مجلة حكمة
ألغاز ومفارقات التخيل ألغاز ومفارقات التخيل

ألغاز ومفارقات التخيل والفنون

الكاتبشِن يي لياو
ترجمةناصر الحلواني

في سياق البحث في طبيعة التخيُّل، طور الفلاسفة وناقشوا عددا من الألغاز puzzles والمفارقات paradoxes المتعلقة بدور التخيُّل في التعامل مع الفنون، خاصة مع الروايات الخيالية. تم استخدام هذه الألغاز والمفارقات لتوضيح العلاقة بين التخيُّل والمواقف النفسية الأكثر شيوعا لدى الناس، أعني بها: الاعتقاد والرغبة. بقدر ما يتم تقييم نظريات التخيُّل، جزئيا، من جهة قدرتها على تفسير دور التخيُّل في التعامل مع الفنون، فإن هذه الألغاز والمفارقات تعمل أيضا كاختبارات لتلك النظريات.

يغطي هذا الملحق أربعة ألغاز بارزة في المناقشات الدائرة حول دور التخيُّل في التعامل مع الفنون.

  • أولا:  لغز المقاومة الخيالية puzzle of imaginative resistance الذي يستكشف الحدود الواضحة لما يمكن تخيله أثناء التفاعل مع الفنون، وبالتالي، ما الذي يمكن جعله خياليا في الأعمال الفنية. ثانيا: مفارقة الاستجابة العاطفية للروايات الخيالية  paradox of emotional response to fictions (تُعرف أحيانا باسم “المفارقة الدرامية paradox of fiction”) وهي تفسر أوجه التشابه النفسي والمعياري بين الاستجابات العاطفية التي أثارتها التخيلات، في مقابل الاستجابات العاطفية التي تثيرها المواقف الواقعية.
  • ثالثا: مفارقة التراجيديا ومفارقة الرعب paradox of tragedy and the paradox of horror ويقوما بفحص الاختلافات النفسية والمعيارية بين الاستجابات العاطفية التي تثيرها التخيلات، مقابل الاستجابات العاطفية التي تثيرها الأحداث الواقعية.
  • رابعا: لغز الإقناع الأخلاقي puzzle of moral persuasion الذي يُعنى بالمخرجات الواقعية للمشاركات التخيلية مع الأعمال الفنية، على وجه التحديد، ما إذا كانت الأعمال الفنية، وإلى أي مدى يمكن أن تربى أو تفسد أخلاقيا وكيف.

1. المقاومة الخيالية

تحدث المقاومة الخيالية عندما يواجه المتخيِّل المختص عائقا في المشاركة في نشاط تخيُّلي (see Gendler & Liao 2016 and Miyazono & Liao 2016 for overviews).  ركز الفلاسفة في المقام الأول على الوقت الذي يواجه فيه الناس مقاومة خيالية كاستجابة للقصص. افترض، على سبيل المثال، أنك واجهت نسخة مختلفة من مسرحية مكبث Macbeth حيث  

تظل الحقائق المتعلقة بمقتل [دونكان Duncan] مؤداة في المسرحية كما هي في الواقع، غير أنها منصوصة في هذا الرواية البديلة أن مقتله كان مؤسفا فقط لاعتراضه نوم ماكبث (Moran 1994).

إذا وجدت صعوبة في التعامل مع هذه القصة بشكل خيالي، فاعلم أنك تمر بحالة مقاومة خيالية.

بينما كانت المناقشات الأولى للمقاومة الخيالية تميل إلى التركيز على الأمثلة (كالمثال المذكور آنفا) التي تتضمن عوالم “منحرفة أخلاقيا”، فمن المتفق عليه الآن على نطاق واسع أن هذا التوصيف الأولي كان مقيدا للغاية (Walton 2006; Yablo 2002; but see Gendler 2006 for a partial dissent). على سبيل المثال، ذهب برايان ويزرسون Brian Weatherson (2004) إلى أن ألغاز المقاومة الخيالية لا تنشأ فقط للمفاهيم المعيارية (بما في ذلك المفاهيم الأخلاقية المعيارية والوصفية، والأحكام الجمالية، والتقييمات المعرفية)، ولكن أيضا لما هو منوط بالحالات العقلية، وخصائص المحتوى، والادعاءات التي تنطوي على حالات مزاجية أو وجودية.

كما يلاحظ كيندال والتون (2006: 137)، فإن الأسئلة التي يتم تناولها تحت عنوان المقاومة الخيالية تتحول إلى “عش متشابك الخيوط من الألغاز الواضحة وإن كانت، بلا ريب، ألغازا مشوشة”. في الواقع، لقد قيل ( Weatherson 2004)  أن هناك أربعة، على الأقل، من هذا النوع من الألغاز، تم توضيحها في مثال موران Moran  لتنويعات مكبث:

  1. يتعلق اللغز التخيُّلي imaginative puzzle بالصعوبات التي يلقاها الجمهور في تخيل أن مقتل دونكان كان مؤسفا فقط لتداخله مع نوم ماكبث.
  2. يتـــعلق اللغز الخيالي fictionality puzzle  بفشل المؤلف في  سلطة المؤلف (أي: أن ما يقوله المؤلف الضمني صحيح في العالم الروائي) لجعله حقيقة في عالم الرواية أن مقتل دونكان كان مؤسفا فقط لتداخله مع نوم ماكبث.
  3. يتعلق اللغز الفينومينولوج phenomenological puzzleي  بإحساس الجمهور بالارتباك الشديد مع ادعاء القصة بأن مقتل دونكان كان مؤسفا فقط لتداخله مع نوم ماكبث.  
  4. ويتعلق  لغز القيمة الجماليةaesthetic value puzzle  بشعور الجمهور أن القصة ملفقة جماليا بادعاء القصة بأن مقتل دونكان كان مؤسفا فقط لأنه تداخل مع نوم ماكبث.

تم تخصيص الجزء الأكبر من النقاش الفلسفي – غالبا دون تمييز بينهما – للألغاز التخيُّلية والخيالية. هناك ثلاثة أنواع من الاستجابات تهيمن على المناقشات الأولى لهذا اللغز (Gendler 2006; Gendler & Liao 2016).

تؤكد النظريات الكانطية  Cantian أن إرجاع المقاومة التخيُّلية في جوهرها، إلى استحالة الانخراط في نوع من النشاط التخيلي المُحفَّز: لا يمكن للمرء ببساطة أن يتخيل ما يُدعى إلى تخيله (Walton 1990, 1994b; Weatherson 2004; Weinberg & Meskin 2006; Yablo 2002). عادة ما تعتبر النظريات الكانطية اللغز الخيالي أساسيا، مما يشير إلى أن المرء يعاين ظاهرة التنافر الصادم، والعجز الخيالي المرتبط بالمقاومة الخيالية، لأن الموقف الافتراضي لسلطة المؤلف قد انهار. 

تُبقي النظريات غير الكانطيةWontian theories  على فكرة أن المقاومة الخيالية يمكن إرجاعها إلى عدم الرغبة في الانخراط في نوع من النشاط التخيلي المثار: لن يقوم المرء، ببساطة، بتخيل ما تتم دعوته إلى تخيله (Currie 2002a; Gendler 2000a, 2006; Stokes 2006).  عادة ما تتخذ النظريات غير الكانطية، ، لغزا ذا طابع تخيُّلي، ليكون أساسيا. وفقا لها، فإن الموقف الافتراضي لسلطة المؤلف ينهار؛ لأن القارئ يجد أنه من غير المناسب الانخراط في النشاط التخيُّلي المطلوب، مثل اتخاذ مواقف منحرفة أخلاقيا بشكل خيالي.

ترى النظريات الإقصائيةEliminativist theories   عدم وجود شيء يُدعى المقاومة الخيالية في حد ذاته (Mothersill 2003; Stock 2005; Tanner 1994; Todd 2009). وبدلا من ذلك، ترى أن المشكلة الفلسفية تنشأ مما يُسمى بالقصص الغريبة التي لفقها الفلاسفة. لا شيء مما يُدعى الألغاز التخيلية، أو الخيالية، أو الظاهراتية، ينشأ مع السرد والتصورات في السياقات غير الفلسفية العادية.

مؤخرا، بنى الفلاسفة على إحدى الأفكار المتبصرة من النظريات الإقصائية ـ أهمية السياق ـ لتنقيح النظريات السابقة، الكانطية والمضادة لها (Brock 2012; Clavel-Vazquez 2018; Liao 2016; Nanay 2010; Stear 2015). خلال نفس الفترة، بدأ الفلاسفة وعلماء النفس أيضا في إجراء دراسات تجريبية لتوضيح ملامح المقاومة الخيالية (Black, Capps, & Barnes 2018; Kim, Kneer, & Stuart, 2018; Liao, Strohminger, & Sripada 2014).

2. الاستجابة العاطفية للرواية الخيالية

تنشأ مفارقة الاستجابة العاطفية للروايات الخيالية (التي تعرف أحيانا ببساطة باسم “المفارقة الدرامية”) لأن الناس يُظهرون، بشكل روتيني، استجابات عاطفية حقيقية تجاه الشخصيات، والمواقف، والأحداث المتخيلة. نظرا للدور المركزي للتخيُّل في التعامل مع الروايات، فقد تم استخدام هذه المفارقة لتوضيح العلاقة البنائية المعرفية بين التخيُّل والعواطف.

وعادة ما تصاغ المفارقة باستخدام العبارات الثلاث التالية (Friend 2016; see also Radford 1975; Gendler & Kovakovich 2005):

  • حالة الاستجابة Response Condition: يمر الناس بمشاعر (حقيقية، وعادية) تجاه الشخصيات، والمواقف، والأحداث الدرامية الخيالية.
  • حالـــة الاعتقاد Belief Condition:لا يعتقد الناس بوجود شخصيات، أو مواقف، أو أحداث درامية خيالية.
  • حالة التناسق Coordination Condition: لا يشعر الناس بعواطف (حقيقية، وعادية) إذا لم يعتقدوا بوجود موضوعات مثيرة للمشاعر.

تبدو كل من الصيغ الثلاثة صحيحة بشكل حدسي، ومع ذلك فهي غير متسقة معا. تهتم النسخة الوصفية descriptive  للمفارقة (التي نشأت عند والتون 1978) بمسألة ما إذا كان ينبغي تصنيف الاستجابات العاطفية للموضوعات الخيالية على أنها نفس النوع من المشاعر التي نخبرها في سياقات أخرى. النسخة المعيارية normative  للمفارقة (التي نشأت عند ريدفورد 1975)، تهتم بمسألة ما إذا كانت الاستجابات العاطفية للموضوعات الخيالية غير منطقية أو غير مناسبة.

يدور الجدل حول النسخة الوصفية للمفارقة حول أي العبارات يجب رفضها.

نادرا ما يتم الطعن في حالة الاعتقاد. هناك القليل من القائلين برفضه من الفلاسفة المعاصرين (المؤيد التاريخي المحتمل لذلك هو: كوليردج 1817) ويتم مناقشته بشكل عام فقط ليتم استبعاده لاحقا (see Currie 1990; Radford 1975; Walton 1978). كذلك، نادرا ما يتم رفض حالة الاستجابة، على الرغم من أن البعض يتبع كيندال والتون (1978، 1990، 1997)، الذي يذهب إلى أن الاستجابات العاطفية للموضوعات الخيالية هي “شبه عواطف quasi-emotions”، والتي تختلف عن المشاعر الحقيقية في مصدرها (التي يتم إنشاؤها بواسطة الاعتقاد بما هو خيالي وليس حقيقيا بالفعل)، وعادة في عواقبها السلوكية (على الرغم من أننا قد نشفق على أوفيليا، فإننا لا نبذل أي جهد لمواساتها في حزنها).

إلى حد بعيد، يرفض المذهب التقليدي حالة التناسق. يرى الإدراكيون القائلون بالمفهوم الواسع Broad cognitivists أن العواطف يجب أن تكون ناجمة عن حالة عقلية معرفية، ولكن يمكن للتخيُّل (المعرفي) أن يلعب هذا الدور كالاعتقاد تماما (Carroll 1990; Feagin 1996; Gendler 2008a, 2008b; Lamarque 1981; Matravers 1998; Meskin & Weinberg 2003; Moran 1994; Weinberg & Meskin 2006). يرى اللاإدراكيين  Noncognitivists أن العواطف لا تحتاج إلى أن يتم تحفيزها من قبل أي حالة ذهنية معرفية (Robinson 2005).

تتعامل النسخة المعيارية للمفارقة مع حالة التناسق باعتبارها معيارا يحكم الاستجابات العاطفية للموضوعات الخيالية. على عكس النسخة الوصفية للمفارقة، تقر النسخة المعيارية بأن الناس يختبرون عواطف (حقيقية، وعادية) تجاه الشخصيات، والمواقف، والأحداث الخيالية، لكنها تزعم أنها تكون غير عقلانية أو غير مناسبة بقيامها بذلك.

يعتمد الحل الذي تقدمه النسخة المعيارية للمفارقة على التصور ذي الصلة للعقلانية أو الملاءمة. تذهب تامار زابو جندلر Tamar Szabó Gendler وكارسون كوفاكوفيتش Karson Kovakovich (2005) إلى أن العواطف في استجابتها لما هو متخيل، ضرورية لاتخاذ قرار عقلاني. لذلك، قد تكون الاستجابة العاطفية للموضوعات الخيالية عقلانية من الناحية الأداتية أو التطورية. ويلجأ آخرون إلى معايير ملاءمة العواطف (D’Arms & Jacobson 2000)، أو معايير التمايز بالنسبة للموضوعات الخيالية (Friend 2010; Gilmore 2011)، أو حتى إلى المعايير الأخلاقية للتعامل مع الروايات الخيالية (see Eaton 2016 for an overview; see also section 1 of this supplement).

3. التراجيديا والرعب

بينما تركز مفارقة الاستجابة العاطفية للروايات الخيالية على التشابه بين ردود أفعالنا تجاه الخيالي والواقعي، فإن كلا من مفارقة التراجيديا (التي يمكن القول إنها تعود إلى كتاب الشعر لـ أرسطو) ومفارقة الرعب (Carroll 1990) تركز على الاختلاف بينهما. فبينما يتجنب الناس بشكل عام السيناريوهات الحقيقية التي تثير فينا الحزن، يبدو أنهم (في بعض الأحيان) يبحثون عن سيناريوهات خيالية تجعلنا حزانى، مثل تلك الموجودة في الأعمال التراجيدية. وبينما يتجنب الناس عموما السيناريوهات الحقيقية التي تثير خوفنا، يبدو أنهم (في بعض الأحيان) يبحثون عن سيناريوهات خيالية تجعلهم خائفين، مثل تلك الموجودة في أعمال الرعب. مرة أخرى، نظرا للدور المركزي للخيال في التعامل مع الروايات الخيالية، تم اللجوء إلى مفارقات التراجيديا والرعب – جنبا إلى جنب مع مفارقة الاستجابة العاطفية للروايات الخيالية – لتوضيح العلاقة البنائية المعرفية بين التخيُّل والعواطف.

يقدم آرون سموتس Aaron Smuts (2009: 42; see also Strohl forthcoming) تعميما للمفارقتين مصاغا في  عبارات ثلاثة، تبدو كل منها صحيحة، ولكنها غير متسقة معا. فيما يلي صياغة معدلة قليلا للمفارقة، تركز فقط على التراجيديا:

  1. حالة المشاعر السلبية Negative Emotion Condition: يمر الناس بمشاعر سلبية كرد فعل تجاه التراجيديا.
  2. حالـــة التجنب السلبي : Negative Avoidance Condition إذا عانى الناس من مشاعر سلبية كاستجابة لموضوع ما، فإنهم يميلون إلى تجنبه.
  3. حالة عدم التجنب : Non-Avoidance Condition لا يميل الناس إلى تجنب التراجيديا.

لا يوجد حل يرفض حالة عدم التجنب.

الحلول التي ترفض حالة المشاعر السلبية تنكر أن المشاعر التي تثيرها التراجيديا – مفهومة بشكل صحيح – في نفوسنا هي مشاعر سلبية. على سبيل المثال، يقدم دافيد هيوم David Hume  في مقاله (“التراجيديا Of Tragedy”)حلا تحويليا: في سياق المشاركة الخيالية مع الفنون، يتم تحويل هذه الاستجابات العاطفية السلبية إلى شيء إيجابي وممتع.

وتنكر الحلول التي ترفض حالة التجنب السلبي ميل الناس إلى تجنب الأشياء التي تثير المشاعر السلبية فيهم. غالبا ما يُنسب أرسطو (فن الشعر Poetics) إلى الحل التطهري، حيث يبحث الناس في التراجيديا تأثيرها في تطهير وتنقية النفس. في حين أن هذه وجهة نظر شعبية، يوجه لها سموتس Smuts (2009) انتقادات قوية. يدافع سموتس (2007) عن نوع من الحلول التعويضية، حيث يتجه الناس إلى التراجيديا لما تتضمنه من خبرة غنية ذات قيمة. تدافع سوزان فيجين (1983) عن حل تمثيلي فوق تعويضي، بحسبه يشعر الناس بالمتعة – شيء مثل الشعور بالتهنئة الذاتية – تجاه استجابتهم العاطفية للتراجيديا.

4. الإقناع الأخلاقي

منذ العصور القديمة، جادل الفلاسفة وغيرهم بأن الفنون التمثيلية يمكن أن تلعب دورا في الإقناع الأخلاقي. وهناك تحذير أفلاطون الشهير من قوة الشعر في إفساد جمهوره أخلاقيا ( الجمهورية 10، انظر أيضا مدخل أفلاطون، وآراؤه في الخطابة والشعر).  يميل الفلاسفة المعاصرون إلى زيادة التركيز  على آفاق التربية الأخلاقية (see, for example, Carroll 2002; Currie 1995; Jacobson 1996; Kieran 1996; Murdoch 1970; Nussbaum 1990; Robinson 2005).

يلح لغز الإقناع الأخلاقي  على الاستفسار عن الكيفية التي يمكن بها للتمثيلات الخيالية أن تغير التصورات الأخلاقية التي يتم تطبيقها في العالم الحقيقي. تم استخدام هذا اللغز لتوضيح الروابط بين التخيُّل والمكونات الأخرى للبناء المعرفي، التي تظهر بشكل متكرر في مناقشات علم النفس الأخلاقي – أي: الاعتقاد، والرغبة، والعواطف.

كما يوضح نويل كارول  Noël Carroll (2000)، هناك ثلاث مقاربات عامة لهذا اللغز. تذهب المقاربة المعرفية knowledge approach  إلى أن التعامل مع الفنون يمكن أن يمنح الشخص معرفة مقترحة من الحقائق الأخلاقية، التي يتم استخلاصها من التمثيل الخيالي. وتذهب مقاربة المعرفة acquaintance approach إلى أن التعامل مع الفنون يمكن أن يمنح الشخص معرفة تامة بتصورات جديدة، وظروف جديدة. على النقيض من ذلك، لا تدعي مقاربة التهذيب cultivation approach  أن الانخراط في الفنون يمكن أن يمنح الشخص أي معرفة جديدة، وإنما تسمح هذه المشاركة للشخص بصقل وممارسة تفاهماته وقدراته الأخلاقية القائمة.

تطرح مارثا نوسباوم (1990) رأيا يمثل مقاربتي المعرفة والتهذيب. تؤكد نوسباوم أن إحدى المهارات الأخلاقية المركزية هي القدرة على تمييز السمات الأخلاقية للموقف الذي يمر به المرء. هذه المهارة، كما تؤكد، هي مهارة يلزم تطويرها، وهي مهارة يمكن المساهمة بها في التعامل مع الأدب بشكل فعال، من خلال توفير “أوصاف تفسيرية قريبة ودقيقة” للسيناريوهات المتخيلة، التي تمكن من المشاركة العاطفية التي لا يفسدها تشوهات المصلحة الذاتية (1990: 46–48). يستعرض جيملجان هاكيمولدر Jèmeljan Hakemulder (2000) بعض الأدلة النفسية التجريبية لهذه الفرضية.

ترى تامار زابو جندلر (2000, 2006) أن هناك علاقة متساوقة بين ما نستورده في المشاركة الخيالية وما نصدره منها. في الواقع، تلك هي الملاحظة التي تكمن وراء تفسيرها للمقاومة الخيالية، والتي تقول إننا نقاوم الانخراط بشكل خيالي مع عوالم خيالية منحرفة أخلاقيا؛ لأننا لا نريد تصدير منظورها الأخلاقي إلى منظورنا الخاص (انظر القسم 1 من هذا الملحق). يعتمد شن يي لياو Shen- yi Liao (2013) على هذه الملاحظة ليجادل بأن الطريقة التي يمكن بها للعمل الفني تغيير المنظور الأخلاقي للمرء تعتمد جزئيا على نوع العمل.

المصدر:

Liao, Shen-yi and Tamar Gendler, “Imagination”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2020/entries/imagination/>.