ت س اليوت
في الكتابة الإنجليزية، نادرا ما نتحدث عن التقاليد (التقاليد الأدبية)، وعلى الرغم من أننا أحيانا تطبيق اسمها مع اعتراضنا لعدم وجوده. لا نستطيع الرجوع إلى “تقليد” أو “التقليد”، على الأكثر، ونحن نادرا نوظف الصفة في قول أن شعر فلان وفلان هو “تقليد” أو حتى “تقليدي جدا”. وربما، هي كلمات لا تظهر إلا مع جملة من العتاب[2]. إذا كان خلاف ذلك، فهي غامضة مع التلميح، ولو كان العمل معتمدًا على إرضاء لبعض الأبنية الأثرية. يمكنك أن تجعل من التوصل إلى اتفاق بين الكلمة الإنجليزية أمرًا صعبًا بدون أريحية الآذان المرجعية لعلم الآثار.
بالتأكيد، لم يكن من المرجح أن تظهر الكلمة في تقديرنا للكاتب الحي أو الكاتب الميت. كل أمة، في كل سلالة[3]، وليس فقط إبداعيته الخاصة به، ولكن بدوره الحاسم الخاص بالعقل، وحتى أكثر غافلة عن أوجه القصور والقيود المفروضة على عاداته أهمية من تلك العبقرية الخلاقة. ونحن نعلم، أو نظن أننا نعرفه، من كتلة هائلة من الكتابة النقدية التي ظهرت في اللغة الفرنسية أو طريقة حاسمة العادة من الفرنسيين؛ نستنتج فقط (نحن أناس فاقدي الوعي) أن الفرنسيين “أكثر أهمية” منا، وأحيانا حتى نعوّد أنفسنا قليلا على الواقع، كما لو كان الفرنسيون أقل عفوية. ربما هم، لكننا لابد أن نذكر أنفسنا بأنه لا مفر من الانتقادات كالتنفس، وأننا يجب أن نستوعب أن لا شيء أسوأ لتوضيح ما يمر في أذهاننا عندما نقرأ كتابا عن المشاعر وما نشعر حيال ذلك، لانتقادنا عقليتنا في أعمالهم الأدبية. واحدة من الحقائق التي قد تسلط الضوء في هذه العملية هو ميلنا إلى الإصرار، فنحن عندما نمدح الشاعر، بناء على تلك الظواهر من عمله الذي كان يُشبهه أي شخص آخر على الأقل. إننا نتظاهر للعثور على ما هو فردي في هذه الظواهر أو الأجزاء من عمله، ما هو جوهر هذا الرجل الغريب. نتوقف عند الفرق بارتياح الشاعر عن أسلافه، وبخاصة سابقيه، كما نسعى للحصول على شي ربما يكون معزولا[4] أكثر منه للمتعة. في حين أننا لو بحثنا في الشاعر وانحيازه (تعصبه) لن نجد فقط ما هو الأفضل، ولكن قد تكون أكثر الأجزاء الفردية (الخاصة) لعمله تلك التي للشعراء الموتى، أسلافه، وتأكيد خلودهم الأكثر هيمنةً. وأنا لا أقصد فترة المراهقة للتأثر، ولكن فترة النضج الكامل.
أيضا إذا كان الشكل الوحيد للتقاليد، وإصدارهم، تألف في السير في طرق الجيل فورا قبل الانضمام إلينا في أعمى أو خجول لنجاحاتها، التقليد يجب أن يثبط ايجابيا. لقد شهدنا العديد من التيارات البسيطة فقدت في الرمال، والتجديد[5] أفضل من التكرار. التقليد هو مسألة ذات أهمية على نطاق أوسع من ذلك بكثير. لا يمكن أن يورث، وإذا كنت تريد ذلك لا بد من الحصول عليه عن طريق عمل عظيم. إنها تنطوي، في المقام الأول، على الإحساس التاريخي، الذي يمكن أن نطلق عليه تقريبا لا غنى عنه لأي شخص يريد أن يكون شاعرا فيما يقارب عامة الخامس والعشرون؛ والحس التاريخي ينطوي على التصور، ليس فقط من الماضي ولكن من الحاضر؛ بالمعنى التاريخي يلزم الرجل على الكتابة ليس فقط مع جيله، ولكن مع شعور جميع أدباء أوروبا من هوميروس إلى جانب ذلك شعور جميع أدباء بلده المعاصرون له[6] وما أصدروه جميعا عن أمر محدد في ذلك الوقت. هذا المعنى التاريخي، الذي هو بالمعنى الأبدي، الذي يقصد الأبدية المؤقتة والمؤقت معا، هي ما تجعل للكاتب تقاليد. وهي في الوقت نفسه ما يجعل الكاتب أكثر وعي من مكانه عن الوقت المناسب المعاصرة له.
ليس هناك شاعر، أو فنان في أي فن، لدية معانيه المنزلة الخاصة به. إشاراته، تقديره هو تقديره لعلاقته مع الشعراء والفنانون الموتى. لا يمكنك أن تقيمه وحده، يجب عليك تحديده، على النقيض من والمقارنة، من بين الموتى. أنا اقصد أنه من مبدأ الجمالية، وليس مجرد التاريخية، النقد. من الضروري أنه يجب بأن يكون مطابقا[7] وانه يجب أن يكون ملتحما[8] ليس من جانب واحد، ماذا يحدث عندما يتم خلق عمل جديد في الفن! إنه شيء يحدث في وقت واحد لجميع الأعمال الفنية السابقة. تشكل الآثار الموجودة النظام المثالي بنفسها، والتي يتم تعديلها من قبل التقديم الجديد (جديد فعلا) لعمل فني فيما بينها. النظام القائم قبل اكتمال العمل الجديد يصل من اجل استمرارية الإبداع، يجب أن يكون النظام القائم بأكمله، إذا كان من أي وقت مضى حتى قليلا أو تتغير، وبالتالي فإن العلاقات والقيم من كل عمل فني تمت إعادتها، وهذا هو التوافق[9] بين القديم والجديد. وعلى ذلك أثبت النظرية في الشكل الأوروبي، وفي الأدب الانكليزي، يذهب البعض إلى أن ما في الحاضر يحاكي الماضي أكثر من طباعة أو نسخ للماضي. والشاعر المستوعب لهذه الفكرة يكون على قدر من المسئولية في الصعوبات والاستجابات.
من الغريب أنه يجب أن يحاكم[10] أيضا وفقا لمعايير الماضي. أنا أقول يحاكم (يقيّم)، وليس البتر، من قبلهم، ليس الحكم (التقييم) على أن تكون جيدة كما هو الحال، أو ما هو أسوأ أو أفضل من الأموات (يقصد السابقون)، وبالتأكيد لم يحكم عليها معايير من النقاد الموتى (أي السابقون). إنه الحكم، المقارنة، التي يتم قياسها من خلال أمرين يكيل أحدهما الآخر. ليس لمجرد أنها توافقت هذا يعني أنها توافقت للأبد، لن تكون جديدة، وبالتالي لن يكون هناك عمل فني. وعليه نحن لا نقول(نجزم) بأن الجديد هو المناسب لملائمته، ولكن الملائمة في اختبار جودته، مصداقيته، والتي لا يمكن تطبيقها إلا ببطئ وحذر، لذلك ليس لأحد منا أن يكون كقضاة(حكام-نقاد) للمطابقة. نحن نقول: أنها تظهر للمطابقة، وربما الفردية، أو أنها تظهر الشخصية، وربما تتفق، ولكننا نجد وبصعوبة أنها واحد وليست سوها.
وللمضي قدما نحو شرح علاقة الشاعر بالماضي: لا يمكن أن يأخذ ما في الماضي باعتباره أغلبية، وأقراص عشوائية، ولا يستطيع أن يقدم نفسه مرة واحدة كليا ولا مرتان بشكل إعجاب خاص، ولا يستطيع أن يقدم نفسه كليا بأنه على وشك فترة مفضلة. الفصل الأول غير مقبول، والثاني يعتبر تجربة مهمة للشباب، والثالث هو اكتمال لطيف ومرغوب للغاية. الشاعر يجب أن يكون واعيا جدا بالتيار الراهن، الذي لم يكن في جميع التدفقات السابقة حتى في أكثر أعمالهم ذات السمعة الشهيرة. لا بد له أن بكون على علم بحقيقة واضحة وهي أن الفن لا يتحسن، ولكن الأدوات الفنية ليست كذلك. يجب أن يكون على علم بان العقل الأوروبي- عقليته بلده الذي هو منه- هي العقلية التي كانت تتعلم في الوقت المناسب وليست عقليته عقلية تستطيع أن تتغير، وهذا التغيير هو التطور الذي لا يتخلى عن شيء في مسيرته. والذي لا يحيل حتى شكسبير إلى التقاعد، ولا هوميروس، ولا الرسامة على الصخر ماجدالينيا دروتسمن. إن هذا التطور، وربما هذا الصقل، وتلك المضاعفات، ليست، نقطة تحسن من وجهة نظر الفنان. وربما ليست نقطة تحسن من وجهة نظر عالم النفس أيضا، وربما ليست بالقدر الذي كنا نتصور، وربما هي في النهاية استناداً على التعقيد القائم بين الاقتصاد والآلية. لكن الفرق بين الحاضر والماضي هو أن الوعي الحاضر هو بطريقة الوعي في الماضي، ولحد من طريقة الوعي بالماضي لا يمكن أن تظهر.
أحدهم قال: “إن الكتاب الموتى بعيدون عنا لأننا نعلم أكثر مما يعلمون.” على وجه التحديد، وإنهم بالقدر الذي نعرفه.
أنا أحيا على الاعتراض المعتاد حول ما هو الجزء الواضح من برنامجي لوظيفة الشعر. الاعتراض هو في أن المذهب يتطلب كمية تافه من سعة المعرفة (الحذلقة)، وهي المناشدة التي يمكن أن ترفض بالهتاف بحياة الشعراء عند أي بانتيون[11]. الاستئناف في حياة الشعراء في أي آلهة. وانه يؤكد حتى أن كثرة التعلم تميت أو تحرف الشعرية بحساسية. وعلى الرغم من، وعلى ذلك، نحن نتمسك برأينا بأن الشاعر يحيا ليعلم بقدر ما لا يتعدى على ضرورة قابليته وضرورة خموله. أنه ليس من المرغوب فيه حصر المعرفة في أي شي يمكن أن يوضع في شكل مفيد للامتحانات، غرف الرسم، أو الوسائط التي لا تزال تطمح للشهرة. البعض تمكن من استيعاب المعرفة، المزيد من التأخر يمكن أن يفرزه. اكتسبت شكسبير السمة التاريخية أكثر بلو تارخ[12] ومن معظم الرجال في المتحف البريطاني بأكمله. وما يجب الإصرار عليه هو في أنه يجب على الشاعر أن يطور أو يحصل وعي الماضي الذي ينبغي أن يستمر في تطوير وعيه الحاضر طوال حياته المهنية.
ما يحدث هو خضوع مستمر في نفسه على انه في لحظة هي أكثر قيمة. رقي الفنان هو استمرارية للتضحية بالنفس، استمرارية في إخماد الشخصية.
لا يزال تحديد هذه العملية من تبدد الشخصية وعلاقتها بحس التقليد. تلك العملية من التجرد من الشخصية وعلاقته بمفهوم التقليد. وهو في هذا التبدد للشخصية ممكن أن يقترب الفن من شرط العلم. يجب على، لذلك، أن أدعوك لأن تعتبر، كتشبيه موحي، العملية التي تحدث فيها إنتاج قطعة أخيرة من البلاتينوم الناعم بأنها صنعت في غرفة تتضمن أكسجين وثاني أكسيد الكبريت.
يتوجه النقد النزيه والتقدير الحساس ليس للشاعر ولكن للشعر. لو اهتممنا بالهتافات المضطربة لنقاد الصحف والوشوشات المتبعة للتكرارات الشائعة، سوف نسمع أسماء لشعراء بأعداد جيدة: لو بحثنا ليس في الكتاب الأزرق للمعرفة ولكن في المتعة بالشعر، وتساءلنا عن القصيدة، أننا سوف نجدها نادرا. في المقال السابق حاولت أن استخلص أهمية العلاقة بين القصيدة والقصائد الأخرى لمؤلفين آخرين واقترحت مفهوم للشعر على أساس معايشة جميع الأشعار التي كتبت في يوم من الأيام. المظهر الآخر في هذه النظرية المجردة للشعر هو في العلاقة بين القصيدة وشاعرها. ولمحت، عن طريق القياس، إلى أن عقلية الشاعر الناضج تختلف عن عقليه الغير ناضج ليس تحديدا في تقييم الشخصية، وليس من الضرورة أن يكون أكثر تشويقا، أو يكون لديه أكثر ليقوله، بل يفضل أن يكون وسيط أكثر تمام في النهاية بتخصصه، أو متنوع جدا، المشاعر لها مطلق الحرية في الدخول بمفاضلة جديدة.
التشبيه يعادل الحافز[13]. عندما يختلط مسبقا الغازان اللذان ذكرا سابقا بوجود خليط من البلاتينيوم، ليشكلان الحامض الكبريتي. هذه الشراكة تأخذ موقعها فقط بوجود البلاتينيوم؛ والبلاتينيوم نفسه يبدو غير متأثر؛ وظل خامل، محايد، ودون تغيير. إن عقل الشاعر ذرة من البلاتينيوم. ممكن أن تعمل جزئيا أو كلياً بناءاً على خبرة الرجل نفسه؛ لكن، كلما كان الفنان أكثر كمالا، كلما كان هناك انفصال تام بين الرجل الذي يعاني والعقل الذي يبدع، كلما حلل وصف العقل، الشغف الذي يمثل مادته.
التجربة، ستلاحظ، أن العناصر التي تدخل في وجود تحويل الحافز، نوعان: العواطف والمشاعر. تأثير العمل الفني على الشخص المستمتع به هو خبرة تختلف في نوعها عن أي خبرة أخرى ليست في الفن. ممكن أن تكون قد تشكلت أساسا من عاطفة واحدة، أو مجموعة من العديد من العواطف، ومشاعر مختلفة، معدومة من الكاتب في كلمات محددة أو عبارات أو صور، ربما تضاف لتشكل النتيجة النهائية. أو ربما يتكون الشعر بدون الاستخدام المباشر لأي كم العواطف كانت: تألف من المشاعر فحسب. النشيد الخامس من الجحيم (لـ.. برنيتو لاتيني[14])، يعمل على وضوح العاطفة في الحالة؛ لكن التأثير، واحد كما أو أي عمل فني، اكتسب عن طريق التعقيد الهائل للتفصيل. الرباعية السابقة تعطينا صورة، مشاعر مرفقة بالصورة، التي “أتت”، التي لم تتطور ببساطة مما سبق، لكن التي كانت على الأرجح معلقة في عقل الشاعر حتى وصل إليها المزيج الملائم ليضيف نفسه إليها. عقل الشاعر عبارة عن وعاء لاحتواء وتخزين ما يصل إليه من المشاعر المعدودة، العبارات، الصور، التي تبقى هناك حتى الجسيمات التي ممكن أن تتحد لتشكل مركب جديد يقدمها جميعها.
ت س اليوت
الهوامش (ت س اليوت):
[1] مقالة في الشعر والنقد لـ ت س إليوت
[2] يقصد اللوم المعاتبة
[3] عِرق
[4] بمعنى غريب أو غير مألوف
[5] الإبداع
[6] الضمير في (له) عائد لـ هوميروس
[7] من التكيف والتطابق
[8] متماسك
[9] الانسجام
[10] يحاكم من التقييم وليس المحاكمة القضائية الخصام بين الاثنين
[11] اسم لآله
[12] ميستريوس بلوتارخاس Mestrius Plutarchu مؤرخ إغريقي
[13] في المعادلات الكيميائية
[14] فيلسوف ايطالي