مجلة حكمة
ما معنى ألا تمتلك أي مشاعر ؟ - ديفد روبسن

ما معنى ألا تمتلك أي مشاعر ؟ – ديفد روبسن / ترجمة: وافي الثقفي


ما معنى ألا تمتلك أي مشاعر ؟ – ديفد روبسن

يبدو أن بعض الناس يعوزهم الشعور بالفرح أو الحزن أو الحب. وهنا يقف ديفيد روبنسن على التحديات والميزات المدهشة لمرض ” فِقدان الـ مشاعر alexithymia

حدثني كالب عن مولد ابنه الذي يبلغ من العمر الآن ثمانية أشهر ، يقول:” ألم تسمع الآباء دائما يقولون إن مشاعر الفرح والحب تغمر قلوبنا في المرة الأولى التي نرى فيها صغيرنا؟”،  ثم سكت قليلا وقال: ” أنا لم أجرب تلك المـشاعر.”

    كان يوم عرسه معتادًا كأي يوم. ولتوضيح هذه النقطة، شبه يوم عرسه بمسرح برودوي. أمام خشبة المسرح، كما يقول، نرى المشاهدين مندهشين من الدراما. وإذا ما نظرنا خلف الكواليس سنرى المهندسين التقنيين يركزون على تحليل تقنيات الأحداث.

رغم أنه كان يأخذ مكانًا بارزًا في الاحتفال إلا أنه شعر بأنه منفصل عن تيارات المشاعر التي كانت تجتاح الناس من حوله. يقول كالب: (طالبًا عدم الإفصاح عن اسمه الكامل) “بالنسبة إليّ كان الأمر تلقائيًا” حتى عند مرور زوجته على ممشى العريسين ، كان الشيء الوحيد الذي أحس به حمرة في وجهه وثِقلًا في قدميه، خاليًا من مشاعر المرح أو السعادة أو حتى الحب بمعانيها المعروفة.

في الحقيقة أدعى كالب عدم امتلاك أي مشاعر سواءً كانت جيدة أو سيئة. التقيت به عبر منتدى لأولئك الذين يعانون من “فِقدان المشاعر” ، وهو نوع من “عمى الألوان العاطفي” يمنعهم من فهم شتى أنواع المشاعر التي تضفي جمالا على حياتنا. ويعاني هذه الحالة حوالي 50% من الأشخاص المصابين بالتوحد، إلا أن كثيرًا من مرضى فِقدان المشاعر كحال كالب ليس لديهم أي علامة لوجود توحد من سلوك متكرر أو قهري.

وقد يسلط التعمق في فهم هذا المرض الضوء على كثير من الأمراض الخطيرة كفقدان الشهية للطعام وانفصام الشخصية والآلام المزمنة ومتلازمة اضطرابات الأمعاء. وبصورة شخصية، فإن القصص التي يحكيها فاقدو المشاعر قد تجرك لتعيد النظر في تجارب تعتقد أنك تعرفها جيدًا. على سبيل المثال، كيف لك أن تحب شخصًا في الوقت الذي لا تمتلك فيه أي مشاعر حب تثير عاطفتك؟

Shells of feeling طبقات من المشاعر        

حتى تفهم فقدان العاطفة، من المفيد أن تتخيل العواطف على أنها دمية روسية (مجموعة من الدمى كل دمية تضم دمية أصغر منها) مكونة من عدة طبقات ، كل طبقة تزداد تعقيدًا. في قلب تلك الدمى الإحساس الجسدي – ما تشعر به في قلبك عندما ترى شخصا تحبه، أو ما تشعر به من  اضطراب داخلي عندما تغضب. قد يعطي الدماغ بعد ذلك قيمة لتلك الأحساسيس – ستعرف إذا كانت جيدة أو سيئة، قوية أو ضعيفة ، وتبدأ تلك الأحاسيس غير المنتظمة في التبلور لتمثل العاطفة بشكل محسوس. قد تختلف تلك العواطف بشكل دقيق، فقد تكون خليطـًا من أنواع من العواطف كالحزن الحلو والمر في الوقت ذاته. وفي نهاية المطاف فإننا نعطي تلك العواطف مسميات، فيمكنك وصف يأسك أو ابتهاجك، ويمكنك تفسيرتلك المشاعر.

    عندما وصفت حالة فقدان المشاعر لأول مرة في عام 1972م، كان هناك اعتقاد بأن المشكلة تكمن في المرحلة اللغوية: المصابون بفقدان المشاعر يشعرون كما يشعر الآخرون غير أنهم لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم.

افترض العلماء أن السبب يعود إلى انقطاع الاتصال بين جزئي المخ، مما يمنع وصول الإشارات من منطقة العاطفة، التي تقع في الجزء الأيمن من المخ ، إلى منطقة اللغة في الجزء الأيسر. تقول العالمة كاثارينا من جامعة آيشن:” يحتاج المريض ناقلًا لتلك العاطفة ليعبر عما يشعر به”.

ويمكن مشاهدة مثل هذه الحالات – بطريقة أكثر وضوحًا- عندما يريد الجراح علاج الصرع بقطع الألياف التي تربط بين جزئي المخ. بالرغم أن ذلك يقلل من نوبات الصرع إلا إن المريض يصبح هادئًا عاطفيا إثر ذلك. وتوضح إشاعات المخ التي أجرتها جورلتش دوبر على بعض مرضى فقدان العاطفة أن الروابط بين أجزاء المخ لديهم كثيفة بشكل غير طبيعي. وتعتقد أن ذلك يجعل الإشارات تظهر في صورة مزعجة (كإشارات الراديو السيئة) مما يعوق الاتصال العاطفي.

من الواضح اليوم أن هناك أنواعًا عدة من مرض فقدان المشاعر. فإذا كان بعض المرضى يعانون من التعبير عن مشاعرهم فإن آخرين ( مثل كالب) لم يكن أصلا مدركًا لأحاسيسه في المقام الأول.

شبه العالم ريتشارد لين – من جامعة أريزونا – هذه الحالة بأولئك الذين فقدوا أبصارهم نتيجة لتلف القشرة البصرية. فعلى الرغم من سلامة عيونهم إلا أنهم لا يستطيعون الرؤية. وبالطريقة نفسها، قد تَمنعُ الدائرةُ العصبية التالفة – المشاركة في المعالجة العاطفية – الحزن أو السعادة أو الغضب من الظهور.

 (إذا استخدمنا التشبيه بالدمية الروسية، فإن المشاعر تنقطع في الطبقة الثانية – أي أن أجسامهم  تتجاوب بشكل طبيعي، لكن الأحاسيس لا تندمج لتشكل أفكارًا أو مشاعرَ عاطفية، وربما تكون العواطف فعالة، ويستجيب جسمك لها ، غير أن هذا يحدث بلا إدراك للعواطف).

    وعلى هذا النحو، وَجدت دراسات حديثة قليلة باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي ما يدل على وجود مشكلات استيعاب أساسية في بعض أنواع فقدان المشاعر. فعلى سبيل المثال، وجدت جورلتش دوبر انخفاض نسبة المادة الرمادية في مناطق القشرة الحزامية التي تنبه الإدرك، والتي يحتمل أنها تحجب الظهور المدرك للعواطف.

     وكذلك الحال مع أنري أليمان في المركز الطبي الجامعي في مدينة قروننقن، في هولندا، فقد اكتشف وجود نقصٍ في مناطقَ لها علاقة بالوعي، فعندما ينظر المصابون بالمرض إلى صور مشحونة بالعواطف، يبدو أن عقولهم لا تسجل تلك المشاعر. يقول أليمان: “أعتقد أن هذا يتفق مع نظرية لين عندما شك في وجود أسباب أخرى وعلينا أن نقر بذلك”.

يمنع ” الانفصال المدرك” – المصطلح الذي استخدمه كالب –  العواطفَ من الوصول إلى عقله. فمثلًا، في إحدى الأيام كان يعمل مع طلاب المسرح، وكان يبذل قصارى جهده في إخراج نبرة الصوت المناسبة، إلا أنه لم يفلح.

وفي نهاية المطاف، غضب منه رئيسه وبدأ بإلقاء اللوم عليه. فقال كالب ردا عليه: “هناك شيء غريب يحدث لجسمي، شعرت بتوتر، وتسارعت نبضات قلبي، إلا أن عقلي مشتت … كان مجرد حب استطلاع أكاديمي … لكنني بعدها نسيت كل شيء تمامًا”. يبدو أن تلك اللامبالاة لن يغيرها أي حدث. ويقول كالب: “كلما كانت العاطفة التي ينبغي أن أشعر بها قوية، كان من المفروض أن تتغير طريقة تفكيري. في الواقع وصلت إلى حالة أشعر فيها بصفاء الذهن – وأصبحت أكثر تحليلاً ( للأحداث).

هناك ميزة واحدة في هذا، حيث وجد كالب أن من السهولة التغلّبَ على مشكلة الأجراءات الطبية إذ أنه لا يشعر بالخوف أو الحزن أو القلق. يقول كالب: “أستطيع أن أتحمل الكثير من الآلام أو التجارب غير الجيدة لأني باختصار أعرف أني لن احتفظ بأي ذكريات عاطفية  ترتبط بها، لكن هذا يعني أن الذكريات الجيدة تذهب أيضا”.

المصدر