الكاتب | كوامي جيكي |
ترجمة وتقديم | رشا ماهر البدري |
تقديم:
يعيد هذا المقال الثري تسليط الضوء على الأخلاقيات الإفريقية بوصفها نظامًا فلسفيًا مستقلًا، أي ليس تابعًا لنماذج غربية أو دينية بعينها، ففي سياق فترة الاستعمار الأوروبي وما تبعها من تأثيرات جذرية، تعرضت الفلسفات الإفريقية للتهميش الثقافي والفكري الممنهج أو اعتُبرت غير ذات أهمية وقيمة مقارنة بنظيراتها الغربية، ليأتي هذا الطرح كخطوة نحو استعادة مكانة الفكر الإفريقي، وإظهار عمقه وفرادته.
يتم إبراز أهمية التضامن، والمسؤولية المشتركة، والخير العام كركائز للتعايش الإنساني السليم، في ظل واقع يعاني كثيرًا من النزاعات، والأنانية، والظلم البين، والإبادات، والحروب المستعرة. وعبر الكشف عن القيم المشتركة بين الشعوب، كالكرم والتعاون والإخاء، يتم تعزيز الحوار الثقافي، وبناء جسور التفاهم بين الثقافات المختلفة، فرغم خصوصية كل ثقافة، إلا أن الأخلاقيات الإفريقية تتحرى مخاطبة القيم الإنسانية الكلية، لتمهد الأرض لحياة تثاقفية تحافظ على كرامة كل فرد ووجوده، ويصبح “الآخر” جزءًا أصيلًا من “الأنا”.
تتميز بكونها أخلاقيات قائمة على الشخصية (character-based ethics)، حيث تُعتبر شخصية الفرد محورًا أساسيًا في التقييم الأخلاقي. يتم تعريف الشخصية على أنها مجموعة من العادات والسلوكيات التي يكتسبها الفرد من خلال أفعاله المتكررة، مما يجعل الشخصية مكتسبة وقابلة للتغيير عبر الزمن.
تشترك الأخلاقيات الإفريقية في عدة سمات رئيسية:
- المركزية الاجتماعية: تؤكد على أهمية الجماعة والصالح العام، مما يجعل الأخلاق في سياقها تتجه نحو الواجب والشعور بالمسؤولية بدلًا من التركيز على الحقوق الفردية.
- التعليم الأخلاقي: يتم نقل القيم الأخلاقية عبر وسائل ثقافية مثل الأمثال، والقصص الشعبية، والمواعظ، بهدف تشكيل عادات أخلاقية لدى الأفراد.
- الحيادية الأخلاقية الأصلية: تنطلق من الفكرة القائلة بأن الإنسان يولد محايدًا أخلاقيًا، وأن الخير أو الشر يتشكل بناءً على أفعاله واستجاباته للتعليم الأخلاقي.
- اكتساب الفضائل والرذائل: الفضائل (مثل الصدق والكرم) والرذائل (مثل القسوة والخيانة) تُكتسب من خلال التكرار والاعتياد، مما يجعل الأخلاق أمرًا عمليًا يتطلب الالتزام والعمل المستمر.
- الشخصية كأساس للأخلاق: تعتبر الأخلاقيات الإفريقية أن جودة شخصية الفرد هي العامل الحاسم في اتخاذ القرارات الأخلاقية وفي الالتزام بالمبادئ الأخلاقية.
بالتالي، الأخلاقيات الإفريقية لا تقتصر على المعرفة الأخلاقية فقط، بل تركز على قدرة الفرد على تحويل هذه المعرفة إلى أفعال تعبر عن الفضائل وتساهم في تعزيز الانسجام الاجتماعي.
وأخيرًا، الأخلاقيات الإفريقية تعد انعكاسًا لرؤية إنسانية متأصلة ترفع من شأن الخير المشترك، والعيش في إطار مجتمعي متماسك، وقيم كثيرة، أعلاها الواجب والمسؤولية تجاه الآخر. إنها أخلاقيات تتخذ من الشخصية الفاضلة محورًا لها، ومن الاعتراف بإنسانية الجميع أساسًا للعيش المشترك. في عالمنا المعاصر، يُمكن لهذه القيم أن تُسهم في صياغة أخلاقيات عالمية أكثر شمولية وإنسانية.
ولعله يجدر ذكر أن كلمة أخلاق Ethics في السياق الفلسفي تشير إلى تحليل وتفسير المبادئ والقيم والمعايير والنظريات (كدراسة نظرية الإلزام/الواجب الكانطي)، وسيتم ترجمتها هنا بـ “أخلاقيات”، لأنها تشير إلى الدراسة الفلسفية للأخلاق. أما كلمة خُلق أو أخلاق أو قيم أخلاقية أو فضيلة Morality فإنها تشير إلى الجانب العملي أكثر أي الممارسات الفعلية، والسمات الشخصية، والسلوكيات اليومية التي يتبعها الأفراد في حياتهم، وما يرونه صوابًا أو خطأ في سلوكهم (كقولنا: السرقة سلوكًا أو فعلًا غير أخلاقي). باختصار، الأخلاق هي الإطار الأوسع الذي يشمل المبادئ، بينما الفضيلة هي السمة الأخلاقية التي تُظهر كيفية تجسيد هذه المبادئ في تصرفات الفرد. الفضيلة تعتبر جزءًا من النظام الأخلاقي، وهي تجسيد حي للأخلاق في حياة الإنسان اليومية. كما يجدر التنويه بأنه سيتم التداخل مع النص بوضع سلاش (/) مع الكلمة للتوضيح الدقيق للقصد، وأحيانًا أيضًا سيتم طرح فقرة كاملة بين قوسين () وبنط سميك (B) في متن الترجمة؛ كتعقيب أو للإشارة كذلك لدقة المعنى في بعض الفقرات.
(النص مترجم)
تتجلى أخلاقيات أي مجتمع في رؤاه غائرة العمق ومعتقداته الراسخة بشأن الصواب والخطأ، وما يشكل جوهر الشخصية الطيبة أو الرديئة. إنها ليست قواعد مجردة، بل انعكاس لما يُعتبر علاقات اجتماعية مثالية ومواقف إنسانية تتكامل لإرساء العدالة والوئام والعيش المشترك. هذه القيم لا تولد عشوائيًا، بل تنبثق من تأملات المفكرين الأخلاقيين الذين يصوغون معانيها، ويحللون أعماقها، وينسجون منها منظومات تهدف إلى تهذيب السلوك الإنساني.
وقد تمكنت المجتمعات الإفريقية، كغيرها من الحضارات، من تطوير منظومات أخلاقية مترابطة—قيمًا ومبادئ وقواعد—تهدف إلى توجيه حياة الناس وتفاعلهم. ومع ذلك، ورغم غنى هذا الإرث، بقيت هذه الأخلاقيات بعيدة عن الدراسة المستفيضة والتحليل العميق الذي تستحقه، مما يجعلها في حاجة ملحة إلى إعادة قراءة وتأمل.
في العقود الأخيرة، نهض فلاسفة أفارقة معاصرين لمحاولة سد هذا الفراغ، مسلطين الضوء على جوهر الأخلاقيات الإفريقية وأبعادها. ويأتي هذا المقال ليضيف لمسة من الإثراء إلى تلك الجهود، حيث يستمد انطلاقته من اللغة الأخلاقية الإفريقية ذاتها، باعتبارها مرآة تعكس عمق الفكر الأخلاقي في المجتمعات الإفريقية. ومن خلالها، يُبرز مركزية مفهومي “الشخصية الأخلاقية” و”الإنسان الفاضل” كدعائم أساسية لهذا النظام. كما يُظهر الشخصية الاجتماعية للأخلاقيات الإفريقية، مشددًا على قيم الواجب والخير العام التي تتجاوز النزعة الفردية، ويركز على الأسس الإنسانية التي تمنح هذا الفكر طابعه الخاص.
جدول المحتويات
- 1. حول مصطلحي “الأخلاقيات” و”الأخلاق/الفضيلة”:
- 2. الكلمات الإفريقية الدالة على الأخلاقيات (أو الفضيلة)
- 3. الشخصية كركيزة أساسية في الأخلاقيات الإفريقية
- 4. الشخص الأخلاقي
- 5. الأسس الإنسانية للأخلاقيات الإفريقي
- 6. الإنسانية والأخ وة
- 7. مفهوم الخير العام
- 8. الأخلاقيات الاجتماعية مقابل الفردية
- 9. أخلاقيات الواجب لا الحقوق
- 10. الخاتمة
- المراجع
- أدوات أكاديمية
- مصادر أخرى على الإنترنت
- مداخل ذات صلة
1. حول مصطلحي “الأخلاقيات” و”الأخلاق/الفضيلة”:
يستخدم الفلاسفة مصطلح “الأخلاقيات” للإشارة إلى الدراسة الفلسفية للأخلاق—وهي تُفهم بوصفها مجموعة من القواعد والمبادئ الاجتماعية التي تُوجِّه السلوك البشري، إضافة إلى المعتقدات المتعلقة بالصواب والخطأ، والخير والشر. وعلى الرغم من أن “الأخلاق” تُعتبر موضوع الدراسة الأخلاقية، فإن المصطلحين غالبًا ما يُستخدمان بالتبادل.
رغم تعدد التحليلات الفلسفية واختلاف استنتاجات الفلاسفة بشأن الأخلاق (أي أخلاقيات مجتمع معين أو شعب ما)، فإن الملامح الأساسية، والجوهر العام للأخلاق في أي مجتمع، تبقى ثابتة إلى حد كبير. يقوم الفلاسفة الأخلاقيون بتوضيح هذه المبادئ وصقلها وتوسيع الفهم حول مفاهيمها وقضاياها. ومع أن تركيزهم ينصب على معتقدات وممارسات مجتمعاتهم الخاصة، إلا أنهم، انطلاقًا من إنسانيتنا المشتركة، يرون أن تأملاتهم قد تحمل دلالات عالمية تخاطب الأسرة الإنسانية بأسرها.
ومن ثم، فإن المبادئ الأخلاقية التي تنشأ في مجتمع ما، وإن كانت تنبع من حاجاته وتجارب أفراده، تمتلك القدرة على تجاوز حدود ذلك المجتمع لتتصل بحاجات الإنسان الأساسية وآماله المشتركة. على سبيل المثال، عندما يقول حكيم “الأكان” الإفريقي: “الفضيلة أثمن من الذهب”، أو “حين تؤسس الفضيلة مدينة، تزدهر وتدوم”، فإنه يعبر عن قناعة أخلاقية تتجاوز مجتمعه المحلي لتشمل الإنسانية جمعاء، تمامًا كما أراد “سقراط” من عبارته الشهيرة “الفضيلة هي المعرفة” أن تصل إلى ما هو أبعد من أثينا واليونان في القرن الخامس قبل الميلاد.
2. الكلمات الإفريقية الدالة على الأخلاقيات (أو الفضيلة)
لنبدأ بتقصي المصطلحات الإفريقية التي تعبر عن مفهوم “الأخلاق”، من خلال بعض اللغات الإفريقية. هذه الرحلة اللغوية تكشف لنا عن فهم هذه المجتمعات لمفهوم الأخلاق في سياقها الخاص. ومن الملاحظ أن عددًا كبيرًا من لغات إفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى لا يحتوي على كلمات تعادل مباشرة كلمة “أخلاقيات” أو “فضيلة”. إليكم بعض النتائج المثيرة التي تم التوصل إليها من خلال استفسارات مع متحدثين أصليين لعدد من اللغات الإفريقية، وكيفية التعبير عن سلوك الشخص الأخلاقي أو الفضيل في تلك اللغات، بما في ذلك لغتين بارزتين في غانا، هما الأكان (لغة المؤلف الأصلية) والإيوي:
- عندما يريد متحدث لغة الأكان أن يقول “ليس لديه أخلاق” أو “هو غير أخلاقي” أو “سلوكه غير أخلاقي”، فإنه غالبًا ما يقول: “ليس لديه شخصية” (Onni suban).
- تُعبَّر جملة “ليس لديه أخلاق” أو “هو غير أخلاقي” في لغة الإيوي بعبارة “Nonomo mele si o” (وتعني “ليس لديه شخصية”).
- في لغة وفكر اليوروبا، تعني الكلمة إيو كل من “الشخصية ” و”الأخلاق” (كما تعني أيضًا “الوجود” أو “الطبيعة”).
- في لغة الإيبو من شرق نيجيريا، تُستخدم الكلمة Agwa، التي تعني “الشخصية”، في جملة مثل “ليس لديه أخلاق” (Onwe ghi ezi agwa).
- في لغة الشونا، التي يتحدث بها غالبية سكان زيمبابوي، تعني الكلمة Tsika “الأخلاق” أو “الفضيلة”. لكن عندما يرغبون في القول عن شخص ما “ليس لديه أخلاق” أو “هو غير أخلاقي”، غالبًا ما يستخدمون الكلمة Hunhu التي تعني بشكل مباشر “الشخصية”. وبالتالي، تعني جملة “Haana hunhu” “ليس لديه شخصية”، “هو غير أخلاقي”، و”سلوكه غير أخلاقي”.
- أما في لغة السوتو الجنوبية، التي تُستخدم على نطاق واسع في ليسوتو وجنوب زيمبابوي (ماتابيليلاند)، لا توجد كلمات تُعادل بشكل مباشر مفهومي “الأخلاق” أو “القيم الأخلاقية”. عوضًا عن ذلك، يتم الإشارة إلى الحياة الأخلاقية أو السلوك الأخلاقي باستخدام كلمات تعني السلوك أو الشخصية. على سبيل المثال، العبارات الأخلاقية مثل “هو لا يملك أخلاقًا” أو “تصرفه غير أخلاقي” تُعبر عنها كلمات مثل maemo، التي تعني الشخصية أو السلوك. بالتالي، تُقال عبارة maemo a mabe بمعنى “لديه شخصية سيئة” أو “تصرفه غير أخلاقي”. أما عندما يتصرف شخص ما بطريقة تُعتبر أخلاقيًا صحيحة، يُقال عنه “لديه شخصية جيدة”، باستخدام كلمات مثل lokileng أو boitswaro، وكلاهما يعني الشخصية الجيدة أو السلوك الحميد.
تشير الدراسات في اللغة الأخلاقية لدى العديد من الشعوب والثقافات الإفريقية إلى أن الكلمة أو التعبير الذي يعني “الشخصية” (Character) غالبًا ما يُستخدم للدلالة على مفهوم “الأخلاق” أو “الأخلاقيات”. وبهذا تصبح النقاشات والتصريحات المتعلقة بالأخلاق في جوهرها نقاشات حول الشخصية.
في السياق نفسه، نجد أن الفلسفة الأخلاقية الإسلامية، تستخدم كلمة “أخلاقيات” Ethics للإشارة إلى “الأخلاق” Akhlaq، وهي تعني في الأصل “الشخصية”. مما يعكس فهمًا جوهريًا للأخلاق باعتبارها تعبيرًا عن الشخصية. من اللافت أن الكلمة اليونانية Ethike، التي اشتُق منها مصطلح “أخلاق” في اللغة الإنجليزية، تعني أيضًا “الشخصية(Ethos) “، وما يُعرف اليوم بـ”الأخلاق” كان يُطلق عليه أرسطو دراسة (أو علم) الشخصية (He ethike)
وهكذا، نجد أن مفهوم الشخصية يحتل مكانة محورية في التفكير الأخلاقي لدى اليونانيين، كما هو الحال لدى الأفارقة والعرب، حيث تُعتبر شخصية الفرد العامل الأهم في تحديد القيم الأخلاقية وأثرها في الحياة.
(أي ما تكشفه هذه اللغات هو أن مفهوم “الفضيلة” يُفهم بالأساس من خلال “الشخصية” أو “طابع” الفرد. فالتعبيرات الأخلاقية تدور في جوهرها حول تقييم سمات الشخصية، مما يُبرز مركزية مفهوم الشخصية في الفهم الأخلاقي الإفريقي- المترجمة)
3. الشخصية كركيزة أساسية في الأخلاقيات الإفريقية
بالتأكيد، هناك مفاهيم أخلاقية أخرى في اللغة والفكر الأخلاقي الإفريقي. فمفاهيم مثل الخير والشر (أو الإثم)، والصواب والخطأ، تحظى بمكانة بارزة في الفكر الأخلاقي الإفريقي، كما هو الحال في الأنظمة الأخلاقية للشعوب والثقافات الأخرى. على سبيل المثال، في لغة الأكان، تعنيpa أو papa الخير، بينما تعني bone الشر أو الإثم. وبالتالي، تُستخدم عبارة onipa bone للإشارة إلى شخص شرير. يُقال إن الشخص الشرير هو من يملك “شخصية سيئة” .(suban bone) وعندما يُعرف الشخص بالأمانة أو الكرم أو الرحمة، فإن الأكان يحكمون عليه بأنه شخص جيد، مما يعني أنه يمتلك “شخصية جيدة” (suban)أما الشخص الذي يُعتبر غير أمين أو شريرًا أو قاسيًا، فيُحكم عليه بأنه ذو “شخصية سيئة”.
في معظم التقييمات الأخلاقية، يتم الإشارة إلى شخصية الفرد، مما يجعل الشخصية عنصرًا أساسيًا ومحوريًا في أخلاقيات الأكان، كما هو الحال في الأخلاقيات الإفريقية عمومًا Iwa (الشخصية) هي “ربما أهم مفهوم أخلاقي” عند اليوروبا، حيث يُقيّم الشخص أخلاقيًا بناءً على iwa الخاصة به، سواء كانت جيدة أو سيئة (جباديجسين، 1991: 79). لذا، فإن الأخلاقيات الإفريقية هي أخلاقيات قائمة على الشخصية، حيث تُعتبر جودة شخصية الفرد العامل الأساسي في الحياة الأخلاقية.
الشخصية الجيدة هي جوهر النظام الأخلاقي الإفريقي، والمحور الذي تدور حوله الأخلاق. وتبرير الأخلاقيات القائمة على الشخصية ليس بعيد المنال، إذ إن كل ما يمكن للمجتمع أن يفعله بشأن السلوك الأخلاقي هو غرس المعرفة الأخلاقية في أفراده، مما يجعلهم على دراية بالقيم والمبادئ الأخلاقية للمجتمع. وبوجه عام، يفي المجتمع بهذا الواجب بشكل مرضٍ من خلال التعليم الأخلاقي بمختلف أشكاله، بما في ذلك، كما في المجتمعات الإفريقية، استخدام الأمثال الأخلاقية والحكايات الشعبية لإرشاد الأجيال الشابة.
إن امتلاك المعرفة الأخلاقية—أي إدراك المبادئ والقواعد التي تحكم السلوك في المجتمع—يختلف تمامًا عن القدرة على تطبيق تلك المبادئ في الحياة اليومية. فقد يكون الفرد واعيًا بقاعدة أخلاقية، مثل “الغش في الجمارك أمر خاطئ”، ويقبل بها نظريًا، لكنه قد يخفق في الالتزام بها عمليًا في موقف محدد. وبالتالي، قد يعجز عن تحويل هذه المعرفة إلى أفعال تُجسد قيّمه الأخلاقية في الواقع.
في نظام الأكان والأنظمة الأخلاقية الإفريقية الأخرى، يُعزى هذا الفشل الأخلاقي إلى افتقار الفرد إلى “الشخصية الجيدة” (suban pa) بمعنى آخر، فإن القدرة على التصرف بما يتوافق مع المبادئ والقواعد الأخلاقية للمجتمع تتطلب امتلاك شخصية جيدة. في سياق الأنشطة الأخلاقية للحياة -في قراراتنا بالالتزام بالقواعد الأخلاقية، وفي النضال لفعل الصواب وتجنب السلوك الخاطئ، وفي نيتنا لأداء الواجب الأخلاقي- تكون جودة شخصية الفرد ذات أهمية قصوى. فمن شخصية الفرد تنبع جميع أفعاله -سواء كانت جيدة أو سيئة- ويعتمد أداء الأفعال الجيدة أو السيئة على حالة الشخصية. ويُعزى الخطأ الأخلاقي إلى شخصية الفرد السيئة. ومن هنا جاء مثل اليوروبا: “الشخصية الجيدة هي حارس الإنسان.”
الأمثال الإفريقية واضحة بشأن تشكيل الشخصية: الشخصية تُكتسب. وبالتالي، يكون الفرد مسؤولًا عن حالة شخصيته، لأن الشخصية هي نتاج الأفعال المعتادة للفرد. أحد الأمثال في ثقافة الأكان ينص على أن “لا يُولد الإنسان برأس سيئ، بل يكتسبه من الأرض.” وهذا المثل يعني، من بين أمور أخرى، أن العادات السيئة ليست خصائص فطرية؛ بل هي مكتسبة. سيكون أمرًا عديم الجدوى الانخراط في التعليم الأخلاقي من خلال الأمثال الأخلاقية والحكايات الشعبية، كما هو الحال في المجتمعات الإفريقية، إذا كانت شخصياتنا أو عاداتنا فطرية. ولكن الاعتقاد السائد هو أن السرديات الأخلاقية تساعد الشباب على اكتساب القيم الأخلاقية للمجتمع واستيعابها، بما في ذلك الفضائل الأخلاقية المحددة التي تحملها تلك السرديات. ومن المتوقع أن تؤدي الاستجابات المناسبة للتعليم الأخلاقي إلى اكتساب عادات مناسبة وشخصيات متوافقة معها. وبما أن الشخصية تُكتسب من خلال أفعالنا وعاداتنا واستجاباتنا المتوقعة للتعليم الأخلاقي، فإنها، وفقًا للأنظمة الأخلاقية الإفريقية، قابلة للتغيير أو الإصلاح.
الشخصية، وفقًا لمفكري شعب الأكان، تُعرف من خلال العادات التي تنشأ نتيجة أفعال الإنسان أو سلوكياته. يقول أحد المفكرين التقليديين للأكان: “الشخصية تنبع من أفعالك” (أو أعمالك .(nneyee: فالأداء المستمر لفعل معين يُنتج عادةً محددة، وبالتالي يُكوِّن شخصية متوافقة مع هذه العادة. لاكتساب الفضيلة، يجب على الشخص أن يؤدي أفعالًا جيدة، أي أفعالًا مقبولة أخلاقيًا، حتى تصبح تلك الأفعال جزءًا من عاداته. كما أن الفعل الذي أدى إلى اكتساب عادة جيدة يجب ممارسته باستمرار لتعزيز هذه العادة؛ وبهذه الطريقة تُكتسب الفضيلة (أو الشخصية الجيدة). ومع مرور الوقت، تتحول الفضيلة المكتسبة إلى عادة راسخة.
هذا هو الموقف الذي تتبناه الأخلاقيات الأكانية بشأن تطور واكتساب الشخصية الجيدة (أو السيئة)، وهو ما يُعبر عنه شعب الأكان بقولهم: aka ne ho، أي “لقد استقرت فيه”، “أصبحت جزءًا منه”، أو “صارت عادته”. وبالتالي، تُعد الشخصية نمطًا سلوكيًا يتشكل نتيجة الأفعال المستمرة في الماضي. وهكذا، فإن الفضائل الأخلاقية (سمات الشخصية الفاضلة) أو الرذائل تنشأ من خلال الاعتياد.
منطق تكوين الشخصية أو العادات ينطلق من الفكرة القائلة بأن الطبيعة الأصلية للإنسان كانت محايدة أخلاقيًا، فلا هي خيّرة ولا شريرة. هذه الحيادية الأخلاقية الأصلية تتأثر على مدار حياة الفرد باتجاه معين (الخير) أو بالاتجاه الآخر (الشر)، وذلك من خلال أفعاله واستجاباته للتوجيهات الأخلاقية، والنصائح، والإقناع.
تشكل هذه الحيادية الأخلاقية الأصلية الأساس لفهمنا للشخص الأخلاقي، إذ إنها تفسح المجال للاختيار، أي للاختيار الأخلاقي. وعليه، فإن ما يفعله الإنسان أو يمتنع عن فعله هو العامل الأكثر أهمية في تشكيل شخصيته وتطويرها، وبالتالي في أن يصبح أخلاقيًا أو غير أخلاقي.
(الأخلاقيات الإفريقية، إذن، هي أخلاقيات تُبنى على مفهوم الشخصية؛ فكل سلوك أو فعل يصدر عن الفرد ينبع من شخصيته. وتعتبر المجتمعات الإفريقية أن تكوين الشخصية الجيدة عملية تراكمية تعتمد على التربية والسلوك اليومي. ومن ثم، فإن الفرد مسؤول عن تكوين شخصيته. فالحكمة الإفريقية تقول: “الشخص لا يُولد برأس سيئ، بل يكتسبه من الأرض”، مشيرة إلى أن العادات السيئة ليست فطرية، بل مكتسبة. المترجمة)
4. الشخص الأخلاقي
لنبدأ بتحليل مفهوم الشخص الأخلاقي في الفلسفة الأخلاقية الإفريقية من خلال مقولة للفيلسوف النيجيري إيفياني مينكيتي:
“تتفق المجتمعات المختلفة في إفريقيا التقليدية على هذه الحقيقة، وهي أن الشخصية (personhood) ليست صفة تُمنح تلقائيًا، بل هي حالة تُكتسب، ويتم اكتسابها بشكل مباشر بقدر ما ينخرط الفرد في الحياة الجماعية عبر الوفاء بمختلف الالتزامات التي تُحددها مكانته. إن الوفاء بهذه الالتزامات هو ما يُحوِّل الفرد من حالة “الشيء” التي تميز الطفولة المبكرة، حيث تغيب الوظيفة الأخلاقية، إلى حالة “الشخص” في سنوات لاحقة، حيث تتسع أفق النضج الأخلاقي—وهو النضج الذي بدونه يُتصور أن مفهوم الشخصية يظل عصيًا على الفرد.” (إيفياني مينكيتي، 1984: 176)
يشير تصريح مينكيتي إلى تصور محدد للشخصية الأخلاقية، والذي سيُناقش الآن بمزيد من التفصيل:
في الفكر الإفريقي، يتضمن مفهوم الشخص افتراضات أخلاقية. ففي لغة الأكان، وهي بلا شك اللغة الأكثر انتشارًا في غانا، تُستخدم كلمة “onipa” للإشارة إلى “الشخص”، ولكنها تعني أيضًا “إنسان”، كما أن صيغة الجمع منها تشير إلى “الناس”. وبالتالي، تحمل كلمة “onipa” طابعًا غامضًا. وفي المجتمع الأكاني، إذا ما بدا سلوك أحد الأفراد قاسيًا، شريرًا، أنانيًا، غير كريم، أو يفتقر إلى التعاطف، يُقال عنه: “إنه ليس شخصًا” (onnye onipa)
أما في لغة اليوروبا، فإن كلمة “eniyan” تُستخدم للإشارة إلى الشخص. وعلى الرغم من أن الكلمة تُوظف في سياقات معيارية وغير معيارية (أو عادية)، فإن البُعد المعياري يحظى بتركيز أكبر. كما يشير جباديجسين: “يُعطى تركيز أكبر للبُعد المعياري لكلمة eniyan” (جباديجسين، 1991: 27). يمكن القول عن بعض الأفراد: “إنه/إنها ليس شخصًا” (Ki i se eniyan). ويُعد هذا التعليق حكمًا على المكانة الأخلاقية للإنسان الذي يُعتبر أداؤه أقل مما يتطلبه الاعتراف به كشخص (جباديجسين، 1991: 27).
تشير العبارات الأكانية onnye onipa واليوروبية Ki i se eniyan إلى تصور للشخصية الأخلاقية. وتحمل العبارتان دلالتين مهمتين: الأولى، على الرغم من القول إن ذلك المرء “ليس شخصًا”، فإنه يُعترف به كإنسان، وليس كحيوان أو كائن آخر. وهذا يوضح بجلاء وجود تمييز بين مفهوم الإنسان ومفهوم الشخص؛ إذ يمكن للمرء أن يكون إنسانًا دون أن يستوفي شروط أن يكون شخصًا.
المعنى الثاني البارز الذي تحمله هذه العبارات هو الافتراض القائل بوجود معايير وقيم أساسية ينبغي أن يتوافق معها سلوك الإنسان ليُعتبر شخصًا. فالإنسان يمتلك القدرة على إظهار فضائل أخلاقية في سلوكه، ويُتوقع منه ذلك إذا أراد أن ينال صفة الشخص الأخلاقي. والحكم على فرد بأنه “ليس شخصًا” عند تصرفه بطريقة معينة أو امتناعه عن التصرف بها يعكس أن أفعاله وسلوكه يُنظر إليهما على أنهما دون المستوى المطلوب لتحقيق مثالية الشخصية ومعاييرها الأخلاقية.
ومع ذلك، لا يعني هذا إطلاقًا أن الفرد الذي يُعتبر “ليس شخصًا” يفقد حقوقه كإنسان أو كمواطن، أو أن أفراد المجتمع يتوقفون عن إبداء اهتمام أخلاقي به أو عن التعامل معه بالفضائل الأخلاقية المناسبة. بل يعني فقط أنه لا يُعتبر فردًا يتمتع بالجدارة الأخلاقية الكاملة.
الآن، الحكم على إنسان بأنه “ليس شخصًا”، والذي يُطلق بناءً على سلوك غير أخلاقي مستمر لذلك الفرد، يوضح أن ممارسة الفضائل الأخلاقية تعد جزءًا جوهريًا من مفهوم الشخص كما يتجلى في الفكر الأخلاقي عند الأكان أو اليوروبا. وتتمثل الفكرة هنا في التالي: لأي فرد (p)، إذا كان (p) شخصًا، فإنه ينبغي عليه أن يُظهر في سلوكه المعايير الأخلاقية والمُثل التي ترتبط بالشخصية. وعندما لا يتماشى سلوك الإنسان مع المبادئ الأخلاقية المقبولة أو عندما يفشل في إظهار الفضائل الأخلاقية المتوقعة في تصرفاته، فإنه يُعتبر “ليس شخصًا”.
الحكم التقييمي المعاكس للحكم الذي نناقشه هو: “إنه شخص” (oye onipa) هذا الحكم ليس تقييمًا وصفيًا على الإطلاق، على الرغم من أنه قد يُستخدم وصفيًا، كما في حالة الصيادين في غابة؛ حيث يطلق أحدهما هذا الحكم ليطمئن زميله الذي ظن أنه يرى وحشًا وكان على وشك إطلاق النار. في هذا السياق، يُستخدم الحكم “إنه شخص” (oye onipa) وصفيًا لتمييز إنسان عن وحش. لذا، فإن الاستخدام الوصفي لهذا الحكم سيكون واضحًا ومفهومًا بسهولة.
أما ما أريد تسليط الضوء عليه في هذا السياق فهو الشكل المعياري للحكم. فعند استخدامه بشكل معياري، يُقصد بالحكم “إنه شخص” أي أنه “ذو شخصية حسنة”، أو “كريم”، أو “مسالم”، أو “متواضع”، أو “يحترم الآخرين”. إن التقدير العميق للمعايير العليا للأخلاق في سلوك الفرد يمكن أن يؤدي إلى الحكم: “إنه حقًا شخص” (oye onipa paa!)
وينبغي الإشارة هنا إلى أن الأطفال، رغم كونهم بشرًا فعليين وأعضاء في المجتمع الإنساني، إلا أنهم ليسوا “أشخاصًا” بالمعنى الفعلي بعد؛ فهم “أشخاص محتملون” فقط، وسيصلون إلى مرتبة “الشخصية” عندما يتمكنون من ممارسة قدراتهم الأخلاقية واتخاذ أحكام أخلاقية.”
الآن، إن إنكار صفة “الشخصية” عن الإنسان بسبب عدم توافق أفعاله مع معايير وقيم أساسية معينة، أو بسبب فشله في إظهار فضائل أخلاقية في سلوكه، يُعتبر أمرًا ذا أهمية أخلاقية وجديرًا بالتأمل. هذا الإنكار يعكس الاعتقاد السائد في الفكر الميتافيزيقي والأخلاقي لثقافة الأكان، والذي ينظر إلى الطبيعة البشرية على أنها خيّرة في جوهرها، وليست فاسدة أو مشوهة بسبب خطيئة أصلية. الإنسان، وفقًا لهذا الفكر، يمتلك القدرة على فعل الخير. ومع ذلك، فإن صفة “الشخصية” ليست أمرًا فطريًا أو يولد به الإنسان، بل هي صفة تُكتسب من خلال الإنجازات الأخلاقية التي يحققها الفرد، والتي تمنحه هذه المكانة. وبما أن كل إنسان يمتلك القدرة على ممارسة الفضيلة، أي القيام بالأفعال الأخلاقية الصائبة، فإنه ينبغي التعامل معه دائمًا، ولو بشكل محتمل، كوكيل أخلاقي مسؤول.
في هذا السياق، يظهر مثل شائع في ثقافة الأكان يقول: “الله خلق كل إنسان ليكون خيّرًا” (Onyame boo obiara yie)، هذا المثل يعبر عن رؤية تبدو متناقضة مع فكرة الحياد الأخلاقي للطبيعة البشرية، والتي نوقشت سابقًا في الحديث عن الشخصية (القسم 3). ومع ذلك، يظل معنى هذا المثل غير واضح تمامًا، ويمكن تفسيره بطريقتين.
التفسير الأول يشير إلى أن الله خلق الإنسان ليقوم فعليًا بأفعال الخير، أي ليعيش حياة فاضلة ويختار الخيارات الأخلاقية الصحيحة باستمرار. أما التفسير الثاني فيفترض أن الله منح الإنسان القدرة على الاختيار الأخلاقي، بمعنى أنه زوده بحس أخلاقي يُمكنه من التمييز بين الخير والشر، وبين الصواب والخطأ.
إذا أخذنا بالتفسير الأول، فإنه يعني أن الإنسان قد تم تحديده ليكون خيّرًا دائمًا، مما يجعل وضعه الأخلاقي أمرًا محسومًا. ولكن هذا التفسير يصطدم بالواقع، إذ لو كان الإنسان قد خُلق ليكون خيّرًا بالفعل، لما وُجدت أي أفعال شريرة أو غير أخلاقية، وبالتالي لما وُجد مفهوم “الشر” أو “الرذيلة” (bone) في اللغة الأخلاقية لثقافة الأكان. وبالنظر إلى وجود الشر والأفعال غير الأخلاقية في العالم الواقعي، يصبح من الصعب قبول هذا التفسير كمعنى صحيح لهذا المثل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التفسير الأول يُلغي فكرة الحياد الأخلاقي للطبيعة البشرية، وهو ما يؤدي إلى إنكار حرية الاختيار الأخلاقي، التي تُعد أساسًا لمفهوم الشخص الأخلاقي.
التفسير الثاني للرؤية القائلة بأن الإنسان خُلق ليكون خيرًا (أو خُلق خيّرًا) يشير إلى أن الإنسان يمتلك فقط القدرة على الفضيلة، بمعنى أنه يمكنه السعي نحو الخير، ولكنه قد يسعى أيضًا نحو الشر. وهذا يعني أن الإنسان يتمتع بحس أخلاقي، مما يجعله قادرًا على الفضيلة كما على الرذيلة؛ إذ يمكن لحكمه الأخلاقي بشأن مسألة ما أن يميل إلى الخير أو الشر. بذلك، تظل فكرة الحياد الأخلاقي للطبيعة البشرية قائمة. وهكذا، يُعتبر الإنسان وكيلًا أخلاقيًا، ليس لأن صفاته الفاضلة أمر محسوم، بل لأنه يمتلك القدرة على الفضيلة، وبالتالي القدرة على تحقيق الإنجاز الأخلاقي، مما يمكنه من بلوغ صفة “الشخصية” الأخلاقية.
صحة التفسير الثاني للرؤية التي تقول إن الإنسان خُلق خيّرًا، كما تم الدفاع عنها في الفقرات السابقة، يمكن أن تستند أيضًا إلى مفهوم “Tiboa” في ثقافة الأكان، والذي يعني الضمير أو الحس الأخلاقي-أي الإحساس بالصواب والخطأ- يمثل هذا المفهوم دافعًا داخليًا ذا صلة بالممارسة الأخلاقية. يُنظر إلى الضمير، ضمن أشياء أخرى، على أنه يولّد شعورًا بالذنب لدى الفرد، ويدفعه للاعتراف بأفعاله الخاطئة. ونظرًا لأن الاستجابة للقواعد الأخلاقية هي في نهاية المطاف شأن فردي أو خاص، فإن هذا المفهوم يحظى بأهمية كبيرة في حياتنا الأخلاقية.
من خلال Tiboa، يصبح مفهوم “المعاقبة الذاتية” في السلوك الأخلاقي مفهومًا قابلًا للفهم. وبفضل قدرته على إثارة الشعور بالذنب، يُعتقد أنTiboa يؤثر في خيارات الفرد الأخلاقية وقراراته واستجاباته ومواقفه. إن وجود خيار أخلاقي لدى الإنسان يمثل رفضًا لفكرة أن الشخصية الأخلاقية للفرد هي أمر ثابت أو محسوم، وهي الفكرة التي تستند إلى افتراض خاطئ بأن الإنسان يولد فاضلًا. نشاطTiboa يتوافق مع فكرة الحياد الأخلاقي للإنسان عند ولادته. كما أن هذا النشاط يسهم في تحقيق الإنجاز الأخلاقي، وبالتالي بلوغ الشخصية الأخلاقية.
مثل شعب الأكان وغيرهم، يمتلك شعب رواندا (أو روواندا) أيضًا مفهوم الضمير. فكلمة “كاميرا” (kamera) التي تعبر عن الضمير في لغة رواندا “تعني شيئًا يُحس به داخليًا. إنها تقع في القلب” (ج. ج. ماكيه في فورد، 1954: 183). بالشخصية، توجد عقوبات اجتماعية خارجية تُستخدم كرادع للسلوكيات المحظورة، ولكن في سياق الدوافع الأخلاقية، فإن مشاعر الذنب والعار الأخلاقي تعود أيضًا إلى Kamera أو Tiboa
(وفقًا لهذا التصور، لا يُعتبر الإنسان مكتملًا كـ”شخص أخلاقي” بمجرد ولادته، بل يتطلب الأمر نضوجًا يتحقق من خلال المشاركة الفاعلة في الحياة المجتمعية، ومن خلال الالتزام بالمسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية التي تُحدد مكانته. الفكرة الجوهرية هي أن الضمير، سواء في مفهوم تيبوا عند شعب الأكان أو كاميرا عند شعب رواندا، يُعتبر قوة داخلية تشكل الدافع الأخلاقي للفرد، إذ يعزز شعوره بالذنب أو العار تجاه الأفعال الخاطئة، مما يسهم في توجيهه نحو السلوك القويم. هذه القوة الداخلية تعمل جنبًا إلى جنب مع العقوبات الاجتماعية الخارجية لتشكيل السلوك الأخلاقي، مما يعكس تصورًا أخلاقيًا عميقًا للإنسان بوصفه قادرًا على اتخاذ قرارات أخلاقية ومسؤول عن تحقيق الفضيلة واكتساب صفة “الشخصية الأخلاقية- المترجمة).
5. الأسس الإنسانية للأخلاقيات الإفريقي
أجمع العديد من الباحثين على أن الأفارقة يتميزون بتدينهم العميق الذي يتغلغل في مختلف جوانب حياتهم، ووصفوا أحيانًا بأنهم شعب “مشهور بتديُّنه”، حتى يكاد يكون من المستحيل فصل الديني عن غير الديني في ثقافتهم التقليدية. في هذا السياق، لا يُوجد مكان للإلحاد، ويُعتبر التراث الثقافي الإفريقي مشبعًا بالروحانية. وقد أشارت تقارير تاريخية كتبها الإداريون الاستعماريون إلى أن الأفارقة وصفوا بـ”الشعب الذي لا شفاء له من التدين”.
هذا التصور عن التدين المتأصل في حياة الأفارقة دفع بعض الباحثين إلى افتراض وجود علاقة وثيقة بين الدين والأخلاق في الفكر الأخلاقي الإفريقي. ورغم أن هذا الارتباط يبدو منطقيًا في بيئة يُقال إنها غارقة في التدين، إلا أن استيعاب هذه العلاقة بشكل أعمق يستدعي توضيحًا أكثر دقة.
يذهب معظم الباحثين إلى أن القيم والمبادئ الأخلاقية الإفريقية مستمدة من الدين، مما يعني أن الأخلاق الإفريقية تُعد أخلاقًا دينية. وقد عبر عن هذا الرأي باحثون مثل أبوكو (أبوكو، 1978، ص 152)، دانكواه (دانكواه، 1944، ص 3)، ساربونغ (ساربونغ، 1972، ص 41)، بوسيا (بوسيا، 1967، ص 16)، باريندر (باريندر، 1969، ص 28–29)، وإيدوو (إيدوو، 1962، ص 146).
يشير هذا الادعاء إلى أن المعتقدات والمبادئ الأخلاقية للشعوب الإفريقية تستمد جذورها من الدين، وأن الدين هو المصدر الأساسي لتبرير القيم والمعتقدات الأخلاقية. ووفقًا لهذا التصور، يتم تعريف المفاهيم الأخلاقية، مثل الخير والشر، والصواب والخطأ، أو يجب تعريفها بناءً على التعاليم أو الأوامر الدينية.
ومع ذلك، يرفض باحثون آخرون، مثل غودفري ويلسون، ومونيكا ويلسون، وماكيه، وكواسي ويريدو، هذا الأساس الديني للنظم الأخلاقية في المجتمعات التي قاموا بدراستها. لاحظ كواسي ويريدو أن “الرؤية الأخلاقية لشعب الأكان مستقلة منطقيًا عن الدين” (ويريدو، في أوروكا وماسولو، 1983، ص 13). وكتب غودفري ويلسون أن “بين أفراد شعب نياكيوسا، لا ترتبط الأفكار المتعلقة بالسلوك الاجتماعي بالدين، ومع ذلك فهي موجودة”، وأضاف، بعد ذكر الفضائل الأخلاقية لهذا الشعب، أن “التصريحات الإيجابية المثالية لهذه الفضائل لا تُقدم في مصطلحات دينية” (ويلسون، في أوتينبرغ وأوتينبرغ، 1960، ص 348). أما عن أخلاقيات شعب رواندا، فقد أشار ماكيه إلى أن “أخلاقيات شعب البانيارواندا لا تستند إلى أسس دينية مثل إرادة الله” (ماكيه، في فورد، 1954، ص 184). وفيما يتعلق بأخلاقيات شعب ميندي، أوضح كينيث ليتل أن “السلوك الخاطئ يُعتبر انتهاكًا لقواعد محددة للسلوك، وليس انتهاكًا لقانون إلهي أو مطلق للكون” (ليتل، في فورد، 1954، ص 134). تمثل هذه التصريحات دلائل واضحة على الأسس غير الدينية للأخلاق في بعض المجتمعات الإفريقية على الأقل.
يرى العديد من الباحثين أن الأخلاق الإفريقية تستند إلى الدين أو تستمد منه، ولكن هذا الادعاء، في رأيي، لا يمكن دعمه إذا كانت الأخلاق تُعرف على أنها المبادئ والقواعد الاجتماعية التي توجه سلوك الأفراد في المجتمع. ويرجع ذلك إلى أن الدين الإفريقي التقليدي، بخلاف الإسلام أو المسيحية، ليس دينًا مُوحى به حيث يتم الكشف عن الحقيقة الإلهية لشخص واحد يصبح المؤسس.
صحيح أن التجربة الدينية الإفريقية تتسم بلقاءات صوفية أو روحانية عالية بين البشر (مثل الكهنة، الكاهنات، العرافين، إلخ) والكائنات الروحية. تحدث هذه اللقاءات في أشكال مثل التنبؤ، التواصل مع الأرواح، الاتصال بالموتى، وغيرها من التجارب الصوفية. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه اللقاءات الصوفية أو الروحية تحدث في إطار ديني موجود مسبقًا؛ فهي ليست مصدر الدين الإفريقي بل تمثل تجلياته الروحية.
يمكن تعريف الروحانية بأنها شكل متقدم من التدين يصل إليه بعض الأفراد في المجتمع ممن لديهم، أو يدعون أن لديهم، اتصالات صوفية مع الكائنات الخارقة أو الإلهية. ومع ذلك، فإن هذه اللقاءات الصوفية هي نتيجة للدين وليست مصدرًا له في السياق التقليدي الإفريقي.
وبالرغم من أن الرسائل الروحية قد تُنقل عبر هذه اللقاءات إلى ممارسي الدين الإفريقي التقليدي، بما في ذلك بعض الرسائل المتعلقة بالسلوك الأخلاقي، فإن هذه الرسائل قليلة ومتباعدة بحيث لا تشكل أساسًا كافيًا لنظام أخلاقي متماسك. علاوة على ذلك، فإن الطابع الأخلاقي لهذه الرسائل، في غياب دين مُوحى به، يجب أن يُحكم عليه من قبل الناس أنفسهم بناءً على رؤاهم الأخلاقية الخاصة.
وهذا يعكس استقلالية المواقف الأخلاقية لدى الناس تجاه تصرفات الكائنات الروحية. كما لاحظ عالم الاجتماع الغاني البارز ك. أ. بوسيا أن “الآلهة تُعامل باحترام إذا قدمت المنافع، وباحتقار إذا فشلت… وتتوقف مواقف الناس تجاهها على نجاحها، وتتراوح بين الاحترام الصحي والازدراء الساخر” (بوسيا، في فورد، 1954، ص 205).
إن استنكار الناس الأخلاقي لتصرفات الآلهة، لا سيما عندما تكون أفعالها غير ناجحة، يمكن أن يؤدي إلى زوال بعضها من بانثيون الأكان، وربما من الثقافة الإفريقية ككل. إن حقيقة أن سلوك الكائنات الخارقة يخضع للنقد البشري تعني أنه من الممكن أن تصدر هذه الكائنات أوامر يمكن اعتبارها غير أخلاقية من قبل ممارسي الدين التقليدي. كل هذا يشير بوضوح إلى أنه من الأدق القول إن الدين الإفريقي، بدلًا من كونه مصدرًا للأخلاق، يجب اعتباره انعكاسًا للأخلاق.
في الديانات المُوحى بها، ما يُوحى به يكون عادةً مفصلًا ويمكن أن يتضمن مبادئ وأفكارًا أخلاقية كجزء من إرادة الله التي كُشِف عنها. لذا، فإن الأخلاق المبنية على الدين تصبح جزءًا لا يتجزأ من الدين المُوحى به. ولكن، بما أن الدين الإفريقي التقليدي ليس دينًا مُوحى به، فإنه لا توجد طريقة يمكن من خلالها للناس الوصول إلى إرادة الله التي تحتوي على مبادئ أخلاقية مفصلة يمكن على أساسها بناء نظام أخلاقي متماسك.
في سياق الدين غير المُوحى به، فإن الاعتماد على الأوامر الإلهية أو الخارقة كمصدر للقيم والمبادئ الأخلاقية يصبح أمرًا مستحيلًا من الناحية المفاهيمية.
عندما طُرِح على حكماء (مفكرين) تقليديين في بعض مجتمعات الأكان في غانا هذا السؤال: “كيف نعرف أن هذا الفعل خير وذاك شر؟”، لم يرد أي منهم بأن الفعل خير أو شر لأن الإله (Onyame) قال ذلك، أو لأن أونيامي أبلغنا بذلك. وبالتالي، ما هو خير أخلاقيًا أو صحيح ليس ما أمر به الإله أو يُرضي الإله أو أي كائن روحي، ولا ما يتفق مع إرادة كائن روحي.
على النقيض من ذلك، أظهرت الإجابات قناعة لا شك فيها بأصل إنساني -غير خارق- للقيم والمبادئ الأخلاقية، مما يعكس رؤية أخلاقية إنسانية لدى الأكان. ووفقًا لأخلاقيات شعب رواندا، فإن “ما هو خير (أو شر)، هو ما عرّفته التقاليد على أنه خير (أو شر)” (ماكيه، المرجع السابق).
في ضوء الطبيعة غير المُوحى بها للدين الإفريقي التقليدي، يمكن القول إن وجهة النظر التي تعتبر أن المبادئ والقيم الأخلاقية ذات أصل غير ديني (غير خارق) ستجد صدىً في الميادين الأخلاقية لمعظم المجتمعات الإفريقية الأخرى. لذا، يجب اعتبار مصادر الأخلاق الإفريقية في السياق التقليدي مستقلة عن الوصايا الدينية أو القوى الخارقة.
تشير آراء المفكرين التقليديين إلى أن مفهوم الخير يرتبط بالأفعال والعادات وأنماط السلوك التي يقدّرها المجتمع، انطلاقًا من تأثيرها الإيجابي على رفاه الأفراد. وتشمل هذه القيم الإيجابية: الكرم، الصدق، الإخلاص، الصراحة، الرحمة، حسن الضيافة، السعادة، تحقيق السلام، العدالة، والاحترام، وغيرها. ويُعتقد أن هذه الأفعال والسلوكيات تسهم في تعزيز الرفاهية الاجتماعية.
في النظام الأخلاقي للأكان (أو النظام الأخلاقي الإفريقي بشكل عام)، يتم تحديد القيمة الأخلاقية أو الخيّرة من خلال نتائجها للبشرية والمجتمع الإنساني. ويمكن تفسير كل هذا ليعني أن الأخلاق الإفريقية تنشأ من الاعتبارات المتعلقة بمصلحة الإنسان ورفاهيته، وليس من الأوامر الإلهية. الأفعال التي تعزز رفاهية الإنسان أو مصلحته تُعتبر أفعالًا خيّرة، بينما تلك التي تنتقص منها فتعتبر سيئة.
من الواضح، إذن، أن الأخلاق الإفريقية هي أخلاق إنسانية، نظام أخلاقي يهتم برفاه الإنسان. وفيما يتعلق بالأخلاق الإفريقية بشكل عام، لاحظت مونيكا ويلسون أن “أساس الأخلاق كان الوفاء بالالتزامات تجاه الأقارب والجيران، والعيش معهم في وئام” (ويلسون، 1971: 98).
في المفاهيم الإفريقية، تنبع القيم الأخلاقية من الشروط الوجودية الأساسية التي ينظم فيها البشر حياتهم ويسيرونها. وأشار ماكفاي إلى الملاحظة التالية:
“لذا، من المهم التساؤل حول المعيار الإفريقي للحكم الذي يجعل بعض الأمور جيدة وأخرى سيئة.
يجيب [إدوين] سميث بأن معيار الصواب والخطأ هو العُرف؛ أي أن الخير هو ما يحظى بموافقة المجتمع، والشر هو ما لا يلقى قبولًا. فالصواب يبني المجتمع، في حين أن الخطأ يهدمه. الأول اجتماعي، والثاني معادٍ للمجتمع” (مالكولم ج. مكفيغ، 1974: 84).
في أخلاقيات شعب اللوفيدو، وهم مجموعة عرقية من البانتو في جنوب ترانسفال:
“السلوك الصحيح دائمًا ما يكون نسبيًا للموقف البشري، والأخلاق ليست موجهة وفقًا لأي معايير مطلقة للصدق أو الحقيقة، بل وفقًا للصالح الاجتماعي في كل حالة. السلوك الذي يعزز العلاقات السلسة ويدعم الهيكل الاجتماعي يُعتبر جيدًا؛ والسلوك الذي يتعارض مع العلاقات الاجتماعية السلسة يُعتبر سيئًا” (ج. د. وإي. ج. كريج في فورد، 1954: 78).
وفيما يتعلق بأساس الأخلاق عند شعب البانتو، علق مولما قائلًا:
” إن السعادة والخير الأعظم للقبيلة كانا يشكلان الهدف الأسمى والغاية النهائية لكل فرد فيها. وبالنظر إلى القواعد الأخلاقية عمومًا، نجد أن المنفعة غالبًا ما تشكل جزءًا أساسيًا من هذه القواعد. أما في حالة شعب البانتو، فقد كانت المنفعة هي الأساس الذي تقوم عليه الأخلاق… إذ كانت أخلاقهم ذات طابع نفعي. وقد شكَّلت المنفعة معيارًا للخير، وعلى أساس الانسجام مع هذا الهدف والتوافق معه، كان ينبغي أن يُوجَّه السلوك الأخلاقي. وكانت النتيجة الحتمية لهذا النهج هي الإيثار”. (س. م. مولما، 1920: 116).
(يجدر الإشارة إلى أن أخلاق الإيثار التي يشار إليها هنا ليست إيثارًا مطلقًا أو غير مشروط، بل نابعة من أخلاق نفعية ترتكز على تحقيق المنفعة الأكبر للجماعة. ففي سياق أخلاق البانتو، يُعتبر الإيثار وسيلة لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في رفاهية القبيلة والانسجام الاجتماعي، وليس قيمة مستقلة أو غاية بحد ذاتها. لذا، فإن التضحية بمصالح الفرد لصالح الجماعة تنبع من التزام بتحقيق الخير الأعظم الذي ينعكس إيجابيًا على الجميع، بما في ذلك الفرد نفسه. فنحن أمام ما يمكن تسميته بـ “إيثار نفعي”- المترجمة)
تشير الفقرات السابقة إلى أن الأخلاقيات الإفريقية تستند إلى أسس غير دينية. وإذا ما تم فصل هذه الأخلاقيات عن أسسها الدينية المزعومة، فإلى أي أساس يمكن إرجاعها؟ الإجابة، وفقًا لما ورد، تكمن في تركيز المجتمع الإفريقي على رفاهية الإنسان وتحقيق الانسجام الاجتماعي، إلى جانب تأملاته في الظروف الوجودية التي تشكل إطار حياة البشر.
لا تُعد الديانة الإفريقية التقليدية ديانة منزّلة، بل هي ديانة طبيعية تنبثق من تأملات الشعوب في تعقيدات العالم المحيط بهم وتجاربهم فيه. وعلى الرغم من أن الميتافيزيقا الإفريقية ذات طابع لاهوتي، إلا أنها لا تؤسس لأخلاقيات لاهوتية أو خارقة للطبيعة. وكما أثمرت التأملات الذاتية نشأة ديانة طبيعية، فقد أسهمت أيضًا في تطوير أخلاقيات “طبيعية” أو إنسانية، تستند إلى التفكير في كيفية تحقيق التناغم والتعاون في المجتمع الإنساني.
وبذلك، تتكامل الأخلاقيات الطبيعية مع الديانة الطبيعية في أفريقيا، لتشكل منظومة أخلاقية قائمة على التجارب البشرية والمعيشة المشتركة. فهي أخلاقيات اجتماعية تتجذر في الظروف الوجودية التي يعيشها الأفراد. ومن هنا، تنبع القيم الأخلاقية لدى الشعوب الإفريقية من أسس اجتماعية وإنسانية بدلًا من أسس دينية، حيث تتشكل وفقًا لفهمهم لطبيعة المجتمع الإنساني، والعلاقات بين أفراده، والأهداف والمعاني التي تمنح الحياة طابعها الخاص بما تحمله من أبعاد عاطفية.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير الدين في الحياة الأخلاقية للأفارقة، الذين يُوصفون بأنهم “متدينون بالفطرة”. فإيمانهم بأن الله هو الحاكم الأعلى للمجتمع الإنساني ويمتلك شخصية أخلاقية مثالية، إلى جانب اعتقادهم بأن الأسلاف (أرواح الأجداد) يهتمون برفاه المجتمع الذي تركوه، بما يشمل الحياة الأخلاقية للأفراد، يمنح الدين دورًا في تشكيل العقوبات المرتبطة بالسلوك الأخلاقي. وعليه، لا يمكن فصل الدين تمامًا عن مجال الممارسة الأخلاقية، رغم أن القيم والمبادئ الأخلاقية في المجتمع الإفريقي تستمد أصولها من أسس غير دينية.
الإنسانية، باعتبارها مذهبًا يركز على رفاهية الإنسان واحتياجاته ومصالحه، تمثل الأساس الذي تقوم عليه الأخلاقيات الإفريقية. فهي تتغلغل في نسيج الحياة والتفكير الأخلاقي في الثقافة الإفريقية. وتتسم الصلوات الإفريقية وأشكال العبادة الأخرى بطابع عملي، حيث تزخر بالطلبات الموجهة إلى الكائنات الخارقة للطبيعة للحصول على راحة مادية مثل الازدهار والصحة والثروة. ورغم أن الأفارقة لا يرون في الله أو الكائنات الخارقة الأخرى مصدرًا للقيم والمبادئ الأخلاقية، إلا أنهم يدركون تمامًا قدراتها، ويحرصون دائمًا على الاستفادة من عطائها لتعزيز رفاهية الإنسان وازدهاره وسعادته.
(تعقيب: تتميز المجتمعات الإفريقية بتغلغل البعد الإنساني في عمق رؤاها الأخلاقية. فبدلًا من تأسيس القيم الأخلاقية على الدين أو القوانين الإلهية، تنبثق الأخلاقيات الإفريقية من احتياجات الإنسان وتجربته المشتركة في العيش. يرى عدد من العلماء أن هذه الأخلاقيات هي انعكاس لتجارب إنسانية واقعية، تتجلى في قيم مثل الكرم، الصدق، والتضامن. رغم أن إفريقيا تُوصف غالبًا بأنها “قارة متدينة بامتياز”، إلا أن الأخلاقيات الإفريقية لا تعتمد على الوحي أو النصوص المقدسة كما هو الحال في الأديان السماوية. الدين الإفريقي التقليدي غير مكشوف (non-revealed)، أي أنه لم يُؤسس على نصوص إلهية تُحدد القيم الأخلاقية، بل هو امتداد لتجارب الإنسان الروحية ومواجهاته مع المجهول الغامض. ومن هنا، تصبح الأخلاقيات الإفريقية مستقلة عن الدين، قائمة بذاتها، ومبنية على ما يخدم مصلحة الإنسان والمجتمع. المعيار الأخلاقي الإفريقي بسيط ومباشر: ما يُحقق رفاه الإنسان والمجتمع يُعتبر خيرًا، وما يُضعف هذا الرفاه يُعد شرًا. هذه النظرة تضع الإنسان في مركز الأخلاق، وتجعل من رفاهيته محورًا لكل القيم والمبادئ-المترجمة)
6. الإنسانية والأخوة
يشغل مفهوما الإنسانية والأخوة مكانة بارزة في الفكر والممارسة الاجتماعية والأخلاقية الإفريقية. يُعد هذان المفهومان من القيم الإنسانية أو الأخلاقية الأساسية، بل ربما النهائية، التي لا تكتفي بتحفيز الأفعال الإنسانية التي تؤثر في الآخرين فحسب، بل تبررها أيضًا. وفي السياق الإفريقي، لا يُنظر إلى الإنسانية بوصفها مجرد مصطلح أنثروبولوجي؛ بل تحمل أيضًا دلالة أخلاقية عند النظر إلى العلاقات بين أفراد النوع البشري.
أما مصطلح “الأخوة”، فقد أصبح يشير إلى رابطة تجمع الرجال و/أو النساء الذين يتشاركون أهدافًا واهتمامات مشتركة. ومع ذلك، فإن مفهوم الأخوة في جوهره هو مفهوم أخلاقي، لأنه يتعلق بالعلاقات بين الأفراد التي تعزز مصالحهم ورفاههم. هناك ارتباط بين الإنسانية والأخوة في التصورات الأخلاقية الإفريقية: إذا كنا بشرًا، فنحن (ويجب أن نكون) إخوة، بمعنى واسع وشامل لكلمة “أخ” (سيُناقش هذا المعنى قريبًا).
نبدأ مناقشتنا مع المثل الأكاني: “الإنسانية لا حدود لها” (Honam mu nni nhanoa)
المثل الأكاني يعني حرفيًا: “في الجسد البشري، لا توجد حدود زراعة—لا توجد نهاية” (nhanoa) يمكن تفسير هذا المثل بمعنى أن “جميع البشر يشكّلون نوعًا واحدًا”، أو أن “الإنسانية بلا حدود”. فعندما يقوم المزارع بزراعة أرضه، يصل إلى حد أو حافة (nhanoa) حيث يجب أن يتوقف، وإلا فإنه يتجاوز إلى أرض مزارع آخر. وبالتالي، هناك حد لمساحة الأرض التي يمكن زراعتها. لكن هذا الحد، وفقًا للمثل، لا ينطبق على زراعة الصداقة والأخوة بين البشر؛ إذ إن حدود هذا النوع من الزراعة غير محدودة. فالإنسانية تنتمي إلى نوع واحد؛ فجميع البشر يشكلون نوعًا واحدًا يشترك في القيم الأساسية، والمشاعر، والآمال، والرغبات.
ربما يكون هذا هو السبب وراء غياب كلمة “عرق” في معظم اللغات الإفريقية الأصلية (مع استثناء لغات أفريقية مثل الهوسا والسواحيلية التي استعارت عددًا كبيرًا من الكلمات العربية). وبدلاً من ذلك، نجد كلمات مثل “شخص”، “إنسان”، و”شعوب”. وبالتالي، حيث قد يستخدم الآخرون مصطلحات مثل “العرق الأسود” أو “العرق الأبيض”، يستخدم الأفارقة تعبيرات مثل “الشعوب السوداء”، “الشعوب البيضاء”، وما إلى ذلك. وبدلاً من استخدام “شعوب ذات أعراق مختلطة”، يقولون “أناس ذوو دماء مختلطة”. غير أن هذا التعبير الأخير قد يبدو غامضًا بعض الشيء، لأنه يُستخدم أيضًا للإشارة إلى الأشخاص من أصول إثنية مزدوجة داخل المجتمعات الإفريقية.
لكن، وفقًا للتصور الإفريقي للإنسانية، النقطة الجوهرية هي أن نسل أي “اختلاط دموي” هو إنسان ينتمي إلى “العرق البشري” الواحد الذي ننتمي إليه جميعًا. وهكذا، رغم أن الأفارقة يعيشون تقليديًا في مجتمعات صغيرة وينقسمون إلى مجموعات إثنية أو ثقافية مختلفة، وكذلك إلى عشائر وسلالات ذات شبكات وعلاقات معقدة، إلا أنهم يدركون أن الإنسانية تشمل جميع الشعوب خارج حدودهم الجغرافية أو المكانية الضيقة. وبهذا، يرون أن جميع البشر يشكلون عائلة إنسانية واحدة شاملة. وحتى لو كانت هذه العائلة مجزأة إلى شعوب وثقافات متعددة، إلا أنها تظل عائلة مشتركة—إنسانية مشتركة—يجب أن تتسم العلاقات بين أعضائها بنوع معين من الأخلاق: الأخلاق الإنسانية المشتركة.
الانتماء المشترك لعائلة إنسانية عالمية واحدة يشكل (أو ينبغي أن يشكل) أساسًا شرعيًا لفكرة الأخوة الإنسانية العالمية (أو الوحدة الإنسانية). تتجسد هذه الفكرة، على سبيل المثال، في المثل الأكاني:
“أخ الإنسان هو إنسان آخر”
أو “أخ الإنسان هو الإنسان”.
(Onipa nua ne onipa).
المثل الأكاني يؤكد بوضوح أن الإنسان لا يمكن أن يرتبط إلا بإنسان آخر، وليس بكائن آخر كالحيوان. ويتجلى في التصور الإفريقي للإنسانية الاعتراف بأن جميع الأفراد، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الإثنية، يُعتبرون إخوة. لهذا السبب، يُستخدم مصطلح “الأخ” في الثقافات الإفريقية بشكل واسع ليشمل علاقات عائلية متنوعة ومعقدة مرتبطة بروابط الدم. ومع ذلك، فإن هذا المصطلح يتجاوز العلاقات البيولوجية ويُستخدم أيضًا للإشارة إلى أشخاص لا تربطهم أي صلة قرابة، مما يمنحه طابعًا شموليًا.
يهدف المعنى الشامل لمفهوم “الأخ” في الثقافات الإفريقية إلى رفع العلاقات الإنسانية إلى مستوى أسمى يتجاوز الحدود البيولوجية أو العرقية أو الثقافية، ليصبح تعبيرًا عن جوهر الإنسانية الذي يتخطى كل هذه الفروقات.
وترجمة هذا المفهوم عمليًا تؤدي إلى تبني فضائل أخلاقية واجتماعية مثل الكرم، والضيافة، والاهتمام بالآخرين، والشعور بالمسؤولية المجتمعية. وقد لاحظ العديد من الكتّاب، بمن فيهم الرحالة الأوروبيون الذين زاروا أفريقيا خلال القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هذه القيم في الحياة الاجتماعية والأخلاقية الإفريقية.
على سبيل المثال، كتب أحد البريطانيين الذين أمضوا ثلاثة عقود في وسط أفريقيا خلال تلك الفترة:
“تُعد الضيافة من أقدس وأقدم العادات في أراضي البانتو، وتُمارَس في كل مكان. يقدم السكان المحليون أفضل منازلهم ووجباتهم المسائية للضيوف دون أن يعتبروا ذلك أمرًا استثنائيًا”. (دوجالد كامبل، 1922: 45)
ويُعزز هذا المعنى ما قاله الكاتب الإفريقي المعاصر جوليوس نيريري:
“كان أحد إنجازات مجتمعنا [الإفريقي] الضيافة الشاملة التي يمكن لجميع أفراد المجتمع، وحتى الغرباء، الاعتماد عليها”. (نيريري، 1968: 5)
وقد أدهشت هذه الأخلاقيات العديد من الزوار الأجانب إلى أفريقيا، حيث لاحظوا كيف تُجسّد هذه الفضائل فكرة الإنسانية المشتركة والأخوة العالمية.
وفيما يتعلق بتقدير القيمة والكرامة الإنسانية في الثقافة الإفريقية، تسلط الأمثال الأكانية الضوء على هذا المفهوم. من بين هذه الأمثال:
“الإنسان أجمل من الذهب” (onipa ye fe sen sika)
يرمز هذا المثل إلى أن الإنسان يُعتبر جميلًا بطبيعته، والجمال يُقدَّر لذاته وليس لتحقيق غاية أخرى. ووفقًا لهذا المثل، فإن قيمة الإنسان يجب أن تُقدَّر لذاته من خلال إظهار الاحترام، والتعاطف، والكرم، وحسن الضيافة.
كما يشير المثل إلى أهمية أن يكون الإنسان منفتحًا على رفاه الآخرين ومصالحهم، وأن يعتبر تقديم المساعدة للآخرين واجبًا أخلاقيًا. ويعني أيضًا الاعتراف بالآخر كفرد له قيمة إنسانية توازي قيمتك، وتربطك به قواسم إنسانية مشتركة من القيم والمشاعر والمثل.
الغرض الأساسي من هذا المثل هو التأكيد على قيمة الإنسان وأهمية منحه الاحترام اللازم لكونه إنسانًا. ويشير المثل إلى أن الاعتراف بهذه القيمة يفوق بكثير السعي وراء الثروة المادية.
يصف كينيث كاوندا بتفصيل كيف يتجلى الاحتفاء بالإنسان/الاستمتاع بالصحبة في الممارسات العملية:
“تُعد محادثاتنا نموذجًا مثاليًا لهذا الاحتفاء. يمكننا قضاء ساعات في الحديث مع أي غريب يصادفنا، وبحلول لحظة الوداع، نكون قد تعرفنا على الكثير من تفاصيل حياة بعضنا البعض. لا ننظر إلى الأسئلة الشخصية باعتبارها تطفّلًا أو تعديًا على الخصوصية، كما أننا لا نتردد في طرح الأسئلة ذاتها على الآخرين. إن انفتاحنا على اهتمامات الآخرين ينبع من فضول إيجابي، لا رغبة في التدخل في شؤون الغير، بل كوسيلة للتعبير عن إيماننا العميق بارتباطنا جميعًا في هذا النسيج المشترك للحياة. وبالتالي، توجد رابطة بيني وبين الغريب قبل أن يبدأ الحديث بيننا.” (كاوندا، 1966: 32).
تُعبر قيمة الإنسان أيضًا في الحكمة التالية:
“الإنسان هو المحور: أنادي الذهب فلا يجيب، أنادي القماش فلا يجيب؛ الإنسان هو المحور.”
(Onipa ne asem: mefre sika a, sika nnye so, mefre ntama a, ntama nnye so; onipa ne asem)
تشير هذه الحكمة إلى أن الإنسان وحده هو ذو القيمة الحقيقية، لأنه في أوقات الحاجة أو الشدة، إذا لجأتَ إلى الذهب أو الممتلكات المادية الأخرى فلن تستجيب، بينما الإنسان هو من سيقدم العون. لهذه الأسباب، تعتبر قيمة الإنسان ذات أهمية قصوى، وينبغي أن تحظى بالاهتمام الأقصى.
من خلال هذه الحِكم، يمكن للمرء أن يدرك لماذا تُشكل رفاهية الإنسان والاهتمام به الشاغل الأساسي للأخلاقيات الإفريقية.
7. مفهوم الخير العام
يتجلّى مفهوم الخير العام بوضوح في الأخلاقيات الإفريقية. ففي الفكر الأخلاقي لشعب الأكان، يُعبّر عن هذا المفهوم بشكل حيّ من خلال رمز فني يظهر تمساحًا “سياميًا” برأسين ولكنهما يشتركان في معدة واحدة. الجزء الذي يثير الانتباه في هذا الرمز هو المعدة المشتركة، وهي التي تستحق التمعّن من منظور أخلاقي. تشير المعدة المشتركة للتمساحين إلى أن المصالح الأساسية لجميع أفراد المجتمع متطابقة. وبالتالي، يمكن تفسيرها كرمز للخير العام، أي الخير الذي يشمل جميع الأفراد في المجتمع.
الخير العام ليس بديلاً عن مجموع الخيرات الفردية المختلفة، ولا يتكون منها أو ينبثق عنها، بل هو ما يعتبر خيرًا جوهريًا للإنسان كإنسان، وهو يشمل الاحتياجات الأساسية التي تُتيح لكل فرد التمتّع بالحياة وتحقيق ذاته. لو كان الخير العام مجرد مجموع الخيرات الفردية، لكان مشتركًا على نحو عرضي وليس جوهريًا، وبالتالي لما تحقق بطريقة تُفيد جميع أفراد المجتمع. لكن إذا تحقق الخير العام، فإنه يتضمّن ضمنًا تحقيق الخير الفردي أيضًا. لذا، لا ينبغي أن تكون هناك توترات مفاهيمية أو تعارض بين الخير العام وخير الفرد داخل المجتمع، لأن الخير العام يتسع ليشمل الخيرات الأساسية لجميع أعضائه. وإذا فهم الخير العام كخير أساسي—كخير إنساني بحد ذاته—فلن يكون هناك حاجة للنظر إليه باعتباره تهديدًا للحرية الفردية، كما يدّعي بعض المفكرين الليبراليين (الفردانيين) الغربيين، إذ تُعتبر الحرية الفردية إحدى الخيرات الأساسية لأفراد المجتمع. وبذلك، فإن محتوى المعدة المشتركة، في الرمز الفني للتمساح “السيامي”، لا يتعارض مع مصالح أو احتياجات أيٍّ من التمساحين.
تم تعريف الخير، كما نوقش في قسم سابق، من قبل المفكرين التقليديين في مجتمع الأكان بمصطلحات تشمل السلام، السعادة أو الرضا (الازدهار الإنساني)، والعدالة، والكرامة، والاحترام، وما إلى ذلك. والخير العام يحتضن هذه القيم وأكثر.
على نحو مشابه، تُنشأ المؤسسات بمختلف أنواعها—سواء كانت قانونية أو سياسية أو اقتصادية أو أخلاقية—بهدف تحقيق قيم وأهداف مشتركة، تُجسد مفهوم الخير العام الذي تسعى المجتمعات البشرية إلى تحقيقه لصالح جميع أفرادها. على سبيل المثال، تقوم مؤسسات مثل الحكومة أو النظام القانوني على أساس تفاهم مشترك بشأن الحاجة إلى قيم مجتمعية أساسية كالنظام الاجتماعي والسلام العام. وعليه، يتضح أن الخير العام هو الذي يشكل الدافع الأساسي وراء إنشاء نظم أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية أو قانونية، تهدف جميعها إلى تعزيز رفاهية الأفراد داخل المجتمع.
الخير العام هو مفهوم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة المجتمع، وبالتالي بمفهوم المجتمع البشري بوجه عام. يشكل الخير العام عنصرًا جوهريًا في الأخلاقيات التي تتبناها المجتمعات الإفريقية ذات الطابع الجماعي. إن السعي لتحقيق الخير المشترك لجميع الأفراد يُعد الغاية الأساسية للمجتمع الجماعي الذي تتسم به هذه المجتمعات. ويقوم الإحساس بالخير العام—الذي يُجسد جوهر القيم المشتركة—بدور الأساس الذي تستند إليه الأخلاقيات الاجتماعية الإفريقية.
8. الأخلاقيات الاجتماعية مقابل الفردية
أخلاق الإنسانية، التي تقوم على الاهتمام برفاهية ومصالح كل فرد في المجتمع، تتسم بأنها أخلاق اجتماعية، إذ تنبع من طبيعة الحياة الاجتماعية ذاتها. وهذا الطابع الاجتماعي يميز الأخلاق الإفريقية بوضوح. فالإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، حيث يولد كل فرد في مجتمع بشري قائم بالفعل. وقد عبّر أحد الحكماء التقليديين من شعب الأكان عن هذه الفكرة بمثل مأثور يقول: “حين ينزل الإنسان من السماء، ينزل إلى مدينة بشرية (أو مجتمع بشري).”
هذا المثل يؤكد أن الإنسان اجتماعي بالفطرة، وهو ما يتقاطع مع القول الشهير لأرسطو: “الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته”، بمعنى أن الفرد، بطبيعته، عضو في مجتمع بشري (بوليس). (تُترجم كلمة Politikon في قول أرسطو على أنها “اجتماعي” وليست “سياسي”). وبصفته جزءًا من المجتمع الإنساني بفطرته، ينخرط الفرد تلقائيًا في علاقات مع الآخرين ويعتمد عليهم.
هذه الطبيعة الاجتماعية للإنسان تقتضي أخلاقيات اجتماعية تُبنى على التعاون والتكافل، بدلًا من الأخلاقيات الفردية التي تركز على مصلحة الفرد فقط. الأخلاقيات الفردية، التي تعطي الأولوية لمصالح الفرد الشخصية، لا تحظى بمكانة محورية في الفكر الأخلاقي الإفريقي.
تظهر الأخلاقيات الاجتماعية الإفريقية في العديد من الأمثال والحكم التي تعكس قيم التعاون والمسؤولية المشتركة والتداخل المتبادل بين الأفراد. ومن بين هذه الأمثال ما يلي:
“رفاهية الإنسان تعتمد على الإنسان الآخر.” (Onipa yieye firi onipa)
تُبرز هذه الحكمة أن الإنسان ليس ملزمًا دائمًا بالاعتماد على الآخرين لتحقيق رفاهيته أو بلوغ أهدافه، لكنها تشير إلى وجود مواقف يكون فيها دعم الآخرين، كإظهار حسن النية أو التعاطف أو الرحمة أو الرغبة في المساعدة، عنصرًا حاسمًا يعزز جهود الفرد لتحقيق غاياته وإكمال مسيرته الحياتية. ويُعزى هذا الاعتماد، المشار إليه في الحكمة، إلى الحدود الطبيعية لقدرات الإنسان وإمكاناته، وهو ما تعبر عنه مقولة أخرى من أمثال الأكان:
“الإنسان ليس شجرة نخيل ليكون مكتملًا (أو مكتفيًا بذاته).” (Onipa nye abe na ne ho ahyia ne ho)
يسلط هذا المثل الضوء على القصور الطبيعي للإنسان، الذي يجعله غير قادر على تحقيق اكتمال حياته بمفرده، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو العاطفي أو النفسي. في سياق المجتمع البشري، يصبح واضحًا أن الفرد لا يمكنه الاعتماد على ذاته بالكامل، حيث لا تكفي قدراته ومواهبه واستعداداته لتلبية احتياجاته الأساسية أو تحقيق إمكاناته الكاملة.
فقط من خلال التعاون مع الآخرين يمكن للفرد أن يحقق طموحاته ويلبي احتياجاته. ومع افتقار الإنسان للاكتفاء الذاتي بفعل طبيعته البشرية، يصبح الدعم المتبادل والعلاقات الاجتماعية ضرورة لا غنى عنها. لذلك، تُعد الأخلاقيات الاجتماعية، التي ترتكز على قيم المساعدة المتبادلة وحسن النية والتكافل، ضرورة لتعويض هذا النقص الطبيعي، ولتلبية احتياجات الإنسان الأساسية بما يعزز ازدهاره على المستويات المختلفة.
تُجسد أمثال الأكان قيم التبادلية والتكافل بوضوح، كما يظهر في الأمثلة التالية:
“الذراع اليمنى تغسل الذراع اليسرى، والذراع اليسرى تغسل الذراع اليمنى“
(wo nsa nifa hohorow benkum, na benkum nso hohorow nifa)
يعبر هذا المثل عن حقيقة بسيطة من الحياة اليومية: الذراع اليسرى لا تستطيع تنظيف نفسها بمفردها. فقط من خلال تعاون الذراعين يتحقق النظافة لكليهما، مما يبرز أهمية التكافل والاعتماد المتبادل بين الأفراد.
- “الحياة هي مساعدة متبادلة” (Obra ye nnoboa)
تشير كلمة “nnoboa” في لغة الأكان إلى مفهوم “التعاون المتبادل في العمل الزراعي”. ففي المجتمعات الزراعية في غانا الريفية، عندما يدرك أحد المزارعين أنه لا يستطيع إتمام العمل في مزرعته بمفرده ضمن الإطار الزمني المطلوب، يلجأ إلى طلب مساعدة المزارعين الآخرين في مجتمعه. ويستجيب هؤلاء المزارعون بتقديم العون اللازم، مما يتيح له تحقيق أهدافه الإنتاجية في الوقت المحدد. وبالمثل، يُمكن للمزارعين الآخرين طلب المساعدة عند الحاجة، في إطار من التبادلية التي تسود المجتمع.
استلهم أحد مفكري الأكان التقليديين من هذه التجارب صياغة هذا المثل، الذي امتد معناه ليشمل مختلف مجالات الحياة، وليس فقط الجانب الاقتصادي أو الزراعي، وهذا بفضل تضمينه كلمة “الحياة” .(obra)
إن الامتناع عن مساعدة الآخرين والسعي الدائم لتحقيق المصالح الذاتية دون اعتبار لمصالح الآخرين يؤدي غالبًا إلى فقدان الدعم والتقدير الذي قد يكون ضروريًا لتحقيق بعض الأهداف. فمن يرفض مساعدة شخص محتاج أو في ضائقة قد يجد نفسه يومًا في حاجة إلى المساعدة ويواجه رفضًا مماثلًا، وربما أشد.
إن أخلاقيات الحياة المشتركة، كما هو الحال في أي مجتمع، تتطلب التبادلية أو المعاملة بالمثل كواجب أخلاقي في عالم يواجه فيه البشر، بضعفهم وحدودهم، تحديات متنوعة. وبالتالي، يصبح التعاون المتبادل التزامًا أخلاقيًا.
أن الإنسان يستحق المساعدة نظرًا لمحدوديته يُعبَّر عنه في المثل التالي:
“الإنسان بحاجة إلى المساعدة.” (onipa hia moa)
كلمة hia في لغة الأكان تُترجم إلى “بحاجة”، لكنها تحمل في هذا السياق دلالة معيارية تتجاوز مجرد الإشارة إلى حقيقة حياتية أو وصف لحالة الإنسان. فالمعنى العميق للمثل هو أن الإنسان يستحق المساعدة، وبالتالي ينبغي أن تُقدَّم له. كما يشير المثل إلى ضرورة التعامل مع الإنسان باعتباره موضوعًا ذا قيمة أخلاقية، يستحق الدعم في الظروف الملائمة.
أما السبب الذي يدعو إلى مساعدة الآخرين المحتاجين فيُوضَّح من خلال مثل آخر:
“حال جارك هو حالك المحتمل.” (Wo yonko da ne wo da)
هناك نقطتان أساسيتان يجب توضيحهما بخصوص هذا المثل. الأولى أن المثل يُقال فقط عند الإشارة إلى حالة مؤسفة أو بائسة أو تعيسة لشخص آخر (يُشار إليه في المثل بـ”جارك” wo yonko)) أو لمجموعة من الأشخاص (“جيرانك”). هذه الظروف المؤسفة تتطلب إظهار التعاطف والشفقة والاستعداد لتقديم المساعدة.
أما النقطة الثانية، فهي أن كلمة “جار” في المثل لا تعني بالضرورة الشخص الذي يسكن بجوارك أو في مجتمعك المحلي، بل تشير إلى أي شخص في مجتمعك أو خارجه، حتى لو كان في أماكن بعيدة.
الرسالة الأساسية أو الجوهرية للمثل هي أنه لا ينبغي أن تكون غير مكترث تجاه الأشخاص الذين يمرون بحالات مؤسفة، لأنك قد تجد نفسك في يوم من الأيام في مثل تلك الحالة وتحتاج إلى مساعدة الآخرين. وهكذا، فإن وضع جارك هو وضعك المحتمل؛ كل إنسان آخر هو، في جوهره، امتداد لك.
بناءً على ذلك، تفرض الأخلاق الاجتماعية التزامًا بمبدأ التبادلية كواجب أخلاقي، في عالم يتسم بتقلبات الحياة وضعف الإنسان أمامها. ويصبح الإيثار، في هذا السياق، قيمة أخلاقية جوهرية.
تدين الفلسفة الأخلاقية عند الأكان، كما تفعل القيم الأخلاقية في الثقافات الأخرى، اللامبالاة تجاه احتياجات ومعاناة الآخرين أو صعوباتهم. ويُعبر عن هذا بشكل بليغ في المثل الأكاني:
“عندما تخترق شوكة جسد جارك، فكأنها اخترقت قطعة خشب.” (etua wo yonko ho a, etua dua mu)
هنا، “اختراق الشوكة جسد جارك” يُستخدم مجازًا للإشارة إلى المعاناة أو المحنة أو الألم الذي يعانيه شخص آخر. فإذا اخترقت إبرة جسدك، فإن الألم سيكون مباشرًا وشخصيًا. ولكن عندما تخترق جسد جارك، قد لا تشعر بالألم مباشرة—لكن هذا لا يعفيك من الاهتمام. يؤكد المثل أن جسد جارك ليس قطعة خشب عديمة الحياة لا تشعر بالألم؛ بل هو جسد إنساني، تمامًا كجسدك، قادر على الشعور بالألم ويستحق التعاطف.
تُدين هذه الحكمة قسوة اللامبالاة الأخلاقية التي تدفع الأفراد إلى تجاهل معاناة الآخرين، داعيةً إلى تبني شعور مشترك بالإنسانية يربطنا جميعًا في رعاية متبادلة ومسؤولية مشتركة.
تُبرز الأمثال السابقة، ومعها العديد من الأمثال المشابهة في المضمون والغاية، جوهر الأخلاقيات الاجتماعية. وتجد هذه الأخلاقيات انعكاسًا لها في العديد من الحكايات الشعبية الإفريقية، حيث تهدف نهايات تلك الحكايات إلى ترسيخ قيم تُعنى بالعلاقات الإنسانية وتعزيزها. إن الطبيعة الاجتماعية للأخلاقيات تقتضي من الفرد، مع حفاظه على مصالحه الشخصية، أن يُكيّف تلك المصالح بما يتماشى مع احتياجات ومصالح الآخرين. ويتطلب ذلك منه إيلاء الاهتمام الكافي برفاهية الآخرين ومصالحهم. وبما أن الإنسان ينتمي بطبيعته إلى مجتمع إنساني، فإن عليه أن يتحمل مسؤولية أخلاقية مزدوجة: واحدة تجاه نفسه كفرد يسعى لتحقيق احتياجاته، وأخرى تجاه الآخرين الذين يشاركونه في الاحتياجات والمصالح الأساسية داخل المجتمع.
9. أخلاقيات الواجب لا الحقوق
تمثل الأخلاقيات الإفريقية نمطًا إنسانيًا يضع رفاهية الإنسان في صلب اهتماماته. فالاهتمام برفاهية الإنسان يشكل محور القيم الأخلاقية الإفريقية، ويستمد هذا التوجه جذوره من الرؤية الإنسانية التي تميز الحياة والتفكير التقليدي الإفريقي. الإنسانية – باعتبارها مبدأ يركز على احتياجات الإنسان ومصالحه كجوهر أساسي – تُعد الأساس الذي تقوم عليه الأخلاقيات الإفريقية. (انظر العنصر رقم 5 أعلاه)
إن الطابع الاجتماعي أو الترابطي للإنسان، الذي يبرر الأخلاق الاجتماعية، يبرر أيضًا أخلاقيات الواجب والمسؤولية. فترابط الإنسان مع محيطه الاجتماعي يُلزم الفرد بأدوار أخلاقية واجتماعية، تتجسد في صورة التزامات وواجبات تجاه أعضاء مجتمعه، يتعين عليه الوفاء بها. وتفرض الحياة الاجتماعية الجماعية، التي تعد سمة أساسية في المجتمعات الإفريقية، نظامًا أخلاقيًا يرتكز على أداء الواجبات تجاه الآخرين والمجتمع ككل، مما يضع الأساس للمسؤوليات الأخلاقية والالتزامات الاجتماعية.
هناك علاقة وثيقة – سواء من الناحية المفاهيمية أو العملية – بين الأخلاق الاجتماعية، التي يُمليها المبدأ الجماعي، وأخلاق الواجب التي ينص عليها هذا المبدأ نفسه. فأخلاق الواجب تلزم كل فرد بإظهار اهتمام حقيقي بمصالح الآخرين. وتشمل القيم الأخلاقية المرتبطة بهذه الأخلاقيات التعاطف، والتضامن، والتعاون، والتكافل، والرفاه الاجتماعي. هذه القيم تُلزم الفرد بواجبات أخلاقية تجاه مجتمعه وأفراده، مما يعكس روح الجماعية التي تشكل أساس الأخلاق الإفريقية.
وتُرفع مكانة الواجبات في الأخلاق الإفريقية إلى مرتبة توازي الحقوق في الأخلاقيات الغربية. ورغم أن الأخلاقيات الإفريقية لا تُهمل مفهوم الحقوق، إلا أنها لا تضعه في صدارة الاهتمام أو تُبالغ في التركيز عليه. ففي هذا الإطار الأخلاقي، يتفوق الواجب على الحقوق، على عكس النظم الأخلاقية الغربية التي تمنح الأولوية للحقوق. إن أداء الواجبات مدفوع بوعي عميق باحتياجات الآخرين وليس بمجرد الإقرار بحقوقهم. بمعنى آخر، يلتزم الأفراد بواجباتهم تجاه الآخرين ليس لأنهم أصحاب حقوق فقط، بل لأنهم في حاجة إلى العون، ولأن رفاههم يتطلب ذلك.
يتضح من المناقشة السابقة أن الأخلاقيات الإفريقية تتبنى موقفًا معارضًا لما يُعرف بـ”الأفعال الفائقة الواجب”. ويُعرَّف الفعل الفائق الواجب على أنه ذلك الفعل الذي يُقال إنه “يتجاوز حدود الواجب”، أي أنه فعل يُعتبر فوق ما يُطلب من الفرد القيام به باعتباره فاعلًا أخلاقيًا. في كثير من الأدبيات الغربية حول الفلسفة الأخلاقية، لا يُنظر إلى الفعل الفائق الواجب على أنه واجب أخلاقي بالمعنى الصارم. وعليه، لا يُعد الفعل ملزمًا أخلاقيًا ولا محظورًا؛ وبالتالي، وفقًا لهذه الرؤية، لا يُعتبر الامتناع عن القيام به خطأً أخلاقيًا، رغم أنه يُعد فعلًا جيدًا وجديرًا بالثناء لما ينطوي عليه من قيمة وآثار إيجابية على الآخرين إذا تم تنفيذه. ويُنظر إلى هذا النوع من الأفعال على أنه مستحب لكنه اختياري، حيث يمكن للشخص أن يؤديه إذا رغب بذلك، لكنه غير ملزم بالقيام به. بناءً على ذلك، يتم التمييز في الأدبيات الغربية بين الواجب الأخلاقي والفعل الفائق الواجب، حيث يُعتبر الأول إلزاميًا وواجبًا أخلاقيًا “حقيقيًا”، بينما يُعد الثاني اختياريًا وغير إلزامي، ولا يرقى إلى مستوى الواجب الأخلاقي “الحقيقي”.
غير أن هذا المفهوم يبدو متناقضًا في جوهره: فكيف يمكن أن يكون الفعل الذي يُعتبر جيدًا وجديرًا بالثناء أخلاقيًا، ويسهم في رفاهية الآخرين، غير ملزم أو غير واجب التنفيذ؟ من الطبيعي أن نتصور وجود علاقة أخلاقية وثيقة بين “الجيد” و”الما ينبغي”، مما يعني أن الفعل الجيد أخلاقيًا يجب أن يُنفذ: فإذا كان الفعل جيدًا أخلاقيًا، فإن أداءه يصبح ضرورة أخلاقية.
الأخلاقيات الإفريقية، التي تتسم بإنسانيتها وطابعها الاجتماعي وتركيزها على الواجب أكثر من الحقوق، لا تميز بين الواجب الأخلاقي والفعل الذي يتجاوز حدود الواجب، المعروف بالفعل الفائق الواجب – ذلك الفعل الذي يُعتبر “أكثر مما يُطلب” وبالتالي لا يُلزم بالقيام به. انطلاقًا من إنسانيتنا المشتركة، لا يصح – بل يُعد انتقاصًا من قيمتنا الإنسانية – أن نضع حدودًا لمسؤولياتنا الأخلاقية. ورغم أن الإنسان محدود بطبيعته وغير قادر على الوفاء بجميع واجباته تجاه الجميع في كل الأوقات، فإن ذلك لا يعني أن نطاق واجباتنا الأخلاقية يجب أن يكون مقيدًا.
تطمح الأخلاقيات الإنسانية الإفريقية إلى دمج الواجب الأخلاقي والمُثل الأخلاقية –التي تُشكل أساس ما يُعرف بالواجب الفائق– ضمن إطار شامل يضم “أخلاقيات الواجب” بمعناها المُلزم والمرتبط بالعدالة، و”أخلاقيات الفضيلة”، المرتبطة بالمحبة، الرحمة، والإحسان. وفقًا لهذا التصور الشامل، لا يتم التفريق بين الأفعال الأخلاقية الملزمة والأفعال الاختيارية. بل تؤكد هذه الأخلاقيات أن أي فعل يحمل قيمة أخلاقية في ذاته، أو يُسهم في رفاهية الآخرين، لا يمكن اعتباره اختياريًا أو أمرًا يُغض النظر عنه إذا فهمنا الأخلاق على أنها وسيلة لتحقيق احتياجات الإنسان وخدمته.
كما جاء في أحد الاقتباسات:
“الشخص في الثقافة الأصلية يُقدم أفضل منزله ووجبة عشائه لضيوفه، دون أن يفكر للحظة أنه يفعل شيئًا استثنائيًا” (دوجالد كامبل، العنصر السادس أعلاه).
وعليه، فإن الأخلاقيات الإفريقية –باعتبارها أخلاقيات تركز على الواجب أكثر من الحقوق– ترفض أن ترى أي واجب أخلاقي على أنه استثنائي، اختياري، أو فائض عن الواجب. إنها أخلاقيات إنسانية تجعل كل إنسان موضعًا للاهتمام الأخلاقي، وتُلزمنا بتمديد حساسيتنا الأخلاقية لتشمل جميع البشر، بغض النظر عن اختلاف ثقافاتهم أو مجتمعاتهم.
10. الخاتمة
تقوم الأخلاق الإفريقية على النزعة الإنسانية، التي تُعلي من شأن مصالح الإنسان ورفاهيته كأساس للفكر والعمل. ومن هذا المبدأ، كما يتجلى في الفكر الأخلاقي الإفريقي، ينبع الطابع الجماعي للمجتمع الإفريقي. فرفاهية كل فرد ومصالحه لا يمكن تحقيقها إلا في سياق مجتمع جماعي. هذا الطابع الجماعي يستند أيضًا إلى الإيمان بالطبيعة الاجتماعية الفطرية للإنسان، وهو ما تعبر عنه الحكمة الأكانية الشهيرة: “عندما ينزل الإنسان من السماء، ينزل إلى مدينة بشرية”(onipa firi soro besi a, obesi onipa kurom). وبالتالي، فإن الحياة الاجتماعية ليست اختيارية بالنسبة للإنسان، بل ضرورة تفرضها طبيعته الاجتماعية. هذه الحياة تُلزم الفرد بشبكة من الواجبات الأخلاقية والالتزامات التي تهدف إلى تحقيق الخير العام والرفاه المشترك.
الأخلاقيات الإنسانية الإفريقية تثمر عن منظومة أخلاقية شاملة تُركز على الخير العام والواجبات الأخلاقية. وهي منظومة تمتد لتشمل ما يُعرف بالمُثل الأخلاقية، مثل الحب، والفضيلة، والرحمة، التي تُعتبر أفعالًا فائقة الواجب في الأخلاقيات الغربية. ومع ذلك، يبقى حجر الزاوية في الأخلاق الإفريقية هو بناء الشخصية؛ حيث يُعتبر نجاح الحياة الأخلاقية انعكاسًا لجودة الحياة الشخصية للفرد.
وتُقدم الأخلاقيات الإفريقية تصورًا أخلاقيًا للشخصية، يقوم على وجود معايير ومُثل أخلاقية أساسية يجب أن يلتزم بها الإنسان ليكون جديرًا بوصفه “شخصًا”. كما أن الاعتراف في التقاليد الأخلاقية الإفريقية بكون جميع البشر إخوة، بحكم إنسانيتهم المشتركة، يُعدّ مثالًا أخلاقيًا رفيعًا يستحق التقدير. هذا المبدأ يُشكل درعًا ضد نزعات التعصب التي قد تتصاعد تجاه شعوب مختلفة الثقافات أو الألوان، مؤكدًا على كونهم أعضاء في الأسرة البشرية الواحدة، التي تجمعنا جميعًا تحت مظلة الإنسانية.
المراجع
- Bewaji, John A. I., 2004. “Ethics and Morality in Yoruba Culture,” in Kwasi Wiredu (ed.), A Companion to African Philosophy, Oxford: Blackwell Publishing, pp. 396–403.
- Busia, K. A., 1954. “The Ashanti of the Gold Coast,” in Forde (ed.) 1954, pp. 190–209.
- –––, 1967. Africa in Search of Democracy, New York: Praeger.
- –––, 1962. The Challenge of Africa, New York: Frederic A. Praeger, Inc.
- Campbell, Dugald, 1922, In the Heart of Bantuland: A Record of Twenty-Nine Years in Central Africa among the Bantu Peoples, London: Seely Service and Co.
- Danquah, J. B., 1944. The Akan Doctrine of God: A Fragment of Gold Coast Ethics and Religion, London: Lutterworth Press.
- Ebijuwa, T., 1996. “Conscience, Morality and Social Responsibility in an African Culture,” Quest: Philosophical Discussions, 9 (2): pp. 89–100.
- Forde, Daryll (ed.), 1954. African Worlds, Studies in the Cosmological Ideas and Social Values of African Peoples, Oxford: Oxford University Press.
- Gbadegesin, Segun, 1991. African Philosophy: Traditional Yoruba Philosophy and Contemporary African Realities, New York: Peter Lang.
- Gyekye, Kwame, 1995. An Essay on African Philosophical Thought: The Akan Conceptual Scheme, revised edition, Philadelphia: Temple University Press; original edition, Cambridge: Cambridge University Press, 1987.
- –––, 1997. Tradition and Modernity: Philosophical Reflections on the African Experience, New York and Oxford: Oxford University Press.
- –––, 2004. Beyond Cultures: Perceiving a Common Humanity (Ghanaian Philosophical Studies 111), Washington, D.C.: The Council for Research in Values and Philosophy and Ghana Academy of Arts and Sciences.
- Hardie, W. F. R., 1968. Aristotle’s Ethical Theory, Oxford: Clarendon Press.
- Idowu, Bolaji E., 1962, Olodumare: God in Yoruba Belief, London: Longmans Group Ltd.
- Kaunda, Kenneth D., 1966. A Humanist in Africa, London: Longmans.
- Krige, J. D. and E. J Krige, 1954. “The Lovedu of the Transvaal,” in Forde (ed.) 1954, pp. 55–82.
- Kudadjie, J. N., 1973. “Does Religion Determine Morality in African Societies? A Viewpoint,” in Ghana Bulletin of Theology, 3 (5): 30–49.
- Little, Kenneth, 1954. “The Mende in Sierra Leone,” in Forde (ed.) 1954, pp. 111–137.
- Maquet, J. J., 1954. “The Kingdom of Ruanda,” in Forde (ed.) 1954, pp. 164–189.
- McVeigh, Malcolm J., 1974. God in Africa, Cape Cod, MA: Claude Stark.
- Menkiti, Ifeanyi A., 1984. “Person and Community in African Traditional Thought,” in Richard A. Wright (ed.), African Philosophy: An Introduction, 3rd edition, Lanham, Maryland: University Press of America.
- Molema S. M., 1920. The Bantu: Past and Present, Edinburgh: W. Green and Son.
- Nyerere, Julius K., 1968. Ujamaa: Essays on Socialism, Dar es Salaam, Tanzania: Oxford University Press.
- Oluwole, S. B., 1984. “The Rational Basis of Yoruba Ethical Thinking,” The Nigerian Journal of Philosophy, 4 (1&2): 14–25.
- Opoku, Kofi Asare, 1978. West African Traditional Religion, Jurong, Singapore: FEP International Private Limited.
- Parrinder, E. G., 1969. Religion in Africa. Harmondsworth: Penguin.
- Russell, Bertrand, 1945. A History of Western Philosophy, New York: Simon and Schuster.
- Sarpong, Peter K., 1972. “Aspects of Akan Ethics,” in Ghana Bulletin of Theology, 4 (3): 40–54.
- Wilson, Godfrey, 1960. “An African Morality,” in Simon Ottenberg and Phoebe Ottenberg (eds.), Cultures and Societies of Africa, New York: Random House.
- Wilson, Monica, 1971. Religion and Transformation of Society, Cambridge: Cambridge University Press.
- Wiredu, Kwasi and Gyekye, Kwame (eds.), 1992. Person and Community (Ghanaian Philosophical Studies 1), Washington, D.C.: The Council for Research in Values and Philosophy.
- Wiredu, Kwasi, 1995. “Custom and Morality,” in his Conceptual Decolonization in African Philosophy, Ibadan, Nigeria: Hope Publications.
- –––, 1992. “Moral Foundations of an African Culture,” in Wiredu and Gyekye (eds.) 1992, pp. 193–206.
- –––, 1983. “Morality and Religion in Akan Thought,” in H. Odera Oruka and D. A. Masolo (eds.), Philosophy and Cultures, Nairobi: Bookwise Limited.
أدوات أكاديمية
How to cite this entry. Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO). Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.
مصادر أخرى على الإنترنت
[Please contact the author with suggestions.]
مداخل ذات صلة
Africana Philosophy | Akan Philosophy: of the person | ethics: virtue