مجلة حكمة
تروتسكي

خطاب من ليون تروتسكي إلى أندريه بريتون/ ترجمة: محسن البلاسي


تقديم :

انفصل أندريه بريتون  عن الحزب الشيوعي الفرنسي والتجمع  الدولي للأحزاب الشيوعية في عام 1935 ، تاركًا وراءه سرياليين سابقين  مثل لويس أراجون وبول إيلوار ،
 أما هجوم  بريتون على الوحشية والإستبداد   الذي  أصبح نسخة ستالين للإشتراكية قد تم التعبير عنه  في المقالات التي لا غنى عنها لتوضيح الموقف السياسي للسريالية ، والتي تم تضمينها  تحت عنوان  “مظاهر السريالية”.
 بقي أندريه بريتون  صادقًا ومتسقا  مع تبنيه للماركسية والمادية الجدلية
 وتحالف  مع ليون تروتسكي والحركة التروتسكية حول العالم بالإضافة لتحالفه مع الكثير من الأناركيين، وهي خطوة شجاعة في فرنسا في ثلاثينيات القرن الماضي ، عندما كانت الستالينية تزداد قوة وتوحش . 

 

 سافر بريتون ، الذي كان في ضائقة اقتصادية  حادة في ذلك الوقت ، إلى المكسيك في عام 1938 لإلقاء محاضرات حول الاتجاهات الفنية الفرنسية واستغل هذه الفرصة لزيارة تروتسكي في مكانه في المنفى.  تم سرد قصة الزيارة في كتاب جان فان هيجينورت  (مع تروتسكي في المنفى ).  أحد المنتجات الرئيسية للقاء  بريتون مع تروتسكي  في كويواكان كان البيان الرائع (نحو فن ثوري مستقل )  ، شارك في كتابته ليون تروتسكي  والفنان المكسيكي دييجو ريفيرا بالإضافة إلى أندريه بريتون  وتم توزيعه في جميع أنحاء العالم.
بالإضافة إلى تأسيس _  fiari _ الإتحاد الدولي للفنانين الثوريين

 ووجه هذا التحالف  بين السرياليين والتروتسكيين  صفعة قوية على وجه  الجهاز الثقافي الستاليني القوي في جميع أنحاء العالم.

هذه  الرسالة من تروتسكي إلى بريتون ، مكتوبة بعد عودة بريتون  إلى فرنسا بعد لقاءه بتروتسكي ودييجو ريفيرا

(ظهرت هذه الرسالة في شتاء 1939)

 

الرسالة :

عزيزي بريتون

من كل قلبي أهنئ دييجو ريفييرا  وأهنئك على تأسيس _fiari _ الإتحاد الدولي للفنانين الثوريين حقا والمستقليين حقا ولما لا نضيف الفنانين حقا . لقد حان الوقت ، لقد حان الوقت جدا . لقد أصبح العالم بأسره قذر يفوح بالثكنات الإمبريالية  .

إن أبطال الديموقراطية مع دالاديه (1)  الفذ يبذلون أقصى جهد في رؤوسهم ليقلدون أبطال الفاشية ( وهذا لن يمنعهم من الهبوط إلى مرفأ معسكرات الإعتقال الفاشية )

وكلما كان الديكتاتور أكثر بلادة وجهلا زاد شعوره بالدعوة إلى إعطاء الأوامر الإلزامية  بخصوص تطور العلم والفلسفة والفن . إن المثقفين الخانعين يشبهون الأغنام ، وهذا ليس علامة تافهة على تعفن المجتمع  المعاصر ، فرنسا ليست استثناء .

لماذا الحديث على آراجون (2) وأيرينبيرج (3) وغيرهم من الأوغاد الصغار ، لماذا تسمية هؤلاء السادة ( الموت لم يعفهم ) من قاموا بحماس  بتأليف السير الذاتية للمسيح وستالين على قدم المساواة .

دعونا نتعدى مرحلة الرثاء ليس للتحدث عن الإنحدار الحقير لرومان رولاند (4)    لكن يشعر المرء بقوة بوجوب تجاهل قضية مالرو (5)   تابعت خطواته الأدبية الأولى باهتمام كبير في ذلك الوقت كان هناك بالفعل عنصر قوي من التكلف   يؤثر فيه ،  غالبًا ما كانت دراساته الباردة عن البطولية في أراضٍ أخرى تجعل المرء غير مستقر.  لكن كان من المستحيل حرمانه من الموهبة فمن خلال قوة لا يمكن إنكارها ، استهدف ذروة المشاعر الإنسانية و الصراع البطولي والتضحية بالنفس والكرب الشديد.

وقد يتوقع المرء وأنا  على سبيل المثال لدي  أملًا جادًا في أن يدخل الإحساس بالبطولة الثورية بشكل أعمق في كيانه ويطهره من التكلف ويجعله الشاعر الرئيسي لعصر الكوارث . ولكن ماذا حدث في الواقع ؟ أصبح الفنان مراسلا للإدارة السياسية  السوفيتية  _GPU _  

أو بائع متجول للبطولة البيروقراطية  في شرائح متناسقة بحصافة وحكمة فقط طويلة الأجل  وواسعة الإنتشار

(ليس لديهم بعد ثالث ) .

خلال الحرب الأهلية ، اضطررت إلى القتال بعناد ضد التقارير العسكرية الغامضة أو الكاذبة التي قدمها الضباط الذين حاولوا إخفاء أخطائهم وإخفاقاتهم وهزائمهم في سيل من العموميات.

إن الإنتاج الحالي لمالرو هو مجرد تقارير كاذبة من أرض المعركة (ألمانيا ، إسبانيا ، إلخ).  ومع ذلك فإن الكذبة تكون أكثر قبحا حين تأخذ شكلا فنيا . مصير مارلو يرمز إلى طبقة كاملة من الكتاب ، إلى جيل كامل تقريبا .

إنهم الجيل الذي يكذب بخصوص الصداقة المزعومة لثورة أكتوبر .

الصحافة السوفيتية التعيسة  بناء على أوامر من أعلى ، تشكو بمرارة  في هذه الأيام الأخيرة من “فقر ” الإنتاج العلمي والفني في الاتحاد السوفييتي  وتوبيخ الفنانين والكتاب السوفيتيين الذين يفتقرون إلى الصدق والشجاعة والحيوية .

لا يستطيع المرء أن يصدق عيناه :

 الحية العاصرة تسلم الأرنب عظة عن الإستقلال والكرامة الشخصية ،

إنها  الصورة القبيحة الدنيئة . ولكن كيف يستحق عصرنا هذا ؟

 

يجب أن يبدأ الكفاح من أجل الأفكار الثورية في الفن مرة أخرى بالكفاح من أجل الحقيقة الفنية، ليس من ناحية أي مدرسة واحدة ، ولكن من حيث الإيمان الثابت للفنان من داخل  نفسه ، بدون هذا لا يوجد فن.

يجب أن لا تكذب ! هذه صيغة الخلاص .

 

المفهوم الصحيح أن _ fiari _ الإتحاد الدولي للفنانين الثوريين ليس مدرسة فنية أو سياسية ولا يمكن أن يصبح كذلك ، لكن  الإتحاد الدولي للفنانين الثوريين يمكنه أن يؤكسد الجو الذي يتنفس فيه الفنانون ويبتكرون فيه .

في عصرنا الذي يتسم بالتشنج الرجعي والإنحدار الثقافي والعودة إلى الوحشية لا يمكن أن يكون الإبداع المستقل ثوريا بطبيعته لأنه لا يسعه إلا أن يبحث عن منفذ من الاختناق الاجتماعي الذي لا يطاق ، لكن الفن في مجمله  ، وكل فنان على وجه الخصوص يبحث عن هذا المنفذ بطرق مناسبة له بشكل خاص ولا يعتمد على أوامر خارجية بل يرفض هذه الأوامر ويحشد الإحتقار نحو كل من يقدمها .

لتشجيع مثل هذه المواقف بين أفضل دوائر الفنانين ، هذه هي مهمة _ fiari _ الإتحاد الدولي للفنانين الثوريين . أعتقد اعتقادا راسخا أن أسم الإتحاد  سوف يدخل التاريخ .

 

إليك .

ليون تروتسكي

كيواكان _ المكسيك

22 ديسمبر 1938

 

المصدر


هوامش المترجم :

1_ دالاديه :

إدوارد دالادييه ( بالفرنسية:  إدوا دالادجي؛ 18 يونيو 1884 – 10 أكتوبر 1970)
 كان سياسي فرنسي  إشتراكي وعضوا بارزا في الحزب الراديكالي كان  ينتمي إلى  يسار الوسط وكان رئيس وزراء فرنسا عند اندلاع الحرب العالمية الثانية . وُلد دالاديير في كاربنتراس وبدأ حياته السياسية قبل الحرب العالمية الأولى . خلال الحرب ، قاتل على الجبهة الغربية و بعد الحرب ، أصبح اشتراكيا بارزا في الحزب الراديكالي  وأصبح رئيسا للوزراء في عامي 1933 و 1934. كان دلادير وزيراً للدفاع في 1936  ورئيسًا للوزراء مجددًا في عام 1938.  جنبا إلى جنب مع نيفيل تشامبرلين ، وموسوليني و أدولف هتلر ، وقع دالادييه على اتفاقية ميونيخ في عام 1938، مما أتاح  لألمانيا السيطرة على السوديت . بعد غزو هتلر لبولندا في عام 1939 ، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا.
بعد هزيمة فرنسا حوكم بتهمة الخيانة العظمى   ووضع  في معسكر اعتقال بوخنفالد و بعد التحرير  استأنف  مسيرته السياسية كعضو في مجلس النواب الفرنسي من 1946 إلى 1958. توفي في باريس في 10 أكتوبر 1970.

2_ لويس آراجون : 3 أكتوبر 1897 _ 24 ديسمبر 1982 .

شاعر فرنسي ومن مؤسسين الحركة السريالية مع أندريه بريتون لكنه انقلب على الحركة السريالية وانضم للحزب الشيوعي الفرنسي المؤيد لستالين والنظام السوفييتي

3_  أيليا جريجوريفيتش إرينبرج ، كان من أكثر الروائيين  والصحفيين شهرة في الإتحاد السوفييتي   وكان مراسلا صحفيا في الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية الأسبانية والحرب العالمية الثانية .

4_  رومان رولاند
مسرحي ، كاتب ، مؤرخ فني ، روائي ، عالم موسيقى فرنسي ولد في يناير 1866 وتوفى في  30 ديسمبر 1944
وحصل على جائزة نوبل عام 1915
كان أحد كبار المؤيدين للستالينية في فرنسا ، وهو معروف أيضًا بمراسلاته مع سيجموند فرويد. 

 

(شهد عام 192 3 بداية المراسلات بين المحلل النفسي سيجموند فرويد ورومان رولاند ، الذي وجد أن الإعجاب الذي أبداه لفرويد قوبل بالمثل  (أعلن فرويد في رسالة إليه: “لقد سمح لي بتبادل التحية معك ستبقى ذكرى سعيدة حتى نهاية أيامي. ساعدت هذه المراسلات فرويد لصياغة مفهوم ” الشعور المحيطي ” الذي طوره رولاند من خلال دراسته للتصوف الشرقي . افتتح فرويد كتابه  الحضارة وسخطها (1929) بمناقشة حول طبيعة هذا الشعور ، الذي سبق و لاحظه  “صديق” مجهول. هذا الصديق كان رومان رولاند. سيبقى لرولاند تأثيراً على  بعض عمل فرويد ، حيث يواصل مراسلاته معه  حتى وفاة فرويد في عام 1939)

5_ جورج أندريه مالرو ، روائي وناقد ومنظر فني وأدبي فرنسي ولد في ديسمبر عام 1901 ومات في نوفمبر 1976 .
بعد الحرب  تم تعيينه من قبل الرئيس شارل ديجول وزيراً للإعلام (1945–1946) ثم بعد ذلك أول وزير للشؤون الثقافية.