مجلة حكمة
التقويم التكاملي

التقويم في التجربة: النموذج التكاملي – آيت احماد علي


تروم هذه الورقة التعريف بكتاب(1) وخاصة الجزء الثاني من هذا الكتاب الذي لربما كان مؤلفه هو الوحيد الذي حاول دراسة التقويم في الترجمة دراسة مستفيضة تستوفي جميع جوانب الموضوع، غير أنه بقي كتابا مغمورا لأسباب مردها أساسا إلى الحرب الباردة التي تسوس أعمال ومواقف دور النشر ودور الطبع.

وسنقتصر في هذا المقال على تقديم ملخص للجزء الثاني من الكتاب كيما نساهم قدر الإمكان في تبسيط هذا الكتاب وتقريبه من جمهور القراء ودعوتهم إلى قراءة الكتاب القيم وسنبدي في مرحلة أخيرة بعض الاقتراحات التي تهم ترجمة وتقويم النص العلمي وذلك لما تعرفه الساحة الوطنية وخاصة مجال تدريس الترجمة بالمغرب من نشاط وتركيز في هذا الباب.

يطلق المؤلف على تصوره، هذا لعملية التقويم في الترجمة تسمية النموذج التكاملي وهو نموذج عام شامل ينطبق على جميع أنواع النصوص. ولربما جاء الكتاب ليبرهن على أن التقويم في الترجمة ليس بالفن كما دأب على تصوره مصححو التراجم. فهم قد يقبلون الترجمة وقد يرفضونها إن ليست إلا لأنها لا تتوافق وتصورهم الخاص لعملية الترجمة عاجزين في الأغلب الأعم عن تبرير موقفهم تبريرا بالحجة والدليل. ذلك أنه لا يخفى أن الترجمة عمل فردي إبداعي، أو هي إبداع على إبداع، تتدخل فيه ذات المترجم وخصائصه ومن ثمة فإن ترجمة النص الواحد تختلف بالضرورة من ترجمان إلى آخر، ولهذا ففضل الكتاب هو محاولة تقريب التقويم في الترجمة من الموضوعية وذلك بإقامته على معايير قارة ثابتة هذا عن فضله الأول، وأما الثاني فهو تمكين المصحح من أدوات يبرر بها قبوله أو رفضه لترجمة ما مادام تقويمه يقوم على معايير لا تختلف وإن اختلفت النصوص والذوات المصححة. والسر في ذلك هو أن التقويم يتم وفق مستويات لا تكتسي نفس الأهمية وإذ تتغير درجة خطورة الخطأ باختلاف المستوى الذي وقع فيه الخلل.

لا شك أن حد التقويم لا يطرح اليوم إشكاليات كبرى عكسه في ذلك حد الترجمة الذي يختلف باختلاف المدارس والنظريات بل وباختلاف الأفراد. فأما التقويم فهو تلك العملية التي يصدر(2) فيها المصحح حكما بعد أن يكون قد أنجز قياسا ثم يأخذ قرارا. فإذا كان هذا هو حد التقويم الذي يصطلح عليه جمهور المربين فما هو حد الترجمة؟

يبدو أن الكاتب قد تبنى تعريف هاوس للترجمة(3). فهي تقول إن الترجمة هي “إبدال نص مكتوب باللغة المنقول منها إلى نص مكتوب باللغة المنقول إليها. النص الثاني متكافئ والأول من حيث الدلالة ومن حيث الذرائعية. ويصبح عندها المفهوم المفتاح في هذا التعريف هو مفهوم التكافؤ وخاصة التكافؤ الوظيفي حيث إن الوظيفة في هذا السياق هي أن تستعمل نصا في حدود مقام معين ومن ثمة فإن نصين يكونان متكافئين إذا ما كانت وظيفتهما متكافئتين”(4).

ويضيف الكاتب أن تعريف التكافؤ في الترجمة يستوجب تحديد مفهومين اثنين. أولهما مفهوم المستوى أو درجة الترجمة أي درجة فهم ناتج الترجمة، وثانيهما هو الغرض من الترجمة.

ولهذا فإن عملية تقويم الترجمة يجب أن تنطبق على كل مستوى على حدة، ومن ثمة فإن موضوعها الأول هو تكافؤ هدفي الكاتب والمترجم. فإن اختلف الرجلان فإن مسخا قد شاب وظائف النص مما سوف يغير لا محالة من نسيج النص. فإن كان هدف كاتب النص الأول هو الإقناع بأمر وأصبح هذا الهدف بعد الترجمة هو وصف الأمر. فإن الخلل قد وقع وإن النصين غير متكافئين. إذ إن كل تغيير في ظروف تلفظ النص يجعلنا أمام نصين تختلف طبيعتهما ولربما كان هذا في نظر الكاتب هو الخيانة العظمى إن كل تقويم للترجمة يجب أن يقوم بادئ ذي بدء مدى توافق هدفي الكاتب والمترجم.

ولتبيان مستويات الترجمة والتكافؤ فإن الكاتب يقترح الجدول التالي(5):

الشروط المسبقة

محيط النص أو شروط التلفظ

النص: البنية الكبرى والبنية الأكبر

البنية الصغرى

فالشروط المسبقة تجيب عن السؤال البدهي ولكنه قلما يطرح وهو السؤال عمن يجوز له أن يقوم ترجمة؟ يجب على مقوم الترجمة أن يكون على إلمام ودراية باللغتين وبالثقافتين أي لغة وثقافة النص الأول ولغة وثقافة النص الثاني، وعليه كذلك أن يكون على معرفة بالمادة موضوع الترجمة وأن يكون كذلك على دراية بتقنيات الترجمة.

وأما محيط النص فهو مجموع العوامل المحيطة التي لها تأثير على ظروف إنتاج النص أي إن الأمر يهم هنا مجموع العوامل التي ساهمت في إنتاج النص وهي أربعة: هدف المتلفظين والمحتوى والجانب المادي ثم الخلفية الاجتماعية والثقافية.

فأما هدف المتلفظين فمعناه أن يتوافق هدف كاتب النص الأصل وهدف مترجمه. فإن كان هدف الأول هو الإقناع بالإقلاع عن التدخين مثلا، وجب أن يكون هدف المترجم كذلك لا وصف مضار التدخين أو الإخبار بها.

ومن جهة المحتوى فإن النص الأصل يحمل معلومات يجب على النص المترجم الحفاظ عليها وهكذا فإن كل ترجمة يعمد صاحبها إلى التلخيص أو الشرح والتفصيل ليست بالترجمة بالمعنى الوارد في النموذج التكاملي.

ويهم الجانب المادي التوافق بين شكل توليف النصين وهكذا فإن الجانب المادي يغيب في ترجمة تنقل بالصور ما كتب في النص الأصل، أو في ترجمة تجعل من مسرحية قصة أو من قصيدة نثرا.

وأما الخلفيات الاجتماعية والثقافية فهي لا محالة تختلف من لغة إلى أخرى ومن ثمة فإن تغييرات قد تحدث على مستوى البنية الأكبر أو البنية الكبرى إذا ما كان النص حاملا مشحونا بهذه الخلفيات.

ولهذا غالبا ما يلجأ المترجم إلى محاولة ملاءمة هذه الخلفيات مع خلفيات متلقي الترجمة. بيد أن هذه التعديلات يجب أن تمليها الضرورة كأن نقرب النص أكثر من أفهام المتلقين حيث يجب أن يكون النص مفهوما واضحا؛ وكل نص يعجز قارؤه عن فهمه إلا واستحالت ترجمته ما دامت الترجمة عملية تنطبق أساسا على المعنى لتنقله.

وأما المستوى الثالث في جدولنا فهو النص. ويميز فيه الكاتب بين بنيات ثلاث: البنية الأكبر والبنية الكبرى والبنية الصغرى. فإذا كانت البنية الأكبر هي مجموع البنيات التي تعكس خطاطة النص وترسيمته أي إنها الشكل الذي يأخذه مضمون البنية الكبرى. وتتوزع هذه الأخيرة حسب محوين اثنين، الأول هو وظائف النص الخاصة به والثاني هو نظامه الموضوعاتي.

وإذا كان فإن دايك (1980)(6). يعتبر أن البنية الأكبر هي البنية الكبرى التركيبية وأن البنية الكبرى هي البنية الكبرى الدلالية، فإن كلا من البنية الأكبر والبنية الكبرى بنية نحصل عليها بتقليص البنيات النصية المحلية أي الكلمات والجمل.

إن طبيعة كلتا البنيتين هي طبيعة مجردة والبنية الأكبر بنية اصطلاحية عكس البنية الكبرى إذ إنها تحيلنا على نظرية تهتم بجنس الأدب.

وقد نبسط الأمر أكثر إن اعتبرنا أن البنية الأكبر هي خطاطة وترسيمة النص، في حين أن البنية الكبرى هي ملخص النص، وأما النص بكامله فهو البنية الصغرى.

وعليه فإن الخطأ في الترجمة تختلف درجة خطورته باختلاف المستوى الذي وقع فيه. فكلما كان المستوى عاليا في جدول الترجمة إلا وكان الخطأ ذا بال. فأن يجعل المترجم من النص الحجاجي نصا إخباريا أي أن يحرفه على مستوى البنية الأكبر لأمر أخطر من أن يخطئ في تأويل جملة أو استعمال الكلمة الدقيقة أو المصطلح الملائم وهي الأمور التي تهم البنية الصغرى.

وقبل أن يأخذ مقوم الترجمة في عمله عليه أولا أن يقوم بتحليل النص موضوع الترجمة تحليلا يسطر فيه مكونات النص وخصائصه الدقيقة. ولهذا الغرض يقترح الكاتب جدولين يمكنان من استخراج وإحصاء هذه الخصائص سواء من حيث الشكل أم من حيث المضمون(7). ونورد فيما يلي تفصيل هذه الخصائص.

1 – شكل التعبير:

والأمر يهم في هذا الباب خصائص النص الشكلية سواء من حيث المادة الصوتية أم من حيث المادة الكتابية، إذ أن كليهما يشتغل داخل اللغة في إطار بنية لغوية معينة. وهكذا وعلى سبيل المثال فإن اللغة العربية لا تجاور بين حرفي العين والقاف في الكلمة الواحدة، ثم إن المرء يكتب بطريقة تجعل كل شخص آخر قادرا على قراءة وفهم ما كتب، ذلك أن كلا من الكاتب والقارئ يحترم قواعد الكتابة التي سنتها اللغة.

1-1-بنية المقاطع:

1-1-1-المستوى الصوتي الكتابي: والأمر يهم هنا أصواتا وأشكالا كتابية قد تحترم نسق اللغة وقد لا تحترمه كما هو شأن وسائل النحت والترقيم وكتابة الأعداد. فالعربية مثلا تكتب الأعداد من اليمين إلى اليسار عكس الفرنسية. ونذكر هنا بقاعدة يمكن أن تشمل كل خانة من خانات الجدول وهي أن كل خرق مقصود للنسق إلا ويقصد به الكاتب أثرا في نفس القارئ على المترجم أن يحافظ عليه وإن اختلفت الوسائل,

1-1-2-المستوى الصرفي: وهنا يميز الكاتب بين الكلمات الأدوات كما هو شأن أدوات التعريف وحروف الجر والضمائر وبين الكلمات الدالة كما هو شأن المصادر والأفعال.

ويركز هذا المستوى على النوع الأول من الكلمات والاصطلاحات النحوية كما هو شأن التمييز بين المذكر والمؤنث والأعداد واستعمال الأزمنة. وكل خرق لهذا المستوى إلا ويكون خرقا دالا وعلى المترجم أن يعيد إنتاج هذا الأثر ولو بوسائل مغايرة.

1-1-3-المستوى المعجمي: ويخص هذا المستوى شكل الكلمات الدالة التي قد توجد أولا توجد في القاموس، كما هو شأن الكلمات المركبة من أنصاف كلمات أخرى كما في مثل الملشوسك ترجمة لـ couvert وهي تتكون من أنصاف ثلاث كلمات ملعقة وشوكة وسيكن، وكذلك الكلمات التي تعود على حمل، والاقتراض.

1-1-4-المستوى التركيبي:

ويهم الأمر هنا البنيات القارة في اللغة أو غير القارة كما هو شأن التركيب المتوازي كقولك: أنا في الصف أنا في الخلف أنا يمناك أنا يسراك.

1-2-إعادة التوزيع الخطية:

1-2-1-المستوى الصوتي الكتابي: والأمر يهم تواتر نفس الصوت. أو الحرف كما هو شأن الإبدال والجناس والسجع وغيره.

1-2-2-المستوى الصرفي: والأمر يهم تواتر علامات دالة كما هو شأن القافية في الشعر.

1-2-3-المستوى المعجمي: حيث إن نفس الكلمة الدالة قد تستعمل مرات ومرات بدافع ما والعبرة ليست بالضرورة بتكرار الكلمة ذاتها في الترجمة بل بإعادة إنتاج الأثر نفسه عند متلقي الترجمة.

1-2-4-المستوى التركيبي: وهو الذي يخص تراكيب واستعمالات وعبارات نادرة أو مسكوكة.

1-3-إعادة الترتيب على المستوى التبادلي: حيث يتم خرق قواعد التجاور بين الكلمات.

1-3-1-المستوى الصوتي الكتابي: وهو عندما يبدل الكاتب صوتا أو حرفا بآخر كقولك كلية الآداب وقول بعض الطلبة كلية العذاب.

1-3-2-المستوى الصرفي والأمر يهم هنا استبدال مقاطع صرفية أو نحوية كقولك قرع الباب اقرع وقد استبدلت عن قصد قارع بأقرع لغرض.

1-3-3-المستوى المعجمي: ويهم هنا التلاعب بالكلمات أو فلتات اللسان.

1-3-4-المستوى التركيبي كأن تستعمل تركيبا خاطئا بدل الصحيح بغرض ما والعبرة بالغرض لا بالوسيلة.

1-4-العلامات الاجتماعية التاريخية: وهي علامات تدل على انتماء اجتماعي أو جغرافي أو تاريخي فقد تتوارد هذه الكلمة عند شريحة اجتماعية دون أخرى أو في منطقة دون أخرى أو في حقبة من الزمن دون أخرى.

1-4-1-المستوى الصرفي الكتابي: ويهم كيفية النطق كما هو شأن استعمالات الجيم في البلدان العربية أو القاف.

1-4-2-المستوى الصرفي: وهنا قد تختلف الاشتقاقات الصرفية من فئة إلى أخرى أو من منطقة إلى أخرى ونضرب في هذا الشأن مثل قول بعض المغاربة “الماء باردين” بصيغة الجمع نظرا لمجاورتهم لقبائل أمازيغية تستعمل الماء بصيغة الجمع في لغتها.

1-4-3-المستوى المعجمي: حيث إن بعض الكلمات قد تدل على انتماء المتكلم الاجتماعي أو على سنه وهكذا.

1-4-4-المستوى التركيبي: وهي استعمالات تركيبية خاصة ودالة كقولك أنا وصديقي وهو الاستعمال الذي لا تقبله لغات أخرى.

2 – شكل المضمون: أي موضوع الرسالة.

2-1-المعنى الأصل:

2-1-1-المستوى الصوتي والمستوى الكتابي: فإذا كان لا أول لا دلالة له فإن الثاني قد يجعل معنى الكلمة الواحدة يختلف باختلاف شكل كتابتها كتمييزك بين الزمن والزمان وبين les Hommes وles hommes.

2-1-2-المستوى الصرفي: وهو الذي تأخذ فيه الكلمات، الأدوات والسوابق واللواحق دلالاتها الأساس فتدل على الجنس أو العدد أو الزمان.

2-1-3-المستوى المعجمي: وهو الذي يهم قيمة الكلمات الدالة الأساس. وعندما يوقع المترجم خلالا في هذا المستوى فذلك لأنه لا يتقن اللغتين المنقول منها والمنقول إليها ولا المادة المتحدث عنها فلا يستعمل المصطلح الدقيق والخاص في ترجمته لجهله به.

2-1-4-المستوى التركيبي: إنه المستوى الذي يهم دلالة الأقوال والحكم والتنامي الموضوعاتي فقولك مثلا “سافر زيد” لا يساوي من حيث الدلالة “زيد سافر”.

2-2-الإفراط في التعيين الدلالي: والأمر يهم هنا اشتراك وحدات دلالية أو إعادتها وهو ما يطلق عليه اليوم التناظر.

2-2-1-المستوى الكتابي: فعندما يريد الكاتب أن يعيد إنتاج لهجة شخوصه حتى يحقق أثرا فإنه يسجلها كما نطقت لا كما تنطق عادة في اللغة.

2-2-2- المستوى الصرفي: والأمر يهم هنا ضمائر الملكية التي يختلف استعمالها من لغة إلى أخرى.

2-2-3-المستوى المعجمي: وهنا يدرج الكاتب تساؤل المترجم عما إن كان يستطيع إضافة معلومة أو بترها ومن ثمة يكون الحديث عن الإفراط في الترجمة وعن الاقتصاد فيها.

2-2-4-المستوى التركيبي: وهو أن تتوارد في النص استعمالات تركيبية متوازية أو تعداد.

2-3-إعادة التشفير الدلالي: ويهم تأويل التلاعب بالألفاظ وفلتات اللسان.

2-3-1-المستوى الكتابي: حيث إن بعض الحروف قد تأخذ دلالات خاصة

2-3-2-المستوى المعجمي: وذلك حين لا يكون المعنى هو حصيلة المعاني الحرفية لكل كلمة على حدة كما ورد في الآية “واشتعل الرأس شيبا” كناية عن التقدم في السن. وكذا حالات التشخيص والسخرية والمطابقة.

2-3-4-المستوى التركيبي: إذ يجب على المترجم أن يفهم دائما قبل أن يترجم ذلك أن الغرض من استعمال تراكيب قد يكون السخرية والتهكم مثلا وعلى المترجم أن يعيد إنتاج ذلك الأثر لا المعنى الحرفي.

2-4-الإحالات داخل النص:

2-4-1-المستوى الكتابي: وتدخل في هذا المستوى الاستعمالات الفردية الخاصة كأن يكثر أحد الشخوص من استعمال حرف معين ويكون هذا الاستعمال دالا على حالة معينة أو انتماء معين.

2-4-2-المستوى الصرفي: والأمر يهم هنا ترجمة الإحالات القبلية والبعدية.

2-4-3-المستوى المعجمي: وهو يخص شبكة معجمية دلالية داخل نص من النصوص كأن نترجم في هذا الصدد نفس الظاهرة بنفس الكلمة وأن لا نغير داخل الترجمة الواحدة هذا الاختيار وأن نشير إليه بوسائل لغوية لا أن نبدل الترجمة المقترحة.

2-4-4-المستوى التركيبي: والأمر يهم هنا التناظر وقد يحدث كذلك أن تكون بنية الجملة مصدر لبس فيعمل المترجم على رفعه.

2-5-الإحالات التناصية: إن النص موضوع الترجمة قد يحيل على أنساق سيميائية أخرى أو إلى أمور ثقافية مختلفة.

2-5-1-مستوى الكتابة: إذ قد تحيل طريقة وضع الحروف أو الأرقام على سياق معين.

2-5-2-المستوى الصرفي: كأن يغير الكاتب من اشتقاق كلمة وذلك قدوة بنصوص أخرى كما هو الشأن في أدلوجة مثلا.

2-5-3-المستوى المعجمي: إذ قد يحيل الكاتب على نصوص أو سياقات أخرى وذلك بأن يقترض منها كلمات وردت فيها واشتهرت بها كقولك برلمان أو مجلس الشعب أو مجلس الأمة ترجمة لكلمة أجنبية.

2-5-4-المستوى التركيبي: وهو أن يختار الكاتب تراكيب تحيل على سياقات أخرى كعناوين الكتب أو الشعارات وغيرها كقولك “أن تقلع عن التدخين أو لا تقلع، فهذه هي المسألة” مستلهما إيقاع القولة الشهيرة أن تكون أو لا تكون، فهذه هي المسألة.

* * *

لربما كانت المآخذ على النموذج التكاملي كثيرة وفيرة يزيد فيها ما قد شاب هذا التقديم من غموض أو تقصير ولكن أهم هذه المآخذ في رأينا ثلاثة:

الأول هو أن هذا النموذج لم يبلغ درجة التفريق على أرض الواقع بين بعض مستويات التحليل ومن ثمة مستوى التقويم. إذ كيف نميز على أرض الواقع بين الشكل والمضمون خاصة في العمل الأدبي؟ خاصة وأن كل النظريات تجمع اليوم على أن الشكل أو المبنى قد يكون هو كذلك دالا.

وأما الثاني فكون النموذج قد يعيد الظاهرة نفسها أكثر من مرة كما هو الشأن بين 2-2-4 و1-1-4، وهكذا فورود الظاهرة مرتين أو أكثر قد يجعل تقويمها يتكرر.

وأما الثالث فكون التمييز بين البنية الكبرى والبنية الأكبر تمييزا غير مجد في اعتقادنا إذ أن أي خلل على مستوى البنية الكبرى إلا ويخل كذلك بالبنية الأكبر وهكذا فإن التقويم سينطبق مرتين على نفس الظاهرة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النموذج التكاملي يهدي لنا مستويات قد تكتسي أهمية كبرى في تقويم ترجمة النص العلمي المحض والتي لربما أسعفت المصحح في بلوغ شيء من الدقة المنشودة. يبدو إذن أن أول مستوى له أهميته في عملية تقويم الترجمة هو مستوى البنية الكبرى. إذ أن الخلل في هذا المستوى يجعل الترجمة نصا بديلا لا يروم الأهداف نفسها التي كان يرومها النص الأصل.

والمستوى الثاني هو مستوى المصطلح إذ أن الترجمة العلمية لا يمكن أن تقوم دون استعمال المصطلح الدقيق الملائم.

والمستوى الثالث هو مستوى التراكيب إذ لكل علم من العلوم تراكيبه الخاصة به والتي لا يقوم إلا بها والتي تسهل التواصل بين أخصائييه. فعلى المترجم أن يبحث عن هذه المصطلحات والتراكيب وذلك بأن يعمل على أن يكون بدراية ولو بسيطة بالمادة موضوع الترجمة.

مجلة الجابري – العدد العاشر


الهوامش:

1 – LAROSE Robert, Théories contemproaines de la traduction Presses de l’Université du Québec, 2ème édition, 1989.

2 – انظر: ر.ف.ماجير، كيف نقيس نتائج التعليم، 1986، بورداس.

3 – انظر: الصفحة 210 من الكتاب المذكور في الملحوظة رقم (1).

4 – انظر: الكتاب، الصفحة 210.

5 – انظر: الصفحة 222 من الكتاب المذكور أعلاه.

6 – VAN DIK, T.A. 1980, Macrostructures.

7 – انظر الصفحة 257 و258 من الكتاب.