الكاتب | كيري بولتون |
ترجمة | تقي الدين بن فيفي |
إن هواجسنا “التقدمية” تغض الطرف عن العواقب. إن التغيير مطلوب من أجل بدعة أو شعار: “المساواة“، و”الديمقراطية”، و”الحقوق الإنجابية” … حتى كلمةُ تحذيرٍ مُدانة بأنها “رجعية” أو “قديمة” أو “فاشية”. تعتبر التقاليد والعادات والمعتقدات أمرا عابرا مثل التقادم المصمم لأجهزة الكمبيوتر. إن الافتراض من قبل “الوضعيين” “positivists” هو أن التاريخ يسير في خط مستقيم من “التقدم” من “البدائي” إلى “الحديث”، وأن أي شيء أو أي شخص يقف في الطريق هو ما أدانه ماركس بشدة، في البيان الشيوعي The Communist Manifesto، باعتباره “رجعيا” “reactionist”.
لقد كان الافتراض “الوضعي” بمثابة قطيعة واعية مع الماضي. مؤسسه هو دي كوندورسيه de Condorcet، [1] كان مفكر الثورة الفرنسية، وإن كان قد واجه مصيرا مثل آخرين كُثر. كان ماركس مشابها له. تحت تأثير روح العصر Zeitgeist، تم تطبيق الداروينية على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي واستخدمت لتبرير نوع آخر من الثورة: لقد رأى الصناعيون والوضعيون في القرن التاسع عشر، بما في ذلك الداروينيون الاجتماعيون، بصورة تنم عن ثقة أن القرن التاسع عشر قد بلغ أوجه بالنظر إلى جميع المجتمعات الموجودة أنذاك. هذا التفاؤل بين أعلى الدوائر الفكرية تم التعبير عنه بشكل مشابه من قبل ألفرد راسل والاس A. R. Wallace ، الذي كان موافقا لداروين في أهمية طرح نظرية التطور: “إن قرننا ليس فقط متفوقاً على أي قرن مضى عليه ولكن أيضًا، ربما يكون الأفضل بالمقارنة مع كامل الفترة التاريخية السابقة. ولذلك يجب اعتباره بداية حقبة جديدة من التقدم البشري… “[2]
للتذكير فإن القرنين العشرين والحادي والعشرين عالقين في نفس القيود العقلية “للتقدم”، ومن المفارقات أن وجهات النظر التاريخية لم “تتقدم” أبعد من الافتراضات المذهبية عند كل من كوندورسيه، وماركس، ووالاس، والأكاديميين المؤثرين مثلما أكد لنا فرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama بنفس اليقين أن الديمقراطية الليبرالية، تحت رعاية الولايات المتحدة، ليست فقط ذروة كل التاريخ الموجود حتى الآن، ولكنها تنطبق أيضًا على جميع البشر. علاوة على ذلك، فإنه بمجرد تحقيق الإدارة العالمية، سيكون هذا حرفيا “نهاية التاريخ”، وستكون هناك سعادة عالمية من خلال الإنتاج والاستهلاك، وستموت الجماليات لدرجة أنه لن يصبح هناك فرق بين بيتهوفن والبوب. [ 3] إن هذا الوصف ليس سخرية أو تهكما.
إن ما هو مفترض أن الإنسان، بصفته “حيوانًا أعلى” “higher animal”، منفصل تمامًا عن الطبيعة بحيث يمكنه قولبة نفسه بأي شكل يرغب فيه، وأن الطريقة والهدف تبررهما أيديولوجية مسبقة تظهر أنها “صحيحة”، سواء كانت مثل اليعقوبية[1] أو الماركسية أو التجارة الحرة. إن الإنسان، ومن خلال “القوانين الاجتماعية”، هو قبل كل شيء اعتبارات عضوية وإيكولوجية. من الخطأ أن يفترض المحافظون أن الماركسية تقوم على “فلسفة حماية البيئة” “environmentalism”، مع الأخذ في الاعتبار أن العقيدة الماركسية تنص على أنه من خلال تغيير البيئة – في ظل الاشتراكية – يتم تغيير الطبيعة البشرية. بدلا من ذلك فإن الماركسية تنظر إلى قوانين البيئة، تمامًا بقدر ما تنظر إلى قوانين “علم الأحياء” “biologism”، مثل القوانين المندلية الوراثية[2]، وقد حاولت الأنظمة الماركسية تجاوز كليهما. [4] ومن ثم، فإن المذاهب التي تصر على أن الإنسان لا يخضع إلا للقوانين الاجتماعية وقوانين الإنتاج – أي مذاهب الاختزالية الاقتصادية، سواء من الأصناف الاشتراكية أو الرأسمالية (كلاهما ينبعان من نفس المنظور) – تصر بطريقة متغطرسة على أن الإنسانية تُدفع نحو غزو بروميثيوسي “Promethean”[3] للطبيعة بأسرها، ويمكنها من غير عوائق أن تفرض إرادتها على الكون. المطلوب هو فهم لقوانين التقدم الاجتماعي التي تطوق الآخرين كلهم. من المثير للسخرية أن الماركسيين دخلوا بشكل جماعي en masse في صفوف الحركات البيئية و “الخضراء” -مبادرات اليمين- بعد الفشل الماركسي في تحقيق أي تقدم للأمام بين “البروليتاريا الدولية”، التي كانت موجودة فقط في مخيّلات مفكري غرفة القراءة !
إن التحفظ الذي أدانه ماركس على أنه “رجعي”، ويقابل نفس جوقة الكراهية اليوم من قبل “التقدميين” من جميع المذاهب، هو مرتكز التراث؛ بعيدا عن كونه سمة شخصية تراجعية، إلا أنه سمة للحكمة الناضجة، تعتمد على تراكم آلاف السنين من الخبرة ويتم نقلها جينيا عبر الأجيال على أنها “ثقافة” و “عرف”. هذا ما سخر منه “التقدميون” – الذين، في فكرهم المتكلِف، نبذوا أو عتّموا أو افتروا أو وَأدوا أولئك الذين سعوا حقًا لفهم طبيعة البشر، سواء كانوا فلاسفة مثل مارتن هايدغر Martin Heidegger وأنطوني لودوفيسي Anthony Ludovici، وأوزوالد سبينجلر Oswald Spengler، [5] أو كعلماء، مثل عالم الفسيولوجيا ألكسيس كاريل Alexis Carrel، أو عالم الحيوان كونراد لورينز Konrad Lorenz، أو عالم النفس كارل يونج Carl Jung، أو عالم الأحياء الحالي روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake. [6]
كارل يونغ
كارل يونغ، أب علم النفس التحليلي، أشار إلى أن نفسية الرجل الغربي لا تواكب تقنيته، وأن مستويات اللاوعي لدينا متعددة الطبقات، وتعود إلى الوجود البدائي، بيد أن التكنولوجيا الغربية قفزت إلى الأمام بشكل كبير، مخلفة وراءها مرفأ التراث في “مسيرة التقدم” المشهود. كتب يونغ عن هذا:
كل من أرواحنا وأجسادنا يتألفان من مكونات فردية كانت موجودة مسبقا بين صفوف أسلافنا. إن “حداثة” النفس الفردية هي إعادة توليف متنوع لا نهائي للمكونات العتيقة. لذا فإن الجسد والروح لهما خاصية تاريخية مكثفة ولا يجدان مكانهما في ما هو جديد. وبعبارة أخرى، فإن مكوناتنا التي تنتمي لأسلافنا لا ترتاح إلى حد ما إلا للأشياء التي ولدت للتو. نحن بالتأكيد بمنأى عن الخروج من العصور الوسطى والعصور القديمة الكلاسيكية والبدائية، كما تدعي نفوسنا الحديثة. ومع ذلك، فقد سقطنا في طوفان تقدم يدفعنا نحو المستقبل بعنف أكثر وحشية كلما أبعدنا عن صفوفنا. إنه وبقدر ما قل فهمنا لما أراده أسلافنا، قل فهمنا لذواتنا، ولذا فإننا نساهم بكل ما أتوينا من قوة في سلب الفرد جذوره وغرائزه الإرشادية[7].
تغدو النفس ممزقة في مواجهة التناقض بين ألفية من تجارب الأجداد وصدمة ما هو “حديث” “modern” والذي (ماهو الحديث) يهدف إلى القضاء على مثل هذه الحكمة البدائية الغزيرة. يقوم الأفراد الممزقين عقليًا بإنشاء كيانات ممزقة اجتماعيا لا تزال تسمى “مجتمعات” بشكل خاطئ، مع العديد من مسببات الأمراض الاجتماعية. اعتبر يونغ أن الهدف النهائي للفرد هو “التفرد” “individuation”، وتوحيد الأجزاء الممزقة من نفسية الفرد، وفوق ذلك، توحيد اللاوعي الجماعي للعرق والمجتمع.
ألكسيل كاريل
كان أليكسيل كاريل طبيبا جراحا حائزا على جائزة نوبل. ترك الأمن والراحة والشهرة في الولايات المتحدة عائدا إلى وطنه الأم فرنسا في زمن الحاجة للعمل خلال الحرب مع النظام الثوري الوطني للمارشال بيتان Marshal Petain. كان كاريل مهتمًا أيضًا بانحطاط وتمزق “الإنسان الحديث” الناجم عن التقدمية. في كتابه الأكثر مبيعًا لعام 1937، الإنسان ذلك المجهول Man the Unknown، تناول كاريل هذه المشاكل:
ليس بوسع البشر اتباعُ الحضارة الحديثة على طول مسارها الحديث، وهذا راجع لتدهورهم. لقد كانوا مفتونين بجمال علوم المادة الجامدة. لم يستوعبوا أن أجسادهم ووعيهم خاضع لقوانين الطبيعة وبشكل أغمض، لكن كصلابة قوانين العالم الفلكية. لم يستوعبوا كونهم غير قادرين على تجاوز هذه القوانين من غير أن يتعرضوا للعقاب.
وعليه، فإنه يتوجب عليهم تعلم العلاقات الضرورية في العالم الكوني، وعلاقاتهم بزملائهم، وعلاقاتهم بذواتهم الداخلية، إلى جانب تلك المتعلقة بأنسجتهم وعقولهم. في الواقع، فإن الإنسان يقف بمنأى كل شيء. هل يتوجب عليه أن يُفسد جمال الحضارة. وحتى عظمة العالم المادي، قد تختفي… يجب أن يتحول الاهتمام الانساني من آلات عالم المادة الصلبة إلى جسد وروح الإنسان، إلى العمليات العضوية والعقلية التي خلقت الآلات وعالم نيوتن وإينشتاين. [8]
مثل يونع، لم يكن كاريل ماديا؛ لقد نظر إلى “النفس” على أنها من الأهمية بمكان، وإن لم تُفهم من جانب العلم. لقد أجاب العلم على عدد يسير من الأسئلة الكبرى للحياة، كتب كاريل، بينما كانت الحضارة تعاني من آثار التدهور:
إننا بمنأى عن معرفة ماهية العلاقات الموجودة بين الهيكل العظمي والعضلات والأعضاء ووجوه النشاط العقلي والروحي، إننا جاهلون بالعوامل التي تحدث التوازن العصبي ومقاومة التعب والكفاح ضد الأمراض، إننا لا نعرف كيف يمكن أن يزداد الاحساس الأدبي وقوة الحكم، والجرأة، ولا ما الأهمية النسبية للنشاط العقلي والأدبي وكذلك النشاط الروحي؟ ما هي أهمية الجمال والحس الديني؟ أي شكل من أشكال الطاقة مسؤول عن تبادل الشعور أو الخواطر؟ لا شك مطلقا في أن عوامل فيزيولوجية وعقلية معينة هي التي تقرر السعادة أو الشقاء، النجاح أو الفشل. ولكننا لا نعرف ماهية هذه العوامل. إننا لا نستطيع أن نهب أي فرد ذلك الاستعداد لقبول السعادة بشكل مصطنع، وحتى الآن، فإننا لا نعرف أي البيئات أكثر مثالية لإنشاء الرجل المتحضر، هل بالإمكان كبح الكفاح، والجهد، والعناء من تكويننا الفيزيولوجي والروحي؟ كيف يمكننا أن نحول دون تدهور الإنسان وانحطاطه في الحضارة الحديثة؟ وهناك أسئلة أخرى لا نهاية لها يمكن أن تلقى في موضوعات تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لنا، بيد أنها ستبقى جميعا من غير جواب، فمن الواضح أن جميع ما حققه العلماء من تقدم، فيما يتعلق بدراسة الانسان، لا يزال غير كاف، وإن معرفتنا بأنفسنا بدائية في الغالب. [9]
في محصلة شبيهة بتلك التي نجدها عند يونغ حول التناقض بين التقدم المتسارع للحضارة الميكانيكية والمادية ووعي ولاوعي الإنسان، حذر كاريل:
إن البيئة التي قولبت جسد وروح أسلافنا خلال ألفيات عديدة قد استبدلت الآن ببيئة أخرى. هذه الثورة الصامتة قد حدثت تقريبا من غير أن ينتبه لها أحد. إننا لم ندرك أهميتها، ومع ذلك، فإنها لمن أكثر الأحداث دراماتيكية في تاريخ البشر. لأن أي تغيير في محيطهم يربك لا محالة وبشكل عميق كل الكائنات الحية. وعليه، فإنه يتحتم علينا التأكد من التحولات الممتدة المفروضة من قبِل العلم على نمط حياة الأسلاف، وعلى أنفسنا بالتبع. [10]
وجدت الحضارة الحديثة نفسها في موقف عويص لأنها لا تناسبنا. لقد قامت من دون أية معرفة لطبيعتنا الحقيقية. إذ أنها ولدت من رحم أهواء الاكتشافات العلمية، من شهوة الإنسان، وأوهامه، ونظرياته، ونزواته. على الرغم من أنها مبنية بمجهوداتنا، إلا أنها لم تُنشأ لتناسب حجمنا وشكلنا. [11]
كونراد لورنز
كان كونراد لورنز أب علم السلوك الحيواني ethology، أعطت دراسة الغريزة إنذارا من وجهة نظر إيكولوجية، متمثلا في أن التخلي عن العادات والتقاليد محفوف بالأخطار التي من المحتمل أن تكون غير متوقعة. إن الثقافة “تقليد تراكمي” [12] إنها معرفة تُنقل عبر الأجيال، وتحفظ كمتعقد أو عادة. الحكمة العميقة التي أنشأها أسلافنا، -لأنها دُثّرت بحماية الأديان والأساطير-، قد أهملت من قبل “الحديث” كـ “خرافات” وأشياء “غير علمية”. أشار لورنز إلى أن “الاستخفاف الهائل برصيدنا غير العقلاني والثقافي، والمغالاة في تقدير كل ما يمكن للإنسان أن ينتجه بعقله” كعوامل “تهدد حضارتنا بالإهلاك”.
لقد حاول جيامباتيستا فيكو Giambattista Vico [13]، سلف شبنجلر Spengler، الانذار بسطحية العقلنة intellectualization هذه ونبذها للتقاليد –بما في ذلك الدين- في زمن النهضة، تلك البداية المبهجة لعصر انحطاط الغرب. حاول ابن خلدون فعل نفس الأمر حين كان هناك شيء من الحضارة الإسلامية [14]، على وشك أن يصبح فلاحيا، كما وصفها اشبنجلر على أنها منهوكة القوى، أو عابرة تاريخيا. يمكننا أن نقول الأمر نفسه عن كاتو Cato، وآخرون كثر مواجهين من قبِل “التقدميين” في حضارتهم الخاصة عند الولوج في حقبة الانهيار. يعتبر “التقدم” واحدا من أعظم الأوهام في زمننا، تماما مثلما كان في الحقبة المماثلة للحضارات الأخرى على طول مسار آلاف من السنين. [15] لو أعيد كل من إرميا، وكاتو، وهيرودوت، إلى زمننا الحاضر بالغرب، فقد يضحكون أو يسخرون من تفاهة شعارات “التقدميين” و “العصريين” مجيبين، “لقد رأيناها من قبل… غير أن عواقبها وخيمة”.
يقول لورنز:
“إن كوننا متنورين لا يبرر مواجهة التراث المنقول بغطرسة معادية”. لاحظ لورنز كاتبا، في زمن كان فيه اليسار متفشيا، كما هو الأمر اليوم تحت أسماء أخرى، أن مواقف الشباب تجاه الآباء تُظهر قدرا كبير من “الازدراء المتغطرس لا تفاهماً.” [16] أدرك لورنز قدرا كبيرا من الهوس في اليسار كعوامل ممرضة في البنية الاجتماعية، كما هو الحال اليوم فإن: “تمرد الشباب المعاصر مؤسس على الكره؛ كره متعلق بمشاعر خطيرة للغاية ويصعُب تجاوزها: الكراهية القومية. بعبارة أخرى، فإن شباب اليوم المتمردين يتفاعلون مع الأجيال الأكبر بنفس الطريقة التي تتفاعل بها مجموعة ‘إثنية’ مع أجبني، بطريقة معادية” [17]
ما هو مثير للانتباه هو رؤية لورنز لهذا الأمر على أنه ثقافة فرعية للشباب التي تم جعلها مساوية لقومية منفصلة أجنبية، حين تتشكل جماعة حول طقوسها، ولباسها، وأخلاقها وأعرافها. يسمى هذا في علوم البيولوجيا “الانتواع الخادع” “pseudospeciation”. مع هوية المجموعة الجديدة هذه يوازيها “نزع لقيمة رموز” الوحدات الثقافية الأخرى. [18] وصف لورنس الهوس بكل ما يعتبر “جديدا” بين ثورة الشباب بــ”نيوفيليا فيزيولوجية” “physiological neophilia”. في حين أن هذا مهم لمنع الجمود، إلا أنه عادة ما يحدث بشكل تدريجي ويتبعه عودة إلى التراث. مع ذلك، فإن مثل هذا التوازن، يمكن هزّه بسهولة. [19] في نفسية الأفراد، فإن الثبات في مرحلة النيوفيليا ينتج عنه سلوكات شاذة مثل الاستياء الانتقامي نحو الآباء المتوفين منذ أمد بعيد. [20] يتفاقمُ هذا الافتقارُ إلى احترامِ العرف بسبب انهيار التسلسل الهرمي الاجتماعي التقليدي، والتنظيم الجماهيري، و “سباق استيلاء المال على نفسه” [21] الذي يهيمن على الغرب الحديث.
منذ أن كتب لورينز عن أعراض تدهور الغرب خلال السبعينيات، استمرت البنية الاجتماعية الغربية في التصدع، وكما يتوقع المرء، كان الأمر متسارعا – اندفاع جماعي صوب الجنون تم تأييده بشكل مثير للسخرية على أنه “صحي” من قبل علماء النفس الإنساني، الذين هم أنفسهم مصابون بالذهان وينتجون أوراقًا وكتبًا “تثبت” أن، -مستشهدين بأحدث بدعة “تقدمية”-، جندر gender المرء هو مسألة اختيار. مرة أخرى فإننا بإزاء المعارضة الأيديولوجية لـ “البيولوجيا” التي أبقت ليسينكو Lysenko [4] في وظيفة.
تدمير الرموز هو ذو دلالة
يوجد الآن حضور – أعظم بكثير من زمن لورينز – لمجموعات عرقية حقيقية والتي لا تمت للغرب بصلة، بيد أنها ذات امتعاض كبير. هناك أيضًا المزيد من الانتواع الكاذب بين النساء من جهة النسوية الراديكالية و “المثليين”، الذين يمتلكون أخلاقهم وطقوسهم ولباسهم وعباراتهم وحتى أعلامهم ورموزهم الأخرى الخاصة بهم. إنهم متحدون في كراهيتهم للغرب، مشوهين “أبوية البيض”؛ مع هدم رموزه والسخرية من أبطاله على أنهم “ذكور بيض أموات”. إن تدمير الرموز التقليدية لأجدادنا هو شكل تابع من أشكال قتل الأمومة و قتل الأبوة، والذي أصبح مذهباً خلال الأيام الذهانية لليسار الجديد New Left، بين منظمة “Weathermen” و أعضاء حزب الشباب العالمي “Yippies” وما إلى ذلك خلال الستينيات، عندما أصبح تشارلز مانسون Charles Manson بطلاً ثورياً، وجيري روبين Jerry Rubin الذي ابتهج لوفاة والدته – لولا مرض السرطان الذي أصابها لكان قد قتلها. [22] إننا نشهد حاليًا ذهاناً جماعياً للجيل الجديد من اليسار الجديد New-New Left للدافع الذي لا يقاوم نحو تدمير النصب الكونفيديرالية، والتعصب والضرب والركل باهتياج شديد للتماثيل البرونزية المطاح بها مع جنون الغوغاء الإيطاليين الذين يركلون أجساد موسوليني Mussolini وكلارا بيتاتشي Clara Petacci الهامدة.
إن هذا التخريب لرموز ومعالم التراث هو بديل للقتل، مثله هذا الأمر قد اطلق العنان له أثناء الثورة، مثل ذلك الموجه إلى النُصب التذكارية الكونفدرالية؛ بموجب مرسوم رسمي خاص بتماثيل الجنرال فرانكو General Franco في إسبانيا؛ والجهد الأخير الذي باء بالفشل لتحطيم تمثال الضابط الاستعماري النيوزيلندي العقيد مارمادوكي نيكسون Colonel Marmaduke Nixon، ربما كبداية للعملية، من خلال تشويه هائل للتاريخ الاستعماري. [23] إن ذلك في كل حادث مثال على محاولة طمس التراث الذي يعمل كمرفأ، والذي من غيره ستؤدي الغطرسة إلى التدمير الذاتي. في ظروف أخرى، فإن هذه الأشكال – وهي أشكال – كانت لتحرق الكنائس في إسبانيا، أو تدمر الآثار القديمة في العراق.
هوامش
[1] Marie-Jean-Antoine-Nicolas Caritat Condorcet, Sketch for a Historical Picture of the Progress of the Human Mind (London: Weidenfeld & Nicolson, 1955).
[2] A. R. Wallace, The Wonderful Century (London: Swan Sonnenschein & Co., 1985).
[3] Francis Fukuyama, “The End of History?”, The National Interest, Summer 1989.
[4] K. R. Bolton, The Decline and Fall of Civilisations (London: Black House Publishing, 2017), pp. 121-124.
[5] Oswald Spengler, The Decline of The West (London: George Allen & Unwin, 1971).
[6] Rupert Sheldrake, “Morphic resonance: Introduction.”
[7] C. G. Jung, Memories, Dreams, Reflections (New York: Pantheon Books, 1961), pp. 235-236.
[8] Alexis Carrel, Man the Unknown (Sydney: Angus & Robertson Ltd., 1937), Preface, p. xi.
[9] Carrel, I, p. 1.
[10] Carrel, I, p. 3.
[11] Carrel, I, p. 4.
[12] Konrad Lorenz, Civilized Man’s Eight Deadly Sins (New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1974), p. 61.
[13] Giambattista Vico, The New Science of Giambattista Vico (Ithaca, N. Y.: Cornell University Press, 1948).
[14] Ibn Khaldun, The Muqaddimah, tr. Franz Rosenthal (Princeton, N. J.: Princeton University Press, 1969).
[15] Bolton, The Decline and Fall of Civilisations, passim.
[16] Lorenz, p. 64.
[17] Lorenz, p. 64.
[18] Lorenz, pp. 64-65.
[19] Lorenz, p. 69.
[20] Lorenz, pp. 69-70.
[21] Lorenz, p. 73.
[22] Jerry Rubin, Growing (Up) at 37 (New York: Warner Books, 1976), pp. 140-142. This is followed with a few elaborations that enter new realms of psychosis. See K. R. Bolton, The Psychotic Left (London: Black House Publishing, 2013).
[23] Farah Hancock, Newsroom, September 8, 2017, “South Auckland’s Uncomfortable History.”
من موقع: https://www.counter-currents.com/2018/10/the-fallacy-of-progress/
[1] – يتم استخدام المصطلحين اليعقوبي واليعقوبية بمعان مختلفة. في فرنسا، يشير اليعقوبي الآن بشكل عام إلى المؤيد لدولة جمهورية مركزية وسلطات حكومة مركزية قوية. و / أو مؤيدون للتدخل الحكومي المكثف لتغيير المجتمع. ويستخدم اليعقوبية في بعض الأحيان في بريطانيا كإزدراء للسياسات الثورية اليسارية الراديكالية.
[2] – نسبة إلى عالم الوراثة النمساوي غريغور يوهان مندل.
[3] – بروميثيوس أحد حكماء التايتن، وقصته واحدة واحدة من أهم القصص في الميثولوجيا الغربية لها دلالات عدة في الفكر الغربي.
[4] – تروفيم ليسينكو، رافض لمفاهيم الوراثة عبر الجينات وقواعد الوراثة المندلية، كما يرفض الاصطفاء الطبيعي لدارون، وقد أيد جوزيف ستالين هذا العلم الزائف وشن حملة لفصل وسجن وإعدام آلاف علماء ومتخصصي الأحياء الرافضين لمزاعم الليسنكووية.