مجلة حكمة
تفسير الأحلام تاريخ كتاب

تفسير الأحلام: تاريخ كتاب مؤسِّس

الكاتبأندرياس مايير
ترجمةالحسن علاج

يعتبر كتاب (تفسير الأحلام) Traumdeutung) (أول عمل نظري عظيم لـ فرويد. نُشر في شهر نونبر 1899 (ويحمل تاريخ 1900)، كما أنه يعتبر بشكل عام مؤسسا للتحليل النفسي. إن النظرية الفرويدية للحلم بوصفه wuscherfullung)) (إنجازا، إشباعا أو تحقيقا لرغبة، تبعا للترجمة المعتمدة)، قد احتُفي بها وشكلت مصدر نزاع على امتداد القرن العشرين،تتميز بصيت كبير في الوقت الراهن. إن تاريخ هذا الكتاب المتألق قلما يكون كذلك. سوف نكرس اهتمامنا هنا بإعادة رسم خطوطه العريضة.

    لابد من الإشارة بادئ ذي بدء إلى التركيز على الكتابة المزدوجة لهذا الكتاب والتي يشير إليها العنوان الألماني جيدا: إذ إن باختياره لعنوان تفسير الأحلام، فقد استحضر فرويد عمدا التقليد العتيق لتفسير الأحلام، وهو تقليد شعبي سيكون موضوعه غريبا على العلم. ومن ثم فإن افتتاحية الكتاب التي تشير إلى تردده، وإلى الضربة القاضية أيضا: ” لا أعتقد، وأنا أسعى هنا إلى عرض تأويل للحلم، أنني تخطيت نطاق الأسئلة التي تثير اهتمام مبحث أمراض الجهاز العصبي neuropathologie) (1. ” وبالرغم من أن فرويد يقدم نفسه مثل مجدد متجاسرا، في نهاية المطاف، على إدراج الحلم في العلوم، مثل حصان طروادة، فلابد من الإشارة إلى أن عمله ينطوي على ثقافة عالمة ذات ملاحظة ذاتية تتخذ الحلم كموضوع معرفي. إن سيكولوجية الحلم في القرن التاسع عشر، والتي يعتبر ألفريد موري Alfred Maury) (، هيرفي دوسانت دني Hervey de Saint Denys) (أو جوزيف ديلبوف Joseph Delboeuf) (من ممثليها، لا تتموضع في المجال الطبي ولا تمتلك، من حيث المبدأ، هدفا علاجيا 2.

    تكمن إحدى خاصيات فرويد في تثبيت الملاحظة الذاتية على أرضية سريرية، وذلك بالتعامل مع الحلم باعتباره عرضا جاعلا من تحليله تقنية جديدة بغاية معالجة العُصابات. علاوة على ذلك، فهو يضع بطريقة نسقية الخاصية البيشخصية للاستبطان السيكولوجي الذي كان يروم إنتاج المعطيات الأولية، فإن أحلام التحليل الذاتي الفرويدي تتوجه على الدوام إلى آخر ثم تظل موسومة بهذه العلاقة. وفي هذا الصدد، فقد تم ضم التحليل الذاتي au-toanalyse) (إلى النسخة الأولى للكتاب كتغيير طفيف نوعي للملاحظة الذاتية auto-observation) (التي ترتكز على تقنيات الكتابة والقراءة. ينطوي الكتاب على قيمة جهاز: لذلك فإن القارئ مدعو لقراءته، لأن يحلم ويكتب وفقا للنموذج الذي يقترحه المؤلف، نموذج مثالي. توجد أصول هذا التشكل في مراسلات فرويد مع صديقه فيلهلم فليس (wilhelm Fliess)، الذي يتلقّى ويصدر الأحكام على محكيات الأحلام الفرويدية، وقد أصبح بذلك أول قارئ وناقد للكتاب حديث الظهور 3.

    يسم المظهر المنهجي أول نسخة للكتاب. ولأن المطمح الأساسي لتفسير الأحلام هو سد فجوة: بين دراسات حول الهستيريا (1895) والملخص المعنون ” المنهج التحليل نفسي لفرويد ” (1904) لم يبد فرويد رأيا بخصوص تفاصيل طريقته الإجرائية. في فترة أولى من تاريخه (1899ـ 1908) كان تفسير الأحلام يبدو مثل مادة بديلة لكتيب تحليل نفسي.

    لقد اتضح تلقي الكتاب لدى علماء النفس الأكاديميين سلبيا نوعا ما، وبالمقابل، فقد وجد استقبالا إيجابيا للغاية من جانب أطباء الأمراض العقلية السويسريين بعيادة بورغولزليBurgholzli) (بزيوريخ. لقد كان مدير هذه العيادة هو يوجين بلولر (Eugen Bleuler) (1857ـ 1939)، ثم مساعده كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung) (من بين الأوائل الذين أثار منهج التحليل الذاتي الفرويدي للأحلام اهتمامهما. ومنذ 1905، شرع بلولر في ممارسته مع العمل على وضع تحليل بواسطة المراسلة مع فرويد، على غرار العديد من القراء الآخرين. إن أهمية هذا التحليل الرسائلي الذي انتهى بخيبة أمل أصبحت واضحة للعيان إذا ما تم أخذ بعين الاعتبار أن بلولر يبدو في تلك الفترة، في كتيب أستاذه أوغست فوريل Auguste Forel) (حول التنويم المغناطيسي hypnotisme) ((1889)، باعتباره نموذجا أساسيا ل” مُنوِّم مغنطيسي مُنوَّم مغنطيسيا “. إنه يعتبر إذا إحدى أولى حالات الاستبطان introspction) (في الحالة المتعلقة بالتنويم المغناطيسي والممثل لثقافة تجريبية شاملة وعلاجية مشيدة أساسا على ممارسة الإيحاء التنويمي (suggestion hypnotique) 4. أصبحت عيادة بورغولزلي، تحت إشراف بلولر، أول مؤسسة لطب الأمراض العقلية بأوروبا حيث تم تطبيق النظريات وتقنيات فرويد كما أنها كانت محل أخذ ورد. لقد شكل هذا التلقي الأولي بذرة لجمعية التحليل النفسي المستقبلية بزيوريخ، محور أساسي لمأسسة التحليل النفسي.

    لقد مارس السويسريون التحليل النفسي الفرويدي في بادئ الأمر،إلى جانب الإيحاء التنويمي، وخاصة كإضافة لرائز التداعي، طريقة يفترض في أنها تمنح أساسا نظريا ل” نظرية العقد النفسية “. وفي هذا السياق فقد تعزز تبادل الرسائل بين بلولر وفرويد ابتداء من 1904. منذ أشهر عدة، انخرط طبيب الأمراض العقلية السويسري بشغف في تحليل عبر المراسلة بمعيةال” معلم ” النمساوي باعثا له بأحلامه الشخصية وتداعياته 5. خلافا لفرويد، فقد اعترف بلولر في بوحه الحميمي وخصوصا بمعطيات تجريبية قادرة على تصحيح تقنية التحليل النفسي. إن فكرة تفنيداته للتأويلات الفرويدية سيتم تحفيزها من قبل ” مُقاومة وجدانية ” ظلت غير مألوفة بالنسبة إليه.

    وفي السنوات اللاحقة تشكلت الحركة واتخذت طابعا دوليا، تطور سوف يترك آثارا على تاريخ تفسير الأحلام. وهكذا، فإن التغييرات الكبيرة للكتاب، منذ المرحلة الثانية من تاريخه المتقلب (1909ـ 1918)، قد تم ربطها بإحكام بالتوترات المتنامية بين جمعيات التحليل النفسي بفيينا وزيوريخ. لقد لعب تأسيس مجلتين أوليين متخصصتين، دورا أساسيا في هذا السياق. ففي عام 1909، نشر كل من بلولر ويونغ بمعية فرويد الكتاب السنوي لأبحاث التحليل النفسي وعلم النفس المرضي. وبعد فترة وجيزة، ظهرت إلى حيز الوجود، [مجلة] المجلة المركزية للتحليل النفسي، ومحررها هو طبيب الأمراض العقلية وعلم الجنس ولهلم ستيكل (Wilhelm Stekel) (1868 ـ 1940)، وهو أحد المؤسسين لجمعية الأربعاءالذائعة الصيت (يعتبر رائدا لجمعية التحليل النفسي بفيينا). وبينما كان الكتاب السنوي jahrbuch) (يسعى جاهدا في أن يكون ضامنا للعلمية بنشر مساهمات نظرية ودراسات لحالات مفصلة للغاية، فإن الورقة المركزية Zentralblatt) (تلمّ حكايات طريفة، ورسما مؤطرا ومنوعات varia) (6.

    سوف تحدد الخصومات المتعددة بين فيينا وزيوريخ مصير تفسير الأحلام في الطبعات المتلاحقة: فبينما حث السويسريون فرويد على تعديل النص صوب إبستيمولوجيا متماسكة تهدف إلى فصله عن السيرة الذاتية لمؤلفه، فإن هدف ستيكل هو تبسيط التأويل التحليل نفسي للحلم ع تحويله إلى تفسير جديد للأحلام. قام ستيكل في عام 1911، بنشر Die Sprache des Traumes) ([لغة الحلم]، وهو كتاب يستعيد النظرية الفرويدية مختزلا منهج التفسير على نطاق واسع مخصص لمعجم افتراضي للرموز الحلمية، مشروع يدخل في منافسة مباشرة مع تفسير الأحلام إنه يستلهم أدب تفسيرات الأحلام، ولاسيما أدب أرتميدوروس Artémidore) (، الذي أعيد اكتشافه من قبل علماء الفيلولوجيا في القرن التاسع عشر، بهدف اقتراح تأويلات مقتضبة أخذا بعين الاعتبار مجموعة من الرموز symbolique) (المحددة 7.

    إن المعضلة التي تقود إلى إعادة تنظيم الطبعة الثالثة (1911) والرابعة (1914) لتفسير الأحلام أصبحت جلية، إذا ما تم أخذ المقتضيات التي اقترحها علماء فيينا وسيويسرا بعين الاعتبار. إن استراتيجيات التعميم التي قادها ستيكل والتي تنطوي على علاقة وثيقة بين القراء عديمي الخبرة والمتخصصين في التحليل النفسي، قد تم انتقادها من قبل يونغ الذي بذل قصاراه من أجل شطب الـ” عمل العلمي والمنهجي ” للتحليل النفسي الحقيقي لل” تخمين الحدسي ” للمفسرين البدائيين.

    بالنظر إلى الموقف الذي يتخذه التحليل النفسي بين ثقافة تأويل أكثر انفتاحا، وسياق مبهم للغاية، مخصص للمتخصصين، ولّى فرويد وجهه، في تلك الفترة، صوب ميدان يوجد خارج الفضاء السريري: وهو فضاء الأدب والميثولوجيا. يسعى من خلال هذا التمدد إلى ترسيخ نظريته بأسلوب جديد لتطوير استراتيجيات لإثبات عالميتها. لقد صمم فرويد على التخلي عن شكل كتابه الأولي لكتابة كتاب آخر ” لاشخصي ” بمعية أوتو رانك (Otto Rank). توجد آثار هذا المشروع في الطبعة الرابعة لتفسير الأحلام (1914). سوف يحصل رانك، الذي كان يشغل، في ذلك العهد، وظيفة سكرتير جمعية التحليل النفسي بفيينا، ابتداء من تلك الطبعة، على وضعية المؤلف المشارك، كما أنه سيظهر إذن مع فرويد على صفحة العنوان. لقد قام بكتابة نصين مطولين حول ال” حلم والابتكار الشعري ” Traum und Dichtung) (ثم حول ال” حلم والأسطورة ”  (Traum und Mythus) واللذين تم تضمينهما في نهاية الفصل السادس.

    يهدف تعاون رانك وفرويد خاصة إلى البرهنة على الخاصية الشمولية ل” أحلام موت الأحبة ” Tod Theurer Personen) (، أحلام تم ربطها منذ الطبعة الأولى، بتراجيديا أوديب. لابد من التركيز على كون أنه في نسخة 1899 لم يتخذ الحلم الأوديبي بعدُ، دور حلم نموذج أصلي prototype) (. ويعزى ذلك، إلى أن فرويد لم يقدم جوابا بعدُ عن سؤال حول معرفة طبيعة الرغبة التي يحققها الحلم Wunscherfullung) (. مع تقديم المفهوم الجديد لـ” عقدة أوديب “، فإن تلك الأحلام شرعت في الحصول على وضع متميز. وبينما يصبح الأوديب، من الآن فصاعدا ” شعارا ” للتحليل النفسي الفرويدي، فإن الصيغة الشهيرة، والتي بحسبها، يتضح الحلم تحقيقا لرغبة، تجد نفسها معدّلة وموسعة فيه. وبالرغم من ذلك، فإن هذا التعديل الحاسم الذي أضيف إلى الطبعة الثالثة (1911)، لم يكن فرويد هو من قام به، يتعلق الأمر باستشهاد نص لرانك الذي لاحظ، في دراسة مقارنة لمختلف نسخ تفسير الأحلام، أن الصيغة الشهيرة لابد من توسعتها: ” يعرض الحلم بانتظام كونه يشبع، على أساس وبالاستعانة بعناصر بناء طفلية ـ جنسية مكبوتة، رغبات راهنة، وشبقية عموما، بصورة مبهمة ومقنعة رمزيا 8. “

   من أجل تقديم أدلة على أن الأحلام تعبر عن رغبات جنسية، فقد تم تعزيز نص الكتاب، منذ تلك الفترة، بفصل جديد حول الرمزية، التي تستند على أعمال ستيكل، بشكل كبير،وتلاميذ آخرين من دائرة فيينا. بناء على ذلك، فإن قائمة الرمزية الجنسية لفرويد، وأقاربه تدخل سريعا في تعارض مع تصور آخر مفصل من قبل أعضاء آخرين من الحركة.

    من بين المحللين النفسيين الأوائل، الفيلسوف هربرت سيلبرر Herbert Silberer) ((1882 ـ 1923) الذي لجأ إلى استعمال الملاحظة الذاتية للدفاع عن أطروحته في ” الرمزية الذاتية ” للحلم والتي بحسبها يقوم كل رمز حلمي بترجمة الوضع العام، أو اشتغال الحياة النفسية في ظرف معين. فمع نشر والنقاش النقدي لإسهامات سيلبرر في الطبعة الرابعة لتفسيرالأحلام وفي كتاب ” عن النرجسية ” (1914)، قام فرويد برسم حدود بالنسبة إلى الميل الذي أبدى عنه من قبل القراء الممارسين للملاحظة الذاتية مثل بلولر. وهكذا تميز في الإصرار على الوضع الراهن للحالم، حول الـ” عقدة ” التي تشغل باله أثناء الحلم، ويبدو أنه يتم التعبير عنه مباشرة في الرموز الحلمية. اعتقد المحللون النفسيون بزيوريخ، وأيضا ستيكل ومحللون نفسيون آخرون من فيينا، مع التفسير الوظيفي، في العثور على مؤشر أكيد على الحالة النفسية السائدة، لدى المريض في أي وقت من أوقات العلاج. استبعد فرويد تلك المحاولات للبحث فيها عن أساس معرفي للتقنية التحليل نفسية. وتبعا له، فإن ملاحظة الظاهرة الوظيفية لا تشير، من الناحية الموضوعية، إلى شيء ما حول حالة نفسية ما في ذاتها، بل فقط حول تأثير الملاحظة ذاتها، يتم تصورها في اصطلاحات النظرية الفرويدية للجهاز النفسي، كجزء للنظام instance) (النفسي.

    سوف تبلغ المراجعات المتعددة للمذهب الفرويدي للحلم ذروتها في الاختلافات المعلنة صراحة، من قبل جماعة زيوريخ. إن النقد السويسري الذي أعلن عنه من قبل كل من يونغ وألفونس مايدر Alphonse Maeder) ((1882 ـ 1979)، رئيس جمعية زيوريخ، يمكن إيجازه بواسطة الصيغة، الملتبسة، على أنه مرارا وتكرارا، بأن على التحليل النفسي أن يتممه تركيب ما. والمفروض في هذا الأخير الكشف عن الدلالة الـ” استشرافية ” أو ” الغائية ” للحلم بغية إيجاد حل للقضايا الوجودية للمريض. يسلط عمل التأويل إذن الضوء على الطابع الفعال للنشاط الحلمي الذي يهيئ الحالم إلى مهمة مستقبلية. إن التفسيرات الرمزية الذاتية (واللاجنسية إذن) للأحلام تبعا لنفس فكرة سيلبرر فإنه يتم تعبئتها في هذا الاتجاه، ولاسيما من أجل لفت الانتباه إلى النقص الذي يعاني منه منهج تحليل الأحلام الذي يعبر عنه فرويد.

   إن انقسام حركة التحليل النفسي، الذي سيقود إلى القطيعة النهائية، بين المجموعة السويسرية وفرويديو وفيينا يتمحور حول أسئلة التفسير التي تتضح في الوقت نفسه أسئلة معرفية، أخلاقية وسياسية: إن مناصري مدرسة التحليل النفسي لزيوريخ، وفي مقدمتهم كارل غوستاف يونغ، في ذلك العهد ” وريث ” المعلم في قلب الحركة الناشئة، كانوا يعترفون في ” الخاصية الناقصة لتأويل الأحلام الأساسية التي يتم اختبارها، كأمثلة مستشهد بها ” بالعيب المركزي للكتاب. وبحسب يونغ، فإن الحلم الشهير، بخصوص حقن إرما، كان ينبغي عليه أن يُستبدل أو يتممه حلم آخر، عاملا على كشف الدوافع المؤلمة لرغبة الحالم ” بدون لف أو دوران 9 “. كان السويسريون يشترطون دليلا شاملا بغية إنشاء تعليم على أساس نهج موضوعي، كما وضع نقدهم المنهجي شخص فرويد موضع تساؤل، بوصفه حالة أصلية ونموذجية للتحليل النفسي.

    إن الحاجة إلى هذه الهرمينوطيقا التامة للأحلام، والحالة هذه، لاتصدر فقط عن وضع علاجي ومعرفي، لكنها تتكشف أيضا في مصطلحات النسب. وفي هذا الصراع، فإن أساليب التفسير التحليلية والتركيبية تعتبر علانية بكونها ” يهودية ” و ” مسيحية “. إن التعارض بين التحليل والتركيب يتجاوز معنى تقنيا صِرفا فيصبح عنصرا سجاليا، ضمن مواجهة الحركات المعادية للسامية حول دور فرويد، باعتباره معبِّرا مؤسسا ومثاليا لتحليل الأحلام 10.

    يتضح أن تفسير الأحلام هو نتاج تاريخ جماعي ونزاعي. يتغير وضع المؤلف الذي اتخذه فرويد من طبعة إلى أخرى، إن النص هو إذن يتغير بحسب الظروف. لم يقدم فرويد كتابه كعمل لمؤلف واحد هو ذاته، إلا بعد القطيعة مع السويسريين سنة 1914: وبمجرد توطيد العمل الفرويدي، منذ الفترة الثالثة من تاريخه (1919 ـ 1930)، مع تأسيس دار نشر للتحليل النفسي 11، فقد تم السعي إلى محو التاريخ المركب للنص. ففي كتابات مجمعة (Gesammelte Schriften)، طبعة أولى لأعمال فرويد أنجزها المحللون النفسيون (12 مجلدا، 1924 ـ 1934)، فإن النسخة الأصلية لتفسير الأحلام قد تم استنساخها مثل وثيقة تاريخية (1925)، مفصولة عن الإضافات التي تم استبعادها في مجلد آخر. وبعد قطيعته مع رانك، عمد فرويد إلى حذف إسهامات مساعده القديم في الطبعة الثامنة والأخيرة لعام 1930، وهي نصوص سوف تختفي من دور النشر 12 في وقت لاحق.

    إن العمل مثلما يتم تقديمه للقراء في الوقت الراهن، في نسخه الأكثر “انتقادية “، يقترح شيئا آخر: ثمة انطباع أن مختلف طبعاته تشير إلى نمو تدريجي للمعارف التي كانت تختمر في الطبعة الأولى. إلاأن ـ سوف يتم فهم ذلك ـ الخصوصية التاريخية لـ تفسير الأحلام تكمن في حركة مختلفة جدا والتي غالبا ما تفضي إلى نص به فجوات وخذلان أو إغاظة أولئك الذين يسعون إلى معرفة شاملة وجد متماسكة. ومن خلال خاصيته المفككة وغير المتجانسة، ألا يحافظ هذا الكتاب على آثار بادرة تحليلية؟


 

هوامش

1. سيغموند فرويد، تفسير الأحلام، ترجمة: (J.P.Lefebvre),paris,Seuil,2010,p.25

2. اُنظر جاكلين كاروا (Jacqueline Carroy)، ليال عالمة. تاريخ الأحلام (1800 ـ 1945)، باريس، دار نشر EHESS) (2012.

3. في سبيل تحليل مفصل جدا لهذا التشكل وتاريخ الكتاب عموما، أجيز لنفسي الإحالة على ل.مارنيلي وأ. مايير، احلم مع فرويد. التاريخ الجماعي لتأويل الحلم، ترجمة: د. تاسيل D.Tassel) (، باريس، أوبييه فلاماريون، 2009 (النسخة الألمانية الأولى، 2002).

4. اُظر أ. مايير « Introspective Hypnotism and Freud’s self –Analysis: Procedures of Self – observation in Clinical Practice» ,Revue d’histoire des sciences humaines,5,2001,Id.,Sites of the Unconscious.hypnosis and The Emergence of the psychoanalytic setting ,chicago University press,2013,ch.7 et 8.

5. لقد تمت البرهنة بوضوح على قيمة بلولر بالنسبة لتحليل اللغة ومن أجل كتابة الأحلام من خلال أرشيفاته حيث توجد العديد من السجلات.cf. Y.Wubben, Verruckte Sprache. Psychiater und Dichter in der Anstatl t des 19. Jahrhunderts,Konstanz University press, 2012,ch.4  

6. حول مجلات التحليل النفسي الأولى، انظر ل. مارنيلي « Die Veroffentlichung der psychoanalyse. zu den Anfangen Psychoanalytischer Zeitschriften.» in Tricks der Evidenz. Zur Geschichte Psychoanalytischer Medien,Turia und Kant, 2009,p ;27-56. 

7. انظر أ. مايير « La Traumdeutuyng – Clefs des songes du vingtième siècle ? Freud ,Artémidore et les avatars de la symbolique onirique »,in J.carroy et J.Lancel ,clefs des songes et science des reves  (à paraïtre).

8. سيغموند فرويد، تفسير الأحلام، مرجع سالف الذكر، ص 200 a.2sq

9.رسالةكارل غوستاف يونغ إلىسيغموند فرويد، 14 فبراير 1911، مراسلات، 2، 1910 ـ 1914، باريس، غاليمار، 1977، ص 140.

10. انظر مراسلة مايدر وفرويد، التي تم نشرها مجزأة في أ. مايدر A.Maeder) (، ” رسائل إلى سيغموند فرويد ” Le Bloc Note de La psychanalyse 8, 1988,p.219-263.  

11. انظر L.Marinelli,psyches Kanon.Zur publikationsgeschichter und den psychoanalytischen Verlag,Turia und Kant,2009.

12. لذلك، فإن نصوص رانك لا وجود لها ضمن الترجمة الإنجليزية ل(Strachy de La Standard Edition). إلا أنها تظهر في الترجمة الفرنسية الأولى لتفسير الأحلام، التي تعود إلى إنياس مايرسون Ignace Meyerson) ((علم الأحلام، ألكان، 1927) كي يتم محوها من نسخته المعدلة (تفسير الأحلام  ترجمة: إ. مايرسون، مراجعة دنيس برغر، PUf,1967 (إنها غير موجودة أيضا في الترجمات الفرنسية الجديدة حديثة العهد (تفسير الحلم، ترجمة :ج.ب. لوفيبر Altounian, P.Cotet,Lainé,A Ruzy,F.Robert,paris,PUF,2003 ;L’interprétation du réve ,trad.J.P.Lefebvre,paris,Seuil,2010) إنها متوفرة من الآن فصاعدا في ملحق مارنيلي ومايير، مرجع سبق ذكره، ص 265ـ328.

مصدر النص

دفتر: سيغموند فرويد

سلسلة دفاتر ليرنا L’Herne) (، وتم الإشراف على هذا الدفتر من قبل كل من روجيه بيرون وسيلفان ميسونييه Roger Perron et Sylvain Missonnier) (. عن دار نشر ليرنا، 2015 باريس