مجلة حكمة
النفس الناطقة عند ابن سينا

ميتافيزيقا النفس الناطقة، والفلسفة العملية – ديمتري جوتاس


النفس الناطقة عند ابن سينا

  • ميتافيزيقا النفس الناطقة

إنّ التجريبية العقلية لـ ابن سينـا هي السبب الرئيس وراء سعيه في فلسفته إلى الكمالِ والضبط الدقيق في المنهجية المنطقية من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى لدراسة،. على مستوًى غيرِ مسبوق من التطوّر والدِّقة؛ النفسِ الإنسانية (الناطقة [العاقلة]) والعمليات المعرفية التي تقدِّم المعرفةَ من خلال تطبيق الأساليب التجريبية العقلانية. ففي قسمٍ يلي الآخرَ وفصل إِثْر آخرَ، في العديد من الأعمال؛ لا يقتصر ابن سينا على تحليل مسائل المنطق الصوري فحسب،. ولكن أيضًا الميكانيزمات [التقنيات] التي تَكْتسب من خلالها النفس الناطقة المعرفةَ، ولا سيما الظروف المؤثِّرة في عملية الوصول إلى [حدْس] الحدِّ الأوسط:. كيف يمكن للمرء أن يصل إلى حدْسِه، وأين يبحث عنه، وما أدوات النفسِ الناطقة وعملياتها التي تجلِبه؟ (Gutas 2001). استتبع هذا دراسةً مفصَّلةً لعمليات النفسِ في عمومها، وفي جميع وظائفها، سواء أكانت ناطقة أم حيوانية أم نباتية. إنه يرسم بتفصيلٍ كبير عملِيَّات جميعِ الحواسّ:.. الحواس الظاهرة الخمسة، وبخاصةٍ الحواس الباطنة الخمسة الموجودة في الدماغ. الحس المشترك، والخيال (حيث تحفَظ صور المحسوسات)، والمتصرِّفة، والوَهْم (الذي يدرك المعاني والدلالات غير المحسوسة بالنسبة إلينا من الأشياء المحسوسة،. مثل الصداقة والعداوة، ويشمل ذلك أيضًا الاستشعار الغريزي)، والحافظة وكيف يمكن أن تساعدَ العقلَ أو تعيقَه عن حدْس الحد الأوسط، وتصوّر المعقولات بصورةٍ أعمّ.

وفي نهاية كل هذه العمليات الموصوفة للتوّ، عندما يحدِس [يَصِل] العقل الحدَّ الأوسط ​​أو يتصور معقولًا لم يكن يتعقَّله من قبل؛ فإنه يكتسب المعقولَ المرادَ في هذه المسألة .(ومن هنا جاءت تسمية هذه المرحلة من التعقّل بـ «العقل المستفاد»)، أو، بطريقةٍ أخرى، يكتسبه بواسطة العقل الفَعَّال الذي يتعقّله أبديًّا وزمنيًّا؛. لأن العقل الفعَّال هو، في الواقع، مركز جميع المعقولات، حيث لا يوجَد مكانٌ آخر للمعقولات لتكون فيه موجوداتٍ متحقِّقةً دائمًا. يمكن للعقل الإنساني أن يفكر في بعض المعقولات لبعض الوقت، ولكنها تختفي، حيث يتعذَّر على العقل غير المادي «حِفظها [تخزينها]»،. أو لا يملك الذاكرة [الحافظةَ] اللازمة لذلك، وبدلًا من ذلك توجد الحاسّتان الباطنتان، الخيال والحافظة،. اللتان لها وظيفة التخزين للأشياء الجزئية (الصّور والصِفات المعنوية) لأنها تحتوي على قاعدة مادية في الدماغ. أطلق ابن سينا ​​على هذه العملية لاكتساب أو إدراك المعقولات: «الاتصال» بين العقل الإنساني والعقل الفعَّال(7). لقد أشار ابن سينا بلغة الفيض [الانبثاق] التي ورثها عن التقليد الأفلاطوني المحدَث، والتي دمَجها في فهمِه الخاص لعلم الكونيات المتعلقة. بأفلاك الكون متّحدة المركز بعقولها وأنفسها المتصلة فيما بينها؛. أشار إلى تدفّقِ المعرفة من العالَم الأعلى على العقل الإنساني باعتباره «الفيض الإلهي». إنّ السبب في جوازِ ذلك كلِّه مرةً أخرى هو الطبيعة الجوهرية المتساوية والتجانسية لجميع العقول،. الإنسانية والسماوية على حدٍّ سواء. فقط، كما ذَكرنا سابقًا، فإن هذه العقولَ نظرًا لملابساتها المختلفة؛. فإن العقول السماوية منها تتعقل المعقولاتِ بشكلٍ مباشرٍ ودائمٍ وزمنيٍّ،. في حين يتعيَّن على العقل الإنساني أن ينتقل من الإمكانية إلى التحقّق في الوقت المناسب من خلال الوسائل التقنية المؤدية إلى اكتشاف الحدّ الأوسط، ​​بمساعدة جميع ملكات النفس والجسد الأخرى.

إن الصياغةَ نفسَها لاكتساب العقلِ الإنساني للمعرفة – «الاتصال بالعقل الفعَّال»، أو تلقِّي «الفيض الإلهي» – قد أغرى بتلاميذ ابن سينا إلى التفكير في أن هذا «الفيض». للمعرفة من الله إلى العقل الإنساني؛ تلقائيٌّ وبفَضْلِ نِعمة الله، أو أنه أقدَس من أن يوصَف أو باطنيّ [صوفي]. لكنّ هذا لا أساس له. فليس لذلك «الفيض» شيء باطنيٌّ. فهو يعني فقط أن المعقولات مٌتاحةٌ بشكلٍ دائمٍ للعقول الإنسانية التي تبحث عن الحد. الأوسط ​​أو غيرها من المعقولات في نهاية عملية التفكير عن طريق التجريد والأقيسة المنطقية. إن ابنَ سينا ​​صريحٌ تمامًا بشأن الحاجة إلى أن يكون العقل الإنسانيّ مستَعِدًّا وأن يتطلَّب حدْسَ الحدِّ الأوسط​​، أو أن يسعى بنشاطٍ لاكتسابِ معقولٍ، من أجل حدْسِه. يقول على وجه التحديد:

«المبدأ الفعال [أي العقل الفعال] يفيض على النفس صورةً بعد صورة بحسب طلَب النفس،. وأن يكون إذا أعرضت عنه [عن العقل الفعال] انقطع الفيض» (GS 5 ، De anima ، 245–246 ؛ ترجمة. Gutas 2014a ، 377 ؛ راجع Hasse 2013 ، 118).

الأمر نفسه ينطبق على أشكال الاتصال الأخرى بالعالم الفَوقي. في حالة النبيّ، فإنه يكتسب جميع المعقولات المتضمِّنة للعلم، ويستكمل الحدود الوسطى كما ذكرنا سابقًا،. لأن القدرةَ العقلية لنفسه الناطقة على حدْس الحدود الوسطى واكتساب المعقولات عاليةٌ جدًّا،. وهذه القدرة مصحوبة بحاسّةٍ باطنةٍ متطورة بدرجة عالية من الحاسة المتصرِّفة [قوةٌ محلها مقَدَّم التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها التصرّف. في الصور والمعاني بالتركيب والتفصيل، تركب الصور بعضها ببعض، مثل أن يتصور إنسانًا ذا رأسين أو جناحين،. وهذه القوة يستعملها العقل تارةً والوخم أخرى، فباعتبار الأول تسمى: مفكرة؛ لتصرفها في المواد الفكرية، وباعتبار الثاني تسمى:. متخيلة؛ لتصرفها منها في الصور الخيالية – تعريفات. يمكن أن تترجم هذه المعرفة العقلية إلى لغة وصور (في شكل كتابٍ أوحيَ به) يمكن أن تفهمها الغالبية العظْمى من البشر بسهولة.

لكن بالإضافة إلى المعرفة العقلية، فإن الفيضَ الإلهي من عقولِ ونفوسِ الأجرام السماوية تتضمَّن أيضًا معلوماتٍ حول الحوادث على الأرض والماضي والحاضر والمستقبل .— ما يسميه ابن سينا «الغيب»​​ -، بسبب أنّ جميعَ عقولِ ونفوسِ الأجرام السماوية مسؤولةٌ عنها مباشرة. يمكن أيضًا استلام هذه المعلومات من قِبل البشر بأشكالٍ مختلفة – كأحلام النوم أو أحلام اليقظة، والمشاهدات، وأخبار المتنبئين -،. وذلك على حسب مستوى توازن الأَخْلاط التي لدى المستلم، والأداء الصحيح لحواسِّه الظاهرة والباطنة، وقابلية عقله واستعداده. على سبيل المثال، قد يكون لدى شخصٍ إفراطٌ في حاسته الباطنة المتصرّفة أو الوهمية مما يعيق الاستقبالَ الواضح لصوَر. الأحلام بحيث تتطلَّب أحلامه التأويلَ، في حين أن شخصًا آخر غير مصابٍ بذلك الإفراط قد يحصل على رسائل أوضح. فعلى مَن يرغب في الحصول على معلوماتٍ حول المستقبل أن يشتَغِلَ طويلًا وبصعوبة من أجل تحقيق هذا التوازن في أخلاطه من خلال الجهد المبذول، ومن ثَمَّ إعداد عقْلِه لتلقِّي الرسالة.

تختلف اللغة الرمزية لاستقبال المعلومات من العالم الفوقي وفقًا لما يجري إبلاغه ومَن الذي يتلقّاه، إلا أنّه في جميع الحالات يجب أن يكون المستَلِم جاهزًا ومستعِدًّا لاستلامه. لدى جميعِ البشر كلٌّ من الجهاز البدني والعقلي اللازم لاكتساب المعقولات والمعرفة السماوية والوسائل اللازمة للقيام بذلك،. ولكن عليهم العمل من أجل تحقيق ذلك، تمامًا كما يجب عليهم التحضير لنعيمهم في الآخرة في حين ما تزال نفوسهم الناطقة الخالدة [غير القابلة للفساد] متَّصِلةً بالجسم. لا يوجد فيضٌ مجّانًا للمعقولات على بشرٍ «متَّكِئين على الأريكة»، ولا تفكّرٌ أخرويٌّ. في الحقائق الأبدية التي في شَرِكة مع الأجرام السماوية (جَنَّة ابن سينا). إن التفكير في ذلك من شأنه أن يٌلغي المشروع الفلسفي بأكمله الذي شيَّده ابن سينا بشقِّ الأنفس.

هذا التحليل والفهم للنفس الناطقة، الذي جرى وَضْعه بدقّةٍ على أساس النظرية الأرسطية، مع تجاوزها أيضًا؛ يمكّن ابنَ سينا من المشاركة بشكل منهجيٍ في المقام الأول مع جميع جوانب الدين،. والمعرفة والاجتماع على حدٍّ سواء، وثانيًا يمكّنه مع ما يمكن أن نسمِّيه الظواهر الخارقة (التنبؤ بالمستقبل، التحريك الذهني عن بعد، العين الشريرة، إلخ). لقد أضاف جميعَ المسائل المتعلِّقة بالجانب المعرفي للدين إلى المحتويات التقليدية للميتافيزيقا،. وأضاف تلك المتعلقةَ بالجانب الاجتماعي إلى العلوم العملية. وفي الحالة الأولى، ابتكر ابن سينا ميتافيزيقا حقيقيّةً للنفس الناطقة (Gutas 2012b)، والتي أضافها إلى المعالجة التقليدية للميتافيزيقا .(على هذا النحو باعتبارها: الفلسفة الأولى، اللاهوت الطبيعي) كموضوعٍ إضافي، يسمَّى «الثيولوجي» [الإلهي] (العِلم الإلهي، أو الصناعة الإلهية). يمكن رؤية محتوياته في معالجته الواسعة لكل المباحث في نهاية الجزء الميتافيزيقي من كتاب الشفاء، على النحو التالي:.

المقالة التاسعة: الفصل السابع: [فصلٌ في المعاد]: وفيه غاية النفس الناطقة في الآخرة وسعادتها وشقاوتها، وأن السعادة الحقيقية هي استكمال النفس الناطقة بواسطة العلم.

المقال العاشرة: الفصل الأول: فصل في المبدأ والمعاد، بقول مجملٍ، وفي الإلهامات، والمنامات، والدعوات المستجابات، والعقوبات السماوية، وفي أحوال النبوة، وفي حال أحكام النجوم.

على الجانب الاجتماعي للدين، أضاف قِسمًا رابعًا إلى الفلسفة العملية (بالإضافة إلى: الأخلاق، وإدارة المنزل، والسياسة) والتي سمَّاها «الصِّناعة الشرعيّة». (Kaya 2012; Kaya 2014; Gutas 2014a, 470–471, 497). وكما تقدَّم ذكْره، فإنّ النبيَّ، من خلال قدرته المتطورة للغاية على حدْس الحدود الوسطى للأقيسة؛. فإنه يكتسب كل المعرفة (جميع المعقولات الفعليّة من خلال العقل الفعَّال) «إمَّا دَفعةً أو قريبًا من دفعة»،. ويكون ذلك «ارتساما لا تقليديًّا، بل بترتيبٍ يشتمل على الحدود الوسطى. فإن التقليدياتّ في الأمور التي إنما تُعرف بأسبابها ليست يقينيّةً عقليةً» (GS 5, De anima, 249–250; transl. Gutas 2014a, 183–184). من خلال هذه المعرفة الحاصِلة، والتي يجري التحقُّقُ منها بصورةٍ قياسيّة؛. يكون النبيُّ في وَضْعٍ يسمح له بتشريع وتنظيم الحياة الاجتماعية بالإضافة إلى أن يكون لديه سببٌ مشروع للحصول على القَبول. غُطِّيت موضوعاتُ جميع أجزاء الفلسفة العملية في مساحة وجيزةٍ أيضًا في نهاية: الشفاء، على النحو التالي:

المقالة العاشرة: الفصل الثاني: في إثبات النبوة وكيفية دعوة النبي إلى الله تعالى والمعاد إليه.

الفصل الثالث: فصلٌ في العبادات ومنفعتها في الدنيا والآخرة.

الفصـل الرابع: فصلٌ في عقد المدينة وعقد البيت، وهو النكاح، والسنن الكلية في ذلك.

الفصل الخامس: فصلٌ في الخليفة والإمام ووجوب طاعتهما، والإشارة إلى السياسات والمعاملات والأخلاق.

لمزيد من القراءة، راجع المداخل الآتية: ميتافيزيقا ابن سينا Ibn Sina’s metaphysics، وفلسفة ابن سينا الطبيعية Ibn Sina’s natural philosophy.

  • 5- الخلاصة

جمع ابنُ سينا خيوطَ الفِكر الفلسفي المختلفة التي ورثها – التقاليد الهيللينية الباقية إلى جانب التطورات الفلسفية واللاهوتية في الإسلام – إلى نظامٍ علمي مُتَّسق ذاتيًّا يفسِّر الواقعَ كلَّه. استند صرحه العلمي على الفيزياء الأرسطية والميتافيزيقية المغطّاة بالفيض الأفلاطوني المحدَث في سياق علم الكونيات البطلمي،. وكلها قد روجِعت وأُعيدَ النظرُ فيها وأُعيد تقييمها بشكل نقدي من قِبَله. تمثَّل إنجازه في تنسيقه للأجزاء المتباينة في كِيان عقلاني، ولا سيما في تكوينه لعلاقةٍ واضحة جادل عنها منطقيًّا بين العالمين الأرضي والسماوي. ومن ثَمَّ كان النظام برنامجًا بحثيًا ورؤيةً للعالم.

قدَّمت الأخلاقُ الأرسطية أساسَ الصرح. إنّ وجوبَ العلم، وأن يكون العلمُ عقليًّا، الذي كان الدافع وراء تصوُّر ابنِ سينا ومِن ثَمَّ تحقيقه لنظامه العلمي؛. يستند إلى مفهوم أرسطو للسعادة باعتبارها النشاطَ الذي يميِّز البشر عن جميع الحيوات العضوية الأخرى والذي يأتي من العقل  (Nicomachean Ethics X.7, 1177b19–25): [تلك ترجمة: حنين بن إسحاق]

«وكان يُظَنُّ بفِعل العقل أنه ينفعل بالاجتهاد، إذ كان يستعمل الرأيَ ولا يشتهي أن يكون له تمامٌ آخر البتة غير ذاتِه، وأن له لذةً خاصّية، …، فإنه تكون السعادة التامّة»(8).

قال ابن سينا بهذه النظرية حول السعادة الإنسانية في هذا العالم بصورةٍ كاملة، ووسّعَها لجَعْلِها أيضًا أساسًا للسعادة في المستقبل .– لقد جعلها فِعليًّا شرطًا أساسيًّا لتحقيقِ السعادة في اليوم الآخر. فقط الحياة التأمُّلية التي أثناء وجودِها في الجِسْم تهيِّئُ العقلَ؛. يجب أن تَستخدم الحواسَّ الظاهرة والباطنة لاكتساب المعرفة واكتساب الاستعداد للتفكير في المعقولات، من أجل الحياة التأمّلية بعد الموت. ومن خلال فهم هدف الحياة الإنسانية بهذه الطريقة، كان ابنُ سينا ​​مرة أخرى وفيا للرؤية الأرسطية للسعادة الإلهية باعتبارها هويةً للعقل والعاقل والمعقول (Metaphysics XII.7, 1072b18–26). (Metaphysics XII.7، 1072b18–26). باستخدام كلمات أرسطو، يُعيد ابنُ سينا صياغة هذا المقطع على النحو الآتي: «أما الفهم فإنما يَلَذُّ لذاته؛ ثم نقول: وأما الفهم المتقدِّمُ بذاته فلِلَّذى هو أفضل بذاته. أما الذي يَفْهَم ذاتَه: فهو جوهر العقل إذا اكتسب المعقول، فإنه يصير معقولًا في الحال كما يلامِسُه مثلًا. وإنما يكون العقلُ والعاقلُ والمعقول واحدًا بقياس ذات الشيء إلى نفسِه، ….، فإن كان الإلهُ أبدًا كحالِنَا في وقتٍ ما؛ فذلك عجيبٌ، وإن كان أكبر؛ فأكثرَ عجبًا، فله ذلك [يعني يجوز له ذلك لأنه إله]» [من شرح كتاب اللام من كتابه الإنصاف] (Geoffroy et al. 2014, 59)(9).

ومن ثَمَّ فهناك جانبٌ أخلاقيٌّ عميق في نظام ابن سينا الفلسفي. كان المفهوم الأساس في هذا النظام الفلسفي هو حياة النفس الناطقة: نظرًا لأن عقولنا النظرية – أنْفُسِنا – تتوافقُ مع العقول السماوية؛. فمن واجبنا الكوني تمكينُ عقولِنا من الوصول إلى إمكاناتها الكاملة والتصرُّف مثل العقول السماوية، أي أن تفكِّر في المعقولات (راجع Lizzini 2009). ولأننا (أي جوهرنا الأساس الذي يُعرِّفنا ويُبْقِينا: أي: نفوسنا الناطقة). أعْطِينا جسمًا وتعرقِلُ مادَّتُنا تعقُّلَنا غيرَ المقيّد، كمثل التعقُّل الذي يستمتع به [المبدأ] الأول والكائنات السماوية الأخرى؛. فإنّه علينا أن نتَّجِه إلى الجسد بواسطة جميع الوسائل، السلوكية (مثل الممارسات الدينية، والسلوك الأخلاقي) والدوائية، للارتقاء بمِزَاجه الأخلاطي. إلى مستوًى من التوازن من شأنه أن يساعد وظيفةَ التعقُّل في هذه الحياة وتهيئتها للتعقل المستمر والمباشر من دون عوائق، مثل الإله، في المستقبل. هذه هي الأخلاق الإنسانية التي تُمليها النظرةُ العلمية للعالم.