأخلاق وتعديل السيرة وتقويم سياسة المرء نفسه[2].

الفلسفة في الأندلس: آراء ابن مسرة من خلال كتاباته

لا يمكن أن نأخذ آراء ابن مسرة، وأتباعه، من خصوم المدرسة، بل لا بد من الرجوع إلى التقليد العلمي للمدرسة ومساءلته، خاصة أن أتباع ابن مسرة كانوا أدباء ومؤرخين ومتكلمين وأهل نزوع فلسفي، فقد كان يهيمن على المدرسة نفحة كلامية واضحة ونزوع نحو التأمل والرياضة، فقد قيل الكثير عن موارده الاعتزالية وانصرافه إلى التجربة الباطنية، خاصة أنه أخذ عن ابن الأعرابي، وإن كان الشيخ لم يرض عن مذهبه فانتقده.

ومن هنا يمكن القول إن التجربة الانحيازية في الأندلس بدأت كلامية ــ زُهدية، وليست فلسفية خالصة، كما قد يُفْهم من تحلية ابن الفرضي له[3]. إذا كان البعض قد يحتج للشخصية الفلسفية لابن مسرة بكلفه بفلسفة أنبادوقليس وعكوفه على دراستها، كما قال صاعد[4]، فإن القصد الكلامي ــ العملي لابن مسرة، فضلا عن حُلتها التي وصلت بها الأندلس، أضعفَ من وهج الفَلْسَفية في هذه الفلسفة التي كانت فلسفة أنبادوقليسية بدون أنبادوقليس الحقيقي، بل كانت لأنبادوقليس الذي “عاش في عصر داود عليه السلام، وأحاط بعلم سليمان واليونان جميعا”.

كانت آراؤه، كما قال آسين بالاسيوس” “خليطا امتزجت فيه مذاهب الغنوصية التي قالت بها الأفلاطونية المحدثة كما كونها الإسكندرانيون وزينوها للناس بنسبتها إلى أنبادوقليس لكي يكسبوها ما لهذا الفيلسوف من مكانة”[5]، فضلا عن ذلك، فابن مسرة يصف الفلاسفة بالتنطع، التائهين “في الترهات التي لا نور لها”[6]، مما يجعل بينه وبين الفلاسفة مسافة، رغم أنه يستعمل بعض أدواتهم، ويزعم تصحيح كلامهم، كما سنرى.

كان ابن مسرة ريانَ من العلم الشرعي، منفتحا على مواد كلامية وزهدية وفلسفية، مع انصراف إلى التأمل وممارسة تجربة صوفية في جبل قرطبة، يتخللها ممارسة تعليم أتباعه مذهبا يبدو للمنصفين أنه لم يكن يخرج عن التداول الإسلامي، وسنقف وقفة عجلى عند عمليه الشهيرين المنسوبين إليه؛ “رسالة الاعتبار” و”خواص الحروف”، الأولى كتبت بنفس “الفقيه” الحريص على الجمع بين الحكمة والشريعة، والثانية كتبت بنفس “العارف المحقق” الغواص في أسرار الحروف[7]، في غياب كتاب آخر منسوب إليه “توحيدُ الموقنين” المفقود.

رسالة الاعتبار

تنطلق هذه الرسالة من المفهوم القرآني “الاعتبار”، وهو مفهوم يرادف معنى التفكر والتأمل، وقد حظي هذا المفهوم بعناية خاصة من ابن طفيل، وأقام عليه رسالته “حي بن يقظان”، كما احتفل به ابن رشد وأسس عليه رؤيته الشرعية للمنطق، لكن يظل لابن مسرة فضل السبق إليه في الأندلس، وعرضه بنفس الدلالات التي ستحضر عند الفيلسوفين الأندلسيين، إذ إن مفهوم الاعتبار يطوي، عندهم جميعهم، إمكانية إدراك الحقيقة صُعُدًا من الموجودات إلى الله تعالى في استقلال عن الشرع.

 فماذا يقصد ابن مسرة بالاعتبار؟ وما وظيفة هذا المفهوم عنده؟

يرتبط مفهوم الاعتبار بمفهوم العقل، فهو أداة البصارة والمعرفة، ولا اعتبار إلا به. كما يرتبط هذا المفهوم بالعالم باعتباره كتابا يُقرأ حسب تفاوت العقول في البصارة “وسعة الاعتبار”. وبما أن الله لم يخلق شيئا إلا جعله موضوعا للفكرة ومطلبا للدلالة، فقد رغب الكتاب العزيز في “التذكر والتبصر والتفكر ..[لما في ذلك] من منافع العبادة وإحياء لقلوبهم”[8]. والاعتبار هو ضرب من الاستدلال عند ابن مسرة، وهو ليس سوى الترقي من الأسفل إلى الأعلى، بحيث يصبح “العالم وخلائقه كلها وآياتهدرج يتصعد فيها المعتبرون إلى ما في العلا من آيات الله الكبرى”[9].

وتتمثل وظيفة هذا المفهوم ـــ المنهج في نفي الغرابة عن طريق العقل في إدراك الله انطلاقا من النظر في العالم، على أساس أنه لا يخالف طريق الأنبياء في الدلالة على العالم انطلاقا من معرفة الله[10]. ومن هنا يصبح اعتبار العقول يشهد للنبي بصدقه، ويصبح النبأ أيضا موافقا للاعتبار[11].

ولا طريق إلى المعرفة الحقيقية إلا بالجمع بين الاعتبار والنبأ، وتحقيق السماع بالاستبصار، كما يقول. فالحكمة والشريعة متحابتان عنده، بعبارة ابن رشد، وهو القصد الأول من رسالة ذات نفس فلسفي تروم تصحيح منهج الفلاسفة الذي يفتقد “النية المستقيمة”، حسب قول ابن مسرة[12].

كتاب خواص الحروف

يكاد يخرج كتاب “خواص الحروف”[13]من ذات مشكاة “رسالة الاعتبار” لابن مسرة، فكلاهما يؤم معالم منهج في النظر ينطلق من النص لينفتح على أفاق معرفية جديدة هي ألصق بالتجربة الذاتية للمفكر واهتماماته الكلامية والفلسفية. ويتردد، في الكتاب، مفهوم “الاعتبار” نفسه، فمن الاعتبار لتأكيد الوحدانية بالاستدلال عليها[14]، إلى الاعتبار بالحروف[15]، إلى الاعتبار بمنازل القمر والاستدلال منها على مدة الدنيا[16]. فلا تخلو رسالة “الخواص” من التأكيد على إمعان النظر من جهة الاعتبار[17]. ويعتبر ابن مسرة اعتبار الحروف من جهات مختلفة مما يولد معاني مختلفة في فهم العالم[18]. بل إن مفهوم الاعتبار هو منطلق ابن مسرة في رسالته هذه، مما يدل على أهميته عنده، فانطلاقا من قوله تعالى:

 "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" 

يقف ابن مسرة عند مفهوم “الفكرة” التي أصبحت عنده “الاعتبار مما أظهر [الله] من مخلوقاته بالنظر والاستدلال بها على وحدانيته والترتيب والتحذير من سطواته والترغيب والتذكير فيما لديه من كرامته والتمجيد له بأسمائه وصفاته”[19]. وبهذا تلتقي رسالة الخواص مع رسالة الاعتبار التي رسم فيها ابن مسرة مسار العقل من طريق الجدل الصاعد من الموجودات إلى الله، ثم من طريق الجدل النازل من الله إلى الموجودات، لتكتمل المعرفة ويتحقق الاتفاق والكمال.

لكن رسالة “الخواص” لها جهة أخرى من الاعتبار مرتبط بالحروف. والحديث في أسرار الحروف حديث يتميز بالغرابة، لكنه يريد أن يظل قريبا من التداول الإسلامي بالتأويل والتقريب، والحذر من البوح، والإحجام عن التفصيل والتصريح[20]. ويؤطىء ابن مسرة للحديث عن الحروف بالحديث في “الأسماء والصفات”، من خلال الانطلاق من النص الذي هو أصل المعرفة؛ إذ الكتاب العزيز عنده يجمع علم الأولين والآخرين، ومن هنا فعلم القرآن هو فهم الأسماء، وأول مراتب العلم ما أسماه “الاسم المضمر” وهو {بسم الله الرحمن الرحيم}، أما “الاسم الأعظم” فهو نهاية المعرفة.

إن الأسماء هي منطلق المعرفة والاستدلال، فالعلم بالأسماء الحسنى هي درجات الارتقاء إلى الجنة، وعدد درجات الجنة على عدد الأسماء، ومن هنا يصبح الارتقاء من الأسماء شرطا لبلوغ الكمال المعرفي والميتافيزيقي، فيختلف مسلك “رسالة الخواص”، بهذه الجهة، عن مسلك “رسالة الاعتبار” التي كان درج الارتقاء فيها طبيعي، وهي الموجودات، مما يبرز الروح الميتافيزيقية لرسالة الخواص.

وما يؤكد هذه الروح تأكيد ابن مسرة أن حروف السور، التي تتنوع بين البعدين؛ الباطني والظاهري، هي أصل الأشياء ومنبع العلم الإلهي، وأن من أراد أن يطلع على معنى من النبوة فعليه بالإحاطة بمعرفة الحروف[21]. ويتأكد هذا البعد الميتافيزيقي في المعاني التي خلعها ابن مسرة على الحروف، فالألف أول الأسماء وآخرها والمحيط بها، وهو من الحروف كالواحد من العدد، فهو مبدأ الحروف وأصلها. والألف ناطق بدلائل الوحدانية، ولما كان الواحد لا يدل على نفسه كان ذلك سببا في بعثة الرسل[22].

أما الهاء والهمزة والألف والواو والياء، فلها من جهة باطنها سر يطلعه عليه، أما من جهة ظاهرها فيظهر أثر الصانع[23]. أما اللام فهو لوح الله وعلمه، والميم هي مشيئة الله أو ملكه وملكوته، والصاد هي الصور، أو مكان جميع الأشياء كلها. والراء هي القوة الحسية التي أظهرت الحركة، والكاف والنون هما الأمر الذي أظهر جميع الأشياء، والهاء هي الهباء، والباء هي الروح التي تألفت الحروف به، والعين هي العلم، والطاء هو الطين أو الفطرة أو طور سيناء وطوى، والسين كناية عن إسرافيل، والحاء هو الحق، والقاف هو قدر الله. وأصل هذا البعد الميتافيزيقي هو ما يكتنف هذه الحروف من غموض وأسرار مع عدم خلوها من حكمة.

يتأكد هذا الأمر عندما يقف ابن مسرة عند فواتح السور، فتصبح {ألمص} تعني “أنا الله الملك الصانع”[24]، و{كهيعص} تعني “كلام هاد يوجبه عالم صادق”[25]، و{طسم وطس} معناهما: “وحق طور سيناء”[26]، و{حم} تعني “حق ما أقول}، و{عسق} تعني “يا عبد اسمع قولي”[27]، والنون، التي أخر اسم أقسم الله به، تعني الدواة أو النور الأعظم أو الحوت[28].

لا يتردد ابن مسرة في الإشارة إلى الفضاء العلمي الذي يتحرك فيه، إنه فضاء “العلم الباطني” الذي يعتبر التستري، الذي ما يفتأ ابن مسرة يحيل إليه[29]، أحد رموزه؛ فأهل العلم بالكلام الباطني، عنده، حجة، يحيل على أقاويلهم ويعرضها ثم يعقب “والله أعلم وأحكم”[30]، مع حضور لروح اعتزالية شفيفة كما نجده في الفقرتين الأولتين من رسالته حيث يجمع أربعة من أصول المعتزلة؛ التوحيد والعدل والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.[31] ثم نجده يفسر اللوح بأنه “ليس شيئا غير عدله وحكمه الذي حكم ووعده الذي وعد ووعيده الذي حذر”[32].

ولا تخلو الرسالة من نفس فلسفي، سواء من حيث الزعم بالتصحيح الفلسفي، أو حرص على التقريب بين الشريعة والفلسفة، فيعتبر بنفس أفلاطوني أن اللوح المحفوظ هو “المثال الذي خلق عليه الخلق”[33].ثم إنه عندما ينظر مثلا في الأسماء يتأمل في “الألوهية” التي منها “يعرف عموم أسمائه”، وفي “الرحمن” الذي منه “يظهر انقسام صفاته”، وفي “الرحيم” الذي منه “يستدل على أن الله مصور شاهد محي مميت ظاهر قريب” نجده ينصرف إلى حديث فلسفي يخلص منه إلى التقريب والتوفيق بين تجربته الفلسفة ومستنده الشرعي، فيعتبر “أن العقل الكلي مستغرق في النفس الكلية، وأن النفس الكلية مستغرقة في جثة العالم على مذهب الفلاسفة وقدماء الأمم الضالة، أهل الفترات الذين لحقوا علم التوحيد من غير نبوة، إلا أن علمهم في ذلك موافق للأسماء، غير أن النبوة شرحت ذلك بأقرب بيان وأوضح برهان”[34]. فيتبرأ من الفلاسفة ويقول بقولهم، مما يبرز مفارقة عميقة لديه.

لقد انطلق ابن مسرة في الرسالتين معا من النص، وانزاح عنه لينفتح على آراء الفلاسفة استلهاما وتصحيحا، بروح صوفية واعتزالية جلية، يروم التقريب من خلال تجربة ذاتية قوامها الاعتبار والرياضة، وبذلك امتاز عن أهل زمانه من المتشرعين الذين لم يُلقحُوا نظرهم الشرعي بتجربة ذاتية تمتح من الثقافة المتاحة في العصر، ومن هنا أتت محنته التي أعنتته بالهجرة والاختفاء، رغم حرصه على بيان أن ما يقول به لا يخرج عما قاله العلماء القريبي العهد من “النبوة وأهل القدوة”، وأنه يتقصى طريقهم في البيان “ولا يخرج عن مرادهم ولا يشذ عن مذهبهم”[35]، دون أن يجد له مصدقا. ومما يدل على أن آراء ابن مسرة لم تكن بعيدة عن التداول الإسلامي، كما زعم خصومها، أن قاضي قرطبة منذر بن سعيد البلوطي، كان يقول بقوله. ولعل هذه المعاناة هي التي هدت ابن مسرة إلى أن يجعل “علم المحن” ثالث علوم يدور عليها العلم، مع “علم الربوبية” و”علم النبوة”[36].

الفلسفة في الأندلس: أراء أتباع ابن مسرة

تابعت آراء ابن مسيرتها على أيدي أتباعه، ومن استلهمه من النخبة الأندلسية، من أمثال ابن السيد في كتاب “الحدائق”. ووجدنا من أتباعه عبد الرحمن المهندس، وسعيد بن فتحون السرقسطي، صاحب “شجرة الحكمة”، وابن الأفليلي الأديب ـ الفقيه ـ الفيلسوف، وعبد الله الرعيني. وإن مدرسة المرية، التي سيكون لها تأثير كبير في ابن عربي، خرجت، بقول مجمل، من جلباب ابن مسرة، فكان ابن العريف، والميورقي، وابن برجان. الذين جمعوا إلى جانب المعرفة بالشرع تجربة ذاتية مُضمخة بروح فلسفية تروم النفاذ إلى أعماق الشريعة، بأدوات العقل والقلب معا.

ونقدم مواقف بعض هذه النخبة الأندلسية التي عبدت طريق ابن مسرة في الأندلس، وأتاحت لآرائه الاستمرار.

ابن العريف:

ذهب ابن العريف في التصوف مذهب أهل السنة والجماعة كما كان يصرح بذلك، إذ “لا ينبغي أن يعول من الأمور كلها إلا ما نطق به الكتاب والسنة الماضية والإجماع المعصوم والعمل الواضح والعلماء المقبولون”. وقد أنشأ كتابه “محاسن المجالس” لـ”يسهل على المريد صعوبة طريقه، وتُشَيدُ للمراد دعائم صدقه وتحقيقه، وتحمل سامعها على ارتكاب الأشد في تحري الأسد”. ثم يقول مبرزا هذا التأرجح بين النص والتجربة الذاتية “فمنها ما نقلته من معانيه، ومنها ما فتح الله به خزائنه”[37]. ثم يبين منازل الصوفية ومقاماتهم عند كل من العامة والخاصة في كتابيه “المحاسن” و”مفتاح السعادة”.

كان طريق ابن العريف يقوم على الزهد في كل شيء ما عدا الله، بما في ذلك مقامات المعرفة” و”الإرادة” و”الزهد”، و”التوكل”، و”الصبر”، و”الحزن”، و”الخوف”، و”الرجاء”، و”الشكر” و”المحبة”، و”الشوق”، فهي مقامات قد تفيد السالك في بدايته لكن الوقوف عندها يحول دون الوصول إلى شهود عين الحقيقة، وهذا هو الجديد عند ابن العريف.

ابن برجان:

اعتنى ابن برجان بعلم الكلام على غرار المدرسة المسرية، وعرف عنه أنه مفسر وصوفي متكلم. تشبع بكتابات الغزالي حتى سمي “غزالي الأندلس”. وقد وصل إلينا اثنين من أهم كتب ابن برجان: “الإرشاد في التفسير” وأكثر كلامه فيه على طريق أرباب التصوف، وكذا كتاب “شرح أسماء الله  الحسنى”. قصد ابن برجان في تفسيره للقرآن الكريم نوعا معينا من علوم القرآن وهو بيان معاضدة القرآن للحديث، لكن لم يخل هذا التفسير من الأسرار، كما هي مشهورة في المدرسة المسرية، مما يجعلنا ندرج تفسيره ضمن ما يسمي ب “بالتفسير الإشاري” الذي هو “تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك”.

وفي شرحه على سورة الإسراء عند وقوفه على مفهوم “النبوة” يميز بين “النبوة المبثوثة في العالم الموجود عن إثارة الحق المخلوق به” والنبوة المحجورة الخاصة”[38]، وعند وقوفه على قوله تعالى {الله نور السماوات والأرض} يذهب إلى أن الله “هو منور القلوب بالأنوار الباطنة […] ومنور الصدور بالعلوم والفهم والتدبر والتفكر والعقول، ومنور الأخلاق بالمعالي منها والمحاسن”، عند “اتصال نور الحق الموجود به الموجودات بأنوار بواطنهم”[39]. لقد انتصر ابن برجان، مع وقوفه عند الظاهر، إلى العلم الباطني الذي وجد القرآن ينتصر له مع الخضر والذي سماه بالعلم اللدني، وهو يفسر سورة طه، حيث جعله “خاص الخاص من العلم”[40]، وسمى الأسماء والصفات، من قبيل ما عالجه ابن مسرة في خواصه، بـ “الذكراللدني[41]. وهذا الذهاب من الظاهر إلى الباطن من مميزات المدرسة الغزالية الأندلسية المضمخة بعطر التفلسف.

ويدعو ابن برجان لمن وجد عواصة في عباراته إلى التأمل والتدبر حتى يفهم، ويعلل ذلك بأنه يتوسل إلى فهم القرآن، كما يقول، بالمثالات والأمثال والأسماء والحروف التي يستدل بها على كلامه تعالى وأمره ونهيه، موصيا المفسر بلزوم التقوى وتقديم صحيح الايمان. ويدلنا هذا التفسير على خاصية ابن برجان في الجمع بين اشتغاله بالباطن ووقوفه عند ظاهر الشرع، كما هو شأن مريده ابن العريف. وقد اتفق ابن برجان وابن العريف على استبدال التوجه الأشعري بالتوجه الاعتزالي، متأثرين في ذلك بالغزالي، على خلاف ابن مسرة الذي تأثر به ابن برجان في نظريته “مخرج العدل”[42] وفي منزعه في علم أسرار الحروف[43].

وهذا المنزع يظهر أكثر في مؤلف ابن برجان عن الأسماء الحسنى، الذي هو تطوير بجهة ما لبعض مسائل كتاب الحروف لابن مسرة، والذي كان الهدف منه تربويا بالأساس، حيث أراد من ورائه ابن برجان التعريف بالتخلق بالأسماء الحسنى وما ينتجه التخلق من المعارف الإلهية. إذ الكتاب كله عرض لدلالات الأسماء الحسنى وإبراز كيف يتخلق العبد بها، مع توظيف كثير من المفاهيم الفلسفية أمثال: “الجواهر” و”الأعراض” و”الأجناس” و”الأنواع” و”الواجب” و”الممكن” و”العدم” وغيرها.

لم يؤسس ابن مسرة “تجربته الفلسفية” على أساس من علم، وبالتالي لم يكون له احتفال بالعلوم النظرية إلا من أجل التوظيف العملي، وقد امتدت مدرسة ابن مسرة عند ابن عربي حيث نجد كتبه “تزخر بالاقتباسات من أقوال وكتب ابن مسرة وابن العريف وابن برجان وابن قسي وأبي مدين، كما أنه يذكرهم بالإجلال والإكبار”[44]، وإذا كان ابن عربي قد فتح للتصوف آفاقا إنسانية رحبة فإن ابن قسي من قبله جعله في خدمة العمل السياسي، فكانت “ثورة المريدين” التي كان فيها هلاكه على سعة. أما قيام التجربة الفلسفية، بالمعنى الصناعي، فلا يتم دون تأدب بصناعة المنطق وارتياض، على جهة الاعتبار، في العلم الطبيعي، وهو المسار الآخر للرحلة الفلسفية في الأندلس.

شعاع العلم النظري: قصة الفلسفة على المجرى الصناعي

انقدح شعاع علم نظري في الأندلس كان أشبه بجذوة علمية اقتبست منها العقول النظرية ما أنارت به السبيل للعلوم الفلسفية في هذا الصقع من العالم الإسلامي، لتبدأ رحلة جديدة للفلسفة منذ القرن الرابع الهجري. يمت هذا الشعاع بنسب كبير إلى الفلسفة اليونانية والفلسفة المشرقية، فكان أن ارتاضت النخبة الأندلسية الشغوفة بالفلسفة في كتب أرسطو وأفلاطون على الخصوص، وكتب فلاسفة المشرق الذين سبقوا وأرسوا للفلسفة صرحها النظري الكبير، وأحيت العلم بعد أن كاد يرتفع[45]. وستبلغ الفلسفة النظرية قمتها في الأندلس مع ابن باجة وابن رشد. فكيف انطلقت الرحلة النظرية في الأندلس؟

كانت الثقافة الفلسفية في القرن الرابع في الأندلس مفعمة بالمشائية، فقد كانت النخبة الأندلسية العلمية على معرفة بنصوص الفلسفة الأساسية ومعرفة برواد الفلسفة في الإسلام، فقد وصلت إلى الأندلس كتب أفلاطون وقُرئت، حتى إن ابن جلجل، في كتابه “طبقات الأطباء والحكماء” الذي ألفه لـ”إحياء ذكر قوم قد درس ذكرهم وامحى أثرهم”[46]، مع أنه كما قال القفطي “لم يشف فيه غليلا، كيف وقد أورد من الكثير قليلا”[47]،كان مدركا لجدة الفلسفة الأفلاطونية واعتبر كلام أفلاطون كلاما عجيبا[48]، وهو يدل على الدهشة التي أصابت العقل الأندلسي عندما التقى بالفلسفة التي يُنْفصل “بها عن ذوي الهمم الناقصة المظلمة”[49]، وهو ما يبدو كذلك في تعليقه على أرسطو الذي يذكر اشتهار ذكره وبراعته ويشير إلى غلبة علوم الفلسفة التي كانت الأندلس خلوا منه قبل ابن باجة وابن رشد.

وستتأجج هذه الدهشة مع صاعد الأندلسي وهو يرفع من شأن الفلسفة ويصم بالبهيمية من لم يعتن بعلومها، ومن لم يستعمل أفكاره في الحكمة، ولا راض نفسه بتعلم الفلسفة[50]، ويجعل طلب العلم النظري صرفا للعناية “إلى نيل فضائل النفوس الناطقة الصانعة لنوع الإنسان والمقومة لطبعه”[51]، ويجعل طبقة فلاسفة اليونان فوق طبقة علماء الوقت[52].

لم يكن الحضور الفلسفي خاصا بالشيخين الحكيمين، اللذين اعتبرها ابن رشد منتهى ما وصلت إليه العقول الإنسانية، فقد كان أهل الأندلس يعرفون سقراط، وديموقرطس “القائل بالجزء الذي لا يتجزأ”، وبطليموس صاحب الكتاب الشهير في الفلك “المجسطي”، والذي اشتمل على علم الهيئة وحركات النجوم، وهو كتاب لم يؤلف أحد مثله، بل اقتُصر على شرحه وتبيينه واختصاره وتقريبه[53]، وقد أنجز ابن رشد له مختصرا ما يزال مفقودا في أصله العربي.

وأقليدس “صاحب المدخل المشهور إلى علم الهندسة المعروف بكتاب الأركان[54]، وهو الذي “استبد من علم الفلسفة بالأشكال الهندسية”[55]. والطبيبان الشهيران أبقراط، الذي يعتبره صاعد “سيد الطبيعين في عصره”[56]، وجالينوس الطبيب ــ الفيلسوف[57]،ويجعل صاعد الأندلسي أنبادوقليس وفيثاغوراس ثم سقراط ثم أفلاطون ثم أرسطو “الخمسة … المجمع على استحقاقهم اسم الحكمة عند اليونانيين”، فـ”هم سادة الحكماء عند اليونانيين المعتنون بعلم الفلسفة”[58].

 لكن الفيلسوف الذي سيتربع على عرش الفلسفة في الأندلس، لن يكون غير أرسطو، وقد فطن صاعد إلى ذلك قبل ظهور ابن باجة وابن رشد، فاعتبر أرسطو “خاتمة حكماء اليونان وسيد علمائهم”، وإليه “انتهت فلسفة اليونانيين”[59].فهو الذي “محض آراء الفلاسفة وفحص مذاهب الحكماء، فنفى خبثها وأسقط غثها وانتقى لها واصطفى خيارها، فاعتقد منها ما توجبه العقول السليمة وتراه البصائر النافذة وتدين به النفوس الطيبة، فأصبح إمام الحكماء وجامع فضائل العلماء”[60].

وقد كان صاعد على اطلاع على المتن الأرسطي، كما يبدو من وصفه له، سواء تعلق الأمر بالطبيعيات أو الإلهيات أو المنطقيات أو الأخلاق والسياسية، حسب الترتيب التي ذكره به[61]، مع إشادة خاصة بسبقه في التأليف المنطقي، مع عدم وجود أصل متقدم يبني عليه هذه التآليف، كما ذكر أرسطو نفسه الذي ابتدع هذه الصناعة واخترعها بعد “الجهد الشديد والنصب الطويل”[62]، وهي الصناعة التي ستحتفي بها كثيرا النخبة العلمية العقلية من أهل الأندلس. كما كان صاعد يعرف الثلاثة الذين كانوا “أعلم الناس بكتب أرسطو، وهم ثامسيطيوس والإسكندر وفورفوريوس[63]، وسيحاور ابن رشد الأولَين منهما محاورة عميقة.

إن الكتب الأساس في الفلسفة التي كانت متداولة أسماؤها عند النخبة العلمية في الأندلس كتب أفلاطون؛ النواميس والجمهورية[64]، وكتب أرسطو المنطقية والطبيعية[65]، وكتب جالينوس وأبقراط الطبية، وكتب أقليدس الهندسية، ومجسطي بطليموس.

الفلسفة في الأندلس: الكندي

دخلت أيضا كتب الكندي، هذا الفيلسوف المغبون في الأندلس، الذي غمطه حقه صاعد الأندلسي، رغم أنه اعتبره “فيلسوف العرب”، وأنه “لم يكن في الإسلام من اشتهر عند الناس بمعاناة علوم الفلسفة، حتى سموه فيلسوفا غيره”، لكنه قدح في حججه على القول بحدوث العالم في غير زمان، وزعم أنه نصر هذا المذهب بحجج غير صحيحة، بعضها حجج سوفسطائية، كما زعم أن كتاباته المنطقية لا ينتفع بها، وعلل ذلك بأنه لم يكتب في القياس والبرهان، كما زعم أن في رسائله الفلسفية “آراء فاسدة ومذاهب بعيدة عن الحقيقة”[66]، ولعله كان في ذلك متأثرا بشيخه ابن حزم.

رد ابن حزم على الكندي بقوة في رسالته “في الرد على الكندي”، فعاب عليه تسمية الباري “علة”، بل قدح في توحيده، ونبزه بـ”المنكشف المبهوت” و”المتشاغل عن نور النبوة” ودمغه بـ”الشقاء” و”الزندقة” لأن الله عند الفقيه الظاهري هو “الأحد الأول الصمد مبدع العلل” وليس هو علة المعلولات، كما ذهب الكندي، “لأن اسم العلة فيه معنى الضرورة إلى معلولها، وفي المعلول معنى الضرورة إلى علته، لأن العلة موضوعة للمعلول، والمعلول محمول على العلة، فهما مضافان مضطران متصلان […] لحاجة كل واحد منهما إلى صاحبه، وليس هذه صفة الخالق الأول الذي كان قبل أن يبدع شيئا غنيا عن كل شيء”.

فابن حزم يرفع أمام الكندي “كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم” ولا يقبل حجة عقل تخرج عن ذلك، وتشتد حدته فيقول: “وليس لأحد من الملحدين عن هذا بحجة العقل مخرجا أبدا ولا محيص”. ويرجع ابن حزم سبب هلاك الكندي لجهله بخطر الإضافة وعدم معرفته بــ “الأمر”، “فلم يجد علة للخلق إلا الخالق، فسماه غير اسمه”.

 وهكذا أضحى الكندي عند ابن حزم رجلا “غير صحيح الإيمان، غير عالم بربه، غير ذي بصيرة في شيء، لأنه تناقض في كلامه واضطرب اضطرابا يخبر أنه لم يحصل ما يقول”. وباتهام ابن حزم الكندي بالكفر وتناقض قوله في النبوة، ورميه بالاختلاط والضلال وسوء الطوية، والتحذير من النظر في كتبه لمظنة التهلكة والكفر والخسران، محا الفقيه الظاهري الإرث الفلسفي الغني لفيلسوف العرب الأول بجرة ممحاة. الفيلسوف الذي كانت النخبة العلمية الأندلسية، في شخص ابن جلجل، تعرف كلفه بأرسطو، وتعرف مجمل اهتماماته الفلسفية والكلامية[67].

والغريب أيضا أننا وجدنا فلاسفة الأندلس الكبار؛ ابن باجة وابن طفيل وابن رشد، يسكتون عن الكندي، إلا إشارة عارضة. ويظل غياب الحضور الفلسفي للكندي في الأندلس في نظري لغزا، إلا أن يقال إن كل ما كتب فيه “فيلسوف العرب” على سبيل البداية الفلسفية قد هيمن عليه المتن الفلسفي “للمعلم الثاني” و”الشيخ الرئيس”في ظروف النضج الفلسفي، فاستُغْني بكتب الفارابي ثم ابن سينا عن كتب الكندي التي كان لها شرف تدشين القول الفلسفي في بلاد الإسلام، والاستجابة العلمية لإشكالات القرن الثالث الهجري الكلامية والفلسفية.

أبو نصر الفارابي

لكن الفيلسوف المسلم الذي سيكون له أكبر الأثر في الفكر الفلسفي الأندلسي لم يكن غير الفارابي، “فيلسوف المسلمين بالحقيقة”[68]، والذي عرفت كتبه في القرن الخامس، وكان معلم النظر لأهل الأندلس، بشهادة صاعد[69] من خلال كتبه؛ مثل كتابه “إحصاء العلوم” وكتابه”في أغراض فلسفة أفلاطون وأرسطوطاليس”، فبهما أوضح الطريق لطالب الفلسفة[70]، ومُهِد لهذين الفيلسوفين الذين جعلهما ابن رشد أقصى ما وصلت إليه العقول الإنسانية، واللذين ستورق بهما شجرة الفلسفة في الأندلس، وتؤتي ثمارها في الغرب المسيحي على الخصوص.

وقد كان ابن السيد على معرفة بأقاويل الفارابي المنطقية على الخصوص، وهي الأقاويل التي سيعلق عليها ابن باجة، ويلخصها ابن رشد، بإبداعه واختراعه، في “جوامع المنطق”.

وبالجملة فقد كانت فلسفة الفارابي دعامة أساسية في بناء الفلسفة الإسلامية في الأندلس، بل و”المقاصد” فيها مع الشاطبي الذي تكونت عقليته الفلسفية بمباشرة كتب الفارابي بخاصة، كما يفهم من “الإفادات والإنشادات”، وإن كان هذا الفيلسوف المشرقي قد تعرض لنقد لاذع من لدن أبي بكر بن الطفيل في مقدمة قصته “حي بن يقظان وآسال وسالامان”، حيث اعتبر أن ما ورد من كتبه في الفلسفة كثيرة الشكوك، واتهمه بالزلل الكبير حين “أيأس الخلق جميعا من رحمة الله تعالى وصير الفاضل والشرير في رتبه العدم” عندما “جعل مصير الكل إلى العدم”، كما نبز معتقده في النبوة، الذي لن ير فيه ابن رشد حرجا، وقدح في تفضيله الفلسفة على النبوة[71]. وكل هذا يدل على الحضور الكبير الذي كان عند الفارابي في الأندلس، حتى هز أركان فلسفة قوية مثل فلسفة ابن طفيل، في الظاهر على الأقل.

ابن سينا

يتحدث ابن رشد عن أصحاب لابن سينا في الأندلس، لهم كتب يدافعون فيها عن السينوية[72]، ولهم اطلاع على فلسفته المشرقية، التي يذهبون فيها أن ابن سينا سماها كذلك “لأنها مذهب أهل المشرق، فإنهم يرون أن الآلهة عندهم هي الأجرام السماوية، على ما كان يذهب إليه” ابن سينا. وقدكان أصحاب ابن سينا هؤلاء “يضعفون طريق أرسطو في إثبات المبدأ الأول من طريق الحركة”[73]. وبهذه الإشارات سجل ابن رشد حضورا سينويا قويا في الأندلس ستتم ترجمته بشكل كبير في شخص ابن طفيل، ولعل هذا الحضور القوي، فضلا عن التأثير غير المشائي الذي مارسه ابن سينا في الأندلس، ومناسبة كتاب التهافت للغزالي، كانت مناسبة لتصفية الحساب مع فلسفة أهل المشرق عموما؛ الفارابي وابن سينا والغزالي، والفلسفة المشرقية على الخصوص؛ فلسفة ابن سينا.  

وقد عرض ابن رشد آراء ابن سينا، في التهافت، عرضا يشي أن الرجل غاص في “الشفا” و”النجاة” وأدرك مناهج ابن سينا في النظر ومقاصده التي قد يخطئها أحيانا، مثل طريقته في التمييز بين واجب الوجود وممكن الوجود لنفي مركب قديم لكنه أخطأ القصد، محاكما ابن سينا على ضوء مذهب أرسطو[74]. معتبرا كل ما انفرد به ابن سينا هو غير صادق، بل يسمه ابن رشد بالأقاويل الضعيفة ويقذفه بالخرافات، من مثل ما انفرد به من جواز نفوس لا نهاية لها[75]و، وأن النفوس متعددة بتعدد الأبدان[76] وقوله إن الجرم السماوي جرم متنفس[77]، وأن السماء تطلب بحركتها الأوضاع الجزئية التي لا تتناهى[78]، وقوله بوجود ما لا نهاية له بالفعل، وهو ما لا يلائم أصول الفلاسفة ويعتبرها خرافة[79].

وانفراده بالقول إن “الجسم السماوي مركب من صورة وهيولى كسائر الأجسام”، وانفراده بمسلك في التوحيد، “وليس هو مسلك لأحد من قدماء الفلاسفة”[80]،  وانفراده بالقول إن النفس حادثة حدوثا حقيقيا ثم هي باقية[81]، وسلوكه طريقة واجب الوجود في إثبات موجود ليس بجسم، وهي هي طريقة انفرد بها ابن سينا ولم يسلكها أحد من القدماء، وإن كان ابن سينا اعتبرها “أشرف من طريقة القدماء”، وهو ما يحاجه عليها ابن رشد[82]. كما انفرد ابن سينا بالقول إن الأجرام السماوية تتخيل، وتتخيل خيالات لا نهاية لها، مخالفا المشائين في ذلك[83]. كما انفرد بأقاويل في سبب الرؤيا والوحي[84].

إن انفرادات ابن سينا هذه هي دليل على الحضور المتميز لابن سينا في الأندلس، وأنه إلى جانب الخط المشائي الخالص كان هناك خط فلسفي آخر يستلهم ابن سينا و”يتعبد” بفلسفته المشرقية التي تفسر بنسقها الفلسفي كل القضايا الدينية والنظرية والعملية التي تعترض مريدا مثل الفيلسوف الكبير أبي بكر بن طفيل، أحد الممثلين الكبار للسينوية في الأندلس.

فإذا كان ابن باجة قد سكت، على ما يبدو، عن ابن سينا، وكان ابن رشد قد وجه النقد اللاذع له، فإن ابن طفيل أنقذ السينوية في الغرب الإسلامي وانتصر لها، فحضرت عنده أعمال ابن سينا وبخاصة “الشفاء” و”الإشارات والتنبيهات”، حضورا مفعما بكامل التقدير، وانتصر للحكمة المشرقية واعتبر أسرارها الحق الذي لا حق وراءه، أو بعبارته الشهيرة “وأن من أراد الحق الذي لا مجمجة فيه، فعليه بكتابه في الفلسفة المشرقية”.

ذكر ابن طفيل كتاب “الفلسفة المشرقية” لابن سينا، وهو هنا يؤكد لنا أن كتابا بهذا العنوان موجود، وهو ما تثبته وثائق قدر لنا الاطلاع عليها، على خلاف ما يذهب الدكتور الجابري[85]. وأكد استلهامه الفلسفة الحقيقية التي كان ابن سينا يؤمن بها، ويراها الحكمة الخاصة بالحكماء من غير “الشركاء المشائين” الذين كتب لهم ابن سينا الشفاء. وقد دخل ابن طفيل، بهذا الكتاب، أعماق الفلسفة السينيوية برؤية غزالية غلبت الجانب الصوفي على الجانب الفلسفي، وقدم، من خلال قراءة خاصة للثقافة الإسلامية في عصره، نصا فلسفيا فريدا من نصوص الفلسفة الإسلامية الخالدة؛ “قصة حي بن يقظان وآسال وسالامان”.

الفلسفة في الأندلس: من العلم إلى الفلسفة

لا يمكن فهم الفلسفة الإسلامية في الأندلس، دون الأخذ بالاعتبار أساسها النظري، وقد وجد هذا الأساس أولا في المنطق والرياضيات مع انصراف عن العلم الطبيعي والعلم الإلهي، وقصور في الطب[86]، قبل أن يظهر ابن باجة وابن رشد، اللذين سيكتمل معهما النظر الفلسفي.

لقد اهتمت ثلة من النخبة الأندلسية، في البداية، بعلم الطب وبعلوم التعاليم وعلوم البرهان وضرب من الطبيعيات، ويجلي كتابا “طبقات الأطباء والحكماء” لابن جلجل و”طبقات الأمم” لصاعد بعضا من ذلك من خلال بعض الرموز؛ فقد ذكر ابن جلجل جملة من الأطباء الذين عرفتهم الأندلس، والذين كان أكثرهم من النصارى، ويذكر أنه “لم تكن لهم بصارة بصناعة والفلسفة والهندسة”[87] ويذكر بعض من برع منهم الطب[88].

أما صاعد فذكر جملة ممن اعتنى بالهندسة والمنطق والعلم الطبيعي من أمثال صاحب القبلة الذي “عني بعلم الحساب والنجوم”[89]، وابن السمينة الذي “كان بصيرا بالحساب والنجوم”[90]، والحكيم الذي كان يجمع بين الحساب والمنطق[91]، والأقليديسي، إسماعيل ابن بدر الذي اهتم بالتعاليم والمنطق[92]،والطنيزي؛ معلم علم الهندسة والعدد، والحمار السرقسطي المتحقق “بعلم الهندسة والمنطق والموسيقى”، والمجريطي “إمام الرياضيين في الأندلس في وقته”[93]، وترك تلامذة نجباء اهتموا بالتعاليم[94] منهم الكرماني، الذي كان محتفلا برسائل إخوان الصفا التي سيكون لها أثر كبير على الثقافة الأندلسية، وكان رياضيا[95].وابن الجلاب الذي كان له مع التحقق بالتعاليم عناية بالمنطق والعلم الطبيعي[96]، وكذا سعيد بن فتحون السرقسطي الذي اهتم بالمنطق، وأبو الفضل حسداي الذي اهتم بالطبيعيات[97].

إن الإشكالات التي انبثقت عن هذه العلوم، وبخاصة عن الطب والعلم الطبيعي، هي التي قامت عليها الفلسفة بالمعنى المشهور. وقد رُبط بين الطب والفلسفة، منذ القديم، فقيل “الطبيب الفاضل فيلسوف ضرورة”، وقد أتى قصور أطباء الأندلس الأُول في الطب بسبب عنايتهم بالكنانيش وإغفالهم الكليات الطبية التي تنفتح على الفلسفة وقضاياها بالمصادرة على كثير مما تبين في العلم الطبيعي على الخصوص. وبالتالي لم يفيدوا من الطب في الفلسفة، حتى أتى ابن رشد فكانت الصلة عنده بين الطبيعة والطب واضحة في كتاب “الكليات”.

ومن يطلع على أرجوزة ابن طفيل الطبية يلمح بعضا من هذا الحضور الفلسفي فيها، وما قد يثيره من إشكالات[98].وتتأكد صلة العلم بالفلسفة في مشكل “الاتصال” الذي يعتبر من الإشكالات الكبرى التي عالجتها الفلسفة في الأندلس، حتى إن ابن باجة أفرد لها رسالة هامة، كانت سببا في تغليط ابن رشد قبل أن يؤوب، ففهم هذا الإشكال يمر من خلال “كتاب النفس”، الذي هو كتاب في العلم الطبيعي طرح، مع أرسطو، إشكال المفارقة ولم يحسم فيه.

ولا يمكن فهم كثير من القضايا الميتافيزيقية المتعلقة بالعلل القصوى دون فهم أساسها في طبيعيات أرسطو وبخاصة كتاب “السماع الطبيعي” الذي عالج من بين ما عالج مفاهيم “الهيولى” و”الصورة” و”المتحرك الذي لا يتحرك” والتي ستطرح إشكالات في ميتافيزيقا أرسطو وابن رشد، حتى إننا نجد فيلسوفنا الأندلسي يعلن عن إكمال النظر التام في مفهوم الهيولى في مقالة اللام من تفسير ما بعد الطبيعة، ويجعل العلل الأربعة اثنان؛ الهيولى والصورة والفاعل والغاية التي تجمعت عنده في العلة الأولى.

صرح ابن رشد، في كثير من مواضع متنه، أن الفلسفة تقوم على العلم وتُصَادِر على ما تبين فيه، على خلاف ما نزع إليه ابن سينا الذي أقام العلم الطبيعي على العلم الإلهي. والعلمان معا في نهاية المطاف يتبادلان الإشكالات، فالإشكالات التي يطرحها العلم تصبح مادة للفلسفة والإشكالات التي تطرحها الفلسفة قد تصبح مادة للعلم وأفقا من آفاقه.

ومن هنا فإن البطء الذي حصل في الأندلس لينضج الطب والعلوم الرياضية والطبيعية هو الذي أخر ظهور النظر الفلسفي الأصيل، حتى جاء ابن باجة، المدشن الحقيقي للفلسفة في الأندلس، كما صرح بذلك ابن طفيل نفسه في نص شهير ومهم له يقول فيه: إن

"من نشأ بالأندلس، من أهل الفطرة الفائقة، قبل شياع علم المنطق والفلسفة فيها، قطعوا أعمارهم بعلوم التعاليم، وبلغوا فيها مبلغا رفيعا، ولم يقدروا على أكثر من ذلك، ثم خلف من بعدهم خلف زادوا عليهم بشيء من علم المنطق، فنظروا فيه، ولم يفض بهم إلى حقيقة الكمال [...] ثم خلف من بعدهم خلف آخر، أحذق منهم نظرا، وأقرب إلى الحقيقة، ولم يكن فيهم أثقب ذهنا، ولا أصح نظرا، ولا أصدق روية من أبي بكر بن الصائغ[...] وأما من كان معاصرا له، ممن لم يوصف بأنه في مثل درجته، فلم نر له تأليفا، وأما من جاء بعدهم من المعاصرين لنا، فهم بعد في حد التزيد أو الوقوف على غير كمال، أو ممن لم تصل إلينا حقيقة أمره". 

إنها شهادة من خبير بالفلسفة في الأندلس، تؤكد على معطى فلسفي هام، وهو أن الفلسفة لا تظهر إلا عندما تحركها إشكالات العلم لتقدم الإجابة، وتفتح للعلم آفاقا.

لقاء الرحلتين

هناك ثلاثة نماذج يمكن أن نعتبرها أمثلة، قريبة أو بعيدة، على الجمع بين الطريق المسري والطريق النظري وهي تخص ابن السيد في “كتاب الحدائق في المطالب العالية”، وابن باجة في رسائل له، وابن طفيل في قصته الشهيرة.

ـــ ابن السيد: اعتبر آسين بلاثيوس أهمية كتاب “الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة” لابن السيد البطليوسي في كونه “يعرض علينا صورة صادقة […]للحالة التي كانت عليها المعارف الفلسفية في اسبانيا المسلمة في الفترة التي ألف فيها.”[99]. وقد حدد ابن السيد هذه المعارف من خلال عرض الأسئلة التي كانت تهُم إجاباتها بعض المهمومين بالفكر الفلسفي في الأندلس، تخص هذه الأسئلة مسألة ترتيب الموجودات عن السبب الأول، ومسألة الموت والكمال العلمي، ومسألة العقل الجزئي والعقل الكلي، ومسألة العدد، ومسألة صفات الباري، ومسألة العلم الإلهي، ومسألة خلود النفس[100].

وقد اعتبر ابن السيد هذه السؤالات “مطالب ضيقة المسالك، وكثيرا ما تفضي بسالكها إلى المهالك”[101]. وهو تعبير عن الإحساس بما قد تورده الإجابات عن هذه الأسئلة من محن. ولن تفارق ابن السيد الأسئلة، في كتابه، بحيث نجده وهو يتحدث عن النفس الناطقة الفلسفية واهتماماتها يطرح كثيرا من الأسئلة التي كانت هواجس النخبة التي تتعاطى الفلسفة في عصره[102]. وهي أسئلة تنبئ عن ضرب من الوعي الفلسفي النظري الذي بدأت تعرفه الأندلس في تلك الفترة.

ولما جاء كتاب ابن السيد في الفترة التي كان فيها ابن باجة منخرطا في مشروعه العلمي، فقد كانت المهمة الجليلة التي اضطلع بها هي تعبيد الطريق للفلسفة بحرصه على تقريب الشريعة بالفلسفة، وبخاصة بالفلسفة اليونانية، معتمدا البراهين الفلسفية، لأنه يعتبر البراهين الشرعية لا تليق بكتابه[103]، مع حرص على إبراز موافقة البراهين الفلسفية مع نصوص الشرع[104]. ومنهج ابن السيد في ذلك يتمثل في الاستمداد من مجمل الفلسفة الرائجة في عصره وقراءتها بطريقة التقريب بينها من جهة، وبينها وبين الشريعة من جهة أخرى، وهكذا جعل ابن السيد القول بالفيض مذهب أرسطو وأفلاطون وسقراط[105]، وجعل مشاهير الفلاسفة وزعمائهم قائلين بالتوحيد[106]، كما جعل الفيلسوف الحق عند أرسطو وأفلاطون هو صاحب النفس المفطورة على الفلسفة التي “اجتمع لها العلم والعمل”[107].

فكيف يكون لا يكون أرسطو مقبولا وهو يؤكد على أهمية الدين[108] والتسليم بما جاءت به الشرائع[109]، والقول بخلود النفس[110]، وبعلم الله للجزئيات، ويصرح أن غرض الفيلسوف ليس هو العلم فقط، بل “الغرض العلم والعمل” وأن يجتمع للإنسان الخير والفضيلة والارتباط بالنواميس[111]؟!! أما من كان في قوله من الفلاسفة خروج عن هذا المَهْيَع فيعده ابن السيد “في سخفاء الفلاسفة لا في عقلائهم”[112].

يبدو من خلال قراءة كتاب الحدائق أنه ضربٌ من الجمع بين المدرسة المسرية والمدرسة الفلسفية، فهناك احتفاء كبير بأرسطو وأفلاطون، ولكن دعوة قوية إلى الزهد، وهناك احتفاء بالمفاهيم الفلسفية المشائية ولكن عروجٌ إلى المفاهيم الإشراقية السينوية والفيثاغورية، وهناك حرص ضعيف على تأويل للنص لينسجم مع القول الفلسفي[113]، ولكن حرص قوي على تأويل القول الفلسفي لينسجم مع النص[114]. كما أن هناك اعترافا بالرموز والألغاز[115]، وأقاويل الصوفية[116] ومنهج المتكلمين في الحجاج[117]وحضور قوي لمفهوم “الاعتبار”. فل ـ”رسالة الاعتبار” حضور بارز عند ابن السيد، حيث وجدناه بعد أن تتبع العقل وهو يصعد من الأعداد إلى الباري تعالى فيما سماه ابن السيد بـ”الطريق إلى الله تعالى”[118]، ثم يرجع وينحدر، يقول:

"ولا يزال ينحدر حتى يرجع إلى الأشخاص المحسوسة التي منها بدأ بالنظر عند صعوده بالاعتبار"[119].

لكن تظل الروح الفلسفية عند ابن السيد أقوى، فهمومه النظرية غالبة واطلاعه على النصوص الفلسفية أكبر، وإن كان قد لحقه كثير من الضلال في فهم الفلاسفة وفلسفتهم، بسبب أن ابن السيد لم يدرس الفلسفة على المجرى الصناعي، وبسبب أنه اتخذ كتاب أثولوجيا، الذي كان يعرفه باعتباره “علم الأمور الإلهية”، هاديا فلسفيا[120]. وهو ما سيعمل ابن باجة على تصحيحه.

فلاسفة الأندلس: ابن باجة

 إذا كان ابن طفيل قد أعلن ابن باجة مدشنا للفكر الفلسفي في الأندلس، فإن ابن رشد أكد الشفوف الفلسفي لا بن باجة على من تقدمه، وصرح أنه هو نفسه مر بمرحلة في حياته الفلسفية كان لابن باجة تأثير عليه، يمكن أن نسميها بـ “المرحلة الباجية”.[121]. ولم يكف تفاعل ابن رشد مع ابن باجة، مشيدا بمشائيته ومفيدا منه[122]، ومشيدا بخاصة بكتابه “تدبير المتوحد” الذي وعد بشرحه. وهذا مؤشر قوي على الانفعال القوي لابن رشد بتجربة ابن باجة الفلسفية، وهذا الانفعال نفسه قرينة دالة على عبقرية الرجل. وعندما ينتقد ابن رشد ابن باجة فليس إلا لينبه “إلى ضعف بعض اجتهاداته وعدم توافقها مع […] أصول أرسطو”[123]. فكان نقده له خفيفا إذا قورن، مثلا، بالنقد القاسي اللاذع الذي وجهه لابن سينا في التهافت.

تجلت اهتمامات ابن باجة الفلسفية في شروحه لبعض مؤلفات أرسطو في العلم الطبيعي، وكذا شرحه بعض مؤلفات أبقراط وجالينوس في الطب، كما علق على بعض مؤلفات الفارابي في المنطق. لكن ابن باجة، في نص هام له، حكى سيرته العلمية بإيجاز شديد، وهي السيرة التي ترسم المسار العلمي لفيلسوفنا بشكل واضح. نتخذ النص هديا في حديثنا عن أبي بكر بن الصائغ. يقول ابن باجة في رسالة بعث با إلى صديقه يوسف بن حسداي:

"وهذه صناعة [يقصد صناعة الهيئة] شغلت بها نفسي منذ تركت صناعة الموسيقى، والآن أكملت النظر فيها، إذ كان تبقى علي فيها النظر في مجاري العرض، وهو من أصعب ما في هذه الصناعة، وقد أكملته[...] وأما صناعة الموسيقى، فإني زاولتها حتى بلغت فيها مبلغا رضيته لنفسي، ثم بعد ذلك صناعة الهيئة، فإني أكملت النظر فيها الكمال الذي يقتضيه ما وجدته من مبادئها، وفي أثناء ذلك تحققت أن كل من يذكر في هذه الصناعة بالكمال لم يحط فيها إلا بالتافه اليسير. واتفق ذلك سفر إلى أشبيلية، وذلك بعد إكمال نظري فيها، فإن كل من يدعي هذه الصناعة ففي أشبيلية مستقره وإليها مصدره. 

وفي أثناء ذلك توضحت منحى أبي نصر في ضروب البرهان التي عددها، فإن ذلك كان بقي علي فقط فاستوضحته منذ قريب. ثم تجردت للنظر الطبيعي وأنا فيه لا أقدم عليه عملا"[124]. 

تظهر قيمة هذا النص في أنه يقدم لنا المستويات العلمية في شخصية فيلسوفنا، وبعضا من مساره من خلال شهادة ثمينة خاصة. تؤكد السيرورة النظرية لابن باجة المشبعة بالأرسطية على الخصوص، وليس المجال هنا مجال تفصيل القول في هذا المسار العلمي، بل إشارات عجلى لهذا الجمع الباجوي بين الطريق النظري، وخاصة الطبيعي،

اهتم ابن باجة بكتب أرسطو في الفلسفة الطبيعية، التي مثلت ما كان يسميه بـ “العلوم التأملية”[125]، وقدم شروحا عليها، كما وضع رسائل تتناول موضوعات في الطبيعيات[126].وقد تميزت كل شروح ابن باجة ب”نزوعه القوي إلى النقد، [مما]  أعطى شروحاته قيمة وأهمية خاصتين”[127]، فشرح كتاب “السماع الطبيعي”، وترك قولا “على بعض كتاب الآثار العلوية، وكذلك على بعض كتاب الكون والفساد”، وترك قولا “على بعض المقالات الأخيرة من كتاب الحيوان”، وله “كتاب النفس” وهو على مذهب أرسطو، فضلا عن مقالات تعالج بعض القضايا التي تمت إلى الطبيعيات بنسب.

إن ولع ابن باجة بطبيعيات أرسطو، وبخاصة كتاب “السماع الطبيعي”، يبرز “شخصية ابن باجة ككاتب ومفكر”[128]؛ فقد مثله هذا الكتاب تمثيلا كبير، وفيه عبر عن اجتهاداته التي عبرت البحر الأبيض المتوسط، وكان لها تأثير كبير في الغرب[129]. وقد كان هذا الهم الفلسفي العلمي النظري درجه إلى الارتقاء إلى الهم الفلسفي الذاتي.

انصرف ابن باجة إلى هموم ذاتية عبرت عنها نصوصه التي كتبها ابتداء، أمثال “تدبير المتوحد”، و”رسالة الوداع”، و”رسالة الاتصال”، وغيرها. وقد عبر نفسه في مقالته الفلسفية “قول في الغاية الإنسانية” أنه “بصدد قول في الغاية الإنسانية لم يسبق إليه، ولا نظير له من قبل”[130]، ويعتبر كتابه “تدبير المتوحد” كتابا فلسفيا مخترعا ليس له مثال في الأدب الفلسفي العربي الإسلامي، وطرق فيه موضوعا طريفا تجاوز به سلفه الفارابي من جهة، ومعاصره ابن طفيل من جهة ثانية. لكن الذي يهنا هنا صورته الأخرى التي تعبر عن فيلسوف مغرق في الحياة العملية[131].

تقدم لنا الرسائل التي نشرها المرحوم جمال الدين العلوي، والتي سماها بالرسائل الغريبة، بعضا من معالم هذا الوجه الباجوي الذي يمكن النظر إليه من جهتين؛ جهة مشائية يحضر فيها الفارابي وأرسطو، ونصوصه التي كتبها على جهة العجيب والتي ينتصر فيها لـ”الصالحين من عباده الذين هداهم الله وأخلصوا به وبملائكته وكتبه ورسله، وعملوا بما يرضيه، فإنه يفيض عليهم، بتوسط ملائكته في الرؤيا، وغير ذلك، عجائب من الحوادث الحادثة في العالم”[رسالة بين العقل والقوة المتخيلة واتصال العقل الإنساني بالأول].

ويبرز فيها أن الكمال الإنسان نوعان؛ كمال على طريقة أرسطو وكمال على طريقة الأولياء، بحيث إن الكمال إما أن يكون للعقل بطريق التعلم البرهاني، وإما أن يكون بغير تعلم، على نحو ما يبلغه من سماهم ابن باجة بـ”أصحاب الفطر الفائقة” وهؤلاء الأخيرين درجات “أعلاها الأنبياء على درجاتهم، ثم الآخذون في أعمالهم وبما جاءت به الرسل حتى يفيض عليهم، ما يفيض على المتعلمين، من غير تعلم” ومن هنا لا يبعد عند ابن باجة  “أن يصل بما فطرته الأنبياء إلى درجات من الكمال أكمل مما يوصل بالعلم البرهاني إذا كان الانسان بالاستعداد قويا للقبول” وهنا يعلن ابن باجة عن حكم غريب حين يقول:

"وطريق الصوفية المستعدين للقبول، وطريق الغزالي من الطرق الموصلة، والطرق المأخوذة عن نبينا صلى الله عليه وسلم"[رسالة: في المعرفة النظرية والكمال الإنساني أو الاتصال بالعقل الفعال]، والغرابة في هذا الإعلان انتقاد ابن باجة للغزالي وللصوفية في كتابه "تدبير المتوحد"، ولكنه يبدو أنه عاد هنا فأقر بالكمال الصوفي إلى جانب الكمال المشائي، فجمع ين طريق أرسطو وطريق الفارابي في كتابه "عيون المسائل"، وطريق الرسل وطريق الأولياء وطريق أبي حامد في كتاب "مشكاة الأنوار". وقد أبرز ابن طفيل بين الطريقين، المشائي وطريق الولاية ضربا من الانسجام في قصته الفلسفية."

فلاسفة الأندلس: ابن طفيل

 وظف ابن طفيل العلم النظري من اجل الانفتاح على تجربة ذاتية شبيهة بتجربة ابن مسرة في رسالته “الاعتبار”، تجربة تنتصر للذوق والزهد والخلوة والفكرة، فكلاهما أم كهفه ليبلغ كماله بالرياضة، لكن رياضة ابن طفيل تشترط العلم النظري؛ الرياضي والطبيعي وضربا من الإلهي، في حين كانت تجربة ابن مسرة تستند على الكلام والتصوف، وكانت في الفلسفة أقرب إلى أنبادوقليس، وليس إلى الموسوعة الفلسفية الأرسطية التي على أساسها قام صرح الفلسفة في الأندلس.

كما ينفصلان في أن ابن مسرة أراد لتجربته الذيوع والانتشار، فكان “في جماعة يكثر تعدادهم”، كما يقول ابن حزم[132]، في حين اقتصر ابن طفيل على التعليم الفردي، لأنه كان رجل سياسة مُدركا خَطَر فلسفته على وحدة الناموس الجامع المُوَحد، كما أفصح عن ذلك سردا في أواخر رسالته الفلسفية.

وتظل رسالة ابن طفيل في عمقها رسالة في الاعتبار”[133]، رسالة أجابت على سؤالين، السؤال الأول يتعلق بمدى إمكانية النور الطبيعي أن يدرك الحقائق الإلهية دون وساطة شرع، فكانت الإجابة، بعد رسم المسار النظري لذلك، بالإيجاب. والسؤال الثاني يتعلق بمدى الاستغناء بالمعرفة الفلسفية عن المعرفة الشرعية، فكانت الإجابة بالنفي، لأهمية الأنبياء وضرورتهم في سعادة الناس. ولتحقيق هذه المعاني كتب ابن طفيل رسالته بطريقة جمعت بين طريق أهل النظر وطريق أهل الولاية، وقربت الحكمة من الشريعة من خلال آلية التأويل، وجعلت الشريعة المشتركة طريق سعادة الجمهور والخاصة، وخصت الخاصة بسعادة نظرية خاصة.

قصة الفلسفة في الأندلس: خاتمة مفتوحة

إن قصة الفلسفة في الأندلس قصة كفاح من أجل حُرية ذاتِ وَجْهين:

 الوجه الأول متصل بالانعتاق من سلطة النص الظاهر من أجل التعبير عن تجربة ذاتية عميقة انفعلت بالنص، لكنها وفت للواقع وأسئلته، وتأرجحت بين النص والإدمان على الإنصات إلى العصر وهمومه. وكان هذا الزواج المبدع إيذانا بتخلق فكر يروم الجدة والتعبير عن هموم إنسانية بلغة غير عادية قلما ينفعل بها من ولع بالتقليد أو كان وفيا للناموس الجامع، لأن الهموم الذاتية من شأنها النزوع إلى ضرب من الفردانية التي يضيق بها واضعوا النواميس، ولا يطمئنون إلى تأثيرها على الجماعة التي ما جاء الشرع إلا ليرفع الخلاف عنها.

من هنا كان الصراع يحتدم، في كثير من الأحيان، بين السلطة السياسة والفقهية، وبين فكر ينطلق من الذات كما هو حال التيار الذي انطلق مع ابن مسرة، أو فكر ينطلق من العلم النظري كما هو حال التيار الذي انطلق مع علوم التعليم والمنطق وبلغ أوجه مع طبيعيات ابن باجة وإلهيات ابن رشد، وتميزت نتائجه بجرأة غير معهودة. جعلت هذه الجرأة، ما يمكن التواضع عليه، “المفكر الحر” مُتوحدا يشكو غربة الزمان وقسوة المحيط، كما تنطق بذلك نصوص ابن باجة وابن طفيل وابن رشد.

وقد جهِد كل من ابن طفيل وابن رشد على رفع هذا الإشكال بجعل الفلسفة نُخْبوية تقود إلى السعادة الخاصة، وصَرْف الجمهور إلى الاهتبال بالشريعة لأنها تقود إلى السعادة المشتركة، حفاظا على الناموس الذي لا تقوم المدينة إلا به. لكن يظل الحدث الأبرز عند هذه النخبة العلمية من نخبنا الإسلامية هو هذا الحرص على الخروج، ما وسعها ذلك، عن وصاية واقعة أو مفترضة، من أجل بناء قول يروم الجدة والاختراع، ولا تتقدم الإنسانية إلا بمثل هذا الفعل المبدع.

الوجه الثاني، وهو وجه طريف يتعلق بحرص النخبة العلمية في الأندلس، بصفة عامة، على التحرر العلمي من سلطة أهل المشرق، وهو ملحظ عميق يجلي لنا بعض مظاهره العامة ابن حزم في رسالته “في فضل الأندلس وذكر رجالها” حيث وقف عند علماء أندلسيين شفوا على أهل المشرق وتحرروا من سلطتهم العلمية بمؤلفات أنشأوها وحققوا بها كفايتهم المعرفية واستقلالهم العلمي، من أمثال بقي بن مخلد في التفسير، ومصنفه المسند في الحديث[134]، وكتاب التمهيد لابن عبد البر في فقه الحديث[135]، وكتاب “في المختلف والمؤتلف في أسماء الرجال” لابن الفرضي[136]، و”كتاب المنتخب” لابن لبابة، وكتاب “في المقصور والممدود” في اللغة لإسماعيل بن القاسم[137]، و”كتاب النوادر” لأبي علي إسماعيل بن القاسم[138]، و”كتاب الحدائق” لأبي عمر أحمد بن فرج في الشعر[139]، و”كتاب التصريف” في الطب للزهراوي[140]. بل إن ابن السيد البطليوسي شرح “سقط الزند” للمعري، شرحا فاق به المعري نفسه.

ومما يدل على أن النخبة الأندلسية كانت واعية بهذا التحرر من المشرق قول ابن حزم “ولو لم يكن لنا من فحول الشعراء إلا أحمد بن دراج القسطلي لما تأخر عن شأو بشار بن برد وحبيب والمتنبي”، ثم يذكر شعراء وبلغاء بلغوا في ذلك الشأو البعيد. وقد كان فلاسفة الإسلام في الأندلس يشعرون بشيء من ذلك، فكانوا على وعي بتميزهم المشرقي، رغم عدم إنكارهم فضل المشرق الفلسفي عليهم، كما نجد في مقدمة ابن طفيل الفلسفية التي لم يترك فيها فيلسوفا مشرقيا إلا وانتقده، حاشا ابن سينا، لتأكيد استقلاله الفلسفي، ثم استلهمه لتأكيد الروح الكونية للحقيقة الفلسفية التي اطمأن عقله وقلبه لها.

ووجدنا، قبله، ابن باجه، في كتابه الفريد “تدبير المتوحد” يعلن أنه يفتح طريقا جديدا في القول السياسي في المدينة يختلف به عن قول الفارابي، رغم أن ابن باجة كان عالة على الفارابي في القول المنطقي، كما تشهد به شهادته.  

كما كان ابن رشد نفسه عالة على الفارابي في جوامعه المنطقية. لكن أبا الوليد ابن رشد ذهب بالفلسفة الأندلسية مذهبا قصيا، وأسس صرحا فلسفيا يتميز عن الفلسفة المشرقية بحرصه الكبير على العودة إلى الأرسطية الخالصة تصحيحا للقول الفلسفي الذي انحرف، بزعمه، حين خلط الفلسفة بالكلام ونحا بها إلى الأفلوطينية المحدثة، وعدل عن القول الصحيح، في نظره، الذي لم يكن غير قول أرسطو وحكمته. وقد عكف ابن رشد، عكوفا لانظير له، على المتن الأرسطي وأخرج منه ما به بذ كل فلاسفة الإسلام من لطيف المعاني وقوة الفِكَر، وأحيا الأرسطية التي كانت منطلق الحركة العلمية التي أفضت إلى العالم الحديث، لكن أرسطية ابن رشد لم تعصمه من الوقوع تحت التأثير الإسكندراني خاصة حين وصل الفلسفة بالعبادة، في نص شهير له في “تفسير ما بعد الطبيعة” يقول فيه

"فإن الشريعة الخاصة بالحكماء هي الفحص عن جميع الموجودات، إذ كان الخالق لا يعبد بعبادة أشرف من معرفة مصنوعاته التي تؤدي إلى معرفة ذاته سبحانه على الحقيقة الذي هو أشرف الأعمال عنده وأحظاها لديه"[141]؛ 

فلم يعد الإله يُعْقل عنده فقط، كما هو الحال عند الفلاسفة، بل أصبح إلها يُعْبد كذلك، كما هو الأمر في الأفلاطونية المحدثة، حيث نجد “أن الفلسفة والعبادة شيء واحد لاتحاد الغاية فيها، وهي الاتصال بالإله”[142]، وإن كان فعل العبادة عند ابن رشد أقرب إلى ممارسة المعرفة والنظر. وهكذا فإن الثالوث الفلسفي الأندلسي، الذين ضمهم عصر واحد، وإن لم يكتب لبعضهم لقاء، تلامذة نجباء تحرروا من سلطة أساتذتهم وطاولوهم فلسفة وكمالا، ليمتد تأثيرهم في الصقع الغربي بلغة أخرى، وأفق آخر، وحضور مختلف.

وأخيرا، لقد كانت قصة الفلسفة في الأندلس قصة رحلة فكر يُنصت إلى الذات من خلال محاورة النص من جهة، وينطلق من الذات من خلال محاورة العلم النظري من جهة أخرى، وفي كلتي الحالتين أثمرت هذه الرحلة تجربة علمية فريدة، امتدت في الجغرافيا والزمان، أغنت الفكر الفلسفي في الإسلام، خاصة عندما تلاقت الرحلتان في مفترق طريق الفكر والتجربة الذاتية حيث وجدت نفسها “في حضرة متسعة الأكناف، محيطة غير محاط بها”، بعبارة ابن طفيل.


المصادر والمراجع

[1]ابن جلجل،

ــ طبقات الأطباء والحكماء، أبن جلجل، تحقيق فؤاد سيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1985،

[1]ابن حيان،

ــ المُقْتَبَس، تحقيق شالميتا وآخرون، المعهد الإسباني العربي للثقافة، مدريد، كلية الآداب، الرباط، 1979، V/32.

[1]صاعد الأندلسي،

ــ طبقات الأمم، صاعد الأندلسي، تحقيق حياة بوعلوان، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الأولى 1985.

ابن مسرة،

Pilar GARRIDO CLEMENTE ـــ “كتاب خواص الحروف وحقائقها وأصولها” من كلام الشيخ العارف المحقق أبي عبد الله ابن مسرة الجبلي” EstudiosHumansticos 29. Universidad de Leon .Facultad de Filosofia y Letras. نشرة نقدية ..

ــ  رسالةالاعتبار، ضمن “من قضايا الفكر الإسلامي، قضايا ونصوص، مكتبة دار العلوم، 1978.

[1]ـابن العريف،

ــ محاسن المجالس، ابن العريف، تقديم ودراسة وتعليق الدكتور محمد العدلوني الإدريسي، دار الثقافة، البيضاء، الطبعة الأولى، 2015.

[1]ابن برجان،

ــ  تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب الحكيم وتعرف الآيات والنبأ العظيم” لأبي الحكم بن برجان، تقديم دراسة تحقيق وتعليق د. محمد العدلوني الإدريسي، دار الثقافة، الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 2011

[1]محمد الأمراني،

ــ مقدمة شرح كتاب خلع النعلين لابن عربي الحاتمي، مؤسسة أفاق، الطبعة الأولى، 2013،.

[1]جمال الدين القفطي،

ــ كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء، دار الآثار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

[1]ابن طفيل،

ــ حي بن يقظان، ابن طفيل، تحقيق ـأحمد أمين، أقلام عربية للنشر والتوزيع، 2019،

[1]آنخلجنثالث بالنثيا،

ــ تاريخ الفكر الأندلسي، نقله عن الاسبانية الدكتور حسين مؤنس، مكتبة الثقافة الدينية،الطبعة الثانية، 2008.

[1]ابن السيد البطليوسي،

ــ  كتاب الحدائق في المطالب العالية الفلسفية، قدم له الدكتور عبد الكريم اليافي، واعتنى به الدكتور محمد رضوان الداية، دار الفكر، سورية.

 ابن رشد، أبو الوليد،

ــ تفسير ما بعد الطبيعة، تحقيق موريس بويج، الطبعة الرابعة، دار المشرق بيروت 1991

                  ــ تهافت التهافت، تحقيق موريس بويج، دار المشرق، بيروت، الطبعة الثانية

ــ كتاب النفس، تحقيق أحمد فؤاد الأهواني مكتبة النهضة المصرية

ـ تلخيص كتاب النفس لابن رشد حققه وعلق عليه سالبادورغومثنوغاليس نشرة المعهد الإسباني العربي للثقافة مدريد 1985.                           .

[1]ــ ابن باجة، أبو بكر،

ــ رسائل فلسفية لأبي بكر بن باجة، نصوص فلسفية غير منشورة، تحقيق جمال الدين العلوي، دار الثقافة بيروت ــ دار النشر المغربية ــ البيضاء 1983

ألوزاد، محمد،

ــ القول الإنسي لابن باجة، ضمن سلسلة الفلسفة في المغرب.

ــ حضور ابن باجة في جوامع النفس لابن رشد” ضمن “الأفق الكوني لفكر ابن رشد” ديسمبر 1998 تنسيق محمد المصباحي،منشورات الجمعية الفلسفية المغربية الطبعة الأولى 2001.

[1] ــ معن زيادة،

ــ  الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، دار إقرأ، الطبعة الأولى 1985.

[1]ابن حزم،

ــ رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها، ابن حزم، ضمن رسائل ابن حزم الأندلسي، تحقيق د إحسان عباس، الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية 1987.

[1]دافيد سانتلانا،

ــ المذاهب اليونانية الفلسفية في العالم الإسلامي، ـ حققه وقدم له وعلق عليه الدكتور محمد جلال شرف، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت 1981.

إبراهيم بورشاشن،

ــ الفقه والفلسفة، دار سليكي أخوين، طنجة 2020.

ــ مع ابن طفيل في تجربته الفلسفية، دار الثقافة، البيضاء،2010

ـ هل نحن في حاجة إلى ابن طفيل، سليكي أخوين، 2016


[1]طبقات الأطباء والحكماء، أبن جلجل، تحقيق فؤاد سيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1985، ص 13.

[2]صاعد، طبقات الأمم، ص172 -173

[3]كان كثير العلم بالأخبار واسع الرواية للآثار، متفننا في المعرفة، فيلسوفا عليمًا وطبيبا ومنجّمًا فلكيا وأديبا بارعًا وشاعرا مفلقا وخطيبا مصقعا، منسوبا إلى المعرفة بحذقِ اللسان والحذق بالعربية والحفظ للغة» ابن حيان، المُقْتَبَس، تحقيق شالميتا وآخرون، المعهد الإسباني العربي للثقافة، مدريد، كلية الآداب، الرباط، 1979، V/32.+ص.31. عن د. العمراني : نشأة الفلسفة في الأندلس” ضمن الأندلس تاريخ وحضارة، المجلد الثاني، مجموعة من الأساتذة الباحثين. إشراف بهيجة سيمو وحسن حافظي، منشورات مديرية الوثائق الملكية  2018 ص247.

[4]طبقات الأمم، صاعد الأندلسي، تحقيق حياة بوعلوان، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الأولى 1985، ص 73.

[5] ــ تاريخ الفكر الأندلسي، انخل بلانثيا ص 329.

[6]رسالة الاعتبار، عن “من قضايا الفكر الإسلامي دراسة ونصوص”، محمد كمال إبراهيم. ص358.

[7]يذكر دكتور محمد كمال إبراهيم في كتابه “من قضايا الفكر الإسلامي دراسة ونصوص” أنه عندما عثر على الرسالتين في مكتبة شيستر بيتي chester Beattyبدبلن، كانت “رسالة الاعتبار” تنسب إلى الفقيه، في حين “خواص الحروف” نسبت إلى العارف المحقق، وهي قرينة هامة على مضمون رسالتي ابن مسرّة الجبلي، وعلى سياق تلقّيهما.

[8]رسالة الاعتبار، ضمن “من قضايا الفكر الإسلامي، قضايا ونصوص”. مكتبة دار العلوم 1978. ص 348.

[9]رسالة الاعتبار، ص 351.

[10]أو بعبارة ابن مسرة “لا يجد المستدل بالاعتبار من أسفل العالم إلى أعلى إلا مثل ما دلّت عليه الأنبياء من الأعلى إلى الأسفل”، رسالة الاعتبار، ص346. وتراجع ص 360 ففيها بعض تفصيل.

[11]أو بعبارة أخرى لابن مسرة “أطلعتهم الفكرة على البصيرة، فشهدت لهم السماوات والأرض بما نبّأت به النبوة”، رسالة الاعتبار، ص 348.

[12]رسالة الاعتبار ص 358.

[13]نعتمد هاهنا النشرة الإسبانية ” والتي نشرها  Pilar GARRIDO CLEMENTE   من  جامعة سالامانكا تحت عنوان  “كتاب خواص الحروف وحقائقها وأصولها” من كلام الشيخ العارف المحقق أبي عبد الله ابن مسرة الجبلي” في EstudiosHumansticos 29. Universidad de Leon .Facultad de Filosofia y Letras

[14]خواص الحروف ص 58.

[15]المصدر نفسه، ص 72.

[16]المصدر نفسه، ص 63.

[17]خواص الحروف، ص 63.

[18]المصدر نفسه، ص 67.

[19]المصدر نفسه، ص 58.

[20]كما نجد في مواقفه من الاستواء [ص78] ومن علم الأسماء والصفات.

[21]المصدر نفسه، ص 63.

[22]المصدر نفسه، ص 64 -66.

[23]المصدر نفسه، ص 67.

[24]المصدر نفسه، ص 72.

[25]المصدر نفسه ص 79.

[26]المصدر نفسه، ص 80.

[27]المصدر نفسه، ص 82.

[28][28]المصدر نفسه، ص 85.

[29]المصدر نفسه، ص62 وص 79 وص 83.

[30]المصدر نفسه، ص 69-72.

[31]المصدر نفسه، ص58-59

[32]المصدر نفسه، ص 83.

[33]المصدر نفسه، ص 76 وبجهة أخرى من القول تنفتح على أفق فلسفي آخر عندما يعتبر اللوح هو المثال المجرد، وهو الصورة التي خرجت إلى الفعل ص 89.

[34]المصدر نفسه، ص 61.

[35]المصدر نفسه، ص 62.

[36]المصدر نفسه، ص 59.

[37]محاسن المجالس، ابن العريف، تقديم ودراسة وتعليق الدكتور محمد العدلوني الإدريسي، دار الثقافة، البيضاء، الطبعة الأولى، 2015. ص 63.

[38]تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب الحكيم وتعرف الآيات والنبأ العظيم” لأبي الحكم بن برجان، تقديم دراسة تحقيق وتعليق د. محمد العدلوني الإدريسي، دار الثقافة، الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 2011 ص 69. 

[39]المصدر نفسه، ص 264.

[40]تنبيه الأفهام، الجزء الأول، المصدر نفسه، ص 123

[41]المصدر نفسه، ص 156. وص 158.

[42]مقدمة العدلوني  للتّفسير الصّوفي لابن برجان، المصدر نفسه، ص 23ـ

[43]المصدر نفسه، ص 25.

[44]مقدمة محمد الأمراني لشرح كتاب خلع النعلين لابن عربي الحاتمي، مؤسسة أفاق، الطبعة الأولى، 2013، ص 16.

[45]طبقات الأمم، صاعد الأندلسي، ص 129.

[46]طبقات الأطباء والحكماء، ابن جلجل، تحقيق فؤاد سيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1985، ص 1.

[47] كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء،  جمال الدين القفطي، دار الآثار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص 130.

[48]يقول ابن جلجل عن أفلاطون :”وله في التآليف كلام لم يسبقه أحد […]وله في الفلسفة كلام عجيب”. المصدر نفسه، ص 24.

[49]المصدر نفسه، ص 3.

[50]طبقات الأمم، صاعد الأندلسي، تحقيق حياة بوعلوان، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الأولى 1985، ص 41 وص 43 وص 49.

[51]المصدر نفسه، ص 44.

[52]المصدر نفسه، ص 72.

[53]طبقات الأطباء، ص 36، وطبقات الأمم، المصدر نفسه، 88 و90 و91…

[54] طبقات الأمم، المصدر نفسه، ص 86

[55]طبقات الأطباء والحكماء، ص 39.

[56]المصدر نفسه، ص84.

[57]طبقات الأطباء، المصدر نفسه، ص 33 وص 36، وص39، وص 42،

[58]المصدر نفسه، ص72. وص 82.

[59]المصدر نفسه، ص 77.

[60]طبقات الأمم، المصدر نفسه، ص 96.

[61]المصدر نفسه، ص79 ــ 80.

[62]المصدر نفسه، ص 80.

[63] المصدر نفسه، ص 82.

[64]والكتابان معا من أقدم النصوص الفلسفية التي عرفت في الأندلس مع نصوص أرسطو، ذكرهما ابن جلجل وهو يتحدث عن أفلاطون الذي “وضع لأهل زمانه سننا وحدودا” في الكتابين المذكورين، وقد أسهم هذان الكتابان في تشكيل الفكر السياسي الفلسفي في الإسلام عند الفارابي، وحظيا بمنزلة كبرى عند ابن رشد، وقد فصّلنا القول في ذلك في الجزء الثاني من كتابنا الفقه والفلاسفة، دار سليكي أخوين، طنجة 2020.

[65]يحضر أرسطو في كتاب ابن جلجل حضورا مُضمّخا بالأسطورة. لكن الذي يهمنا هنا حضوره طبيا، وأنه “غلب عليه علم الفلسفة”، ويؤكد كتاب ابن جلجل أن الأندلسيين كانوا على معرفة بأهم نصوص أرسطو الطبيعية والمنطقية في القرن الرابع الهجري على الأقل. وينسب ابن جلجل كتاب أثولوجيا إلى أرسطو الذي عرف عند المسلمين ب”كتاب الربوبية”، وهو كما يعلم الدارسون كتاب منحول عليه. المصدر نفسه، صص25 ـ 27.

[66]طبقات الأمم، صص 134 ــ 136.

[67]المصدر نفسه، ص 73.

[68]طبقات الأمم، ص 137.

[69]طبقات الأمم، ص 138

[70]يقول صاعد عن “إحصاء العلوم :”… لا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه”، ويقول عن كتاب  الأغراض :”هذا الكتاب :” فلا أعلم كتابا أهدى على طلب الفلسفة منه” ص 139.

[71]حي بن يقظان، ابن طفيل، تحقيق ـأحمد أمين، أقلام عربية للنشر والتوزيع، 2019، ص 76.

[72]تهافت التهافت، ص 421

[73]تهافت التهافت، المصدر نفسه ص 421

[74]التهافت، ص 313

[75]التهافت المصدر نفسه ص 274

[76]تهافت التهافت، المصدر نفسه، ص 576

[77]ـالتهافت، المصدر نفسه، ص 473

[78]تهافت التهافت، المصدر نفسه، ص 484

[79]ابن رشد، تهافت التهافت، تحقيق موريس بويج، دار المشرق، بيروت، الطبعة الثانية، ص 27.

[80]التهافت، المصدر نفسه، ص 289

[81]ـالمصدر نفسه، ص 107

[82]التهافت، المصدر نفسه، ص 419 ــ 423

[83]ـالتهافت، المصدر نفسه، ص 495

[84]ــ التهافت، المصدر نفسه، ص 500 وص 516.

[85]يشير المرحوم الجابري إلى كتاب “الحكمة المشرقية” المفقود، نحن والتراث، المصدر نفسه، ص149     

[86]المصدر نفسه، ص 185.

[87]طبقات الأطباء، المصدر نفسه، ص 92.

[88]المصدر نفسه ص93 ـ 116

[89]طبقات الأمم، المصدر نفسه، ص 159.

[90]المصدر نفسه، ص 161.

[91]المصدر نفسه، ص 162.

[92]المصدر نفسه، ص 167

[93]المصدر نفسه، صص168-169

[94]المصدر نفسه، ص 169.

[95]المصدر نفسه، صص172-173.

[96]المصدر نفسه، ص177.

[97]المصدر نفسه، ص 185.

[98] يمكن الاستئناس في هذا الصدد بمقالتنا “ملامح من التجربة العلمية لابن طفيل” انطلاقا من الأرجوزة في كتابنا “هل نحن في حاجة إلى ابن طفيل” سليكي أخوين، 2016 ص163- 174.

[99]ذكره آنخلجنثالث بالنثيا في كتابه تاريخ الفكر الأندلسي، المصدر نفسه، ص 380.

[100]تراجع تفاصيل هذه المسائل في كتاب الحدائق لابن السيد ص33-34.

[101]الحدائق، المصدر نفسه، ص 34.

[102]الحدائق، المصدر نفسه، ص50 – 52.

[103]الحدائق، المصدر نفسه، ص132.

[104]الحدائق، المصدر نفسه، ص124

[105]الحدائق، المصدر نفسه، ص 45.

[106]المصدر نفسه، ص 46.

[107]الحدائق، المصدر نفسه، ص 53.

[108]الحدائق، المصدر نفسه، ص54.

[109]الحدائق، المصدر نفسه، ص54.

[110]الحدائق، المصدر نفسه، ص 134

[111]الحدائق، المصدر نفسه، ص 53

[112]الحدائق ص 87.

[113]الحدائق، المصدر نفسه، ص 72 – 74-

[114]الحدائق، المصدر نفسه، ص 89.

[115]الحدائق، المصدر نفسه، ص 80.

[116]الحدائق، المصدر نفسه، ص 91.

[117]الحدائق، المصدر نفسه، ص 103-106.

[118]الحدائق، المصدر نفسه، ص 62.

[119]الحدائق، المصدر نفسه، ص62.

[120]الحدائق، المصدر نفسه، ص116.

[121]قام ابن رشد في كتابه “جوامع كتاب النفس” بتلخيص جزء من رسالة اتصال لابن باجة، وصادق على ما جاء فيها فقال:”وأمّا الطريقة التي رام أبو بكر في رسالتها لمذكورة [يقصد رسالة الاتصال] في بيان هذا المطلب، فهي لعمري حق […]”. قبل أن يتراجع عنها فيما بعد حيث قال بصدد إشكالية العقل الهيولاني وعلاقته بالمعاني الخيالية “[…] وإنما هو أول من قاله ابو بكر بن الصائغ فغلّطنا” تلخيص كتاب النفس، تحقيق أحمد فؤاد الأهواني مكتبة النهضة المصرية ص 90. وانظر أيضا تلخيص كتاب النفس لابن رشد حققه وعلق عليه سالبادورغومثنوغاليس نشرة المعهد الإسباني العربي للثقافة مدريد 1985، ص 57.

[122]قام معن زيادة في نشرته لشروحات السماع الطبيعي لابن باجة، وفي الحواشي يإيراد “بعض الاقتباسات من شروحات ابن رشد للسماع التي تدلل على أوجه الشبه بين شروح ابن ابن باجة وشروح ابن رشد” أي على إفادة ابن رشد من ابن باجة، دار الكندي بيروت، دار الفكر بيروت،الطّبعة الأولى 1978، ص6 ، وص 20، ص 33، ص 35 ـ ص 36، ص 38، ص 52، ص 57، ص 58، ص 61، ص62، ص 65، ص 72، ص73، ص 82، ص 87، ص 92، ص 94، ص 96، صص 97 ــ 98، ص 100، ص 101، ص 114، ص 117، ص 118، ص 120، ص 121، ص 122، ص 124، ص 127، ص 131، ص 136، ص 142، 167، ص 177، ويذكر ألوزاد أن ابن رشد كان صريحا في الإقرار بفضل القول الباجي على تأملاته في الإنسان، [النزعة الإنسية]، المصدر نفسه، ص 4 وتراجع مقالة ألوزاد عن “حضور ابن باجة في جوامع النفس لابن رشد” ففيها مقارنات تؤكد الأثر الباجي، والمنشورة ضمن أعمال الندوة الدولية بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاة ابن رشد “الأفق الكوني لفكر ابن رشد” مراكش 12 ــ 15 ديسمبر 1998 تنسيق محمد المصباحي،منشورات الجمعية الفلسفية المغربية الطبعة الأولى 2001.

[123]جمال الدين العلوي، تقديم نشرته لرسائل فلسفية لأبي بكر بن باجة، نصوص فلسفية غير منشورة، وقد اعتمدنا عليها في حديثنا عن علاقة ابن رشد بابن باجة، دار الثقافة بيروت ــ دار النشر المغربية ــ البيضاء 1983 صص42 ــ 43. وانظر نشرة معن زيادة، لشروحات السماع الطبيعي، المصدر نفسه، هامش 1، ص 143 حيث يسجل ابن رشد اختلافا أساسيا مع ابن باجة كما يؤكد معن زيادة أيضا في كتابه “الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة”، ص 79 ــ 80. وص 100،

[124]رسائل فلسفية لأبي بكر بن باجة، تحقيق جمال الدين العلوي ص 78 ــ 79

[125]معن زيادة، الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، دار إقرأ، الطبعة الأولى 1985، ص 66.

[126]ابتدأ ابن باجة في الطبيعيات “بكتابة رسائل مختصرة حول بعض المسائل الطبيعية، ثم كتابة شروح على بعض مؤلفات أرسطو في العلم الطبيعي، وانتهت أخيرا بكتاب النفس” [مؤلفات ابن باجة ص162].

[127]معن زيادة، الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، دار إقرأ، الطبعة الأولى 1985، ص 27، ويقول ألوزاد في كتابه القول الإنسي لابن باجة” :”… في نطاق هذه القراءة الشمولية، تتأكد لنا ضرورة القول الباجي في الإنسان وكيانه النظري من خلال نقده الإيجابي للفارابي وأرسطو”، اعتبره ألوزاد نقدا إلهاميا يرسم أفق التأمل الباجي،  ص 3.

[128]معن زيادة، الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، دار إقرأ، الطبعة الأولى 1985، ص 27

[129]معن زيادة، الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، ص107 .

[130]محمد ألوزاد، القول الإنسي لابن باجة، ضمن سلسلة الفلسفة في المغرب ص 1

[131]نعتمد هاهنا على نشرة المرحوم جمال الدين العلوي لرسائل ابن باجة، وبحاصة القسم الثاني منها.

[132]رسالة في فضل أهل الأندلس، ص 188.

[133]حول ابن طفيل نحيل هنا إلى كتابينا :1ـ مع ابن طفيل في تجربته الفلسفية، دار الثقافة ـ الدار البيضاء2010، 2ـ هل نحن في حاجة إلى ابن طفيل، سليكي أخوين 2016.

[134]رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها، ابن حزم، ضمن رسائل ابن حزم الأندلسي، تحقيق د إحسان عباس، الجزء الثاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية 1987 ص 178.

[135]المصدر نفسه، ص 179.

[136]المصدر نفسه، ص 180.

[137] المصدر نفسه، ص 181.

[138]المصدر نفسه، ص 183.

[139]المصدر نفسه، ص 183.

[140]المصدر نفسه، ص 184.

[141]تفسير ما بعد الطبيعة، تحقيق موريس بويج، الطبعة الرابعة، دار المشرق بيروت 1991 ص 10.

[142]المذاهب اليونانية الفلسفية في العالم الإسلامي، تأليف دافيد سانتلانا ــ حقّقه وقدّم له وعلّق عليه الدكتور محمد جلال شرف، دار النّهضة العربية للطباعة والنشر بيروت 1981، ص 141.