مجلة حكمة
فكرة التقدم الحداثة

فكرة التقدم: الموقف الأصولي مقابل الحداثي – عبد السلام بن ميس


  • I – إيتيمولوجيا الكلمة:

كلمة تقدم (Progrès, Progress) هي كلمة من أصل لاتيني (Progressus) مشتقة من الفعل Progredi بمعنى السير إلى الأمام أو التقدم إلى الأمام في الزمان أو في المكان أو فيهما معا: التقدم في السن والتقدم في قطع مسافة مثلا. عند بادئ الرأي (عامة الناس)، التـقدم حركة غير دائرية وغير تراجعية حُمِلَتْ أولا على تنقل الجيش عندما يتقدم نحو العدو ثم استعملت بمعنى مجازي للإشارة إلى التطور في الزمان أو التغيير الذي يسعى إلى هدف محمود كالتغيير في طرق العيش وفي طرق التفكير وفي التعامل مع الطبيعة الخ. تعني أيضا كلمة تقدم: تطور الإنسانية عامة أو التحضر. أما في اللغة العربية فيبدو أن كلمة تقدم تفيد أصلا الرجوع إلى القديم أي المتقدم (في مقابل المتأخر).

 

  • II – نشأة وتطور فكرة التقدم:

ظهرت فكرة التقدم، كما نفهمها اليوم، أي بمعنى التحضر، في الحضارة الغربية خلال النصف الثاني من ق17م، وذلك عندما بدأ العلماء والأدباء آنئذ يتجادلون حول الأهمية التي ينبغي إيلاؤها أو عدم إيلائها لآراء القدماء وإنتاجهم العلمي والأدبي. ولقد تمخض عن هذا الجدل موقفان أساسيان: موقف يمثله أنصار الماضي (أو ما نسميه في مغرب اليوم بالموقف السلفي أو الأصولي) وموقف يمثله أنصار الحداثة (أو التقدميون).

حسب الموقف الأول، القدماء أكثر حكمة من المحدثين لأنهم أسبق زمنا وأكبر عمرا، وبالتالي أنضج رأيا. ينطلق أنصار هذا الرأي من فكرة أنثروبومورفية مفادها أن المجتمع الإنساني يشبه الإنسان تماما بحيث كلما طال عمره كلما أصابت حكمته. فالتقدم، بالنسبة لهؤلاء، هو الرجوع إلى آراء القدماء (أي الرجوع إلى التراث) واعتبارها نموذجا للتقدم ينبغي إعادة تحقيقه. ومن المحتمل أن تكون الرغبة في تأدية هذا المعنى هي التي حدت بالمترجم العربي إلى ترجمة كلمة Progress بكلمة تقدم.

أما الذين يناصرون الحداثة فلا يرفضون هذا التشبيه الأنثروبومورفي وإنما يختلفون مع أنصار التراث في كونهم يموضعون مرحلة الحكمة في المستقبل وليس في الماضي. ولهم في ذلك حجة. فإذا كانت الإنسانية تكتسب حكمة أكثر مع السن، تماما كالإنسان، فإن التقـدم في العمر، وبالتالي في الحكمة، ينحو نحو المستقبل وليس نحو الماضي. وهكذا فإن القدماء في الواقع هم شباب الإنسانية؛ أما المعاصرون فهم شيوخها. وبهذا الاعتبار تكون حكمة المحدثين أصوب من حكمة أجدادهم. هذا هو موقف الأب الروحي لفلاسفة ق18 م الفرنسي.De Fontenelle المعبر عنه في كتاب له تحت عنوان: Digression sur les anciens et les modernes المنشور سنة 1687. بصفة عامة، تبين لأنصار الحداثة أن موقف أنصار التراث يتضمن تناقضا: فإذا قبلنا تشبيه المجتمع بالإنسان، وكان تقدم الإنسان في السن يتجه نحو المستقبل، فلا بد إذن من اتجاه تقدم الإنسانية نحو المستقبل أيضا وليس نحو الماضي. وهنا تصبح حركة التقدم في الزمان هي السير إلى الأمام نحو وضع مثالي لم يتحقق بعد وقد لا يتحقق أبدا. أما الرغبة في إعادة تحقيق وضع سبق تحققه في الماضي فهو في الواقع معاكسة لحركة الزمان ومخالفة للتشبيه الأنثروبومورفي الوارد في المثال المذكور.

بهذه الحجة، البسيطة والواضحة، انتصر الموقف الثاني الذي يؤيد الحداثة على الموقف الأول المناصر للتراث وخاصة لما تبين، من خلال التقدم الذي حصل في ميدان العلوم التجريبية، خطأ كثير من آراء القدماء وتعضيد التجربة لكثير من آراء المحدثين. لقد نجح باسكال (B.Pascal) مثلا في تفنيد الحكمة القديمة الأرسطية القائلة بأن “الطبيعة تخشى الفراغ”، في كتاب تحت عنوان: Nouvelles expériences touchant le vide المنشور سنة 1647. ودون باسكال تجارب أخرى جديدة تفند الحكم الموروثة عن العلماء القدماء، وخاصة في كتبه التالية: Equilibre des liquides (1663). La pesanteur de la masse de l’air (1663). Les pensées (1670)

لقد لقي باسكال معارضة شديدة من مؤيدي الحكمة القديمة بحجة أن هذه الأخيرة تختلف عن نتائج تجاربه. وكان باسكال يرد على تلك الاعتراضات بقوله بأن تكذيب التجربة لا يمكن أن يكون إلا بتجربة أخرى وليس بحكمة قديمة. وهكذا عوضت سلطة التجربة شيئا فشيئا سلطة التعاليم وحكم القدماء. وهذا هو أساس حصول النهضة الغربية الحديثة؟

ليست حالة باسكال هذه إلا واحدة من حالات كثيرة شكلت في مجموعها حركة ثقافية ثورية قلبت الحكم القديمة رأسا على عقب. يكفي التذكير هنا بالأعمال التي قدمها كوبرنيك (1473-1543: Copernic) وبيكون (1626-1561: F.Bacon) وديكارت (1650-1596: Descartes) ونيوطن (1727-1642: Newton) وغيرهم.

مع كل هؤلاء المفكرين أصبح التقدم العلمي نموذجا للتقدم في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية. وأصبح المنهج العلمي أداة عملية تسهل الطريق نحو التقدم. ولقد فطن العلماء إلى لزوم تطوير هذا المنهج وضبط قواعد للعمل به وتعميمه على كل حقول المعرفة الإنسانية. ويكفي أن نذكر هنا بمحاولة ديفد هيوم (D.Hume) الساعية إلى إدخال المنهج التجريبي، لأول مرة، إلى الدراسات الإنسانية والأخلاقية كما يتضح ذلك من عنوان كتابه التالي: A Treatise of Human Nature: being an attempt to introduce the

experimental method of reasoning into moral subjects (1739). لقد أعجب المفكرون آنئذ بالنتائج التي حققها العلم من خلال العلوم التجريبية الناشئة التي دشنها ديكارت وكاليلي ونيوطن. وأعجبوا كذلك بقدرة العقل البشري على السيطرة على الطبيعة من خلال القوانين والنظريات التي صاغها صياغة محكمة تعتمد دقة الأرقام. فها هو أحد الشعراء المعاصرين لنيوطن يمجد العلم والتقدم العلمي في قوله:

Nature and Nature’s laws lay hid in night

God said let Newton be! And all was light.

وبما أن التقدم العلمي يعتمد أساسا على إعمال العقل (بدل إعمال الحكمة القديمة)، فلا بد إذن من تبني العقلانية العلمية في جميع ميادين النشاط الإنساني الأخرى مثل السياسة والاقتصاد والأخلاق وغيرها. هذا ما اشتغلت به الحركة الفكرية الأوروبية في القرن 18م. ولبيان ذلك، يكفي الرجوع إلى كتاب لواحد من كبار فلاسفة هذه الفترة وهو الفرنسي كوندورسي (Condorcet) صاحب:Esquisse d’un tableau historique des progrès de l’esprit humain (1793). اهتم المؤلف في هذا الكتاب ببيان الترابطات الحاصلة بين العلوم التجريبية والعلوم الاجتماعية والسياسية. وهي ترابطات يجسدها كتاب آخر له بعنوان:

Tableau général de la science qui a pour objet l’application du calcul aux sciences morales et politiques.

كان كوندورسي يهدف من وراء المجهودات التي قام بها إلى الحث على الابتعاد عن الخرافة والميتافيزيقا في تناول المواضيع الاجتماعية وذلك بتبني حساب الاحتمالات باعتباره تقنية ضرورية لتقدم الفكر البشري في المستقبل.

يمكن، بشكل عام، تلخيص مميزات هذه الحركة الثقافية التقدمية في ثلاث أساسية:

  1. تحديد اتجاه تقدم الإنسانية من الماضي إلى المستقبل واعتبار النماذج الفكرية الخرافية والميتافيزيقية ممثلة لطفولة وشباب الإنسانية بينما النماذج الوضعانية تمثل مرحلة أكثر تقدما في سير الإنسانية نحو المستقبل.

  2. التركيز على الصراع بين العقل والخرافة واعتبار التنظيم العقلي أساسا للتقدم. فالتقدم هو حركة متواصلة نحو المزيد من المعرفة. والمزيد من المعرفة يضمن زيادة القدرة على السيطرة على الطبيعة، وبالتالي تحقيق المزيد من السعادة. ومنذ القرن 18م أصبح لفظ “تقدم” مرادفا للفظ “عقلنة”، وأصبحت حركة التقدم في الزمان مرادفة لحركة العقل البشري في الزمان نحو وضع معين من المعرفة والحرية. ولقد أصبح التقدم يمثل سلما من القيم يبدأ بالخرافة وينتهي بالعقل على مستوى المعرفة ويبدأ بالبدائي وينتهي بالمتحضر على المستوى الاجتماعي. ويمكن اعتبار ديدرو (Diderot) ودالمبير (D’Alembert) وكوندورسي (Condorcet) وفولتير (Voltaire) ومونتسكيو (Montesquieu) وماركس (K.Marx) وميل (J.S.Mill) وكامو (A.Comte) من الممثلين الأساسيين لهذه الحركة الفكرية. كان هم هؤلاء الفلاسفة والعلماء هو بيان أن الإنسان قادر على تغيير العالم إذا تحرر من الأفكار المسبقة وتمكن من التحكم بعقله في الدين والسياسة والأخلاق. ورغم ظهور حركات فكرية أخرى معادية لهذه، مثل التي تزعمها هيكل (اعتبار فكرة التقدم تتضمن تناقضا بين المثالي والواقعي) فإن تصور القرن 18م للتقدم استمر حتى الحرب العالمية الأولى على الأقل، وخاصة في الأوساط البراكماتية الأمريكية والماركسية والوضعانية.

  3. الدعوة إلى تعميم المنهج العلمي ليشمل كل الميادين المعرفية واعتبار الـتقدم في العلم نموذجا للتقدم بشكل عام، كما تمت الدعوة إلى تعميم العقلانية العلمية لتشمل كل ميادين النشاط البشري معرفية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو أخلاقية.

 

  • III – التقدم العلمي والعقلانية العلمية:

يرجع كثير من العلماء والفلاسفة التـقدم في العلم إلى كون هذا الأخير يحكم التجربة كمقياس للتحقق من قضاياه (القوانين والنظريات) وإلى تبني منهج يرفض المطلقات، الشيء الذي يسمح بتجاوز الماضي وضمان السيرورة المستمرة لحركة المعرفة والمجتمع. ليس هناك تقدم مجرد يمكن تحقيقه مرة واحدة وإلى الأبد أو يمكن اعتباره حالة مثالية تشكل هدفا نهائيا للحقيقة العلمية. فالتقدم ديمومة.

بصفة عامة، هناك معياران لتعريف التقـدم في العلم: المعيار الأول صدقي والثاني براكماتي.

حسب المعيار الأول، ترتبط العقلانية في العلم بدرجة تحقق قضاياه، أي درجة تفنيدها أو تعضيدها من طرف التجربة. وهذا معيار تبنته العقلانية الوضعانية (إن صح هذا التعبير). وإذا تم إرضاء هذا المعيار الصدقي، فينبغي العمل على التقليل من المفاهيم لتحقيق وحدة في المنهج ووحدة في العلم. التقدم إذن هو تحقيق هذه الأهداف. لقد كان الوضعانيون المناطقة يهتمون بالصياغة المنطقية لبنية العلم ويهملون الجانب الأنطولوجي من القضايا العلمية. كان هؤلاء الفلاسفة يفصلون التقـدم العلمي عن التراكم الزمني للاختراعات والاكتشافات ويعتبرون القدرة على الرد إلى الأبسط هي مقياس التقدم.

أدى هذا التصور للتقدم، سواء في العلم أو في الميادين الاجتماعية إلى ما يسمى اليوم بالفلسفات النسبانية والابستيمولوجيات اللاعقلانية. لقد تبين أن مقياس الصدق أو (القابلية للتحقق) لا يضمن العقلانية في العلم، بل أدى تداوله إلى نوع من اللاعقلانية. وفي هذا الصدد ظهرت محاولات كثيرة تهدف إلى إعادة النظر في مفهوم التقدم في العلم ومفهوم العقلانية العلمية، نذكر من بينها تلك التي دافع عنها كون (1983) ولاكتطوس (1770) وفايرابند (1979) ولاودن (1977) وغيرهم. لم تعد الحقيقة العلمية مع هؤلاء الفلاسفة تخضع لمعيار الصدق، فلا حاجة إلى معرفة هل القوانين والنظريات العلمية صادقة أم لا، وهل هي قابلة للتحقق أم لا، لكي يتقدم العلم. فالعلم، حسب لاودن، نشاط فكري يهدف إلى حل المشاكل، بغض النظر عن صدق أو تصديق قضاياه. وهذا هو المعيار الثاني للتقدم في العلم.

يعرف المدافعون عن هذا المعيار الثاني التقـدم في العلم بكونه القدرة على حل المشاكل على أساس أن تكون هذه الحلول مقبولة تجريبيا. وكلما تراكمت الحلول وتزايدت القدرة على حل المشاكل كلما تقدم العلم. لا يعني هذا أن الحلول التي تمت صياغتها في فترة زمنية معينة سوف تبقى صالحة لكل زمان. ليست هناك حلول مطلقة، وهذا ما يفسر ظهور ثورات في العلم. هناك استمرارية في القدرة على الحل ولكن هناك قطيعة بين البراديكمات أو بين التقاليد العلمية. فالتقدم في العلم ليس هو التراكم في الحلول المقبولة تجريبيا، بل قد يتم التعبير عن التقـدم في العلم بقفزات أو ثورات على المفاهيم والبنيات العقلية القديمة. بالنسبة لكون ولاودن، إذا أخذنا العقلانية العلمية بمفهومها الوضعاني، فسوف يصبح العلم لا عقلانيا (Laudan (1977), p.125). لهذا ينبغي تقديم نموذج جديد للعقلانية العلمية وبالتالي للتقدم العلمي.

يعتبر هاذان الفيلسوفان الوحدة الأساسية للتطور في العلم هي المشكل المحلول. وهدف العلم هو حل أقصى ما يمكن من المشاكل الأمبريقية والتقليل ما أمكن من المشاكل المفاهيمية. فـ فكرة التقدم تقاس بدرجة فعالية النظريات في حل المشاكل في ميدان معين. ويعرف لاودن العقلاني بقوله بأنه هو كل عمل أو اعتقاد باستطاعته تقديم مبررات صلبة لصالحه. وهذه المبررات الصلبة بالنسبة للعلم هي حل أكبر قدر من المشاكل الامبريقية. وهذا هو التقدم بعينه.

يهدف لاودن إلى بيان أن خواص التـقدم في العلم تتجاوز الزمن والثقافة لأنها قابلة للتطبيق سواء على الفكر ما قبل التاريخي أو على القرون الوسطى أو على الفكر الحديث (Laudan (1977), p.130). معنى هذا أن النموذج الذي يقدمه لاودن قابل للتطبيق بشكل مطلق. فالتقدم معناه التكيف مع الوسط، والعلم هو الصورة الأكثر ملاءمة لهذا التكيف، والسلوك العقلاني هو بالضبط القدرة على التكيف.

 

  • IV – خاتمة:

يتضح مما تقدم أن التعريف الذي قدمه كون ولاودن للعقلانية العلمية وللتقدم العلمي تعريف هش. والسبب هو كون هذا التعريف مؤسسا على تمييز كلاسيكي بين مفهومي المشكل والحل. فإذا رجعنا إلى تاريخ العلم نفسه، فسوف نجد أن عددا من الحلول أصبحت بدورها مشاكل، فما نعتبره حلا لمشكل قد يكون مشكلا أعوص في حاجة إلى حل جديد. أضف إلى ذلك أن إبعاد مقياس الصدق والتحقق في تعريف العقلانية العلمية وتبني المقياس البراكماتي قد يؤدي إلى رد العلم إلى وسيلة لتحقيق منفعه. وهنا يصبح الباب مفتوحا أمام كل الأيديولوجيات المصلحية والذرائعانية التي تنفي العقل والأخلاق.

صحيح أن إقامة الحقيقة العلمية على الصدق المنطقي أو الصدق التجريبي مسألة تنسف العقلانية العلمية بمفهومها الكلاسيكي، ولكن المقياس البراكماتي نفسه غير قادر على الصمود ناهيك عن كونه ليس الوحيد الممكن. لماذا لا نتبنى، على سبيل المثال، المقياس النفسي لصدق القضايا العلمية الذي نادى به فلاسفة (مثل هيوم) منذ بداية القرن 18م؟ ولماذا لا نودع العقلانية العلمية نهائيا على الطريقة التي يقترحها فيرابند؟ وهكذا. إن الإجابة عن هذه الأسئلة صعبة، وبالتالي فإن مشكلة العقلانية في العلم ومشكلة التقدم العلمي ومشكلة التقـدم بشكل عامة تبقى مطروحة بحدة؟

مجلة الجابري – العدد السابع عشر


 الـمراجع:

  • CLAVELIN M.(1989), “Rationalité et Progrès”, in: Jacob O. ed. (1989), L’âge de la science, lectures philosophiques, 2: Epistémologie, Paris. Odile Jacobepp.293-308.
  • CONDORCET J. -A. N. de (1743-1794), Esquisse d’un tableau historique des progrès de l’esprit humain, Paris: Vrin, 1970, ed. Sociales 1971 et Flammarion 1988.
  • CONDORCET J. -A. -N. de, Oeuvres complètes, 12 vols, 1947-1949.
  • FEYERABEND P.(1979), Contre la méthode, Paris: Seuil.
  • FEYRABEND P.(1989), Adieu la raison, Paris: Seuil.
  • FONTENELLE B. de- (1657-1757), Oeuvres Complètes, Paris: Fayard, 8 vols, 1989.
  • HUME D.(1973), Traité de la nature humaine, trad. A.Leroy, Paris: Aubier Montaigne.
  • KUHN T.(1983), La structure des révolutions scientifiques, Paris: Flammarion.
  • LAKATOS I. (1970), “Falsification and the methodology of scientific research programmes”, in: Criticism and the Growth of Knowledge, ed. by I. Lakatos and Musgrave, Cambridge, pp.91ff.
  • LAUDAN L.(1977), Progress and its problems, towards a theory of scientific growth, California: Univ. of California Press.
  • PASCAL B. (1623-1662), Oeuvres complètes, ed. L.Brunschvicg; E.BoutrouxF.Gazier, Paris: Hachette, 14 vols, 1904-1914.
  • PASCAL B. Pensées, éd. F.Kaplan, Paris: Le Cerf, 1982