| الكاتب | ماتيو رافاسيو |
| ترجمة | أنجيلا الشوفي |
يتناول هذا المدخل تطور فلسفة الموسيقى الغربية منذ عام 1800 -للاطلاع على تاريخها السابق، انظر مدخل تاريخ فلسفة الموسيقى الغربية: من العصور القديمة إلى عام 1800.
منذ بداية القرن التاسع عشر، بدأت فلسفة الموسيقى الغربية تعتبر موسيقى الآلات مفتاحاً لفهم مكانة الموسيقى بين الفنون. فلم يعد افتقار الموسيقى إلى محتوى تمثيلي أو لغوي أو مفاهيمي خللاً واضحاً يصعب تفسيره، بل هو ما يمنحها قيمتها الخاصة، ويميزها عن غيرها من أشكال الفنون.
يمكن اعتبار صعود المنهجيات الشكلانية نتيجة معيارية لهذا التحول في المنظور. ووفقاً للمذاهب الشكلانية، من غير المناسب لتقدير فن الموسيقى الاعتماد على الصور التي توحي بها، أو المشاعر التي تثيرها، أو المفاهيم التي قد تستحضرها في الأذهان. وحتى الفلاسفة الذين يرون أن للموسيقى محتوىً، لم يعودوا راضين عن دلالة موسيقية مصممة على غرار اللغة أو الصور. ويُعدّ آرثر شوبنهاور مثالاً على هذا التوجه (انظر الفقرة 1-2).
لا يزال التركيز على موسيقى الآلات بلا منازع يُذكر طوال القرن العشرين، إلا أن مشكلات جديدة ظهرت. تستكشف المنهجيات الظاهراتية والتحليلية الطابع الأنطولوجي للعمل الموسيقي (انظر الفقرتين 2-1 و2-6). ويتناول الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور دبليو أدورنو العلاقة بين ظهور الموسيقى بوصفها فناً مستقلاً ودورها المحتمل أداةً للنقد الاجتماعي (انظر الفقرة 2-5).
للاطلاع على مقدمات طويلة لتاريخ فلسفة الموسيقى الغربية، انظر: فوبيني 1991؛ ليبمان 1992؛ بومان 1998؛ مارتينيلي 2012 [2019]؛ يونغ، سيصدر قريباً. جمعت مقتطفات من أعمال كلاسيكية في: سترونك 1950؛ لي هوراي وداي 1981؛ ليبمان 1990؛ كاتز ودالهاوس 1993؛ فوبيني 1994.
جدول المحتويات
1) القرن التاسع عشر
1-1) الجماليات الموسيقية الرومانسية
في نهاية القرن الثامن عشر، برزت حساسية جمالية جديدة في أوروبا. ففقدت محاكاة الطبيعة مكانتها أمام قيم جديدة كالتعبير عن المشاعر واستقلالية الفن. لم يعد الفن يقتصر على محاكاة العالم المحسوس، بل بات يُنظر إليه بوصفه وسيلة لبلوغ معرفة واقعٍ متسامٍ. ويكتسي هذا التحول في الموقف أهمية بالغة لمكانة الموسيقى بين الفنون. فإذا كان القرن الثامن عشر قد كافح لمواءمة الذخيرة الموسيقية المتنامية مع أجواء المحاكاة، فقد أعلن الرومانسيون تفوق الموسيقى تحديداً بفضل طبيعتها المطلقة. وبينما روّجت الحقبة الحديثة المبكرة أحياناً لمتعة الاستماع، رفع الرومانسيون سقف التوقعات، مؤكدين أن قيمة الموسيقى ليست لذية بالدرجة الأولى، بل معرفية.
يتجلى بروز هذه الجماليات الموسيقية الجديدة تحديداً في أعمال فيلهلم هاينريش فاكنرودر (1773-1798). فكتابه “خيالات عن الفن لأصدقاء الفن” (1799)، وإن كان غير منهجي ويفتقر إلى الحجج، غنيٌّ بالإيحاءات. نجد فيه مثلاً مقارنةً واضحةً بين الموسيقى والفنون البصرية. فالفنون البصرية، في أحسن الأحوال، تهدف إلى محاكاةٍ مقنعةٍ للأشياء الطبيعية، مع أن إنتاجها لا يُضاهي جمال الطبيعة. أما الموسيقى، فليست كذلك، فالأصوات الطبيعية لا قيمة لها مقارنةً بالنغمات الموسيقية، لأنها:
ذات طبيعةٍ مختلفةٍ تماماً؛ فهي لا تُقلّد ولا تُجمّل، بل تُمثّل عالماً منفصلاً في حد ذاته. (فاكنرودر 1799: 241، ترجمتي)
وإذا كانت الموسيقى لا تتعامل مع العالم كما نعرفه من الإدراك العادي، بل مع واقعٍ متسامٍ، فإن اللغة ستعجز عن وصف الموسيقى فعلياً. وهذا ما يُمكن أن نسميه فرضية عجز التعبير، التي تظهر بأشكال مُختلفة في كتابات الفلاسفة والنقاد والموسيقيين الرومانسيين. لا يُعبّر عن هذا الرأي بالحجة الضعيفة أننا لا نملك حالياً كلماتٍ لتسمية ما تعنيه الموسيقى أو تُعبّر عنه، بل بالحجة الأقوى أننا لا نستطيع إيجادها. وبينما يُعزى الفضل في التفسير الفلسفي الأكثر تأثيراً لمفهوم عجز التعبير إلى آرثر شوبنهاور (انظر القسم التالي)، فإن المُلحّن فيليكس مندلسون (1809-1847) يُقدّم لأطروحة عجز التعبير صياغتها الأشهر عندما يقول:
الأفكار التي تُعبّر عنها لي مقطوعة موسيقية أُحبّها ليست غير محددة لدرجة يصعب معها التعبير عنها بالكلمات، بل هي، على العكس، مُحدّدة جداً. (رسالة إلى مارك أندريه سوشاي، 15 أكتوبر 1842، مقتبسة من فوبيني 1991: 307).
يُقدم مؤلف ومؤرخ الموسيقى أوغست فيلهلم أمبروس (1816-1876)، البعيد كل البعد عن عصر ازدهار الحركة الرومانسية، حجةً أضعف نوعاً ما:
الشعر، مثل الموسيقى، قادر على التعبير عن المشاعر، وهو ما يكاد يكون من المستحيل إيجاد مصطلح مُقابل له. (أمبروس 1885: 70، ترجمتي)
شُكك يفرضية عجز التعبير في منتصف القرن تقريباً نتيجة الدعم المتزايد للاتجاهات الشكلانية التي رأت في عجزنا عن تسمية المشاعر التي تُعبّر عنها الموسيقى دلالةً على فقرها التعبيري (انظر الفقرة 1-6).
بسبب طابع فرضية عجز التعبير الرومانسي اللافت، من المغري تجاهلها بوصفها فضولاً تاريخياً. لكن تجدر الإشارة إلى أن رفض اللغة نموذجاً لفهم الموسيقى هو خطوة تُتيح لنا النظر إلى الموسيقى على أنها رمز قائم بذاته، له قواعده البنائية والدلالية الخاصة. يكتب فوبيني:
لطالما اتُهمت موسيقى الآلات بـ الغموض؛ ومع ذلك، فهي لا تكون غامضة إلا عند النظر إليها من منظور اللغة اللفظية. وهنا يكمن الاكتشاف العظيم للمفكرين الرومانسيين، وهو أن لغة الموسيقى من نوع مختلف تماماً، ويجب قياسها بمقياس مختلف تماماً. (فوبيني 1991: 266)
بعيداً عن الاقتصار على فضول رومانسي، سيُستكشف الفرق بين اللغة والموسيقى بوصفهما نظامي رموز في القرن العشرين على يد أنصار المنهجيات الدلالية (السيميائية)، مثل سوزان لانجر ونيلسون غودمان (انظر الفقرة 2-3).
يُعبّر فاكينرودر أيضاً عن وجهة نظر رومانسية نموذجية أخرى، مفادها أن العواطف التي يُعبّر عنها العمل الفني ترتبط بتلك التي تشعر بها الفنانة أثناء تأليفه. في عمل فاكنرودر “جيشان راهب مُحب للفن” (Herzensergiessungen eines kunstliebenden Klosterbruders) (1797):
ملأ جوزيف بيرغلنجر، الشخصية الخيالية، روحه بأسمى الشعر، بترنيمة زاخرة بالبهجة، وبإلهامٍ رائع، وإن كان لا يزال مضطرباً عاطفياً، دوّن موسيقى عاطفية ستبقى بألحانها العميقة المؤثرة التي تُجسّد جميع آلام المعاناة تحفة فنية إلى الأبد. (فاكنرودر 1797 [1950: 762])
في أقوى صياغة لها، ترى وجهة النظر هذه أن العمل الموسيقي، سواء كان حزيناً أو سعيداً أو ما شابه، يتطلب من المؤلف أن يكون في تلك الحالة العاطفية عند تأليفه. تُعرف هذه النظرية اليوم بنظرية التعبير (للاطلاع على شرح كلاسيكي، انظر أبرامز 1971: الفصل 4)، وتُقرن أحياناً بزعم إضافي مفاده أن المرء، عند تقدير العمل، يُوضع في حالة عاطفية تُشبه حالة الفنان. ومع أن نظرية التعبير الآن فقدت مصداقيتها إلى حد كبير (تورمي 1971؛ باد 1985: الفصل 7)، فهي تُمثل رؤية نموذجية للإنتاج الفني بوصفه تواصلاً (عاطفياً) بين شخصين. يشعر واكنرودر، من خلال شخصية بيرغلينجر، بالراحة من فكرة أنه:
قد يوجد من جعلته السماء متعاطفاً مع روحي لدرجة أنه سيشعر عند سماع ألحاني تماماً كما شعرتُ عند كتابتها -بالضبط ما سعيتُ إلى وضعه فيها. (واكنرودر 1797 [1950: 759])
يمكن القول إن لودفيغ فان بيتهوفن (1770-1827) هو أهم مؤلف موسيقي وصف ممارسته التأليفية بطرق تُوحي بنظرية التعبير:
[…] مثل الشاعر الذي يستلهم المشاعر ليُحوّلها إلى كلمات، أُلهم أنا أيضاً لتحويل مشاعري إلى موسيقى تُصدح في داخلي وتُعذبني حتى تُدوّن أخيراً في نوتة على ورقة أمامي. (بيتهوفن 1961، مقتبس من فوبيني 1991: 288)
تُظهر كتابات فاكنرودر بالفعل دليلاً على التغيير في الموقف نحو موسيقى الآلات. ويُعدّ إرنست ثيودور أماديوس هوفمان (1776-1822)، الكاتب والملحن والناقد، شخصيةً محوريةً في هذه العملية. وتعد بداية مقالته “معزوفات بيتهوفن” (1813) تعبيراً جوهرياً عن المفهوم الرومانسي للموسيقى:
عندما نتحدث عن الموسيقى بوصفها فناً مستقلاً، ألا ينبغي لنا دائماً أن نحصر معانينا في موسيقى الآلات التي، بتجاهلها لكل مساعدة وكل مزيج من فن آخر (فن الشعر)، تُعبّر تعبيراً نقياً عن طبيعة الموسيقى الخاصة التي لا يمكن تمييزها إلا في هذا الشكل؟ إنها أكثر الفنون رومانسية -بل يكاد المرء أن يقول إنها الفن الرومانسي الأصيل الوحيد- لأن موضوعها الوحيد هو المطلق. (هوفمان 1813 [1950: 775])
يقترن تمجيد موسيقى الآلات بإدانة المحاكاة. بيد أن التصوير غير الموسيقي لا يمنع تماماً، على الأقل من جانب المستمع: فمثل فاكنرودر، يصف هوفمان الموسيقى بأوصاف خيالية، ويستخدمها لإبراز الاختلافات بين أعظم ثلاثة ممثلين للمدرسة الفيينية. ولذلك، فإن هايدن “يقودنا إلى غابات خضراء شاسعة” (هوفمان 1813 [1950 [776])، وموزارت “يقودنا إلى قلب عالم الروح” (1813 [1950: 777])، في حين أن موسيقى بيتهوفن الآلية “تفتح لنا أيضاً عالم الهائل واللانهائي” (1813 [1950: 777]). وتتضمن مقالة هوفمان أيضاً نسخة من فرضية عجز التعبير:
تكشف الموسيقى للإنسان عالماً مجهولاً، عالماً لا يمت بصلة للكلمات الحسية الخارجية المحيطة به، عالماً يترك فيه وراءه كل مشاعره المحددة ليستسلم لشوق لا يُوصف. (هوفمان ١٨١٣ [١٩٥٠: ٧٧٥-٧٧٦])
ومع أن كثير من هذه الحجج طرحها الرومانسيون الأوائل دون سند جدلي يُذكر، دافع شوبنهاور عن بعض هذه الآراء على الأقل بطريقة أكثر منهجية.
1-2) ميتافيزيقا الموسيقى الرومانسية: شوبنهاور
يحتل فن الموسيقى مكانة محورية في منظومة لـ آرثر شوبنهاور الفلسفية (1788-1860)، ويرتبط بها ارتباطاً وثيقاً. لذا، من المناسب تقديم لمحة موجزة عنها. يقبل شوبنهاور التمييز الكانطي بين العالم كما هو في ذاته وكما يبدو لنا، لكنه يرفض زعم كانط بأننا لا نستطيع معرفة الواقع كما هو بمعزل عن تجلياته الظاهرية. وبصفتنا ذواتاً ممثلة، فإن معرفتنا مقيدة بما يسميه شوبنهاور “مبدأ الفردانية” الذي ينظم التمثيلات وفقاً لبنية مكانية زمانية ويحدد العلاقات السببية بينها. وهكذا تُمنح لنا الأشياء بطريقة وسيطة، بشكل تمثيلات. ولكن يُمنح لنا شيء واحد بوصفنا ذوات مُختبرة بطريقة وسيطة وغير وسيطة. هذا هو جسدنا الذي يُختبر من الخارج كتمثيل، ومن الداخل كسلسلة متواصلة من الدوافع والاندفاعات. ويزعم شوبنهاور أن هذا يكشف الجوهر الأساسي للعالم وهو الإرادة. ولما كانت الإرادة سعي ورغبة لا نهاية لهما، ولأن الرغبة والسعي بطبيعتهما مصدران للألم، فإن العالم يتميز أساساً بالمعاناة. علاوة على ذلك، يزعم شوبنهاور أن الإرادة تتمثل في العالم عبر مجموعة من الأفكار الأفلاطونية، التي تتجاوز مبدأ الفردانية، وتُرتّب وفقاً لدرجة تمثُّل الإرادة فيها.
في منظومة شوبنهاور، يكتسب الفن قيمته من قدرته على تمثيل الأفكار، مستغلاً شكلاً من أشكال الإدراك يختلف عن الإدراك العقلاني والفكري، ولا يستطيع بطبيعته تجاوز مبدأ الفردانية. وهذا الإدراك ذو قيمة لأنه يخرجنا من شبكة التمثيلات والدوافع المترابطة حتمياً التي تُشكّل وجودنا العادي في أسر رغباتنا وتطلعاتنا.
يُصنّف شوبنهاور الفنون المختلفة وفقاً للأفكار التي تُمثلها. فكلما ارتفعت درجة تمثُّل الإرادة في فكرة مُعيّنة، ارتفعت المكانة الهرمية للفن الذي يُمثل تلك الفكرة. وبناءً على ذلك، نجد العمارة في أسفل الهرم، لأنها تتعامل مع أفكار القوى الفيزيائية الأساسية والمادة غير الحية، في حين تحتل المأساة أعلى مرتبة، لأنها تمثل صراعات الحالة الإنسانية، حيث تتجلى الإرادة بأوضح ما يكون.
وفي هرم الفنون هذا، تتفوق قيمة الموسيقى حتى على قيمة المأساة. ووفقاً لشوبنهاور، فإن الموسيقى ليست تمثيلاً للأفكار، بل تمثيلاً للإرادة نفسها. والموسيقى والعالم تعبيران عن المبدأ الميتافيزيقي نفسه، وهو الإرادة. وهذا ما يحفز ملاحظة شوبنهاور بأن الموسيقى يمكن أن توجد حتى لو لم يكن ثمَّ عالم على الإطلاق (1819: §52). فإذا كانت الموسيقى تعبيراً عن الإرادة تماماً كما هو العالم، ولما كانت الإرادة تًمثُّل نفسها في العالم عبر الأفكار الأفلاطونية، يمكن للمرء أن يتتبع توازياً بين الموسيقى ودرجات تمثُّل الإرادة. وبالتحديد، يشبه شوبنهاور نطاق النغمة بدرجات التمثُّل. وهكذا، ترتبط أدنى مجالات نطاق النغمة المسموعة بأدنى الدرجات، مثل الطبيعة غير العضوية والقوى الفيزيائية، في حين تتطابق المجالات العليا مع أعلى مستوى من مستويات تمثُّل الإرادة، أي البشر الواعين بذواتهم. ويدعم شوبنهاور هذا التحليل بتفسير جريء إلى حد ما لكل من علم الصوتيات ونظرية الموسيقى. وتُذكّر هذه السلسلة من التطابقات بين الموسيقى والعالم غير الموسيقي بمفهوم فيثاغورس عن التناغم السماوي (انظر مدخل تاريخ فلسفة الموسيقى الغربية: من العصور القديمة إلى عام 1800، الفقرة 1-1). يُعرّف شوبنهاور، بطريقة مُريبة ومريحة، النغمة العالية باللحن. وهذا مُشكوك فيه لأن العنصر اللحني في الموسيقى لا يُحدد بنطاق النغمة، بل بالخصائص العلائقية، كما أن اللحن لا يتكون دائماً من أعلى النغمات في مقطوعة مُعينة. وهذا مريح، لأن التوازي بين نطاق النغمة ودرجات الموضوعية يسمح لشوبنهاور باعتبار تطوّر اللحن مُشابهاً للحياة العاطفية البشرية. فكما تتميز الحياة البشرية بتناوب الحاجة والرضا، تتميز الألحان بتحولات مُستمرة من التوتر إلى الاسترخاء. وللعواطف التي نصادفها في الموسيقى وضعٌ خاص: فهي ليست خاصة، لأنها تتجاوز مبدأ الفردانية، وليست عامة، لأنها ليست مجردة من حالات خاصة كما المفاهيم، ومن ثم لا يمكن استيعابها لغوياً.
تجدر الإشارة إلى أن الموسيقى، وفقاً لشوبنهاور، لا تثير مثل هذه العواطف لدى المستمع، ولو فعلت، فلن تكون ذات قيمة بناءً على ذلك. والواقع أن قيمة الموسيقى تكمن تحديداً في قدرتها على تقديم الإرادة في أعلى درجاتها الموضوعية، من دون الحاجة إلى تجربة دوافعها بأنفسنا -فالتجربة الأخيرة وفقاً لشوبنهاور ستكون بطبيعتها تجربةً غير سارة. ولذلك ، فإن قيمة الموسيقى بوصفها فناً، برأيه، هي قيمة معرفية بامتياز.
ومن هذه النظرة إلى الموسيقى، تترتب بعض النتائج المعيارية. أولاً، لأن التشابه بين الموسيقى والعالم يتوقف على كونهما تعبيرين عن إرادة ميتافيزيقية واحدة، ولأن هذه الإرادة تقع خارج نطاق المعرفة النظرية، يُدين شوبنهاور الموسيقى المُحاكية، لأنها تُصوّر العالم عبر محاكاة مظهره الصوتي للكائن، وليس جوهره الداخلي. ثانياً، لأن المعرفة التي تُقدمها الموسيقى أسمى من المعرفة الخطابية، يُنبذ شوبنهاور الأعمال والأنواع التي تكون فيها الموسيقى خاضعة للكلمات. ثالثاً، لأن شوبنهاور يرى أن العنصر اللحني للموسيقى هو جوهر قيمتها، فهو يُنبذ الموسيقى التي يكون فيها اللحن غير واضح (“في مؤلفات اليوم، ثمَّ تركيز على التناغم أكبر منه على اللحن؛ لكنني أتخذ وجهة نظر مُعاكسة، وأعد اللحن جوهر الموسيقى، الذي يرتبط به التناغم كما ترتبط الصلصة باللحم المشوي” شوبنهاور 1851: الفصل 19، الفقرة 209).
أثّرت نظرة شوبنهاور إلى الموسيقى على عدد من المؤلفين الموسيقيين. وكان تأثيره على ريتشارد فاغنر أعظم بكثير (انظر الفقرة 1-4؛ ماغي 1997: الفصل 17؛ كارنز وميتشل 2020؛ بشأن جماليات شوبنهاور الموسيقية، انظر ألبرسون 1981؛ باد 1985: الفصل 5؛ ويكس 2008: 106-111).
1-3) الجماليات الموسيقية المثالية: شيلينغ وهيغل
يُشير ازدياد أهمية الموسيقى بين الفنون إلى تزايد عدد الفلاسفة الكبار الذين وجدوا لها مكاناً في منظوماتهم. ومن بينهم فريدريش فيلهلم جوزيف فون شيلينغ (1775-1854) وجورج فيلهلم فريدريش هيغل (1770-1831). ولعلّ أعظم إسهامات الفلسفة المثالية في جماليات الموسيقى يكمن في فكرة أن الطبيعة الزمنية للموسيقى أساسية لمكانتها المتميزة بين الفنون (انظر جونسون 1991: 159).
طور شيلينغ فلسفته الفنية في سلسلة من المحاضرات التي ألقاها في عامي 1802-1803 و1804-1805، على الرغم من أن نتيجة هذه الجهود لم تُنشر إلا بعد وفاته في عام 1859. وهو يتصور الفن على أنه تجلي اللانهائي في المحدود، ويقسم الفنون إلى تشكيلية (bildende) ولفظية (redende). تعمل الفنون التشكيلية بالتلاعب بمادتها المميزة، أي وسيطها، في حين تنقل الفنون اللفظية المحتوى دلالياً. وتنتمي الموسيقى إلى الفنون التشكيلية، إلى جانب الرسم والنحت. ويميز شيلينغ ثلاثة عناصر في الموسيقى: الإيقاع والانسجام (التناغم) واللحن. وعلى هذه العناصر يُسقط ثلاثية الفنون التشكيلية، زاعماً أن الإيقاع هو الموسيقي في الموسيقى، والانسجام هو التصويري، واللحن هو النحتي. وكما يوحي هذا، يعتقد شيلينغ أن الإيقاع، والبعد الزمني للموسيقى عموماً، لهما أهمية بالغة. والشكل الضروري للموسيقى هو التعاقب الزمني. ويسمح لنا الإيقاع بإدراك تعدد اللحظات المتجاورة زمنياً بوصفها وحدة واحدة، ولذلك يؤدي وظيفة مماثلة لوظيفة الوعي الذاتي الذي يسمح لنا بإدراك التجارب المختلفة كلاً موحداً (شيلنغ 1859: §79).
طور هيغل أفكاراً مماثلة بأسلوب أكثر صرامة ومنهجية، حيث تُدمج تأملاته في الموسيقى في نظام فني مُفصّل (انظر مولاند 2019: الفصل 9). ويرتبط هذا النظام بحد ذاته بتحليل تاريخي لتطور الفن يرتكز بدوره على ميتافيزيقيا مثالية. ووفقاً لهيغل، يتطابق الواقع مع مبدأ روحي مُحدد بذاته، أو فكرة (Idee). وتتطور الفكرة تاريخياً من خلال أنماط ثلاثية متفرعة تتكون من فرضية، أو لحظة إيجابية، ونفيها أو نقيضها، وتوليف بينهما. كل لحظة قد تتفرع إلى نمط ثلاثي آخر، ومن ثم يندرج تحت الأنماط الأعلى مرتبة. وتتضمن أعلى أشكال تطور الفكرة الروح الواعية بذاتها (Geist)، كما نجدها في الحياة البشرية والمجتمع. واللحظة الثالثة للروح هي الروح المطلقة، التي تتفرع بدورها إلى الفن والدين والفلسفة، وهذه الأخيرة تُمثل ذروة تطور الفكرة. إن قرب الفن النسبي من الفلسفة مؤشر على قيمته المرتفعة نسبياً في نظر هيغل، وقربه من الدين يعني أن بعض الفنون على الأقل ستشترك معه في بعض السمات. فبينما تُعبر الفلسفة عن الروح عبر المفاهيم، والدين عبر الاستعارات والتمثيلات، فإن الفن هو التعبير الحسي عن حرية الروح. ومن هنا يُعرّف الجمال بأنه “ظهور الفكرة النقي إلى الحس” (هيغل 1835: الجزء الأول، الفصل الأول، 3).
وفقاً لهيغل، يمكن تحليل الفن بطريقة أعمق بواسطة بنية ثلاثية، بحيث يُمكننا تمييز تطوره من خلال الفن الرمزي، والفن الكلاسيكي، والفن الرومانسي. يعتمد نظام هيغل للفنون الفردية على هذا التطور التاريخي، إذ تختلف أشكال الفن المختلفة في ملاءمتها لكل مرحلة من المراحل الثلاث. ولا يرقى الفن الرمزي إلى مستوى الفن الحقيقي، بل يصفه هيغل بأنه ما قبل الفن (Vorkunst)، لأنه يقتصر على تقديم رموز الروح، بدلاً من تقديم عرض حسي كافٍ لحريته. أما الفن الكلاسيكي فهو الفن في أوج عطائه، إذ يقدم عرضاً حسياً وافياً للروحاني. ويرى هيغل أن أفضل مثال على ذلك هو الفن اليوناني الكلاسيكي، وخاصةً النحت. أما الفن الرومانسي (الذي يقصد به هيغل الفن المسيحي منذ العصور الوسطى) فيتميز بالتعبير عن محتوى يتجاوز العالم المرئي، إذ يعبر عن حرية داخلية، في مقابل حرية خارجية. يكتب هيغل:
المحتوى الحقيقي للفن الرومانسي هو الباطنية المطلقة، وشكله المقابل هو الذاتية الروحية مع إدراكها لاستقلاليتها وحريتها. (هيغل 1835: الجزء الثاني، القسم الثالث، المقدمة، 2)
وسيُمثّل الدين الذي يلي الفن في التسلسل الثلاثي هذا المحتوى على أفضل وجه.
لأن مضمون الفن الرومانسي هو الحرية الداخلية، لم يعد النحت كافياً، إذ أصبح مرتبطاً بتمثيل الأشكال ثلاثية الأبعاد. أما الرسم، فيتخلى عن البعد الثالث، وتزداد قدرته على التعبير عن باطن النفس باستخدام اللون. لكن في الباطنية الذاتية، يغيب البعد المكاني تماماً. بُعده الوحيد الملموس هو بُعد التكشف الزمني لحياتنا العقلية التي تتميز بتتابع سريع لحالات تتناوب في وعينا. والموسيقى هي الفن الأنسب للتعبير عن هذا البُعد الداخلي، إذ تتخلى تماماً عن الامتداد المكاني، وتتطور فقط عبر الزمن. وهكذا، فإن الموسيقى هي الشكل الفني الأنسب للفن الرومانسي.
يتطلب إدراك المرء لثباته عبر الزمن أحداثاً منفصلة تكسر تيار الزمانية المتواصل والمتطابق. ويتحقق ذلك في الموسيقى من خلال الوزن والإيقاع اللذين يُقسِّمان تكشف الموسيقى إلى وحدات منظمة ومنفصلة. ويملأ التناغم هذه البنية المجردة بنغمات موسيقية. واللحن، الذي يعتبره هيغل توليفة من الإيقاع والتناغم، هو أسمى تجليات الموسيقى، “مجال إبداعاتها الفنية الأصيلة” (هيغل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 2-ج).
يُتيح اللحن للموسيقى إظهار حرية الروح حسياً عبر عرض المشاعر في تجلياتها الزمنية. لا يُفصّل هيغل كثيراً كيفية تحقيق اللحن لمهمته التعبيرية. وهو يُقارن بين التعبير في الموسيقى والرسم، زاعماً أن الأخير وحده يُعنى بإعادة إنتاج السلوك التعبيري بدقة. مع ذلك، يبدو أن نوعاً من محاكاة التعبيرات البشرية لا يزال يلعب دوراً في تفسير هيغل، إذ يُضيف أنه في الموسيقى
تُحلّل الصرخة البسيطة إلى سلسلة من النغمات، إلى حركة، يدعم التناغم تغيرها ومسارها، ويُكملها اللحن إلى وحدة متكاملة. (هيغل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 3.أ)
يُمكّن هذا الإطار هيغل من تطوير حجة أصيلة تدعم الرأي السائد القائل بأن الموسيقى تُحركنا. فالذات تتشكل في الزمن، والأصوات الموسيقية موجودة في الزمن. وهذه الوسيلة المشتركة هي التي تُمكّن الموسيقى من ممارسة تأثير قوي على حياتنا العاطفية (هيغل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 1.ج). يتشارك الشعر مع الموسيقى في بُعده الزمني والسمعي، ولكنه يفصل الوسيلة عن المحتوى، إذ ترتبط المفاهيم التي تنقلها القصيدة ارتباطاً اعتباطياً بالكلمات التي تُكوّنها، لكن محتوى الموسيقى لا ينفصل عن صوتها (هيجل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 1.أ).
يُميّز هيجل بين الموسيقى المصاحبة والموسيقى المستقلة. تنتمي الأولى إلى أي عمل يتضمن موسيقى ونصاً، بينما تنتمي الثانية إلى موسيقى الآلات. وعندما تعمل الموسيقى بوصفها مصاحبة موسيقية، يرى هيغل أن النص يجب أن يكون تابعاً للموسيقى (هيغل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 3). أما الموسيقى المستقلة فهي الموسيقى في كامل إمكاناتها، لأنها الأقدر على التعبير عن حرية الروح، حيث تتكشف التجربة الذاتية دون أن تحددها المفاهيم (هيغل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 3.ب). بيد أن الموسيقى المستقلة تنطوي أيضاً على خطر محتمل، إذ قد تميل إلى الاعتماد على تعقيدها الشكلي والتخلي تماماً عن محتواها العاطفي، وفي هذه الحالة ستكف عن أن تكون فناً بالمعنى الدقيق للكلمة (هيغل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 1.ب). وهنا، يقرن هيغل تبريراً رومانسياً لموسيقى الآلات بوصفها موسيقى بامتياز بشكوك القرن الثامن عشر في الموسيقى في أنها لا تعبر عن العواطف.
تتجلى أصالة الفكر الموسيقي لهيغل أيضاً في الاعتبارات القليلة التي خصصها لدور العازف. وتُقدَّم هذه الأفكار وتُحفَّز من خلال ملاحظة بشأن نمط الوجود الخاص بالأعمال الموسيقية: فبينما نُقدِّر في الرسم والنحت نتاج النشاط، نُقدِّر في الموسيقى عملية الإنتاج (هيغل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 3.ج). ثم يُميِّز هيغل بين منهجين للأداء. الأول يتخلى عن المساهمات الشخصية من جانب العازف، ويسعى إلى تقديم العمل بأقصى قدر ممكن من الأمانة، بينما يُتيح الثاني له بعض المبادرة (هيغل 1835: الجزء الثالث، القسم الثالث، الفصل الثاني، 3.ج). ويزعم هيغل أن المنهجين يرتبطان بالموسيقى المصاحبة والمستقلة على التوالي، ولكنه لا يُشير إلى أن كلَّ منهما هو الأنسب لنوع الموسيقى المُناظر له.
1-4) الموسيقى والدراما: فاغنر
يُعدّ ريتشارد فاغنر (1813-1883) أهمّ مؤلف موسيقي غربي كبير ترك مجموعةً واسعةً من المؤلفات الفلسفية في الموسيقى. فبالإضافة إلى الأهمية الجوهرية لآرائه وعلاقتها بالإنتاج الموسيقي للمؤلف، فإنّ مكانته في تاريخ فلسفة الموسيقى مضمونةٌ بفضل تأثير شوبنهاور عليه، وتأثيره بدوره على فيلسوفٍ كبيرٍ آخر، هو فريدريك نيتشه (انظر الفقرتين 1-2 و1-5).
على الرغم من كثرة المؤلفات عن موسيقى فاغنر، أخذت أعمال قليلة نسبياً على محمل الجد التفاصيل الفلسفية لكتاباته، وبعضها يرفض صراحةً أسلوبه النثري المتشعب الزاخر بالبلاغة (انظر على سبيل المثال فوبيني 1991: 325؛ ومن الأعمال المهمة في فلسفة فاغنر وجمالياته: غراي 1995، وماغي 2000، ويونغ 2014).
أولى مساهمات فاغنر النظرية الأساسية هي ما يُسمى بكتابات زيورخ (1849-1852)، نسبةً إلى المدينة التي أمضى فيها منفاه بسبب مشاركته في ثورة 1848، وهي حركات سياسية استلهمت المُثُل الديمقراطية والليبرالية. في هذه الأعمال، يعترض فاغنر على الوضع الفني الراهن في المجتمع، ويجادل بأن نوعاً جديداً من الأعمال الفنية، أي عمل فني “شامل” (Gesamtkunstwerk) يوحد شتى أشكال الفن، وحده القادر على إعادة ترسيخ دور الفن بوصفه “تعبيراً حياً عن مجتمع حر وواعٍ بذاته” (فاغنر 1849أ [1892: 41]). ووفقاً لفاغنر، فإن الفن المعاصر مُستعبد إما للسلطة السياسية أو المالية. ولن يُصبح تعبيراً حقيقياً عن المجتمع الذي يُنتجه إلا بعد تحرره من القيود التي تفرضها الحكومة والسوق. ولذلك، يزعم فاغنر في كتابه “الفن والثورة” (1849) أن الفن ليس ثورياً في جوهره، مع أنه يجب أن يكون ثورياً في ظل الظروف الراهنة، “لأن وجوده ذاته يتعارض مع الروح الحاكمة للمجتمع” (فاغنر 1849أ [1892: 52]).
ونموذج فاغنر للعمل الفني الشامل هو مهرجان التراجيديا اليوناني. ومع أنه لا يدعو إلى استعادته بحذافيره، يُجادل فاغنر بأن العمل الفني المستقبلي يجب أن يكون مشابهاً للعمل اليوناني في بعض الجوانب الأساسية. ويجب أن يشمل جميع طبقات المجتمع (فاغنر 1849أ؛ فاغنر 1852ب: الجزء الثاني، 2). والأكثر إذهالاً، أنه يجب أن يوحد شتى أشكال الفن (فاغنر 1849أ؛ فاغنر 1849ب: الجزء الرابع). وإلى جانب اعتماده على مرجعية النموذج اليوناني، يطرح فاغنر حجتين إضافيتين على الأقل دعماً للعمل الفني الشامل. أولاً، يُجادل فاغنر بأن طبيعته المتعددة الحواس هي الأنسب لخلق تجربة شاملة وواقعية (فاغنر 1852ب: الجزء الثاني، 2؛ للاطلاع على المناقشة، انظر يونغ 2014: 46-48). ثانياً، يرى فاغنر أن الفن غير حر عندما يكون معزولاً، وحرٌ عندما يتعاون مع أشكال فنية أخرى (فاغنر 1849ب: II، 2). ويبدو أن هذه الحجة تستند إلى تشبيه بالحرية الإنسانية التي تصورها فاغنر على أنها غير ممكنة إلا للفرد المنتمي إلى جماعة. وفي كلتا الحالتين، غياب القيود يُعادل غياب الحرية.
إن إعجاب فاغنر بالتراجيديا اليونانية لا يشبه إلا ظاهرياً محاولة الكاميراتا إحياءها (انظر مدخل تاريخ فلسفة الموسيقى الغربية: من العصور القديمة إلى عام 1800، الفقرة 3-2). ففي كتابه “الأوبرا والدراما” (1852)، يجادل بأن الخطأ الجوهري للأوبرا يكمن في إخضاع غاية الأوبرا (الدراما) لوسيلتها (الموسيقى). ثم يصف الأوبرا بأنها مضللة منذ نشأتها في إيطاليا (فاغنر 1852ب: المقدمة).
في عام 1854، تعرّف فاغنر لأول مرة على أعمال آرثر شوبنهاور. وكان لذلك تأثير حاسم ومباشر في نظرته للعالم التي أثّرت بدورها على إنتاجه الموسيقي وأعماله النظرية. ومع أن كتابات فاغنر المتأخرة كانت أقل منهجية من كتاباته بين عامي 1849 و1852، تجلّت رؤية جديدة للموسيقى والدراما في مقالته “بيتهوفن” (1870) وفي “مصير الأوبرا” (1871).
في مقالته عن بيتهوفن، يصف فاغنر شوبنهاور بأنه أول فيلسوف قدّم معالجة واضحة لمكانة الموسيقى بين الفنون. تُعطي فلسفة شوبنهاور الموسيقية مكانة مميزة لموسيقى الآلات الخالصة (انظر الفقرة 1-2)، وهو افتراض يتناقض مع التزام فاغنر الأساسي بوحدة الفنون، وكذلك مع تحفظاته ذات الصلة بشأن الموسيقى منفردة. بتأثير شوبنهاور، يتخلى فاغنر لاحقاً عن بعض النقاط المركزية لرأيه السابق، كما يتضح من زعمه بأن “القطعة الموسيقية لا تفقد شيئاً من طابعها حتى عندما توضع تحتها أكثر النصوص تنوعاً”، والحجة اللاحقة بأن اتحاد الموسيقى والشعر يؤدي دائماً إلى تبعية الأخير (فاغنر 1870 [1896: 104). وهذا يتناقض تناقضاً صارخاً مع وصف فاغنر السابق للحن بأنه عنصر ينبغي ألا يجذب انتباه المستمع، وأن يكون “أكثر وسيلة تعبيرية عن عاطفة محددة بوضوح في الكلمات” (فاغنر 1851 1852أ: 372). وينفي فاغنر وجود تناقض بين آرائه السابقة والمتأخرة، على الرغم من أن يونغ (2014: 101-107) يلاحظ أن التغييرات واضحة في كتابات فاغنر وفي إنتاجه الموسيقي الذي أعقب لقاءه بشوبنهاور -وخاصة الأعمال الثلاثة في دائرة الخاتم التي تلت راينغولد.
1-5) نيتشه
تتجلى العناصر الرئيسة لجماليات الموسيقى عند فريدريك نيتشه (1844-1900) في كتابه الأول، “مولد التراجيديا” (1872)، الذي يحمل تأثيراً واضحاً على شوبنهاور، وهو مُهدى إلى فاغنر. يصف الكتاب العالم بأنه ممزق بين اتجاهين أو مبدأين: الأبولوني والديونيسي.
العنصر الأبولوني هو النظرة العقلانية للواقع بوصفه خاضعاً لمبدأ الفردانية، وهو مفهوم استعاره نيتشه من شوبنهاور (انظر الفقرة 1-2). ومع أن النظام الأبولوني للواقع وهمٌ في النهاية، فهو ضروري لتكوين أي حضارة. وعلى النقيض من الأبولوني، فإن الديونيسي هو الوعي بالوحدة الجوهرية لجميع الكائنات، على غرار الإرادة الميتافيزيقية لدى شوبنهاور. إذا كان الدافع الأول يُعبَّر عنه في تأمل هادئ، فإن الثاني يتجلى في حالات من النشوة الجامحة التي ينبغي مع ذلك احتواؤها لتجنيب الأفراد والحضارات التدمير الذاتي. ووفقاً لنيتشه، لا تُطاق الحياة إلا في التوازن بين هذين الاتجاهين.
في هذه الصورة، تختلف الفنون في درجة تجسيدها لأحد هذين الاتجاهين. يُعد النحت الفن الأبولوني بامتياز، في حين تمتلك الموسيقى، إلى أقصى حد، الجانب الديونيسي. ويصعب إعادة بناء أسباب تعريف الموسيقى بأنها ديونيسيوسية. يعدد سورجنر (20003 [2010: 147-149]) ثلاثة أسباب: (1) تعتمد الموسيقى على تجربة تدفق وتغير زمني؛ (2) تُمثل الموسيقى الألم والصراع باستخدامها للتنافر؛ (3) تُثير الموسيقى حالات من النشوة ونسيان الذات، نختبر من خلالها الوحدة الجوهرية للعالم.
يصف نيتشه التراجيديا اليونانية بأنها أسمى إنجاز فني لأنها تُعبّر عن كلا الاتجاهين. وينطبق هذا، على الأقل، على تراجيديات إسخيلوس وسوفوكليس. أما يوربيديس، متأثراً بالعقلانية السقراطية، فقد أزال العنصر الديونيسي من التراجيديا. وبمجرد أن فقدت عنصرها الديونيسي، حُرمت أيضاً من قوتها الخلاصية. ووفقاً لنيتشه، يُنسب الفضل إلى أوبرا فاغنر في إعادة التوليف بين العنصرين الأبولوني والديونيسي، ومن ثم في إبراز القوة الخلاصية للتراجيديا اليونانية.
يرتبط الجزء الثاني من “مولد التراجيديا” بأجندة فاغنر إلى حدٍّ جعله يُعرّف بأنه “أكثر دفاع طموحاً على الإطلاق عن فنان فرد قدمه فيلسوف” (ريدلي 2007: 31). على الرغم من تأييد نيتشه الحماسي المُبكر لأعمال فاغنر، سرعان ما بدأ شغفه به يتلاشى، وتحول في النهاية إلى إدانة صريحة (عن علاقات نيتشه-فاغنر، انظر ريدلي 2007: الملحق؛ يونغ 2014: الخاتمة؛ برانج 2013: الفصول من 1 إلى 6). ورغم تعقيد أسباب ذلك، يبدو جلياً أن فشل فاغنر في تجسيد قيم الموسيقى الديونيسية الأصيلة كان عاملاً حاسماً. ولم يتوقف هذا الفشل على التطور الأسلوبي لفاغنر فحسب، بل أيضاً على إعادة نيتشه النظر في إنجازات هذا المؤلف الموسيقي السابقة. قارن نيتشه لاحقاً بين الموسيقى الألمانية والرومانسية والموسيقى الديونيسية، وهو ما يتعارض مع توصيف نيتشه السابق للموسيقى الألمانية، وخاصةً موسيقى فاغنر، بأنها ديونيسية بحق (نيتشه 1872: الفقرة 19؛ وللمزيد من المعلومات عن التباين بين الفن الديونيسي والرومانسي عموماً، انظر ريدلي 2007: 122-128). في كتابه “ما وراء الخير والشر” (1886)، يقارن نيتشه بين موسيقى الشمال المنحطة وموسيقى الجنوب، التي تجسدها أعمال بيزيه وتكمن قيمتها الرئيسة في طابعها الإيجابي (نيتشه 1886: الفقرة 554).
كما يتضح مما سبق، فإن تقييم نيتشه للأساليب الموسيقية تغير بتغير آرائه الفلسفية. وتتنوع الأمثلة الملموسة للموسيقى التي يمتدحها من تريستان وإيزولده لفاغنر إلى كارمن لبيزيه. وتوجد أوضح مجموعة من الحجج التقييمية في كتاب “مولد التراجيديا”، حيث يظهر التعارض بين الموسيقى الأبولونية والديونيسية. ومن الواضح أن نيتشه يعتبر الأخيرة متفوقة على الأولى، حيث يُعرّف الموسيقى بأنها الفن الذي يكون فيه الديونيسي حاضراً بأعلى درجة. ولا يقدم نيتشه كثيراً من حيث التمييز الواضح بين الاثنين، ولكن يبدو أنه يرى أن الموسيقى الديونيسية تُفضل المكونات اللحنية والتوافقية، في حين تُشدد الموسيقى الأبولونية على المكونات الإيقاعية. يمكن تحديد عنصرين آخرين من وجهة نظر نيتشه في الموسيقى، ويظهر تأثير شوبنهاور عليهما بوضوح. أولاً، يرى نيتشه أن الموسيقى ينبغي ألا تكون خاضعة للنص (نيتشه 1872: الفقرة 19). ثانياً، يرى نيتشه أن الموسيقى يجب أن تتجنب الرسم النغمي، وهو محض محاكاة لمظهر العالم (نيتشه 1872: الفقرة 17). ولكن إذا كانت جماليات نيتشه الموسيقية المبكرة قريبة من شوبنهاور في توصيفه السلبي لما هو ذو قيمة في الموسيقى، فإن مفهومه الإيجابي للقيمة الموسيقية يختلف اختلافاً كبيراً عن مفهوم شوبنهاور، إذ يرى نيتشه أن قيمة الموسيقى تكمن جزئياً في قدرتها على إثارة المشاعر أو إحداث حالة نفسية معينة (نيتشه 1872: الفقرة 2).
إن إعادة بناء آراء نيتشه بشأن الموسيقى بعد “مولد التراجيديا” مهمة أكثر صعوبة. وبالإضافة إلى ما سبق ذكره من ابتعاد عن فاغنر، نجد تغييراً ذا دلالة في رؤية نيتشه في بعض ملاحظاته الواردة في كتاب “إنساني مفرط في إنسانيته” (1878)، التي تُشكل رفضاً شاملاً لآرائه السابقة بشأن العلاقة بين الموسيقى واللغة. في هذا العمل، يُوصف المعنى الموسيقي وقدرته التعبيرية بأنهما نتاج ارتباط الموسيقى القديم باللغة الشعرية والإيماءات التعبيرية (نيتشه 1878: الفقرتان 215-216). ومن خلال هذه الارتباطات فقط يُمكن لموسيقى الآلات أن تكتسب معنىً:
لا توجد موسيقى عميقة وذات معنى في حد ذاتها، فهي لا تتحدث عن “الإرادة” أو عن “الشيء في ذاته”. (نيتشه 1878 [1996]: الفقرة 215؛ عن الجماليات الموسيقية المتأخرة لنيتشه، انظر هيغينز 1986؛ يونغ 1992: الفصول 3-5؛ وبرانج 2013: الفصل 6).
1-6) الموسيقى البحتة وظهور الشكلانية
شهد القرن التاسع عشر أول تبريرات صريحة للموسيقى البحتة بوصفها مثالاً جمالياً (للاطلاع على تاريخ هذا المفهوم، انظر دالهاوس 1978 [1989]، وبيدرسون 2009، وبوندز 2014). استُخدم المصطلح لأول مرة عام 1846 على يد فاغنر الذي استخدمه بعد ذلك بازدراء في كتاباته 1849-1851 للإشارة إلى الموسيقى التي تفتقر إلى أي وظيفة اجتماعية أساسية -وبهذا المعنى، تكون الموسيقى بحتة بقدر ما هي مستقلة اجتماعياً (بشأن استخدامات فاغنر “الموسيقى البحتة”، انظر غراي 1995: 2؛ تشوا 1999: 225؛ بيدرسون 2009: 241-245؛ بوندز 2014: 134 وما يليها). استولى معارضو فاغنر على المصطلح بهذا المعنى الثاني، للإشارة إلى الموسيقى التي لا يصاحبها نص أو برنامج أو أي دوافع مفاهيمية أخرى. وبهذا المعنى، عُدَّت السيمفونية المثال النموذجي للموسيقى البحتة (انظر دالهاوس 1978 [1989: 10-11]). ولذلك، فإن الموسيقى البحتة هي موسيقى آلات خالصة -وهذا هو أيضاً الاستخدام الشائع لهذا التعبير اليوم. يمكن استخدام مفهوم الموسيقى البحتة بطريقة وصفية بحتة: فهو يشير إلى مجموعة فرعية من جميع الأعمال الموسيقية. بيد أن علم الجمال في القرن التاسع عشر تبنى غالباً وجهة نظر معيارية بالموسيقى البحتة بوصفها موسيقى آلات خالصة. وترى وجهة النظر هذه أن قيمة الموسيقى لا تُختزل في قيمة أشكال فنية أخرى، وأن قيمة موسيقى الآلات تكمن في خصائصها الشكلية، لا في أي محتوى قد تكشفه (إن استطاعت ذلك أصلاً)، أو في المشاعر التي قد تثيرها. وهذه هي الشكلانية الموسيقية.
مع أن كانط ربما لم يكن شكلانياً (انظر مدخل تاريخ فلسفة الموسيقى الغربية: من العصور القديمة إلى عام 1800، الفقرة 3-6)، يلاحظ يونغ (2020: 180) أنه كان يُعتبر شكلانياً منذ مطلع عشرينيات القرن التاسع عشر، كما يتضح من أعمال الملحن السويسري هانز جورج ناجيلي (1773-1836). يقدم ناجيلي صياغات مبكرة لمختلف الآراء الشكلانية المعيارية. ويجادل بأن الموسيقى لا تتسم بأي طابع عاطفي محدد، كما يتضح من حقيقة أن الناس لا يتفقون عليها عند السؤال عنها. وبناءً على ذلك، لا تنقل الموسيقى مؤثرات محددة (Affekten)، بل مجرد حالات مزاجية (Stimmungen). وليس لها أي محتوى (Inhalt)، بل مجرد شكل (Form) (ناجيلي 1826: 32).
اعتمد الشكلانيون، بالإضافة إلى جماليات كانط (أو على الأقل تفسيرهم لها)، على دعم فيلسوف بارز، هو يوهان فريدريش هربرت (1776-1841) الذي تبنى وجهة نظر شكلانية مؤثرة لا يمكن إنكارها للفن. ودافع عن خصوصية كل شكل فني، وميز بين آثار الجمال والجمال نفسه، حيث يُعد الأخير هو الموضوع الأنسب للتقدير الجمالي.
ويدين ناجيلي وهربرت بالفضل لأعظم ممثل للشكلانية الموسيقية، وهو إدوارد هانسليك (1825-1904) (للاطلاع على مناقشة رواد هانسليك، انظر بوندز 2014: 157 وما بعدها؛ يدحض ويلفينج 2018 الرأي السائد بأن كانط مارس تأثيراً حاسماً على هانسليك).
تُعد أطروحة هانسليك الموجزة “في الجمال الموسيقي” (1854) واحدة من أكثر الأعمال تأثيراً في تاريخ جماليات الموسيقى. يقدم هذا العمل صياغةً موجزةً ومقنعةً لمبادئ الشكلانية الأساسية. ويبدأ الكتاب بسلسلة من الحجج ضد ما يسميه “جماليات الشعور” (هانسليك 1854 [2018]: الفصل الأول). وهذا هو المفهوم الرومانسي للموسيقى، إذ يُعنى بتمثيل العواطف وإثارتها. يُثبت الجانب السلبي من عمل هانسليك أن الموسيقى لا تستطيع تمثيل المشاعر، وأن إثارة الموسيقى للمشاعر، وإن كانت ممكنة، لا علاقة لها بتقديرها الجمالي. أما أطروحة هانسليك الإيجابية، فتتمثل في أن تقدير الموسيقى يتطلب العقل (الروح) لا العواطف، لأن محتواها الوحيد هو شكلها.
تمر حجة هانسليك السلبية ضد جماليات الشعور عبر خطين رئيسين: سلسلة من الملاحظات الضعيفة نوعاً ما، وحجة بارعة مبنية على تحليل مفاهيمي للعاطفة.
يلاحظ هانسليك أنه عندما لا تكون موسيقى الآلات مصحوبة بنص، يعجز محبو الموسيقى عن التعبير عن الشعور الذي تعبر عنه بدرجة كبيرة من الاتفاق بين الأشخاص. وقد اقتبس مثالاً مشهوراً من بوييه، مشيراً إلى أن أغنية غلوك الشهيرة “ماذا سأفعل بدون يوريديس؟”(Che faro senza Euridice)، المعبرة عن الكآبة واليأس، يمكن أن تعبر عن الفرح بالقدر نفسه إذا اقترنت بنص سعيد (هانسليك 1854: الفصل الثاني). يُفترض أن تُثبت الحجة أن الموسيقى محايدة في التعبير، لكنها لا تنجح إلا بفضل المثال المتحيز. ويسهل العثور على موسيقى ذات طابع أكثر ألماً من أغنية غلوك، وستقاوم الاقتران بنص سعيد.
يلاحظ هانسليك أيضاً أن الإنشاد يفقد طابعه التعبيري المؤثر والمحدد إذا عُزف من دون كلمات. ولكن ليس من المستغرب أن تكون الموسيقى المصممة لتمثيل المشاعر مع نص أقل قدرة على فعل ذلك بمفردها.
ويشير هانسليك أيضاً إلى أن محبي الموسيقى يتفقون على أن جزءاً كبيراً ومهماً من ذخيرة الموسيقى الغربية، المتمثلة في “كلافير باخ المُحكم”، لا يُمثل أي عاطفة محددة (هانسليك 1854: الفصل 2). وبينما يُعد هذا دحضاً للحجة القائلة بأن الموسيقى تُمثل المشاعر بالضرورة، لا علاقة له بالرأي القائل بأن الموسيقى قد تفعل ذلك.
وأخيراً، يُنتج هانسليك ما أسماه كيفي (1990ب: 7) “حجة من الاختلاف”. يتفق نقاد الموسيقى إلى حد كبير على جمال الأعمال الموسيقية المختلفة، لكنهم سيختلفون عند سؤالهم عن الشعور الذي تُمثله (هانسليك 1854: الفصل 2). وهذه حجة ضعيفة مرة أخرى، إذ يسهل العثور على أعمال موسيقية تُوصف باستمرار بأنها تُعبّر عن بعض المشاعر دون غيرها.
تتضمن أقوى حجج هانسليك ضد جماليات الشعور تحليلاً مفاهيمياً دقيقاً لبنية المشاعر. فهو يلاحظ أن هذه المشاعر لا يمكن تحديدها بواسطة الحالة الشعورية التي تُحدثها فينا، إذ قد تُثير العاطفة نفسها حالات مختلفة، وقد تتشارك عاطفتان مختلفتان في حالة متماثلة. أما العنصر الإضافي الذي يُمكّننا من التمييز بين العواطف المختلفة فهو المحتوى المفاهيمي. ففي مثال هانسليك، يتطلب الأمل تصوراً لمستقبل أفضل، بينما تفترض الكآبة مُقارنةً بماضٍ أسعد. ويُقر هانسليك بأن الموسيقى قد تكون قادرة على مُطابقة السمة الديناميكية للحالة الشعورية. ومع ذلك، لا تستطيع الموسيقى توفير المحتوى المفاهيمي اللازم لتحديد عواطف محددة، وم ثم لا يمكنها تمثيلها (هانسليك 1854: الفصل 2؛ يلاحظ كيفي [1990ب: 9] أن تحليل هانسليك يستبق النظرية المعرفية المعاصرة للعواطف التي اقترحها كيني لأول مرة عام 1963؛ ويلمح ألكسندر مالكولم [1721: 602] إلى الحجة نفسها، مع أنه يناقش العواطف المثارة، على عكس العواطف الممثلة).
تتمثل وجهة نظر هانسليك الإيجابية في أن القيمة الموسيقية موسيقية تحديداً، ومستقلة عن أي علاقة بأشكال فنية أخرى، وكذلك عن أي مفهوم مشتق من الواقع غير الموسيقي. ولا يتخلى هانسليك عن الحديث عن المحتوى الموسيقي تماماً، بل يرى أن هذا المحتوى يتكون من بنى شكلية، “أشكال متحركة صوتياً” (tönend bewegte Formen؛ هانسليك 1854 [2018]: الفصل 3؛ تُرجمت ترجمة سابقة مؤثرة [هانسليك 1986] هذا التعبير إلى “أشكال متحركة نغمياً”).
نفى هانسليك أن الموسيقى تُمثل العواطف، إلا أنه يُقر بأنها غالباً ما تُثيرها. ومع ذلك، فإن العواطف التي تُثيرها الموسيقى لا علاقة لها بالتقدير الجمالي، لأنها لا تؤثر على فهم خصائصها الشكلية.
يصف هانسليك كتابه “في الجمال الموسيقي” صراحةً بأنه رد فعل على أعمال فاغنر وليزت (انظر بوندز 2014: 155)، كما أن الأطروحة أحياناً مثيرة للجدل صراحةً في (انظر على سبيل المثال نهاية الفصل الثاني). من حيث المبدأ، لا يوجد أي تعارض بين زعم هانسليك بأن محتوى موسيقى الآلات يقتصر على شكلها، واستخدام فاغنر للموسيقى مع أشكال فنية أخرى. والواقع أن إنتاج أعمال هجينة طريقة واضحة لمعالجة الندرة الدلالية والتعبيرية لموسيقى الآلات. ومع ذلك، كانت اعتراضات فاغنر على موسيقى الآلات وعدم ملاءمتها لأهدافه جذرية لدرجة أنها هددت الشرعية الجمالية للموسيقى البحنة. وهذا ما سعى هانسليك إلى استعادته.
حاول المؤرخ وعالم الموسيقى أوتوكار هوستنسكي (1847-1910) التوفيق بين آراء فاغنر وهانسليك (هوستنسكي 1877؛ انظر أيضاً ليبمان 1992: 316-317). وكانت استراتيجيته هي الدفاع عن إمكانية وجود أشكال فنية هجينة، مع السماح في الوقت نفسه بجمال موسيقي خاص يتجلى في الموسيقى البحتة.
مع أن علاقة هانسليك بهيغل لم تدرس كثيراً مقارنةً بخلافه مع فاغنر، فهي مثيرة للاهتمام أيضاً. تندرج حجة هيغل بشأن قدرة الموسيقى على التعبير عن الحياة الذاتية بالتأكيد ضمن نطاق الحجة السلبية الواردة في كتابه “في الجمال الموسيقي”. بيد أن هانسليك يتخذ موقفاً هيغلياً مميزاً عندما يرى أن الشكل الموسيقي هو مضمون الموسيقى. وهذه ليست صياغة متناقضة بلا مبرر، بل تحمل في طياتها سمة مفهوم هيغل للجمال بوصفه مكوناً من الشكل والمضمون.
كان لأطروحة هانسليك تأثيرٌ بالغ، ولا تزال موضع نقاشٍ واسع (لمراجعة ردود الفعل المبكرة، انظر بوندز 2014: الملحق؛ تشمل الأعمال الحديثة عن هانسليك لاندرير وزانجويل 2017، وسوزا 2017، وويلفينج 2018). وقد عارضت الدراسات الحديثة التفسير الشكلاني السائد لوجهة نظر هانسليك (انظر هول 1995، وويلفينج 2016).
1-7) الموسيقى وعلوم الحياة: داروين، وسبنسر، وجورني
دُرس دور الرياضيات في تفسير الظواهر الموسيقية منذ العصور القديمة، وبرز دور الفيزياء منذ القرن السابع عشر. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أخذ الباحثون يدرسون علاقة الموسيقى بعلوم الحياة. ومن الدوفع الرئيسة وراء هذا التحول في الموقف أعمال تشارلز داروين (1809-1882). تفترض نظريته في التطور وجود عمليتين رئيستين مسؤولتين عن التغيرات في الأنواع الحية، وهما الانتقاء الطبيعي والانتقاء الجنسي. ويُحدث التباين الفردي والطفرات العشوائية اختلافات في الصفات التي يمتلكها أفراد مختلفون ينتمون إلى النوع نفسه. ويكون احتمال ظهور الصفات التي تُفضّل بقاء النسل الذي سيتكاثر لاحقاً أكبر في الأجيال القادمة. وهذا هو الانتقاء الطبيعي. أما الانتقاء الجنسي، فيتعلق باختيار شركاء التزاوج. ويعني التفضيل الواسع لصفة معينة أن الأجيال القادمة ستكون أكثر عرضة لاكتسابها. وفي كلتا الحالتين، يجب أن تكون الصفات المعنية قابلة للتوريث.
في كتاب “أصل الإنسان” (1871) و”التعبير عن العواطف عند الإنسان والحيوان” (1872)، يقترح داروين أن الانتقاء الجنسي مسؤول عن تأثير الموسيقى. ويلاحظ أن مختلف الأنواع تُصدر تعابير صوتية أو أصواتاً أخرى في إطار عملية التزاوج. وهذا يُحدد مثلاُ هدف تغريد الطيور، مع أن الإجماع اليوم يُشير إلى أن تغريد الطيور يُمثل أيضاً نداءً طبيعياً. وبفضل هذا الأصل، تملك الموسيقى القدرة على:
استحضار تلك العواطف القوية التي كنا نشعر بها في العصور الغابرة عندما كان أسلافنا الأوائل ربما يتوددون بعضهم إلى بعض بمساعدة النغمات الصوتية، بطريقة غامضة وغير محددة. (داروين 1872: 219 (الفصل الثامن)؛ نجد دفاعاً معاصراً عن الرأي القائل بأن الفنون نتاج انتقاءات جنسية في ميلر 2001؛ للاطلاع على مراجعة حديثة للأدلة الداعمة لفرضية داروين، انظر رافينياني 2018).
تشير فرضية داروين إلى أن الموسيقى قد سبقت اللغة ربما، لأنها تنشأ من احتياجات أساسية أكثر من التواصل اللغوي. وتشتق نبرات الصوت النمطية للكلام العاطفي من تلك المستخدمة في المغازلة. ومن سمات هذا التفسير أنه أكثر قدرة على تفسير تعبير الموسيقى عن العواطف الإيجابية وإثارتها ، كالحب والحنان والسعادة، أكثر من العواطف السلبية، لأن العواطف الإيجابية فقط هي التي تُتبادل عادةً في المغازلة.
دافع هربرت سبنسر (1820-1903) عن تفسير لأصل الموسيقى يختلف عن تفسير داروين. يؤمن سبنسر بمبدأ فسيولوجي عام مفاده أن أي عاطفة تُنتج حركة. وعندما تتضمن الحركة الجهاز الصوتي، تنتج العواطف تعبيرات صوتية. وتنبع الموسيقى من المبالغة في السمات المعتادة للتعبير العاطفي الصوتي. ولذلك، فإن “الموسيقى الغنائية، ومن ثم الموسيقى كلها، هي تجسيد مثالي للغة العاطفة الطبيعية” (سبنسر 1857 [2015: 29]). تحدد هذه النظرة لأصل الموسيقى قيمتها التعبيرية في العنصر اللحني، وليس في التناغم، حيث لا تنتج التعبيرات الصوتية أكثر من صوت واحد في وقت واحد. ومع ذلك، يؤكد سبنسر أن تفسيره لأصل الموسيقى لا ينبغي اعتباره نظرية عامة لقيمة الموسيقى، وأن عناصر الموسيقى التي لا تستجيب لوظيفتها الأصلية (ولا سيما التناغم) تظل مشروعة تماماً (سبنسر 1890: 466-467). ومن هنا، تفصل الفرضيات الواقعية المتعلقة بأصل الموسيقى عن المعايير الجمالية. وهذا فرق منهجي مهم بين فرضية سبنسر بشأن أصل الموسيقى وفرضيات سابقة، وأبرزها فرضية روسو (انظر مدخل تاريخ الفلسفة الغربية للموسيقى: من العصور القديمة إلى عام 1800، الفقرة 3-5).
أعرب سبنسر وداروين عن إعجابهما بعمل بعضهما بعضاً، مع أن كيفي (1959: 47) يشير إلى أنهما كانا يدركان أيضاً اختلافاتهما المنهجية الجوهرية. فبينما اعتمد الأول على القوانين العامة بوصفها مبادئ تفسيرية نهائية، لم يقبل داروين التعميمات إلا بقدر ما كانت مدعومة بأدلة تجريبية. ومن أمثلة هذا التباين إحدى حجج سبنسر ضد الرأي القائل بأن الموسيقى تتطور من الأصوات المستخدمة أثناء التزاوج. يرى سبنسر أن “أحد القوانين الأساسية للتطور” هو أن “كل تطور ينطلق من العام إلى الخاص” (1890: 458). والقول بأن مجموعة فرعية من الأصوات (تلك المستخدمة أثناء التزاوج) قد ولدت فئة أكثر عمومية من الأصوات (كل الأصوات التي تعبر عن المشاعر، ومنها الموسيقى) يتناقض مع هذا المبدأ.
بينما تُناقَش شخصية إدموند جورني (1847-1888) غالباً بالاقتران مع داروين وسبنسر، وغالباً ما تُناقش حصرياً فيما يتعلق بآرائهما، فإن نطاق الحجج في أعماله وجودتها لا يُضاهيان سوى أعمال قليلة أخرى في جماليات الموسيقى الغربية. ولذلك، يُعدّ الاهتمام النقدي المحدود الذي حظي به أمراً مثيراً للدهشة.
إن إطار جورني شكلاني، لأنه يرى أن قيمة الموسيقى تعتمد أساساً على عرضها للأشكال المجردة. ويتحقق ذلك عبر “الحركة المثالية” للموسيقى، حيث تشير “المثالية” إلى قدرة الموسيقى على نقل الأشكال المجردة (جورني 1880: 164-165). ولذلك، يُعدّ الشكل والحركة الجانبين الأساسيين للموسيقى، وخاصةً اللحن. ومع أن الحديث عن الحركة قد يوحي بتشابه مع الفضاء المادي، فإن جورني صريح في قوله إن هذا ليس سوى “استعارة باهتة” (1880: 337)، إذ يختلف الطابع المكاني للحركة اللحنية اختلافاً جذرياً عن طابع الفنون البصرية والعمارة. ومن خلال تباين واضح مع هذه الأشكال الفنية، يُظهر جورني أن حركة الموسيقى مُنتظمة زمنياً، بحيث يكون تتابع عناصرها ثابتاً مُسبقاً. يختلف الأمر في الفنون المكانية بامتياز، حيث نُدرك العناصر بترتيب يُحدده فعل رؤيتنا (جورني 1880: 94). ويُجادل جورني أيضاً بأن قيمة الموسيقى تكمن أساساً في التسلسلات القصيرة التي يُمكننا استيعابها بسماعها مرة واحدة، وليس في فهم البنى واسعة النطاق (جورني 1880: 96-97؛ وقد دافع ليفنسون 1997 مؤخراً عن موقف مُشابه، مُستوحى من جورني).
إن الأشكال الموسيقية ليست محض موضوع للفهم، بل تثير فينا أيضاً عاطفة مميزة. وفي الواقع، يرى جورني أن أهم سمة للموسيقى هي قدرتها على إثارة عاطفة موسيقية تحديداً:
…إثارة عاطفية شديدة جداً، لا يمكن تعريفها حتى الآن ضمن أي عاطفة معروفة. (جورني 1880: 120)
يقترح جورني تفسيراً داروينياً لهذا الأمر. فالموسيقى الجميلة تثير عاطفة لا مثيل لها لأنها تُنتج ارتباطاً لا واعياً بالعاطفة الجنسية التي اختبرها أسلافنا (جورني 1880: 116 وما بعدها). بيد أن جورني يُشير إلى حدٍّ مهمٍّ لهذا التفسير: لا يستطيع التفسير الدارويني تفسير سبب إثارة الموسيقى الجميلة وحدها لمثل هذه العاطفة، إذ يفترض وجود صلة بين الظواهر الموسيقية عموماً وإثارة تلك العاطفة (جورني 1880: 121-124؛ 1887: 297-298).
إن شكلانية جورني أكثر دقة من الآراء التي تنفي تماماً قدرة الموسيقى على التعبير عن العواطف. ففي حين أن القيمة الرئيسة للموسيقى تكمن في قدرتها على أن تكون مؤثرة، أي إثارة العاطفة الموسيقية الغريبة المرتبطة بالجمال الموسيقي، فإن جورني يقر بأن الموسيقى قد تكون معبرة، بمعنى أنها قد تثير عواطف من النوع العادي، أو توحي بصور وأفكار غير موسيقية (جورني 1880: 312). لكن التعبيرية تابعة للتأثير. أولاً، إنها ليست عنصراً أساسياً أو حتى نموذجياً للموسيقى ذات القيمة، لأن كثير من الموسيقى الجميلة لا تعبر عن أي عاطفة محددة. ثانياً، إنها لا تقدم في حد ذاتها تفسيراً لقوة الفن وقيمته، لأن الصفات التعبيرية في حد ذاتها (في الوجه مثلاً) ليست مصدراً للقيمة (جورني 1880: 338). ومن الصعب فهم مزاعم جورني الأخرى بأن التأثير يُعزز تعبيرية القطعة الموسيقية (1880: 339)، بل هو شرطٌ أساسيٌّ لتكون التعبيرية ذات قيمة (1880: 314)، إلا إذا وضّحنا نظريته في التعبيرية أكثر (يُمكن الاطلاع على مناقشة مُفصّلة لآراء جورني في كتاب بود، 1985: الفصل الرابع).
2) القرن العشرون
2-1) ظاهراتية الموسيقى
طوّر إدموند هوسرل (1859-1938) الظاهراتية نهجاً فلسفياً يهدف إلى ترسيخ أي موضوعية في التجارب الشخصية التي تتشكل من خلالها. ولم يكرّس هوسرل للموسيقى سوى ملاحظات عابرة، أشهرها توضيح تحليله للوعي الزمني عبر تجربة إدراك لحن (هوسرل 1991). واعتمد فلاسفة آخرون منهجية ظاهراتية لإجراء تحقيقات أكثر منهجية (للاطلاع على دراسة استقصائية، انظر ليبمان 1992: الفصل 14).
في كتاب “عمل الموسيقى ومشكلة هويتها”، اعتمد الفيلسوف البولندي رومان إنغاردن (1893-1970) نهجاً ظاهرياً لإجراء أحد أوائل التحقيقات المنهجية في الأنطولوجيا الموسيقية. من الناحية المنهجية، يعتمد إنغاردن نهجاً وصفياً. وعلى حد تعبيره:
إن كل نظرية للأعمال الموسيقية، مهما بلغت درجة تطورها، ليست مجرد تكهنات بل تسعى إلى الاستناد إلى حقائق ملموسة، لا بد أن ترجع إلى القناعات ما قبل المنهجية التي وجهت البحث في البداية. (إنغاردن 1973 [1986: 1])
وعلى هذا الأساس، يرفض إنغاردن تعريف الأعمال الموسيقية بأشياء مثالية، كالكيانات الرياضية، لأن الأعمال الموسيقية تظهر إلى الوجود عند تأليفها لأول مرة (إنغاردن 1973 [1986: 15]؛ اقترح فالديمار كونراد (1878-1915) (1908) وصفاً ظاهرياً للأعمال الموسيقية بوصفها كائنات مثالية، وعارض إنغاردن وجهة نظره صراحةً). لا يمكن تعريف الأعمال الموسيقية بنُوطها الموسيقية، إذ يمكن تأليفها دون تدوينها، وقد توجد حتى في غياب تام للأنظمة التدوينية (إنغاردن 1973 [1986: 38]). ويرى إنغاردن أن الأعمال الموسيقية هي أشياء مقصودة. مع أنها تتطلب ذاتاً مُجرّبة، لا يمكن تعريفها بتجارب ذاتية مُحددة. وهذا يُفسر أيضاً الطابع الزمني الذي يُميز الأعمال الموسيقية. فبينما يمتد أداء العمل في الزمن، فإنه ليس بحد ذاته موضوعاً زمنياً، بل يُحدد فقط ترتيباً للتتابع بين عناصره. ولذلك، فإن العمل الموسيقي “شبه زمني” (إنغاردن 1973 [1986: 70]). ويُفسر إنغاردن أيضاً التغير الظاهري للعمل عبر الزمن، وهو تغير قد يبدو جلياً عند النظر في الاختلافات الجذرية في أداء العمل نفسه في عصور تاريخية مُختلفة. ومع ذلك، بقدر ما تُحدد مجموعة التفسيرات المشروعة للعمل من خلال موسيقاه، فإن هذا التغير ليس في العمل نفسه، بل فيما يُعتبر ذا قيمة فيه فحسب (إنغاردن 1973 [1986: 156]) (للاطلاع على مفهوم إنغاردن الموسيقي، انظر ميتشرلينغ 1997: الفصل 5).
الظاهراتي ألفريد شوتز (1899-1959) فيلسوفٌ آخر يستحقّ عمله في الموسيقى أن يُذكر. كُتب كتاب شوتز “شذرات نحو ظاهراتية الموسيقى” عام 1944، ولكنه نُشر بعد وفاته عام 1976، ويمكن الاطلاع عليه في المجلد الرابع من مجموعة أبحاثه (شوتز 1996: 243-275). ينطلق شوتز من ملاحظة شائعة مفادها أن الموسيقى ذات معنى رغم افتقارها إلى محتوى نظري أو تمثيلي. ويربط هذه السمة بخاصية أقل وضوحاً في الأعمال الموسيقية. يمكن فهم بعض الأشياء المثالية بشكلٍ أحاديٍّ وتعدديّ، أي من خلال سلسلة من المقاطع، وكذلك بنظرة واحدة. فعلى سبيل المثال، يمكنني اتباع الخطوات المؤدية إلى إثبات نظرية فيثاغورس وفهمها، ولكن بمجرد القيام بذلك، يُمكنني أيضاً استيعاب النظرية في خطوة واحدة، باستيعاب القضية التي تُعبّر عنها (شوتز ١٩٩٦: ٢٤٧-٢٤٨). ولكن هذا ممكن فقط لأن النظرية تحتوي على محتوى نظري يُمكن استيعابه بمجرد فهمها. ولأن الموسيقى تفتقر إلى هذا المحتوى تحديداً، فلا يُمكن استيعابها إلا بطريقة متعددة الأوجه عبر تتبع تطورها أثناء استماعنا إليها، أو عند تذكرنا لتطورها. ولذلك:
فإن القول بأن الموسيقى لا يُمكن استيعابها أحادياً مجرد نتيجة طبيعية لفرضية أن معنى الموسيقى ومضمونها لا يرتبطان بإطار نظري. (شوتز ١٩٩٦: ٢٤٩)
يتيح هذا الاستنتاج لشوتز فتح آفاق جديدة في مجال مختلف تماماً، مجال لا يزال غير مستكشف نسبياً في فلسفة الموسيقى الغربية. ففي مقاله “صنع الموسيقى معاً” (1951)، يتناول شوتز “علاقة التناغم المتبادل” (شوتز 1951: 79) الضرورية للتفاعلات بين مختلف الأطراف المشاركة في صناعة الموسيقى (الملحن، والمؤدون، والمستمعون). إن البنية المتعددة للموضوع الموسيقي هي ما يسمح في النهاية بهذه العلاقة، حيث يتشارك مشاركون شتى في صناعة الموسيقى “تدفقاً مشتركاً من التجارب في الزمن الداخلي” (شوتز 1951: 96).
لا تزال الظاهراتية منهجاً فلسفياً واسع الانتشار. ويوجد تحليل ظاهراتي أحدث للتجربة الموسيقية في كليفتون (1983).
2-2) الموسيقى واللغة والثقافة: فيتغنشتاين
كان لودفيغ فيتغنشتاين (1889-1951)، الفيلسوف الأكثر تأثيراً في القرن العشرين ربما، شخصاً موهوباً موسيقياً. وكان يعزف على الكلارينيت، وكانت لديه معرفة واسعة بالموسيقى الكلاسيكية الألمانية.
يُقسّم التطور الفلسفي لفيتغنشتاين عادةً إلى حقبتين. تدور الأولى حول كتابه “رسالة منطقية فلسفية” (1921)، حيث يزعم فيتغنشتاين أن اللغة لا تكون ذات معنى إلا عندما تصف حالات طارئة. ولذلك، فإن قضايا المنطق والفلسفة والأخلاق والجماليات، بالمعنى الدقيق للكلمة، لا معنى لها، لأنها معيارية أو غير واقعية. وفي هذه الأعمال المبكرة، وكما هو متوقع، يكاد فيتغنشتاين أن يصمت تماماً بشأن الفن. تجلّت آراء فيتغنشتاين الفلسفية المتأخرة في كتابه “التحقيقات الفلسفية” (1953) الذي نُشر بعد وفاته، بالإضافة إلى كتابات أخرى. وفي هذه الأعمال، يرى فيتغنشتاين أن المعنى اللغوي يعتمد على كيفية استخدام الكلمات في مواقف أو أنشطة محددة -وهو ما يسميه “لعبة لغوية” (Sprachspiel). وألعاب اللغة لا تُحصى وتتحدى المنهجية، لأنها تعتمد على الممارسات المتغيرة باستمرار التي تُشكّل حياتنا (Lebensform).
تتضمن فلسفة فيتغنشتاين المتأخرة معالجات مهمة، وإن كانت غير منهجية بطبيعتها، للقضايا الجمالية، حيث تبرز الموسيقى على نحو لافت. وفي انقلاب مثير للاهتمام للاستراتيجية المعتادة، يستخدم فيتغنشتاين أحياناً تشبيهات بالموسيقى لإلقاء الضوء على آليات عمل اللغة. وأشهر مثال على ذلك هو ملاحظته:
إن فهم جملة أقرب بكثير مما قد يظن المرء إلى فهم ثيمة موسيقية. ما أقصده هو أن فهم جملة أقرب مما يُظن إلى ما يُسمى عادةً بفهم ثيمة موسيقية. (تحقيقات فلسفية، الفقرة 527).
وهنا يستخدم فيتغنشتاين تشبيهاً بين اللغة والموسيقى في محاولة للابتعاد عن مفهوم الفهم اللغوي بوصفه عملية داخلية (انظر لويس 1977 وورث 1997). في اللغة والموسيقى، كما في الفن عموماً، يتجلى الفهم في قدرتنا على التصرف بطرق مناسبة. فعلى سبيل المثال، قد يكون أحد معايير فهم صور النوع الأدبي هو القدرة على وصف الأفعال التي تحدث فيها أو تقليدها (القواعد الفلسفية، المجلد الثالث، ص 37). وفي الحالة الموسيقية، فإن وصف الموسيقى أو أدائها بكفاءة رد فعل واضح يدل على الفهم. ومن المثير للاهتمام أن فيتغنشتاين يرى أن فهم الموسيقى يتجلى أيضاً في قدرتنا على إجراء مقارنات مناسبة بين الموسيقى والواقع غير الموسيقي، وخاصة المجال اللغوي -فقد توصف العبارة الموسيقية بأنها سؤال، أو تذكرنا بالتجويد الذي نستخدمه عندما ننطق بجملة معينة (تحقيقات فلسفية، الفقرة 527؛ زيتل، الفقرة 175؛ للمناقشة، انظر بود 2008، 263-267).
يثير دور الإشارات غير الموسيقية في فهم الموسيقى مسألة ما إذا كان ينبغي اعتبار فيتغنشتاين شكلانياً (انظر أهونن 2005، وسزابادوس 2006؛ 2014). من العناصر الشكلانية الأبرز في جماليات فيتغنشتاين فصله بين فهم الموسيقى وتقديرها وتأثيرها علينا -وهذه الخطوة مشابهة لخطوة هانسليك (انظر الفقرة 1-6؛ بشأن فيتغنشتاين وهانزليك، انظر سابادوس 2014، 39-57؛ 94-97). لا تُختزل القيمة الجمالية عموماً، وقيمة الموسيقى تحديداً، في تأثير الشيء (محاضرات في الجماليات، المجلد الرابع، 2). ولذلك، لا يكون العمل الفني ذا قيمة لأنه ينقل هذه العاطفة أو تلك، بل لأنه ينقل نفسه (فيتغنشتاين 1977 [1998: 67]).
مع ذلك، لا يبدو أن رؤية فيتغنشتاين المتأخرة للفهم الموسيقي متوافقة تماماً مع الرؤية الشكلانية (انظر Szabados 2014: الفصل 4). ويتضح ذلك جزئياً من تعليقاته على ملاءمة المقارنات غير الموسيقية. يلاحظ فيتغنشتاين أن:
الثيمة الموسيقية تترك فيّ انطباعاً مرتبطاً بالأشياء المحيطة بها -بلغتنا ونبراتها مثلاً؛ ومن ثم بمجال ألعابنا اللغوية بأكمله. (زيتل، الفقرة 135).
وكما أن فهم اللغة وإتقانها يفترضان استخدامها بكفاءة في مواقف وأنشطة لا حصر لها، فإن فهم الموسيقى يعتمد على قدرتنا على استخدامها ووصفها على نحو مناسب بطرق تحددها في نهاية المطاف طريقة حياتنا (انظر هاغبرغ 2017).
وأخيراً، جدير بالذكر أن مساهمة فيتغنشتاين الرئيسة في فلسفة الموسيقى ربما تكون شيئاً نادراً ما يربطه بالموسيقى. وهذا هو مفهوم إدراك الجوانب الذي تجسده شخصية البطة والأرنب الغامضة الشهيرة لجوزيف جاسترو، وهو ما يُمكن تكراره أيضاً في المجال السمعي، مثل سماع دقات المسرع في مجموعات من اثنين أو ثلاثة. وقد لجأ فلاسفة الموسيقى المعاصرون إلى إدراك الجوانب بطرق مختلفة لإلقاء الضوء على قضايا تراوح بين الفهم الموسيقي وظاهرة التعبيرية الموسيقية (انظر مثلاً كيفي 1989 وأربو 2009؛ يشير غوتر 2020 إلى أن اهتمام فيتغنشتاين بإدراك الجوانب قد حفزته على الأرجح الدراسات التجريبية التي أجراها على الإيقاع الموسيقي عندما كان طالباً).
2-3) الموسيقى رمزاً: لانجر وغودمان
من السمات المتكررة في تأملات القرن العشرين في الموسيقى محاولة اعتبارها نظاماً رمزياً، وما يرتبط بذلك من اهتمام بالتشابهات والاختلافات بين الموسيقى واللغة.
من الجهود المبكرة والمؤثرة في هذا الاتجاه جهود سوزان لانجر (1895-1985). ففي كتابها “الفلسفة في مفتاح جديد” (1942)، ترفض فكرة ارتباط الموسيقى بالحياة العاطفية في علاقة سببية مع العواطف لدى المؤلف أو المؤدي أو المستمع. فالموسيقى ليست “محفزاً” للعواطف، ولا “عَرَضاً” لها، بل رمزاً لها:
إذا كان للموسيقى مضموناً عاطفياً، فإنها “تمتلكه” بالمعنى الذي “تمتلك” به اللغة مضمونها المفاهيمي -أي رمزياً. (لانجر 1942: 218)
مع أن الموسيقى واللغة متشابهتان في أن لكل منهما وظيفة دلالية، لا يتعمق التشابه بينهما أكثر، بحسب لانجر. فهي تُميز بين نظم الرموز الخطابية والتمثيلية. فالرمزيات الخطابية تمتلك مفردات تتكون من عناصر قابلة للتحديد، يرتبط بها معنىً ثابتٌ. أما الرمزيات التمثيلية فتفتقر إلى مثل هذه الوحدات المعنوية المنفصلة. اللغة مثال على الأول، والرسم مثال على الثاني -فكل من الجملة والرسم يرمز إلى شيء ما، لكن الجملة يمكن تقسيمها إلى أجزاء مكونة ذات معنى ثابت، في حين لا يمكننا ذلك مع اللوحة.
وفقاً للانجر، الرموز الموسيقية هي رموز تمثيلية من نوع خاص. وتعود الأوصاف الشائعة للموسيقى من حيث العواطف (مثل “حزينة”، “سعيدة”، “كئيبة”، إلخ) إلى علاقة تماثلية بين الشكل الديناميكي للموسيقى وشكل المشاعر. فعلى سبيل المثال، يتحقق التعبير الموسيقي عن القلق عبر توترات طويلة وغير محسومة، وهذا هو شكل القلق كما نختبره. ولأن الموسيقى تُطابق شكل المشاعر تطابقاً أوثق بكثير مما قد تطمح إليه اللغة، فلا يمكن استبدال الرموز الموسيقية برموز لغوية دون فقدان الدقة -وهذه هي رؤية لانجر لفرضية العجز عن التعبير (انظر الفقرة 1-1).
مع ذلك، تُقر لانجر بأن مشاعر مختلفة جذرياً قد تشترك في شكل ديناميكي مشترك، كما قد يحدث مع نوبة غضب ونوبة فرح. وهذا يعني أن الموسيقى لا يمكن أن يكون لها معنىً عاطفيٌ محددٌ، بل تراوح بين مجموعة متنوعة من التفسيرات المحتملة. ولذلك، تُعدّ الموسيقى “رمزاً غير مُكتمل”، ولا يُحدّد معناه الدقيق (لانجر 1942: 240).
هُوجِمت وجهة نظر لانجر لأسباب مُختلفة (انظر باد 1985: الفصل 6، وس. ديفيز 1994: الفصل 3). ولعلّ أوضح الاعتراضات هو أن البنية الديناميكية للموسيقى تُطابق بنية العواطف تماماً كبنية ظواهر عديدة أخرى، لكن وجهة نظر لانجر لا تُفسّر لماذا الموسيقى ليست رمزاً لها أيضاً (باد 1985: 114؛ يُقدّم غرين 2007 وجهة نظر أكثر منطقية بشأن التطابق بين الموسيقى والعواطف).
يُعد كتاب “لغات الفن (1968) “لنيلسون غودمان (1906-1998) نتاجاً لنظرية الرموز الراسخة التي تمثلها لانجر وإرنست كاسيرر (1874-1945)، وعملاً تأسيسياً في تطوير فلسفة الفن التحليلية (انظر الفقرة 2-6). ويتجلى ذلك في الترابط الوثيق بين علم الدلالات وعلم الوجود الذي يُميّز الكتاب: إذ يُطوّر غودمان نظرية عامة في التدوين ينبغي أن تُراعي الوضع الوجودي للأعمال في شتى أشكال الفنون. وهو يُقدّم تمييزاً حاسماً بين الفنون التي تحمل توقيعاً شخصياً (الأوتوغرافية) والفنون التي لا تحمله (الألوغرافية). فالرسم والنحت من الفنون الأوتوغرافية، إذ إن تحديد تاريخ إنتاج العمل (أي نسبته إلى فنان معين) يضمن أصالة العمل. أما الموسيقى والأدب فهما ألوغرافيان، إذ تعتمد هوية العمل على وجود سمات أساسية تُحدّدها تدوينة -تسلسل الكلمات في حالة العمل الأدبي، والنوتة الموسيقية في حالة الموسيقى. الأعمال الأتوغرافية المزورة هي أعمال تدّعي تاريخ إنتاج زائف. أما الأعمال الألوغرافية المزورة فهي مستحيلة، لأن التدوين الموسيقي يُمثل اختباراً لهوية العمل. فإذا استوفى العمل المرشح هذا الشرط، فهو مثال للعمل، وإلا فهو عمل مختلف.
ولكي يؤدي التدوين هذه الوظيفة، يجب أن يستوفي شروطاً بنائية ودلالية صارمة (غودمان، 1968: الفصل 4). يرى غودمان أن معظم عناصر التدوين الموسيقي الغربي الحديث تستوفي هذه الشروط، مع استثناءات مهمة للديناميكيات ومؤشرات الإيقاع وغيرها، التي تصبح بالتالي غير متصلة بهوية العمل (انظر ويبستر، 1971). ويُعدّ الأداء مثالاً لعمل معين إذا وفقط إذا كان متوافقاً مع نوتته الموسيقية، والعمل الموسيقي ليس سوى فئة العروض المتوافقة مع تلك النوتة.
تُلزم أنظمة التدوين الموسيقي التي تُميز الفنون الألوغرافية بالامتثال التام، إذ قد تُؤدي أي انحرافات طفيفة إلى اعتبار عمل مختلف تماماً نسخةً مقبولةً من العمل الأصلي. وهذا يعني أن الأداء الدقيق للعمل الموسيقي نوتةً نوتةً هو فقط مثالاً له (انظر بريديلي، 1999).
تتعارض هذه النتيجة ليس مع نظرة عقلانية للأداء الناجح فحسب، بل أيضاً مع أحد مبادئ غودمان المنهجية المعلنة. فهو يرى أن أنظمة التدوين المميزة للفنون الألوغرافية يجب أن توفر شروط هوية دقيقة، مع مراعاة مفهومنا البديهي لما يُعتبر عملاً فنياً معيناً (غودمان 1968: 121-122، 197-198). إلا أن تفسير غودمان للتوافق بين النوتة والأداء صارم جداً ومتساهل جداً بحيث لا يحترم حدسنا: فهو لا يفسح المجال للأداءات الصالحة ما قبل النظرية (مثل أداء بنوتة واحدة خاطئة)، بينما يقبل الأداءات التي نعتبرها غير صحيحة (مثل أداء صحيح نوتة بنوتة، ولكن بإيقاع يجعل العمل غير قابل للتمييز). ورثت الأعمال اللاحقة في أنطولوجيا الموسيقى من “لغات الفن” مفهوم الامتثال وما يرتبط به من فكرة أن بعض السمات تُحدد هوية العمل، مع محاولة تجنب قيود غودمان التدوينية (انظر س. ديفيز 2001).
يأخذ تحليل غودمان السيميائي في الاعتبار أيضاً التعبير الموسيقي. ففي إطاره الاسمي، لكي يمتلك شيء ما خاصية ما، يجب أن يُدلل عليها بمسند. إذا أشار الشيء إلى ذلك المسند، فإنه يُمثله -قطعة قماش حمراء يُشار إليها بالمسند ” حمراء”، لكنه يمثلها أيضاً عندما يستخدمها خياط كعينة. ولكن يمكن أيضاً امتلاك الخصائص مجازياً -فالقماش أحمر حرفياً، لكن العمل الموسيقي حزين مجازياً فقط. وعندما يُمثل شيء ما خاصية يمتلكها مجازياً، فإنه يُعبر عنها. التعبير هو تمثيل مجازي (غودمان 1968: 95). وتجدر الإشارة إلى أن هذا الرأي يشرح البنية المنطقية لوصف الموسيقى من منظور عاطفي، لكنه لا يحاول تفسير سبب تطبيق مصطلحات العاطفة على الموسيقى أساساً. كان غودمان في فلسفة الموسيقى، كما في فلسفة الفن عموماً، شخصية محورية في تحديد النبرة المنهجية للبحث اللاحق في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، على الرغم من أن حلوله المفضلة كانت محل خلاف كبير.
2-4) الموسيقى والعواطف: برات، وماير، وكوك
طوال القرن العشرين، أنتجت فلسفة الموسيقى الإنجلوفونية سرديات مختلفة عن علاقة الموسيقى بالعواطف. بالإضافة إلى مساهمات لانجر ومساهمات الفلاسفة التحليليين (انظر الفقرتين 2-3 و2-6)، من المهم ذكر الآراء التي طرحها عالم النفس كارول سي. برات (1894-1979) وعالما الموسيقى ليونارد ب. ماير (1918-2007) وديريك كوك (1919-1976).
يوضح برات أنه لا يهتم بإثارة الموسيقى للعواطف (برات 1954: 291-292). فنحن نطبق كلمات عاطفية على الموسيقى دون أن نعني أنها تُثير أو قد تُثير مثل هذه العواطف فينا أو في الآخرين. وإذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نشرح لماذا نصف الموسيقى، وهي كائن جامد، بكلمات تُشير إلى حالات نفسية.
يجادل برات بأن بعض الصفات الديناميكية مشتركة بين الموسيقى وتجربة العواطف الذاتية. ولذلك، فإن الانفعال الذي نسمعه في الموسيقى السريعة النزقة هو نظير خارجي موضوعي للإحساس الذاتي الداخلي الذي نشعر به عندما نشعر بالانفعال. وهذا التطابق بين الحالات النفسية والسمات الإدراكية للأشياء الخارجية هو ما يؤسس لوصف الأخيرة بكلمات عاطفية. تشترك وجهة نظر برات، التي يعبر عنها باختصار شعاره “صوت الموسيقى يشبه إحساس العواطف”، مع نظرية لانجر في فكرة التماثل بين بنية الموسيقى وظاهراتية الحياة العاطفية. بيد أن برات لا يرى الموسيقى دلالة على العواطف، لأن تطابقها من حيث البنية الديناميكية لا يعني أي علاقة تمثيلية بين الأولى والثانية (برات 1954: 290). وهذا الزعم، إلى جانب فصل برات للعواطف الموسيقية عن تلك التي تثيرها لدى المستمع، يمنح وجهة نظره منحى شكلانياً واضحاً. وتعتمد قوة إقناع فرضية برات في نهاية المطاف على إمكانية تقديم دليل أوضح على التوافق البنيوي الذي يُعدّ محورياً لهذه السردية (يوجد نقد لوجهة نظر برات في باد (1985): الفصل 3، وس. ديفيز (1994): الفصل 3؛ ويطرح غرين [2007: 206] نظريةً في التعبير تُثبت جزئياً حدس برات).
يحاول كتاب ماير المؤثر “العاطفة والمعنى في الموسيقى” (1956) فهم العواطف الموسيقية بالقول أنها تعتمد على السمات البنائية للموسيقى نفسها. وترتكز وجهة نظر ماير على افتراضات مشكوك فيها مفادها أن العواطف تنشأ عند تثبيط الميل إلى الاستجابة، وهو ميل المرء إلى التصرف بطريقة معينة. فعلى سبيل المثال، المدخن الذي يشعر برغبة في التدخين ولكنه لا يستطيع العثور على أي سجائر سيزداد شعوره بالإحباط والانزعاج. وتتولد عاطفة هذا الشخص بكبح ميله للاستجابة (ماير 1956: 13-14؛ للاطلاع على النقد، انظر باد 1985: 155-157). وفي الموسيقى، يتولد الميل للاستجابة من التوقعات التي تنشأ طبيعياً لدى المستمعين المتطورين نوعاً ما بشأن التطور البنائي للمقطوعة. وتُحبط الموسيقى، وخاصةً الموسيقى ذات القيمة، توقعاتنا مؤقتاً كلما تطورت بطرق غير متوقعة، ولذا تُثير المشاعر من دون الحاجة إلى أي إشارة إلى واقع غير موسيقي.
يزعم ماير أن نظريته قادرة على التوفيق بين حلين متعارضين ظاهرياً لمشكلة القيمة الموسيقية وفهمها. وهما “الخيار الشكلاني”، الذي يرى أن العواطف لا علاقة لها بتقدير الموسيقى، و”الخيار التعبيري المطلق”، الذي يعتبر الموسيقى ذات قيمة لما تثيره فينا من عواطف. ويقترح ماير أنه في حال كان التوقع واعياً، فإن الاستجابة ستكون فكرية، لا عاطفية. ولكن إذا كان توقعاً لا واعياً، كما هو الحال لدى معظم المستمعين، فإن إحباطه سيؤدي إلى استجابة عاطفية. وهكذا، يُمثل الشكلاني والتعبيري نمطين مختلفين للتفاعل مع الموسيقى، وليس وجهتي نظر متعارضتين بشأن معناها وقيمتها (ماير 1956: 38-40).
في كتابه “لغة الموسيقى” (1959)، يقترح كوك أن الملحنين الكلاسيكيين الغربيين استخدموا مخزوناً واضحاً من البنى اللحنية والتوافقية والإيقاعية لنقل المشاعر عبر أعمالهم. ويُعد نموذج كوك لغوياً ليس فقط لأنه يحاول تحديد مفردات التعبير الموسيقي، بل أيضاً لأنه تصور الموسيقى شكلاً من أشكال التواصل، وتحديداً إيصال الملحن الحالات العاطفية إلى المستمع عن. ولذلك، فهو نسخة من نظرية التعبير (انظر الفقرة 1-1؛ يقدم غابرييل 1978 أدلة تجريبية تدحض وجهة نظر كوك).
2-5) المنهجيات الماركسية: أدورنو وبلوخ
أدى تطور علم اجتماع الموسيقى، وكذلك النقد المجتمعي الماركسي، إلى اهتمام بالطبيعة الاجتماعية والسياسية لصناعة الموسيقى لا مثيل له في الفلسفة الغربية السابقة (للاطلاع على لمحة عامة، انظر فوبيني 1991: الفصل8).
ويُعد ثيودور دبليو أدورنو (1903-1969) أبرز مثال على هذا النهج، وأحد أهم فلاسفة الموسيقى في التراث الغربي. كان فيلسوفاً وعالم اجتماع، وفي عام 1958 أصبح مديراً لمعهد فرانكفورت للبحوث الاجتماعية. وغدت كتاباته المُكثّفة أكثر صعوبة بسبب ملاحظاته الموسيقية المُتكررة شديدة التقنية -كان موسيقياً مُدرّباً وملحناً نشطاً، حيث درس مع تلميذ أرنولد شونبيرغ، ألبان بيرغ (باديسون 1993 وويتكين 1998 دراستان طويلتان عن فلسفة أدورنو الموسيقية؛ للاطلاع على لمحة عامة مُختصرة، انظر هاميلتون 2007: الفصل 6).
يُمثّل التوتر بين استقلالية العمل الفني بوصفه كائناً جمالياً ووظيفته الاجتماعية موضوعاً رئيساً في أعمال أدورنو (أدورنو 1970 [1997: 252]). وبصفته عضواً في مدرسة فرانكفورت، فإن نظرة أدورنو ماركسية عموماً، حيث إنه مهتم بالفن بوصفه منتجاً مجتمعياً، وكذلك بإمكاناته بوصفه وسيلة للنقد الاجتماعي.
بيد أن دفاع أدورنو عن الموسيقى بوصفها أداة نقدية لا يُؤدّي إلى تأييد الموسيقى الملتزمة سياسياً. تتحقق الوظيفة النقدية للموسيقى بمجرد تجسيد التناقضات المجتمعية في السمات الشكلية للأعمال الفنية، عوضاً من إدانتها صراحةً (انظر على سبيل المثال أدورنو 1970 [1997: 257]). يكتب أدورنو:
في كل فن لا يزال ممكناً، يجب أن يرتقي النقد الاجتماعي إلى مستوى الشكل، إلى درجة أنه يمحو كل محتوى اجتماعي بوضوح [المحتوى]. (1970 [1997: 250])
وفقاً لأدورنو، يحقق الفن هذه القدرة النقدية من خلال استقلاليته، أي برفضه الوظائف الاجتماعية المباشرة، بما في ذلك الوظائف السياسية الصريحة. ومع ذلك، ليس من الواضح كيف يمكن تجسيد الديناميكيات أو التناقضات المجتمعية في أعمال موسيقى الآلات الخالصة (زانغويل 2012: 380-381 يشكك في هذا الاحتمال).
هذا هو الإطار الذي يؤسس تأييد أدورنو لشونبيرغ ضد سترافينسكي الذي طوره في كتابه “فلسفة الموسيقى الجديدة” (1949). إن موسيقى شونبيرغ اللانغمية صادقة مع المجتمع الذي أنتجها لأنها ترفض النغمية التي يرى أدورنو أن إمكاناتها درست بدقة. ولذلك، تُعتبر المادة الموسيقية “مُشكّلة مسبقاً” تاريخياً، حيث أن استخدام البنى النغمية له أهمية مختلفة جوهرياً اليوم عما كان عليه عندما كانت الموسيقى النغمية لا تزال في طور التطور. وموسيقى شونبيرغ تقدمية لأنها تتبع قوانين التطور المتأصلة في المادة الموسيقية التي ورثها من التقاليد. بيد أن سترافينسكي يستخرج البنى الموسيقية من ماضٍ لا يمكن استرجاعه، ومن ثم ينتج موسيقى جيدة الصنع، لكنها في النهاية غير صادقة (للاطلاع على تحليل مفصل لوجهة نظر أدورنو بشأن شونبيرغ وسترافينسكي، انظر ويتكين 1998: الفصلين 7 و8).
يُبرر هذا الموقف الذي وصف تواً تحفظات أدورنو الشهيرة بشأن الموسيقى الشعبية التي فصّلها في عدد من المقالات، وكذلك في كتابه المؤثر “مقدمة في علم اجتماع الموسيقى” (1962 [1976]). وتتمثل وجهة نظره في “موسيقى الجاز”، وهي تسمية استخدمها بسخاء وبطريقة مشوشة أحياناً (انظر Gracyk 1992)، وفي الموسيقى الشعبية عموماً، في أن وظيفتها الأساسية هي الترفيه المُتاح بسهولة، على الرغم من محاولات موسيقى الجاز إخفاء ذلك خلف بنى موسيقية تبدو جديدة. التوحيد هو السمة الأساسية للموسيقى الشعبية (أدورنو 1962 [1976: 25])، ونتيجته هي موسيقى “تستمع إلى المستمع” (أدورنو 1962 [1976: 29])، لأنها لا تتطلب أي جهد. إن اليد الخفية التي تُوحّد الذوق وتُنتج فناً وظيفته الوحيدة ترفيه الجماهير هي صناعة الثقافة، وهو مفهومٌ طوّره أدورنو في كتابه “جدلية التنوير” (1947)، الذي شارك في تأليفه مع ماكس هوركهايمر (1895-1973) (هوركهايمر وأدورنو 1947: الفصل 4).
قد تبدو تحفظات أدورنو بشأن الموسيقى الشعبية نخبويةً على نحو مفهوم (انظر باو 1990). ومع ذلك، وكما يُشير مارتن جاي:
أكد أدورنو أن التناقض الحقيقي لم يكن بين الموسيقى “الخفيفة” و”الجادة” -فهو لم يُدافع قط عن المعايير الثقافية التقليدية لذاتها- بل كان بين الموسيقى الموجهة نحو السوق والموسيقى غير الموجهة إليها. (جاي 1973: 182)
ولذلك، مع أن الموسيقى الشعبية تتميز بخصائص موحدة تُفضي إلى تسليعها، فإن صناعة الثقافة تشمل أيضاً موسيقى من الماضي سُلّعت وحُوِّلت إلى مجرد وسيلة إلهاء.
ترتبط الموسيقى أيضاً بالتغيير الاجتماعي في فكر الفلسفة الماركسية غير التقليدية لإرنست بلوخ (1885-1977). فمفهوما اليوتوبيا والأمل أساسيان في رؤيته التي تجد تعبيرها الرئيس في كتابي “روح اليوتوبيا” (1918) و”مبدأ الأمل” (1954). تشير “اليوتوبيا” إلى حالة مستقبلية محتملة تطمح إليها البشرية، في حين أن الأمل هو عملية السعي نحو تلك الحالة اليوتوبية. ويخلق الفن رؤى لواقع بديل، بعيداً عن كونه محض أوهام أو إلهاءات، بل ينطوي على إمكانات طوباوية.
يُخصّص بلوخ فصلاً محورياً من كتابه “روح اليوتوبيا” للموسيقى التي يراها مُعنِيةً بالجانب الباطني للبعد الطوباوي، ومن ثم بسعي البشرية نحو الوعي الذاتي والفهم. يتتبع هذا الفصل تكشّف الإمكانات الطوباوية للموسيقى في التراث الغربي. ويبدو أن هذا التضييق في التركيز نابعٌ من مفهوم ضيق مُتعمّد للموسيقى، مدفوعاً بتوصيف بلوخ لهذا الفن بأنه يُعنى بتجلّي باطن النفس وتطوره. وبذلك، يُنكر أن حضاراتٍ كاليونانية والمصرية أنتجت أي موسيقى جديرة بالاهتمام، لأن نظرتها للعالم كانت مُركّزة على الظواهر الخارجية والمرئية (بلوخ 1918، “الغموض”).
في إعادة البناء لدى بلوخ، تتطور الموسيقى الغربية عبر ثلاث مراحل، أو ما يُسمى “السجاد” (Teppiche)، وهو مفهوم استعاره من جورج لوكاش (1885-1971) (بلوخ 1918، “مشكلة فلسفة تاريخية للموسيقى”). تُمثل المرحلة الأولى موسيقى الرقص والحجرة، والثانية موسيقى باخ وموتزارت، وخاصةً الفوغة، وتبلغ الثالثة ذروتها في سيمفونيات بيتهوفن وبروكنر. وفي أثناء هذا التطور، تُدرك الموسيقى تدريجياً وعي البشرية بذاتها (للاطلاع على فلسفة بلوخ الموسيقية، انظر زابيل 1990، وكورستفيدت 2010، وفيدال 2003 [2010]).
2-6) فلسفة الموسيقى التحليلية
تُعرض النُهُج التحليلية بالتفصيل في المدخل الخاص بفلسفة الموسيقى (للاطلاع على مقدمة طويلة، انظر كانيا 2020). وسأركز هنا على جدالين نموذجيين، وسأشير إلى بعض الاتجاهات العامة.
يُنظر أحياناً إلى فلسفة الموسيقى التحليلية على أنها تركز حصرياً على التحليل اللغوي والمفاهيمي، وترفض بسبب هذا التركيز الضيق (انظر ليبمان 1992: 353 مثلاً). غير أن هذه الصورة لا تعكس إلا مراحل تطورها الأولى. ففلسفة الموسيقى التحليلية تطورت وهجّنت، وتجزأت، تماماً مثل الفلسفة التحليلية عموماً. يتضمن العمل التحليلي المعاصر بشأن الموسيقى غالباً نقاشاً متواصلاً للبحث العلمي أو التاريخي (انظر مثلاً روبنسون 2005، نوسباوم 2007، دايك 2014). وربما يكون للنهج التحليلي سمةٌ مختلفة، هي اعتراضه المنهجي، المفترض ضمنياً غالباً، على أحكام القيمة المتعلقة بالأعمال والتقاليد والأساليب قيد البحث، وغيرها،. فالقيمة الفنية لا تُكتشف أو تُحدَّد عبر تكهنات فلسفية، بل تُفسَّر فقط. وهذا يتناقض تناقضاً صارخاً مع نهج كثير من الشخصيات الأخرى المناقشة في هذا المدخل التي وضعت في البداية نظريات فلسفية، ثم على هذا الأساس، أصدرت رفضاً شاملاً للموسيقى التي تُعتبر ذات قيمة عموماً -فكر في روسو بشأن الموسيقى الفرنسية أو أدورنو بشأن موسيقى الجاز (للاطلاع على الاختلافات بين فلسفة الموسيقى التحليلية وتلك القارية، انظر روهولت 2017).
لعلّ التطور المنهجي للأنطولوجيا الموسيقية هو المحور الموضوعي الأبرز للفلسفة التحليلية، حيث أُهمِل هذا المجال إهمالاً شبه كامل في النظريات الفلسفية السابقة. وأشيع الرؤى الأنطولوجية هي نظريات الأنماط التي ترى أن الأعمال الموسيقية كيانات قابلة للتكرار، تُمثَّل بأحداث صوتية متعددة. بعض منظري الأنماط أفلاطونيون يذهبون إلى أن الأعمال الموسيقية كائنات مجردة لا وجود لها (كيفي 1983أ، 1983ب؛ دود 2007). ويذهب نهج مختلف إلى أن الأعمال الموسيقية أنماط مُبتكرة، وهي سمة يجادل مؤيدوها بأنها تُضفي معنى على الموسيقى بوصفها ممارسة إنسانية محتملة (ليفينسون 1980).
على عكس الأفلاطونية، ترفض النظريات الاسمية الأنماط وتفسر الأعمال الموسيقية على أنها مجموعات من التفاصيل (غودمان 1968؛ بريديلي 2001؛ كابلان وماثيسون 2006).و ثمة خيار أقل شيوعاً هو اعتبار الأعمال الموسيقية أفعالاً. وقد دافع جريجوري كوري (1989) وديفيد ديفيز (2004) عن هذا الرأي فيما يتعلق بالأعمال الفنية عموماً، ومن بينها الموسيقية. واُقترح أيضاً أن الأفضل اعتبار الأعمال الموسيقية خيالاتٍ مفيدةً تُعزز خطابنا النقدي والتقديري بشأن الموسيقى (كانيا 2008؛ كيلين 2018؛ للاطلاع على لمحةٍ عامةٍ حديثةٍ عن الأنطولوجيا التحليلية للموسيقى، انظر س. ديفيز 2020).
تناولت الأعمال الحديثة أسئلةً ميتا-أنطولوجية، متسائلةً عن المبادئ التي ينبغي أن تُوجِّه بناء النظريات الأنطولوجية (انظر مثلاً ستيكر 2009؛ دود 2013؛ د. ديفيز 2017). ومن المفيد التمييز بين الأنطولوجيا الوصفية والأنطولوجيا التنقيحية (كانيا 2008)، حيث تلتزم الأولى بمفاهيم ما قبل النظرية بشأن ماهية العمل الموسيقي، بينما تُضحي الثانية بالحدس في سبيل الفضائل النظرية.
مع أن ليديا جوهر ترفض في النهاية النهج التحليلية في دراسة أنطولوجيا الموسيقى، يجدر بنا هنا ذكر كتابها “المتحف الخيالي للأعمال الموسيقية” (1992)، وهو دراسة بالغة التأثير عن أصل مفهوم العمل الموسيقي. وتُجادل جوهر بأن هذا المفهوم ظهر مؤخراً نسبياً في تاريخ الموسيقى الغربية.
إلى جانب الأنطولوجيا، ربما تكون التعبيرية الموسيقية هي القضية الأكثر مناقشة في الفلسفة التحليلية (للاطلاع على مقدمة عن المناقشة، انظر ماترافيرس2007). ومن التطورات المهمة في هذا المجال التمييز بين العواطف التي تعبر عنها الموسيقى وتلك المعبرة عنها (كيفي 1989، وشرح مفصل في تورمي 1971). إن الملامح المترهلة لكلب سانت برنارد تجعله يبدو حزيناً، لكنها لا ترتبط في علاقة سببية مع حالة نفسية من الحزن. وجه الكلب معبر عن الحزن، لكنه لا يعبر عن الحزن. وبالمثل، يُنسب الحزن إلى الموسيقى بغض النظر عما إذا كانت تعبيراً عن الحزن أو عن أي عاطفة أخرى -فقداس موتزارت الجنائزي في دي مينور المعبر عن الألم هو شيء يمكننا تحديده بمعزل عن حالة الألم التي ربما وجد مؤلفها نفسه فيها عند تأليفه. تختلف المشاعر التي تُعبّر عنها الموسيقى مفهومياً عن تلك التي قد تُثيرها لدى المستمع -قد تُثير مقطوعة “قداس الموتى” فيّ الألم، لكنها ستكون عملاً مؤلماً حتى لو لم تفعل. وبقدر ما تبدو هذه الفروقات بديهية، فإن السرديات السابقة عن العلاقة بين الموسيقى والعواطف لم تتبعها بوضوح، بل تبدو أحياناً وكأنها تنتقل من مفهوم إلى آخر.
وهكذا، لدينا (1) العواطف التي قد يشعر بها المؤلف عند كتابة المقطوعة، و(2) العواطف التي قد تُثيرها الموسيقى لدى المستمع، و(3) العاطفة التي نُنسبها إلى الموسيقى نفسها. تُسمى روايات التعبيرية التي تُفسرها على أنها تعتمد على (1) أو (2) على التوالي، أي نظريتا التعبير والإثارة. ويُعتبر كلا النهجين عموماً غير موثوقين، مع أن ديريك ماترافيرز (1998) دافع عن نسخة مُتطورة من نظرية الإثارة، وقدمت جينيفر روبنسون (2005) دفاعاً مُؤهلاً عن نظرية التعبير. تحتاج روايات التعبيرية التي تعتبرها مستقلة عن (1) و (2) إلى شرح سبب استخدامنا لكلمات العاطفة لوصف كائن غير واعٍ. وتجادل نظريات التشابه للتعبيرية الموسيقية بأن هذا يرجع إلى التشابه المتصور بين الموسيقى والتعبيرات البشرية الصوتية والسلوكية المميزة للعواطف (ديفيز 1980، 1994؛ كيفي 1989). إن الاعتراض على مثل هذا التشابه في تفسير التعبيرية الموسيقية قديم قدم فلسفة الموسيقى نفسها، لكن الفصل الدقيق للعواطف في الموسيقى عن تلك التي تثيرها لدى المستمع يميز هذه الآراء عن جميع سابقاتها تقريباً. ويسمح التمييز نفسه لبيتر كيفي (1934-2017) بتطوير وجهة نظر شكلانية للتقدير الموسيقي تعترف بدور الخصائص التعبيرية ولكنها تفصلها عن العواطف التي تثيرها الموسيقى (كيفي 1990أ). طورت جينيفر روبنسون (2005) نظرية هجينة متطورة للتعبيرية، مجادلةً بأن إثارة الموسيقى للعواطف على المستوى دون الشخصي مسؤولة جزئياً عن أوجه التشابه التي ندركها في الموسيقى.
يوجد طريقة بديلة لإثراء النظرة إلى العواطف الموسيقية يوصفها خصائص للموسيقى نفسها، وهي ما يُسمى بنظرية التعبير عن الشخصية، التي تُختبر بموجبها الموسيقى التعبيرية بوصفها تعبيراً عاطفياً عن شخصية خيالية (ليفينسون 2006). ويتجنب هذا المقترح الإشكالات الناتجة عن الوصف المحيّر لكائن غير واع من الناحية العاطفية، بافتراض أن الموسيقى هي التعبير العاطفي عن فرد خيالي.
لم تُبدِ الفلسفة التحليلية حتى الآن اهتماماً يُذكر بمسائل القيمة الموسيقية وعلاقة الموسيقى بالقضايا الأخلاقية والاجتماعية والسياسية. ويستحق روجر سكروتون (1944-2020) الذكر في هذا الصدد. يشترك عمله مع الفلسفة التحليلية في بعض مجالات الاهتمام الواسعة، لكنه عموماً عصي عن التصنيف. إن المناقشة المستمرة لمسائل مثل البعد الاجتماعي والثقافي للموسيقى والقيمة الموسيقية تجعل نهجه الإنساني منفصلاً عن كثير من الكتابات الفلسفية الأخرى بشأن الموسيقى في العالم الناطق باللغة الإنجليزية (انظر على وجه الخصوص سكروتون 1997).
المراجع
- Abrams, Meyer H., 1971, The Mirror and the Lamp: Romantic Theory and the Critical Tradition, Oxford: Oxford University Press.
- Adorno, Theodor W., 1949 [2006], Philosophie der neuen Musik, Tübingen: J.C.B. Mohr; translated as Philosophy of New Music, Robert Hullot-Kentor (trans.), Minneapolis, MN: University of Minnesota Press, 2006.
- –––, 1962 [1976], Einleitung in die Musiksoziologie: zwölf theoretische Vorlesungen, Frankfurt am Main: Suhrkamp; translated as Introduction to the Sociology of Music, E. B. Ashton (trans.), New York: Seabury Press, 1976.
- –––, 1970 [1997], Ästhetische Theorie, Frankfurt: Suhrkamp, 1970; translated as Aesthetic Theory, Robert Hullot-Kentor (trans.), Minneapolis, MN: University of Minnesota Press, 1997.
- Ahonen, Hanne, 2005, “Wittgenstein and the Conditions of Musical Communication”, Philosophy, 80(4): 513–529. doi:10.1017/S0031819105000446
- Alperson, Philip, 1981, “Schopenhauer and Musical Revelation”, The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 40(2): 155–166. doi:10.2307/430407
- Ambros, August Wilhelm, 1885, Die Grenzen der Musik und Poesie: Eine Studie zur Aesthetik der Tonkunst, Leipzig: Matthes.
- Arbo, Alessandro, 2009, “Some Remarks on ‘Hearing-as’ and Its Role in the Aesthetics of Music”, Topoi, 28(2): 97–107. doi:10.1007/s11245-009-9053-8
- Baugh, Bruce, 1990, “Left-Wing Elitism: Adorno on Popular Culture”, Philosophy and Literature, 14(1): 65–78. doi:10.1353/phl.1990.0054
- Beethoven, Ludvig van, 1961, The Letters of Beethoven, Emily Anderson (ed./trans.), London: Macmillan Press, 1961.
- Bloch, Ernst, 1918, Geist der Utopie, München : Duncker & Humblot; translated as The Spirit of Utopia, Anthony Nassar (trans.), Stanford, CA: Stanford University Press, 2000.
- –––, 1954–1959, Das Prinzip Hoffnung, three volumes, Frankfurt am Main: Suhrkamp Verlag; translated as The Principle of Hope Neville Plaice, Stephen Plaice, and Paul Knight (trans.), Cambridge, MA: The MIT Press.
- Bonds, Mark Evan, 2014, Absolute Music: The History of an Idea, New York: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199343638.001.0001
- Bowman, Wayne D., 1998, Philosophical Perspectives on Music, New York: Oxford University Press.
- Budd, Malcolm, 1985, Music and the Emotions: The Philosophical Theories, London/Boston: Routledge. doi:10.4324/9780203420218
- –––, 2008, “Wittgenstein on Aesthetics”, in his Aesthetic Essays, Oxford: Oxford University Press, pp. 252–277.
- Caplan, Ben and Carl Matheson, 2006, “Defending Musical Perdurantism”, The British Journal of Aesthetics, 46(1): 59–69. doi:10.1093/aesthj/ayj004
- Chua, Daniel K. L., 1999, Absolute Music and the Construction of Meaning, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511481697
- Clifton, Thomas, 1983, Music as Heard: A Study in Applied Phenomenology, New Haven, CT: Yale University Press.
- Conrad, Waldemar, 1908, “Der ästhetische Gegenstand. Eine phänomenologische Studie”, Zeitschrift für Ästhetik und allgemeine Kunstwissenschaft, 3: 71–118.
- Cooke, Deryck, 1959, The Language of Music, London: Oxford University Press.
- Currie, Gregory, 1989, An Ontology of Art, New York: St. Martin’s Press.
- Dahlhaus, Carl, 1978 [1989], Idee der absoluten Musik, München: Deutscher Taschenbuch-Verlag; translated as The Idea of Absolute Music, Roger Lustig (trans.), Chicago: University of Chicago Press, 1989.
- Darwin, Charles, 1871, The Descent of Man, and Selection in Relation to Sex, London: John Murray. [Darwin 1871 available online]
- –––, 1872, The Expression of Emotions in Man and Animals, London: John Murray. [Darwin 1872 available online]
- Davies, David, 2004, Art as Performance, Malden, MA: Blackwell. doi:10.1002/9780470774922
- –––, 2017, “Descriptivism and Its Discontents”, The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 75(2): 117–129. doi:10.1111/jaac.12348
- Davies, Stephen, 1980, “The Expression of Emotion in Music”, Mind, 89(353): 67–86. doi:10.1093/mind/LXXXIX.353.67
- –––, 1994, Musical Meaning and Expression, Ithaca, NY: Cornell University Press.
- –––, 2001, Musical Works and Performances: A Philosophical Exploration, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/0199241589.001.0001
- –––, 2020, “Works of Music: Approaches to the Ontology of Music from Analytic Philosophy”, Music Research Annual, 1: art. 4. [S. Davies 2020 available online]
- Dodd, Julian, 2007, Works of Music: An Essay in Ontology, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199284375.001.0001
- –––, 2013, “Adventures in the Metaontology of Art: Local Descriptivism, Artefacts and Dreamcatchers”, Philosophical Studies, 165(3): 1047–1068. doi:10.1007/s11098-012-9999-z
- Dyck, John, 2014, “Perfect Compliance in Musical History and Musical Ontology”, The British Journal of Aesthetics, 54(1): 31–47. doi:10.1093/aesthj/ayt036
- Fubini, Enrico, 1976, Estetica musicale dall’antichità al Settecento, Torino: G. Einaudi; translated in Fubini 1991.
- –––, 1987, Estetica musicale dal Settecento a oggi, expanded edition, Torino: G. Einaudi; translated in Fubini 1991. First edition in 1964.
- –––, 1991, The History of Music Aesthetics, Michael Hatwell (trans.), Houndmills, Basingstoke, Hampshire: Macmillan. Includes Fubini 1976 and 1987 in translation.
- –––, 1994, Music and Culture in Eighteenth-Century Europe: A Source Book, translated from the original sources by Wolfgang Freis, Lisa Gasbarrone, and Michael Louis Leone, translation edited by Bonnie J. Blackburn, Chicago: University of Chicago Press. Original Italian edition, Musica e cultura nel Settecento europeo, Torino: EDT, 1987.
- Gabriel, Clive, 1978, “An Experimental Study of Deryck Cooke’s Theory of Music and Meaning”, Psychology of Music, 6(1): 13–20. doi:10.1177/030573567861002
- Goehr, Lydia, 1992, The Imaginary Museum of Musical Works: An Essay in the Philosophy of Music, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/0198235410.001.0001
- Goodman, Nelson, 1968, Languages of Art: An Approach to a Theory of Symbols, Indianapolis, IN: Bobbs-Merrill.
- Gracyk, Theodore A., 1992, “Adorno, Jazz, and the Aesthetics of Popular Music”, The Musical Quarterly, 76(4): 526–542. doi:10.1093/mq/76.4.526
- Green, Mitchell S., 2007, Self-Expression, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199283781.001.0001
- Grey, Thomas S., 1995, Wagner’s Musical Prose: Texts and Contexts, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511470301
- Gurney, Edmund, 1880, The Power of Sound, London: Smith, Elder, & Co.
- –––, 1887, “The Psychology of Music”, in his Tertium Quid: Chapters on Various Disputed Questions, London: Kegan Paul, Trench, & Co, , Volume 2, pp. 251–302.
- Guter, Eran, 2020, “The Philosophical Significance of Wittgenstein’s Experiments on Rhythm, Cambridge 1912–13”, Estetika: The European Journal of Aesthetics, 57(1): 28–43. doi:10.33134/eeja.27
- Hagberg, Garry L., 2017, “Wittgenstein, Music, and the Philosophy of Culture”, in Wittgenstein on Aesthetic Understanding, Garry L. Hagberg (ed.), London: Palgrave Macmillan, pp. 61–95.
- Hall, Robert W., 1995, “Hanslick and Musical Expressiveness”, Journal of Aesthetic Education, 29(3): 85–92. doi:10.2307/3333543
- Hamilton, Andy, 2007, Aesthetics and Music, London: Continuum.
- Hanslick, Eduard, 1854 [2018], Vom Musikalisch-Schönen, Leipzig; translated in Eduard Hanslick’s “On the Musically Beautiful”: A New Translation, Lee Rothfarb and Christoph Landerer (trans.), New York: Oxford University Press, 2018; also translated in Hanslick 1986.
- –––, 1986, Eduard Hanslick: On the Musically Beautiful, Geoffrey Payzant (trans.), Indianapolis, IN: Hackett.
- Hegel, Georg W. F., 1835, Vorlesungen über die Ästhetik, Heinrich Gustav Hotho (ed.), Berlin: Duncker und Humblot; translated as Aesthetics: Lectures on Fine Art by G. W. F. Hegel, two volumes, T.M. Knox (trans.), Oxford: Clarendon Press, 1975.
- Higgins, Kathleen, 1986, “Nietzsche on Music”, Journal of the History of Ideas, 47(4): 663–672. doi:10.2307/2709725
- Hoffman, Ernst T. A., 1813, “Beethoven Instrumentalmusit”, Zeitung für die elegante Welt, December: cols 1953–1957; reprinted 1814 in his Fantasiestücke in Callot’s Manier, Bamberg; translated as “Beethoven’s Instrumental Music”, in Strunk 1950: 775–781.
- Horkheimer, Max and Theodor W. Adorno, 1947, Dialektik der Aufklärung, Amsterdam: Querido; translated as Dialectic of Enlightenment, Gunzelin Schmid Noerr (ed.), Edmund Jephcott (trans.), Stanford, CA: Stanford University Press, 2002.
- Hostinský, Ottokar, 1877, Das Musikalisch-Schöne und das Gesamtkunstwerk vom Standpuncte der formalen Aesthetik, Leipzig: Breitkopf.
- Husserl, Edmund, 1991, On the Phenomenology of the Consciousness of Internal Time (1893–1917), John B. Brough (ed./trans.), Dordrecht: Kluwer Academic Publishers.
- Ingarden, Roman, 1973 [1986], Utwór muzyczny i sprawa jego tożsamości, Krakow: Muzyczne; translated as The Work of Music and the Problem of its Identity, Adam Czemiawski (trans.), London: Macmillan, 1986.
- Jay, Martin, 1973, The Dialectical Imagination: A History of the Frankfurt School and the Institute of Social Research, 1923–1950, London: Heinemann.
- Johnson, Julian, 1991, “Music in Hegel’s Aesthetics: A Re-Evaluation”, The British Journal of Aesthetics, 31(2): 152–162. doi:10.1093/bjaesthetics/31.2.152
- Kania, Andrew, 2008, “The Methodology of Musical Ontology: Descriptivism and Its Implications”, The British Journal of Aesthetics, 48(4): 426–444. doi:10.1093/aesthj/ayn034
- –––, 2020, Philosophy of Western Music: A Contemporary Introduction, London: Routledge. doi:10.4324/9781315210629
- Karnes, Kevin C. and Andrew J. Mitchell, 2020, “Schopenhauer’s influence on Wagner”, in The Oxford Handbook of Schopenhauer, Robert L. Wicks (ed.), Oxford: Oxford University Press, pp. 517–534. doi:10.1093/oxfordhb/9780190660055.013.27
- Katz, Ruth and Carl Dahlhaus (eds.), 1993, Contemplating Music: Source Readings in the Aesthetics of Music, in four volumes, Stuyvesant: Pendragon Press.
- Kenny, Anthony, 1963, Action, Emotion and Will, London: Routledge. Second edition, 2003. doi:10.4324/9780203711460
- Killin, Anton, 2018, “Fictionalism about Musical Works”, Canadian Journal of Philosophy, 48(2): 266–291. doi:10.1080/00455091.2017.1357993
- Kivy, Peter, 1959, “Charles Darwin on Music”, Journal of the American Musicological Society, 12(1): 42–48. doi:10.2307/829516
- –––, 1983a, “Platonism in Music: A Kind of Defense”, Grazer Philosophische Studien, 19(1): 109–129.
- –––, 1983b, “Platonism in Music: Another Kind of Defense”, American Philosophical Quarterly, 24(3): 245–252.
- –––, 1989, Sound Sentiment: An Essay on the Musical Emotions, including the Complete Text of The Corded Shell, Philadelphia, PA: Temple University Press.
- –––, 1990a, Music Alone: Philosophical Reflections on the Purely Musical Experience, Ithaca, NY: Cornell University Press.
- –––, 1990b, “What Was Hanslick Denying?”, Journal of Musicology, 8(1): 3–18. doi:10.2307/763521
- Korstvedt, Benjamin M., 2010, Listening for Utopia in Ernst Bloch’s Musical Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
- Landerer, Christoph and Nick Zangwill, 2017, “Hanslick’s Deleted Ending”, The British Journal of Aesthetics, 57(1): 85–95. doi:10.1093/aesthj/ayw056
- Langer, Susanne K., 1942, Philosophy in a New Key: A Study in the Symbolism of Reason, Rite, and Art, Cambridge, MA: Harvard University Press; reprinted New York: New American Library, 1954.
- Le Huray, Peter and James Day, 1981, Music and Aesthetics in the Eighteenth and Early-Nineteenth Centuries, Cambridge: Cambridge University Press.
- Levinson, Jerrold, 1980, “What a Musical Work Is”, The Journal of Philosophy, 77(1): 5–28. doi:10.2307/2025596
- –––, 1997, Music in the Moment, Ithaca, NY: Cornell University Press.
- –––, 2006, “Musical Expressiveness as Hearability-as-Expression”, in his Contemplating Art: Essays in Aesthetics, Oxford: Oxford University Press, pp. 91–108.
- Lewis, Peter B., 1977, “Wittgenstein on Words and Music”, The British Journal of Aesthetics, 17(2): 111–121. doi:10.1093/bjaesthetics/17.2.111
- Lippman, Edward A., 1990, Musical Aesthetics: A Historical Reader, in three volumes, New York: Pendragon Press.
- –––, 1992, A History of Western Musical Aesthetics, Lincoln: University of Nebraska Press.
- Magee, Bryan, 1997, The Philosophy of Schopenhauer, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/0198237227.001.0001
- –––, 2000, Wagner and Philosophy, London: Penguin Books.
- Malcolm, Alexander, 1721, A Treatise of Musick, Speculative, Practical, and Historical, Edinburgh: Printed for the Author.
- Martinelli, Riccardo, 2012 [2019], I Filosofi e la musica, Bologna: I mulino; translated as Philosophy of Music: A History, Sarah De Sanctis (trans.), Berlin/Boston: De Gruyter. doi:10.1515/9783110627411
- Matravers, Derek, 1998, Art and Emotion, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199243167.001.0001
- –––, 2007, “Musical Expressiveness”, Philosophy Compass, 2(3): 373–379. doi:10.1111/j.1747-9991.2007.00078.x
- Meyer, Leonard B., 1956, Emotion and Meaning in Music, Chicago: University of Chicago Press.
- Miller, Geoffrey, 2001, The Mating Mind: How Sexual Choice Shaped the Evolution of Human Nature, New York: Anchor Books.
- Mitscherling, Jeffrey Anthony, 1997, Roman Ingarden’s Ontology and Aesthetics, Ottawa: University of Ottawa Press.
- Moland, Lydia L., 2019, Hegel’s Aesthetics: The Art of Idealism, New York: Oxford University Press. doi:10.1093/oso/9780190847326.001.0001
- Nägeli, Hans-Georg, 1826, Vorlesungen über Musik mit Berücksichtigung der Dilettanten, Stuttgart.
- Nietzsche, Friedrich, 1872, Die Geburt der Tragödie aus dem Geiste der Musik, Leipzig: E. W. Fritzsch; translated as “The Birth of Tragedy”, in Nietzsche: The Birth of Tragedy and Other Writings, Raymond Geuss, and Ronald Speirs (eds.), Ronald Speirs (trans.), Cambridge: Cambridge University Press, 1999.
- –––, 1878 [1996], Menschliches, Allzumenschliches: Ein Buch für freie Geister, Chemnitz: Ernst Schmeitzner; translated as Human, All Too Human: A Book for Free Spirits, R. J. Hollingdale (trans.), Cambridge: Cambridge University Press, 1996.
- –––, 1886, Jenseits von Gut und Böse: Vorspiel einer Philosophie der Zukunft, Leipzig; translated as Beyond Good and Evil: Prelude to a Philosophy of the Future, Rolf-Peter Horstmann (ed.) and Judith Norman (ed./trans.), Cambridge: Cambridge University Press, 2001.
- Nussbaum, Charles O., 2007, The Musical Representation: Meaning, Ontology, and Emotion, Cambridge, MA: MIT Press.
- Paddison, Max, 1993, Adorno’s Aesthetics of Music, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511549441
- Pederson, Sanna, 2009, “Defining the Term ‘Absolute Music’ Historically”, Music & Letters, 90(2): 240–262. doi:10.1093/ml/gcp009
- Prange, Martine, 2013, Nietzsche, Wagner, Europe, Berlin: De Gruyter. doi:10.1515/9783110315233
- Pratt, Carroll C., 1954, “The Design of Music”, The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 12(3): 289–300. doi:10.2307/426972
- Predelli, Stefano, 1999, “Goodman and the Wrong Note Paradox”, The British Journal of Aesthetics, 39(4): 364–375. doi:10.1093/bjaesthetics/39.4.364
- –––, 2001, “Musical Ontology and the Argument From Creation”, The British Journal of Aesthetics, 41(3): 279–292. doi:10.1093/bjaesthetics/41.3.279
- Ravignani, Andrea, 2018, “Darwin, Sexual Selection, and the Origins of Music”, Trends in Ecology & Evolution, 33(10): 716–719. doi:10.1016/j.tree.2018.07.006
- Ridley, Aaron, 2007, Routledge Philosophy Guidebook to Nietzsche on Art and Literature, London: Routledge. doi:10.4324/9780203964859
- Robinson, Jenefer, 2005, Deeper Than Reason: Emotion and Its Role in Literature, Music, and Art, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/0199263655.001.0001
- Roholt, Tiger, 2017, “On the Divide: Analytic and Continental Philosophy of Music”, The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 75(1): 49–58. doi:10.1111/jaac.12331
- Schelling, Friedrich W. J., 1859, Philosophie der Kunst, Darmstadt: Wissenschaftliche Buchgesellschaft; translated as The Philosophy of Art, Douglas W. Stott (trans./ed.), Minneapolis, MN: University of Minnesota Press, 1989.
- Schopenhauer, Arthur, 1819, Die Welt als Wille und Vorstellung, Leipzig; translated as Schopenhauer: The World as Will and Representation, Christopher Janaway (ed.), Judith Norman and Alistair Welchman (eds/trans.), Cambridge: Cambridge University Press, 2010. doi:10.1017/CBO9780511780943
- –––, 1851, Parerga und Paralipomena, Berlin; translated as Schopenhauer: Parerga and Paralipomena: Short Philosophical Essays, Volume 2, Adrian Del Caro (ed./trans.) and Christopher Janaway (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, 2015. doi:10.1017/CBO9781139016889
- Schutz, Alfred, 1951, “Making Music Together: A Study in Social Relationship”, Social Research, 18(1): 76–97.
- –––, 1976 [1996], “Fragments Toward a Phenomenology of Music”, Fred Kerstein (ed.) in In Search of a Musical Method, F. J. Smith (ed.), London: Gordan and Breach Science Publishers, pp. 5–72. Originally written 1944; reprinted in Schutz 1996: 243–275.
- –––, 1996, Collected Papers: Volume IV, Dordrecht: Springer.
- Scruton, Roger, 1997, The Aesthetics of Music, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/019816727X.001.0001
- Sorgner, Stefan Lorenz, 2003 [2010], “Nietzsche”, in Sorgner and Fürbeth 2003 [2010: 141–163].
- Sorgner, Stefan Lorenz and Oliver Fürbeth (eds.) 2003 [2010], Musik in der deutschen Philosophie. Eine Einführung, Stuttgart: J. B. Mezlersche; translated as Music in German Philosophy, Susan H. Gillespie (trans.), Chicago: The University of Chicago Press.
- Sousa, Tiago, 2017, “Was Hanslick a Closet Schopenhauerian?”, The British Journal of Aesthetics, 57(2): 211–229. doi:10.1093/aesthj/ayx008
- Spencer, Herbert, 1857, “The Origin and Function of Music”, Fraser’s Magazine, October; reprinted in The Routledge Reader on the Sociology of Music, John Shepherd and Kyle Devine (eds.), New York; London: Routledge, 2015, pp. 27–33.
- –––, 1890, “The Origin of Music”, Mind, old series 15(60) : 449–468. doi:10.1093/mind/os-XV.60.449
- Stecker, Robert, 2009, “Methodological Questions about the Ontology of Music”, The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 67(4): 375–386. doi:10.1111/j.1540-6245.2009.01367.x
- Strunk, Oliver, 1950, Source Readings in Music History: From Classical Antiquity through the Romantic Era, New York: Norton & Company.
- Szabados, Béla, 2006, “Wittgenstein and Musical Formalism”, Philosophy, 81(4): 649–658. doi:10.1017/S0031819106318062
- –––, 2014, Wittgenstein as Philosophical Tone-poet: Philosophy and Music in Dialogue, Amsterdam: Rodopi.
- Tormey, Alan, 1971, The Concept of Expression: A Study in Philosophical Psychology and Aesthetics, Princeton, NJ: Princeton University Press.
- Vidal, Francesca, 2003 [2010], “Bloch”, in Sorgner and Fürbeth 2003 [2010: 165–186].
- Wackenroder, Wilhelm Heinrich, 1797 [1950], Herzensergiessungen eines kunstliebenden Klosterbruders, Berlin: Johann Friedrich Unger. Extract translated as “The Remarkable Musical Life of the Musician Joseph Berglinger”, in Strunk 1950: 750–763.
- –––, 1799, Phantasien über die Kunst für Freunde der Kunst, Ludwig Tieck (ed.), Hamburg: Perthes.
- Wagner, Richard, 1849a [1892], “Die Kunst und die Revolution”, Leipzig; translated as “Art and Revolution”, in Wagner 1892: volume 1, pp. 21–65.
- –––, 1849b [1892], “Das Kunstwerk der Zukunft”, Leipzig; translated as “The Artwork of the Future”, in Wagner 1892: volume 1, pp. 69–213.
- –––, 1852a [1892], “Eine Mitteilung an meine Freunde”; translated as “A Communication to my Friends”, in Wagner 1892: volume 1, pp. 267–392.
- –––, 1852b [1893], Oper und Drama, Leipzig: Weber; translated as Opera and Drama, in Wagner 1893: volume 2.
- –––, 1870 [1896], Beethoven, Leipzig: E. W. Fritzsch; translated in Wagner 1896: volume 5, pp. 61–126.
- –––, 1871 [1896], “Über die Bestimmung der Oper”, Leipzig: E. W. Fritzsch; translated as The Destiny of Opera in Wagner 1896: volume 5, pp. 131–155.
- –––, 1892–1912, Richard Wagner’s Prose Works, in 8 volumes, William Ashton Ellis (trans.), London: Kegan Paul.
- 1892, Volume 1, The Art-Work of the Future, etc.
- 1893, Volume 2, Opera and Drama
- 1894, Volume 3, The Theatre
- 1895, Volume 4, Art and Politics
- 1896, Volume 5, Actors and Singers
- 1897, Volume 6, Religion and Art
- 1898, Volume 7, In Paris and Dresden
- 1899, Volume 8, Posthumous, etc.
- Webster, William E., 1971, “Music Is Not a ‘Notational System’”, The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 29(4): 489–497. doi:10.2307/429194
- Wicks, Robert L., 2008, Schopenhauer, Malden, MA: Blackwell.
- Wilfing, Alexander, 2016, “Tonally Moving Forms: Peter Kivy and Hanslick’s ‘Enhanced Formalism’”, Principia, 63: 5–35.
- –––, 2018, “Hanslick, Kant, and the Origins of Vom Musikalisch-Schönen”, Musicologica Austriaca, 2018-06-18. [Wilfing 2016 Available online].
- Witkin, Robert W., 1998, Adorno on Music, London/New York, Routledge. doi:10.4324/9781315006048
- Wittgenstein, Ludwig, 1921, “Logisch-Philosophische Abhandlung”, Annalen der Naturphilosophische, XIV (3/4); translated as Tractatus Logico-Philosophicus, C. K. Ogden (trans.), London: Routledge & Kegan Paul, 1922.
- –––, 1953, Philosophical Investigations, G. E. M. Anscombe (trans.), London: Macmillan; revised fourth edition by P. M. S. Hacker and J. Schulte (eds), Oxford: Blackwell, 2009.
- –––, 1966, Lectures and Conversations on Aesthetics, Psychology and Religious Belief: Compiled from Notes taken by Yorick Smythies, Rush Rhees and James Taylor, Cyril Barrett (ed.), Oxford: Blackwell.
- –––, 1967, Zettel, G. E. M. Anscombe and G. H. von Wright (eds.), G. E. M. Anscombe (trans.), Oxford: Basel Blackwell. Fragments of Wittgenstein writings from about 1929 until 1948.
- –––, 1974, Philosophical Grammar, Rush Rhees (ed.), Anthony Kenny (trans.), Oxford: Blackwell, 1974; originally written during the years 1931 through 1934.
- –––, 1977 [1998], Vermischte Bemerkungen, Georg Henrik von Wright (ed.), Frankfurt am Main: Suhrkamp Verlag; translated as Culture and Value, Peter Winch (trans.), Oxford: Blackwell, 1980; revised and expanded German edition in 1994 which was translated, Peter Winch (trans.), in 1998, Oxford: Blackwell.
- Worth, Sarah E., 1997, “Wittgenstein’s Musical Understanding”, The British Journal of Aesthetics, 37(2): 158–167. doi:10.1093/bjaesthetics/37.2.158
- Young, Julian, 1992, Nietzsche’s Philosophy of Art, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511586316
- –––, 2014, The Philosophies of Richard Wagner, Lanham, MD: Lexington Books.
- Young, James O., 2020, “Kant’s Musical Antiformalism”, The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 78(2): 171–182. doi:10.1111/jaac.12712
- –––, forthcoming, History of Western Philosophy of Music, Cambridge: Cambridge University Press.
- Zabel, Gary, 1990, “Ernst Bloch and the Utopian Dimension in Music”, The Musical Times, 131(1764): 82–84. doi:10.2307/966394
- Zangwill, Nick, 2012, “Listening to Music Together”, The British Journal of Aesthetics, 52(4): 379–389. doi:10.1093/aesthj/ays038
أدوات أكاديمية
How to cite this entry. Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO). Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.
مراجع أخرى على الإنترنت
[يرجى التواصل مع المؤلف للاقتراحات.]
مداخل ذات صلة
Adorno, Theodor W. | aesthetics: 19th Century Romantic | Goodman, Nelson: aesthetics | Hegel, Georg Wilhelm Friedrich: aesthetics | Ingarden, Roman | music, philosophy of | music: history of western philosophy of, antiquity to 1800 | Nietzsche, Friedrich: aesthetics | ontology of art, history of | Schelling, Friedrich Wilhelm Joseph von | Schopenhauer, Arthur: aesthetics | Schutz, Alfred | Spencer, Herbert | Wittgenstein, Ludwig: aesthetics
شكر وتقدير
نتقدم بالشكر الجزيل لستيفن ديفيز، وأندرو كانيا، وجيمس أو. يونغ، ولمراجع مجهول الهوية، على تعليقاتهم المفيدة على مسودة هذه المشاركة.



