مجلة حكمة
مفهوم الجوهر ابن رشد

مفهوم الجوهر في علم ما بعد الطبيعة عند ابن رشد من خلال: مقالة “الزاي” من تفسير ما بعد الطبيعة – زريوحي صديق


1 – مفهوم الجوهر في تاريخ الفلسفة:

بالرغم من أن مفهوم الجوهر له علاقة بأكثر من مجال معرفي واحد، إذ أنه يضرب بجذوره في المنطق، والعلم الطبيعي إلا أنه في ما بعد الطبيعة يكتسي أهمية خاصة، لأن ما بعد الطبيعة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الجوهر والعرض القوة والفعل، الواحد والكثرة “إن كون الشيء جوهرا أو عرضا هي القسمة الأولى التي ينقسم بها الوجود بما هو موجود…”(1) لذا فإن أرسطو خص هذا المفهوم بمجموعة من المقالات يمكن تسميتها” بمقالات الجوهر” استهلها بمقالة “الزاي” وهذه المقالة هي أول مقالة ابتدأ يفحص فيها عن الجوهر…(2).

لقد كان أرسطو كما يشير إلى ذلك ابن رشد واعيا بأهمية هذا المفهوم حيث اعتبره مسألة المسائل، والتي هيمنت على تاريخ الفلسفة كله إذ قد طرحها الفلاسفة السابقون عليه جميعا بدءا من طاليس، وانتهاء بـ أفلاطون لكن مع ذلك لم يقل فيها أحد منهم قولا برهانيا، ولم يصلوا إلى إدراك حقيقة الجوهر، بمعنى أنهم لم يتوصلوا إلى معرفة (الشيء الذي هو ماهية هذا الجوهر(3) فالموضوع الأساسي الذي شغل بال الفلاسفة هو: ما هو الوجود؟ ولما كان المعنى الأساسي والأولي للوجود هو عندما يعني “ما يوجد” أي عندما يعني الجوهر، فإن السؤال يصبح إذا ما هو الجوهر؟ هذا الجوهر الذي يؤكد بعض الفلاسفة (الايليون) إنه واحد، بينما يقول آخرون (الذريون) بأنه كثرة، تلك الكثرة التي هي بالنسبة للبعض متناهية ومحدودة العدد، وبالنسبة للبعض الآخر غير متناهية. “أما الجوهر فمن الناس من قال أنه واحد، ومنهم من قال إنه أكثر من واحد، ومنهم من قال أنها أشياء متناهية ومنهم من قال أنها غير متناهية”(4). والشيء الذي يجمع بين هؤلاء حسب ابن رشد، وذلك بالرغم من اختلافهم، هو كونهم جميعا ينزعون منزعا طبيعيا مما جعلهم “لم يشعروا من الأسباب الأربعة إلا بالمبادئ الهيولانية فقط…” بينما أرسطو سينحو منحى مخالفا هو البحث عن الصورة الأولى لجميع الموجودات والغاية الأخيرة، لأن كل موجود يملك صورته الخاصة والتي بفضلها يوجد كوحدة أنطولوجية متميزة مكتفية بذاتها.

ففي النهاية يجب أن نرجع إلى الصورة إذا كنا نريد أن نكتشف المبدأ الرفيع الذي بموجبه يكون الجوهر على ما هو عليه: “ولما كان من المعروف بنفسه أن أشخاص الجوهر موجودة وجواهر، فقد ينبغي أن نجعل طلبنا الجوهر الذي هو جوهر أول لهذه الجواهر وعلة لها”(5). فمما لا شك فيه أن تحديد ماهية أي وجود مادي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مادته، فالإنسان مثلا يتحدد كحيوان، إذن كجسم حي لكن هذا الجسم هو بدوره لا يتحدد إلا بالروح التي هي الصورة، وإذا فإن ماهية أو صورة كل موجود تبقى هي الجذر الرفيع لجوهريته(6) ولعل هذا هو ما يكشف عنه هذا السؤال الذي يطرحه ابن رشد بعد الإشارة إلى السياق التاريخي الذي تمت فيه مناقشة مشكلة الجوهر. “وبالجملة فيجب أن نفحص هل هاهنا جوهر ما مفارق للمحسوسات، وإن كان فلم وجد، وكيف وجوده أم ليس ها هنا جوهرا أصلا غير الجواهر المحسوسة”(7).

 

2 – الجوهر في علم ما بعد الطبيعة:

في مستهل مقالة الزاي يذكر ابن رشد بما جاء في مقالة الدال حول معاني الوجود حيث أن اسم الوجود منه ما يدل على ماهية الجوهر المشار إليه وعلى الجوهر المشار إليه بنفسه (الجوهر المشار إليه وماهيته) ومنه ما يدل على أعراض الجوهر التي هي المقولات التسع، ولما كان اسم الوجود من الأسماء التي تستعمل بتقديم وتأخير فهو يدل أولا وبإطلاق وتقديم على مقولة الجوهر ويدل بتقديم وتأخير على مقولات الأعراض يقول ابن رشد: “وإذ قد تبين أن اسم الوجود يقال على أجناس المقولات، فبين أن الأول الذي ينطلق عليه من هذه، اسم الموجود والهوية بإطلاق هو الشيء الذي يجاب به في جواب ما هو هذا الشخص المشار إليه القائم بذاته، وهذا السؤال هو سؤال عن الجوهر ودليل عليه…”(8) وهكذا يعمل ابن رشد منذ البداية على استبعاد الأعراض فهي لا تستحق اسم الجوهر لأنها ليست حقيقة موجودات، بل هي موجودة في الموضوع وليست موجودة أو قائمة بذاتها، كما أنها لا تستطيع أن توجد في استقلال عن موجود آخر بمعنى أنها لا يمكن أن تفارق الجوهر والموجود، فالأمر يتعلق هنا بأشياء محرومة ومجردة من وجودها الخاص، ولا تملك أي وجود آخر غير وجود الموضوع الذي توجد فيه، فحقيقتها هي حقيقته وهذه الأشياء هي كيفيات الأجسام المادية، وأبعادها، وألوانها، فاللون أو الرائحة مثلا ليس لها وجود مستقل عن الموضوع الذي توجد فيه ولأجل ذلك فهي تسمى أعراضا للموضوع.

ولبيان الفرق بين الجوهر والعرض يورد ابن رشد مثالا ملموسا، فحينما نقول عن موجود بأنه أبيض فإننا نعني بأن البياض موجود في هذا الموجود أي قائم في موضوع، أما حينما أقول بأن موجودا ما إنسان، فإننا لا نتحدث عن شيء خارج عن ذاته، فالإنسان ليس خاصة فيزيائية يمكن ملاحظتها في بعض الموضوعات، بل هي حقيقة حاضرة موجودة هناك، وماثلة أمامنا، وباختصار فالجوهر هو الوجود بالحقيقة كما يقول ابن رشد.

أكيد أن الجوهر هو أول المقولات، بل هو علة سائر المقولات، فأية مقولة من المقولات لا يمكن أن تعرف إذا لم نعرف الجوهر “والجوهر هو أول جميع الأشياء بالحد، والمعرفة، والزمان”(9) الجوهر متقدم بالحد على الأعراض لأنه يؤخذ في حدها، فالجوهر متضمن في كل تعريف يقدم للأعراض. يقول ابن رشد: “وإنما قلنا إن الجوهر متقدم بالحد على الأعراض لأنه مضطر أن يؤخذ الجوهر في حد كل واحد من الأعراض وإنما كان ذلك كذلك لأن أجزاء الحدود هي التي بها قوام الشيء، ولما كانت الأعراض إنما قوامها بالجواهر وجب أن تؤخذ في حدودها…”(10) والجوهر متقدم أيضا على الأعراض بالمعرفة، بل بدونه تستحيل المعرفة، يقول ابن رشد: “والدليل على أن الجوهر عندنا أعرف عن الأعراض، أعني كلياته من كليات الأعراض أن معرفتنا بشخص الجوهر المشار إليه تكون بكلياته الجوهرية من معرفتنا إياه بكليات الأعراض”(11) وأخيرا الجوهر متقدم على الأعراض بالزمان ” وإنما كان الجوهر متقدما بالزمان لأنه إذا كان العرض متأخرا حدوثه عن الجسم الذي هو فيه، فبين أن ذلك الجسم متقدم عليه في الزمان وإن كان من الأعراض الغير المفارقة للشيء الذي يحدث فيه فإن الجوهر الموضوع سيكون ذاك الشيء هو متقدم على ذلك الشيء وعلى الأعراض اللازمة له…”(12) وباختصار فإن ماهيات الجواهر متقدمة على سائر الموجودات وعلة لها”(13) إذا كان الجوهر متقدما على سائر المقولات، يبقى السؤال الآن ما المقصود بالجوهر وما هي خصائصه الأنطولوجية؟

3 – معاني الجوهر:

1 – الجوهر بمعنى الموضوع:

هذا النوع من الجوهر أشار إليه ابن رشد في مواضيع مختلفة، ولم يهمله أي تصنيف من التصنيفات التي قدمها ابن رشد لمعاني الجوهر، فقد أشار إليه في كتاب المقولات “والموجودات منها ما يحمل على الموضوع، وليس في موضوع (…) وهذا هو الجوهر العام. مثل الحيوان والإنسان”(14) وأشار إليه في “تلخيص ما بعد الطبيعة” “الجوهر يقال أولا وأشهر ذلك على المشار إليه الذي ليس هو في موضوع. ولا على موضوع أصلا…”(15). أما في “تفسير ما بعد الطبيعة”. فقد أورده في مقالة الدال. “الذي يقال على شيء ولا في شيء”(16) وفي مقالة الزاي” والرابع من هذه المعاني الجوهر الموضوع يعني به شخص الجوهر(…) وهذا هو الذي تحمل عليه سائر الأشياء ولا يحمل على شيء أصلا…”(17)

بالرغم من التحديد النسبي الذي تحمله مقالة الزاي خاصة وأنها هي التي تحصر أنواع الجوهر في أربعة مشهورة: الموضوع/الماهية/الكلي/الجنس، فإن هذا الاستعمال لكلمة الجوهر أي استعمالها بمعنى الموضوع يبقى غامضا لأن الجوهر بمعنى الموضوع قد يعني المادة، أو الصورة، أو المركب منها. يقول ابن رشد: “والجوهر يقال على الهيولى بجهة ما. وعلى الصورة أيضا بجهة أخرى، وعلى المجموع منهما بجهة ثالثة…”(18) مما قد يؤدي إلى طرح مثل هذا السؤال: أيهما أكثر جوهرية، وبالتالي أحق باسم الجوهر؟

أ – المادة:

بالرغم من الاختلاف الذي وقع بين الناس حول مفهوم الجوهر، فإنهم مع ذلك يعترفون جميعا بجوهرية المادة. وأنها أولى باسم الجوهر” أما أمر المادة فمقر به عند الجميع إنها جوهر وإن كانوا اختلفوا في ماهيتها…”(19) ويرجع هذا الاتفاق إلى سببين، أحدهما أن الهيولى هي علة شخص الجوهر المحسوس لأنها إذا ارتفعت هي ارتفعت سائر الأشياء الأخرى والسبب الآخر هو أنه لما كان الجسم جوهرا ولم يكن شيئا آخر غير الهيولى والأبعاد الثلاثة(20)، ولما كانت الأبعاد ليست جواهر،… فالواجب أن يكون الجسم إنما صار جسما بالهيولى، لأن ما صار به الجوهر جوهرا فهو جوهر، وباختصار فإن الحس المشترك يدلنا على أن الهيولى هي وحدها جوهر شخص الجوهر المحسوس والمشار إليه، لكن ما المقصود بالمادة وما هي دلالتها الأنطولوجية؟ يميز ابن رشد في المادة بين نوعين(21).

1 – المادة الأولى أو الموضوع الأقصى(22)، وهي التي توجد بالقوة وليس فيها شيء من الفعل أصلا ولا تختص بصورة دون أخرى بل هي بالقوة والإمكان جميع الصور.

2 – المادة الخاصة لموجود موجود، وهي التي توجد بالفعل وتختص بالصورة. يقول ابن رشد: “المواد صنفان: صنف موضوع للتغير الذي يكون في الجوهر وهو أخص باسم المادة، وصنف موضوع لسائر التغاير الآخر، وهذا يخص في الأكثر باسم الموضوع”(23).

ويميز أيضا بين المادة المحسوسة: مواد الأمور الطبيعية، والمادة المتوهمة والمعقولة: مواد الأشياء التعاليمية(24).

ولكي يرفع ابن رشد هذا الالتباس يشير إلى أن الهيولى المقصودة هنا هي الشيء الموجود بذاته(25) مما يدل على أن الجوهر المقصود هو الجوهر المحسوس المعطى في التجربة، أي القائم بذاته ويملك وجودا ماديا وواقعيا في العالم الخارجي.

لما كان الهدف من البحث في الجوهر في علم ما بعد الطبيعة هو معرفة الصورة الأولى لجميع الموجودات، والغاية الأخيرة. فإن البحث يجب أن لا يقف عند حدود الجوهر الهيولاني، لأن من المآخذ التي يأخذها أرسطو على السابقين عليه هو وقوفهم عند المبادئ الهيولانية فقط لذلك يرى أنه من الضروريأن نبحث عن الجوهر الذي هو أول لهذه الجواهر وعلة لها أي الجواهر المادية المحسوسة وهو الصورة.

ب – الصورة:

إن الهيولى لا يمكن أن تكون وحدها هي الجوهر، لأن هذا المعنى ليس معنى فلسفيا، بل معنى مشهورا. فالهيولى كما يقول ابن رشد “أعرف في الجوهرية من الصورة في بادئ الرأي(26) بمعنى أن الطبيعة الملموسة للجوهر معروفة أو على الأقل معروفة بالنسبة لنا لأنها معطاة لنا في الإدراك المباشر.

أما التحليل الفلسفي فيكشف في الجوهر المحسوس ثنائية المادة والصورة ومن هذه الجهة وخاصة في الصورة يجب البحث عن المعقولية الحقيقية والملازمة للجوهر، ولهذا فإن التحليل سيتركز على الجوهر بمعنى الصورة.

إن الصورة أحق باسم الجوهر من المادة ومن المركب من المادة والصورة لأنها متقدمة عليهما. يقول ابن رشد: “فإن كانت الصورة متقدمة في الوجود على الهيولى، وأكثر في باب الهوية لكون الهيولى موجودة بالقوة، والصورة موجودة بالفعل، فإنها تكون متقدمة أيضا على المركب من كليهما. لأن المركب إنما يكون موجودا بالفعل من قبل الصورة (…) فالصورة أحق باسم الجوهرية من المركب”(27).

إن الصورة هي ما نراه من الشيء أي ما هو أكثر وضوحا، وهي كذلك ما يعبر عنه، ويظهر بشكل مباشر في القول. فصورة الشيء هي ما يمكن إثباته في تعريفه وتحديده. يقول ابن رشد: “ولذلك يظن أن الصورة أيضا جوهر إذ كانت هي الماهية التي يدل عليها الحد…”(28) فالحد يرتكز مباشرة على الصورة التي هي واحدة بالنسبة لجميع الأفراد الذين يندرجون تحت نوع واحد. فالصورة إذن هي المبدأ الذي به يكون الجوهر على ما هو عليه، وهذا ما تؤكده اللغة أيضا فحينما نتساءل: “ما هو هذا الشيء” نجيب عن طريق تحديد صورته فتعريف الشيء يتم بماهيته وصورته كما سيتبين لنا ذلك فيما بعد من خلال مناقشة علاقة الماهية بالحد في تعريف الجوهر، إذ أن الجوهر محدد من طرف الماهية ومعبر عنه بالحد.

ج – المركب من المادة والصورة:

إن هذا المعنى من الجوهر هو الذي تعطيه مقالة الدال وتضعه على رأس قائمة المعاني التي يقال عليها اسم الجوهر، حيث يدل هذا الاسم هناك على الأجسام البسيطة، وكذلك على الأجسام المشتقة منها، بل وحتى على أجزاء هذه الأجسام، وباختصار كل ما يوجد على الأرض وفي السماء “والجوهر يقال على جميع الأجسام البسيطة مثل الماء، والنار، والهواء، والأرض، ويقال على الأجسام التي تركب مثل هذه، مثل المعادن، والنبات، والحيوان، وأعضاء جميع هذه يقال فيها إنها جواهر…”(29) لكن في الحقيقة أن اسم الجوهر لم يطلق على هذا النوع من الوجود إلا لكونه مركبا من جوهرين: المادة والصورة” والمركب جوهر من قبل أنه مركب منهما…”(30). وإذا فإن المادة والصورة أحق باسم الجوهر منه. يقول ابن رشد “إذا كانت الصورة متقدمة على المركب من المادة والصورة، وكان المركب جوهرا فالصورة أحق باسم الجوهرية من المركب…”(31) ولهذا نجد ابن رشد يستثني في الأخير هذا المعنى ويستبعده فيقول “فلنترك الفحص عن الجوهر المركب من الهيولى والصورة(…) لأنه جوهر متأخر عن الجوهرين اللذين منهما تركب، والفحص إنما هو عن علل الأشياء لا عن المعلولات…”(32)

2 – الجوهر بمعنى الماهية:

من بين التعريفات الكثيرة التي قدمت للجوهر، هناك التعريف المنطقي وهو أن الجوهر هو الذي يجاب به في جواب ما هذا الشيء، وهنا يصبح الجوهر هو الذي يدل على انية الشيء والذي هو الحد. يقول ابن رشد: “وإذ قد فصلنا قبل ذلك على كم نوع يقال الجوهر، وقلنا إن أحدها هو الذي يجاب به في جواب ما هو هذا الشخص المشار إليه الذي يعطي وجوده، فلننظر في هذا الجوهر الذي يدل عليه الحد ما هو…”(33) إن هذا التعريف للماهية بوصفها كل ما يقال على موجود موجود بذاته يرجع أولا إلى اللغة، فالماهية يعبر عنها في قول عن طريقه نقول ما هو الشيء،بعبارة أخرى أن الحديث عن الحد هو حديث عن الماهية التي يعبر عنها.

ومفهوم الماهية يكتسي أهمية كبيرة في الأرسطية لأن دراسة الموجود بما هو موجود، والذي يشكل الموضوع الأساسي لكل فلسفة، يعنى بالنسبة لأرسطو تحليل الوجود إلى عناصره المكونة له أو حسب تعبير أرسطو نفسه إرجاعه إلى علله، ولما لم يكن هناك ما هو أكثر معقولية من الماهية فإنه إليها يعود التعليل في نهاية المطاف. لأنها هي المبدأ الأول للوجود ولعلته أيضا، يقول ابن رشد: “إن ماهيات الجواهر متقدمة على سائر الموجودات وعلة لها…”(34) ويقول أيضا: “إذا عرف ما الشيء الذي هو ماهية هذا الجوهر فقد عرفت العلة الأولى لجميع الموجودات…”(35) لكن السؤال المطروح هو: هل هناك ماهية لجميع الموجودات، وهل هناك تطابق بين الوجود والماهية؟ للجواب على هذا السؤال يبدأ ابن رشد بتحديد علاقة الماهية بالحد في تعريف الجوهر، حيث إن الجوهر محدد من طرف الماهية ومعبر عنه بالحد، لأنه لما كان الحد هو المعطي لماهية الشيء الخاصة به حيث يعرف هذه الماهية بالأمور الذاتية التي بها قوام الشيء، لزم أن يكون الحد الحقيقي للجواهر فقط، لأن لها أجناسا وفصولا وليس يوجد في حدها زيادة. لأن الحد التام الذي يعطي ماهية الشيء هو ذلك الذي لا توجد فيه هوية زائدة على هويته، أما الأعراض فليس لها حدود من قبل أن حدودها تدخل فيها حدود موضوعاتها، وهي ليست بأجناس لها وإنها هي طبائع أخرى غيرها، فكما أنه ليس هناك علم للأعراض، فكذلك ليس لها حد لأن الحد ثابت والعرض متغير “لأن ماهية الموجود الحسي متأثرة بإمكانية القول إلى موجود آخر والنتيجة الأساسية هي أننا لا نستطيع أن نقول شيئا عن الموجود المتحرك إلا بالعرض فطالما أن الموجود يوجد في حركة فإننا لا نستطيع أن نفصل في تحديداته بين تلك التي هي بالذات والتي هي بالعرض، وأفلاطون نفسه كان قد أشار في محاورة “كراطيلوس” إلى ضرورة الثبات التي تمنع الخطاب من أن يتطابق مع حركة الأشياء المحسوسة..”

لكن ينبه ابن رشد هنا إلى ضرورة التمييز بين نوعين من الأعراض:

-أعراض هي في موضوعات بالعرض (البياض للإنسان) وهذه ليس لها حد سواء بمعنى متقدم أو بمعنى متأخر.

-أعراض هي في موضوعات بالذات (مثل الفطس للأنف) وهذه لها حد بنوع ما.

وهذا التمييز هو من بين المكتسبات التي حققتها الأرسطية من خلال نقدها للأفلاطونية، فليس الجوهر وحده هو الذي يكون موضوعا للحد، بل أيضا بعض التحديدات العرضية التي كانت الأفلاطونية تزج بها في عالم الرأي والأسطورة وباختصار فإن الوجود يقال على الجواهر، وعلى الأعراض لكن ما يوجد من الوجودين للجواهر والأعراض ليس واحدا لذا فإن “من قال إن للأعراض حدودا فقد قال فيها أكثر مما فيها، وكذلك، من قال إنه ليس ينطلق عليها اسم الموجود ولا الحد فقد قال أقل مما في طبيعتها…”(36).

إن الحدود نوعان: أحدهما أول ومبسوط، وهو الحد الذي للجوهر، والثاني لا بنوع أول ولا مبسوط، وهو الذي يكون للعرض.

فكما أنه ليس للأعراض حدود، فكذلك المركبات من الجواهر والأعراض ليس لها حدود تدل عليها كما هو الشأن بالنسبة للمركبات من الصورة والهيولى، والمثال الذي يعتمده ابن رشد هو “الإنسان الأبيض” فهذا القول ليس بحد لأنه ليس مركبا من محمولات ذاتية، بل مركب من طبيعتين مختلفتين بينما أجزاء القول الذي من طبيعة واحدة، والاختلاف يكمن في كون البياض يزاد في حد موضوعه من حيث هو عرض، لأن موضوعات الأعراض قابلة للزيادة كما رأينا سابقا، بينما الإنسان ليس يزاد في حده شيء خارج عنه لأنه ليس موجودا في موضوع وخلاصة القول إن الحد بإطلاق -وهو الذي يدل على ماهية الشيء- إنما يوجد للجوهر فقط، فإن وجد لسائر المقولات والأعراض فباشتراك الاسم لأن الحد يقال على معاني كثيرة.

في التفسير العشرين من مقالة الزاي يطرح ابن رشد مسالة معرفة ما إذا كانت الماهية مخالفة للموجود أم لا فيقول: “هل الجوهر الذي هو ماهية، والجوهر المفرد هوهو شيء واحد بعينه أم لا ؟…”(37)، وهو نفس السؤال الذي كان قد طرحه في “التلخيص” بصيغة أخرى: “هل ماهيات الأشياء ومعقولاتها الكلية هي الأشياء المفردة بأعيانها(…) أم هي غيرها بوجه ما (…)”(38).

إنه سؤال غريب مادام أن ابن رشد يصادر على أن كل شيء لا يكون مخالفا لجوهره الخاص. وإن الماهية تبدو هي جوهر كل شيء. “الماهية وذا الماهية شيء واحد…”(39) لكن مع ذلك يبدو أن السؤال ضروري لأننا نجد أنفسنا مضطرين للجواب عن هذا السؤال بالنفي فيما يتعلق بالموجودات المركبة من جوهر وعرض. بمعنى أن ابن رشد يرى أن الأشياء البسيطة والتي هي جوهر فإن وجودها متطابق مع ماهيتها. يقول ابن رشد: إنه يظهر أن الفرد ليس هو شيئا غير الجوهر الذي هو له أعني ماهيته، ويظهر أيضا عكس هذا وهو أن الجوهر الذي هو ماهيته إنه جوهر المفرد…” كما يقول أيضا: “الأشياء التي هي واحدة بذاتها، فخليق أن تكون هي وماهياتها هي هي باضطرار أي واحدة”(40) أما المركب من الجوهر والعرض، فالوجود فيه ليس مطابقا للماهية: “أما المركبات من الجواهر والأعراض التي هي واحدة بالعرض فخليق أن يظن بمحمولاتها أنها ليست هي هي ماهيات الأشياء التي تعمل عليها…”(41). أما المركب مع المادة والصورة، فحتى وإن كانت ماهيته لا تعرف ذاته كما هو الشأن بالنسبة للجواهر الأول، لكنه مع ذلك، فهو واحد بالذات، على خلاف المركب من الجوهر والعرض الذي هو واحد بالعرض.

ونتيجة لهذا التأكيد الذي أفصح عنه ابن رشد على استحالة انفصال الماهية عن الموجودات فقد رفض نظرية المفارقة الأفلاطونية التي تزعم بأن ماهية الموجودات توجد خارجة عنها ومنفصلة أي أنها متعالية، والأدلة التي يعتمدها ابن رشد في دحض نظرية المثل الأفلاطونية يمكن تلخيصها في ثلاثة رئيسية.

1 – دليل الزيادة اللامتناهية: (دليل الإنسان الثالث) إذا فصلنا الماهية عن الشيء فإن هذه الماهية ستصبح بدورها شيئا يجب أن نبحث له عن ماهية وهكذا دواليك. يقول ابن رشد:

“ماهية الإنسان إما أن تكون هي هي الإنسان وإما أن تكون غيره، فإن كانت غيره لم يكن معرفة للإنسان ولا منسوبة إليه وإن كانت هي الإنسان وجب أن تكون ماهية الإنسان إنسانا، والإنسان له ماهية فيكون للماهية ماهية، ويمر ذلك إلى غير نهاية…”(42).

2 – دليل المعرفة: ومفاده أنه إذا كانت الماهية مفارقة للشيء فإننا لا نستطيع معرفته لأن معرفة الشيء تكمن في معرفة ماهيته، ولما كان الشيء يعلم من قبل ماهيته، والشيء وماهيته هما شيء واحد، فإن المثل لا غناء لها في العالم.

3 – دليل الوجود: يعتمد ابن رشد في هذا الدليل على ثلاث مقدمات:

-الأولى: وهي أن الكون يكون إما عن الطبيعة أو الصناعة أو الاتفاق

-الثانية: وهي أن المتكونات شيء ما (إما جوهر أو واحد من المقولات) وإنها تتكون من شيء أي المادة، وتتكون عن شيء أي الفاعل.

-الثالثة: وهي أن الأشياء سواء كانت طبيعية أو صناعية، وجودها في النفس وخارج النفس واحد.

وانطلاقا من هذه المقدمات يستخلص ابن رشد أن المثل ليست عللا مادية ولا فاعلة سواء للجواهر أو الأعراض، لأن التكون يكون بتغير المادة بينما المثل لا تغير المادة لأن الذي يغير المادة هو شيء في مادة. “التكوين يكون بأن يغير المكون المادة لتدخل فيها الصورة…”(43)، باختصار فإن التكوين في نظر ابن رشد يتم بشكل طبيعي، فالإنسان هو الذي يلد الإنسان بمعنى أن عملية الخلق ذات طبيعة بيولوجية صميمية أي أنها تتم بقوى وأعضاء وآليات معلومة في الكائن الحي، وهكذا يتم الابتعاد عن التفسير الأفلاطوني…”(44) يقول ابن رشد: “لو كان التكون عن صور مفارقة لما أمكن أن تكون هذه الصور عللا لما يظهر من أن المكون والمتكون اثنان بالعدد واحد بالصورة، وهذا لازم في كل مكون….”(45) وبعد أن يورد ابن رشد مختلف هذه الحجج يقرر بأنه: “إن كانت هاهنا صورة مفارقة، إنها ليس لها غناء في الكون وإن الكون إنما يكون من الأشياء المتفقة بالصورة المختلفة بالعدد…”(46). وبنفس هذه العدة ينتقد ابن رشد مفهوم العقل الفعال أو واهب الصور الذي قال به الفارابي، وابن سينا بوصفه لا يتدخل في عملية النشوء والتكون.

الملاحظ من خلال هذا التحليل الذي قدمه ابن رشد للعلاقة بين الماهية والوجود، أنه يميز في الموجودات بين صنفين: الموجودات البسيطة وهي التي يؤكد بشأنها أن وجودها متطابق مع ماهياتها. والموجودات المركبة سواء كانت مركبة من جواهر وأعراض، أو من مادة وصورة فإن وجودها منفصل عن ماهيتها. مما يسمح بالقول بأن ابن رشد إذا كان قد وحد بين الوجود والماهية على مستوى الموجودات البسيطة، فإنه سيضطر إلى الفصل بين الوجود والماهية داخل مجال الكائنات المركبة أي تلك التي تخضع للكون والفساد أو بعبارة أخرى إن تلك المفارقة التي ينعتها بأنها لا غنى لها في الوجود وأنها تحول بيننا وبين معرفة جواهر الأشياء سوف يضطر إلى إدخالها في الموجودات المركبة.

وقد أشار بعض الدارسين(47) إلى هذه المسألة مؤكدا أن أرسطو الذي يجاريه ابن رشد هنا كان سيئ النية بصدد نقده للنظرية الأفلاطونية حيث أنه لم يأخذ كمثال إلا الموجودات البسيطة. الخير/الموجود/الواحد، التي من العبث أن نفصل فيها الماهية عن الوجود، لكن الحقيقة أنه ليست هذه هي الموجودات التي قادت أفلاطون إلى نظرية المثل، بل الذي قاده إلى ذلك هي الصعوبات التي كانت تثيرها الموجودات المحسوسة، لكن مع ذلك فإن الانفصال بين الموجود والماهية الذي يقول به أرسطو ليس انفصالا بين عالمين، كما لو أن الماهية توجد “مؤقنمة” hypostasiée خارج الموجود بل إن الانفصال سيكون داخل الجوهر المحسوس نفسه أي أنه سيكون مفارقا لذاته وأصل هذه المفارقة أي مفارقة الموجود لذاته أو عدم الكون في موضوع بالفعل كما يقول ابن رشد(48)، هو الحركة، فما دام الموجود يوجد في حركة فإنه يمكن أن يتحول إلى غير ما هو عليه أي أن الموجود لا يكون ما هو تماما، وهذا ما يعكس فقر الحدود الماهوية، ووفرة الحدود العرضية، ومن هنا يمكن القول بأن الماهية ستتحول من هذا القبيل إلى مبدأ موحد، الوسيط الذي يوفق بين الشيء وذاته بمعنى الشيء كمادة وكصورة، فالماهية تجسد البساطة الواضحة للموجود البسيط الذي يمتص في قدرته التفسيرية الانقسام ذاته، لكن السؤال المطروح هو إلى أي حد يمكن اعتبار الماهية مبدأ كافيا لتحقيق الوحدة؟

3 – الجوهر بمعنى الكلي:

يتساءل ابن رشد عن الكليات هل هي جواهر أم لا؟ لأن الجواب عن مثل هذا السؤال ضروري لبيان أنه ليس في الشخص جوهر إلا المادة والصورة الجزئية التي تركب منها فيقوم ابن رشد، جريا على عادة أرسطو، بإقصاء معنى الكلي من دائرة الجوهر لأن النظرية الأرسطية ترى أن الكلي لا يوجد إلا في القول ومن هنا كان النقد الأرسطي للأفلاطونية يتلخص كله في كون أفلاطون جعل من المثال الذي يؤخذ ككلي ماهية، والمثل لا ماهية لها. يقول ابن رشد “وإذ هذه الحالات كلها لازمة لمن يقول بجواهر كلية مفارقة، فبين أنه ليس شيء من الكليات جوهرا، ولا أن جوهرا من الجواهر كلي..”(49) ومن هنا يرى ابن رشد” أنه ليس يمكن أن يكون شيء من الأشياء التي تسمى كلية جوهرا لشيء من الأشياء وإن كانت هي المعرفة لجواهر الأشياء القائمة بذاتها…”(50).

ومن بين الأسباب الكثيرة التي يوردها ابن رشد لرفض جوهرية الكلي هو: إن جوهر كل واحد من الأشياء المحسوسة خاص به، بينما الكلي مشترك لأكثر من شيء واحد “الجوهر لا يوجد في أشياء كثيرة معا، والكلي مشترك، والمشترك يوجد بين أشياء كثيرة…”(51). كما أن الأشياء تكون واحدة بالنوع، فإذا قلنا إن هاهنا قولا كليا يشملها هو جوهر لها مثل الوجود، تكون الأشياء كلها واحدة بالحد، والتي هي واحدة بالحد هي واحدة بالنوع…”(52) وباختصار فإن “الكلي الجوهري(…) هو الذي يحمل على الشيء من طريق ما هو والجوهر الذي هو بالحقيقة هو الذي لا يحمل على شيء أصلا…”(53).

والآن بعد هذه التحديدات المختلفة التي يوردها ابن رشد لـ مفهوم الجوهر فإن السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو أي هذه المعاني أحق باسم الجوهر، أو على الأقل أيهما أكثر جوهرية من غيره؟

لا شك أن العرض السابق لمعاني الجوهر يحمل في طياته بعض الجواب عن هذا السؤال لكن مع ذلك سنعيد إبراز بعض النتائج.

إن الأنطلوجيا الأرسطية كما يقول جيلسون موزعة بين اتجاهين متعارضين أحدهما تلقائي وهو الذي يجعل أرسطو يموضع الموجود/الجوهر في الوجود الفردي الحسي والملموس، أما الآخر فهو موروث عن أفلاطون، وهو الذي يدعوه إلى أن يموضعه في الثبات العقلي للماهية تلك الماهية التي تبقى هي هي بالرغم من كثرة الأفراد(54) وهذا الانشطار يمكن ملامسته على مستوى الجوهر، فتارة تجد أن الموجود الجدير باسم الجوهر هو الموجود الواقعي المعطى في التجربة أي القائم بذاته كحقيقة مستقلة تملك وجودا موضوعيا في العالم الخارجي وهذا التحديد ينكشف بوضوح وبشكل تلقائي من خلال الصيغ المختلفة التي يستعملها ابن رشد نفسه: “الجوهر أحق أن يدل عليه اسم الموجود فيما يظهر للحس أي أنه أعرف عند الحس”(55) “موضوع ماهيات الجواهر وكلياتها هي أشخاص الجوهر، وهي أشياء محدودة بذاتها يعني أنها محدودة بالأمكنة، والسطوح(…) لأنها أجسام قائمة بذاتها، وقد قيل في حد الجسم إنه الذي يحيط به حد أو حدود…”(56) فالجوهر بهذا المعنى بعيد كل البعد عما يقصده أفلاطون بنفس الكلمة، فالمثال الأفلاطوني ليس شيئا أكثر من لفظ محمول على موضوع فهو ليس بموجود بالمعنى الحقيقي والمتقدم للكلمة لأنه ليس موضوعا.

لكن سرعان ما سيتم التخلي عن هذا المعنى، باعتبار أن الوجود المادي لا يمكن أن يكون وحده الجوهر لأن القول بجوهرية هذا النوع من الوجود يوقعنا في مشكل استحالة معرفة ماهية الجوهر لأن الموجودات المحسوسة والفردية ليس لها حد، ولا برهان، ما دام أن هذه الموجودات لها مادة يمكن لها أن توجد أو لا توجد، لأنها توجد بالقوة فقط، وهنا سيتم اللجوء إلى نوع آخر من الوجود وهو الصورة بوصفها هي قوام الوجود المحسوس، أي أنها هي التي تعطي الوجود وجوده، لذلك فهي التي تشكل الحقيقة التي بها يكون الجوهر على ما هو عليه، أي أنها هي الماهية التي يدل عليها الحد، كما رأينا سابقا، وهكذا تنتهي الأنطلوجيا الأرسطية إلى إحدى الثنائيات التي ستطبع ليس الفكر الأرسطي وحده، بل تاريخ الفلسفة كله وهي ثنائية المادة والصورة تلك الثنائية التي سيظل تاريخ الفلسفة يستعيدها باستمرار ولو بصور مختلفة، مثل ما سيفعل كانط في تمييزه المشهور بين الحساسية والفهم والسبب الذي أدى إلى انشطار الموجود المحسوس إلى مادة وصورة هو الحركة التي عن طريقها يفقد الشيء البسيط بساطته، لكنه ربما فيها أيضا يجد نفسه أو بعبارة أخرى إن البسيط سيضيع حينما ينقسم لكنه ربما يجد نفسه في الحركة التي تضيعه، بمعنى أنه إذا كانت الحركة حينما تفصل الموجود عن ذاته، فإنها تعمل على إيجاد وحدته الضائعة فهي أساس الانشطار والانفصال، ولكنها في نفس الوقت هي أساس الانسجام والاتصال.

إن الأنطولوجيا الأرسطية -كما أشار إلى ذلك “اوبانك”(57) بوصفها خطابا إنسانيا حول الوجود، وتتحرك في مجال الوجود المتحرك الذي يوجد في عالم الكون الفساد، لا تجد أمامها إلا موجودا مجزءا، ومنفصلا عن ذاته وجودا ممكنا قابلا لأن يتحول إلى غير ما هو عليه، وجودا له صورة متأثرة بمادة يمنعه من أن يكون معقولا وكليا، موجودا لا يظهر لنا إلا عبر التعددية غير القابلة للاختزال للخطاب المقولي، الوجود الذي ينتشر عبر المقولات وإذا كان الأمر كذلك فكيف نفهم الموجود بما هو موجود، أي الموجود في وحدته؟

ألا يمكن القول بأن الملاحظات السابقة تجعل من المستحيل الحديث عن أنطولوجيا منسجمة أو تأسيس نظرة علمية حول الموجود المحسوس كما هو في وحدته، ذلك ما لم يستطع ابن رشد -الذي احتواه النص الأرسطي- إدراكه فراح يبحث عن التبريرات الكافية ليملأ الفجوات والبياض في الخطاب الأرسطي، عن طريق تقديم تفسير لأرسطو أكثر من محاولة الوقوف عند صمت أرسطو من أجل تأزيم خطابه والكشف عن عوائقه كخطوة جزئية نحو تدمير هذا الخطاب وتفكيكه من أجل تأسيس فعل فلسفي جديد.

 

مجلة الجابري – العدد الحادي عشر


 الهوامش

1 – مقالة الزاي: ص 744.

2 – مقالة الزاي، ص 744.

3 – م. الزاي، ص 759.

4 – م. الزاي، ص 759.

5 – م. الزاي، ص 779.

6 – جيلسون: الوجود والماهية، ص 56.

7 – جليسون، الوجود والماهية، ص 56.

8 – مقالة الزاي، ص 747.

9 – مقالة الزاي، ص 954

10 – مقالة الزاي، ص .

11 – مقالة الزاي، ص 955

12 – مقالة الزاي، ص 756

13 – مقالة الزاي، ص 758.

14 – المقولات (التلخيص) ص، 79

15 – تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 11.

16 – مقالة الدال، ص 656.

17 – مقالة الزاي، ص 769.

18 – مقالة الزاي، ص 769

19 – التلخيص، ص 62

20 – وأما الجسم فهو المنقسم إلى كل الأبعاد (تلخيص السماء والعالم) ص 74.

21 – “ويعني بالعنصر المادة وهي صنفان بالقوة والفعل”، م.الزاي، ص 961.

22 – السماع الطبيعي (جوامع)، ص 25.

23 – تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 67

24 – نفس المرجع، ص 70

25 – مقالة الزاي، ص 976

26 – مقالة الزاي، ص 772.

27 – مقالة الزاي، 770.

28 – مقالة الزاي، ص 777

29 – مقالة الدال، ص 564

30 – مقالة الزاي، ص 769.

31 – مقالة الزاي، 770

32 – مقالة الزاي، ص 778

33 – مقالة الزاي، ص 782

34 – مقالة الزاي، ص 758

35 – مقالة الزاي، ص 759

36 – مقالة الزاي، ص 803

37 – مقالة الزاي، ص 824

38 – تلخيص ما بعد الطبيعة، ص 44

39 – مقالة الزاي، ص 833

40 – مقالة الزاي، ص 824

41 – مقالة الزاي، ص 826

42 – مقالة الزاي، ص 836

43 – مقالة الزاي، ص 858

44 – إشكالية العقل عند ابن رشد: المصباحي، ص 192.

45 – مقالة الزاي، ص 870

46 – مقالة الزاي، ص 881.

47 – أوبانك: Le problème de l’être chez Aristote

48 – “فالجواهر ينبغي أن تكون مفارقة أي لا تكون في موضوع بالفعل”، مقالة الزاي، ص 1004.

49 – مقالة الزاي، ص 1005

50 – مقالة الزاي، ص 962

51 – مقالة الزاي، ص 1002

52 – مقالة الزاي، ص 963-964

53 – مقالة الزاي، 964-965.

54 – الوجود والماهية: جياسون، ص 56

55 – مقالة الزاي، ص 751.

56 – نفس المرجع السابق.

57 – المرجع السابق.

الإحالات المرجعية

1 – ابن رشد: تفسير ما بعد الطبيعة، تحقيق موريس بويج، بيروت 1952.

2 – ابن رشد: تلخيص ما بعد الطبيعة، تحقيق عثمان أمين، القاهرة 1958.

3 – ابن رشد: تلخيص كتاب المقولات، تحقيق محمود قاسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980.

4 – ابن رشد: جوامع السماع الطبيعي، حيدر آباء 1947.

5 – ابن رشد: تلخيص كتاب السماء والعالم، تحقيق جمال الدين العلوي، منشورات كلية الآداب/فاس 1984.

6 – محمد المصباحي: إشكالية العقل عند ابن رشد، المركز الثقافي العربي، بيروت-لبنان 1988.

7 – GILSON (5): L ‘être et l’essenceParis-VRIN, 1981.

8 – Aubenque (P): Le problème de l’être chez AristoteParis 1962.