الكاتب | روبرت نوقل |
ترجمة | منار الصلتيّة |
مراجعة | سيرين الحاج حسين |
تحميل | نسخة PDF |
مدخل حول أخلاقيات التلاعب (The Ethics of Manipulation)، وتعريفها، وتقييمها، والإجابة على مدى أخلاقيتها، ومسائل أخرى؛ نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.
تأمَّل هذا المثال: تخطط تونيا لفعل (ص)، ولكن إيرفينغ يريدها -عوضًا عن ذلك- أن تفعل (س). وقد جرّب إيرفينغ أن يزوّد تونيا بالأسباب التي تجعلها تقوم بـ (س) بدلًا من (ص)، ولكن بدون جدوى. وفي حال لم يرغب إيرفينغ باللجوء إلى أسلوب القوة أو الإكراه، فربما يجرّب إحدى الأساليب الآتية من أجل التأثير على قرار تونيا. فعلى سبيل المثال، يمكن لإيرفينغ أن …
-
يجذب تونيا كي تميل لإرضائه لفعل (س).
-
يبالغ في ذكر مزايا (س) وعيوب (ص)، و/أو يقلل من عيوب (س) ومزايا (ص).
-
يجعل تونيا تشعر بالذنب لتفضيلها فعل (ص).
-
يحفّز شعور تونيا بحالة عاطفية تجعل فعل (س) يبدو ملائمًا أكثر مما هو عليه بالواقع.
-
يشير إلى أن فعل (ص) سيجعل تونيا أقل قيمة وجاذبية بالنسبة لأصدقائها.
-
يجعل تونيا تشعر بالسوء تجاه نفسها، ووصف (ص) على أنه خيار يؤكد هذا الشعور أو يفاقمه، و/أو وصف (س) على أنه خيارًا ينفي الشعور أو يقاومه.
-
يقدّم معروفًا بسيطًا لتونيا قبل أن يطلب منها فعل (س)، كي تشعر أنها مُلزَمة بردّ الجميل والموافقة.
-
يجعل تونيا تشك في قرارها الخاص حتى تعتمد على نصيحة إيرفينغ لفعل (س).
-
يوضّح لتونيا أنها إذا اختارت (ص) بدلًا من (س)، فإن إيرفينغ سيتخلى عن صداقته بها ويتضايق ويتعكر مزاجه ويغضب عمومًا.
-
يركّز انتباه تونيا على بعض الجوانب التي تخشاها في فعل (ص)، ويعزّز تلك المخاوف ليجعلها تغيّر رأيها في قرار (ص).
يمكن اعتبار كل من هذه الأساليب شكلًا من أشكال التلاعب. وكما أن للعديد منها أسماء معينة وشائعة، مثل “دائرة الذنب” في المناورة الثالثة، و”التلاعب بالعقول” في المناورة الثامنة، و”ضغط الأقران” في المناورة الخامسة، و”ضعف المكانة” في المناورة السادسة، و”الابتزاز العاطفي” في المناورة التاسعة. وقد لا يتفق الجميع على أن كل أسلوب في هذه القائمة يمكن اعتباره تلاعبًا بالمعنى الصحيح. وفي بعض الحالات، قد يعتمد تحديد الأسلوب ما إذا كان تلاعبًا أم لا، على تفاصيل عديدة ليست مذكورة في المثال أعلاه. مثلًا، لو كان القرار (ص) لا أخلاقيًا حقًّا، عندها لا يمكن اعتبار تحفيز إيرفينغ لتونيا على الشعور بالذنب نحو تخطيطها لفعل (ص) تلاعبًا. ومن الممكن أيضًا أن نراجع أحكامنا حول بعض هذه الأساليب في ضوء نظرية التلاعب الناجحة تمامًا والمدعومة جيدًا، إذا كانت هذه النظرية متوفرة بالأصل. ومع ذلك، يجب أن توفر هذه القائمة معنى جيدًا لما نعنيه من مفهوم “التلاعب” في السياق الحالي. وكما أنها تساعد في توضيح التنوع الواسع للأساليب التي تُوصَف -عادةً- على أنها تلاعب.
يُوصَف التلاعب غالبًا على أنه شكل من أشكال التأثير الذي لا يمثّل الإكراه ولا الإقناع العقلاني. ولكن هذا الوصف يثير فورًا التساؤل التالي: هل تُعدُّ جميع أنواع التأثير التي لا تمثّل الإكراه ولا الإقناع العقلاني شكلاً من أشكال التلاعب؟ وإن لم يشغل التلاعب كافة الحيّز المنطقي لأساليب التأثير التي لا تكون إقناعًا عقلانيًا ولا إكراهًا، فما الذي يميزها عن باقي أشكال التأثير من هذا النوع؟
ساد الاعتقاد بأن مصطلح “التلاعب” يتضمن عنصرًا من الاستنكار الأخلاقي، على سبيل المثال: القول بإن تلاعب إيرفينغ بتونيا يعدُّ عمومًا انتقادًا أخلاقيًا لسلوك إيرفينغ. فهل يمكن اعتبار التلاعب سلوكًا لا أخلاقيًا دائمًا؟ ولماذا يوصف التلاعب بأنه لا أخلاقي، ومتى يكون كذلك؟ وإن لم يكن التلاعب لا أخلاقيًا في كل وقت، عندها ما الذي يحدد التوقيت الذي يكون فيه غير أخلاقي؟
-
1. تمهيدات
-
1.1 التلاعب المألوف مقابل التلاعب العام
-
1.2 تطبيقات نظرية التلاعب المألوف
-
1.3 مسألتان بشأن التلاعب
-
-
2. الإجابة على مسألة التعريف
-
2.1 التلاعب سببًا للتجاوز
-
2.2 التلاعب أسلوبًا للاحتيال
-
2.3 التلاعب أسلوبًا للضغط
-
2.4 وجهات نظر استدراكية، ومتضاربة، وجهات نظر أخرى.
-
-
3. الإجابة على مسألة التقييم
-
3.1 هل يمكن اعتبار التلاعب سلوكًا سيئًا دائمًا؟
-
3.2 التلاعب والضرر
-
3.3 التلاعب والاستقلال الذاتي
-
3.4 التلاعب والتعامل مع الأشخاص على أنهم ماديات
-
3.5 اقتراحات أخرى
-
-
4. مسائل أخرى
-
4.1 التلاعب بالأشخاص مقابل التلاعب بالمواقف
-
4.2 التلاعب والنيّات
-
4.3 التلاعب والهشاشة والاضطهاد
-
-
قائمة المَراجِع
-
أدوات أكاديمية
-
مصادر أخرى على الإنترنت
-
مداخل ذات صلة بالموضوع
-
تمهيدات
1.1 التلاعب المألوف مقابل التلاعب العام
تعد أشكال التأثير الواردة أعلاه مثلًا شائعة في الحياة العادية. وهذا ما يميزها عن أشكال التأثير الموصوفة على أنها “تلاعب” في أدبيات حرية الإرادة؛ حيث يشير مصطلح “التلاعب” عادةً إلى البرمجة الجذرية أو إعادة البرمجة لجميع معتقدات الفاعل -أو معظمها- ورغباته وحالاته العقلية الأخرى. وعادةً ما يتم تخيل مثل هذا التلاعب العام (كما قد نسميه) على أنه يحدث بطرق استثنائية دون شك، كالتدخل الخارق للطبيعة أو الهندسة العصبية المباشرة أو البرامج المتجذّرة بالتلقين العقائدي والتكيف النفسي. ويُعتقد إجمالًا بأن التلاعب العام يحرم ضحيته من حريّة الإرادة. ويقود هذا الحدس المُشترك “جدلية التلاعب”، الذي يسعى إلى الدفاع عن اللاتوافقية بواسطة الادعاء بأن العيش في عالم حتمي يشابه وضع ضحية التلاعب العام. (لمزيد من تفاصيل النقاش حول هذا الجدل، تابع النقاش في جدليات التلاعب في مدخل عن جدليات اللاتوافقية).
على الرغم من الاختلافات بين التلاعب العادي وأشكال التلاعب في أدبيات حرية الإرادة، فلا يزال من الجدير التساؤل عن العلاقة بينهما. إذا حرم التلاعب العام ضحيته تمامًا من حرية الإرادة أو الاستقلال الذاتي، فهل يمكن أن تقود أشكال التلاعب العادي إلى شيء مماثل، ولكن على نطاق محدود؟ إذا استسلمتْ تونيا لإحدى أساليب إيرفينغ، فهل يجب أن نعتبرها أقل حرية -وربما أقل مسؤولية- لفعل (س)؟ اكتشف عددٌ قليل من الناس حتى الآن الروابط بين التلاعب العادي وأشكال التلاعب العام التي نُوقشت في أدبيات حرية الإرادة. (باستثناء ما ورد في الأعمال التالية: Long 2014 and Todd 2013).
1.2 تطبيقات نظرية التلاعب المألوف
نادرًا ما كان التلاعب بحد ذاته موضوعًا للبحث الفلسفي، وذلك حتى وقت قريب. ومع ذلك، تقول الحقيقة بوجود اعتقاد عام بأن التلاعب يُقوِّض صحة الموافقة، وقد أدتْ هذه الحقيقة إلى أن يُذكَر التلاعب بشكلٍ متكررٍ في المجالات التي تكون فيها صحة الموافقة موضعًا للبحث.
أحد تلك المجالات هو مجال الأخلاقيات الطبية، حيث تشير الشروط المقترحة للموافقة المُسْتَنيرة المُستقلة غالبًا إلى الحاجة إلى ضمان عدم التلاعب بالموافقة. وفي الواقع، تظهر إحدى أولى المناقشات الفلسفية المستمرة حول التلاعب في الكتاب المؤثر: تاريخ الموافقة المستنيرة ونظريّتها (A History and Theory of Informed Consent ) (1986) لمؤلفيه روث فادن، وتوم بوشامب، ونانسي كينغ (Ruth Faden, Tom Beauchamp, and Nancy King). والرأي القائل بأن التلاعب يقوّض صحة الموافقة سائد على نطاق واسع بين علماء الأخلاق الطبية. وعلى كلٍ؛ فثمة اتفاق أقل بكثير حول كيفية تحديد ما إذا كان شكل معين من أشكال التأثير يمثّل مفهومَ التلاعب. ولا تظهر قلة الاتفاق هذا في أي مكان أكثر من ظهورها في المناقشات الأخيرة حول “الدفعات”.
قدّم كلٌّ من كاس سونستين وريتشارد ثالر مفهومَ الدفع للإشارة إلى التمهيد المُتعمّد للمؤثرات الغامضة وغير القسرية في عملية صنع القرار لدى الأشخاص لتحفيزهم على اتخاذ أفضل الخيارات (Thaler & Sunstein 2009; Sunstein 2014). وتمنح بعض الدفعات أفضل المعلومات وأشملها، ويبدو أن أفضل تصنيف لهذه الدفعات هو أنها مؤثرات تُحسّن جودة التأنّي العقلاني (rational deliberation). بينما تعمل الدفعات الأخرى بآليات نفسية تكون علاقتها بالنقاشات العقلانية موضعًا للتساؤل على الأقل. وتستغل العديد من هذه الدفعات أسلوب الاستدلالات والمنطق والتحيزات في صنع القرار وعمليات نفسية أخرى تعمل خارج الإدراك الواعي. تشير بعض الأدلة مثلًا إلى أنه من المرجح أن يوافق المرضى لإجراء عملية جراحية إذا قيل لهم بأن نسبة النجاة بعد العملية 90٪ ونسبة الوفاة 10٪. في هذه الحالة، هل سيكون من التلاعب أن يستغل الجرّاح تأثير هذا التأطير لدفع المريض لاتخاذ القرار الذي يراه الجراح أفضل؟ إليك مثال آخر، هل من التلاعب أن يضع مدير المقصف موادًا غذائية صحية أكثر وأقرب لمرأى العين لدفع الزبائن لاختيارها؟ وهكذا، أشعلت مسألة مدى وكيفية تلاعب الدفعات للتأثير بالقرار نقاشًا نشطًا.
يقترح بعض المدافعين عن فرضية الدفع بأنّ تأطير القرارات لا دخل لها بفكرة التلاعب بطريقة ما دون أخرى نظرًا لصعوبة تأطير قرار ما بدون توجيه صاحب القرار إلى بعض الاتجاهات. مثلًا، في المثال السابق، يجب على الأطباء أن يقدموا للمرضى معلومات عن نتيجة العملية من حيث نسبة الوفاة أو نسبة النجاة (وإذا ذكروا النسبتين، لابدّ أن يذكروا إحداهن أولًا)، وكما يجب على مدراء المقصف أن يختاروا شيئا لوضعه مرأى العين في أماكن العرض. ففي هذه الحالة، لماذا تظن أن الاختيار المتعمد لطريقة تأطير القرار على طريقة أخرى ضربًا من ضروب التلاعب؟ ويقترح بعض المدافعين عن الدفعات أن في بعض الحالات التي يكون فيها من الحتمي إدخال تأثير غير عقلاني إلى عملية صنع القرار، فإن فعل ذلك عن عمد ليس من التلاعب. ومع هذا، توجد أسباب تدعو إلى القلق من هذا الخط الفكري. لشرح ذلك، افترض أن جونز يسافر؛ لإجراء مقابلة عمل، في عربة مترو عبر الأنفاق مزدحمة بشدة لدرجة أنه من المحتم أن جونز يصطدم بالركّاب المرافقين. وافترض أنّه استغل هذا الواقع ليصطدم بالمرشَّح المنافس للوظيفة (الموجود في وسيلة النقل ذاتها) ويدفعه إلى الخارج في اللحظة التي ينغلق فيها الباب؛ ليضمن أن منافسه يتأخر عن المقابلة. من الواضح أن حقيقة أن بعض الاصطدامات من جانب جونز كانت حتمية، بيد أن هذا لا يعذر فعله المتعمد في دفع منافسه لخارج عربة المترو. وبالمثل، حتى لو أدخلنا -بالضرورة- تأثيرات غير عقلانية في عملية صنع القرار لأحدهم، فإن هذه الحقيقة تبدو غير كافية لإثبات أنه لا يمكن تصنيف مثل هذه التأثيرات على أنها تلاعبًا. هذا التشبيه ليس مثالي بلا شك، ولكنه يكفي للتشكيك بالفرضية القائلة بأن الدفع المتعمد ليس تلاعبًا ببساطة لأن بعض الدفعات لابدّ منها.
تميل المناقشات المتركزة حول ما إن كان الدفع من التلاعب إلى التركيز بشكل أقل على حتمية الدفع في اتجاه قرار أو آخر، والتركيز بشكل أكبر على الآليات التي يحدث بها الدفع، والاتجاه الذي تدفع فيه الشخص المدْفُوع. وعلى الرغم من الاتفاق الواسع على أن بعض الدفعات يمكن أن تكون متلاعبة، إلا أنّه لا يوجد إجماع -حتى الآن أي الدفعات تعد متلاعبة وكيف نميز الدفع المتلاعب عن غير المتلاعب. (للحصول على نموذج من المقاربات المتعلقة بمسألة أي الدفعات متلاعبة ومتى تكون كذلك، الرجاء الاطلاع على Blumenthal-Barby 2012; Blumenthal-Barby & Burroughs 2012; Saghai 2013; Wilkinson 2013; Hanna 2015; Moles 2015; Nys & Engelen 2017; and Noggle 2017. وللاطلاع على مناقشات حول إمكانية تبرير الدفع أخلاقيًا في بعض الأحيان حتى وإن كانت متلاعبا، يمكن الاطلاع على Wilkinson 2017 and Nys & Engelen 2017).
تتجاوز المسائل بشأن شرعية الدفع السياق الطبي. ويدافع كلٌّ من ثالر وسنستين عن استخدام الدفع في الحكومة والموظفين والمؤسسات الأخرى بجانب مجال الرعاية الصحية. إذ أن استخدام الحكومة للدفع يثير مخاوف إضافية، تحديدًا، حول مذهب الأبوية وراءها (Arneson 2015; White 2013). وكما ناقش الفلاسفة والمُنظِّرون السياسيون مسائل تتعلق بأشكال التلاعب على الصعيد السياسي. إنّ فكرة أن الزعماء السياسيين قد يكتسبون السلطة السياسية أو يحافظون عليها أو يعززونها بالوسائل التي نصفها الآن على أنها متلاعبة، يمكن أن تعود -على الأقل- إلى زمن الشخصيات اليونانية العريقة مثل كاليكز وثراسيماشوس. ولم يكتفِ الفيلسوف السياسي نيكولو مكيافيلي بالتفصيل فحسب، بل اقترح الوسائل السياسية التي من المحتمل أن نعتبرها وسائلًا متلاعبة. ومن الأعمال الفلسفية الأكثر حداثة حول التلاعب السياسي كتاب روبرت جودن لعام 1980م حول السياسة المتلاعبة (Manipulatory Politics)، وورقة البحث المهمة لكلوديا ميلز: “السياسة والتلاعب” (1995Politics and Manipulation, ) .
ارتكز أغلب الاهتمام الفلسفي في مجال أخلاقيات العمل على مسألة ما إذا كانت الإعلانات متلاعبة. واشتهر الخبير الاقتصادي، جون كينيث غالبريث، بتسمية الإعلان “التلاعب برغبة المُستهلكين”، وقارن بين أن تكون مُستهدفًا من الإعلان
وبين أن تكون مُهاجَمًا من الشياطين التي تغرس فيك شغفًا تجاه القمصان الحريرية أحيانًا، وأدوات المطبخ، والأواني المنزلية، وعصير البرتقال المثلج أحايين أخرى (Galbraith 1958).
وجّه العديد من الفلاسفة انتقادات مماثلة للدعاية والإعلان. وغالبًا ما تقتصر هذه الانتقادات على أشكال الإعلانات التي ببساطة لا تنقل معلومات واقعية دقيقة. وكما هو الحال بالنسبة للدفعات الإخبارية البحتة، يبدو أنّه من الصعب الادّعاء أنّ الإعلانات التي لا تفعل شيئًا سوى أنها تنقل معلومات واقعية دقيقة تعدُّ متلاعبة. وعلى أي حال، تحاول أغلب الإعلانات أن تؤثر على سلوك المُستهلك بتقديم معلومات غير المعلومات الدقيقة أو معلومات إضافية للمعلومات الدقيقة. وتعدُّ مثل هذه الإعلانات غير الإخبارية أكثر الأمور التي تدعو للقلق حيال التلاعب. وأثار توم بوشامب وروجر كريسب نقاشات مؤثرة أنّه يمكن لمثل هذه الإعلانات أن تكون متلاعبة (Beauchamp 1984; Crisp 1987). وتزعم انتقادات مماثلة أن الإعلانات غير الإخبارية يمكن أن تطيح بالاستقلال الذاتي أو تعبث -بصورة غير سليمة- برغبات المستهلكين (e.g., Santilli 1983). إمّا أن تكون مثل هذه الانتقادات نسخًا لانتقاد الإعلانات في كونها من التلاعب أو قريبة منها. وفي الجانب الآخر، يناقش روبرت أرينجتون بأن الإعلانات نادرًا ما تتلاعب بجمهورها أو تضعف استقلاليتهم -في الحقيقة- (Arrington 1982). ونظّم مايكل فيليبس مجموعة كبيرة من الأدلة التجريبية للقول بأنه بالرغم من كون بعض الإعلانات متلاعبة، فإن منتقديها يبالغون كثيرًا في تقدير قدرتها على التأثير على المستهلكين (Phillips 1997).
1.3 مسألتان بشأن التلاعب
كما يتضح من نقاشنا حتى الآن، نجد مسألتان رئيسيتان حول التلاعب بحاجة إلى الإجابة. وتكفي نظرية واحدة حول التلاعب في الإجابة عن كليهما.
تدور المسألة الأولى -سمّها مسألة التعريف- حول التعريف والتمييز: كيف يمكننا تمييز أي أشكال التأثير متلاعبة وأيها غير متلاعبة؟ من المفترض أن تتضمن الإجابة الكافية تعريفًا عامًّا للتلاعب الذي يشرح القواسم المشتركة لأشكال التأثير المتلاعب المتنوعة. بالإضافة إلى إلقاء الضوء على أن حالات التلاعب المتعددة ما هي إلا تجليات لظاهرة واحدة أكثر أساسية. ويجب أن توفر الإجابة على سؤال التمييز أيضًا معايير لتحديد ما إذا كانت حالة معينة من التأثير متلاعبة. وقد يُظهر مثل هذا التحليل -بالطبع- بأن بعض الظواهر التي كنّا نميل مسبقًا لتصنيفها من التلاعب -بصورة نظرية- تختلف على نحوِ وثيق من حالات التلاعب الواضحة؛ وربما يقودنا هذا لمراجعة استخدامنا لمصطلح “التلاعب”، على الأقل في السياقات التي تكون فيها الدقّة مهمة.
أما المسألة الثانية، والتي أطلق عليها مسألة التقييم، فتدور حول الأخلاقية: كيف يمكننا تقييم الحالة الأخلاقية للتلاعب؟ ويجب على الإجابة الكافية لهذا السؤال أن تبين لنا ما إذا كان التلاعب أمرًا غير أخلاقي طوال الوقت. وفي حالة وصفه بأنه أخلاقي في بعض الأوقات، يجب أن تفيدنا الإجابة الكافية بكيفية تحديد الوقت الذي يكون فيه التلاعب غير أخلاقي. لكن الأهم من ذلك، يجب أن تشرح الإجابة الكافية لمسألة التقييم السبب في وصف التلاعب على أنه غير أخلاقي في موقف معيّن. وما الخصائص التي تجعل التلاعب غير أخلاقي في بعض المواقف؟
على الرغم من اختلاف المسألتين، التعريف والتقييم، إلا أنهما مرتبطتان ببعضهما جزئيًا. على سبيل المثال، إنّ أي تحليل متعلق بأسباب تصنيف التلاعب على أنه غير أخلاقي في الموقف الذي يكون فيه كذلك، سيفترض مسبقًا اعتبارًا لما هو التلاعب؛ بهذا إجابتنا لمسألة التعريف ستقيّد إجابتنا في مسألة التقييم. ومع هذا، لا تقتصر إجابة مسألة التعريف على تقييد إجابة مسألة التقييم، بل تتجاوز ذلك إلى توجيهها. إذا حدد موقف معين للتلاعب سمته الأساسية ليكون مماثلًا بشكل وثيق للمواقف التي نصنفها خاطئة أخلاقيًا حسب أسسنا المستقلة، عندها من المحتمل أن نصنف التلاعب على أنه غير أخلاقي للأسباب المماثلة. وأخيرًا، قد نضطر إلى تعديل إجاباتنا لتناسب إحدى المسألتين أو كليهما في حال تضمّنت الإجابات نتائجًا غير معقولة. فعلى سبيل المثال، إذا عرّفنا التلاعب على أنه كل شكل من أشكال التأثير إلى جانب الإقناع العقلاني أو الإكراه، ثم ادّعينا بأن التلاعب خطأ مطلق، سنُجبر على التعميم بأن كل أشكال التأثير بما فيها الإقناع العقلاني غير أخلاقية قانونيًا. وهذا استنتاج متطرف لن يقبله سوى قلة، ولكنه كان نتيجة للجمع بين إجابة معينة لمسألة التعريف والتمييز وإجابة معينة لمسألة التقييم.
-
الإجابة على مسألة التعريف
توجد ثلاث توصيفات رئيسية للتلاعب المعروضة حاليًا في الأدبيات: يتعامل التوصيف الأول مع التلاعب باعتباره تأثير يُضعِف التأنّي العقلاني ويتجاهله، أما الثاني يعامله على أنه شكلًا من أشكال الضغط، وأما الأخير يعدّه شكلًا من أشكال الاحتيال.
2.1 التلاعب كوسيلة لتجاوز العقل
غالبًا ما يُقال بأن التلاعب يتجاهل التأني العقلاني للمُستهدَف ويُضعِفه. وعلى أي حال، ليس من الواضح دائمًا ما إذا كان هذا الادّعاء يمثّل تعريفًا للتلاعب أو إنّه مجرد مقولة حول التلاعب، التي قد تشرح حالته الأخلاقية جزئيًا. ولكن دعونا نفكّر ما إذا كان يمكن لفكرة إمكانية تجاهل التلاعب للمنطق، أن تنفع لتكون تعريفًا للتلاعب.
إن فكرة أن التأثيرات المتلاعبة تتجاهل قدرة المُستهدَف على أداء التأنّي العقلاني، فكرة جذابة لسببين على الأقل. أولًا، يبدو من المنطقي التفكير أن بسبب اختلاف مفهوم التلاعب عن مفهوم الإقناع العقلاني، فلابدّ لهذا أن يؤثّر على السلوك بوسائل لا تفعّل الإمكانيات العقلانية للشخص المتلاعب به. وثانيًا، يبدو من البديهي وصف أشكال التأثير التي تتجاهل بوضوح قدرة المُستهدَف في التأنّي العقلاني على أنها متلاعبة. على سبيل المثال، افترض أن أحد الإعلانات اللاشعورية عملت بطريقة تم تصويرها بشكل معتاد رغمًا أن التصوير قد يكون غير دقيق؛ لهذا تعرضك لأي رسالة خفيّة تحثّك على “شرب الكولا” يمكن أن تؤثر على سلوكك بدون تفعيل آلياتك في التأني العقلاني. لذلك من البديهي أن يمثّل مثل هذا التأثير حالة تلاعب واضحة.
عادة ما يتم تصوير وسائل الدعاية الخفية -جنبًا إلى جنب مع التنويم المغناطيسي والتأثير السلوكي- على أنها طرق فعالة للتأثير على الآخرين دون علمهم، وبالتالي دون توظيف قدراتهم في التأني العقلاني. ومن شبه المؤكّد أن فعالية مثل هذه الوسائل مبالغ فيها بشدّة في التصوّر الشعبي (وأحيانًا التصور الفلسفي). مع هذا، إذا تصورنا أنها تعمل مثلما يتم تصويرها أحيانًا، فستشكّل أمثلة واضحة على ما نعنيه عندما نقول بأن التلاعب يتجاهل العقل. وعليه قد نفهم تعريف التلاعب بفكرة تجاهله للمداولة العقلانية، ونفهم فكرة “تجاهل التأنّي العقلاني” من حيث استغلال الآليات النفسية أو التقنيات التي يمكن أن تنتج السلوك بدون أي تدخلات من التأنّي العقلاني.
ومع ذلك، فإن هذه المقاربة تواجه مشكلة هامّة. فإذا عرّفنا التلاعب من فكرة تجاهل التأنّي العقلاني وثم نستخدم التصورات المبالغ بها في التنويم المغناطيسي والإعلان الخفي لتبرير ما يعنيه تجاهل التشاور العقلاني، فإننا سنبني حاجزًا عاليًا جدًا أمام أمر يمكن اعتباره تلاعبًا. وسيكون هذا الحاجز عاليًا للغاية، مما يصعب علينا اعتبار أساليب إيرفينغ تلاعبًا؛ إذ لا يتجاهل أي منها تمامًا قدرة تونيا في التأنّي العقلاني على عكس ما يتم تصوّره في عمل الإعلان الخفي أو التنويم المغناطيسي أو التأثير السلوكي. وفي الواقع، غالبًا ما يتضمن التلاعب الأساليب التي تعتمد على القدرات العقلانية للمُستهدَف (Gorin 2014a). وهذا صحيح بالتأكيد بالنسبة للأساليب التي يستخدمها إيرفينغ للتأثير على تونيا -في الأمثلة أعلاه-: يبدو أنها جميعًا موصوفة بشكل أفضل على أنها طرق للتأثير على تفكير تونيا بدلًا من تجاهله.
ربما لا ينبغي علينا توصيف التلاعب من حيث تجاهل المداولات إجمالًا، إنما ينبغي توصيفه من حيث تجاهل التأنّي العقلاني تحديدًا؛ أي إدخال تأثيرات غير عقلانية إلى عملية التأنّي. لذلك قد نتبع رأي جوزيف راز في ادّعائه
أن التلاعب لا يتعارض مع خيارات الأشخاص، على عكس الإكراه. إنما يُحرّف الطريق الذي يصل به الأشخاص إلى قراراتهم ويشكّلوا تفضيلاتهم ويتبنوا أهدافهم. (Raz 1988: 377)
يتّسق التعامل مع التلاعب باعتباره سببًا لتجاهل التأنّي العقلاني، ومن ثم توصيف “تجاهل التأنّي العقلاني” من حيث إدخال التأثيرات غير العقلانية في المداولات، مع الملاحظة القائلة بأن التلاعب يتعارض مع الإقناع العقلاني. بالإضافة إلى ذلك، فإن توصيف “تجاهل التأنّي العقلاني” بهذه الطريقة قد يقلل حاجز التأثير الذي يمكن اعتباره متلاعبا.
على كل حال، يجب علينا الآن أن نقلق بشأن الحاجز المنخفض جدًا الذي تم وضعه؛ ذلك لأن العديد من أشكال التأثير غير العقلاني لا تظهر على أنها متلاعبة. مثلًا، لا يمكن اعتبار البيانات الرسومية التي تنبّه على مخاطر التدخين أو استخدام الهاتف أثناء القيادة، على أنها متلاعبة بشكل واضح، حتى وإن لم تنقل معلومات جديدة للمُتلقي (Blumenthal-Barby 2012). بالإضافة إلى أن الإقناع الأخلاقي غالبًا ما يتضمن التأثير غير العقلاني. وتدعو المؤثرات للقاعدة الذهبية المُرسِل لتخيّل الشعور عند الطرف المتلقِي من الموقف المدروس. ومن الصعب تصديق أن كل هذه المؤثرات تعدُّ بطبيعتها تلاعبًا، حتى عندما تؤثر على المشاعر أكثر من الحقائق التي قد يعرفها المُرسِل بالفعل. وأخيرًا، ضع بعين الاعتبار أمرًا بسيطًا مثل التأنّق قبل الذهاب إلى موعد أو مقابلة ما. يُفترَض أن الغرض من “إدارة الانطباع” في هذا المثال أن يوصل انطباعًا معينًا للجمهور. ولكن التزيّن بالملابس في مناسبة معينة دون غيرها لا يمنح سوى القليل من الأساس المنطقي للاستنتاجات حول ما الذي يبدو عليه الشخص المهندم في الواقع يومًا بعد يوم. لذلك، يبدو أن إدارة الانطباع من هذا النوع هي محاولة للتأثير غير العقلاني. مع هذا، يبدو من الغريب أن نحسب ذلك تلاعبًا، خصوصًا إذا تعاملنا مع التلاعب على أساس أنه يتضمن مدلولًا غير أخلاقي. وقد نتجنب هذه الإشكالية -بالتأكيد- عبر تعريف “التلاعب” بطريقة حيادية وأخلاقية، ومن ثم الادّعاء بأن هذه الأشكال من التلاعب أخلاقية وغيرها لاأخلاقي. بيد أن هذا الأمر قد يساعد في تجاوز الإشكالية فقط دون حلّها، فنحن نريد الآن أن نعرف ما الذي يميّز أشكال التلاعب الأخلاقية عن تلك غير الأخلاقية.
ربما يمكننا معالجة هذه المشكلة بتعريف العقل على نطاق أوسع، كي يمكن اعتبار مؤثرات العواطف شكلًا من أشكال الإقناع العقلاني. وقد يكون الدافع المُستقل وراء مثل هذه الخطوة هو رفض ما يعتبره بعض النقاد الفصل الجذري للإدراك المفرط بين العقل والعاطفة. وعلى كل حال، ليس من الواضح أن السماح بالمؤثرات العاطفية لتكون ضمن تصنيف الإقناع العقلاني سيقدّم لنا الكثير في تعريف التلاعب من حيث تجاهل العقل؛ لأنه بينما نكون قد تجنبنا الإيحاء غير المعقول بأن كل مؤثرات العاطفة متلاعبة بحكم الواقع، فإننا نواجه الآن السؤال حول أي من المؤثرات العاطفية قد تكون متلاعبة وأيها ليست كذلك. وهذا قريب من السؤال الذي كان من المفترض لفكرة تجاهل العقل أن تساعدنا في الإجابة عليه.
وهكذا على الرغم من معقولية الادّعاء بأن التلاعب يتجاهل قدرات المُستهدَف في التأنّي العقلاني، إلّا أن استخدام هذا الادّعاء لتعريف التلاعب يواجه تحديات خطيرة: إذا ركزنا على مدلول “التجاهل” بمعناه الحرفي، فيبدو أن النتيجة تفقد أمثلة عديدة من التلاعب الفعلي. ولكن إذا قللنا فهمنا لـ “تجاهل العقل” بحيث ينطبق على أي شكل غير عقلاني من أشكال التأثير، عندها يبدو أنها تكون متلاعبة مثل أغلب أشكال التأثير التي لا تظهر أنها متلاعبة. وإذا عالجنا هذه الإشكالية بتبني أحد مفاهيم العقل الذي لا تكون فيه مؤثرات العواطف -بحد ذاتها- غير عقلانية، عندها ستبقى لدينا المشكلة الأصلية في تحديد أي مؤثرات العواطف متلاعبة وأيها ليست كذلك. وقد توجد طريقة لتوصيف “تجاهل العقل” يمكنها أن تدعم تعريفًا منطقيًا للتلاعب من حيث تجاهل العقل، ولكن يبدو أن أغلب الطرق الواضحة لتعريف “تجاهل العقل” تكون طرقًا مسدودة، ولا توجد اقتراحات أخرى معروضة حاليًا.
مع ذلك، حتى لو تبيّن أن تعريف التلاعب من حيث تجاهل العقل طريق مسدود، فلا يزال من الممكن للتلاعب أن يتجاهل العقل بالفعل إلى حدٍّ ما، بيد أنّه قد يتبين لنا أنّنا نحتاج لتعريف مستقل للتلاعب قبل أن نتمكن من تحديد مدى تجاهل التلاعب للعقل. ويبدو أن لدى بعض الكتاب مثل كاس سنستين وجايسون حنّا مثل هذه المقاربة في أذهانهم عندما وصفوا -في البداية- التلاعب من حيث تجاهل أو تخريب العقل، ولكنهم تابعوا لإغفال “التجاهل أو التخريب” من حيث بعض الاعتبارات الأخرى للتلاعب (Sunstein 2016: 82–89; Hanna 2015).
مع ذلك، يثير النقاش الأخير لموتي غورين تساؤلات حول الادّعاء أن التلاعب يتجاهل أو يفسد العقل، حتى وإن كان ذلك الادّعاء لا يُستخدم في تعريف ماهية التلاعب (Gorin 2014a) ويناقش غورين بأن التلاعب يمكن أن يحدث حتى وإن قُدمتْ للمستهدف أسبابًا جيدة. ونقاشه يدور إلى حدٍّ كبير حول الأمثلة الآتية: يتمنى جيمس موت جاك ليتمكن من امتلاك النصيب الأكبر من الورث. ويعرف جيمس أن جاك يؤمن (1) بوجود الله وأنّ (2) الحياة بدون الله لن يكون لها معنى ولن يوجد أي سبب للبقاء حيًّا. ويقدم جيمس لجاك حججًا يزعم أنها عقلانية ضد وجود الله. إنّ مثل هذه الحجج تفعّل كليًّا عمل مدارك جاك العقلانية، ونتيجة لذلك يصدّق جاك مزاعم جيمس في عدم وجود الإله. لذلك ينتحر جاك على الفور، تمامًا مثلما كان يأمل جيمس. وكما يلاحظ غورين في هذا المثال، أن ما فعله جيمس لا يظهر على أنه تجاهل قدرة جاك على التفكير المنطقي أو أفسدها أو أضرها بطريقة أو بأخرى. وفي الواقع، اعتمد جيمس على قدرة جاك لتوظيف مداركه العقلانية لاستخلاص ما يظنه جيمس الاستنتاج الصحيح من حججه. وفي حال تقبلنا توصيف غورين على أن أفعال جيمس تعدُّ متلاعبة، عندها سيشكّل مثاله تحديًّا مهمًّا بالنسبة للادّعاء أن التلاعب يتجاهل دائمًا قدرة المُستهدَف على التأنّي العقلاني.
2.2 التلاعب كأسلوب للاحتيال
تتعامل مقاربة ثانية مع التلاعب على أنه شكلًا من أشكال الاحتيال، وتربطه من الناحية المفاهيمية بالتضليل. فالعلاقة بين التلاعب والتضليل موضوع مشترك في كلٍّ من المناقشات الفلسفية وغير الفلسفية حول التلاعب. وفي الأدبيات الخاصّة بالإعلان، على سبيل المثال، غالبًا ما تستند تهمة أن الإعلانات غالبًا ما تكون متلاعبة، على الادعاء بأنها تخلق معتقدات خاطئة أو روابط مضللة (مثلًا، أن تُربط عافية رجل مارلبورو رمز إعلان السجائر التي تسبب سرطان الرئة). وبالمثل، في مناقشته للوعود، يصنّف تي إم سكانلون التلاعب جريمةً باعتباره وسيلة لتكوين معتقدات وتوقعات خاطئة (Scanlon 1998: 298–322). يقدم شلومو كوهين تفسيرًا مختلفًا نوعًا ما للعلاقة بين التلاعب والتضليل؛ إذ يقول إن التمييز بينهما يكمن في الأساليب التي يتم من خلالها حث المُستهدَف على تبني أي اعتقاد خاطئ (وفقًا لكوهين) ولكن حتى في وجهة نظره الأكثر دقة، ما زال هنالك ارتباط قوي بين التلاعب والتضليل.
وعلى الرغم من أن بعض صيغ وجهات النظر حول الاحتيال تتعامل مع التلاعب كمثيل للتضليل في كون كلاهما يكوّنان معتقدات خاطئة ويتركانها عند هذا الحد، كما أن الصيغ الأكثر شمولًا لوجهات النظر تتعامل مع التلاعب بوصفه تصنيفًا أوسع مما يجعل التضليل استثناء. وفي حين أن التضليل يعدُّ محاولةً متعمدة لخداع أحدهم من أجل تبني أحد المعتقدات الخاطئة، إلّا أن أغلب الصيغ الواسعة للآراء التي تخص الاحتيال ترى التلاعب محاولةً متعمدة لخداع أحدهم كي يتبنى أي حالة عقلية خاطئة أو رغبة أو عاطفة خاطئة … إلى آخره.
يمكن العثور على أوائل الأمثلة في مقاربة التلاعب الأكثر اتساعًا والمبنية على الاحتيال في ورقة بحث كتبها فانس كاستن بعام 1980م، وكتب أن
التلاعب يحدث عندما توجد مفارقة من نوعها بين ما ينوي المرء فعله وما يفعله في الواقع، وعندما تكون هذه المفارقة قابلة للمتابعة بطريقة تمكن القول إن الضحية تعرّضت للتضليل. (Kasten 1980: 54).
وعلى الرغم من أن العديد من أمثلة كاستن في الخداع تتضمن بعض أشكال التضليل، إلّا أنّه تطرق إلى أمثلة على التلاعب تتضمن تحفيز مشاعر غير ملائمة لدى المُستهدَف كالشعور بالذنب. وقد دافع روبرت نوجل -مؤخرًا- عن إحدى صيغ هذه المقاربة الأكثر شمولية، كاتبًا أن
هنالك معايير أو مُثُل تدير المعتقدات والرغبات والعواطف. والفعل الذي يعدُّ متلاعبا هو عندما تحاول أن تجعل معتقدات أحدهم أو رغباته أو عواطفه تنتهك هذه المعايير وتقلل هذه المُثُل. (Noggle 1996: 44)
وعلى ذات المنوال، كتبتْ آن بارنهيل بأن
التلاعب يؤثر بشكل مباشر على معتقدات شخص ما أو رغباته أو عواطفه بحيث تُضعِف قيم المعتقد أو الرغبة أو العاطفة بطرق لا تصب -عادةً- في مصلحته الذاتية أو -على الأرجح- ليست في مصلحته الذاتية في السياق الحالي. (Barnhill 2014: 73 التوكيد ورد في النص الأصلي، للحصول على رأي مماثل انظر Hanna 2015).
تقدّم كلوديا ميلز نظرية يمكن اعتبارها إما نسخة معدّلة أو لها علاقة قريبة من الرأي المتعلق بالاحتيال:
قد نقول عندها إن التلاعب يزعم بطريقة ما أنه يمنح أسبابًا وجيهة للضحية، بينما في الواقع لا يفعل ذلك. إذ أن المُتلاعِب يحاول أن يغيّر معتقدات الضحية ورغباتها بإعطائها أسباب سيئة مستترة كما لو كانت أسبابًا جيدة، أو تقديم حججًا خاطئة مستترة كأنها حجج سليمة. وفي الواقع، المُتلاعِب يعرف بنفسه أن هذه الأسباب سيئة والحجج خاطئة (Mills 1995) (للحصول على أفكار مماثلة نوعًا ما، راجع: (Benn 1967 and Gorin 2014b).
تحافظ هذه النسخة المعدّلة الأكثر شمولًا من وجهة النظر المتعلقة بالاحتيال على العلاقة بين التلاعب والتضليل، ولكن توسعها لتوصيف التلاعب على أنه خداع أو تحفيز المُستهدَف لتبني أي حالة عقلية خاطئة، بما في ذلك المعتقدات والرغبات والعواطف، وما إلى ذلك. وربما توسعت وجهة النظر هذه بشكل أكبر بواسطة تبني ملاحظة مايكل تشولبي بأن ظاهرة “استنزاف الأنا” قد تحفز ضحايا التلاعب لتشكيل نيّات خاطئة؛ أي تلك النيّات التي لا تعكس قيمهم المُعتبَرَة، لأن مقاومتهم للإغواء قد تضاءلت (Cholbi 2014).
يمكن تعزيز الرأي الاحتيالي بالاستعانة بأمثلة متعددة، من بينها مثال محدد مليء بالفائدة هو مسرحية (عُطيل) لمؤلفها شكسبير. ويبدو من الطبيعي وصف شخصية شكسبير في المسرحية (ياجو) على أنه المُتلاعِب؛ إذ أن الأفعال التي يستحق بسببها هذا الوصف تتضمن أشكال مختلفة من الاحتيال. فعلى سبيل المثال، استخدم أسلوب التلميح والإساءة المُبطّنة والترتيب الخبيث للظروف (مثل المنديل الذي وضعه بشكل مدروس) ليخدع عُطيل في الشك، ثم الاعتقاد بأن عروسه الجديدة (ديسيمونا) كانت غير مخلصة. وبعدها، يلعب ياجو على شكوك عُطيل ومشاعره الأخرى ليحرّضه على الغيرة المجنونة والغضب الشديد الذي يُلقي بظلاله على حبّه تجاه ديسيمونا ويُعمي حكمه لردود أفعاله. يفسر الرأي المتعلق بالاحتيال إحساسنا بأن ياجو يتلاعب بعُطيل بملاحظة أن ياجو يخدعه ليتبنى حالات عقلية خاطئة متعددة ومعتقدات خاطئة وشكوك غير مبررة وعواطف غير عقلانية، وما إلى ذلك. وحقيقة أن الرأي المتعلق بالاحتيال يمكن أن يفسر إحساسنا بأن ياجو يتلاعب بعُطيل هو دليل رئيسي على جودة هذا الرأي.
يختلف مؤيدو رأي الاحتيال في العديد من التفاصيل، وأبرزها كيفية تحديد الحالات العقلية الخاطئة. ويناقشون أن التلاعب يحدث عندما يحاول المُؤثِّر تحفيز ما يظنّه حالة عقلية خاطئة داخل أفكار المُستهدَف (Mills 1995; Noggle 1996). وفي المقابل، يناقش جيسون حنّا أنّه علينا تعريف التلاعب من حيث محاولة تقديم حالة عقلية خاطئة -بشكلٍ موضوعي- إلى أفكار المُستهدَف (Hanna 2015: 634 ) (انظر أيضًا Sunstein 2016: 89) وتدافع آن بارنهيل عن رأي الاحتيال وعلاقته بالتلاعب، ولكنها تشير إلى أن استخدامنا لمصطلح “التلاعب” متضارب بشأن مسألة المعايير التي تحدد ما إذا كانت محاولات المُؤثِّر تحفّز المُستهدَف لتبني الحالات العقلية الخاطئة (Barnhill 2014).
وعلى الرغم من أن رأي الاحتيال له إقبال واسع، إلا أنّه يواجه تحدي مهم: إنّه يخفق في تصنيف فئة كاملة من الأساليب التي تعدُّ متلاعبة بديهيًّا، لكنه يصنّفها غير متلاعبة. لا يبدو على أساليب مثل السحر وضغط الأقران والابتزاز العاطفي (أساليب 1، 5، 9) أنها تتضمن الاحتيال، ولكن من الطبيعي تمامًا اعتبار مثل هذه الأساليب شكلًا من أشكال التلاعب.
2.3 التلاعب أسلوبًا للضغط
الطريقة الثالثة لتوصيف التلاعب أن نعامله كنوع من أنواع الضغط لتحقيق رغبات المُؤثِّر. في هذا الاعتبار، تعدُّ الأساليب مثل الابتزاز العاطفي وضغط الأقران حالات نموذجية للتلاعب؛ لأنها تمارس ضغطًا على الضحية بفرض تكاليف الفشل في القيام بما يريده المُتلاعِب. وأحد الأسباب المنطقية لمعاملة التلاعب ليكون شكلًا من أشكال الضغط هو مراعاة أن التلاعب يختلف عن الإقناع العقلاني والإكراه. ويظهر من المعقول -إذن- أن نفترض وجود سلسلة متصلة بين الإقناع العقلاني والإكراه فيما يتعلق بمستوى الضغط الذي يُمارَس فيه؛ إذ أن في الإقناع العقلاني لا يُمارَس أي ضغط، وأما في الإكراه يُمارَس أقصى مستويات الضغط، بينما التلاعب يقع في المستوى المتوسط من الضغط ما بين الإقناع العقلاني والإكراه، فيُمارَس الضغط في التلاعب بدرجة أقل من مستوى الضغط في الإكراه. وبهذه الطريقة، نصل إلى فكرة أن التلاعب نوعًا من أنواع الضغط الذي لا يرتفع إلى مستوى الإكراه.
واحدة من أقدم الآراء الفلسفية عن التلاعب، بقلم روث فادن وتوم بوشامب ونانسي كينغ، لديها هذه البنية الآتية. يبدؤون آراءهم بالمقارنة مستخدمين أسلوب الإقناع العقلاني لإقناع أحد المرضى أن يتناول دواء طبي ضروري بقليل من أسلوب الإكراه للحرص على تناوله. ثم يلاحظون أن
ثمة حالات مشتركة بين الأسلوبين: مثلًا، افترض أن الطبيب بيّن للمريض أنّه سيستاء عندما لا يتناول المريض دواءه، ويتم تخويف المريض. ومع أن المريض لا يقتنع بأن تناول الدواء أفضل الخيارات، إلّا أنّه يوافق على تناوله لأنه كما يبدو أن قبول الأمر سيعزز علاقته بالطبيب. وهنا يؤدي المريض الفعل تحت السيطرة الشديدة لدور الطبيب وسلطته ووصفته الطبية بالطبع. على عكس الحالة الأولى، لا يجد المريض صعوبة كبيرة في مقاومة اقتراح الطبيب، ولكن على عكس الحالة الثانية، من الصعب مع ذلك مقاومة هذا الطبيب “المسيطر” (Faden, Beauchamp, & King 1986: 258).
ويدّعون أن مثل هذه الحالات “المشتركة” يمثّل تلاعبًا. وعلى أي حال، فإنهم لا يزعمون أن جميع أشكال التلاعب تقع في منتصف هذه السلسلة المتصلة، ويرون أيضًا أشكال الاحتيال والتلقين العقائدي والغواية شكلًا من أشكال التلاعب. ويدّعون أن
بعض الاستراتيجيات المتلاعبة يمكنها أن تكون مسيطرة مثل الإكراه أو غير مسيطرة مثل الإقناع، أما أنواع التلاعب الأخرى تقع في مكان ما بين حدود الإقناع والإكراه (Faden, Beauchamp, & King 1986: 259).
مع ذلك، لقد كانت فكرة أن -على الأقل- بعض أشكال التلاعب تستخدم أسلوب الضغط، فكرة مؤثرة جدًا.
ويقدّم جويل فاينبرج رأيًا مماثلًا في التلاعب. فقد كتب أن العديد من التقنيات التي تلزم أحدهم لفعل أمرٍ معيّن
يمكن وضعها على سلسلة من القوى الممتدة من الإجبار اللازم، من ناحية، وبأسلوب الضغط الإجباري، والإكراه اللازم، والضغط القسري، وحتى تقنية التلاعب والإقناع والإغراء والطلبات البسيطة من ناحية أخرى. ويمكن التفريق بين الإجبار على فعل ما ومجرد فعله بدون إجبار من درجة ما من جزء الإقناع والتلاعب من مقياس السلسلة. (Feinberg 1989: 189)
ويقدّم مايكل كليغمان وتشارلز كولفر رأيًا مشابهًا:
تأخذ محاولة التأثير على سلوك (زيد) طابعًا متلاعبا، عندما … لم تعد النيّة الأساسية لـ (عبيد) أن يقنع زيد، متصرفًا بحسن نيّة، إذ أن التصرف حسبما يرغب عبيد سيتماشى مع تقييمات زيد العقلانية للنتائج. [ولكن بالأحرى] للحصول على الموافقة المطلوبة أو هندستها بممارسة الضغط، بطريقة مدروسة ومحسوبة، على ما يفترض أنها الخصائص القابلة للتحوير في النظام التحفيزي لـ “زيد”. (Kligman & Culver 1992: 186–187).
يواصل كليغمان وكولفر تمييز هذا الضغط المتلاعب عن الإكراه بالادعاء بأن الإكراه، على عكس الضغط المتلاعب، يتضمن “حوافز قوية بما فيه الكفاية … حتى أنه سيكون من غير المعقول توقع أي شخص عاقل ألا يتصرف على النحو المرغوب” (Kligman & Culver 1992: 187) وفي الآونة الأخيرة، ناقشتْ مارسيا بارون وألين وود أيضًا أشكال التلاعب التي يبدو أن أفضل توصيف لها أنها تعدُّ من أشكال الضغط (Baron 2003; Wood 2014).
على الرغم من أنه يمكننا التعامل مع فكرة أن التلاعب يتكون من أحد أشكال الضغط على أنها نظرية شاملة للتلاعب، فقد استشهد معظم المؤلفين بأن بعض أشكال التلاعب تتكون من أسلوب ضغط. على وجه الخصوص، يتفق معظمهم مع فادن وبوشامب وكينغ على أن الأشكال الأخرى للتلاعب أقرب إلى أسلوب التضليل. بالتالي، من المتكلّف إلى حد ما التحدث عن نموذج الضغط على أنه نظرية تهدف إلى تغطية كافة أشكال التلاعب. ومن الأدق اعتبار نموذج الضغط على أنه يدّعي أن ممارسة الضغط غير القسري كافٍ (ولكن ربما ليس ضروريًا) لكي يعدُّ التأثير نوعًا من التلاعب.
2.4 وجهات نظر استدراكية، ومتضاربة، ووجهات نظر أخرى.
تركّز مناقشتنا لآراء الاحتيال والضغط على حقيقة مدهشة إلى حد ما: إذا درسنا الأساليب التي تبدو بديهيًا على أنها أمثلة للتلاعب، فإننا نجد أنها الأساليب التي يبدو أن أفضل وصف لها على أنها من أنواع الاحتيال وكذلك الأساليب التي يبدو أن أفضل وصف لها على أنها من أنواع الضغط. وهذا محيّر، إذ يبدو في الظاهر أن الاحتيال والضغط مختلفين إلى حد ما. ما الذي يجب أن نستخلصه من حقيقة أننا نستخدم ذات المفهوم في موضوع التلاعب للإشارة إلى أساليب التأثير التي يظهر أنها تعمل بمثل هذه الآليات المتباينة؟
وهناك عدة أجوبة محتملة على هذا التساؤل. أولًا، من الممكن أن يشير الاستخدام الشائع لمصطلح “التلاعب” إلى مجموعة متنوعة من الظواهر بحيث لا يمكن لأي تحليل على الإطلاق أن يلتقط كل شكل من أشكال التأثير التي يُطبق عليها المصطلح بشكل شائع. وتناقش فيليسيا أكرمان بأن مصطلح “التلاعب” يعرض “الغموض التوافقي”، في حين أنه مرتبط بسمات مثل تثبيط التأنّي العقلاني، واللاأخلاقية، والمكر، واللعب على الدفعات غير العقلانية، والدهاء، والضغط، وما إلى ذلك. “ولا يوجد شرط كافي على القائمة، … ولا حتى شرط واحد على الإطلاق … ضروري” لاعتبار التأثير متلاعبا. (Ackerman 1995: 337–38).
ثانيًا، قد نعتقد أن مفهوم التلاعب ليس غامضًا ولكنه استدراكيًا، لذا فإن التلاعب يتكون إما من الاحتيال أو الضغط. وبالفعل، في أحد التحليلات النفسية الأولى للتلاعب، اتخذ جويل رودينو هذه المقاربة. وبدأ رودينو بالأطروحة الآتية:
يحاول علي أن يتلاعب بصلاح فقط إذا حاول علي التأثير على سلوك صلاح بالتضليل أو الضغط أو اللعب على نقاط ضعف صلاح (Rudinow 1978: 343).
ويمضي رودينو في الادّعاء أن استخدام أسلوب الضغط يعدُّ متلاعبا فقط في حالة وجّه المُتلاعِب المُحتمَل نقاط الضعف المفترضة للمُستهدَف التي ستجعله غير قادر على مقاومتها، وهذا يقوده إلى الاستنتاج النهائي لتعريف التلاعب من حيث التضليل أو اللعب على نقاط الضعف المفترضة للضحية، مع الفصل الثاني المعني بتغطية الأساليب القائمة على الضغط (Rudinow 1978: 346). وقد اتّبع العديد من الفلاسفة الآخرين مقاربة رودينو الاستدراكية لتعريف التلاعب (Tomlinson 1986; Sher Tomlinson 1986; Sher 2011; Mandava & Millum 2013).
قد تبدأ صياغة مختلفة نوعًا ما من الإستراتيجية الاستدراكية بالسلسلة المتصلة في الرأي المتعلق بالضغط؛ أي المقارنة بين الضغط في الإقناع العقلاني والإكراه، ولكن الصياغة تستمر في إضافة بُعد ثانِ يتألف من سلسلة متصلة بين الإقناع العقلاني والكذب الصريح. وبعدها قد نعرّف التلاعب من حيث مجال ثنائي الأبعاد الذي يحدّه الإقناع العقلاني والكذب الصريح والإكراه. وقد اقترح سابير هاندلمان مثل هذه الاستراتيجة مع إضافته لبعد ثالث الذي يقيس مستوى “السيطرة” الذي يُمارَسه شكل معيّن من أشكال التأثير (Handelman 2009).
يمكن وصف الاستراتيجيات الاستدراكية التي تجمع بين آراء الاحتيال والضغط على أنها مؤثِّرة لأنها تبدو وكأنها تقوم بعمل أفضل من آراء الاحتيال أو الضغط وحدها لتعليل مجموعة متنوعة من الأساليب التي يبدو من البديهي أنها متلاعبة. ومع ذلك، فإن لهذه التغطية الأوسع تكاليفها. إذا وضعتْ المقاربة الاستدراكية ببساطة كلمة “أو” بين آراء الاحتيال والضغط، عندها ستترك سؤالًا من دون جواب عمّا إذا كان هناك أي شيء يجعل كل أشكال التلاعب تجليات للظاهرة نفسها. ومن المحتمل، بالتأكيد، أن هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه لأن هنالك -في الحقيقة- شكلان مختلفان من أشكال التلاعب لا يمكن اختزالهما. ولكن هذا يبدو وكأنه استنتاج يجب أن نقبله على مضض فقط، بعد بذل جهد من حسن النية لتحديد ما إذا كان هناك بالفعل شيء مشترك بين التلاعب القائم على الضغط والتلاعب القائم على الاحتيال.
يمكن استخلاص إجابة محتملة لهذه الإشكالية من أطروحة مارسيا بارون المهمة حول “التلاعب”، والتي تشخص الخطأ الأخلاقي الكامن في التلاعب من منظور الرذيلة حسب مفهوم أرسطو. وتقترح معاملة التلاعب على أنه رذيلة الإفراط فيما يتعلق “إلى أي مدى -وكيف ومتى ولمن ولأي نوع من الغايات- عند السعي للتأثير على سلوك الآخرين” (Baron 2003: 48). ومن وجهة نظرها، فإن التلاعب هو على النقيض من رذيلة
الامتناع عن تقديم المشورة التي يحتمل أن تكون مفيدة، أو الامتناع عن محاولة إيقاف شخص ما من القيام بشيء خطير للغاية كأن تمنع أحدهم من أن يقود السيارة من بيتك إلى بيته وهو في حالة سُكْر. (Baron 2003: 48)
ربما عندها يمكننا أن نفهم التشابه الكامن بين الاحتيال والتلاعب القائم على الضغط لتكون مظاهر على الرذيلة المشتركة، وطرق مختلفة للقيام بالخطأ فيما يتعلق بالكيفية والكمية التي يجب من خلالها أن نحاول التأثير على من حولنا.
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى وجود مقاربتين أخريين لتعريف التلاعب. وتقترح باتريشيا جرينسبان أن التلاعب هو نوع هجين من الإكراه والتضليل. وكتبت أن
يبدو أن لحالات التلاعب دور في كلٍّ من الفئتين المعتادة، الإكراه والتضليل، اللتان يتدخلان بشكل مقصود في استقلالية شخص آخر وإكراهه وتضليله، ولكن نتيجة جزئية لذلك أن هذه الحالات لا تتناسب تمامًا مع أي من الفئتين. (Greenspan 2003: 157)
وبالتالي، قد نصف وجهة نظرها بأنها نظرية “مرتبطة” بالتلاعب، والتي وفقًا لها تحتوي على عناصر الضغط والتضليل. ومن المؤكد أنه يبدو صحيحًا أن المتلاعبين غالبًا ما يستخدمون الأسلوبين، الضغط والتضليل. فعلى سبيل المثال، إن المتلاعب الذي يوظف ضغط الأقران عند ضحيته قد يبالغ أيضًا في مدى رفض الأقران للضحية في حال اختارت القرار الذي لا يرغب به المُتلاعِب. وعلى أي حال، يمكننا أيضًا أن نشير إلى حالات خالصة نسبيًا للضغط المتلاعب أو الاحتيال المتلاعب: يمكن -في الواقع- تخيّل كافة العناصر الموجودة في القائمة أعلاه على أنها تتضمن إما مثالًا خالصًا على الضغط أو مثالًا خالصًا على الاحتيال. يبدو أن الوجود الظاهر لحالات التلاعب التي تتضمن التضليل فقط أو الضغط فقط يمثل تحديًّا لوجهة نظر جرينسبان المتعلقة بأن التلاعب هجين من الإكراه والتضليل.
يدافع إريك كيڤ عن نظرية يسميها “التلاعب بالدافع” (Cave 2007, 2014). وتعتمد مقاربة (كيڤ) على التمييز بين “الاهتمامات”، وهي الدوافع التي تتكون من المواقف المؤيدة الواعية للشخص تجاه بعض الأفعال أو الحالات أو الشؤون، و “دوافع عدم الاهتمام” وهي الدوافع التي ليست أيضًا اهتمامات (أي أنها أيضًا ليست ضمن المواقف المؤيدة الواعية). وبهذا التمييز المبيّن، يعرّف (كيڤ) التلاعب بالدوافع على أنه أي شكل من أشكال التأثير الذي يعمل بتحفيز الدوافع غير المهمة. وتشير هذه النظرية بوضوح إلى أن المؤثرات الموجهة إلى الدوافع غير الواعية، وكذلك التأثيرات التي تعمل بـ”تقنيات شبه التنويم” و”التأثير السلوكي الصريح” هي عوامل متلاعبة (Cave 2014: 188). لكن ليس من الواضح ما الذي ستقوله نظرية (كيڤ) حول المؤثرات على العواطف ذات الخبرة الواعية أو أساليب الضغط مثل ضغط الأقران أو الابتزاز العاطفي. وهذا لأن التمييز بين دافع الاهتمام وعدم الاهتمام الذي يمثل جزءًا مهمًّا من النظرية، يبدو أنه غير موصوف بشكل كافٍ. هل يعدُّ خوفي من الفشل أو رغبتي في الاحتفاظ بصداقتك مثلًا من ضمن الاهتمامات؟ بدون تفسير أشمل للتمييز الجوهري بين دوافع الاهتمام وعدم الاهتمام، من الصعب تحديد ما إذا كانت نظرية (كيڤ) تقدّم إجابة معقولة لمسألة التعريف.
-
الإجابة على مسألة التقييم
يجب على الإجابة الكاملة لمسألة التقييم أن تخبرنا عن نوع الأخطاء التي يتضمنها التلاعب؛ هل هو غير أخلاقي تمامًا؟ أم هو غير أخلاقي لدرجة ما؟ أو أنّه غير أخلاقي من الناحية الظاهرية… إلخ؟ ويجب أيضًا أن يخبرنا متى يكون التلاعب غير أخلاقي إذا كان في بعض الأوقات يعدُّ أخلاقيًا. وأخيرًا، يجب أن تعرّفنا الإجابة الكافية لمسألة التقييم عمّا يجعل التلاعب غير أخلاقي في الحالات التي يكون فيها كذلك.
3.1 هل يمكن اعتبار التلاعب سلوكًا سيئًا دائمًا؟
لنفترض أن تونيا إرهابية مُعتقَلة قامت بإخفاء قنبلة في المدينة وأن الفعل الذي فضّلت اتّباعه هو أن تحفاظ على سرية موقعها حتى تنفجر. وافترض أن إيرفينغ محقق في مكتب التحقيقات الفيدرالي يريد من تونيا الكشف عن موقع القنبلة قبل أن تنفجر. في هذه الحالة، كيف يمكن لملء تفاصيل القضية أن يغيّر تقييمنا الأخلاقي للوسائل المختلفة التي قد تدفع إيرفينغ لتغيير رأي تونيا؟
قد تكون الإجابة المتطرفة: “لا يمكن أن يتغير التقييم الأخلاقي للتلاعب على الإطلاق”. ويرى هذا الرأي المتشدد أن التلاعب دائمًا خطأ أخلاقيًا، بغض النظر عن العواقب. وبقدر ما تشبه هذه النظرة المتشددة موقف كانط المتشدد الشهير بأن الكذب دائمًا يعدُّ خاطئًا، فقد ينظر أحدهم إلى أخلاقيات كانط لاعتبارات تدعمه. ولكن مثلما لا يقبل أي شخص موقف كانط المتشدد ضد الكذب، فإن الرأي المتشدد ضد التلاعب يبدو أيضًا أنّه يحظى بالقليل من المناصرين.
قد يكون الموقف الأقل تطرفًا هو أنه بينما يكون التلاعب خاطئًا دائمًا إلى حدٍ ما، فإن الاعتبارات الأخلاقية الأخرى يمكن أن تفوق أحيانًا الخطأ المترتب من التلاعب. بالتالي، قد نظن أن التلاعب خطأ دائمًا إلى حدٍ ما، ولكن هذه العوامل الأخلاقية الموازية قد تكون كافية في بعض الأحيان لجعل التلاعب مبررًا بصورة عامة. فما الذي قد تتضمنه هذه العوامل؟ أحد الاحتمالات الواضحة سيكون العواقب، على سبيل المثال، حقيقة أن تلاعب إيرفينغ الناجح بتونيا قد ينقذ العديد من الأرواح البريئة. قد يُعتقد أيضًا أن العوامل غير العواقبية هي اعتبارات موازية: ربما تكون شخصية تونيا اللاأخلاقية، أو حقيقة أنها تتصرف بناءً على رغبة أو نية شيطانية، عاملاً موازيًا يمكن أن يفوق الخطأ المترتب من تلاعب إيرفينغ. من المهم أن نلاحظ، في هذا الرأي، حقيقة أن أي فعل يتضمن التلاعب يحتوي دائمًا على سبب أخلاقي لتجنبه، حتى لو كانت الاعتبارات الموازية القوية تجعله فعلًا غير خاطئًا عمومًا. فمثلًا، حتى لو كان تلاعب إيرفينغ بالإرهابية تونيا أمرًا غير خاطئًا عموما (على سبيل المثال، بسبب الأرواح البريئة التي سيتم إنقاذها)، إذا تمكن إيرفينغ من جعل تونيا تكشف عن موقع القنبلة دون استخدام التلاعب (أو أي وسيلة أخرى غير أخلاقية نسبيًا)، عندها سيكون من الأفضل أخلاقيًا تجنب التلاعب بها.
على النقيض من ذلك، قد نعتقد أن التلاعب هو مجرد وسيلة غير أخلاقية من الناحية الظاهرية. ومن هذا الرأي، يوجد افتراض بأن التلاعب غير أخلاقي، ولكن هذا الافتراض يمكن دحضه في بعض المواقف. وفي الوقت الذي يُدحض فيه هذا الافتراض، حينها يكون التلاعب غير خاطئًا إطلاقًا، ولا حتى خاطئًا بتلك الدرجة. ومن هذا المنطلق، قد نقول إنه في حين أن التلاعب عادة ما يكون خاطئًا، فإنه لا يعدُّ كذلك على الإطلاق في سيناريو الإرهاب مثلًا. بالتالي، فإن تلاعب إيرفينغ بالإرهابية تونيا ليس خطأً عمومًا، بل لا يوجد حتى أي سبب أخلاقي يدفعه لاختيار وسيلة غير متلاعبة لإجبار تونيا على الكشف عن موقع القنبلة إذا كانت تلك الوسيلة متوفرة.
إنّ وجهة النظر الأكثر تعقيدًا، ولكن ربما تكون أكثر منطقية في النهاية، ستجمع بين المقاربات المتعلقة بخطأ التلاعب المحدود والظاهر. ترى مثل وجهة النظر هذه أن التلاعب يُصنَّف غير أخلاقي من الناحية الظاهرية، ولكن عندما يكون خاطئًا، يكون هذا الخطأ محدودًا وليس مُطْلقًا. ومن هذا الرأي، هناك مواقف يُدحَض فيها الافتراض ضد التلاعب وحتى أن التلاعب لا يكون حينها خاطئًا بشكل محدود. وربما يكون الخداع في لعبة البوكر مثالًا جيدًا لهذا. ولكن في حالة عدم دحض ذلك الافتراض، فإن خطأ التلاعب حينها لا يكون إلا خطأً محدودًا؛ بالتالي يمكن تجاوزه باعتبارات أخلاقية موازية هامّة بما فيه الكفاية. وفي مثل هذه الحالات، حتى لو لم يكن من الخطأ -عمومًا- أن تمارس التلاعب، سيظل من الأفضل من الناحية الأخلاقية أن تتجنب التلاعب لصالح شكل آخر من أشكال التأثير ذي شرعية أخلاقية. قد يكون التلاعب بصديق لغرض منعه من إرسال رسالة نصية لإحياء علاقة مسيئة، مثالًا على خطأ التلاعب المحدود الذي يمكن تجاوزه بسبب اعتبارات أخرى. في مثل هذه الحالة، يبدو من المعقول التأكيد على أنه سيكون من الأفضل أخلاقيًا استخدام أسلوب المنطق بدلًا من التلاعب لإقناع صديقك أنّ من الخطأ إرسال تلك الرسالة، حتى لو كانت حقائق الموقف تبرر اللجوء إلى التلاعب. وقد أيدتْ مارسيا بارون هذا رأيًا بوتيرة كهذه (2014: 17 -116). على الرغم من أن هذا الرأي أقل تشددًا بكثير من وجهة النظر المتطرفة المذكورة آنفًا، إلا أنه يحافظ على الادّعاء بأن التلاعب خاطئ ظاهريًا، لذلك هناك دائمًا افتراض بأنه غير أخلاقي، مع أن هذا الافتراض يُدحَض في بعض الأحيان. وكما أنه متوافق مع فكرة أن مصطلح “التلاعب” يتضمّن دلالة على عدم الاستحسان الأخلاقي.
على أي حال، قد يواجه الادّعاء بأن التلاعب خاطئ افتراضيًا بعض التحديّات. فقد يناقش أحدهم أن التلاعب يُعدُّ -أو على الأقل يجب أن يكون- مصطلحًا موضوعيًا من الناحية الأخلاقية حتى بدون الافتراض بعدم أخلاقيته. وفقًا لهذا الرأي، سيعتمد دائمًا تحديد ما إذا كانت حالة تلاعب معينة غير أخلاقية على حقائق الموقف، ولا يتضمن المصطلح نفسه (أو يجب أن يتضمن) أي افتراض بطريقة أو بأخرى. ومن الواضح أن هناك مفاهيم غير أخلاقية للتلاعب؛ إذ عندما نتحدث عن عالم يتلاعب بالعوامل المتغيّرة في تجربة ما، أو طيار يتلاعب بنظام التحكّم في الطائرة، فإن استخدامنا للمصطلح يخلو من أي إشارة إلى الازدراء الأخلاقي. يمكننا، في العلوم الاجتماعية، أن نجد حالات لمصطلح “التلاعب” يُستخدَم فيها بطريقة محايدة أخلاقيًا حتى عندما يكون شخص آخر المُستهدَف من التلاعب. فعلى سبيل المثال، إنّ العديد من الأوراق البحثية الذي أعدّها عالم النفس التطوري، ديفيد إم. بوس، وزملاؤه تستخدم مصطلح “التلاعب”، بشكلٍ أو بآخر، مرادفًا لمصطلح “التأثير”، وذلك في نقاشهم بشأن كيف يؤثر الأشخاص بالآخرين (D.M. Buss 1992; D.M. Buss et al. 1987). إنّ الإشارة إلى الاستخدامات المحايدة أخلاقيًا لـ”التلاعب” لا تحسم حقًا مسألة ما إذا كان ينبغي لنا تفضيل المفهوم الأخلاقي أو غير الأخلاقي للتلاعب. ويقدم ألن وود نقاشًا لتفضيل المفهوم غير الأخلاقي للتلاعب، إذ كتب أنّه
إذا كنّا نعتقد أن النقاش الأخلاقي يجب أن يستمر ليس فقط بالاستشهاد بمشاعرنا المؤيدة أو المعارضة، أو اتّباع حدسنا غير الخاضع للجدل، ولكن بدلًا من ذلك، يجب أن يستمر بتحديد الحقائق الموضوعية حول موقف ما يعطينا أسبابًا وجيهة لإدانة أشياء معينة أو الموافقة عليها، فعندئذٍ سيتحسن كثيرًا استخدامنا للمعنى غير الأخلاقي لكلمات مثل “الإكراه” و “التلاعب” و “الاستغلال”؛ المعنى الذي يمكن من خلاله استخدام هذه الكلمات للإشارة إلى مثل هذه الحقائق الموضوعية. (Wood 2014: 19–20)
بغض النظر عن الكيفية التي نجيب بها على السؤال عمّا إذا كان التلاعب عمومًا غير أخلاقي بشكل مطلق أو محدود أو مبدئي أو حتى بصورة محتملة، فمن الواضح أن هناك مواقف يكون فيها التلاعب غير أخلاقي. ويجب أن توضح أي إجابة كاملة لمسألة التقييم سبب وصف التلاعب بأنه غير أخلاقي في تلك الحالات التي يكون فيها غير أخلاقي. بالإضافة إلى ذلك، يجب على أي وجهة نظر ترى أن التلاعب غير أخلاقي في حالتين فقط، بشكل محدود ( pro tanto ) و/أو بشكل مبدئي (prima facie )، أن تخبرنا عن أنواع الاعتبارات التي يمكن أن تدحض الافتراض بأنه غير أخلاقي و/أو (pro tanto) يفوق لا أخلاقيته المحدودة. ولقد قدمتْ عدة آراء لتحديد مصدر الخطأ الأخلاقي في التلاعب، في الحالات التي يكون فيها خاطئًا.
3.2 التلاعب والضرر
ربما تشير الطريقة الأكثر وضوحًا لشرح خطأ التلاعب (عندما يكون خاطئًا) إلى الضرر الذي لحق بضحايا التلاعب. ويشيع استخدام التلاعب بعدوانية، هدفًا لإلحاق الضرر بضحية المُتلاعِب، أو على الأقل لإفادة المُتلاعِب على حساب المُستهدَف. ويبدو ضرر التلاعب بارزًا بشكل خاص في العلاقات المتلاعبة، حيثما يؤدي التلاعب إلى التبعية وحتى الإساءة. وغالبًا ما يُشار إلى الضرر الاقتصادي الطفيف الناجم عن استخراج الأموال من المستهلكين على أنه سمة من سمات ارتكاب الخطأ في الإعلان المتلاعب، وكان هناك بعض النقاشات حول الكيفية التي قد يقود بها التلاعب الضحايا إلى إبرام عقود استغلالية. وقد يؤدي التلاعب السياسي المنهجي إلى إضعاف المؤسسات الديمقراطية وربما يؤدي إلى الاستبداد.
من الشائع أن الضرر هو دائمًا سمة من سمات ارتكاب الخطأ، على الرغم من أنه ربما يكون أمرًا ظاهريًا أو محدودًا. ولهذا السبب، يبدو أن من المعقول الاعتقاد أن أمثلة التلاعب التي تضر الضحايا تعدُّ على الأقل غير أخلاقية بشكل محدود أو ظاهري، ولكن ليست كل أمثلة التلاعب تضر ضحاياه. ففي الواقع، يفيد التلاعب المُستهدَف في بعض الأحيان. إذا كان ضرر الضحية هو السمة الوحيدة لارتكاب الخطأ في التلاعب، عندها لا يمكن أبدًا للتلاعب الأبوي أو النافع أن يكون خطأً محدودًا. ولكن يرى معظم الناس أن هذا الادّعاء غير معقول. لفهم ذلك، ضع في اعتبارك أن النقاش حول ما إذا كانت الدفعات الأبوية من ضمن التلاعب الخاطئ لا تساوى بالإشارة -ببساطة- إلى أنها تفيد المُستهدَفين. تفسّر حقيقة احتمال أن يكون الفعل متلاعبا بشكل خاطئ، على الرغم من أنه يفيد والغرض منه إفادة المُستهدَف، سبب قلة الدفاع عن الادعاء القائل بأن التلاعب خطأ فقط عندما يضر المُستهدَف. ومع ذلك، يبدو من المنطقي الاعتقاد بأنه عندما يضر التلاعب -فعلًا- بضحيته، فإن هذا الضرر يزيد من خطأ السلوك المتلاعب.
3.3 التلاعب والاستقلال الذاتي
ربما يدّعي الرأي الأكثر شيوعًا لخطأ التلاعب أنه ينتهك أو يقوّض أو يتعارض بطريقة أخرى مع الاستقلالية الذاتية للمُستهدَف. ومن السهل فهم السبب في ذلك: يؤثر التلاعب، بحكم التعريف، على اتخاذ القرارات بوسائل ليس من الواضح أنها تحافظ على الاستقلالية الذاتية، على خلاف الإقناع العقلاني. بالتالي، من الطبيعي اعتباره تدخلًا في صنع القرار المستقل. إنّ الفكرة القائلة بأن التلاعب فعلٌ خاطئ لأنه يقوض الاختيار المستقل توجد ضمنيًا في المناقشات حول التلاعب باعتباره مُبطِلًا مُحتملًا للموافقة. وفي الواقع، إن الافتراض بأن التلاعب يقوّض الاستقلالية أمرًا شائعًا جدًا في المناقشات حول التلاعب والموافقة بحيث يصعب الاستشهاد بورقة علمية بشأن هذا الموضوع لا تتعامل على الأقل ضمنيًا مع التلاعب على أنه يقوض الاختيار المستقل. ولكن حتى خارج المناقشات حول الموافقة المستقلة، فإنّ الادعاء قائم أو مُفترَض بشكل شائع أن التلاعب غير أخلاقي لأنه يقوض الاستقلالية الذاتية.
ومع ذلك، فثمة أسباب للحذر من ربط الحالة الأخلاقية في التلاعب بآثاره على الاستقلال الذاتي. ويمكن لأي شخص تخيّل الحالات التي لا يكون فيها من الواضح أن التلاعب يُقوِّض الاستقلال الذاتي. وحتى أنه يمكن أن يتخيّل الحالات التي قد يحسّن فيها -عمومًا- الفعل المتلاعب الاستقلال الذاتي للمُستهدَف. على سبيل المثال، قد يتلاعب المعلم بطالب ليأخذ دورة دراسية مما يعزز في النهاية استقلاليته بإتاحة خيارات وظيفية جديدة، وتحسين مهاراته في التفكير الذاتي النقدي، وما إلى ذلك. قد نتخيل أيضًا حالات يُستخدَم فيها التلاعب لدعم الخيار المستقل للمُستهدَف. لنفترض أن تونيا قررت بشكل مستقل أن تترك شريكًا مسيئًا، لكنها الآن تميل إلى التراجع عن قرارها. إذا لجأ إيرفينغ إلى مناورة متلاعبة مصممة لتدفعها بعيدًا عن التراجع عن اختيارها المستقل لترك المُسيء إليها، فإن تصرفه قد يبدو أقل تقويضًا لاستقلالية تونيا، بل وأقرب إلى تعزيز استقلاليتها.
قد يجيب أحدهم أن هذه الأمثلة لا تُضعِف الادّعاء بأن التلاعب خاطئ نتيجة تقويضه للاستقلالية؛ لأن مثل هذه الحالات في التلاعب المعززة للاستقلال الذاتي تعدُّ ليست خاطئة. وعلى أي حال، تواجه هذه الإجابة تعقيدًا: فكّر في الحالة التي يتلاعب فيها إيرفينغ بتونيا لمقاومة الرغبّة المُلحّة في التراجع عن قرارها بترك شريكها الذي يسيء معاملتها. ويبدو من المنطقي القول إن تلاعب إيرفينغ في هذه الحالة ليس خطأ بصورة عامة. ولكن يبدو من المعقول أيضًا أن نقول إنه مع ذلك كان خطأً محدودًا لأنه يبدو من المنطقي الاعتقاد بأنه كان من الأفضل أخلاقيًا أن يجد إيرفينغ طريقة أخرى لمساعدة تونيا على ألا تتراجع عن قرارها. ولكن حتى الادّعاء بأن تلاعب إيرفينغ المعزز للاستقلال الذاتي هو مجرد خطأ محدود يبدو غير مُتَّسق مع الادعاء بأن التلاعب خاطئ عندما يقوّض الاستقلال الذاتي. ومن دواعي الحريَّة بالطبع لمناصري رأي الاستقلالية الذاتية لخطأ التلاعب ألّا يرضوا بالموقف هنا وينكروا أن التلاعب المعزز للاستقلال الذاتي هو حتى غير أخلاقي بشكل محدود.
بدلًا من ذلك -وربما بشكل أكثر منطقية- قد يقرُّ المدافع عن رأي الاستقلال الذاتي لخطأ التلاعب بأن تلاعب إيرفينغ المعزز للاستقلال الذاتي بتونيا هو خطأ محدود. لكنها قد تفسّر ذلك بالادّعاء بأنه في حين أن التلاعب يعزز الاستقلالية الذاتية بشكل عام، إلا أنّه يقوض استقلالية تونيا على المدى القصير. تفسر حقيقة أن تلاعب إيرفينغ يقوض استقلالية تونيا مؤقتًا سبب وصفه على أنّه غير أخلاقي. ولماذا سيكون من الأفضل أخلاقيًا لإيرفينغ أن يجد طريقة غير متلاعبة لمساعدة تونيا على تجنب التراجع عن قرارها. ولكن حقيقة أن التلاعب يعزز استقلالية تونيا بشكل عام يفسر سبب عدم وصفه على أنّه غير أخلاقي بصورة عامة. بالطبع، لن تروق هذه الاستراتيجية لأولئك الذين يعتقدون أنه من الخطأ تقويض استقلالية الشخص حتى عندما يؤدي القيام بذلك إلى تعزيز الاستقلالية العامة لهذا الشخص نفسه.
يظهر تهديد أكثر أهمية للعلاقة بين التلاعب والاستقلالية الذاتية في ورقة علمية مؤثرة ألفتها سارة باس (Buss). وتقول إنه “عندما نكون ملزمين بالامتناع عن التلاعب أو خداع بعضنا البعض، فإن هذا لا علاقة له بقيمة الاستقلالية” (S. Buss 2005: 208). وتنقسم مناقشة باس إلى جزئين. فهي تدّعي أولًا أن التلاعب -في الواقع- لا يحرم ضحيته من القدرة على الاختيار، وفي العادة، يُفترض -فعليًا- أن المُستهدَف سيتخذ قراره بنفسه. ولكن إذا لم يسلب التلاعب قرار المُستهدَف، كما تؤكد باس، فإنّه لا يقوض استقلاليته. (للحصول على مناقشة مماثلة، انظر Long 2014 ). ثانيًا، تناقش باس أنّه من الخاطئ الادّعاء بأن الشخص المُستقل سيرفض بعقلانية الخضوع إلى التأثيرات المتلاعبة. ولدعم هذا الادّعاء، تناقش سارة بأن التلاعب والتضليل هما “أشكال منتشرة من التفاعل البشري والتي غالبًا ما تكون مِفضَالة جدًا وحتى قيّمة” (S. Buss 2005: 224). وأبرز مثال لها هو تنمية الحب الرومانسي، والذي غالبًا ما يتضمن -وقد يتطلب أيضًا – كميات كبيرة من السلوك الذي يوصف على نحو مناسب بأنه تلاعب.
لدى المدافعين عن العلاقة بين الاستقلالية الذاتية وخطأ التلاعب ردود محتملة على حجة باس المثيرة للاهتمام. ولسبب واحد، يبدو أنه من الممكن صياغة مفهوم الاستقلالية الذاتية التي من خلالها توجد معلومات خاطئة (أو حالات عقلية خاطئة أخرى) أو تتعرض للضغط (حتى عندما لا يرتقي إلى مستوى الإكراه) الذي يهدد استقلالية الشخص. وعلى الرغم من أن المعتقدات الخاطئة حول كيفية تحقيق غايات المرء قد لا تضر بالقيم الأصيلة للفرد أو صلاحياته في التفكير العملي، إلا أنّها تبدو أنها تهدد قدرة الفرد على تحقيق الغايات المختارة باستقلالية، ومن المعقول اعتبار ذلك بمثابة تقليص لـ (بعض أشكال) الاستقلالية الذاتية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المدافع عن العلاقة بين الاستقلالية الذاتية وخطأ التلاعب قد ينكر ببساطة أن أشكال التلاعب التي يوافق عليها الفاعل المُستقل (على سبيل المثال، تلك الأشكال التي يتطلبها الحب الرومانسي) هي حالات غير مشروعة للتلاعب.
التلاعب والتعامل مع الأشخاص على أنهم ماديات
تربط العديد من آراء التلاعب حالته الأخلاقية بحقيقة أنه يؤثر على السلوك بأساليب تبدو مشابهة لكيفية تشغيل أحدهم لأداة أو جهاز ما. وحسب وجهة النظر هذه، يتضمن التلاعب معاملة المُستهدَف على أنه جهازًا ماديًّا يتم تشغيله بدلًا من اعتباره عاملًا عاقلًا يمكن الحوار معه. وكما صاغتها كلوديا ميلز،
أن المُتلاعِب يهتم بالأسباب ليس باعتبارها مبررات منطقية ولكن باعتبارها أدوات سببية؛ إذ أن الأسباب بالنسبة للمُتلاعِب عبارة عن أدوات، والأسباب السيئة يمكن أن تفيد مثل الأسباب الجيدة، بل أفضل منها. (Mills 1995: 100–101)
النقطة المهمة هنا هي أن المتلاعِب لا يعامل ضحيته على أنها شخص أو نظير عقلاني، لأن ذلك يتطلب تقديم أسباب وجيهة لفعل ما يقترحه المتلاعب للمُستهدَف. عوضًا عن ذلك، يتعامل المُتلاعِب مع ضحيته على أنه كائن يمكن إثارة سلوكه بالضغط على الأدوات السببية الأكثر فاعلية.
وبالتأكيد، تعدُّ فكرة التعامل مع الإنسان على أنه محض مادة، فكرة غير أخلاقية، بل أنها سمة بارزة على رأي كانط بشأن احترام الأشخاص (الرجاء مراجعة مدخل الاحترام). بالتالي، سيكون من الطبيعي أن نستعين بالأفكار الكانطية للمساعدة في تفصيل فكرة أن التلاعب خاطئ بسبب الطريقة التي يعامل بها ضحيته. لذلك، يكتب توماس إي هيل، مثلًا،
تتجلى فكرة أن على المرء أن يحاول التحاور بمنطق مع الآخرين بدلًا من التلاعب بهم بأساليب غير عقلانية، في مناقشة كانط المتعلقة بواجب احترام الآخرين. (Hill 1980: 96)
على الرغم من أن فلسفة كانط الأخلاقية (انظر المدخل) هي المصدر الطبيعي للبحث عن فكرة أن خطأ التلاعب ينبع من الفشل في معاملة المُستهدَف على أنه إنسان عاقل، إلا أن هناك عيوبًا محتملة لربط هذا الرأي ربطًا وثيقًا بفلسفة كانط. ذلك أن مفهوم كانط للأداة العقلانية يبدو أنه من النوع الادراكي والفكري المفرط. ومن ثم، إذا كان من غير الأخلاقي الفشل في معاملة شخص ما على أنه ضمن هذا النوع من الفاعل العقلاني، فقد نخلص إلى استنتاج مفاده أن الأساس الوحيد المقبول للتفاعل البشري هو نوع من الإقناع العقلاني الفكري البارد الذي يستبعد أي جذب للعواطف. ولكن كما رأينا سابقًا، هناك أسباب وجيهة لاعتبار مثل هذا الاستنتاج غير معقول.
من المؤكد أن هذه الاعتبارات لا تعني أنه لا يُجدي النظر إلى بعض مفاهيم معاملة الأشخاص على أنهم ماديات لتوضيح عدم مشروعية التلاعب. ولكنها تقترح بالفعل إجراء المزيد من الدراسات قبل الادّعاء أن التلاعب خاطئ بسبب أنه يعامل الأشخاص على أنهم مجرد ماديات والذي يمكن اعتباره أكثر على أنه من البديهيات.
3.5 اقتراحات أخرى
على الرغم من أن الأذى والاستقلالية الذاتية ومعاملة الأشخاص كأنهم ماديات هي من أبرز الاقتراحات حول ما يجعل التلاعب خاطئًا، إلا أنه يمكن لأي أحد أن يجد اقتراحات أخرى في الأدبيات. مثلًا، يشير رأي نظرية الفضيلة لمارسيا بارون عن التلاعب إلى أننا قد نأخذ في الاعتبار خطأ التلاعب من حيث شخصية المُتلاعِب (Baron 2003). وتقترح باتريشيا جرينسبان أنه عندما يكون التلاعب غير أخلاقي، فذلك لأنه ينتهك شروط العلاقة بين المُتلاعِب والمُستهدَف، وهي شروط تختلف وفقًا لطبيعة العلاقة بينهما (Greenspan 2003). ويشير مثل هذا الرأي -بشكل معقول- إلى أن الحالة الأخلاقية لموقف معين من التلاعب ستعتمد جزئيًا على الأقل على طبيعة العلاقة بين المُؤثِّر والمُستهدَف من التأثير.
-
مسائل أخرى
بالإضافة إلى الإجابة على مسألة التعريف والتقييم، يجب أن تتناول نظرية التلاعب الكاملة عدة مسائل أخرى.
4.1 التلاعب بالأشخاص مقابل التلاعب بالمواقف
غالبًا ما تميّز مناقشات التلاعب بين الحالات التي يؤثر فيها المُتلاعِب على ضحيته بشكل مباشر، والحالات التي يؤثر فيها المُتلاعِب على سلوك الضحية بترتيب بيئة المُستهدَف بطرق تحفّزه على التصرف بطريقة دون أخرى. خذ بعين الاعتبار مثال جويل رودينو عن المُتمارِض الذي يتلاعب بطبيبة نفسية لتقبل دخوله في جناح الطب النفسي (Rudinow 1978) ويفعل ذلك بخداع ضابط الشرطة ليعتقد أنه على وشك الانتحار. فيحضره ضابط الشرطة إلى الجناح، ويبلغ عن ميوله الانتحارية، ويطلب تنويمه في الجناح. وعلى الرغم من أن الطبيبة النفسية لم تنخدع، إلا أن قواعد المستشفى تجبرها على إدخال المُتمارِض بناءً على طلب ضابط الشرطة. ويبدو من الواضح أن المُتمارِض قد تلاعب بضابط الشرطة لحمله لتبنّي اعتقاد خاطئ. لكن الطبيبة النفسية اضطرت إلى فعل ما لا تريد القيام به، رغم عدم وقوعها في فخ محاولة الانتحار المزيفة وبالتالي عدم تبني أي معتقدات خاطئة. وفي هذه الحالة، يبدو من الصحيح القول إن الطبيبة النفسية قد تم التلاعب بها، ولكن هذا الشكل من التلاعب يبدو مختلفًا عما حدث لضابط الشرطة؛ أي أنّه بالتظاهر بمحاولة الانتحار، تلاعب المُتمارِض بمعتقدات ضابط الشرطة. لكنه قام بمناورة الطبيبة النفسية لتدخله إلى الجناح، ليس بالتلاعب بحالاتها النفسية، بل ب”التلاعب بالنظام”، كما قد نقول.
تعود محاولات التعبير عن هذا التمييز، على الأقل إلى زمن عالمي الاجتماع دونالد وارويك، وهربرت كيلمان وتمييزهما بين التلاعب “البيئي” و “النفسي” (Warwick & Kelman 1973)، والذي أثَّر على الرأي الفلسفي الأساسي لفادن وبيوشامب وكينغ في التلاعب (Faden, Beauchamp, & King 1986: 355–68) وتميّز آن بارنهيل بين التلاعب الذي “يغيّر الخيارات المتاحة للشخص أو يغير الموقف الذي يمر به، وبالتالي يغير سلوكياته” من ناحية، والتلاعب الذي “يغير سلوكيات الشخص مباشرة دون تغيير الخيارات المتاحة له أو تغيير الموقف المحيط به من جهة أخرى ( Barnhill 2014: 53)، وتكتب كلوديا ميلز مثالًا لتمييز مشابه:
إذا أراد أحمد من بدر أن يفعل أمرًا معيّنًا، فإن هناك استراتيجيتين عامتين قد يتّبعهما أحمد. إما أن يغيّر أحمد أو يقترح تغيير السمات الموضوعية والخارجية للموقف الذي يختاره بدر، أو بدلًا من ذلك، أن يحاول أحمد تعديل سمات ذاتية وداخلية محددة للموقف الذي يختاره بدر. وفي حين أن بعض الكتّاب قد يصنّفون الاستراتيجيتين على أنهما متلاعبة، على الأقل في ظروف معينة، إلا أنني أفضّل الاحتفاظ بتصنيف التلاعب لمجموعة فرعية من الأفعال التي تسبب إشكاليات أخلاقية وتقع في الدرجة الثانية من التصنيف. (Mills 1995: 97)
على الرغم من أن حجّة رودينو تقدّم تباينًا واضحًا بين ما قد نُطلِق عليه التلاعب النفسي والتلاعب بالمواقف، علمًا أن هذا التمييز بينهما -أو على الأقل أهميته- ليس واضحًا دائمًا بالشكل المطلوب. فكر في المناورة التاسعة أعلاه، حيث يهدد إيرفينغ أن يتخلى عن صداقته مع تونيا إذا لم تفعل ما يريده منها. هل يمكن اعتبار هذه المناورة على أنها تلاعبًا نفسيًا مباشرًا أو تلاعبًا بالمواقف؟ حسب المعيار الذي قدّمه بارنهيل وغيره، تصنّف هذه المناورة على أنها تلاعب بالمواقف؛ إذ أن إيرفينغ يغيّر الموقف الذي اختاراته تونيا لتفعل ما يريده من أجل أن تحافظ على صداقتها معه. ولكن كيف يكون مستوى التدخل المباشر في قرار تونيا أقل في هذه المناورة مقارنةً بالأساليب الأخرى التي يستخدم فيها إيرفينغ بعض أشكال التضليل؟ ما الذي يجعل الأمر مماثلًا لما فعله المُتمارِض للشرطي مقابل ما فعله للطبيبة النفسية؟
وهذه النقطة لا تُنكِر وجود فرق بين التلاعب النفسي والتلاعب بالمواقف، بل تدعو لمعرفة الفرق بينهما وتمييزه والسبب الذي يجعل هذا التمييز مهمًّا. ويُفترَض أن التمييز يهدف إلى التفريق بين الأساليب التي تؤثر على سلوك المُستهدَف بالتلاعب المباشر بنفسيتها والأساليب التي لا تفعل ذلك. ولكن إذا كان هذا هو التمييز بينهما، فمن المنطقي الاعتقاد بأن استخدام إيرفينغ للابتزاز العاطفي هو -على الأقل- تلاعب مباشر بسيكولوجية تونيا، على سبيل المثال، إسقاط (ياجو) للمنديل في مكان ما حيث سيحتال على (عُطيل) ليصبح مُشتبهًا به بشكل غير لائق. ومع هذا، فإن على ما يبدو أن المعايير التي اقترحها بارنهيل وميلز تلمّح أن هذين الشكلين من أشكال التلاعب يقعان على جانبين متقابلين من ذلك التمييز.
بينما يبدو بالفعل أن هنالك شيئًا مهمًّا مختلفًا في المثال الذي ذكره رودينو بين ما فعله المُتمارِض بالشرطي وما فعله بالطبيبة النفسية. ولكن يبقى هنالك الكثير من الدراسات اللازم إجراءها لتقديم تفسير موزون حول ذلك الفرق. وعلى مثل هذا التفسير ألّا يوفّر فقط أجوبة صائبة بديهيًا في حالات الضغط المباشر (كالابتزاز العاطفي) والتضليل غير المباشر (كإسقاط ياجو للمنديل)، ولكن يجب أن يشرح أيضًا ما إذا كان التمييز يصنع فارقًا أخلاقيًا ولماذا يفعل ذلك.
4.2 التلاعب والنيّات
يظهر أن بعض آراء التلاعب تقترح، إن لم تكن تتطلب، أن لدى المُتلاعِب نيّات معقدة إلى حدٍّ ما، مثل الرغبة في توجيه المُستهدَف إلى الضلال ليحدث التلاعب. وتقدّم مارسيا بارون وكيت مان أسبابًا مقنعة للاعتقاد بأن مثل هذه المتطلبات قوية جدًا. وتناقش بارون أن التلاعب يمكن أن يحدث حتى وإن كان لدى المُتلاعِب
مزيج من النيّة والتهوّر فقط؛ أي لديه الهدف الذي يجعل الآخرين يفعلون ما يرغب به، بجانب التهوّر في الطريقة التي يمضي بها للوصول لذلك الهدف. (Baron 2014: 103)
وتتابع القول إن المُتلاعِب لا يجب أن يدرك أن لدى الضحيّة تلك النيّة (Baron 2014, 101). وتتفق مان، دعمًا لهذا الادّعاء، بذكرها مثال جوان التي تقدم هدايا باهظة للأقارب الذين تعتقد أنهم لا يهتمون بها كما ينبغي (Manne 2014, 225). وتسرد مان قصة جوان بطريقةٍ تبدو منطقية للقول إن تقديم جوان للهدايا هي محاولة متلاعبة منها كي تُشعِر أقاربها بالذنب، وأن جوان لا تنوي عن قصد أن تفعل ذلك. وإن كان وصف مان لمثالها صحيحًا، عندها يبدو أن جوان يمكن أن تتلاعب بأقاربها وتشعرهم بالذنب بدون نية مقصودة لفعل ذلك. (وبعد ذلك، تتابع مان أكثر Manne 2014, 235 مشيرة إلى أنه “يمكن للناس أيضًا التصرف بطريقة متلاعبة حتى وإن لم يرغبوا بذلك عمدًا”). وبالطبع، أولئك الذين يمتلكون هذا التلاعب يتطلبون نية واعية أكثر مما ذكرته مان في مثالها عن جوان. ورغم هذا، أثارت المناقشات التي قدمتها كلٌّ من بارون ومان أسئلة مهمة بشأن مستوى التعمّد الواعي اللازم لتصنيف أي فعل على أنّه فعلًا متلاعبا.
إن المسألة عن أي نوع من النيّات اللازم لتصنيف الأفعال باعتبارها تلاعبًا، له آثار عملية لتقييم سلوك الأطفال، الذين يتصرفون أحيانًا بطرق يبدو وصفها مناسبًا على أنها تلاعب، حتى عندما يكونون أصغر من أن تكون لديهم نيّات معقدة مثل ما قد تتطلبه بعض نظريات التلاعب. وتنشأ مخاوف مماثلة عند تقييم سلوك الأشخاص الذين أصبح التلاعب لديهم عادة أو جزءًا من شخصياتهم. وفي الواقع، غالبًا ما تُصنّف بعض اضطرابات الشخصية -مثل اضطراب الشخصية الحدّية واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع- بالتلاعب، كما هو الحال فيما يسمى بنوع الشخصية المَكيافلّية (Christie & Geis 1970) وكتب أستاذ التمريض النفسي لين باورز
أن السلوك المتلاعب في بعض مرضى الاضطرابات الشخصية ثابت ومتكرر. وهو جزء لا يتجزأ من أسلوبهم في التعامل مع الآخرين، وجزء من الاضطراب نفسه. (Bowers 2003: 329) (انظر أيضًا Potter 2006)
في مثل هذه الحالات، يتساءل المرء عن مستوى التعمّد الذي يكمن وراء السلوك الذي قد نفكر فيه على أنه تلاعب. وحتى لو كنا نميل إلى اعتبار الطفولة أو بعض الاضطرابات الشخصية عواملًا تخفف من استحقاق اللوم على السلوك المتلاعب، فقد يبدو من غير البديهي لنظرية التلاعب أن تقول إن الأطفال والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية غير قادرين على التصرف بشكل متلاعب.
4.3 التلاعب، والاستعدادية للخطر، والاضطهاد
إنّ فكرة أن التلاعب يمكن أن يكون أداة يستخدمها الأقوياء لقمع الأشخاص الأقل قوة ليست فكرة جديدة، حتى لو لم يُستخدَم مصطلح “التلاعب” دائمًا للتعبير عن هذه الأداة. وإنّ المفاهيم الماركسية عن الأيديولوجيا والوعي الزائف كآليات يستخدمها رأس المال ليسهّل استغلال العمّال تشبه بوضوح مفهوم التلاعب كما يتم استخدامه هنا. (يستكشف ألين وود بعض هذه الروابط في Wood 2014). وفي الآونة الأخيرة، أصبح مفهوم “التلاعب النفسي” سمة مشتركة للتنظير النسوي حول كيفية تلاعب النظام الأبوي بالنساء للتشكيك في أحكامهن حول الواقع. وعلى نطاق أضيق، تركز مجموعة من كتب المساعدة الذاتية على كيفية استخدام الأساليب المتلاعبة لإنشاء التبعية والحفاظ عليها داخل العلاقات (Braiker 2004; Simon 2010; Kole 2016 ).
يكاد يكون من المؤكد أن الافتقار النسبي للسلطة الاجتماعية والسياسية هو أحد مصادر التعرض للتلاعب، ولكن من المحتمل أن توجد مصادر أخرى أيضًا. ويشير نموذج الاحتيال في التلاعب -بشكل معقول- إلى أن الأشخاص الأقل تقدمًا من الناحية الفكرية معرضون بشكل خاص للاحتيال وبالتالي يقعون في فخ التلاعب. ويشير نموذج الضغط في التلاعب إلى أن اليأس المالي والاجتماعي والعاطفي قد يجعل المرء عرضة بشكل خاص للضغوط التي تسببها التهديدات فتصبح الأوضاع الهشّة -بالفعل- أكثر سوءًا. وبالإضافة إلى ذلك، قد تعمل بعض أشكال التلاعب، مثل ما يسمى بـ “النفي” (المناورة السادسة) والتلاعب النفسي (المناورة الثامنة) على زيادة تعرّض المُستهدَف لمزيد من التلاعب.
ومع ذلك، قد يكون صحيحًا أيضًا أن التلاعب هو أداة مغرية يستخدمها الضعفاء ضد الأقوياء. كما تلاحظ باتريشيا جرينسبان
أن غالبًا ما يُنصح بالتلاعب ليكون استراتيجية خاصة بالنساء، أو يتم التعامل معه ببساطة على أنه سمة من سمات المرأة، على الأقل في عالم لا تستطيع فيه النساء التصرف بشكل علني لتحقيق أهدافهن. وهناك حجة إضافية للتلاعب في هذه الحالات تناشد بحدود ما هو ممكن في موقف التبعية. (Greenspan 2003: 156)
وكما يلاحظ -بشكل مماثل- لين باورز
أنه من الممكن تفسير التلاعب على أنها استجابة طبيعية للسجن والاعتقال، بدلاً من كونه أسلوبًا باثولوجيًّا للسلوك،
وأنّه
قد يُنظر إلى الاستراتيجيات المتلاعبة على أنها طريقة بسيطة للمقاومة ضد أي نظام يحرم السجين من حريته الطبيعية. (Akerlof & Shiller 2015)
أخيرًا، يبدو من المحتمل أن أحد أسباب لجوء الأطفال غالبًا إلى أساليب التلاعب هو أنهم غالبًا ما يفتقرون إلى أي طريقة أخرى (أو أي طريقة أخرى فعّالة بنفس القدر) للحصول على ما يريدون.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّه يمكن استخدام فكرة أن التلاعب يقوض الاختيار المستقل، على نحو متناقض تقريبًا، لتقويض الاختيار المستقل، خاصة بين الأشخاص غير النخبة. وظهرت هذه النقطة قسرًا في تعليق لسارة سكوير ( 2015)، ومصادر الإنترنت الأخرى على كتاب جورج أكيرلوف وروبرت شيلر، التصيّد الاحتيالي للحمقى (Phishing for Phools) .. (Akerlof & Shiller 2015) إذ ناقش أكيرلوف وشيلر عددًا من ممارسات الإعلانات والمبيعات والتسويق التي يصفوها على أنها متلاعبة. والمشكلة التي تلاحظها سكوير هي أن السبب وراء وصف هذه الممارسات بالمتلاعبة هو أن المستهلكين يختارون قرارات التي يعتقد أكيرلوف وشيلر أنها غير عقلانية بما يكفي؛ إذ يختارونها فقط تحت تأثير التلاعب. وتكتب سكوير أن هذه المقاربة لاكتشاف التلاعب توضح “ازدراء القرارات التي يتخذها الأشخاص الأكثر فقرًا ومن طبقة اجتماعية أقل من طبقة مؤلفي المقاربة” (سكوير 2015، ومصادر الإنترنت الأخرى). وتشير -باختصار- أن أكيرلوف وشيلر سريعين جدًا في الاشتباه بالتلاعب في الحالات التي يتخذ فيها الأشخاص قرارات مختلفة عن تلك القرارات التي يعتقدون أنها أفضل. وسواء كنا نتفق مع انتقادات سكوير لأكيرلوف وشيلر، فإن وجهة نظرها تنفع بصفتها نقطة تحذيرية: حتى إذا قبلنا فكرة أن التلاعب يقوّض الاختيار المستقل، يجب أن نكون حريصين على عدم استخدام ذلك سببًا للشك في أن الأشخاص الذين يتخذون قرارات مختلفة عن القرارات التي نعتقد أنها الأفضل، لابدّ أن يكونوا ضحايا للتلاعب. وسيكون من السخرية -وغير العدل- استخدام فكرة أن التلاعب هو تدخّل غير مشروع في الاستقلالية باعتبارها سلاحًا لنزع الشرعية عن الخيارات المستقلة للأشخاص الذين نختلف معهم أو الذين لا نفهم مواقفهم واحتياجاتهم وقيمهم الشخصية.
قائمة المراجع
- Ackerman, Felicia, 1995, “The Concept of Manipulativeness”,Philosophical Perspectives, 9: 335– doi:10.2307/2214225
- Akerlof, George A. and Robert J. Shiller, 2015,Phishing for Phools: The Economics of Manipulation and Deception, Princeton: Princeton University Press.
- Arneson, Richard J., 2015, “Nudge and Shove”,Social Theory and Practice, 41(4): 668– doi:10.5840/soctheorpract201541436
- Arrington, Robert L., 1982, “Advertising and Behavior Control”,Journal of Business Ethics, 1(1): 3– doi:10.1007/BF00382800
- Barnhill, Anne, 2014, “What Is Manipulation?” in Coons & Weber 2014: 51– doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.003.0003
- Baron, Marcia, 2003, “Manipulativeness”,Proceedings and Addresses of the American Philosophical Association, 77(2): 37– doi:10.2307/3219740
- –––, 2014, “The Mens Rea and Moral Status of Manipulation”, in Coons & Weber 2014: 98– doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.003.0005
- Beauchamp, Tom L., 1984, “Manipulative Advertising”,Business and Professional Ethics Journal, 3(3/4): 1– doi:10.5840/bpej198433/426
- Benn, Stanley I., 1967, “Freedom and Persuasion”,Australasian Journal of Philosophy, 45(3): 259– doi:10.1080/00048406712341211
- Blumenthal-Barby, J.S., 2012, “Between Reason and Coercion: Ethically Permissible Influence in Health Care and Health Policy Contexts”,Kennedy Institute of Ethics Journal, 22(4): 345–
- Blumenthal-Barby, J.S. and Hadley Burroughs, 2012, “Seeking Better Health Outcomes: The Ethics of Using the ‘Nudge’”,American Journal of Bioethics, 12(2): 1– doi:10.1080/15265161.2011.634481
- Bowers, L., 2003, “Manipulation: Searching for an Understanding”,Journal of Psychiatric and Mental Health Nursing, 10(3): 329– doi:10.1046/j.1365-2850.2003.00603.x
- Braiker, Harriet, 2004,Who’s Pulling Your Strings?: How to Break the Cycle of Manipulation and Regain Control of Your Life, first edition, Maidenhead: McGraw-Hill Education.
- Buss, David M., 1992, “Manipulation in Close Relationships: Five Personality Factors in Interactional Context”,Journal of Personality, 60(2): 477– doi:10.1111/j.1467-6494.1992.tb00981.x
- Buss, David M., Mary Gomes, Dolly S. Higgins, and Karen Lauterbach, 1987, “Tactics of Manipulation”,Journal of Personality and Social Psychology: Personality Processes and Individual Differences, 52(6): 1219–
- Buss, Sarah, 2005, “Valuing Autonomy and Respecting Persons: Manipulation, Seduction, and the Basis of Moral Constraints”,Ethics, 115(2): 195– doi:10.1086/426304
- Cave, Eric M., 2007, “What’s Wrong with Motive Manipulation?” Ethical Theory and Moral Practice, 10(2): 129– doi:10.1007/s10677-006-9052-4
- –––, 2014, “Unsavory Seduction and Manipulation”, in Coons & Weber 2014: 176– doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.003.0009
- Cholbi, Michael, 2014, “The Implications of Ego Depletion for the Ethics and Politics of Manipulation”, in Coons & Weber 2014: 201– doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.003.0010
- Christie, Richard, and Florence L. Geis, 1970,Studies in Machiavellianism, New York, NY: Academic Press.
- Cohen, Shlomo, forthcoming, “Manipulation and Deception”,Australasian Journal of Philosophy, first online 15 October 2017. doi:10.1080/00048402.2017.1386692
- Coons, Christian and Michael Weber (eds.), 2014,Manipulation: Theory and Practice, New York: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.001.0001
- Crisp, Roger, 1987, “Persuasive Advertising, Autonomy, and the Creation of Desire”,Journal of Business Ethics, 6(5): 413– doi:10.1007/BF00382898
- Faden, Ruth R., Tom L. Beauchamp, and Nancy M.P. King, 1986,A History and Theory of Informed Consent, first edition, New York: Oxford University Press.
- Feinberg, Joel, 1989,Harm to Self, (The Moral Limits of the Criminal Law Volume 3), New York: Oxford University Press. doi:10.1093/0195059239.001.0001
- Galbraith, John Kenneth, 1958,The Affluent Society, New York: Houghton Mifflin.
- Goodin, Robert E., 1980,Manipulatory Politics, New Haven, CT: Yale University Press.
- Gorin, Moti, 2014a, “Do Manipulators Always Threaten Rationality?” American Philosophical Quarterly, 51(1).
- –––, 2014b, “Towards a Theory of Interpersonal Manipulation”, in Coons & Weber 2014: 73– doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.003.0004
- Greenspan, Patricia, 2003, “The Problem with Manipulation”,American Philosophical Quarterly, 40(2): 155–
- Handelman, Sapir, 2009,Thought Manipulation: The Use and Abuse of Psychological Trickery, Santa Barbara, CA: Praeger Publishers.
- Hanna, Jason, 2015, “Libertarian Paternalism, Manipulation, and the Shaping of Preferences”,Social Theory and Practice, 41(4): 618– doi:10.5840/soctheorpract201541434
- Hill, Thomas E. Jr., 1980, “Humanity as an End in Itself”,Ethics, 91(1): 84– doi:10.1086/292205
- Kasten, Vance, 1980, “Manipulation and Teaching”,Philosophy of Education, 14(1): 53– doi:10.1111/j.1467-9752.1980.tb00539.x
- Kligman, Michael and Charles M. Culver, 1992, “An Analysis of Interpersonal Manipulation”,Journal of Medicine and Philosophy, 17(2): 173– doi:10.1093/jmp/17.2.173
- Kole, Pamela, 2016,Mind Games: Emotionally Manipulative Tactics Partners Use to Control Relationships, CreateSpace Independent Publishing Platform.
- Long, Todd R., 2014, “Information Manipulation and Moral Responsibility”, in Coons & Weber 2014: 151– doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.003.0008
- Mandava, Amulya and Joseph Millum, 2013, “Manipulation in the Enrollment of Research Participants”,Hastings Center Report, 43(2): 38– doi:10.1002/hast.144
- Manne, Kate, 2014, “Non-Machiavellian Manipulation and the Opacity of Motive”, in Coons & Weber 2014: 221– doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.003.0011
- Mills, Claudia, 1995, “Politics and Manipulation”,Social Theory and Practice, 21(1): 97– doi:10.5840/soctheorpract199521120
- Moles, Andrés, 2015, “Nudging for Liberals”,Social Theory and Practice, 41(4): 644– doi:10.5840/soctheorpract201541435
- Noggle, Robert, 1996, “Manipulative Actions: A Conceptual and Moral Analysis”,American Philosophical Quarterly, 33(1): 43–
- –––, 2017, “Manipulation, Salience, and Nudges”,Bioethics, 32(3): 164– doi:10.1111/bioe.12421
- Nys, Thomas RV and Bart Engelen, 2017, “Judging Nudging: Answering the Manipulation Objection”,Political Studies, 65(1): 199– doi:10.1177/0032321716629487
- Phillips, Michael J., 1997,Ethics and Manipulation in Advertising, Westport, CT: Quorum.
- Potter, Nancy Nyquist, 2006, “What Is Manipulative Behavior, Anyway?” Journal of Personality Disorders, 20(2): 139– doi:10.1521/pedi.2006.20.2.139
- Raz, Joseph, 1988,The Morality of Freedom, Oxford, New York: Oxford University Press. doi:10.1093/0198248075.001.0001
- Rudinow, Joel, 1978, “Manipulation”,Ethics, 88(4): 338– doi:10.1086/292086
- Saghai, Yashar, 2013, “Salvaging the Concept of Nudge”,Journal of Medical Ethics, 39(8): 487– doi:10.1136/medethics-2012-100727
- Santilli, Paul C., 1983, “The Informative and Persuasive Functions of Advertising: A Moral Appraisal”,Journal of Business Ethics, 2(1): 27– doi:10.1007/BF00382710
- Scanlon, T.M., 1998,What We Owe to Each Other, Cambridge, MA: Harvard University/Belknap Press.
- Sher, Shlomo, 2011, “A Framework for Assessing Immorally Manipulative Marketing Tactics”,Journal of Business Ethics, 102(1): 97– doi:10.1007/s10551-011-0802-4
- Simon, George K., 2010,In Sheep’s Clothing: Understanding and Dealing with Manipulative People, Revised edition, Little Rock, AR: Parkhurst Brothers Publishers Inc.
- Sunstein, Cass R., 2014,Why Nudge? The Politics of Libertarian Paternalism, New Haven, CT: Yale University Press.
- –––, 2016,The Ethics of Influence: Government in the Age of Behavioral Science, New York, NY: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9781316493021
- Thaler, Richard H. and Cass R. Sunstein, 2009,Nudge: Improving Decisions About Health, Wealth, and Happiness, Revised & Expanded edition. New York: Penguin Books.
- Todd, Patrick, 2013, “Manipulation”, InInternational Encyclopedia of Ethics, edited by Hugh LaFollette, Blackwell Publishing. doi:10.1002/9781444367072.wbiee585
- Tomlinson, Thomas, 1986, “The Physician’s Influence on Patients’ Choices”,Theoretical Medicine and Bioethics, 7(2).
- Warwick, Donald P., and Herbert C. Kelman, 1973, “Ethical Issues in Social Intervention”, inProcesses and Phenomena of Social Change, Gerald Zaltman (ed.), New York: Wiley.
- White, Mark D., 2013,The Manipulation of Choice: Ethics and Libertarian Paternalism, New York, NY: Palgrave Macmillan. doi:10.1057/9781137313577
- Wilkinson, T. M., 2013, “Nudging and Manipulation”,Political Studies, 61(2): 341– doi:10.1111/j.1467-9248.2012.00974.x
- –––, 2017, “Counter-Manipulation and Health Promotion”,Public Health Ethics, 10(3): 257– doi:10.1093/phe/phw044
- Wood, Allen W., 2014, “Coercion, Manipulation, Exploitation”, in Coons & Weber 2014: 17– doi:10.1093/acprof:oso/9780199338207.003.0002
أدوات أكاديمية
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. |
|
Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO). |
|
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database. |
|
|
مصادر أخرى على الإنترنت
- Skwire, Sarah, 2015, “Cinnabon, Caskets, Catfood, and the Tyranny of Experts”, Bleeding Heart Libertarians (blog), November 3, 2015, accessed November 15, 2017.
مداخل ذات صلة
autonomy: in moral and political philosophy | autonomy: personal | coercion | أخلاقيات الأعمال/البزنس | exploitation | free will | informed consent | Kant, Immanuel: moral philosophy | lying and deception: definition of | نيكولو ميكافيللي | paternalism | Plato: Callicles and Thrasymachus | public health: ethics
Acknowledgments
The SEP editors would like to thank Rasmus Kasurinen for pointing out some passages in prior versions of this entry (in Section 4.2) that needed revision.
[1] Noggle, Robert, “The Ethics of Manipulation”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2020/entries/ethics-manipulation/>.