مجلة حكمة
ملاحظة قبل قراءة القصائد هايدغر

ملاحظة قبل قراءة قصائد – مارتن هايدغر / ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي


ملاحظة قبل قراءة قصائد

أسمح لنفسي بهاته الملاحظة التمهيدية كمستمع من بين المستمعين. وهي ترمي إلى الإشارة إلى الكيفية التي ينبغي أن نصيخ بها السمع.

فما عسى، في هذا العالم المهتز، يستحق أن يطرح موضع سؤال أكثر من القصيد؟

ولكن، أليس من قبيل المغامرة، في زمن تسقط فيه فضاءات الكائنات البشرية في هوة الخلط والتشويش، الخوض في قراءة عمومية، وإلى حد ما اعتباطية، لبعض القصائد!؟

ومع ذلك فالإنسان، كما يقول هولدرلين، شاعرا، يسكن هاته الأرض.

حتى الوجود وسيادة التقنية يستمدان حياتهما من حقيقة هذا الكلام.

إلى أي حد يسكن الإنسان شاعرا؟

إذا كان يسكن على هذا النحو فلأنه يتكلم.

كيف يتكلم الإنسان؟ إنه يتكلم من حيث إنه يستجيب للغة. ذلك لأن اللغة، على وجه الدقة،هي التي تتكلم. والناس لا يتكلمون قط إلا من حيث إنهم يستجيبون، أي من حيث إنهم يودعون وجودهم للكلام الذي يأتيهم من اللغة.

لكن، كيف تتكلم اللغة؟ إنها تتكلم أصلا وتتحقق في الشعر. بيد أن الشعر ليس هو الأشعار. النثر أيضا شعر. ليس كلام النثر نثريا. لذلك فإن النثر الحق نادر ندرة الشعر الرائع.

لكن، ما سبيلنا إلى إنقاذ القصيدة الشعرية من فقرها إلى موطن؟ هل في استطاعتنا أن نحرر الشعري من هذه الوضاعة؟

ولكن أين تكمن وضاعة الشعر؟

إنها تتجلى في التأليف الأدبي، تتجلى في الأدب. إن كتابة القصيدة تفرض على قول الشعر، مسبقا، شكل المكتوب. والمكتوب بدوره يدعو إلى مجرد قراءة قراء مبعثرين لا تجمعهم أية رابطة. حينئذ لا يغدو ما يقوله الشعر سوى موضوع للقراءة. فلا يعود نشيدا وغناء. اللهم إن تأتى أن يكون القارئ هو الشاعر نفسه. فلا يكون حينئذ إلا نبرة من النبرات التي يسمح الشعر بقولها.

علينا إذن أن نحرر الشعر من (عبودية) الأدب.

مجلة الجابري – العدد الثامن