مجلة حكمة
الفيلسوف جلال الدين الدواني

الفيلسوف جلال الدين الدواني

الكاتب
ترجمةنورالدين علوش

ملخّص

يحاول هذا البحث تقديم الفكر السياسي للفقيه والفيلسوف والقاضي جلال الدين الدواني (1427-1512) الذي لم يحظ بالكثير من الدراسة والبحث في كتبه السياسية والأخلاقية. حيث يبرز المقال ارتباط فكر جلال الدين الدواني بالفلسفة السياسية اليونانية وخاصة  أفلاطون وأرسطو ، وفي نفس الوقت بمصادر الفكر الإسلامي؛ القرآن  والسنة النبوية.  وقد اعتبره الباحث انتقائيًّا في طروحاته السياسية والأخلاقية ولم يتجه إلى  الفلسفة اتجاها وحيدا، بل اعتمد على مصادر إسلامية  فكان بذلك أقرب إلى ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية حين أكّد  على الشريعة بوصفها  الضامن للعدل السياسي.

كلمات مفاتيح:  الفلسفة، السياسة، الدين، الأخلاق.

This research attempts to present the political thought of the jurist, philosopher, and judge Jalal al-Din al-Dawani (1427-1512), who did not receive much study and research in His  political, and  ethical books. The article highlights the connection of Jalal’s political thought with Greek philosophy especially Plato and Aristotle and at the same time with the sources of Islamic thought The Qur’an and the Sunnah of the Prophet, as the researcher considered it selective in his political and moral propositions, and he did not turn to philosophy as a single direction, but relied on Islamic sources , and thus he was the closest to Ibn Taymiyyah in his book legal policy  with his emphasis on Sharia as a guarantor of political justice.

Keywords:   philosophy،    politics،   religion،   ethics.

9780521103350.jpg

 لم يمارس الفلاسفة، كمجموعة، تأثيرا كبيرا على الفكر السياسي في الدوائر التقليدية إلى حد ما بسبب أنّ فلسفتهم السياسية لم تكن سوى جزءا من فلسفتهم العامة التي تعرضت للعداء والمعارضة. لقد ناقشنا انتقاد ابن خلدون لفكرهم السياسي، ولكن يجب علينا أن نضع في اعتبارنا أنّ اطلاعه  على كتاباتهم كان  غير كافٍ   أو بالأحرى سطحيّا ، ومتأثرا بموقف الغزالي من الفلسفة.

ومن ناحية أخرى، فإنّ مناقشة الفقهاء مثل الماوردي وابن تيمية لأسباب وجود الخلافة أو الإمامة يكشف بعض التأثير من قبلهم. وهي مناقشة ليست سلبيّة تماما على الأقلّ في حالة ابن تيمية – ويظهرعلى أيّ حال، أنّ من كتبوا في النّظرية الدستوريّة شعروا بالحاجة إلى مراعاة الفلاسفة في هذا الجانب. وكانت العقبة الرئيسية، بلا شك، نظرية النبوّة التي قدمها الفارابي وابن سينا. هؤلاء الفلاسفة، أمثال ابن سينا وخاصة ابن رشد، الذين شيّدوا فلسفتهم السياسية على قانون النبي المشرّع، الذي مكّن بعض المفكرين المسلمين التقليديين أمثال ابن تيمية [1]والدواني إ من إدماج بعض من أفكارهم السياسية في فكرهم.

 ويبدو أنّ هذا يثبت صحة افتراضي، كون  الوضع المركزي للقانون، في مجال الفلسفة السياسية،  هو الذي يوفر أرضية مشتركة بين أفلاطون وأرسطو من جهة والفلاسفة: ابن تيمية والدواني من جهة أخرى.

لقد حاولت أن أشرح في الفصول السّابقة كيف أنّ الفارابي وابن سينا وابن رشد تناولوا مسألة القانون في سياق المشكلة المركزيّة للفلسفة الإسلاميّة – “التّوافق بين الفلسفة والوحي «؛ كيف اتخذ ابن سينا الخطوة الحاسمة نحو التّركيب، وكيف نجح ابن رشد،  تقريبا، في دمج الطريقتين نحو الحقيقة الواحدة انطلاقا من المقدّمات اللاهوتيّة التي كانت وجهة نظر تقليدية للنبوة، وشرع في تأويل فلسفيّ للوحي على شكل قانون.

في رأيي أنّه حقق ما أمكن هذا التوافق بين الفلسفة والوحي الذي بدأت معالمه تظهر في رسالته فصل المقال (أقول تقريبا ما أمكن بما أنّ التوافق المطلق بين العقل والإيمان في تماسكه المنطقي الكامل واستقامة العقلية يبدو لي غير ممكن التحقق. فالإيمان بما هو فعل إرادتنا الحرة،  فإنّه يتطلب قفزة وبعد ذلك يكون الموقف الفكري ليس بعيدا كما كان من قبل لأنّ  السيادة المطلقة للعقل محدودة بسبب قبولنا الطوعي للمذاهب التي هي خارج الأدلة البرهانية.

على الرغم من سعيهم المشترك من أجل السعادة والكمال في معرفة الله ومحبّته، يجب أن يكون هناك، دائما، تمييزا بين الفيلسوف والتقليدي في موقفهم إزاء الوحي. وبالتالي عدم الاتساق، الذي لا ينبغي الخلط بينه وبين عدم الصدق. هذه الخلاصة ضرورية لنخصص لجلال الدين الدواني مكانه في هذا الصراع الفكري الطويل، الذي لا يقتصر على الإسلام الوسيط. وإذا ما تمت المطالبة بذلك، فانّه حقق إدماجا كاملا للفلسفة اليونانية الهلنستية مع اللاهوت والفقه الإسلاميين وسيكون الأمر  فقط حقيقيا سطحيا.

بالنسبة لأخلاق جلالي الذي سماه مترجمه طومسون بالفلسفة العملية للشعب المحمدي[2]، فهو ليس عملا أصيلا، بل مقاطع منتقاة جيدا للفلسفة العملية؛ كما عرضها نصير الدين الطوسي. فهي ليست نشرة عادية للأخلاق ناصري[3] التي هي بدورها تأثرت إلى حدّ كبير بالكتّاب المسلمين الأوائل حول الأخلاق، الاقتصاد والسياسة.

مساهمته الأساسية هي التكييف الماهر للمذهب الإسلامي مع رسالة الطوسي الفلسفية. بطبيعة الحال استوعب الطوسي أفكار أفلاطون وأرسطو، وأراء محيطه الإسلامي ولاسيما مفهوم القانون. فتلخيص رسالة الطوسي فعلا وأقلمته مع الإسلام التقليدي تبرز قدرته كلاهوتي وفقيه. وهذا أيضا ما جعله جديرا بالدّراسة  ضمن الفكر السياسي الإسلامي. إضافة إلى ذلك يجب اعتباره كاتبا بطريقة خاصة.

هذا واضح من خلال مقارنة تكييفه لنص الطوسي. فأسلوبه بسيط سلس وواضح يجعل من فكر الطوسي واضحا وضوح الشمس حتى ولو ضحى بالدقة واتساق الحجة.

بالنظر إلى الحياة الإسلامية، على ما يبدو في كل مكان، يعرضها نفسها في خضم عرض رسالة الطوسي بإغفال المادة الفلسفية اليونانية، وفك عقدة النقاش الفلسفي عن طريق اختيار الأمثلة من الحديث النبوي والمرايا السلطانية والتاريخ الإسلامي. وبطبيعة الحال استخدام آيات قرآنية. هكذا يظهر نفسه بشكل كبير في تعديل متعمّد لمصطلحات وفكر الطوسي. وهذا ما تعرض له ابن رشد حول الشريعة في فصل المقال، وفي تعليقه على جمهورية أفلاطون؛ إضافة إلى  ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية إلى  حد ما يفسر إصرار الدواني على السلطة العليا للقانون الإلهي  باعتباره الضامن لتدبير عادل ومنصف وسعادة الناس وكمالهم. وهناك أمثلة قليلة قد توضح تكييفه لفكر الطوسي مع الإسلام التقليدي، وفي نفس الوقت تقريبه للأفكار الأرسطية والأفلاطونية مع الإسلام. فهو يذهب في نفس ترتيب رسالة الطوسي، حيث قسم الفلسفة العملية إلى الأخلاق والاقتصاد والسياسة. يستند الجزء الأول من رسالة الطوسي على رسالة طهارة النفس لابن مسكويه، والجزء الثاني يعتمد على رسالة تنسب إلى كاتب فيتاغورس مجهول بيرسون[4]، والجزء الثالث حول السياسة نجده مرتبطا كثيرا بكتابيْ الفارابي “المدينة الفاضلة” و”السياسة المدنية”. لكن مع ذلك لم يكن الطوسي مجرد ناقل؛ بل هناك شواهد تدلّ على معرفته المستقلة بجمهورية أفلاطون والأخلاق إلى نيقولاس لأرسطو.

 نجد الدواني، مقتفيا الطوسي، يكيّف مفهوم العدل لأرسطو في كتابه الأخلاق إلى نيقوماخوس مع الإسلام بأسلوب مثير ومميز. بقبوله اشتقاق العملة من العادات أعطي للناموس معنى القانون الإلهي  الذي يقدم المعيار، بما  أنّه من الصعب الحفاظ على المساواة من خلال التأكيد على الوسط الضروري بأيّة طريقة  أخرى[5]. هذا يعني أنّه  ضروري  بسبب أنّ الإنسان حيوان سياسي بالطبيعة وعليه التعاون مع الآخرين من أجل متطلبات الحياة. نحن على دراية بهذا التعليل الاجتماعي السياسي من خلال الفارابي،  كما استخدمه الطوسي والدواني  مرة أخرى  في بداية الجزء الثالث.

ليس هناك بين الفلاسفة من يعتبر أنّ الاجتماع السياسي هو السبب في جعل العملة هي وسيلة التبادل للحصول على المساواة. يمكن الحفاظ على العدل من خلال ثلاثة أشياء:  أوّلا الشريعة والحاكم العادل والمال. نفس الأمر نجده في رسالة الطوسي: الشريعة والحاكم الإنساني والمال.

اعتبر  الفلاسفة أنّ الناموس هو الشريعة، والثاني هو السلطان الذي يخضع للشريعة والثالث المال[6]. فرسالة الطوسي هي أكثر دلالة وأهمية مقارنة مع ما كتبه الدواني. ففي المقام الأول، حين يتكلم الدواني حول الفلاسفة، نجد الطوسي يرجع إلى أرسطو بهذه الكلمات أفضل ناموس هو من قبل وجود الله وفق نيقوماخوس أرسطو. هذا الطابع تم تحويله من قبل الدواني: الشريعة هي التطبيق الفعلي للإسلام وهذا ما فعله مع الناموس الثاني. هنا نجد مصدره يقول: الناموس الثاني هو من نفس النوع العظيم. الطوسي لم يشر إلى السلطان ولا إلى الخضوع إلى الشريعة. لكن في الجزء الثالث سمى الناموس الثاني الحاكم. من المكن أن يكون الدواني قد غير النص ليتوافق مع المقطع الأخير. تأويل الطوسي أعطى كلماته في نفس الوقت تلوينا إسلاميّا متميز المعنى. ثمّ يشرح الدواني أنّ الفلاسفة يقصدون بالناموس “الحكم والسياسة ” [7]. ولدعم رأيه  يستشهد بالقرآن : الكتاب يشير إلى الشريعة والتوازن يشير إلى المال والحديد سيف الحاكم[8].

هناك ثلاثة أنواع من المعتدين تتناسب مع ثلاثة ضامني  العدل: هناك الكافر والمذنب الذي ينتهك الشريعة، والمتمرد الذي يعارض الحاكم، والسارق الذي يريد أكثر مما يحق له. فالخضوع إلى الشريعة هو  ضرورة [9]. فقصة الملك شاه مع الإمام الشافعي أبو  المعالي الجويني تستخدم لتوضيح مجالات اختصاص الحاكم والفقيه. أمّا فيما يخص واجبات الله المتعلقة بالسلطان فيجب استشارة الفقهاء وعلماء الشريعة، وفيما يخص المسائل الدنيوية يجب طاعة ولي الأمر[10].

يستند الدواني ،في مقاربته للعدالة والمجتمع  الإسلاميين إلى  تقسيم أرسطو للعدالة. ولم يشر إلى تمييز أرسطو بين العدالة المنزلية والعدالة السياسية  المقسمة إلى عدالة طبيعية  وأخرى عرفية أو قانونية [11]. لكن من المحتمل أن يكون على بينة من هذا الأمر نظريا.

هناك تمييز واضح في القانون الإسلامي  بين العبادات والمعاملات. يبدو أنّ الدواني قسم الواجبات الاجتماعية ، كما قسم أرسطو العدالة السياسية. وفهم الواجبات الدينية بمعنى العدالة المنزلية لأرسطو، يطلب الله من الناس الخضوع للحق  بوصفه هو الرب والخالق.

من الواضح أنّ الدواني ينظر إلى الطاعة الدينية، كنظير لخضوع الابن لأبيه والعبد للسيد كما عند أرسطو. فهو يقسم المجموعة الإسلامية في واجبات اتجاه المواطنين وخصهم من جهة بطاعة الحاكم والعلماء وأئمة الإيمان، والثقة والصدق في العلاقات التجارية، ومن جهة  أخرى  باحترام التزامات أسلافنا المالية[12].

تحتوي الشريعة  على كلّ هذه الأنواع الثلاثة، بالاعتماد على القرآن.   وقد لاحظ الفلاسفة المحدثون  أثناء دراستهم للشريعة أنّها تشمل الفلسفة العملية برمتها، ومن ثم أداروا ظهورهم   للفلاسفة القدماء ولكتبهم[13]. ومن أهمّ مواضيعها عدالة الحاكم. وهذا يدعمه الحديث النبوي وقول مأثور لعبد الله مبارك أنّ عدالة الحاكم هي الوسيلة المؤكّدة لصالح كلّ الخلق[14].

وتبيّن هذه الأمثلة كيف يجمع الدواني بين الفلسفة القديمة والحديثة، مع القرآن والحديث والقصص كما وجدها في “الآداب السلطانية “. وبهذه الطريقة يثري الفكر السياسي الذي يرضي فكريا الإسلام التقليدي. وهذا ما يفسر شعبيته. لكن إلى  أيّ حدّ كان الجمع بين الفلسفة والشريعة  منتجا، في النظرية السياسية، لعمل بديل عن النظرية “الكلاسيكية” للخلافة، كما تدعى[15] نظرية السلطة. أنا لست على استعداد للقبول أو الطعن دون فحص عميق لكل ما له  صلة بالموضوع. في هذه اللحظة أنا مقتنع بهذا الموجز الذي قدمته لتأثر الدواني بالطوسي فيما يخص العلم السياسي، مع الإشارة إلى أهمية ابتعاده عن مصدره. وصل دمج الفلسفة مع النزعة التقليدية  نهايته مع انتقائية الدواني، واعتناقه أراء بعض  الفلاسفة في مجال الفلسفة السياسية. في رأيي يبدو الدواني أقرب إلى ابن تيمية ودعوته إلى “الحكم القائم على الشريعة عوض الفلسفة، باستثناء ابن رشد. فعلى الرغم من أنه يساوي “الفيلسوف الحاكم” لأفلاطون مع الخليفة، فإنّه  مثل ابن تيمية، غير مهتم بالخلافة، ولكن بالحكم وفق الشريعة. عندما يتحدث “الحاكم” فيما يتصل بالعدل الذي يشير إليه بأنه السلطان. فلننظر الآن في فكره السياسي بمزيد من التفصيل.

يتحدث، مثل الفلاسفة، متبعا الطوسي عن الاجتماع السياسي، وعن التمدن المشتق من المدينة « كما نجد نفس المصطلحات المستخدمة من قبل ابن خلدون[16]. ويعرف التدبير[17] بأنه “حكومة عليا” حيث كان الطوسي يتحدث فقط عن “الحكومة” (سياسة)؛ ويذكر أنّ الناموس (القانون)، والحكيم (الحاكم) والدينار(المال) لضمان “الحكومة العليا” [18]. وبعد تحديد الأهداف التي يتحقق فيها الاجتماع السياسي، مثل الملذات، الثروة أو الشرف، يناقش الطوسي بإسهاب دول أرسطو “البسيطة” – الملكية، الطغيان، التيموقراطية والديمقراطية. وهذا لا يمكن العثور عليه عند الدواني[19]. من ناحية أخرى، بالمقارنة مع الطوسي، فقد أدخل تغييرات هامة في المصطلحات والإضافات الهامة. وهو من قال: المشرع هو الشخص الذي وهبه الله الوحي ليرسم لنا طريق العبادات والمعاملات لتحقيق سعادة الدنيا  والآخرة، يطلق عليه الفلاسفة القدماء المشرع ومراسيمه القانون أما المحدثين فيسمونه النبي والمشرع  الإلهي وقوانينه هي الشريعة[20].

ترك الطوسي الوحي جانبا في وصف هدف القانون وجوهره،  وتغاضيه عن ذكر النبي  إشارة دالة. يسمي قانون الفلاسفة القدماء بالإلهي. ويبدو أنّ الدواني استخدم مصطلحات الوحي والنبي عمدا حتى لا يترك أيّ شك في قصده القانون  الإلهي الذي جاء به النبي.

فالطوسي يستلزم هذا المعنى فقط من خلال استخدام ناموس إلهي . ويعتبره معادلا للشريعة، لكنه أيضا يوظفه عند الحديث عن أرسطو. لا يؤكّد إدراج الدواني للعبادات وللمعاملات وصلاح معاش وعماد الناس،  ميله نحو تكييف الفلسفة وجعلها مقبولة عند الناس؛ لكن يجعله في وفاق مع كتاب القانون الدستوري بين الفقهاء. ملاحظة أخرى  بين الدواني  والطوسي، حيث استعاض أنّ الدواني  عن مصطلح الطوسي “المتأخرين” بمصطلح “المحدثين”، الذي يعني الفقهاء التقليديون والمؤمنون الحقيقيون.   إنّه  لم ينتبه بعد للمعركة ضد الفلاسفة، فهو قد قبل الفلاسفة كمجموعات  أرثوذوكسية ليست متفقة في الطقوس فقط، بل أيضا في القناعات والاعتقادات. وبما أنّ المصطلحات ليس فيها لبس فهو  يوظفها بنفس القصد؛ لا يمكننا أن نكون متأكدين تماما إلى  أي حد يقصد  الدواني الفلاسفة حين يستعمل مصطلح متأخرون وحده   دون أن تسبقه لفظة قدماء أو حكماء متأخرون. بالرغم من أنّ مصطلح مفكرون متأخرون واضح. فإذا كان يعني المسلمين  في وقت مبكر فيجب أن يستخدم الصفة المشتركة للسلف في هذه الحالة-الحكماء- ولابد من الحذر فقد يقصد به  أحيانا الحكمة بصفة عامة. كقاعدة السياق هي المحددة لدلالة معينة. لكن ليست دائما. لنطبق هذا على المقطع المذكور فليس هناك شك بان المقصود هم الفلاسفة ولا كان الدواني احتفظ بمصطلح المحدثون الطوسي إذا كن فهمه بالمعنى الأصلي الذي وظفه الطوسي. هذا يثبت استخدامه نفس المصطلح متأخرون حين يحدد الحاكم بهذه الكلمات: الحاكم هو الشخص الذي ارسله الله لنا ليحقق الانسان كماله وسعادته. يطلق الفلاسفة عليه اسم الملك باقتدار وقوانينه هي فن الحكم[21]. والفلاسفة المحدثون سمونه الإمام ووظيفته الإمامة. يطلق عليها أفلاطون اسم الملك وأرسطو الإنسان السياسي الذي يراقب شؤون المدينة[22].

اهتمامه الأول هو الشريعة. هو يحافظ على القوانين لكنه حر في أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف شريطة ان تكون أفعاله متوافقة مع المبادئ الأساسية للشريعة ومصالح المجتمع. ” هذا الشخص في الحقيقة هو ظل الله. خليفة الله ونائب النبي[23]. فالتشابه بين الحاكم الأفلاطوني والحاكم الإمام هو من ارث الفارابي والفلاسفة. لكن الدواني مرة أخرى يعدل ما يوجد في مصادره حتى يتوافق مع الرأي التقليدي.

هنا ليس هناك تطابق بين الملك الفيلسوف والمشرع النبي والإمام. يميز الدواني بين المشرع والحاكم، ويساوي بينهما فقط بشكل فردي، وهكذا نجد أن المشرع يناسب النبي المشرع الإسلامي، في حين أن خليفته يتوافق مع الحاكم الأفلاطوني[24]، فإن إمام الدواني يتصف بالاجتهاد على الرغم من أنه لا يستخدم هذا المصطلح، فهو واضح من خلال وصف وظيفته الرئيسية.

مع الفارابي وابن رشد يدين الدواني الانعزال عن المجتمع باعتباره ظلما للناس، بما ان الذين يرفضون التعاون، فإنهم يعتمدون على الناس. العدالة تتطلب تعاونا متبادلا: ما العدالة التي يجب دراستها ومعرفتها فهذا لا يتم الا من خلال دراسة مبادئ وقوانين هذا العلم [25].الحكام عليهم ان يتصفوا بالعلم والمعرفة. هناك أطباء للصحة والحكام لشؤون الناس[26].من المهم الإشارة هنا ان الدواني يطابق بين السلطان والإمام الخليفة والحاكم الأفلاطوني الأرسطي[27].

على الرغم من أنه يستند إلى الطوسي، في مناقشته للمدينة الفاضلة والمدن الجاهلية يتبع للفارابي في المصطلحات، لكنه يتبنى المفاهيم الأفلاطونية في شرح معناها. المدينة الفاضلة وفق الفلاسفة هي نوع من التمدن، في حين هناك ثلاثة أنواع من المدن الجاهلية. صلاحية الحجة هي أساسية في كل مدينة فاضلة من حيث تحقيق السعادة ورد الشر. أراء صحيحة وأفعال فاضلة من طرف جميع المواطنين[28].عوض ثلاث طبقات أفلاطونية يعدد الدواني خمسة: أربعة منها تتفق مع الميول الطبيعية وتختلف من إنسان لأخر؛ هذه الأنماط النفسية الفردية الأربعة تتناسب مع ما نعرفه من أسطورة الكهف الأفلاطونية، لكن استيعابها ضمن الأنماط الإسلامية. فلاسفة أفلاطون الذين يتمتعون بدعم الاهي يمكنهم ذلك من رؤية الحقيقة بعقلهم الصافي متحرر من المادة. هؤلاء غير متساوون في الإدراك العقلي النقي بخلاف الطبقة الأولى من الأولياء والفلاسفة بإمكانها حدس الحقيقة. هم رجال الإيمان. الطبقة الثالثة تعتمد على الخيال، في حين أن الطبقة الرابعة لا يمكنها فهم العالم من دون حواس. يحتفظ الطوسي بمفاهيم ومصطلحات أفلاطون[29].الشريعة توفر للطبقات الاربع وتضمن لهم السعادة وفقا لقدراتهم العقلية. مادام أن القرآن بخطابه الحرفي أو المجازي يمكن المسلمين من تأويله والاسترشاد به. تحت سلطة الحاكم الفاضل يمكن للناس ان يتعاونوا تدريجيا نحو الكمال[30]. هنا حقق الدواني تناغما بين الفلسفة والتقليد الإسلامي، لكن الطوسي لم يذهب بعيدا في هذا السياق.

لننتقل الآن إلى الركائز الخمسة للمدينة الفاضلة: أولا مجموعة الأفاضل وهي الاكثر تميزا المكلفة بتدبير المدينة، وهؤلاء هم الأفراد الذين اكتسبوا الفلسفة النظرية والعملية، ويمتلكون معرفة حقيقية للواقع.

أما ثانيا: مجموعة الخطباء الذين يدعون الناس إلى الكمال عن طريق الحجج الجدلية والخطبية والشعرية وهم علماء الكلام والفقهاء والشعراء والخطباء. وثالث أصحاب الحساب والمهندسون والأطباء والفلكيون. ورابعا المجاهدون وهم الحراس عند أفلاطون الذين يدافعون عن الوطن ضد الأعداء. وأخيرا الماليون من مكتسبي المال في المدينة الفلاحون والباعة[31]. مثل أفلاطون كل شخص يحتل مكانه الطبيعي بهذه العدالة. مقابل أركان المدينة الفاضلة يشير الدواني إلى النوابت الذين تكلم عنهم الفارابي وابن باجة. مادام الطوسي يعتمد في جزئه الثالث بالكامل على الفارابي، فانه من الطبيعي أن يعيد الطوسي والدواني موقفهما السلبي من النوابت. حيث نجد الطوسي يعد ترتيب مضادات المدينة الفاضلة للفارابي في كتابه “السياسية المدنية”[32]. المدينة الجاهلية والمدينة الفاسقة والمدينة الضالة، ركز الدواني على الأسماء الإسلامية التي اعطيت لها من قبل الفارابي[33]. مع ذلك عرفها في مصطلحات أفلاطونية. كما فعل ابن رشد في تعليقه على الجمهورية؛ الطوسي كان أكثر وضوحا وناقش كل التغيرات التي يعرفها من خلال الفارابي.

في نسخة افلاطونية جعل الدواني والطوسي التناسب بين الفرد والدولة. كما هناك مدن وفاضلة وغير فاضلة، فان هناك رجال السلطة لديهم فضائل ورذائل تجعل من حكمهم فاضلا أو جاهلا. لقد طبق المعيار الأفلاطوني، لكن كيفه مع متطلبات الشريعة التي وضعت مواصفات الحاكم او الخليفة. يتناسب الحاكم الفاضل مع المدينة الفاضلة، وحكمه الفاضل اسمه الإمامة كما حددت في رسائل الفقهاء.

فالدواني أعاد تسمية الحاكم خليفة الله وظله الذي يقلد المشرع من اجل حكم فاضل[34]. فالدواني راض عن نفسه بمثل هذه العموميات، بخلاف الطوسي الذي ميز بين أربع مراحل من الملكية: الأولى يمثلها النبي محمد ص الملك الذي يتميز بجمعه صفات الحكمة، الفهم، الفكر بالكامل والجود وقدرته على الجهاد. لكن هناك أمر مهم على الأقل واحدة من هذه الصفات هي إسلامية بعيدا عن الصفة الأولى فلا يمكن مساواة أية صفة مع الصفات أفلاطونية الأربع إلا بعد تكييفها المسبق مع شروط الإسلام.

الطوسي تكلم حول ما يناسب الارستقراطية الأفلاطونية. في هذه الحالة لا تجتمع كل الصفات في رجل واحد. لكنها مشتركة في أربعة أشخاص الذين هم مثل نفس واحدة وحكمهم حكم التقوى. لا شك أن في ذهن الطوسي تمثل حكم الخلفاء الراشدون الأربعة على اعتبار أنهم يمثلون الخلافة الحقيقية.

من الغريب أن تقليديته جعلته يتجاهل حقيقة الأمر. أن الخلفاء الأربعة حكم كل واحد بعد الأخر على التوالي، وكل واحد منهم كان يتمتع بالصفات الضرورية. فالطابع المثالي لحكمهم لا يقبل باي معنى من طرف أفلاطون. ولا أرسطو في نفس الوقت. الفارابي يحتذي حذو أفلاطون. تتميز المرحلة الثالثة عند الطوسي بغياب الأشخاص المتمتعين بتلك الصفات. لكن وجود الرئيس الذي يعرف سنن الملوك السابقون إذن هو ملك السنة. هنا نرجع الى الفارابي حيث يتكلم عن ملك القوانين (فصول منتزعة) في الأخير في حالة عدم وجود هده الصفات في شخص واحد لكن موجودة في مجموعة التي تحكم جماعة عندنا ملوك إتباع السنة[35]. تاريخيا يمكن ان نطبق هذا في وقت لاحق بعد سقوط الخلافة العباسية. لكن يجب ان نضع في الاعتبار أن الطوسي شيعي وان له تاريخ في ذهنه شرط أن يكتب أخلاق ناصري قبل 1258.إذا كتبه بعد هذا التاريخ فان هذه المرحلة الرابعة ستكون صورة عن عصره.

يعرف الدواني الحكم الطغياني، بانه الحكم المعيب الذي يسعى إلى استعباد الناس والفساد في الأرض[36].وهذا له مرجع في زمنه وان غياب الظلم لا يمكن تحمله وما ارتكبه المجرمون سيحاسبون عليه في الدنيا والاخرة. بمقارنة حكم الإمامة مع الحكم الطغياني في زمنه، من ثم يعرض ان اهتمامه يتركز على الدولة الإسلامية وخاصة على حكم الشريعة، فهو سيؤكد على الحاجة إلى الوحدة عبر العدل وإلا لن يستطع الحاكم العادل الحكم ولا ازدهار رعاياه.

بالتوافق مع العناصر الأربعة للمزاج: هناك أربع طبقات التي تتشكل معا وتحافظ على المساواة في الجسم السياسي. الطبقة الأولى هي أصحاب العلم، تتكون من علماء الكلام والفقه والمسؤولين الماليين والمهندسين والأطباء والشعراء والفلكيين والقضاة الذين يحافظون على الدين والعالم.

الطبقة الثانية المحاربون. الجمع بين القلم والسيف يضمن الاستقرار وازدهار الحياة العامة. الطبقة الثالثة من التجار والصناع والحرفين الذي يوفرون احتياجات الجميع. وفي الأخير الفلاحون الذين ينتجون الطعام. ما يجعل الحياة السياسية ممكنة هو التوازن في التعاون المتبادل بين هذه الطبقات.

بعد ذلك انتقل الدواني إلى تصنيف آخر لأن التوازن غير ممكن بدون سلطة وانضباط. فهو يميز بين خمسة أنواع من الناس: أولا خيّر وتأثيره خير على الناس، خيّر في نفسه وبدون تأثير، لامبال سيئ بدون تأثير، سيّئ على الناس. وأخيرا نقيض المجموعة الأولى سيء مع تأثير سيء على الناس.

الطبقة الأولى تتشكل من العلماء وشيوخ الصوفية، عليهم ان يكونوا قريبين من السلطة ولهم سلطة على باقي الطبقات وفقا للفلاسفة[37].من المهم الإشارة إلى ان الطوسي لم يذكر عناصر هذه المجموعة، التي أضاف إليها شيوخ الصوفية مع علماء الشريعة وذكر الفلاسفة وعادة ما دعا الفقهاء إلى ان يكون لوحدهم مع الحكام. الطبقة الأولى في كلا التصنيفين هو واحد. فالمقطع الاول “العلم تم تأويله بطريقة إسلامية وليست أفلاطونية”. ليس هناك شك في ان الطبقات الأربع تتوافق مع الحالات الثلاث لأفلاطون.

الطبقة الثانية نجدها عند كل من أفلاطون والدواني، والطبقة الثالثة لأفلاطون، تم تقسيمها عند الدواني إذا قارنا بالتجمع المزدوج مع الجمهورية، هنا تظهر مقاربته الإسلامية أكثر. لكنه ليس محظوظا دائما في التوفيق بين الدين والفلسفة هذا يظهر من خلال وصف مجموعة أولى من الحكام في المدينة الفاضلة. في هذا المقطع يساوي بين الفيلسوف والولي المقدس لا يمكن أن يصبح الامر مقنعا مالم نفترض تطابق بين الأولياء وأرباب الحقيقة، ويوضح هذا المثال مدى صعوبة الأمر بالنسبة للدواني في نهاية القرن الخامس عشر لمواءمة ودمج مفاهيم مختلفة تنبع عن حضارتين مختلفتين، النقطة التي يبدو لي أعظم أهمية. أصبحت الفلسفة منهوكة القوى باعتبارها قوة فكرية في زمن الدواني، وانه لا يزال بعيدا جدا عن مصدره، الطوسي، الذي كان لا يزال الفيلسوف يحظى بمكانة كبيرة. يستخدم الدواني الفلسفة والفلاسفة المسلمين كعنصر هام في عمله الأدبي، جنبا إلى جنب مع تقاليد الإسلام و”الآداب السلطانية «، وكوسيلة لإظهار الاتفاق الأساسي بين الفلسفة العملية وشريعة الإسلام، ولا سيما في مجال الأخلاق والسياسة. ولكن التكامل الذي حققه ليس تاما، وطبيعة المشكلة لا يمكن أن تكون، كاملة.

يبقى الآن توضيح استخدامه الشكل المادي من “الآداب السلطانية «. يجب على الحاكم أن يحافظ على خزينته وازدهار ممتلكاته. يجب أن يظهر اللطف والرحمة لرعاياه. ولا يجوز له أن يمنح مناصب عالية للرجال غير المؤهلين. بالرغم من ذلك يذكر الدواني هذه الشروط الثلاثة باسم «الفلاسفة ” [38]وهذه الشروط تنتمي إلى نوع من المشورة المقدمة في” الآداب السلطانية.  في الواقع، فإن الاستمرارية تشير بصراحة إلى الساسانيين، الذين يقولون إن صرح العدالة يجب أن يكون على عشرة ركائز. هذه هي القواعد الأخلاقية التي يجب على الحاكم مراقبة؛

فإنها يمكن أن تكون متشابهة لأي ” آداب سلطانية ” مثل ما وجدنا في الفصل الثالث. في الرصانة الحاكم، الاعتدال، والتفاني في خدمة رعاياه بإشراف وثيق عن إدارته والقرارات العادلة ضرورية، وكلها تقوم على الخوف من الله. خدمة الله. يجب أن يحيط الحاكم نفسه بزمرة صالحة من المستشارين والوزراء وقبول مشورتهم. نفسه، يجب أن يرى أن رعاياه يتعاملون بعدالة بعضهم مع البعض الاخر لأنه سوف يحاسبون يوم القيامة[39].

 ويجب أن يلتزم الأشخاص بالعدالة وأن يكتسبوا فضائل مصدر الحكمة هي الشريعة وهذه الأخيرة هي مصدر الشؤون العامة[40]. ينصح الدواني الحاكم بمعرفة أعدائه، لاستخدام الجواسيس والمخبرين والدخول في تواصل مع الجميع. ويحذر من ذلك حروب الفتح التي تهدف فقط لتوسيع سيطرته، ولكنه ينصح الحاكم بأن يجاهد لصالح الإسلام[41]. يجب أن يطيع المواطنون الحاكم وولاة الأمر وتنفيذها بدون اية معارضة أوامر إلهية[42]. الدواني في هذا السياق مؤكدا على أهمية ذلك مراقبة آداب صارمة في المحكمة، على غرار “الآداب السلطانية «. ويتبع مصدره دون إضافة أي مادة. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إلى أي مدى اختار الدواني أن يتبع نمطه، أخلاق ناصري للطوسي في البنية وكذلك في المحتوى، قد يكون السؤال لماذا كان الدواني الذي تأثر في وقت لاحق بالفقهاء السنة، ولماذا كانت نظريته أن الأساس استخدام مصطلحي خليفة والإمام في الامبراطوريات العثمانية والمغولية، كما يؤكد السير هاملتون جيب[43]. ليس لدي رأي في هذا الادعاء.  لقد حاولت ببساطة وصف وجهات نظر الدواني في الكلمات التي استخدمها، وتحليلها فيما يتعلق بالطوسي والفلسفة وعروضه لنظرية الخلافة من قبل الفقهاء السنة السابقين. أنا لست على علم أن الدواني يختلف في أي نقطة مادية عن التيار القائل بان الخلافة وصلت نهايتها مع الخلفاء الراشدين، أو حتى أنه قدم هذا التمييز الأساسي في الفكر والأدب في وقت لاحق. بالنسبة إلى الخلافة والإمامة مترادفتان و هو لا يستخدم هذه المصطلحات بأي معنى مختلف عن الماوردي، الغزالي، ابن جماعة أو ابن تيمية. مثل الأخيرين، وخاصة ابن تيمية، وقال أنه يؤيد أن الخلافة المثالية، على الرغم منذ فترة طويلة، كان من المأمول أن إعادة تأسيس، حكم الشريعة تحت أي مسمى، يجب أن يعاد تأكيدها وفعاليتها. سيادة الشريعة ووحدة الجماعة هي همه الأساسي. هذا ليس واضح من خلال تعبيراته او تكراره، بل من خلال اقتباساته على الأقل من أفلاطون.

 ومن المؤكد أنه في دعم السلطة العليا للشريعة لم يقتبس أحاديث نبوية أو أقوال “علماء اللاهوت والفقهاء ولكن أقوال أفلاطونية. يجب تنظيم الحياة وفقا لقوانين الشريعة، ” يقول أفلاطون، حراسة الناموس وحمايته «الذي يعيد صياغته عن طريق استبدال مصطلح الناموس بالشريعة[44]. هنا أكثر من خمسمائة سنة بعد الفارابي – هو الرابط، لا يزال سليما، الذي ربط المفكرين المسلمين بالفلسفة السياسية لأفلاطون وأرسطو، الخلفية المشتركة حول القانون كما ذكرت في الفصول. لم يعد الدواني فيلسوفا مثل الفلاسفة بدءا بالكندي وانتهاء بابن رشد ولا حتى مثل نموذج الطوسي.

 لا نعثر في صفحاته أي تشبه بحماسهم العاطفي للحقيقة، وبالفضول الفكري والسعي نحو الحقيقة. لكنه مع ذلك فهو وريث التقليد في الفكر الإسلامي، واعيا بإرث أفلاطون: القانون المثالي، هبة الحكمة الإلهية. وهو قابل ذلك الميراث، الذي منح للجيل الرافض للفلاسفة ولم تقبل الفلسفة إلا بالشكل المناسب الذي قدمها لهم. اختزل مشكل الوحي والعقل، القانون الإلهي والإنساني إلى أجزاء معقولة. عن طريق تجاهل الصعوبات الموروثة، وتبسيط المسائل، بل والإفراط في تبسيطها. ومع ذلك حافظ على جوهر التوازن بين الجمهورية المثالية مع الخلافة المثالية؛ من خلال وضع كل التركيز على قانون النبي. مثل ابن تيمية، كان مهتما بشكل رئيسي بالسياسة الشرعية، لوصف والثناء عليه باعتباره الدليل الوحيد المؤكد للسعادة والكمال، يلفت الانتباه الى القرآن والحديث وأقوال الأولياء وأفلاطون وأرسطو. بهذه الكلمات أصبح المفكرون اليونانيين تقريبا مسلمين.

 بهذا التكيف والتأقلم يجب أن يكون قد أعرب عن روح عصره، وإلا ما كان يمكن له أن يمارس النفوذ الذي ادعاه. إذا كان تأثيره قد تجاوز الفقهاء السابقين، وحتى الفلاسفة مثل الطوسي، يجب أن يكون راجعا إلى المناخ الروحي، والسياسي والظروف الاجتماعية في وقته، وليس آخرا، أسلوبه السليم.

فصل: الفيلسوف جلال الدّين الدواني[1]: التطبيق والإدماج من كتاب الفكر السياسي في الإسلام،أروين روزنتال،كمبريدج  1962،ص ص 210-223


[1] – أشكر صديقي ويكنيس على مساعدته في نصوص فارسية لأخلاق جلالي وأخلاق ناصري.

[1]– انظر أيضا الفصل الثاني ص ص 48-51 مع هامش 84،  54 مع هامش 97،  58 مع هامش 110-111

[2] – نشر الكتاب بلندن 1839، لابد من ترجمة جديدة لهذا الكتاب تعتمد على نصوص  أصلية للطوسي.

[3] -انظر بروكلمان   جلال الدين الدواني وأيضا مجلة غال المجلد الثاني ص 217. استعملت نشرة لاهور لأخلاق ناصري منشورة 1952.

     [4]  -انظر بلسنر، فيثاغورية جديدة وتأثيرها على علوم إسلامية، هيدلبرغ 1928 ص 104.

[5] -ص 152، ص 117   معتمدا على اخلاق نيقوماخوس

[6] -ص 53، ص 117

[7] -نفس المصدر

[8]– نفس المصدر

[9]–  ص 53، ص 118

[10]– ص 54

[11] انظر اخلاق نيقوماخوس

[12] ص 57، ص 118

[13] ص 58

[14] ص 59

[15]  انظر جيب بعض اعتبارات في نظرية سنية للخلافة مجلة ارشيفات القانون الشرقي المجلد الثالث 1948 ص 10-401  وأيضا جيب وهارولد المجتمع الاسلامي والغرب المجلد الأول أكسفورد 1950 ص 32

[16]– ص 116، ص 243

[17]– يترجمها طومسون تأثير مقيد

[18] -ص 117، ص 243

[19] -ص عرض طوسي يعتمد على اخلاق نيقوماخوس او ربما على الفارابي او ابن رشد.

[20] -ص 117، ص 244

[21] يترجمه طومسون بالسيادة المطلقة وتوجيهاتها لوظيفة السيادة ص 324

[22] ص 117

[23]  ص 117

[24] غير قادر على تحديد هذه القولة لأفلاطون.

[25] ص 118

[26] نفس المصدر

[27] الفصل الثاني الهامش 55

[28] ص 130، ص 278

[29] ص 131، ص 279

[30] ص 132، ص 279

[31] ص 133، ص 281

[32] ص 74

[33] ص 130، ص 296

[34] ص 134، ص 282

[35] ص 282

[36] ص 135

[37] ص 138، ص 304

[38] ص 144

[39] ص 144، ص 308

[40] ص 145

[41] ص 146، ص 309

[42] ص 149، ص 314

[43] ص 405، ص هامش 16

[44]  لم أتمكن من تحديد موقع هذا القول المنسوب الى افلاطون في كتابه القوانين، لكن قوانين 715 ج د تقترب منه سواء كانت مكثفة من كلمات افلاطون أو من ملخص هلنستي أو ملفقة، يتبع المقطع الذي تم تقديمه قبل الصفحتين 145 د.