مجلة حكمة
عنف الدولة الحديثة

الدولة الحديثة، وإشكالية العنف

الكاتبمحمد لمعمر

 “إن العنف سيادة، لكنه عزلة…، فالشخص العنيف لا يخرج من ذاته. فهو يأخذ، يتملك؛ والتملك، ينفي الوجود المستقل”.   إيمانويل ليفيناس.

                                                                                    

    إن العنف عامة، والعنف السياسي خاصة ظاهرة وجودية، عامة وشاملة، مركبة ومعقدة، لذلك استحقت أن تكون من أخطر الظواهر التي تواجه المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، ففي الوقت الذي ترفع فيه شعارات الحرية والقانون وترسيخ الديمقراطية في الفضاء العمومي، نجد أن العنف السياسي أصبح في زمننا المعاصر مصدر خطر على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبات فعلا مزعجا للسلطة الحاكمة.

   ونظرا لخطورة العنف على الفرد والمجتمع، وجب فهمه كظاهرة ملازمة للتجمعات البشرية، ومجابهته بالآليات الديمقراطية الخلاقة،وتتبع منابع سيلانه وتدفقه في البيئة الاجتماعية، ومعرفة مبرراته السياسية والقانونية، لتبيان المغالطات التي تؤطره والقوى التي تحركه، والوقوف عند دوافعه ومقاصده، بغية الحد منه أو التخلص منه إن كان ذلك ممكنا. فأخطر ما في العنف السياسي أنه معولم، عابر للحدود الجغرافية، منفلت من قبضة الزمان والمكان .وبالتالي، لابد من مجابهة العنف ليس بعنف مضاد، ولكن، بالفكر والعقل والقانون والعدالة الاجتماعية، وإرساء ثقافة الحوار والتسامح والإيمان بأن الاختلاف طريق لاستيعاب جميع المواقف والتصورات، ووضع معايير منطقية ومعقولة بموجبها يعرف المواطنون حدود تصرفهم ونقدهم للسلطة الحاكمة؛ وترسيخ قيم العدالة الاجتماعية، وجعل قاعدتي المساواة و الإنصاف والخضوع للقانون هي المقاييس الفضلى التي يجب أن يوزن بها تصرف الدولة والأفراد والجماعات،” فالعقل المتنور يريد أن يختفي العنف من العالم( …)، لكن، ما يهم هو القضاء على العنف. فمن المشروع أن نرغب في ما يقلل العنف الذي يدخل  حياة الإنسان، ومن غير المشروع أن نرغب فيما يضاعفه”(1).

وعدم فعل ذلك يحول سلوك الأفراد إلى عنف شرس وتطرف يؤدي إلى غياب التوازن الاجتماعي كما سنبين في بحثنا هذا، ويجعل القانون كقواعد إلزامية منظمة للمجتمع مجرد عبث .

 

    إن عنف السلطة الحاكمة يمكن أن يتمظهر بأبشع صوره في بعض الأحيان، خصوصا إذا كانت تلك السلطة جبارة وقاهرة، لا تترك لأفرادها فرصة التعبير عن أنفسهم، ولا تؤمن بالمشاركة الجماعية في صنع القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، رغبة في السيطرة على الأفراد والتحكم فيهم بالقوة والفعل، وإذلالهم معنويا وماديا. بل، أكثر من ذلك، فالسلطة المعاصرة باعتبارها محتكرة لممارسة العنف المشروع، لجأت إلى وسائل جد متطورة ليس لضبط الناس وجعلهم يرتدعون، ولكنها جعلت من سياسة التخويف والقمع طريقة لبث الرعب في النفوس. وهنا، فالعنف السياسي يكشف عن الجوانب الخفية في السلطة، ويفضح الادعاءات التي يتشدق بها السياسيون، فإذا كان العقل السياسي الحديث والمعاصر، يشكل صيرورة وسيرورة في اتجاه تدعيم ركائز الحق والقانون والحرية، فإن العنف السياسي مؤشر بأن تلك العلاقة التفاعلية بين الحاكم والمحكوم ليست على ما يرام. لكل هذا وضمانا لحقوق الأفراد والجماعات وحفاظا على استمرارية الدولة وهيبتها التى”تكونت لغرض وحيد، هو المحافظة على خيرات الناس المدنية وتنميتها.وأنا أقصد بالخيرات المدنية: الحياة، الحرية، سلامة البدن وحمايته ضد ألألم، وامتلاك الخيرات الخارجية مثل: ألأرض، النقود، المنقولات…الخ.” (2) كما يرى جون لوك. فإنه يجب تجفيف منابع الكراهية والعنف والفقر والاستبداد، والرفع من منسوب قيمة الانسان كإنسان ومواطن خاصة في العالم العربي والإسلامي، حيث هيمنة وتوغل الأنظمة الاستبدادية، وغياب التوزيع العادل للثروات.

    لكل هذا، فللحديث عن العنف السياسي وعلاقته بالتطرف الديني، ارتأينا في بحثنا هذا، بعد التمهيد، أن نشير إلى بعض دلالات العنف لغويا وفلسفيا واجتماعيا وسيكولوجيا، وصولا إلى القضية المركزية، وهي العنف السياسي، دلالاته، تجلياته، وأسبابه، وعلاقته بالدولة والسلطة الحاكمة، وهنا تواجهنا تساؤلات وإشكالات من قبيل:  ما العنف ؟ وإذا كان العنف / العدوان، متأصل في الطبيعة الإنسانية، فهل تستطيع الثقافة السياسية والقانونية والحقوقية والدينية تذويبه أم أن الأمر ضد ذلك؟ وكيف نفسر نشأة العنف السياسي في زمن سيادة الثقافة والمعرفة والقانون؟ هل المشكل هنا ذاتي محض أم أن عيوب ومساوئ الدولة الحديثة فرض اللجوء إلى العنف السياسي؟ وهل السياسة التي هي مناط علاقة الدولة بالأفراد يمكن أن تنبني على العنف، فيتحول الفضاء العمومي إلى تخويف وتعذيب وتنكيل وقمع متبادل؟ بمعنى أخر، ما طبيعة العلاقة بين العنف السياسي والتطرف الديني؟

1 – العنف : ايضاءات مفاهيمية

   يحيل لفظ العنف إلى كل سلوك يتضمن معاني الشدة والقسوة لتحقيق أهداف معينة. فمفهومي العنف والقوة بمعناهما السلبي يحيلان الى نفس المعنى، خصوصا عندما يتم توظيف القوة في اتجاهها السلبي، بحيث تتحول إلى قوة تدميرية. إلى درجة ” أن القوة، هذه الكلمة المستخدمة في الاستعمال اليومي، دلالتها الاصطلاحية تحيل الى قوى الطبيعة أو قوى الظروف، أي الطاقة الناتجة عن الحركات الطبيعية أو الاجتماعية” (3).علما أن القوة حسب المفكر المغربي ابوزيد المقرئ الادرسي ” بالمعنى الايجابي مطلوبة محبذة، والقرأن الكريم يدعو إليها، وإنما تدان القوة عندما تستعمل استعمالا غير صحيح. أنذاك تصبح القوة عنفا” (4).

   فمن خلال التحديدات السابقة يتبين لنا، أن العنف هو كل سلوك أو تصرف أو فعل ظاهري أو مخفي، يستهدف إلحاق الضرر بالذات والغير والطبيعة، بما في ذلك الممتلكات . وهنا خصيصة مهمة، تتجلى في ضرورة التمييز بين العنف والعدوان، فإذا كان العدوان خاصية حيوانية، حيث البقاء للأقوى، فإن العنف ظاهرة إنسانية بامتياز، فنشأة المجتمع، وتحول التجمعات البشرية التى تعيش أسلوبها تبعا لمنطق الغريزة، من تجمعات بشرية تلقائية وعشوائية إلى تجمعات اتخذت صفة المجتمع، حيث ميلاد العقد الاجتماعي، أفضي إلى تعقد الحياة وظهور ظواهر اجتماعية استدعت الفكر والثقافة، وهنا تجلى العنف. يقول كان فون كلوزفتش:” ولأجل أن تتغلب القوة على القوة، فإنها تستعل كل ما توفره لها الصنائع والعلوم من وسائل “(5). أي أن العنف بما في ذلك العنف السياسي صفة المجتمعات المتحضرة التى غزتها العلوم والصنائع والأساليب الثقافية والعلمية بامتياز.

     إن الإنسان كائنا ثقافيا، ومفاد ذلك، أن عنصر الثقافة هو الذي هذب السلوك والفعل الإنسانيين، وجعل البشرية تخرج من عالم الفوضى والهمجية والتوحش، حيث حرب الكل ضد الكل ، وأن الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان، كما يقول طوماس هوبز، إلى عالم التحضر والنظام والإنصات لنداء القانون والعقد الاجتماعي. يقول إميل دوركايم:” فمن المجتمع يأتينا خير ما فينا [ الثقافة والتربية والتنشئة الاجتماعية]، ومنه تنبع الأشكال العليا لنشاطنا [ كالتفكير والتأمل …ألخ]” (6). لكن، رغم حصول الوعي الثقافي لدى  الإنسان، إلا أن العنف لازال حاضرا، وسائلا في الوجود، فهو ظاهرة إنسانية، ووسيلة ليس للدفاع عن النفس وبقائها في الوجود فقط، وإنما أصبح في زمننا المعاصر أداة  للبحث عن الموارد البشرية والطبيعية واستنزاف خيراتهما، والتحكم في الإنسان،” فالحرب فعل من أفعال القوة / العنف، نحاول بواسطته إرغام الخصم على الخضوع لإرادتنا” (7).مما استوجب الدخول في صراعات ونزاعات واحتراب مع الغير، ونظرا لخطورة العنف في زمننا المعاصر، فإن المدارس السيكولوجية خصصت حيزا هاما للحفر فيه، بغية تحديد ماهيته، وإدراك تمفصلاته، مؤكدة أن العنف كعدوان كامن في الطبيعة الإنسانية ومتأصل في الفعل والسلوك. فهناك عنف مضمر وفي حالة كمون، ولا يتمظهر إلا في حالة غياب التوازن النفسي للعضوية الحية، خصوصا في حالة الدفاع عن النفس، حيث يتحول الإنسان المسالم إلى شخص عنيف وعدواني، وهذا ما يفسر كون الدفاع عن الذات مرتبط بطاقة كامنة في باطن الإنسان، فهي التي تحركه إما في الاتجاه السلبي أو الايجابي .لذلك، فالعنف منغرس في الطبيعة الإنسانية ويتبدى بين الفينة والأخرى، في شكل أفعال سلبية أو ردود أفعال:” أي أن العنف بما هو استعمال سلبي للقوة يحولها من طاقة ضرورية للإنسان، لبناء ذاته و مجتمعه و حضارته، إلى طاقة تدمير”(8). إنه لمبدأ عام أن صراعات المصالح بين الناس تسوى باستخدام العنف. وهذا صحيح بالنسبة للمملكة الحيوانية بأسرها، وهي المملكة التى لا يملك الناس استبعاد أنفسهم منها.”(9).

   يتضح أن الإنسان في حالة غياب المجتمع والثقافة يبقي كائنا عدوانيا بحيث لا يعرف كيف يستثمر تلك القوى القابعة في أعماقه. لكن، الثقافة هي التي جعلت الذات تدرك ذاتها، وتعي طبيعة طاقتها وقدراتها، حيث عمل الفرد بمعية المجتمع على تهذيب طبيعته المتوحشة، فصقل الفعل والسلوك الإنسانيين، وأصبح الإنسان أكثر إنسانية من حيث المبدأ. الم يقل علماء الانتروبولوجيا أن الإنسان كائنا ثقافيا بامتياز، و”أن كل فعل إنساني هو فعل بيولوجي- ثقافي”(10).   وهكذا فالتربية والتنشئة الاجتماعية هما اللذان أخرجا الإنسان من دائرة الحيوانية إلى دائرة الإنسانية. ليغذوا كائنا اجتماعيا منتميا إلى جماعة بشرية منظمة محكومة بقوة القانون والتعاقد الاجتماعي. فإذا كان الإنسان كائنا واعيا، فإن وعيه هذا حقيقة تجلى في تأسيس مجتمع ودولة وخلق عقد اجتماعي لتنظيم الحياة بمختلف تجلياتها، فكيف نفسر ظهور العنف السياسي ؟

2الدولة، والعنف السياسي

    إذا كان الإنسان كائنا سياسيا، فإنه أيضا كائنا عدوانيا وعنيفا، فتطور العنف لديه مرتبط بتقدم المجتمعات البشرية. والنتيجة ميلاد ما يسمى بالعنف السياسي، الذي ارتبط بالممارسة السياسية وبالتنظير للسلطة الحاكمة، وسمته، أنه معقد ومركب، وتتداخل فيه عدة مفاهيم سياسية، كالمشروعية، والحق والقانون والسيادة، أضف إلى ذلك أنه يتموقع ضمن فضاء زمكاني معين، ويجد مبرر وجوده في سلطة الدولة كقوة مؤثرة في الأفراد والجماعات، وهو الأمر الذي جعله أكثر خطورة، لأنه يستمد شرعيته من شرعية وجود الدولة/السلطة نفسها، فإذا كانت الدولة كائنا عاقلا حسب عبارة هيغل، فإن العنف السياسي منوجد بها وعن طريقها، يقول ماكس فيبر” فلو وجدت بنيات اجتماعية لا تعرف العنف لاختفى مفهوم الدولة، ولما بقي إلا ما نطلق عليه الفوضى “(11). بمعنى، لا يمكن تصور وجود دولة لا تمارس العنف، ولو بمقدار ضئيل، اللهم إلا إذا كنا نتحدث عن دولة مثالية لا وجود لها في الواقع. بينما الدولة الواقعية والواقعة في حدود جغرافية معينة فهي” كائن مجرد، لكنه ملموس وموجود اجتماعيا، شأنه في ذلك، شأن السلطة والقيمة التبادلية والنقد. وهذا ما يشكل السر واللغز شبه اللاهوتي لأشكال الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”(12). وهنا تتعقد المسألة، لأن تنازل الناس عن قسط من حرياتهم وتفويض أمرهم إلى سلطة عليا، يستوجب عقليا الانصياع لتلك السلطة، لأنها هي الضامن الأساسي لحقوق الأفراد والجماعات. يقول سبينوزا :” فإنهم ما كانوا ليعيشوا بسلام لو لم يتخل كل فرد عن حقه في أن يسلك وفقا لما يمليه عليه قراره الشخصي، وعلى ذلك، فإن الحق الوحيد الذي تخلى عنه الفرد هو حقه في أن يسلك كما يشاء وليس حقه في التفكير والحكم.”(13).

    وبناء عليه، يمكن القول أن الدولة باعتبارها راعية حقوق الناس والمحافظة على أرواحهم وحرياتهم، فإنها قد تلجأ إلى ممارسة نوع معين من العنف يتماشى مع طبيعتها كدولة منظمة. ” يجب أن نتصور الدولة المعاصرة كتجمع بشري يطالب، في حدود مجال ترابي معين، بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع وذلك لفائدتها”(14). بما في ذلك العنف السياسي، الذي يتمحور حول مفهوم السلطة، وأحقية فرض النظام من عدمه، فمادامت الدولة الحديثة دولة حق وقانون وفصل السلط، وتستمد شرعيتها وقوتها ليس عن طريق القوة والانقلابات، وإنما، عن طريق تعاقد الأفراد والجماعات، فإنه يحق للأفراد تقييم سياستها، والحكم عليها، كي لا تتحول إلى دولة ديكتاتورية.  يقول سبينوزا” (…)، لكن المرء يستطيع أن يفكر وأن يصدر حكمه، ومن ثم يستطيع الكلام، بحرية تامة،(…)، شريطة ألا يتعدى حدود الكلام”(15). فسبينوزا يؤسس لدولة العقل والحرية، لأنه يعتبر الوجود الإنساني قائما على حتمية وجودية تتجلى في أن يحافظ على ذاته من الهلاك والضياع، لذلك، فوجود الدولة الراعية والحامية لحق الفرد والجماعة في الحرية والمساواة شرطا ضروريا لا محيد عنه،(لأن)”سلطة دولة الحق تتخذ ملامح ثلاثة: القانون والحق وفصل السلط، وتضمن جميعها احترام الشخص وتسهر على تأسيس هذا الاحترام. تتوفر دولة الحق على كل التنظيمات التي تضمن العمليات التي يرى بفضلها كل الأفراد أنهم محترمون ومحميون ” (16).

   إن الوجود الفردي والجماعي، لا يتحقق إلا بوجود دولة/ سلطة، علما أن الفرد يجب أيضا أن يكون مندمجا ومنخرطا وعضوا فعالا في المجتمع، فالدولة رغم ما تحمله من تناقضات سياسية إلا أنها الفضاء الذي تلتحم فيه الحقوق والواجبات والأخلاق، أي أن الدولة باعتبارها كيانا منظما يجب أن توفر الشروط اللازمة ليحقق الفرد فردانيته تبعا للقانون، ولا ريب في ذلك، مادامت  الدولة العصرية تتأسس سلطتها على مبدأ الشرعية والمشروعية، وعدم فعل  ذلك  يؤدي إلى وضعية سياسية متأزمة تنعكس سلبا على الحاكم أو المحكومين الذين يجدون أنفسهم  مرة أخرى أمام الفوضى والعبث السياسي. لهذا، وجب التمييز بين السلطة السياسية ومن يمارسها من جهة، والتمييز بين الدولة والسلطة من جهة ثانية.

  فإذا كان هناك تمييز بين السلطة السياسية ومن يمارسها، فإن هناك مقاربات سياسية معاصرة تؤكد أن السلطة ليست أجهزة خاصة في يد الدولة، ” فمشيل فوكو يعتبر أن الدولة ذاتها، مفعول وأثر للمجموع، ونتيجة لكثير من الدواليب والبؤر التي موضعها في مستوى مختلف أتم الاختلاف”(17). فالسلطة كقوة للتأثير في الأفراد والجماعات ليست غاية في ذاتها، ولكنها وسيلة لتحقيق ما ينبني عليه الوجود الجماعي؛ فالذي يمارس السلطة قد يلجأ إلى الخداع أو الغضب أو الحقد، والقتل والتعذيب والتنكيل والاعتقال، فينعكس ذلك سلبا على الدولة بوجه عام، بحيث تتحول الدولة إلى عنصرية طائفية تدعم فئة على حساب أخرى، تنتصر لحزب بعينه، ولا تقيم وزنا لبقية الأحزاب ألأخرى، وهنا مكمن الداء، لأن إحساس المواطنين بالظلم يولد لديهم رغبة اللجوء إلى العنف المضاد، فيم تجميع قوى الأفراد في قوة واحدة( الحشد)، التي تصبح قابلة للاشتعال في أي وقت، فيظهر عنف الأفراد والجماعات، ويتم اللجوء إلى وسائل غير ديمقراطية، كالعنف والسب والشتم، وأكثر من ذلك اللجوء إلى السلاح والتحريض ضد السلطة، وتعبئة الناس وغرس الكراهية في نفوس المظلومين في المجتمع، فيغذوا الفضاء العمومي حلبة للصراع والتمرد والعصيان والعنف المتبادل والفوضى. والسبب، ظلم الدولة أو السلطة. الم يقل ابن خلدون أن الظلم مؤذن بخراب العمران. وأن العدل أساس الملك.

    إن الدولة أو من يمثلها مطالبة بتحقيق التوازن الاجتماعي، والانتصار لقيم العدالة وتطبيق القانون، واحترام حقوق الانسان، سواء الطبيعية أو الوضعية ففعل ذلك يجعل الدولة، كتنظيم سياسي وقانوني واجتماعي واقتصادي تسموا على جميع إرادات الأفراد، فهي تخلق علاقات السلطة بين الناس وتعمل على تحويلها إلى طاقة للإنتاج والتنمية بشكل منظم ومنتظم، إنها سيرورة تفاعلية تجعل الدولة تمارس تأثيرا منظما ومعقولا، وتقف  في وجه من يقاومها، وتعمل على حماية حرية الحقوق، وتضمن الأمن والاستقرار.” إن الدولة بشكل عام، أو السلطة القائمة في مجتمع معين، هي دوما وسيلة للهيمنة؛ وفي الوقت نفسه وسيلة لضمان نظام اجتماعي وإدماج الكل في الجماعة لتحقيق الخير المشترك. وتتغير نسبة كل من هاتين الوسيلتين وفق [الحالات] والظروف والبلدان. غير أنهما يتعايشان معا باستمرار”(18).

      إن العنف السياسي من وجهة نظرنا يتسم بالجماعية، ويتحكم فيه الطابع الاجتماعي، حيث الانتماء إلى دولة. فالنظام السياسي عندما يتخذ من العنف وسيلة لممارسة السلطة، فإن النتيجة تحول النظام الحاكم إلى نظام ظالم، وتظهر الفوارق الطبقية؛ وهنا تلجأ الطبقة المهمشة إلى الانخراط في ممارسة العنف، ساعية إلى الإطاحة بآليات القهر والقمع والسيطرة. بمعنى أن ممارسة العنف والتنظير له من طرف الأفراد، يتخذ سمة جماهيرية حيث العفوية والتلقائية، فهل يحق للأفراد اللجوء إلى العنف السياسي لمواجهة الدولة والسلطة الحاكمة؟

    العنف السياسي المتبادل مؤشر سياسي واجتماعي على غياب الثقة بين الحاكم والمحكومين، ودليل على عدم الاستقرار الاجتماعي، الذي سيفضي حتما إلى المعاناة الجماعية، وهنا يمكن أن نؤكد أن العنف السياسي في بعض الأحيان، ينشأ بين الجماعات السياسية المتنافسة أو بين الأحزاب الطامحة إلى تدبير شؤون البلاد، فيظهر السب والشتم ونشر الوشايات الكاذبة؛ فالخصم السياسي هنا، لا يتوسل بأدوات الحوار والمناظرة وإعمال العقل والمنطق، ولكنه يستعين بالمكر والدهاء السياسي السلبي، مادامت الغاية تبرر الوسيلة.

  مجال السياسة، مجال صراع وتنافس لذلك، فالمعارضة تلجأ في بعض الأحيان إلى تلك الأساليب اللاديموقراطية لإجبار السلطة التنفيذية على الاستجابة لبعض مطالبها، أو معارضة سياسة حكومية غير مرغوب فيها، بحيث يتحول العنف المعنوي إلى إضرابات واعتصامات مفتوحة. وبمنطق رياضي نقول: أن العنف السياسي عبارة عن متتالية هندسية، عناصرها متراكبة الواحدة تؤدي إلى الأخرى. وبالرغم من الاختلافات الموجودة بين الباحثين السياسيين وعلماء الاجتماع السياسي حول أسباب وأهداف العنف السياسي فإن أغلبهم يجمعون على أن العنف السياسي تستخدم فيه القوة المادية أو التهديد لتحقيق أهداف سياسية، أي أن العنف السياسي هو اللجوء إلى القوة لمواجهة الأفراد أو الجماعات، استنادا إلى القانون لإحداث تغيير في سياسة النظام أو أشخاصه، ولذلك، فإنه موجه أيضا لإحداث تغيرات في وجود الأفراد داخل في المجتمع. لذا،فهو ” يتميز بطابعه ألأداتي. إنه من الناحية الظاهرية قريب من القدرة، بالنظر إلى أن أدوات العنف، إنما صممت واستخدمت بهدف مضاعفة طبيعة [ السلطة]”(19). وهنا يجب أن نميز بين شيئان أساسيان هما:

  • كل دولة تنبني على العنف (تروتسكي)، وأن العنف أداة إقناع ( لينين). بمعنى، لا يمكن تصور وجود دولة لا تمارس سلطتها دون اللجوء إلى شكل من أشكال العنف. مادامت الغاية هي فرض النظام وتحقيق ألأمن والاستقرار، وترسيخ مبادئ الحرية التي تحتاج إلى سلطة، ولأن نزعة الشر مؤصلة في كينونة الإنسان، فالناس في بعض الأحيان لا تردعهم القوانين والأخلاق، فيكون اللجوء إلى العنف والقوة والمكر والدهاء الوسيلة الناجعة لردع المتمردين. يقول ماكيافيلي:” على ألأمير أن يعلم جيدا كيف يتصرف كالحيوان، عليه أن يقلد الثعلب والأسد في نفس ألان(…) على الأمير أن يكون ثعلبا لمعرفة شبكة الفخاخ، ويكون أيضا أسدا ليخيف الذئاب”(20). فماكيافيلي يؤكد على ضرورة اللجوء إلى القوة، ولا عيب في ذلك، ففي البلدان العريقة ديمقراطيا يبرر اللجوء إلى العنف قانونيا، غير أن العنف لا يجب أن يكون غاية الدولة، والوسيلة الوحيدة لضبط الناس. مع العلم، أن هناك فرق ما بين الدول الديمقراطية التي تمارس العنف بشكل تناسبي، وبين الدول الديكتاتورية المتخلفة التي أصبح العنف والقمع فيها متجذران في بنية نظامها. لذا، فالدولة، حسب ماكس فيبر هي المؤسسة التي تمتلك احتكار العنف المشروع يقول:” إن الدولة المعاصرة كتجمع بشري يطالب، في حدود مجال ترابي معين بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع، وذلك لفائدتها”(21).

   إن طبيعة القوة التي يدعوا إليها ماكيافيلي عندما تقترن بالسياسة تلحق الضرر بالفضاء العمومي، وتفضي إلى انتشار المكر والخداع وتتوارى القيم الأخلاقية النبيلة التي يجب أن يتصف بها من يمارس السلطة السياسة، فالسياسة الرديفة للقوة كعنف، أدت عبر التاريخ إلى نشوء نزعات لا أخلاقية، تجلت في الحركات العنصرية، وتشكيل أنظمة احتلالية، تتوسل بالقوة لإرغام ألأخر والقضاء عليه، مادامت الغاية تبرر الوسيلة. والسبب، هو الفصل الممنهج بين السياسي والأخلاقي، وتوظيف الرؤية الماكيافيلية بطريقة إيديولوجية لمنح الحاكم حق اللجوء إلى جميع الوسائل المشروعة أو غير المشروعة، وحتى العقل، يغذوا في هذه الحالة، أداتيا، متسلطا، محكوما بهواجس المنفعة والمصلحة.

   فالفصل بين المجالين: السياسي و الأخلاقي ينعكس سلبا على ثنائية العلم و الأخلاق، فعدم ضبط العلم بالمعايير الأخلاقية، يؤثر على الإنسان والبيئة والكون بصفة عامة حيث استنزاف خيرات الطبيعة وتسخيرها لصالح الإنسان، إضافة إلى الانفجارات والقنابل النووية، وميلاد أبشع الظواهر خطورة، كالاستنساخ مثلا. إنها الرؤية السياسية الوضعية التي همشت الدين واقتلعت الأخلاق من المجال السياسي، وحولت الفضاء العمومي إلى ساحة للصراع، حيث البقاء للأقوى.

   إن الأخلاق تجعل العقل السياسي الممارس للسلطة منفتحا غير منغلق على ذاته، ولا متمركزا حول قوته التي تؤدي إلى إلغاء ألأخر وتهميشه. وألأخطر من ذلك، أن العقل السياسي الوضعي يتحرك في فضاء الثنائيات: الخير والشر، الشمال والجنوب، التحضر الغربي والتخلف العربي…الخ. وهي ثنائيات تعكس   في العمق أزمة العقل الغربي، حيث الانتصار ليس للمرجعية الكلية التي تأخذ بعين الاعتبار مكانة الدين و الأخلاق، ولكنها مرجعية مركزها المصلحة، ومحركها العقل السياسي الاداتي والوضعي، وعليه، ففصل الأخلاق عن العقل على الطريقة المكيافيلية، يجعل العقل أداة مكتفية بذاتها، مدركة للواقع على نحو منفعي، و هنا يصل الإنسان إلى مرتبة يدعى فيها أنه وصل إلى الحقيقة/ المنفعة، وعن طريقها يتحكم في العالم/ الدول / الإنسان/ الحضارات ألأخرى، حيث الاستعمار والاستغلال والإبادة. إنها رؤية في الظاهر  تدل على عظمة العقل وقدرته على التغيير والتحكم، ولكنها في العمق تعكس الرؤية الجهنمية المشوبة بالصراع الوجودي والعنف المادي والهيمنة الخفية على العقول والنفوس.

  • مادام الفرد طرف فعال في صياغة العقد الاجتماعي/الدستور، وأن العقد كاتفاق قائم على روح التفاهم والتنازل المتبادل بين الأفراد، فهو إتفاق حاصل بين الأفراد، وفكرة السيادة للعقد المتفق عليه، لذلك، فلجوء الأفراد إلى شكل من أشكال العنف، يعني الإخلال بمبدأ الالتزام التعاقدي، مما يفتح الباب لتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، والنتيجة العودة إلى حالة الطبيعة الأولى حيث حرب الجميع ضد الجميع، لهذا، لا يحق للأفراد اللجوء إلى العنف، فعنف الدولة لا ينبغي أن يواجه بعنف مضاد.

       إن بناء دولة، وتأسيس عقد إجتماعي يفضيان إلى القول بأن الدولة ليست ظاهرة طبيعية، ولكنها أعظم ابتكار بشري إرادي، فالطبيعة ملازمة للفرد كفرد، بينما المجتمع والدولة تم ابتكارهما بواسطة الاتفاقات المبرمة بين الناس بغية ايجاد صيغة قانونية توافقية يحتكم الجميع اليها، وعليه، فالقواعد السياسية والاجتماعية والقانونية تستنبط من ذلك التعاقد، فقبل التعاقد لم تكن هناك سلطة، وإنما فقط حقوق طبيعية، وبذلك فإن ما يجمع الأفراد ويوحدهم هو قبولهم بالاتفاق ورضاهم عنه. فلا مسوغ هنا للاستنجاد بالعنف السياسي. يقول ايمانويل كانط:” كل معارضة للسلطة التشريعية العليا، وكل تمرد للرعية بغرض التعبير عن غضبها، وكل عصيان يعتبر في الحكم الجمهوري جريمة خطيرة ينبغي إدانتها، لأنها تهدم أسس الحكم ذاته، إلى درجة أنه حتى في حالة ما إذا قامت السلطة أو من يمثلها بخرق الميثاق الأصلي [/ الدستور] (…)، فإن ذلك لا يسمح مطلقا للرعايا أن يقاوموا أو يعترضوا على العنف بعنف- مماثل”(22).

    إن تصور كانط التأسيسي لثنائية الراعي/الدولة/الحاكم، والرعية/الشعب، يعتبر من الناحية السياسية، موقفا أخلاقيا مثاليا، لأنه اعتبر حق اللجوء إلى مقاومة الجور والطغيان والاستبداد الداخلي للدولة من الجرائم الشنعاء التي يعاقب عليها القانون. علما أن الدفاع عن النفس حق من الحقوق الطبيعية التي رسخها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد الثورة الفرنسية، لذا، فرؤية كانط أخلاقية بامتياز، وتكشف عن الشرخ العميق بين النظام ألأخلاقي والنظام القانوني. فقد أكد أن المقاومة وحدوث الثورة انتهاك وخرق للقوانين التي يجسدها الوضع القائم. بمعنى، لا ينبغي تغيير القوانين عن طريق خرق القانون ألأصلي(الدستور)، ولعل رفض كانط للمقاومة والثورة راجع إلى خوفه من إحداث الفوضى في النظام القانوني، ومن يفكك أطروحة كانط يجدها ملتبسة. ففي الوقت الذي نجده يرحب بالثورة الفرنسية كحدث عظيم دال على تقدم الفكر الإنساني، نجده في المقابل ينتقدها، مبرزا أنها حدث لم يستند إلى أية قواعد حقوقية أو قانونية. وبالتالي، إدانة جميع أشكال الثورة والتمرد والعصيان ضد السلطات القائمة، ومنح المقهورين والمضطهدين حق اللجوء إلى المقاومة. لكن، عن طريق التفكير والقلم.

   وبناء عليه، ولكي لا ينتشر العنف السياسي ويشتد، يجب على الدولة ومن يمثلها المحافظة على خيرات الناس وتنميتها، و صيانة حقوقهم كاملة، فهي أصل وجودهم ومناط فعلهم وشغلهم، وانه لا مجال لأن تمتد سلطة الحاكم مثلا فتفرض أشياء لها علاقة بالفكر الكنسي والذي يصطلح عليه حسب جون لوك بنجاة النفوس، لأن مملكة الاعتقاد من الحقوق الفردية الشخصية، ولا دخل للدولة فيها .” فحقوق السلطة المدنية تنحصر خصوصا في المحافظة على تلك الخيرات، وتنميتها خصوصا دون غيرها، ولا ينبغي أو لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمتد إلى نجاة ألأنفس. لأنه لا الحاكم المدني، ولا أي إنسان أخر، مكلف برعاية النفوس”(23). فما علاقة السلطة بالعنف؟

ثالثا – السلطة والعنف

   إن العنف الذي تمارسه الدولة على الأفراد والجماعات داخل مجال جغرافي معين، مرتبط بجوهر الدولة ككيان عاقل قادر على ممارسة العنف السياسي المشروع الذي يتناسب ومنطق القانون، حفاظا على مبدأ السيادة للدولة. لذلك، فهي تلجأ إلى وسائل مشروعة وتحتكرها حفاظا على النظام العام، وخوفا من انتشار الفوضى في الفضاء العمومي، هذه المسألة لا خلاف حولها بين  علماء  الاجتماع السياسي. لكن، المشكلة عندما يتحول العنف إلى قهر وقمع وتعذيب وتنكيل، عنف لا حدود له ولا مبرر للجوء إليه في بعض الأحيان. فالأنظمة القمعية التي تأسست أصلا على ممارسة العنف عن طريق الانقلابات لا تتأفف من اللجوء إليه، لأن النظام المؤسس على اللاشرعية الشعبية والجماهيرية حتما سيكون متوجسا من النضالات الحرة، والوعي السياسي الممكن الحصول. فالدولة القمعية تلجأ إلى العنف الغير المشروع متذرعة بأن المخاطر تحدق بها داخليا وخارجيا. فداخليا تستحضر فكرة المؤامرة، وتجنيد قوى معارضة لخلخلة النظام السياسي القائم، ومن ثم تهديد أركان الدولة، فتلك القوى كما ينظر إليها لا تسعي إلى نيل الحقوق الطبيعية للنفوس الآدمية، ولكن الهدف، تقويض أسس الدولة / السلطة/ النظام السياسي، وجعلها تفقد هيبتها القانونية والاجتماعية والسياسية. وهنا نفسر سبب لجوء الدولة إلى القوانين الاستثنائية، كقانون الطوارئ مثلا، الذي ما هو في بعض الأوقات إلا حيلة سيادية من حيل الدولة المعاصرة لإضفاء الشرعية على بعض الممارسات اللاديموقراطية، والتي لا يحترم فيها حقوق الإنسان. كالتعذيب والتنكيل والتضييق على الأفراد، وهي أفعال سلبية تدل على حضور العنف السياسي المرتبط بقوة السلطة، بغية حيازة الشرعية السياسية لها بالقهر والتخويف. والأمر المريب هنا، أن الرغبة في التأثير على الأفراد والجماعات بالقهر والتنكيل، قد يجعل السلطة مهووسة بممارسة العنف، فتصبح أفعال وتحركات السلطة عبثية ولامعقولة(24).

   إن السلطة الحاكمة لها إستراتجيتها الخاصة لممارسة العنف السياسي، حيث يتدخل أصحاب العقول ومنظرو السلطة، لجعل العنف السلطوي بمختلف أشكاله، منهجيا وخاضعا لقواعد مضبوطة، بهدف خلق المسوغات القانونية والتبريرات الإيديولوجية لفعل ذلك. إن الساسة وخبراء السلطة وببرودة دم ينظرون ويؤسسون لنظريات القمع ومجابهة الشعوب الرافضة للظلم والمطالبة بالحقوق، إنهم يفكرون في الحيل والخطط الإستراتيجية لامتصاص غضب الجماهير، بدءا من إستراتيجية الإلهاء إلى إستراتيجية العنف المادي، لإرباك الأفراد.فالتفكير والتخطيط لهما دور ريادي هنا. الم تقل حنة أرنت أن “الحرب تبدأ في الرؤوس”. ونحن نقول معها بخصوص العنف السلطوي، إن التنظير لذلك، يبدأ في الكواليس والمكاتب المكيفة، دون إهمال أن العقل السياسي يمكر ويداهن باحثا عن أساليب القمع.

 إن التنظير لسياسة القمع والتنكيل، يجعلنا أما شبه علم، لا علم، فقوانين العلم واضحة ويتوسل بها لتحقيق منافع إنسانية ومجتمعية عملية ونظرية. لكن، ألأمر يختلف في مجال السياسية، حيث منسوب المتغيرات العشوائية حاضر بقوة. إضافة إلى ذلك، فالعنف السياسي، ليس دائما الوسيلة الناجعة لفرض السيادة واحترام القانون، فالتاريخ مليء بالشواهد الدالة على أن حبل العنف السياسي قصير.

    إن اللجوء إلى العنف، يتنافي ودولة الحق والقانون. تقول جاكلين روس:” إن دولة الحق لا تتمثل في تلك الصورة القانونية المجردة، بل تتمثل فيما يتجسد بقوة في واقع مجتمعاتنا، لأن القرن العشرين على وجه الخصوص يبلور نجاحها ويعبر عنه”(25). وتضيف: ” ما هي دولة الحق؟ إنها دولة فيها حق وقانون، يخضعان معا إلى مبدأ احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الإنسانية، وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف”(26). فالتوسل بالعنف معناه، التطبيع مع المزاج غير الواعي للعقل السياسي، والانحياز إلى الانفعال ورد الفعل، وإقصاء العقل والحكمة السياسية، ففعل ذلك يوضح بطريقة غير مباشرة، أن القانون الذي هو روح الشعوب الحديثة لم تعد له القدرة على خلق روح المنافسة السياسية المناسبة. حيث التقريب بين المواقف السياسية المتنافرة، وإرساء منهج الحوار تلافيا للإصتدامات التي قد تحدث. فعندما يتحول العنف إلى أداة إستراتيجية، يغذوا الإنسان المنظر لنظريات العنف معتقدا أنه فاهم لمجريات ألأحداث، ومحيط علما بالتقلبات السياسية والاجتماعية، فأخطر شيء، أن تدعي السلطة الحاكمة أنها تملك حق امتلاك حقيقة الفعل السياسي بشكل مطلق . فالأحداث السياسية المتعثرة، تفضي من حيث المبدأ إلى إجراءات رتيبة و إستباقية، كنتيجة للتوقعات السياسية الظنية، والسعي إلى إيجاد مخرج للأزمة السياسية. ولا ننسى أننا نتحدث عن المجال السياسي، حيث تضطرد النظريات، ويصبح العدو صديقا، والصديق عدوا، فعالم السياسية متغير ومتقلب احتمالي. هذا ما أكده بصيغة أخرى برودون بقوله:” خصوصية اللامتوقع تتجاوز حذر رجل الدولة تجاوزا كبيرا”(27).

     إن الخوف من التمرد والعصيان على السلطة يبرر نظريا  سبب إحتمائها بالعنف، ومحاولة تبريره بمبررات تبدو في بعض ألأحيان واهية وغير منطقية، تشي بفشلها وعدم قدرتها على إدارة ألأزمات السياسية بحنكة وتبصر، ودليل على غياب الحلول الواقعية والأكثر نجاعة، أقصد الحوار، والإنصات، وخلق فضاء حر لتبادل الأفكار والمواقف السياسية؛ فعوض أن تفعل  الدولة ذلك فإنها تستعين بمنظري وخبراء فن ممارسة العنف، والنهل من  نظريات بيولوجية، تمجد مبدأ،”أن البقاء للأقوى”، وأن ما يسري على المملكة الحيوانية، يصل صداه إلى المملكة الإنسانية. وهنا نرى، أن اللجوء إلى العنف السياسي، يدل على غياب الثقة بين الدولة كأعلى سلطة، وبين ألأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، وميسم أيضا على أن ألأطراف السياسية المتصارعة داخل المجتمع يفتقدون لروح المناظرة السياسية الجادة حيث يكون محرك الفعل السياسي هو العقل والمنطق. لا الأهواء والرغبات الذاتية، والمصالح الشخصية والحزبية. وعندما تشعر السلطة بأنها لم تعد قادرة على إبداع حلول سياسية فعالة، فإنها تلجأ إلى الحيل الماكرة، مستعينة بمبدأ: الغاية تبرر الوسيلة. والتى نجملها في الخطوات التالية:

 – اللجوء إلى إستراتيجية الإلهاء، وذلك بافتعال أزمات هامشية وغير جوهرية، للتغطية على المشاكل الحقيقة، كالظلم والتعذيب…إلخ.

– إستراتجية الهيمنة الخفية والتنويم المغناطيسي، حيث يتم احتواء ألأفراد وإفراغهم من كينونتهم الخاصة، وتقوية الوجود المادي والمعنوي للسلطة. بحيث يصبح كل فرد مشابها للأخر، فالسلطة عملت على إفناء المميزات والصفات الجوهرية للكائن، وخلقت لديه شعورا وهميا بالانتماء إلى الحشد المتحرك. فالسلطة أداة تحكم، والتحكم مرتبط بغريزة السيطرة على الغير.” هنا على الفور نتذكر ما قاله سارتر عن العنف حين نقرأ لدى جوفينيل أن( المرء يشعر بنفسه أنه أكثر من مجرد إنسان حين يتمكن من فرض نفسه، وجعل الآخرين أدوات لتحقيق رغبته)، مما يعطيه ( لذة لا تضاهي). السلطة كما كان يقول فولتير(تقوم في جعل الآخرين يتصرفون تبعا لاختياراتي). السلطة توجد حيثما يكون من حظي أن (أفرض إرادتي رغم مقاومة الآخرين لها”(28).

– اللجوء إلى المواجهة الغير المباشرة، وذلك كالاعتقال السري، والاختطاف، والتشهير، وخلق عادات سيئة كنشر الشائعات، بحيث يتم فقد الثقة في الفرد أو الجماعة كلية تمهيدا للقتل المعنوي. فالنظام السياسي هنا ينظر إلى المعارضين السياسيين على أنهم فائضين أو زائدين عن الحاجة السياسية، لذا، وجب التخلص منهم ورميهم إلى واقع معسكرات الاعتقال المرعب، حيث يمر الفرد عبر سيرورة قاسية لتجريده من صفته الإنسانية. ثم قتل الشخصية القانونية للإنسان، بمعنى تجريده من حماية القانون له، وكأنه نكرة، ينظر إليه كفرد خارج عن القانون. ولا تكتفي السلطة بذلك، بل، إنها تلجأ إلى المرحلة الحاسمة، وهي قتله أخلاقيا، عبر إفساد جميع أشكال التضامن والتعاون و التواشج الإنسانيين. وأخيرا يتم اغتيال فردانية الفرد، بحيث يتحول إلى مجرد دمى مثيرة للقرف، إنه الجحيم المرعب حيث ” التلاعب يمكن أن يمارس على البشر عبر الضغط الجسدي والتعذيب والحرمان من الطعام، كما يمكن لأراء هؤلاء أن تكون عبر إعلام مقصود ومنظم، ولكن، ليس عبر قوى إكراه خفية، مثل التلفزة والإعلان، أو أي وسيلة نفسانية من الوسائل المعروفة، في مجتمع حر”(29). إنها المواجهة المباشرة، بحيث يتحول العنف السياسي إلى عنف مادي، تستخدم فيه جميع الأساليب الوحشية.

   وروح القول هنا، أن العنف السياسي كان حاضرا بالقوة والفعل في تاريخ المجتمعات الحديثة والمعاصرة، فهو ظاهرة بشرية وتاريخية ملازمة للفعل السلطوي للتجمع البشري / الدولة. بما في ذلك المجتمعات التي تنهل من الفكر الديمقراطي لحل أزماتها، بحيث أصبح التنظير لمسمى العنف المشروع والغير المشروع حاضرا بقوة في النظريات السياسية المعاصرة. لذلك، يجب فهم العنف السياسي بشكل أعمق، وتحديد تمفصلاته السياسية والاجتماعية، خصوصا في زمن أصبح ينظر فيه إلى العنف، على أنه فعل بديهي ومسلمة لا مفر منها. فأينما وجدت سلطة، فثمة حتما وجود لشكل من أشكال العنف. وهنا نقول، أن الظاهرة عندما تصبح بديهية، فإما أن يفكر فيها بشكل جدي ومعقول، وذلك باستشكالها والتساؤل عن حدود منطلقاتها، والدفع بها إلى تخومها القصوى. وإما أن لا يفعل العقل السياسي ذلك، فيطبع معها، وأخطر تطبيع هو ذلك الذي قد يقوم به المثقف أو المفكر، وكمثال على ذلك، فإرنست رينان على قناعة كاملة من أن الشؤون المرتبطة بالعنف كانت ” دائما عبثية، وغير جادة،وغير دقيقة”(30).

    إن أغرب النظريات السياسية هي تلك التي ترى أن العنف كقوة تعسفية شيء عادي ومن صميم الوجود الإنساني، لأن الله دائما كان في صف الطرف ألأقوى على حساب ألأضعف، ألم يقل أرسطو” العبد عبد بالطبيعة والسيد سيد بالطبيعة، ومن حق ألأقوى أن يتحكم في ألأضعف”، وهناك نظريات أخرى ترى أن العنف السياسي ظاهرة هامشية وليست مركزية، ومن ثمة لا تستحق الدراسة، فجون كلوزفتش يؤكد “أن الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى”(31).

    إن العنف السياسي، يؤدي إلى انعدام الثقة بين القوى السياسة الفاعلة في الدولة والمجتمع، أعني الحكومة والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني. ويكرس ثقافة الاستقواء والتميز، استقواء بعض التيارات على حساب أخرى. وذلك خلل سياسي، يشي بفقدان الشعب ثقته في مؤسساته، ويجعل الدولة/ السلطة ضعيفة وهشة وغير قادرة على تحقيق التوازن السياسي المطلوب، وزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد. وحدوث الاضطرابات الاجتماعية التي تنعكس سلبا على التنمية الاقتصادية للدولة، حيث تهريب الأموال وتعطل عملية الإصلاح، وتدهور مؤشر التنمية، والأخطر من ذلك بروز النزعات التي تميل إلى الطائفية و الاحتراب. فالطائفية لازالت حاضرة في بعض المجتمعات العربية التي تتحصن بفكر” القبيلة والغنيمة والعقيدة، ثلاثة مفاتيح نقرأ بواسطتها التاريخ السياسي العربي، فهي إذن محددات العقل المباطن لهذا التاريخ”(32). فالصراع السني – الشيعي أبرز مثال على ذلك. وبالتالي،ضرورة استلهام  تجارب ألأمم والشعوب والحضارات ألأخرى، ليس بهدف الذوبان ونسيان الخصوصية، وإنما السعي إلى تحقيق الوعي المفضي إلى معرفة عناصر النهوض الحضاري والشهود الإنساني. فلا يجب أن نلزم أنفسنا على التفكير بإتباع الأخر حذو النعل بالنعل بشكل مطلق. فذلك عيب وسقوط في النزعة الاختزالية التطابقية التي تؤدي إلى  مسخ الهوية واللغة والثقافة.

     لذلك، يجب أن نهتم بخصوصيتنا التي تميزنا، والتي نكتشف عن طريقها ما هو كوني وإنساني؛ فمعرفة الخصوصية وإبراز عناصر القوة في ديننا وحضارتنا وفكرنا يجعلنا نخرج من دائرة الجمود والتقليد والتبعية إلى دائرة التجديد والإبداع. فمثلا، إدراك معرفة سر التسامح، يقتضي منطقيا فهم الخصوصية الدينية والثقافية، فيصبح كل شيء جدير بالتقدير والاحترام. فالدين ليس وسيلة لبث الرعب في النفوس، وتحويل الحياة الإنسانية المشتركة إلى جحيم لا يطاق، وإنما هو أداة لنشر الرحمة في العالم، وإنقاذ الذات من الضياع والتيه  الذي خلفته العولمة وثقافة السوق و الإيديولوجيات الهدامة.

   يجب أن نرسخ في أوطاننا أسس دولة الحق والقانون والحرية والكرامة الإنسانية، ومفتاح ذلك، إرساء دعائم الحياة السياسية المشتركة، وخلق فضاء عمومي يسع الجميع، وغرس قيم الاختلاف والتسامح، وتقوية المجتمع المدني كرافعة لإشراك المواطنين في تدبير شؤون الدولة.إن الأفراد بحاجة إلى دولة ديمقراطية، أركانها: الحق والقانون والكرامة الإنسانية والحرية، دولة اجتماعية، غايتها، توطيد دعائم علاقات الود والاحترام والصداقة، والاحتكام إلى القواعد القانونية المنظمة للفضاء العمومي، لذلك، لابد من البحث عن كيفية دائمة لتأسيس قواعد عمومية للإتفاق السياسي، وتقديم تصورات سياسية معقولة وواقعية، لجعل الكل يستضيف الكل، وجعل المواطنين قادرين على نقد ومساءلة السلطة السياسية والحكم عليها قانونيا وعقلانيا ودون اللجوء إلى العنف بمختلف أشكاله. فالدولة الحديثة تتميز بقوانينها العقلانية، ولكن إدخال هذه القوانين يعتمد على شروط اجتماعية، وتاريخية، وفي حالة غيابها تكون هذه القوانين هشة، أو حتى مضرة.


الهوامش:

 (1)  Eric Wei , logique de la philosophie , éd. J. vrin, paris 1985, pp.20.

(2) جون لوك، رسالة في التسامح، ترجمة عبد الرحمان بدوي،(بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1988)، ص 70.

(3) حنة أرندت، في العنف، ترجمة، إبراهيم العريس،( دار الساقي، بدون تاريخ)، ص 4 .( بتصرف)

(4) ابو زيد المقرئ الإدريسي، معضلة العنف، رؤية إسلامية،( الدار البيضاء: مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات، 2006)، ص 18.

(5) كارل فون كلوزفتش، في الحرب، ترجمة أكرم ديري والهيثم ألايوبي، الطبعة الثانية 2،( بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980)، ص 140. .( بتصرف)

(6) إميل دوركايم، التربية ألأخلاقية، ترجمة محمد بدوي،( دار مصر للطباعة، بدون تاريخ)، ص 88 . .( بتصرف)

[7] كلوزفتش، ص 141.

(8) الإدريسي المقرئ، ص 18.

(9) سيغموند فرويد، أفكار لأزمة الحرب والموت، ترجمة سمير كرم،(بيروت: دار الطليعة، 1977)، ص 45.

(10) Edgar Morin, l’individualité de l’homme, in philosophie, les intégrales contemporaines, fayard, 1980,p,44. .( بتصرف)

(11) ماكس فيبر، العلم والسياسة، ترجمة، جورج كتورة، الطبعة الاولى،( بيروت المنظمة العربية للترجمة،2011)، ص 111.

(12) هنري لوفيفر، الدولة والسلطة، ترجمة حسن أحجيج، مجلة فكر ونقد، العدد2، 1997، ص 144.

(13) باروخ اسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، الطبعة الرابعة، ( بيروت: دار الطليعة، 1997)، ص 446.

(14) فيبر، ص 112.

(15) سبينوزا، ص 447.

(16) Jacqueline Russ, les théories du pouvoir, librairie générale française ( cool. Poche), 1944, pp. 90

(17) جيل دولوز، فوكو، ترجمة سالم يفوت،تحت عنوان، المعرفة والسلطة،( الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1987)، ص 31.

(18) M. Duverger, introduction a’  la politique, paris, Gallimard, collection Idées 1964, pp.21.

(19)أرندت،ص 40-41.( بتصرف)

(20) نيكولاس ماكيافيلي ألأمير، الفصل الثامن عشر، ترجمة عبد الرحمان بدوي،( بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1988)، صفحة 70. .( بتصرف)

(21) فيبر، ص 113.

(22)Emmanuel Kant, sur L’expression courante : il se peut que ce soit juste en théorie, mois en pratique, cela ne vaut rein(1-93), trad. L. Guillermit, Ed. Vrin, 1980, pp. 42. .( بتصرف)

(23) جون لوك، ص 70.

(24) أرندت، ص 08.

(25) Jacqueline Russ, ibid,pp.91

(26) Jacqueline Russ, ibid,pp.91

(27) أرندت، ص 09.

(28) أرندت، ص 32.

(29) أرندت، ص 27- 28.

(30) أرندت، ص 10.

(31) أرندت،ص 12.

(32) محمد عابد الجابري، العقل السياسي العربي،( الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي،1990)، ص 50.

 

أولا : المراجع بالعربية.

– لوك. جون،  رسالة في التسامح، ترجمة عبد الرحمان بدوي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1988.

– أرندت. حنة ، في العنف، ترجمة، إبراهيم العريس، دار الساقي، بدون تاريخ.

– المقرئ الإدريسي. أبوريد،  معضلة العنف، رؤية إسلامية، الدار البيضاء: مؤسسة الادريسي الفكرية للأبحاث والدراسات، 2006.

– كلوزفتش. كارل فون، في الحرب، ترجمة أكرم ديري والهيثم ألايوبي، الطبعة الثانية 2، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات،1980.

– دوركايم. إميل، التربية ألأخلاقية، ترجمة محمد بدوي، دار مصر للطباعة، بدون تاريخ.

– فرويد. سيغموند،  أفكار لأزمة الحرب والموت، ترجمة سمير كرم، بيروت: دار الطليعة، 1977.

– فيبر. ماكس،  العلم والسياسة، ترجمة، جورج كتورة، الطبعة الاولى، بيروت المنظمة العربية للترجمة، 2011.

– لوفيفر. هنري، الدولة والسلطة، ترجمة حسن أحجيج، مجلة فكر ونقد، العدد2، 1997.

– اسبينوزا. باروخ، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، الطبعة الرابعة، بيروت: دار الطليعة، 1997.

– دولوز. جيل،  فوكو، ترجمة سالم يفوت، تحت عنوان، المعرفة والسلطة، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1987.

– ماكيافيلي. نيكولاس، ألأمير، الفصل الثامن عشر، ترجمة عبد الرحمان بدوي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1988.

– الجابري. محمد عابد، العقل السياسي العربي، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1990.

ثانيا : المراجع بالفرنسة.

 

– Edgar Morin, l’individualité de l’homme, in philosophie, les intégrales contemporaines, fayard, 1980.

– Eric Wei , logique de la philosophie , éd. J. vrin, paris 1985.

– Jacqueline Russ, les théories du pouvoir, librairie générale française ( cool. Poche), 1944.

– M. Duverger, introduction a’  la politique, paris, Gallimard, collection Idées 1964.

– Emmanuel Kant, sur L’expression courante : il se peut que ce soit juste en théorie, mois en pratique, cela ne vaut rein(1-93), trad. L. Guillermit, Ed. Vrin, 1980.