مجلة حكمة
كيف نغير مجرى التاريخ البشري؟ قصّة بديلة لـ تاريخ البشر - ديفيد غريبر وديفيد وينغرو

كيف نغير مجرى التاريخ البشري؟ قصّة بديلة لتاريخ البشر – ديفيد غريبر وديفيد وينغرو / ترجمة: فهد عبدالعزيز


يسعى أي سرد لتبرير شيءٍ ما. نقول القصص -لا للتسلية وحسب- بل لكي نؤكد أفكارًا ما عندنا. تاريخ الإنسان قصّة مشابهة يُعاد سردها وترتيبها لتؤكد أفكارًا ما حول طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه، وإمكانيّة تغييره، وجذور اللامساواة وفطريّتها. يحاول ديفيد غريبر وديفيد وينغرو هنا مراجعة القصة الشائعة لتاريخنا، ونقدها، ثم تقديم أدلة تجبرنا على إعادة التفكير في تاريخنا وإعادة صياغة القصة المعتادة التي نعرفها عنه. لا أعتبر نفسي يساريًا حين أترجم هذا العمل، ولا يحتاج المرء أن يكون كذلك حتى يَقرأَه، بل داعمًا لنقد القصص الشائعة وتفكيكها، وداعمًا كذلك للسرديات الأصيلة الأكثر دقة. (المترجم)


١

في البدء كانت الكلمة

ظللنا نقص على أنفسنا، منذ قرون، قصةً بسيطة عن جذور انعدام المساواة الاجتماعيّة. عاش البشر معظم تاريخهم في مجتمعات ريعية صغيرة من الصيادين والجامعين١. ثم جاءت الثورة الزراعية وجلبت معها المِلكيّة الخاصة، تلاها صعود المدن والذي يعني ظهور الحضارة كما نعنيها. تأتي الحضارة بأشياء سيئة كثيرة (كالحروب، والضرائب، والبيروقراطيّة والنظام الأبوي والعبوديّة)، لكنها صنعت الأدب المكتوب، العلوم، والفلسفة، ومعظم الإنجازات العظيمة الأخرى للبشريّة.

يعرف الجميع تقريبًا هذه القصّة بخطوطها العامة. منذ أيام جان جاك روسو على الأقل، أطّرت هذه القصّة ما نظنه عن شكل التاريخ البشري ومساره. هذا مهم لأن السرد يعرّف أيضًا ما هو معقول سياسيًا. يرى الغالبيّة منا الحضارة، ومعها اللامساواة، كشرٍّ لابد منه. يحلم البعض بالعودة لليوتوبيا القديمة، أن يجدوا شكلًا قريبًا من “الشيوعيّة البدائيّة” تلك، أو حتى -في حالات متطرفة- بتدمير كل شيء، وأن نعود آكلي علف مجددًا. لكن..لم يسبق وأن تحدى أحد البناء الأساسي لهذه القصّة.

ثمّة مشكلة جوهريّة في تلك القصة.. وهي أنها غير صحيحة.

بدأت أدلّة ساحقة من علم الآثار والأنثربولوجيا، وتخصصات عينيّة أخرى، منحنا فكرةً واضحةً -لحد معقول- لتاريخ آخر ٤٠ ألف سنة من تاريخ البشر . لا تشبه هذه الأدلة -بأي شكل- القصّة المعتادة. لم يقضِ جنسنا البشري، في الحقيقة، معظم تاريخه في جماعات صغيرة، ولا تعد الثورة الزراعيّة خطوةً لا رجعة فيها في تطورنا الاجتماعي، وقد كانت المدن الأولى -في أحيان كثيرة- مدن مساواة بشكل صارخ. ورغم أن الباحثين، بالتدريج، وصلوا إلى إجماع حول هذه المسائل، لكنهم مازالوا مترددين بشكلٍ غريب في نشر نتائجهم هذه للعامّة٬ أو حتى للباحثين في تخصصات أخرى، دع عنك محاولة نقاش ما تحمله هذه النتائج من مضامين سياسيّة أكبر. نتيجةٍ لذلك، نجد أولئك الكتّاب المهمومين بـ”الأسئلة الكبرى” للتاريخ البشري ، كجاريد دياموندز، فرانسس فوكوياما، إيان مورس، وغيرهم، مازالوا يعتمدون إجابة روسو لسؤال (ماهو أصل اللامساواة؟) كنقطة انطلاق لهم. ويفترضون أن القصّة الكبرى ستبدأ بانحدار ما من مجتمع بدائي بريء.

طرح هذا السؤال، بهذه البساطة، يعني أننا نقوم بمجموعة من الافتراضات، أننا ١. أولًا: نقول أن ثمّة شيء ما يسمى “اللامساواة” ٢. وثانيًا: أن اللامساواة هذه مشكلة، ٣. وثالثًا: أن اللامساواة هذه كانت غير موجودة في وقتٍ ما في السابق. أصبحت مشكلة “اللامساواة”، منذ الأزمة الاقتصاديّة عام ٢٠٠٨ وماتلاها من احتجاجات في قلب الجدال السياسي. يبدو أن ثمّة إجماع، عند المثقفين والطبقات السياسيّة كذلك، أن مستويات اللامساواة تصاعدت بشكل خرج عن السيطرة، وأن معظم مشاكل عالمنا تنتج عن هذا بشكل أو بآخر. الإشارة إلى هذا يؤخذ كتحدٍّ لبُنى القوى العالميّة، قارن هذا بالمشاكل المشابهة حين كانت تناقش في الجيل السابق. صُممت كلمة “اللامساواة Inequality”، على عكس “رأس المال” و”القوّة الطبقية” لتقود عمليًّا لحلول وتسويات غير كاملة. يمكن أن نتخيّل الإطاحة بالرأسماليّة، أو كسر هيمنة الدولة، لكن يصعب جدًا تخيّل إنهاء الالمساواة. بل وما نعنيه بإنهاء اللامساواة، في الحقيقة، ليس واضحًا حتى، إذ أن الناس ليسوا سواسية، ولا أحد يريدهم أن يكونوا كذلك.

“اللامساواة” هي طريقة لتأطير المشكلة الاجتماعية بشكل يناسب النخب التكنوقراطيّة، الذين يعتبرون أي رؤية للتغيير الاجتماعي شيئًا غير مطروح أصلًا على الطاولة. وهي تسمح للمرء أن يعبث بالأرقام، وأن يحاجج بمعامل جيني Gini coefficients ٢، وبالعتبات التي تقود للاختلال، ثم يعدل نظام الضرائب أو الآلية الأفضل للرعاية الاجتماعية. وقد يصدم المجال العام بالسوء الذي وصل إليه الحال (هل تتخيل؟ ٠.١٪ من سكان العالم يملكون ٥٠٪ من الثروة!). وهم يقومون بكل ذلك دون معالجة العوامل الفعليّة التي يحتج ضدها الناس حين يذكرون اللامساواة. على سبيل المثال: كيف استطاع البعض تحويل ثروتهم إلى قوة تحكم بالآخرين؟ أو كيف يقال لبعض الناس أن احتياجاتهم غير مهمّة، وألا قيمة فعليّة لحياتهم؟ وأن علينا الإيمان أن هذا نتيجة حتميّة للامساواة، التي هي بدورها نتيجة حتميّة للعيش في مدن ضخمة معقدة ومتقدمة تقنيًا. تلك هي الرسالة السياسية الحقيقية التي يراد تقديمها حين نراهم يتضرعون بلا توقف لعودة مجتمع -متخيل- قديم بريء حين كانت المساواة موجودة. لو أردنا التخلص من مشاكلنا الحالية بالكامل، ينبغي أن نتخلص بطريقة ما من ٩٩.٩٪ من سكان الأرض ثم نعود مجتمعات صغيرة من الجامعين. ليس لنا، عدى ذلك، سوى الأمل أن يصغر الحذاء الذي سيدوس وجوهنا، للأبد، أو أن نناور في مساحة صغيرة مؤقتة، علّ أن يحصل بعضنا عليها على الأقل.

تعزز العلوم الاجتماعية السائدة هذا الإحساس باليأس. نُواجه شهريًا منشوراتٍ تعيد الهوس المعاصر بالتوزيع العادل للثروات إلى العصر الحجري، وتضعنا في رحلة بحث خاطئة عن “مجتمعات مساواة” تم تعريفها بحيث لا توجد إلا في مجتمعات بشريّة صغيرة من الجامعين (بل وربما يصعب أن توجد فيها حتى). سنقوم بشيئين في هذه المقالة إذًا، أولهما أن نمضي بعض الوقت في مراجعة ما يتم تقديمه لساحة الرأي في هذه المسائل، أن نكشف كيف تُلعب اللعبة، وكيف يعيد العلماء المعاصرون إنتاج هذه القصّة كما قيلت في فرنسا أو اسكتلندا عام ١٧٦٠.  ثم سنحاول وضع أساسات أوليّة لسرديّة بديلة مختلفة تمامًا. هذه، في الغالب، عمليّة تنظيف للساحة. إن الأسئلة التي نتعامل معها ضخمة، والقضايا التي نتعامل معها جد ملحّة، وتحتاج لسنوات من البحث والنقاش لنبدأ حتى فهم مقتضياتها بالكامل. الشيء الوحيد الذي نصر عليه هنا: إن التخلي عن القصة القديمة، قصة الانحدار من المجتمع البدائي البريء، لا يعني أن نتخلى عن حلمنا بانعتاق البشر، بالحلم بمجتمع بشري حيث لا يستطيع أحد تحويل حقهم في التملك إلى وسائل لاستعباد الآخرين، وبمجتمع لا يُقال لأحد فيه إن حياته لا قيمة لها. متى ما تخلصنا من قيود تصوراتنا هذه، ولمسنا التاريخ كما هو;سيصبح تاريخ البشر ، على العكس، مكانًا مشوّقًا أكثر، بلحظات أمل أكثر، لحظات أمل لم نكن نملك إلا تخيلها.

٢

عمّا يقوله المؤلفون المعاصرون عن جذور اللامساواة الاجتماعية..أو عن عودة جان جاك روسو المؤبدة

لنبدأ بوضع الخطوط العريضة للمعرفة التي وصلتنا عن السير العام لـ تاريخ البشر:

حين رُفع الستار عن تاريخ البشر ، لنقل تقريبًا، قبل ٢٠٠ ألف سنة -مع تطوّر الإنسان العاقل Homo Sapiens بتشريحه الحديث- وجدنا أنفسنا كجنس في مجموعات صغيرة متنقلة من ٢٠-٤٠ فردًا. نبحث عن أماكن مثاليّة للصيد وجمع النباتات، مطاردين للقطعان وجامعين لحبات البندق والتوت.  لو دب خلاف ما، أو شحّت المصادر، فسيستجيبون لهذا بالهجرة لمكان آخر وحسب. صحيح أن الحياة في هذه البشريّة الأولى -ولنسمها مهد البشريّة- مليئة بالمخاطر، لكنها مليئة بالفرص كذلك. الأمتعة المادية قليلة، صحيح، لكن العالم مغرٍ لم يفسده أحد. يعمل معظمهم عدة ساعات وحسب، ويمكنّهم عددهم الصغير من تكوين علاقات رفقة قويّة ومريحة دون بنى رسميّة لفرض السيطرة. كتب روسو عن هذا في القرن الثامن عشر وسماه “عصر ولاية الطبيعة”، ويعتبر الآن أنه شكّل معظم التاريخ الفعلي لجنسنا البشري. يُظن كذلك أنه العصر الوحيد الذي عاش فيه البشر في مجتمعات مساواة بلا طبقات، بلا طوائف أو هرميّة أو حكومة مركزيّة.

يالحسرتنا..ينبغي لهذه الحالة السعيدة أن تنتهي مع الوقت. تؤرخ روايتنا المعتادة أن هذا حدث قبل ١٠ آلاف سنة، مع نهاية العصر الجليدي الأخير.

نجد ممثلينا الخياليين على المسرح في هذه اللحظة متناثرين عبر القارات وقد بدؤوا ينشئون مزارعهم وقطعانهم ويحصدون المحاصيل. مهما اختلفت الأسباب من منطقة محليّة لأخرى (وهي أسباب مختلف عليها)، فإن الآثار التي حدثت مهمّة، وقد حدثت في كل مكان. أضحت الملكيّة الخاصة للأراضي والممتلكات ذا أهميّة بطرق لم تكن معروفة. وجلبت معها الخصومات المتفرقة، والحروب. أعطتنا الزراعة فائضًا من الطعام سمح للبعض أن يراكمه كثروات ويؤثر إلى مدى أبعد من مجموعته المباشرة. طوّر آخرون، نتيجة التحرر من رحلة البحث عن الغذاء، مهارات جديدة، كأن يخترعوا أسلحة معقدة، وأدوات ومركبات وحصون والسعي لبناء منظّم للدين والسياسة. أصبح بإمكان مزارعي العصر الحجري هؤلاء، وبسرعة، القدرة على قياس مالدى جيرانهم من ثروات، وأن يخططوا لإنهائهم أو ضمهم لتشكيل جديد، وأسلوب حياة متفوق أكثر -حتى لو كان- أقل مساواة.

تصبح الأمور أكثر صعوبة، أو كما تُكمل القصة، أمّنت الزراعة زيادة عالميّة في عدد السكان. خطى أسلافنا، وهم ينتقلون للعيش في تجمعات أكبر، عن دون قصد، خطوةً لا رجعة فيها للامساواة، حدث ذلك حين ظهرت المدن، قبل ٦٠٠٠ سنة تقريبًا. وبها ختم مصيرنا. فمع المدن تأتي الحاجة للحكومة المركزية. نصّبت طبقات جديدة من البيروقراطيين والكهنة والسياسيين نفسها في مكاتب دائمة لضبط النظام وضمان تقديم الخدمات والموارد بسلاسة. تم عزل النساء، اللاتي كان لهن دور بارز في تدبير شؤون الناس، في غرف الحريم. أصبح أسرى الحروب عبيدًا. وصلت اللامساواة بشكلها الفج، وليس ثمة طريقة للتخلص منها. يطمئننا من يقص القصّة، لم تأتِ الحضارة المدنية بالأشياء السيئة فقط. اخترعت الكتابة في البدء لتدبير شؤون وحسابات الدولة، لكن هذا قاد لاحقًا للتقدم المبهر في العلوم والتقنيات والفنون. لقد دفعنا ثمن براءتنا هذا بأن أصبحنا عبيدًا لما اخترعناه، ولا نملك إلا التحديق بشيء من الأسف والغيرة لتلك المجتمعات البدائيّة التي لم تلحق الركب.

تضع هذه القصة الأساس للجدل المعاصر حول اللامساواة. لو أمل خبير في العلاقات الدوليّة، أو عالم نفس، في مراجعة هذه المسألة، ففي الغالب سيرى أن هذا أمر بديهي، لقد عشنا معظم تاريخنا البشرية في مجتمعات مساواة صغيرة، وأن ظهور المدن جلب معه نشوء الدولة. يحدث الأمر نفسه مع معظم الكتب الحديثة التي تحاول الوصول لنتائج بشأن مشكلاتنا السياسية المعاصرة بالنظر لماقبل التاريخ. خذ كمثال كتاب فرانسس فوكوياما Francis Fukuyama ٣“أصول النظام السياسي: من فترة ماقبل البشر وحتى الثورة الفرنسية”.

“يشبه التنظيم السياسي للبشر، في مراحلهم الأولى، تنظيم الجماعات الذي نلاحظه لدى القردة العليا كالشمبانزي. وقد ينظر له باعتباره الشكل الافتراضي للتنظيم الاجتماعي. أشار روسّو أن أصل اللامساواة يعود لتطور الزراعة، لقد كان محقًا في هذا لحد كبير. فتنظيم الجماعات هذا يأتي قبل الزراعة، ولا يوجد فيه أي ملكية خاصة بأي معنى لهذه الكلمة. مجتمع الصائدين- كما الشمبانزي- يستوطن منطقة إقليميّة يحميها ويقاتل في سبيلها. لكن الحافز الذي يملكوه أقل من ذاك الذي عند المزارعين حين يخططون قطعة أرض ويقولون “هذه الأرض ملكي”. لو استوطنت منطقتهم مجموعة أخرى، أو غزاهم مفترس خطر، فللجماعة خيار المغادرة لمكان آخر ببساطة. يرجع ذلك لقلة عدد السكان. تعيش تلك الجماعة في مجتمع متساوِ للغاية. تترسخ القيادة في الأفراد بناءً على قوتهم وذكائهم ومقدار الثقة فيهم، رغم أنها تنزع للتنقل من فرد لآخر.”

في كتابه “العالم قبل يوم الأمس World Before Yesterday” سأل جارد دياموند٤ Jared Diamond: مالذي يمكن تعلمه من المجتمعات التقليديّة؟ واقترح أن تلك الجماعات (التي يؤمن هو أنها عاشت حتى ١١ ألف سنة مضت) تتكون من حفنة قليلة من الأفراد، تجمع معظمهم صلة قرابة. كان وجودهم خفيفًا “إذ يصيدون أي حيوان ويجمعون أي نبتةٍ تقع في نطاق فدان في الغابة”. (لم فدان بالتحديد؟ لم يقدم أي تفسير على الإطلاق). كانت حياتهم الاجتماعية -بالنسبة لدياموند- بسيطة بشكل يثير الغبطة. تتخذ القرارات عبر “نقاش وجهٍ لوجه” أما الممتلكات الشخصية فقليلة، وليس ثمة قيادة سياسية رسميّة أو نظام اقتصادي متين متخصص. يختم دياموند، بحزن، أن البشر لم يحققوا أي شكل معتبر من المساواة الاجتماعية إلا في مجتمعات بدائية كتلك.

اختراع الزراعة وتصاعد مستوى السكان الذي جاء معها -بالنسبة لدياموند وفوكوياما، وروسو من قبلهم بقرون- هو ما وضع نهاية للمساواة في كل مكان وإلى الأبد. جلبت الزراعة معها التحول من “الجماعة” إلى “القبيلة”. تراكم الغذاء عززّ نمو السكان، الأمر الذي قاد بدوره بعض “القبائل” لتتطور لمجتمعات مصنفة تسمى “المشيخات”. يرسم فوكوياما لوحته بنفحة إنجيلية- المغادرة من عدن: “حين هاجرت جماعات صغيرة من البشر وتكيفت مع بيئاتها، بدؤوا رحلة الخروج من سلطة الطبيعة وطوروا مؤسسات اجتماعية جديدة، قاتلوا في حروب على المصادر، كانت هذه المجتمعات اليافعة تتجه للمشاكل”.

حانَ الوقت الآن لننضج، ولنعيّن شكلًا لائقا للقيادة. لم يمضِ وقت طويل قبل أن ينصّب الشيوخ أنفسهم كملوك أو حتى كأباطرة. وليس ثمة جدوى في المقاومة. كان محتومًا أن يحدث كل هذا منذ اعتمد البشر تنظيمًا كبيرًا ومعقدًا. لا سبيل للرجعة، حتى حين بدأ القادة بالتصرف بشكل سيء، كاستغلال فائض الزراعة لتقديم رعاياهم وأقربائهم، وتوريث السلطة، أو تكديس غنائم الجماجم والعبيد من النساء. يعطي دياموند هنا رأيه “إن المجتمعات الكبيرة لا تعمل دون قادة يتخذون القرارات، ومنفذين ينفذونها، وبيروقراطيين يديرون تلك القرارات ويشرعون القوانين. آسفٌ لكل القرّاء الأناركيين منكم، ممن يحلمون بمجتمعِ دون دولة، حلمكم غير واقعي لهذه الأسباب. فلتبحثوا عن جماعة صغيرة مستعدة لقبولكم، حيث لا غرباء، ولا حاجة للملوك والرؤساء والبيروقراطيين”.

هذا استنتاج كئيب، ليس للأناركيين وحدهم، بل لأي شخصٍ تساءل عن إمكانية أن نجد بديلًا معقولًا للحالة الراهنة. اللافت للنظر هنا أن هذه التصاريح -بغض النظر عن نبرتها المغرورة- ليست مدعومة بأي شكل من الأدلة العلمية. لا سبب يدعونا للاعتقاد أن المجتمعات الصغيرة وحدها مجتمعات مساواة، أو أن المجتمعات الكبيرة يجب بالضرورة أن تنصب ملوكًا ورؤساء وبيروقراطيين. لكن هذه التحيّزات تُعلن كأنها حقائق.

بالنسبة لدياموند وفوكوياما، فللمرء أن يلاحظ عدم تلقيهم أي تدريب معتبر في التخصصات ذات الصلة بالموضوع (الأول لديه دكتوراة في علم وظائف الأعضاء للمرارة والثاني عالم سياسة). مع ذلك، فحتى حين يتعرض علماء الإنسان وعلماء الآثار لسرد “القصة الكبيرة”، فسنجد نزعةً غريبة عندهم لقول شيء شبيه لقصة روسو مع تعديلات طفيفة. في كتاب “صناعة اللامساواة – كيف مهّد أسلافنا الطريق للعبوديّة والملكية المطلقة والإمبراطوريّات” وضع كينت فلانيري٥ Kent Flannery وجويس ماركس٦ Joyce Marcus -وهما عالمان مؤهلان بشكل بارز- في ٥٠٠ صفحة من الدراسات العرقية٧ والأثريّة محاولةً لحل هذا اللغز. أقرّ الاثنان أن المؤسسات الهرميّة والرق لم يكونا شيئًا غريبًا لدى أسلافنا في العصر الجليدي، لكنهما يصرّان أن تجربة أسلافنا لها كانت في أساسها للتعامل مع ماهو خارق للطبيعة (كأرواح السلف وما شابهها). واقترحا أن اختراع الزراعة قاد لظهورعشائر سكانيّة ممتدّة (أو ذات نسب ممتد)، وحين حدث هذا، فتحت أرواح القدامى والموتى الطريق للحصول على منافع على الأرض (لم يبيّنا كيف حدث هذا بالضبط). بدأت الخطوة الرئيسيّة التالية نحو اللامساواة، بالنسبة لماركس وفلانيري، حين تمكّن رجال عشيرة محددون بمواهب غير عادية -كأن يكونوا معالجين خبيرين، أو محاربين- من توريث مكانتهم هذه لأحفادهم بغض النظر عن مكانة أحفادهم ومهارتهم. وُُضعت هذه البذور على الأرض ومن بعدها أصبح الأمر مسألة وقت قبل ظهور المدن، الملكية المطلقة والعبودية والإمبراطوريّات.

الأمر الغريب في كتاب فلانيري وماركس أنهما لم يقدما دليلًا أثريًا حقيقيًا إلا مع نشأة الدول والإمبراطوريّات. كل الأحداث المهمة في روايتهم لـ”قصّة خلق اللامساواة” تأتي من وصف لجماعات صغيرة حديثة نسبيًا من آكلي العلف والرعاة والمزارعين، كقبائل “الهادزا Hadza”* في صدع شرق أفريقيا، أو قبائل النامبيكوارا Nambikwara في غابات الأمازون. تم التعامل مع ما وجدوه في هذه “المجتمعات التقليدية” كما لو أنه نافذة على العصر الحجري القديم أو الحديث. المشكلة أنهم ليسوا كذلك على الإطلاق. قبائل الهادزا والنامبيكوارا ليسوا أحافير حيّة من الماضي. إذ عاصرت هذه القبائل الدول والإمبراطوريات، الغازين منهم والتجار، لآلاف السنين، وتشكّلت مؤسساتهم الاجتماعيّة بالتحديد عبر محاولاتهم للتعامل مع هؤلاء الغازين والتجار أو تجنبهم.  يمكن لعلم الآثار وحده أن يقدم لنا ماتتشاركه هذه الجماعات مع سلفها الغابر. لذا فحين يحاول ماركس وفلانيري تقديم كل هذه الملاحظات المثيرة حول الطريقة التي نشأت فيها اللامساواة، فإنهم لا يقدمون أي دليل فعلي يقنعنا أن ملاحظاتهم هذه حدثت بالفعل.

دعونا نلقي نظرة أخيرة على كتاب يان مورِس١٠ Ian Morris “الباحثون والمزارعون والوقود الأحفوري: كيف تتطور القيم الإنسانيّة”. يسعى مورِس إلى مشروع فكري مختلف: أن يستدعي مكتشفات علم الآثار وعلم الإنسان والتاريخ القديم إلى النقاش الاقتصادي الحديث حول اللامساواة. كأعمال ثوماس بيكيتّي  Thomas Piketty حول أسباب اللامساواة في العصر الحديث، أو كتاب السير توني آتكينسون Sir Tony Atkinson “اللامساواة الموجّهة بالسياسات: مالذي يمكن فعله؟”. يخبرنا مورس أن لدى “العصر العميق” من تاريخ البشريّة أمورٌ مهمة تقال حول أسئلة اللامساواة. لكن ينبغي علينا في البدء أن ننشئ وحدة قياس موحّدة للامساواة قابلة للتطبيق على تاريخنا كله. أنجر مورس هذا عبر تحويله لـ”قيم” العصر الجليدي والزراعي إلى مصطلحات مألوفة في علم الاقتصاد الحديث، ثم استخدم هذه القيم لحساب معامل جيني Gini coefficients لمعدلات المساواة في تلك العصور. وبدلًا من البعد الروحي للّامساواة عند فلانيري وماركس، يقدم لنا مورِس دون خجل نظرة ماديّة للامساواة، مقسّمًا التاريخ البشري إلى ثلاث مراحل، بناءً على الطريقة التي يوجّه بها البشر الحرارة. اقترح مورِس أن المجتمعات كلها تملك مستوى “أمثل Optimal” للامساواة يتناسب مع الطريقة السائدة عندهم لاستخراج الطاقة.

في مقالة نُشرت في النيويورك تايمز عام ٢٠١٥ قدّم لنا مورس أرقامًا  بالفعل لدخل المجتمعات البدائية، مستخدمًا الدولار الأمريكي مُثبّتًا قيمته على قيمة العملة عام ١٩٩٠. افترض هو كذلك أن البشر الجامعين في العصر الجليديّ عاشوا في جماعات صغيرة متنقلة. وعليه، فاستهلاكهم كان قليلًا للغاية، اقترح هو أن هذا يساوي ١.١٠ دولار في اليوم. استمتع البشر الجامعون، بالتالي، بمعامل جيني حوالي ٠.٢٥ (وهو أقل رقم يمكن أن يصل له هذا المعامل) حيث لم يكن هناك فائض يمكن لأي نخبة محتملة أن تحصل عليه. أما المجتمعات الزراعيّة -وهذا يشمل عند مورس كل المجتمعات من قرى الكاتالهويُوك Çatalhöyük  الزراعيّة قبل ٩٠٠٠ سنة وحتى الخان كوبلاي في الصين ولويس الرابع عشر في فرنسا- كانت أكثر عددًا وبحالٍ أفضل بمعدل استهلاك ١.٥٠-٢.٢٠ دولار في اليوم للفرد الواحد، وبميل لمراكمة الفائض من الثروة. ولأن معظم البشر عمل بجهد أكبر، وتحت ظروف عمل متدنيّة بشكل ملحوظ، نرى أن المجتمعات الزراعيّة نحت لأن تحوي مستويات أعلى من اللامساواة.

كان ينبغي على مجتمعات الوقود الأحفوريّ أن تغير هذا وتحررنا من كدح العمل اليدوي، وتعيدنا لمعامل جيني معقول مقارب لأسلافنا الصائدين الجامعين – بدا لفترة من الوقت أن هذا كان يحدث، لكن لسبب غريب لا يفهمه مورِس بالكامل، ذهبت الأمور في الاتجاه المعاكس مرةً أخرى، وامتصّت نخبة صغيرة الثروة مجددًا.

“إن كان في التحولات والمنعطفات للتاريخ الاقتصادي آخر ١٥ ألف سنة وفي الرغبة الشعبية أي دليل، فالمستوى الصحيح لعدم المساواة في الدخل بعد الضرائب هو بين ٠.٢٥ و٠.٣٥، وفي مستوى اللامساواة في الثروة بين حوالي ٠.٧٠ و٠.٨٠. دول عدّة الآن فوق الحد الأعلى لهذا المدى، مما يدل أن السيد بيكيتي محق بالفعل بتنبؤه للمشاكل.”

ثمّة عبث تكنوقراطي كبير هنا!

لندع وصفات مورس جانبًا ولنركز على رقم واحد: أن دخل الفرد في العصر الحجري كان ١.١٠ دولار في اليوم. من أين جاء هذا الرقم بالضبط؟  ربّنا تعتمد هذه الحسابات على شيء ما متعلّق بقيمة السعرات الحرارية لغذاء الأفراد اليومي. لكننا إن كنا نقارن هذا بالدخل اليومي الآن، ألا ينبغي لنا أن نضع في الاعتبار كل الأشياء التي يحصل عليها الأفراد في العصر الحجري مجانًا في الوقت الذي يتوقّع منا أن ندفع لأجلها: كالحماية المجانية، التعليم الأولي المجاني، حل النزاعات المجاني١١، رعاية كبار السن المجانية، العلاج المجاني، هذا دون ذكر تكاليف الترفيه كالموسيقى والقصص والخدمات الدينية؟ وحتى حين نتحدث فقط عن الغذاء ينبغي أن نقارن جودة الغذاء كذلك، فقبل كل شيء، نحن نتحدث عن غذاء طبيعي عضوي ١٠٠٪ مغسول بماء نهر شديد النقاء. يذهب قدر كبير من دخلنا الحالي في الرهون العقارية والأجارات. لكن خذ في الاعتبار تكاليف أماكن التخييم والسكن في العصر الحجري بجانب دوردونيي ونهر فيزيري١٢١٣، هذا دون ذكر حصص المساء العالية المستوى المرسومة على الأحجار الطبيعيّة والمنحوتة بالعاج – وكل تكاليف الفرو. كل هذا يكلف أكثر من ١.١٠ دولار بالتأكيد، حتى دولار ١٩٩٠. لم يسمّ مارشال ساهالينز  Marshall Sahlins مجتمع الجامعين بـ“ مجتمع الثراء الأصلي“ عبثًا، تلك الحياة التي عاشوها  لن تكون رخيصةً اليوم.

حقيقةً كل هذا الأمر سخيف، لكن هذه هي النقطة التي نريد قولها، لو اختزل المرء تاريخ العالم إلى معاملات جيني، فإن السخافات ستتبع هذا الاختزال بالضرورة. منها سخافات محزنة. يشعر مورس على الأقل أن ثمة شيء معوجّ في الزيادة المؤخرة في اللامساواة على مستوى العالم. أخذ المؤرخ والتر سكيدِل١٤ Walter Scheidel نظرةً بالغة البؤس للتاريخ البشري في كتابه ”المساواتي العظيم: العنف وتاريخ اللامساواة منذ العصر الحجري وحتى القرن الواحد والعشرين“ حين وصل لاستنتاج أن لاثمّة شيء يمكننا فعله بشأن اللامساواة. تضع الحضارة -دون تغير- مجموعة صغيرة من المتفوقين الذين يحصلون على حصة أكبر من غيرهم. الكوارث وحدها التي نجحت في منعهم عن هذا؛ كالطاعون والحروب والتجنيد الإلزامي والمعاناة الضخمة أو الموت. التدابير المؤقتة لا تنفع أبدًا. وعليه، فإذا لم تكن راغبًا أن تعود للعيش في كهف، أو الموت في هولوكست نووي (والذي سيجعل الناجين يعودون للعيش في الكهوف)، لن يكون أمامك إلا أن تقبل وجود أمثال بيل غيتس ووارين بافِت١٥ Warren Buffett.

هل ثمة بديل ليبرالي/حر؟ أنهى ماركس وفلانيري -الذين اتبعا القصة التقليدية لجان جوك روسو- مقالتهم بهذا الاقتراح المفيد:

”طرحنا هذه القضيّة من قبل على عالم الآثار سكوتي ماكنيش Scotty MacNeish الذي قضى ٤٠ عامًا في دراسة التطور الاجتماعي. كنا نستاءل: كيف يمكن لنا أن نجعل المجتمع أكثر مساواة؟ رد علينا ماكنيش، بعد استشارة قصيرة لصديقه القديم جاك دانييلز: ”ضعوا المسؤولية في يد الصيادين والجامعين“

٣

لكن هل سرنا فعلًا إلى أغلالنا؟

الأمر الغريب حول كل هذا الاستدعاء الذي لا ينتهي لقصة روسو حول ”عصر ولاية الطبيعة“ والسقوط من العرش، أن روسو لم يدّعِ أبدًا أن هذا العصر قد حدث فعلًا. كل هذا كان تجربة ذهنية. في كتابه ”حديث حول أصل وتأسيس اللامساواة بين البشر“ المنشور عام ١٧٥٤م، والذي جاءت منه القصة التي ظللنا نقولها (ونعيد قولها)، كتب روسو:

 ”…..الأبحاث، التي سنتعرض لها هنا، ليست مطروحةً لتؤخذ كحقائق تاريخيّة، بل كتفكير افتراضي مشروط، نجرّبه لتوضيح طبيعة الأشياء، وليس لعرض أصلها الحقيقي.“

عصر روسو لولاية الطبيعة لم يُقصد منه أن يكون مرحلة تطوّر Development. ولم يُقصد منه أن يكون مساويًا لعصر ”الهمجيّة“ الذي يفتتح القصة التطورية عند الفلاسفة الاستكلنديين كآدم سميث، فيرغوسون، ميلار أو من أتى بعدهم مثل ليوس هنري مورغان. اهتم هؤلاء بتحديد مراحل التطور الاجتماعي والأخلاقي معتمدين على التغيرات التاريخية في أنماط الإنتاج: كجمع الطعام ثم الرعي والزراعة والصناعة. ماقدّمه روسو هنا كان، على العكس، أقرب إلى حكاية رمزية. وهذا ما أكده المنظّر السياسي الشهير في هارفارد جوديث شكلار  Judith Shklar، كان روسو يحاول استكشاف مايعدّه المفارقة الأساسيّة للسياسة عند البشر: أن رغبتنا الفطرية للحرية تقودنا بشكل ما، المرة بعد المرة، وبشكل تلقائي إلى اللامساواة. وبكلمات روسو نفسه: ”سار الجميع بتهوّر نحو الأغلال معتقدين أنهم بهذا يؤمنون حريتهم؛ وعلى الرغم أنهم رأوا أسبابًا كافيةً لفوائد المؤسسات السياسيّة، إلا أنهم لم يملكوا الخبرة الكافية ليتنبؤوا بخطرها“. كان عصر ولاية الطبيعة مجرد مثال متخيّل لشرحِ هذه النقطة.

لم يكن روسو جبريًا١٦. إذ آمن أن البشر حين يصنعون شيئًا، فهم يستطيعون كذلك أن يعيدوا تفكيكه. يمكننا أن نحرر أنفسنا من هذه الأغلال، لكن هذا لن يكون سهلًا. اقترح شكلار أن القوة المركزية المحركة لروسو للكتابة حول اللامساواة كان الشد والجذب بين “الإمكانيّة والاحتمال Possibility and Porbability” (بين إمكانية انعتاق البشر، وبين احتمال أننا سنقود نفسنا طوعًا إلى شكل ما من القيود). قد يبدو هذا مثيراً للسخرية بعض الشيء، إذ بعد الثورة الفرنسية، حمّل العديد من النقاد المحافظين المسؤولية عن المقصلة* على روسو شخصيًا. أصروا أن ماقاد لهذا الرعب كان بالضبط إيمانه الساذج في فطرة البشر الخيّرة، وإيمانه أن النخب يمكنهم تخيّل نظام اجتماعي أكثر مساواة ثم فرضه على “إرادة العامة”. لكن قلّة قليلة من هذه التشبيهات الماضية التي سُخر منها باعتبارها مثاليّة ورومانسية كانت فعلًا ساذجة. يرى كارل ماركس، على سبيل المثال، أن مايجعلنا بشرًا هو قدرتنا على التفكير التخيليّ imaginative reflection . فعلى عكس النحل مثلًا، نحن نتخيّل المكان الذي نود العيش فيه، ولا نبدأ في بنائه إلا بعد تخيله. لكنه آمن كذلك أن الأمر لا ينطبق بنفس الطريقة على المجتمع (أو تخيل الشكل الأمثل للمجتمع – المترجم)، أي أن نحاول فرض شكل متخيّل كنماذج المهندس المعماري. القيام بهذا يعني ارتكاب خطيئة “اليوتوبيا الشيوعية”، والتي لم يحمل لها ماركس غير الازدراء. ينبغي، بدلًا من ذلك، أن يحاول الثوريّون فهم القوى البنويّة الأكبر التي شكلت تاريخ هذا العالم، وأن يستفيدوا من تناقضاته الكامنة، كحقيقة أن ملاك المصانع الأفراد يحتاجون لدفع عمالهم للتنافس، لكن لو نجحوا جميعهم في ذلك؛ لن يتمكن أحد من شراء ماتنتجه مصانعهم. كذلك الأمر مع إرث الألفي سنة من الكتاب المقدس. حين يعود أشد الواقعيين، وهم في غمرة حديثهم عن المدى الواسع للتاريخ البشرى، لاستخدام مقاطع محوّرة من الإنجيل، في الحديث عن الخلاص الممكن في المستقبل، واستدعاء جنات عدن، والسقوط من الجنة١٧ – عادةً كالموجودة في سفر التكوين نتيجة السعي الغير حكيم للمعرفة. لم تلبث الأحزاب الماركسية إلا وطورت، بشكل سريع، نسختها الخاصة من تلك القصة. حيث زاوجوا بين عصر روسو لولاية الطبيعة وفكرة التنوير الاسكتلندية حول مراحل تطور المجتمعات. كانت نتيجة هذا التزاوج قصّة تبدأ بالـ”الشيوعية البدائيّة”، ثم غلبت حين بزغ فجر الملكية الخاصة، لكن مصيرها المحتوم أن تعود.

لابد أن نستنتج إذًا أن الثوريين، بكل تخيلاتهم للمثل العليا، لم يميلوا لأن يكونوا واسعي الخيال، تحديدًا حين يتعلق الأمر بربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. ظل الجميع يقول نفس القصة. لهذا فليس مستغربًا أن نجد أكثر الحركات التحررية إبداعًا في فجر هذه الألفية الجديدة هي تلك التي تربط نفسها بجذورها في الماضي السحيق – جيش زاباتيستا للتحرر الوطني وأكراد الروجافا أمثلة واضحة لهذا. وبدلًا من تخيل عالم مثاليّ بدائي، نراهم قادرين على كتابة سردية أكثر تعقيدًا. يبدو أن هناك اعتراف متزايد بالفعل في الأوساط التحررية، أن الحرية، والأعراف والخيال كانوا دائمًا متشابكين بطرق لا نفهمها بالكامل. لقد حان الوقت لنا للحاق بهم، وأن نبدأ في التفكير حول شكل التاريخ البشري دون التأثر بالإنجيل.

٤

كيف يمكن لمجرى التاريخ (الماضي) أن يتغير الآن

إذًا، منذ عصر روسو، ماذا علمتنا الأبحاث من علم الأنثروبولوجيا وعلم الآثار؟ حسنًا، الأمر الأول أن السؤال عن “أصول اللامساواة الاجتماعية” في الغالب مكان سيء للبدء. صحيح، نحن لا نملك أدنى فكرة حول ما كانت عليه حياة البشر الاجتماعية قبل ما يسمى بالعصر الحجري الأعلى١٨. معظم ما نملك من أدلة عبارة عن شظايا أحجار مبعثرة، عظام، وعدد قليل من المواد المحفوظة. عاشت عدّة أنواع من أشباه البشر في نفس الفترة، ليس واضحًا إن كان بالإمكان تطبيق أي دراسة إثنوغرافية هنا. يبدأ أي شكل من الأدلة في التركّز فقط في العصر الحجري القديم العلوي نفسه، قبل حوالي ٤٥ ألف سنة، ويشمل ذروة مستوى التجلّد والبرودة العالمي (قبل ٢٠ ألف سنة) فيما يسمى التجمّد الأخير الأقصى .Last Glacial Maximum تبعَ هذا العصر الجليدي الأخير ظهور ظروف أكثر دفئًا وتراجع متدرج في مستوى الجليد، الذي قاد بدوره للعصر الجغرافي الذي نعرفه اليوم، مانسميه العصر الهولوسيني١٩ Holocene. تلى ذلك ظروف معتدله أكثر، مُعدّةً المسرح الذي استعمرنا عليه -نحن، فصيلة الإنسان العاقل Homo Sapiens- معظم العالم القديم. ووصلنا فيه للعالم الجديد، والشواطئ الجنوبية للقارتين الأمريكية، قبل حوالي ١٥ ألف.

ماذا نعرف إذًا حول هذه الحقبة من تاريخ البشر ؟ استمدّت معظم الأدلة الحقيقيّة للتنظيم الاجتماعي البشري في العصر الحجري من أوروبا، حيث عاش نوعنا جنبًا إلى جنب مع إنسان نياندرتال Homo neanderthalensis، قبل انقراض الأخير منذ ٤٠ ألف سنة تقريبًا. (التناقض الموجود في البيانات في هذا الجانب من العالم يعكس الانحياز التاريخي للدراسات الأثريّة، وليس وجود أي شيء غير معتاد في أوروبا نفسها). في ذلك الوقت، وعبر فترة التجمّد الأخير الأقصى، بدت الأماكن المأهولة للعيش في أوربا أقرب لحديقة سيرينغيتي في تنزانيا وليست تشبه أوروبا التي نعرفها اليوم. أما جنوب الصفائح الجليدية، بين توندرا وشواطئ البحر المتوسط المتعرجة، انقسمت القارة إلى وديان غنية بالطرائد والسهول الواسعة، التي تم اجتيازها موسمياً عبر هجرة قطعان الغزلان والبيسون والماموث الصوفي. أشار علماء ماقبل التاريخ -لعدة عقود الآن- أن الجماعات البشريّة التي عاشت في تلك البيئة لا تشترك في أي شيء مع تلك المجتمعات التي لا نزال نتخيل أنها مجتمعات أسلافنا البعيدين، أي مجتمع المساواة السعيد من صائدي الطرائد والجامعين.

لنبدأ من الدليل الذي لا ينازع عليه أحد، وهو وجود قبور للأثرياء، تعود هذه القبور إلى أعماق العصر الجليدي. بعض هذه القبور، كالقبر القديم الشهير الذي يعود عمره لـ٢٥ ألف عام من موقع سنغير الأثري، شرق موسكو، والمعروف منذ عدة عقود. في مراجعته لكتاب “خلق اللامساواة” في وول ستريت جورنال، عبر المؤرخ البريطاني فيليبي فيرنانديز آرمستو٢٠ Felipe Fernández-Armesto عن استغرابه المعقول لإغفال الكاتبين ذكر هذا المكتشف -قال: “رغم معرفتهم أن التوريث كان سابقًا لعصر الزراعة، لم يستطع السيد فلانيري والسيدة ماركَس التخلي عن وهم روسو أن التوريث بدأ مع الحياة قليلة التنقل (أي استقرار البشر في المدن وعدم التحرك المستمر – المترجم).  لهذا، قدما صورة للعالم لا توريث فيه حتى ١٥ ألف سنة فقط، مهملين بذلك مكتشفات أحد أهم الأماكن الأثرية”. نجد عند الحفر في الجليد السميك تحت المستوطنة الحجرية في سينغير قبرًا لرجل في منتصف العمر، كما لاحظ فيرنانديز آرمستو، بعلامات مثيرة للاحترام والتشريف: أساور من العاج المصقول لماموث، إكليل أو غطاء من أسنان الثعلب، وما يقرب من ٣٠٠٠ حبة من الخرز العاجي المنحوت والمصقول. وعلى بعد عدة أقدام، نجدًا قبرًا آخرًا مطابقًا يرقد فيه طفلان بأعمار ١٠ و١٣ سنة، مزينٌ بهدايا تشبه ما لدى قبور الكبار في السن، حوالي ٥٠٠٠ حبة رائعة من الخرز (على الرغم من أنها أصغر قليلاً من تلك عند الكبار) ورمز هائل منحوت من العاج.

لا يبدو أن لهذه المكتشفات أي مكان مهم في الكتب التي تعرضنا لها سابقًا. يسهل أن نغفر تقليل قيمة هذه المكتشفات، أو دسها في الهوامش، لو كان مكتشف سينيغر نتيجة وحيدة. لكنه ليس كذلك. تم الآن توثيق قبور أثرياء مشابهة من الملاجئ الصخريّة ومستوطنات العصر الحجري الأعلى على مدى غرب قارة يوراسيا، من دون وحتى دوردينيي. وجدنا منها، على سبيل المثال، قبرًا عمره ١٦ ألف سنة لسيدة سميَ “قبر سيدة القديس جيرميان لا-ريفيري” Lady of Saint-Germain-la-Rivière’ ، مزيّنًا بحلي مصنوعة من أسنان صغار البَقع الصغيرة التي يتم صيدها على بعد ٣٠٠ كم في بلاد الباسك الإسبانية. هناك أيضًا المقابر على ساحل البحر الليغوري -القديمة كقدم سينغير- والتي تشمل “الأمير Il Principe”: وهو قبر شابّ فيه صولجان من الصوان المثير، وقرون ظبي، وغطاء رأس مزخرف من الأصداف المثقبة وأسنان غزلان. تضعنا هذه المكتشفات أمام تحديّات وتحفزنا لتفسيرها. هل كان فيرنانديز آرمستو محقًّا حين استدلّ أن هذه القبور دليل على سلطة التوريث؟ ماذا كانت مكانة هؤلاء الأفراد خلال حياتهم؟

نجد شيئًا مثيرًا بنفس الدرجة في الأدلة المبعثرة والمقنعة جدًا لوجود عمارة أثريّة ضخمة، والتي تعود حتى التجمّد الأخير الأقصى. الاعتقاد أن بإمكاننا قياس “ضخامة العمارة” بمقاييس مطلقة أمر سخيف، كسخافة تحديد كميّة الصرف في العصر الجليدي بالدولار والسنت. الأمر نسبيّ ويمكن فهمه فقط ضمن نطاق معين من القيم والخبرات. لا يحمل عصر البليستوسين (العصر الحديث الأقرب) أي عمارة تعادل في الحجم أهرام الجيزة أو مسارح الرومان. لكنها تحمل مبانٍ، بمقاييس ذلك الوقت، لا يمكن أن يُنظر لها إلا كأعمال للعامة، وهي تعكس تصميمًا معقدًا وتنسيقًا للعمل على مستوى يثير الإعجاب فعلًا. أحد هذه الأعمال “منازل الماموث mammoth houses” مبنيّة من الجلود المفروشة على إطار من الأنياب، يمكن أن ترى أمثلة لهذه المباني -التي يعود تاريخها حتى ١٥ ألف سنة- على طول الحافة الجليديّة شاملًا مدينة كراكوف وحتى كيِيڤ.

تظل المعابد الحجريّة المكتشفة في غوبيكي تيبي Göbekli Tepe أكثر إثارةً، اكتشفت المعابد منذ عشرين عامًا على الحدود السورية-التركية، ولا تزال موضوعًا يثير جدلًا علميًا صاخبًا. عمر المعابد حوالي ١١ ألف سنة، في نهاية العصر الجليدي، وتتكون من ٢٠ مرفقًا ضخمًا على الأقل بارتفاعٍ أعلى من سهول حران٢١ الجرداء حولها.  كل ركن من تلك المنازل صنع بحجر الكلس بارتفاع أكثر من ٥ م وبوزنٍ يصل للطن (وهو بناء محترم بمعايير آثار ستونهونغ٢٢، ومعايير ٦٠٠٠ سنة قبلها). كل ركن في غوبيكي تيبي عبارة عن عمل فنّي مبهر، بمنحوتات الحيوانات المفترسة وهي بارزةً من الأرض عارضةً أعضاءها التناسليّة بشكل رهيب. وتظهر معها نحتُ لطيور جارحة مع صور لرؤوس بشرية مقطوعة. تدل هذه المنحوتات على براعة في النحت، لا تشك في هذا حيث تعرف أنها شُحذت بالخشب الأكثر مرونة (الموجود بكثرة على سفوح جبال طوروس)، قبل استعمالها على صخور سهل حرّان. المثير أن هذه المنازل، رغم حجمها الضخم، لم تُبنى لتستمر طويلًا، إذ يتم هدمها برمي الحصى عليها مع وليمة عظيمة. صعدت هذه المبانٍ هرميّة إلى السماء حتى تسوّى بالأرض. كان أبطال عرض ماقبل التاريخ هذا، بولائمه، ومبانيه، ثم تدميرها، وعلى حد علمنا، مجموعة من الجامعين وصائدي الطرائد وهم يعيشون على مصادر البريّة فقط.

مالذي نستخلصه الآن من كل هذا؟ خلُصَ أحد الآراء الأكاديميّة إلى التخلّي التام عن فكرة العصر الذهبي للمساواة، واستنتجَ أن المصلحة الذاتية العقلانية والرغبة في مراكمة السلطة كان قوّةً ثابتةً وراء التطور الاجتماعي للبشر. لكن هذا ليس صحيحًا كذلك. الدليل على مأسسة اللامساواة، إما عبر القبور العظيمة أو المباني الضخمة، شبه معدوم بل ومشتت. تظهر هذه القبور حرفيًا على بعد قرون عن بعضها البعض وأحيانًا على بعد مئات الكيلومترات. حتى لو قبلنا بهذه الأدلة الغامضة، سنظل مجبرين على سؤال: لم هي غامضة هكذا؟ فبعد كل شيء، لو كان أمراء العصر الحجري يتصرفون بشكل مشابه لأمراء العصر البرونزي، فسنجد أشياء أخرى كالحصون والمستودعات والقصور، وكل تلك الزخارف المعتادة للدول الناشئة. نرى بدلًا من ذلك، على مدار عشرات الآلاف من السنين، معالم أثرية ضخمة ومدافن الرائعة، ولكننا لا نرى ما يشير إلى نمو مجتمعات طبقيّة. هناك عوامل أكثر غرابة كذلك مثل حقيقة أن معظم القبور الأميريّة المزينة تلك كانت لأفراد ذو أجساد غير طبيعية بشكل ملحوظ، الذين سيعتبرون اليوم اليوم عمالقةً، أو أحداب، أو أقزام.

تعطينا نظرةُ أوسع للأدلة الأثريّة مفتاحًا لحل هذه المعضلة. يكمن هذا في الإيقاع الموسمي للحياة الاجتماعية فترة ماقبل التاريخ. معظم أماكن العصر الحجري التي ناقشناها حتى الآن مرتبطة بالهجرة الموسميّة لقطعان الحيوانات – سواء كان الماموث الصوفي أو الثيران أو الغزال (في حالة غوبيكي تيبي) – بالإضافة إلى عمليات الحصاد الدورية للسمك والجوز. عاش بعض أسلافنا في العصر الجليدي بلا شك، في الأوقات الغير مناسبة من السنة، في جماعات صغيرة. لكنّ أدلةً دامغةً أخرى تشير إلى أنهم احتشدوا في تجمعات أكبر في مدن صغيرة، كتلك التي اُكتشفت في قرية دولني ڤيستونِس Dolní Věstonice، في حوض مورافيا جنوب برنو. عقدوا الولائم من البريّة وافرة الموارد، وشاركوا سويًا في طقوسٍ شعائرية معقدة، بجرأة فنيّة طموحة، وتداولوا المعادن والصدف البحريّ وجلود الحيوانات على مسافات مدهشة. سيكون ما يشابه هذه التجمعات الموسميّة في غرب أوروبّا الملاجئ الصخرية الكبرى لبيرجورد الفرنسية وساحل كانتابريا ، بلوحاتها ومنحوتاتها الشهيرة، والتي عقدت بالمثل دورةً سنويّة من التجمع ثم التفرق.

صمدت هذه الأنماط الموسميّة للحياة الاجتماعيّة لمدّة طويلة حتى بعد “اختراع الزراعة” الذي ظُنّ أنه غير كل شيء. تشير الأدلة الجديدة إلى نتائج بديلة قد تكون مفتاحًا لفهم المعالم الحجرية الشهيرة في سالزبوري بلين، وليس فقط لفهمها كرمزية للتقويم. اتضح أن ستونهينج مجرد بناء حديث في سلسلة طويلة من أضرحة الشعائر، نصبت من الخشب والحجر، وتلاقى فيها الناس في أوقات هامة من السنة على سهول بعيدة من الجزر البريطانية. أظهر التنقيب الدقيق أن العديد من هذه الهياكل -التي تُفسر الآن على أنها آثار لسلف السلالات الحاكمة في العصر الحجري الحديث- قد تم تفكيكها بعد بضعة أجيال من بنائها. الأمر الغريب أكثر أن هذه الممارسة، بتنصيب ثم تفكيك الهياكل المهيبة تلك يتزامن مع الفترة حين بدى أن الناس في بريطانيا، بعد تبينهم اقتصاد العصر الزراعي، قد تخلوا عن جانبٍ مهم منه، وهو التخلي عن زراعة الحبوب والعودة -حوالي ٣٣٠٠ سنة قبل الميلاد- إلى جمع البندق كمصدر رئيسي للغذاء. يبدو أن ناس ستونهينج، عبر إبقاء قطعانهم من الماشية والتغذي عليهم كل موسم في جدران دورنغتون القريبة، لم يكونوا صائدين-جامعين ولا مزارعين كذلك، بل كانوا شيئًا ما بين الاثنين. وإذا كانت سلطة تشبه البلاط الملكي مسيطرةً على الأعياد، حين يتجمع الناس بأعداد كبيرة، فيبدو أن هذا البلاط ذاب بعيدًا معظم السنة، حين ينتشر هؤلاء الناس عبر الجزيرة بقية العام.

لمَ نعدّ هذه الاختلافات الموسميّة أمرًا هامًا؟ لأنها تظهر أن البشر، ومنذ بداية ظهورهم، كانوا يقومون بتجربة واعية لأشكال مختلفة من التنظيم الاجتماعي. يصف علماء الإنسان المجتمعات التي تملك هذه الخصائص بـ”مجتمعات ثنائيّة الشكل Double Morphology”. لاحظ مرسيل موس٢٢ Marcel Mauss، في كتاباته أوائل القرن العشرين حول شعب الإسكيمو “هناك مجتمعات أخرى مثلهم ….لديها شكلان اجتماعيّان، الأول في الصيف والثاني في الشتاء، ولها بالتوازي نظامان قانونيّان ودينين”. يتناثر شعب الإسكيمو خلال شهور الصيف في جماعات أبويّة patriarchal صغيرة للبحث عن أسماك المياه العذبة والغزلان والوعول. يقود كل جماعة منها أحد الذكور كبار السن. توضع علامة ملكية على الموارد، ويمارس فيها الذكر القائد على عشيرته سلطةً قسريّة تصل أحيانًا للاستبداد. أما في الشتاء، حين تنجرف الأسماء وأحصنة البحر على ساحل القطب الشمال، يتخد الإسكيمو شكلًا اجتماعيًا مختلفًا تمامًا، حيث يجتمعون جميعهم لبناء منازل من الخشب وعظام الحيتان والحجر. تزدهر بينهم هنا قيم المساواة والإيثار والحياة الجماعية المشتركة، يتم تشارك الثروات وتبادل الأزواج والزوجات تحت رعاية آلهة الأختام سِدنا Sedna.

ثمّة مثال آخر وهم قبائل الهنود الحمر الأصليين على الساحل الشمالي الغربي لكندا، الذي يصبحون فيه في الشتاء -وليس الصيف- مجتمعًا أقل مساواة بشكل صارخ. إذ تُبعث للحياة فيه القصور الخشبيّة على طول سواحل كولومبيا البريطانيّة وفيها يمارس النبلاء بالوراثة سلطتهم على العامة والعبيد ويستضيفون المآدب الكبيرة المعروفة بالبوتلاتش potlatch. يتفكك هذا البلاط الأرستقراطي في الصيف في موسم صيد الأسماك، حيث تعود القبائل لجماعات صغيرة، جماعات طبقية نعم، لكنها مختلفة تمامًا وبشكل أقل رسميّةً. يتخذ الناس في هذه الحالة أسماءً مختلفة في الشتاء والصيف، أي أنهم يصبحون حرفيًا أشخاصًا آخرين على حسب وقت السنة.

لعل أكثر التقاليد لفتًا النظر، من حيث انعكاساتها السياسية، هي التقاليد الموسميّة لقبائل الكونفدراليات البدائية في القرن التاسع عشر على السهول الأمريكيّة الكبرى – وهم مزارعون، أو من كانوا سابقًا مزارعين، ثم تنبوا في وقت ما حياة الصيادين الرحّل. تتجمع مجموعات متنقلة صغيرة من قبائل الشييِنّي Cheyenne واللاكُوتا Lakota في أواخر الصيف في مستوطنات كبير لإعداد العدّة لرحلة الصيد في بافَالو buffalo. يتم في هذا الوقت الحسّاس من العام تنظيم سلطة شرطة لها كامل القوة لضبط النظام، شاملًا الحق في حبس أو ضرب أو تغريم أي شخص قد يعرض هذه الاستعدادات للخطر. لكن هذه “السلطوية التامّة” حالة مؤقتة فقط، كما لاحظ عالم الإنسان روبرت لووِيRobert Lowie، قبل أن تتفرق القبائل إلى جماعات صغيرة “أناركيّة” فور بدء موسم الصيد.

لا يتقدّم بحثنا العلميّ دائمًا إلى الأمام، إذ يخطو للوراء أحيانًا. أدرك معظم علماء الإنسان، قبل قرن من الآن، أن من يعيش في البريّة ليس مقيّدًا في جماعات صغيرة فقط. أصبحت هذه فكرةً شائعة في الستّينات فقط، حين صارت صورة كالاهاراي بوشمين ومبوتي بيجميس الصورة المفضلة للبشر البدائيين عند مشاهدي التلفاز.. والباحثين كذلك. نرى نتيجةً لذلك عودة فكرة التطور على مراحل بشكل لا يختلف كثيرًا عن نظرة فلاسفة عصر التنوير الإسكتلنديين: هذا ماحاول فوكوياما، على سبيل المثال، قوله حين كتب أن المجتمع يتطور من عشائر” إلى “قبائل” إلى “مشخيات” ثم يصل أخيراً إلى المجتمع التراتبيّ المعقد الذي نعيش فيه الآن – الذي نعرفه باحتكار السلطة لاستخدام العنف. بهكذا منطق، تتطور قبائل الشينّي واللاكوتا من طور عشائر إلى طور الدولة كل نوفمبر تقريبًا، ثم ترجع تطورها حين يأتي الربيع. يعترف معظم علماء الإنسان الآن هذه التقسيمات بائسة وغير كافية، مع ذلك لم يقدم أحد طريقة تفكير بديلة لتاريخ الإنسان على المدى الواسع.

تشير أدلة أثريّة أخرى، وبشكل مستقل، أن البيئات الموسميّة للعصر الجليدي الأخير دفعت أسلافنا البعيدين لاتخاذ سلوك مشابه بشكل عام: بالتغير المستمر بين تنظيمات اجتماعية مختلفة، والسماح بظهور سلطة مستبدة بعض أوقات السنة، على شرط أن هذه السلطة لن تبقى، مستوعبين ألا شكل اجتماعي يبقى ثابتًا دون حركة إلى الألز. يستطيع أحدنا العيش، في نفس المجتمع، في تنظيم يبدو أحيانًا كنظام عشائر، ثم العيش في تنظيمات لها سمات نعرفها نحن كسمات للدولة. تسمح هذه المرونة المؤسسية للواحد منا الخروج من حدود نظامه الاجتماعي والتفكير بشأنه: أن يصنع ثم يفكك العوالم السياسية التي يعيش فيها. هذا يفسّر قبور الأمراء والأميرات في العصر الجليديّ الأخير. الذين يظهرون في عزلتهم المهيبة تلك، كشخصيّات في قصص فنتازيا أو الدراما. ربما كانوا كذلك حرفيًا. ربما كانوا، حين صعدوا للحكم، ملوكًا وملكات فعلًا كما في ستونهينج، لكن هذا لايستمر إلا لموسم واحد.

٥

وقتٌ لإعادة التفكير

ثمّة نزعة عند الكتّاب المعاصرين لاستخدام حقبة ما قبل التاريخ كوعاء لحل قضايا فلسفية: هل فطرتنا الخير أم الشر؟ هل الأصل فينا الأنانيّة أم الإيثار؟ وهل نحن مجتمعات طبقية أم مساواة؟ ينزع هؤلاء نتيجةً لهذا لكتابة تاريخ ٩٥٪ من تاريخ نوعنا البشري كما لو كانت كل المجتمعات البشريّة وقتها سواء. حتى مع كل هذا، فإن ٤٠ ألف سنة وقت طويل، وقت طويل للغاية. من الطبيعيّ التوقّع، الذي أثبتته الأدلة، أن هؤلاء البشر الرائدون الذين استعمروا معظم هذا الكوكب جربوا أيضًا أشكالًا متنوعة من التنظيمات الاجتماعية. كما أشار عالم الإنسان كلود ليفي ستروس Claude Lévi-Strauss، الإنسان العاقل الأول لم يكن مثلنا جسديًا وحسب، بل وفكريًا كذلك. بل كان معظمهم في الحقيقة أكثر وعيًا بإمكانات المجتمع الكامنة أكثر من الناس الآن، حين يبدلون بين أشكال مختلفة للتنظيم الاجتماعي كل عام. وبدلًا من خمولهم في براءتهم البدائية تلك حتى ظهر جنيّ اللامساواة عليهم، نجح أسلاف ماقبل التاريخ في فتح مصباح الجني ثم إغلاقه باستمرار، محاصرين اللامساواة في طقوسٍ لعرض الأزياء، مخترعين الآلهة والممالك كلما بنوا مبانيهم، ثم تفكيكهم بمرح للمرة المقبلة.

لا يصبح السؤال الحقيقي الآن، بعد معرفتنا أننا عشنا معظم تاريخنا متنقلين ذهابًا وإيابًا بين أنظمة سياسية مختلفة، “ماهي جذور اللامساواة الاجتماعية؟” بل يغدو: “كيف علقنا بهذه الحالة؟”. كل هذا مختلف تمامًا عن فكرة أن مجتمعات ماقبل التاريخ انجرفت بعمى نحو الأغلال المؤسسية التي قيدتهم. وهذا بعيد جدًا عن النبوءات الكئيبة لفوكوياما ودياموند ومورس وسكِدِل، أن كل تنظيم اجتماعي “معقد” يعني بالضرورة أن تستحوذ قلّة من النخب على المصادر ثم تدوس البقية تحتها. تعامل معظم العلوم الاجتماعيّة هذه التكهّنات المحبطة كحقائق بديهية. لكن من الواضح أن كل هذا لا أساس له. لذلك من المعقول أن نسأل الآن: ماهي الحقائق العزيزة الأخرى التي يجب إلقاؤها الآن على كومة غبار التاريخ؟

هناك في الحقيقة عدد لا بأس به. في السبعينات تنبأ عالم الآثار الرائع في كامبرج ديفيد كلارك David Clarke أنه ومع الأبحاث الحديثة كل جانب تقريبًا من الصرح القديم لتطور الإنسان “ستغدو تفسيرات تطور الإنسان المعاصر، التدجين، علم المعادن، التحضر والحضارة – في منظور تلك الأبحاث كأفخاخ دلالية وسراب ميتافيزيقي”. يبدو أنه كان محقًا. تأتينا المعلومات من كل ربع من الأرض، مبنيّة على عمل ميدانيّ تجريبي دقيق، وبتقنيات متقدمة لإعادة بناء المناخ، والتأريخ الزمني الدقيق، والتحليل العلمي للبقايا العضوية. يفحص الباحثون المواد التاريخية والعرقية بضوءٍ جديد. وتتعارض معظم هذه الأبحاث الجديدة مع السرديّة المعتادة لتاريخ العالم. تبقى هذه المكتشفات المهمة حبيسة كأعمال مختصين، أو كاستخلاص بين سطور الأبحاث العلمية. لنختم الآن، بمجموعة من العناوين الخاصة بنا: عددها قليل، لكنها تعطي انطباعًا كيف يبدو شكل تاريخ العالم الجديد الناشئ.

القنبلة الأولى في قائمتنا متعلقة بأصول الزراعة وانتشارها. ليس هناك ما يدعم الرأي القائل أنها مثلت تحولًا كبيرًا في المجتمعات البشرية. لم يكن هناك تحولٌ واضح من العصر الحجري للزراعي في تلك الأجزاء من العالم التي دُجنت في الحيوانات والنباتات لأول مرة. استغرق التحول من الاعتماد على مصادر البريّة إلى الاعتماد على إنتاج الغذاء شيئًا في حدود الثلاث آلاف سنة. ورغم أن الزراعة سمحت بإمكانية التركيز الغير عادل للثروة، فإن هذا لم يبدأ في معظم الحالات إلا بعد ألف سنة من بدايتها. كان الناس، في الوقت بين الاثنين، في المناطق البعيدة مثل الأمازون والهلال الخصيب في الشرق الأوسط يحاولون الزراعة من أجل التوسع، كانوا “يلعبون بالزراعة” إذا أردت، ويبدلون أوضاع الإنتاج سنويًا، بقدر ما بدّلوا هياكلهم الاجتماعية ذهابًا وإيابًا. بل وأكثر من ذلك، انتشار الزراعة إلى أوروبا، الذي يوصف عادةً بعبارات نصر، اتضح أنها عملية هشّة للغاية، تفشل عادةً وتقود لانهيار سكّاني عند المزارعين لا الصيادين.

من الواضح أنه لا معنى الآن من استخدام عباراتٍ مثل “الثورة الزراعية” حين نتعامل مع عملية بهذا التعقيد والطول المفرط. فكما لا يوجد دولةٌ كعدن خطى منها المزارعون الأوائل الخطى الأولى للامساواة، فلا معنى للحديث عن الزراعة كعلامة على جذور المكانة أو الملكية الخاصة. لو كان ثمة شيء، فهو في الشعوب الوسيطة (بين العصر الحجري والزراعي) التي رفضت الزراعة الزراعة في القرون الدافئة الأولى للعصر الهولوسيني. حينها نجد التقسيم الطبقي أكثر ترسخًا، وهذا لأنها مرت على مراسم الدفن الفخمة وحروب النهب والمباني الأثرية على الأقل. في بعض الحالات على الأقل، في الشرق الأوسط كمثال، يبدو أن المزارعين الأوائل طوروا بوعي أشكالًا بديلة للمجتمع لتتعايش مع نظام حياتهم بالعمل المجهد. تبدو هذه المجتمعات الزراعية مجتمعات مساواة بشكل مثير مقارنةً بجيرانها من مجتمعات الصائدين-الجامعين. بزيادة دراماتيكية في الأهمية الاقتصادية والاجتماعية التي تلعبها المرأة، الأمر الذي تعكسه فنونهم بوضوح (قارن هنا التماثيل الصغيرة للمرأة جيريتشو أوكاتالهُيُوك بالنحت المفرط الذكورة لغوبيكلي تيبي).

هناك قنبلة أخرى، لا تأتي “الحضارة” كحزمة واحدة. لم تظهر المدن الأولى هكذا في عدة أماكن ومعها أنظمة الحكومة المركزيّة والتنظيم البيروقراطي. ندرك الآن أن في الصين في عام ٢٥٠٠ قبل الميلاد، على سبيل المثال، كانت توجد مستعمرات بمساحة ٣٠٠ هكتار حول الروافد السفلى للنهر الأصفر قبل ألف سنة من بداية السلالة الملكية (شانغ). وعلى الجانب الآخر من المحيط الهادئ، وفي الوقت نفسه تقريبًا، تم اكتشاف مراكل احتفال ذات حجم مدهش في وادي ريو سوب البيرو، وبشكل ملحوظ في موقع سيرال: نجد بقايا غامضة لساحات غارقة ومنصات أثرية قبل ٤٠٠٠ سنة من إمبراطورية الإنكا٢٤. تظهر هذه الأدلة ضآلة ما نعرفه حقًا عن نشأة المدن الأولى وتوزيعها، وأنها أقدم بكثير من أنظمة الحكم الاستبدادي وإدارة السجلات المكتوب التي كان يفترض أنها ضرورية لنشأة المدن. وفي مناطق التوسع الحضري الأكثر رسوخًا – بلاد ما بين النهرين، ووادي السند، وحوض المكسيك – تظهر أدلة متزايدة أن المدن الأولى أديرت بشكلٍ واعٍ على خطوط المساواة، حيث تحتفظ المجالس البلدية باستقلالية كبيرة عن الحكومة المركزية. في المثالين الأولين، ازدهرت مدن ببنية تحتية معقدة لأكثر من ٥٠٠ عام دون أي أثر لمدافن ملكية أو مبانٍ أثرية، بلا جيوش قائمة أو وسائل قمع واسع، ولا أي تلميح على وجود تحكم بيروقراطي مباشر بحياة معظم المواطنين.

يأتينا جاريد دياموند، بالرغم من كل هذا، بالرغم من عدم وجود أي دليل على الإطلاق أن الهياكل الهرمية للحكم هي نتيجة ضرورية للتنظيم الواسع النطاق. نأتي لوالتر شكيدل، إنه ليس صحيحًا ببساطة أن الطبقات الحاكمة، متى وجدت، لا يمكن التخلص منها إلا بكارثة بيئية ضخمة. لنأخذ مثالًا واحدًا موثقا على هذا: حوالي عام ٢٠٠ للميلاد، بدى أن مدينة تيوتيهواكان مرت بتحول عميق حين أدارت ظهرها وعادت لمعابد الأهرامات والتضحية بالبشر، وأعادت بناء نفسها كتجمع واسع من الفلل، كلها تقريبًا بنفس الحجم. واستمرت هكذا لمدة ٤٠٠ سنة تقريبًا. حتى على أيام الغازي الأسباني كورتيس*، كانت مدينة مكسيكو المركزيّة وطنًا لمدن كتلاكسكالا التي تُدار من مجلس منتخب يُجلد أعضاؤه دوريًا من منتخبيهم كتذكير لمن هو المسؤول في النهاية.

كل القطع موجودة الآن لصناعة تاريخ مختلف تمامًا للعالم. نحن عميانٌ تمامًا لانحيازاتنا لنرى آثار كل هذا. الكل تقريبًا هذه الأيام مثلًا يصر أن الديموقراطية التشاركية والعدالة الاجتماعية ناجحة في المجتمعات الصغيرة أو جماعات الناشطين، لكن لا يمكن أبدًا توسيعها لشيء كالمدينة أو المنطقة أو الدولة. لكن الأدلة أمام أعيننا تقول عكس هذا; لو اخترنا أن نراها فقط. مدن المساواة، بل وحتى كونفدراليات المناطق، كانت مألوفة للغاية تاريخيًا. لكن عوائل وأسر المساواة ليست كذلك. متى ما صدر الحكم التاريخي، سنرى أن الخسارة الأكبر لحرية البشر بدأت على نطاق ضيق -على مستوى العلاقات بين الجندر، والمراحل العمرية، والعبودية المنزلية- هذا النوع من العلاقات الذي يحوي مرةً الحميمية الأعظم ومرةً أعمق أشكال العنف البنيوي. لو أردنا فعلًا أن نفهم كيف أصبح مقبولًا أن يحور أحدُ الثروة إلى سلطة، وكيف يُقال للبعض أن حياتهم واحتياجاتهم بلا أهمية، ينبغي أن نبدأ من هنا. نتنبؤ كذلك أن العمل الأصعب لخلق مجتمع حر يبدأ من هنا.

المصدر


ملاحظات الترجمة:

١: حين نقول مجتمع الصيادين والجامعين hunter-gatherer فنحن نعني المجتمعات التي كانت تحصل على الطعام من البريّة (عبر صيد الحيوانات البريّة وجمع النباتات)، على عكس مجتمعات الزراعة مثلًا، التي تحصل على غذائها عبر الحيوانات والنباتات المدجّنة. يقول علماء الآثار وعلماء الإنسان أن معظم تاريخنا البشري كان مجتمعات صيادين جامعين. في هذه المقالة، سأستخدم صيادين جامعين، أو صيادين، أو جامعين للحديث عن هذا النوع من العيش.

٢: معامل جيني: نسبة للعالم كورادو جيني، من المقاييس الهامة والأكثر شيوعا في قياس عدالة توزيع الدخل القومي، تعتمد فكرته على منحنى لورنز، يمتاز معامل جيني بأنه يعطي قياسا رقميا لعدالة التوزيع (ويكيبيديا).

٣: فرانسيس فوكوياما: عالم وفيلسوف واقتصادي سياسي، مؤلف، وأستاذ جامعي أميركي. اشتهر بكتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير الصادر عام 1992، والذي جادل فيه بأن انتشار الديمقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة في أنحاء العالم قد يشير إلى نقطة النهاية للتطور الإجتماعي والثقافي والسياسي للإنسان. ارتبط اسم فوكوياما بالمحافظين الجدد، ولكنه أبعد نفسه عنهم في فترات لاحقة. (ويكيبيديا)

٤: جارد دياموند: عالم وكاتب أمريكي تتناول أعماله مجالات عدة. يشغل حالياً منصب أستاذ الجغرافيا والفيزيولوجيا في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس. معروف بكتبه العلمية الحائزة على الجوائز مثل الشيمبانزي الثالث (بالإنجليزية، The Third Chimpanzee) والأسلحة والجراثيم والفولاذ (بالإنجليزية، Guns, Germs, and Steel) وانهيار (بالإنجليزية، Collapse). ويوصف دايموند بالعالم الموسوعي. (ويكيبيديا)

٥: جويس ماركس: عالمة آثار أمريكية وأستاذة في قسم علم الإنسان في جامعة ميشيغان.

٦: كينت فلانيري: عالم آثار أمريكي، اشتهر بأبحاثه المكثّفة حول ثقافات وحضارات أمريكا الوسطى ماقبل الكولومبيّة.

٧: إثنوغرافيا: دراسة وصفيّة للأجناس البشريّة والثقافات. قمت بتجرمتها للدراسات العرقية.

٨: قبائل الهادزا: هادزا أو هادزابي إثنيّة عرقيّة إفريقيّة تعيش حول بحيرة إياسي في الوادي المتصدع الكبير، عدد الهادازا لا يتجاوز 1000 نسمة ونسبة كبيرة منهم ما زالوا يعيشون بطريقة بدائيّة كصيّادين تماماً كما فعل أجدادهم طوال عشرات الآلاف السنين، شعب الهادزا لا يرتبط جينيّاً مع أي شعب آخر واللغة التي يتحدثون بها أيضاً لغة معزولة ولا تربطها أي علاقة مع أي لغة أخرى. (ويكيبيديا)

٩: قبائل النامبيكوارا: إثنيّة عرقيّة تعيش في غابات الأمازون، هناك حوالي 1000 فرد نامبيكواري حاليًا. ويتحدثون لغتهم الخاصة النامبيكواريّة.

١٠: يان مورِس: عالم آثار ومؤرخ وأكاديمي بريطاني. يشغل حاليًا منصب أستاذ للكلاسيكيات في ستانفورد.

١١: يقصد هنا الخدمات القانونيّة كالحصول على محامٍ، وتكاليف فتح القضيّة في المحاكم وغيرها.

١٢: نهر فيزيري Vézère: نهر في فرنسا.

١٣: دوردونيي Dordogne: هو إقليم فرنسي، يقع في جنوب غرب فرنسا، يقع في منطقة بوردو، بين وادي لوير وإقليم البيرينيه العليا، سمي باسم دوردنيي نسبة لنهر دوردوني العظيم الذي يمتد داخل الإقليم.

١٤: والتر سكيدل: مؤرخ نمساوي، يدرس التاريخ في جامعة ستانفورد.

١٥: وارين بوفيت: أحد أنجح المستثمرين حول العالم والمدير التنفيذي لبيركشير هاثواي. تقدر ثروته بحوالي ٨٦ مليار دولار.

١٦:الجبريّة: مذهب فلسفي يرى أن إرادة الإنسان العاقلة عاجزة عن توجيه مجرى الحوادث، وأن كل ما يحدث للإنسان قد قدّر عليه أزلا، فهو مسيّر لا مخيّر. ويطلق لفظ الجبرية أيضا على معتنقي هذا المذهب، وإذا ذكرت الجبرية مع القدرية جاز تحريكها للازدواج (ويكيبيديا). – المترجم: ترجمت Fatalist لجبريّ، رغم أنها قد تعني المؤمن بالقضاء والقدر، إذ رأيت سياق الكلام هنا يناسب الجبرية أكثر.

١٧: يقصدون قصّة آدم حين سعى بشكل غير حكيم لمعرفة شجرة الزقوم.

١٨: العصر الحجري القديم الأعلى (بالإنجليزي:Upper Paleolithic أو Late Stone Age) يسمى وفي بعض السياقات بأواخر العصر الحجري، هو العصر الثالث والأخير من تقسيم العصر الحجري القديم أو العصر الحجري كما هو متبع في تصنيف أوروبا وأفريقيا وآسيا. وعلى حسب بعض التواريخ المستخدمة في نطاق واسع فان عمر هذا العصر كان ما بين 40،000 و 10،000 سنة مضت، أو بالتزامن تقريبا مع ظهور الحداثة السلوكية وقبل ظهور الزراعة. (ويكيبيديا)

١٩: الهولوسين: وهي ثاني واخر فترة من العصر الرباعي، حيث تمتد من ( 11,700 سنة) إلى يومنا هذا. يمثّل الهولوسين الفترة الأخيرة من الزمن الجيولوجي. من المحتمل أنّنا نعيش اليوم في فترة دفء بين فترات جليدية باردة . ومن المتوقع أن الجليد سيعود بعد عدة آلاف من السنين. (ويكيبيديا)

٢٠: فيليبي فيرنانديز آرمسترو: مؤرخ بريطاني غزير النشر.

٢١: سهول حرّان: حران سهل فسيح يقع عند بلدة حران التركية في منطقة الجزيرة الفراتية.

٢٢: مباني ستونغونغ: هو أثر صخري من نوع كرومليش يرجع لعصر ما قبل التاريخ في سهل ساليسبري بمقاطعة ويلتشير جنوب غرب إنجلترا. يرجع تاريخه لأواخر العصر الحجري وأوائل العصر البرونزي (3000 ق.م. –1000 ق.م.). وهذا الأثر رغم شهرته حالياً أصبح أطلالاً. ويتكون من مجموعة دائرية من أحجار كبيرة قائمة محاطة بتل ترابي دائري. ويعتبر ستونهنج من أكثر الأثار الحجرية الضخمة شهرةً وحفاظاً في أوروبا. (ويكيبيديا).

٢٣: مرسيل موس: (١٨٧٢-١٩٥٠) عالم اجتماع فرنسي شهير، هو ابن أخت إميل دوركايم، اهتمّ بموضوعات كثيرة دون أن يستقصيها إذ أن فضوله الفكري كان يحمله على الانتقال من موضوع إلى موضوع بسرعة شديدة. بيد أن تلاميذه استأنفوا بعض أعماله غير المنجزة وأبانوا ما فيها من الخواطر السديدة والآراء. (ويكيبيديا)

٢٤: إمبراطورية الإنكا: إمبراطورية قديمة بنتها شعوب من الهنود الحمر في منطقة أمريكا الجنوبية، كانت أكبر الإمبراطوريات في أمريكا الجنوبية في العصر قبل الكولومبي, وهي ذات حضارة ضاربة في القدم وتشمل أرض الأنكا بوليفيا والبيرو والإكوادور وجزءاً من تشيلي والأرجنتين. (ويكيبيديا)