مجلة حكمة
رؤية نقدية: كتاب المجتمع العربي المعاصر - تأليف: حليم بركات / مراجعة: سارة الغامدي

رؤية نقدية: كتاب المجتمع العربي المعاصر – تأليف: حليم بركات / مراجعة: سارة الغامدي

C20-N3
غلاف الكتاب

يحوي الكتاب على أربعة أقسام وثلاثة عشر فصل, وهو عمل استغرق الكاتب في انتاجه ثلاثة عقود صرفها في المواظبة على إجراء الأبحاث والدراسات الاجتماعية والثقافية ليتناول المجتمع المعاصر والتغيرات التي حدثت فيه, وتقديم تفسيرات بنائية, فيركز الكاتب على دراسة البنية الطبقية والاختلاف في أنماط المعيشة, وسيتم التركيز على الفصل الثامن (العائلة والقرابة نواة التنظيم الاجتماعي), سبب اختياري بالبداية من هذا الفصل كون العائلة كما قال هي نواة للمجتمع وهي صلب نشوء وتطور المؤسسات الاجتماعية الأخرى, فتناول ثلاث محاور رئيسية هي : الخصائص البنيوية للعائلة العربية المعاصرة, أنماط الزواج والطلاق, الأسرة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى والمجتمع.

فبدأ الفصل بمقولة علي بن أبي طالب لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم, فإنهم خلقوا لزمن غير زمنكم, بدأ بالإشارة بأن هناك اختلاف وتغير من جيل إلى أخر, ثم تناول وصف العلاقات داخل الأسرة العربية بالتماسك والتآزر والتعاضد والعصبية, ليس فقط لاعتماد افراداها على بعضهم البعض, بل بسبب العصبية التي تقوم على أساس الدم أو النسب, والتوحد في مصير مشترك فيتقاسم افرادها الأفراح والأحزان, والمكاسب والخسائر, فهناك أدوار متوقعة من كل فرد من أفراد الأسرة وحين يأتي تصرف البعض دون مستوى التوقعات تكون خيبة أمل كبيرة, فينشأ التوتر والصراع بين أفراد الأسرة, ثم يأتي بعد ذلك بتفسير معنى الأسرة في اللغة العربية ويصفها بأنها مقترنة بالأسر والعبودية فمن التقاليد المعروفة عند العرب تزويج الأسيرات ثم الالتحاق بالنظام الأسرى, أي العائلة, وذلك ليس فقط في اللغة العربية بل نجدة في اللغات الأشورية والعبرية والسريانية والصينية, وفي اللغة اللاتينية تعني كلمة (famulus) العبد, وكلمة (familia) تعني مجموعة العبيد التابعة لرجل واحد, ثم في موضع أخر ذكر حليم بركات أن كلمة “المحبس” التي تطلق على خاتم الزواج أتت من معنى الحبس والعبودية, -لا حظت أن أيضاً في المملكة العربية السعودية نطلق على يوم عقد القران ملكة وهي مشتقة من كلمة تملّك-, ثم ينتقل حليم بركات إلى تأكيد دور العائلة وترابطها فيما بينها وأرجع سبب الرئيسي إلى الوحدة الاقتصادية, أي أنه بمعنى أخر كلما كانت العائلة هي المسؤولة عن الإنتاج الاقتصادي كلما كانت متماسكة بقوة, وبقدر ما يضعف هذا التمركز تقل قدرة العائلة على مقاومة قوى التغير, لا يقصد بمقاومة التغير بأنها ثابته وساكنة مهما بلغت العصبية العائلية, بل أن العائلة لم تسلّم قيادتها ومهامها إلى مؤسسة أخرى مما يجعلها لا تزال هي من تحديد الهوية لأفرادها, ثم ينتقل حليم بركات إلى ذكر عدة خصائص للعائلة العربية المعاصرة:

 

أولاً: خصائص العائلة العربية المعاصرة 

  • العائلة العربية: نواة التنظيم الاجتماعي والاقتصادي.

  • أبوية العائلة العربية.

  • العائلة العربية هرمية على أساس الجنس والعمر.

  • العائلة العربية بين الأسرة الكبرى والأسرة الصغرى: الممتدة (Extended) النووية (Nuclear).

———————————————————————————

 

  • العائلة العربية نواة التنظيم الاجتماعي والاقتصادي:

مفهوم العائلة مشتق لغوياً من (عال, أعال, يُعيل) فيشير المفهوم إلى علاقات الإعالة والاعتماد المتبادل بين افراد العائلة الواحدة, فيُطلق على الأب المُعيل, لكونه هو المسؤول عن تأمين الرزق لباقي الأفراد, ويطلق على الأم بالحنون وسيدة المنزل المسؤولة عن تربية الأبناء, ويطلق على الولد ب “سندي” وفي ذلك توضيح للأدوار والمهام لكل من أفراد العائلة, الجدير بالذكر هنا أن هذه الأدوار غير ثابتة والصحيح أنه عندما يتقدم كلاً من الأب والأم ليصلوا إلى مرحلة العجز تتحول الأدوار ليصبحوا عيال, والولد إلى معيل أو سند, ويوضح حليم بركات أن أي إنجاز من فرد في العائلة هو إنجاز مشترك لسائر أفراد العائلة, وأي إخفاق من فرد في العائلة هو إخفاق لسائر الأفراد, يفسر لنا ذلك كيفية نشوء العضوية على حساب الفردية, ومن هنا يكون الإنسان في هذه العائلة عضواً أكثر من كونه فرداً مستقلاً, وهوية أكثر من كونه شخصية قائمة بذاتها ولذاتها في الدرجة الأولى, فتكون العلاقات ضمن العائلة العربية هي علاقات بين أعضاء وأدوار فرضها توزيع العمل, من بين تلك الأدوار (الأب, الأم, الزوج, الزوجة, الأبن, الأبنة, الأخ, الأخت, الأهل, الصغار, الكبار, …ألخ) , ثم يؤكد أنه بموجب هذه العضوية والتوحد في الهوية حتى الاندماج يصبح الإنسان في الأسرة مسؤولاً ليس فقط عن تصرفاته بل عن تصرفات الأعضاء الأخرين في الأسرة, وخاصة مسؤولية الذكور عن الإناث, ومن الأمثلة الواضحة على ذلك هي جرائم الشرف في العائلة التقليدية, فعندما تنحرف الفتاة لا يمسها انحرافها هي فقط بل يمس العائلة كلها, وتعتبر جريمة الشرف هي محاولة فاشلة من قبل أعضائها لاستعادة شرف العائلة بقتل الفتاة, وكون الإنسان في العائلة عضو أكثر مما هو فرد مستقل؛ فإن كل تصرف أو قرار مستقل (خاصة من قبل المرأة) يعتبر خروج عن وحدة العائلة وتنكراً لجمائلها, وعلى الصعيد الإيجابي تقوم العلاقات الأسرية على التعاون والتضحية والالتزام الشامل غير المحدود, فلو نظرنا إلى دور الأب لوجدنا أنه يعتبر حياته ليست له بل لأولاده, وأن الأم هي أكثر تنكراً لحياتها وحاجاتها الخاصة, فهي لا يمارس عليها القمع باسم التضحية, بل تعيش لأولادها ووهبهم كثير من الحنان والمحبة لذاتهم, وهذا الأمر لا يخفى على الأبناء فكثيراً ما يشعرون عند الفشل بالذنب, فإثارة الشعور بالذنب هي أداة تستخدمها الأم للحصول على ما تبتغيه من أبنائها, ثم يعاود التأكيد على أهمية الوحدة الاقتصادية في العائلة, فيصف وجود الأبن فيها وخاصة عند الطبقات الدنيا, بأن الطفل عند ولادته لا يعتبر شخصاً إضافياً يحتاج إلى الغذاء والتعليم والعناية, بل يعتبر امتداد لنفوذ العائلة ومكانتها ومورداً يمكن الاتكال عليه, وإنه بعد التحولات التي شهدها المجتمع العربي في النصف الثاني من القرن العشرين حلّت الدولة والمؤسسة الاجتماعية الأخرى محل العائلة, فالتحاق الفرد إلى مجالات العمل المختلفة -الوظائف- حد من الاعتماد المتبادل بين أفراد الأسرة, أي أن الاستقلال الاقتصادي الذي حصل عليه بعيداً عن العائلة, أدى ذلك إلى الاستقلال الاجتماعي بالتالي النزوع إلى الفردية والحرية وحق الاختيار بعيد عن الأسرة, وتدريجياً يصبح الفرد هو نفسه أكثر إحساساً بمسؤوليته عن تصرفاته. وذلك لا يعني أن العائلة العربية لم تعد في الوقت الحاضر وحدة اقتصادية اجتماعية بل أنها أكثر قدرة على التماسك بين المؤسسات الأخرى, ثم يؤكد على أن العلاقات الوشائجية –علاقات العائلة, العشيرة, القبيلة- لا تزال ضرورية في التعامل مع سلطوية الأنظمة وأنها ضرورية من حيث الحماية وضروريات الوساطة وحل المشكلات.

 

  • أبوية العائلة العربية

أن بنية العائلة العربية بنية أبوية بطريكية, “بطريرك” كلمة يونانية مكونة من شطرين ترجمتها الحرفية الأب الرئيس, ثم يذكر أن الأب يشغل مركز السلطة والمسؤولية في عالم مزدوج: العالم المخصص للرجال وهو خارج المنزل في سبيل تأمين الرزق, والعالم الخاص للمرأة هو المنزل, وتضييق مشاركتها في العالم العام, وأعتبر تقليدياً من العيب على الرجال أن يمكثوا في عالم البيت الخاص مطولاً, أي أنه نادراً ما تعمل الأم خارج المنزل, ونادراً ما يوجد الأب فيه, وهنا الفكرة قريبة جداً من فكرة العالمة الاجتماعية (Sylvia walby) بأن هناك نوعين من البطريركية:

  1. البطريركية الخاصة (الذكورية الخاصة): فتكون السيطرة على النساء في الأسرة بيد الرجل, وإقصاء النساء بعيد عن المشاركة في العالم العام خارج المنزل.

  2. البطريركية العامة (الذكورية العامة): هناك حدود تفصل النساء عن الوصول إلى الارتقاء والقوة والسلطة الفعلية. (walby, 1991)

وعلاقة الأب بباقي افراد العائلة هي علاقة رأسية أي أن على الأفراد الطاعة والامتثال والتجاوب مع رغباته دون تساؤل, وإذا كان لديهم طالبات فإنه يفترض عليهم التوسل والاسترحام إلى الأب للموافقة, ويمكن تعميم صورة الأب إلى المسؤولين في بقية المؤسسات الاجتماعية أي الأستاذ, رب العمل, الحاكم وغيرهم.

ثم يستشهد برواية لنجيب محفوظ (زقاق المدق) يذكر فيها بأن المرأة يجب أن تعامل كالطفل تحقيقاً لسعادتها هي نفسها قبل كل شيء, وأن تطيع وأن ترضى مادامت حاجاتها مقضية ورزقها موفر, وهنا كذلك يؤكد على العامل الاقتصادي في عملية الخضوع للعائلة.

ثم يذكر مقابلة أجريت مع الكاتبة المصرية سلوى بكر تقول فيها بأنها نشأت في بيت لا يعرف الرجل, وكانت أمها ترجع جميع مآسي حياتهم الكبيرة والصغيرة إلى عدم وجود رجل في البيت, الأمر المُضحك عندما ذكرت سلوى بكر بأنها توصلت إلى تعريف بسيط للرجال وهم “كائنات خطيرة, أسطورية, كلية القدرة”, فقد رسمت صورة أسطورية للرجل من خلال كلام أمها.

أخيراً يذكر كيف تعرض النظام الأبوي لتحولات أساسية بسبب التغيرات البنيوية في واقع المجتمع, وقيام العائلة النووية, ودخول المرأة سوق العمل, وانتشار العلم والهجرة, إلا أن النظام الأبوي الاستبدادي كما أسماه هشام شرابي (1987) مازال مستمر ولا يكاد ينحصر على الأسرة فقط بل يتعدها إلى المجتمع ككل, ولا يزال راسخاً في البادية والقرية والمدينة, ثم يختم بقولة حتى نعرف أكثر عن النظام الأبوي يجب دراسة النظام الهرمي الخاص بالعائلة ودراسة موقع المرأة والطفل فيه.

  • العائلة العربية هرمية على أساس الجنس والعمر.

البنية الأساسية في العائلة العربية هي تنظيم هرمي على أساس دونية المرأة والصغار وسيطرة الرجال والكبار, أي الاعتماد الأساسي على الجنس, والعمر.

 

  1. دونية النساء:

عندما تناول حليم بركات قضية دونية المرأة اخذ يتكلم عن الموقف الإسلامي, وتناول تيارين الأول المحافظ, الثاني المتحرر, إلا أنه اخفق في تناول الموقف الإسلامي بالشكل الصحيح, حيث أنه استشهد “بآراء” كُتاب كتبوا عن موضوع المرأة وموقف الإسلام, ولم يتناول الموقف الإسلامي بشكلة الصحيح وهو الوسطية, فمن الأمثلة التي تناولها قول عباس محمود العقاد عندما وصف المرأة بأنها كائن يتلقى عرفه من الرجل, حتى فيما يخص خلائق الحياة والحنان والنظافة, وكون كاتب مسلم يتكلم عن الموقف الإسلامي بحسب رأيه من الصحيح أن لا نطلق على ذلك تيار إسلامي, والصحيح أن نسميها أعراف ذكورية, تصف المرأة بما تشتهي, والدين بريء ممن يسيء إلى المرأة أو يقلل منها, لم أذكر جميع المواقف التي ذكرها حليم بركات عن الإسلام في كتابه لأنها تعتبر كما سبق وذكرت هي آراء كُتاب بريء الدين منها, وذكرت قول عباس العقاد الذي استشهد به حليم بركات لتوضيح بأن ما اعتمد عليه لا يوجد له دليل شرعي يدعمه بل هي مجرد رأي كاتب لا أكثر, وقد أساء كثير من الناس فهم بعض الأمور في الدين الإسلامي، ويدلل عليها بأدلة من القرآن والسنة، باعتقاد أنها تُحقر المرأة, وكونه رجل يحق له ممارسة العنف ضدها، ولو تأمل في الأدلة وفهمها جيداً لرأى فيها عكس ما يعتقد، ومن تلك الأمور: اتخاذ القوامة على أنها إلغاء المساواة بين الزوج وزوجته في شؤون الأسرة مستدلين بذلك قول الله تعالى: }الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ{(سورة النساء: أية34) وقد وضح كثير من العلماء أن دلالة القوامة في الآية هي تكليف وليس تشريف, فالقوامة: تعني أن على الرجال القيام بالإنفاق والحماية, وأنه لا يلغي مسئولية الزوجة في أداء أدوارها داخل الأسرة، فقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها”(صحيح البخاري), فيكون للزوجة الحق في الإدارة والتصرف مثل حق الزوج في ذلك(الغزالي وآخرون, 2009) أيضاً من الأمور التي أُسيء فهمها مسألة تأديب الزوجة وضربها, والأصل أن المرأة المؤدية لواجباتها ليس على الزوج شيء من سلطان التأديب, إلا المرأة الناشز فعلى الزوج التدرج في تعديل سلوكها، كما أوضحت الآية الكريمة:}وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا{(سورة النساء: أية 34) ليس المقصود من الآية إباحة الضرب لغرض التأديب بل هي طريقة لعلاج سلوك المرأة الناشز, ويأتي العلاج على عدة مراحل وأول خطواته الوعظ باللين والحكمة, ثم إن لم ينفع معها فالخطوة الثانية هي الهجر في الفراش وليس الهجر في المنزل, وإن لم ينفع فأخر مراتب تعديل سلوك الزوجة هو الضرب, وللضرب صفة معينة كما رواه لنا ابن عباس رضي الله عنه المقصود به الضرب بالسواك, أي أنه لا يتعدى في دلالته عن التعبير بعدم الرضا, إلا أن كثير من المسلمين أساءوا فهم مقصد الضرب وتوسعوا في تطبيقه بما تمليه عليهم مخيلتهم المليئة بأنواع العنف ضد المرأة (علي,2001), كل تلك الأمور تناولها حليم بركات ولكن بالمفهوم الخاطئ, فلم يذكر غير الدين الإسلامي في تشريف الرجل, وتأديب المرأة, وحاولت فيما سبق توضيح بعض المفاهيم التي أساء فهمها الكثير من الناس.

والدليل على أن ما اعتمد عليه حليم بركات هي أعراف ذكورية بريء منها الإسلام؛ ذكره واستناده إلى مورثات شعبية, تؤكد دونية النساء فمن بين تلك الامثال: (شاور المرأة وخالفها, هم البنات للممات, تحت الملايا حيايا –الملاية هو حجاب المرأة, والحيايا يقصد بها الحيه-, المرأة خيرها لزوجها وشرها لأهلها –أي أنها إذا صنعت خيراً فلزوجها, وإن أخطأت فأهلها هم المسؤولين-).

 

2. دونية الصغار

في بحث هشام شرابي حول تأثير طرق تربية الطفل في العائلة البرجوازية الحضرية, يرى بأن الأب يضطهد الصبي, فيما تسحق الأم شخصية الطفل عن طريق الإفراط في حمايته, أما عن البنت فتدفعها العائلة منذ طفولتها المبكرة إلى الشعور بأنها عبء وغير مرغوب فيها, كل هذا يؤدي إلى شعور الأبناء بالعجز والاتكالية والتهرب من المسؤولية, وقد ينشأ عند بعض الأخوات إحساس بأن هناك امتيازات للرجل تعتبر من حقوقه الطبيعية, يستشهد بما ذكره حسين العودات (1996) بأن أحد الأخوات وحيدة لأربع إخوة بأن تأخذ نصيبها من الميراث بعد وفاة والدها, رغم إصرار الإخوة على أن تأخذ نصيبها, وبرغم حاجتها الماسة هي وزوجها إلى هذا الإرث, وكانت حجتها أنه من العيب عليها أن تشارك إخوتها الذكور بتركة والدهم, والحقيقة التي كانت تخشى أن تدان ممن حولها في القرية, فتخاف من مخالفة الاعراف والتقاليد. هذا ما يطلق عليه العنف الرمزي الذي ذكره Bourdieu P. (2004) أنه يتم عن طريق وسائل التربية وتلقين الإيديولوجيا، ويمارس على الفاعلين الاجتماعيين برغبتهم وموافقتهم وهو شكل غير محسوس من العنف, لذلك فهم غالبا ما لا يعترفون به كعنف؛ أي أنهم يعتبرونه كبديهيات أو مسلمات من خلال وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية وأشكال التواصل داخل المجتمع.

  • العائلة العربية بين الأسرة الكبرى والأسرة الصغرى: الممتدة (Extended) النووية (Nuclear).

تتصف العائلة تقليدياً بأنها عائلة واسعة أو كبرى تشدّد على أهمية علاقات القربى التي تشتمل مختلف أنواع العلاقات التعاونية الحميمية, وهذا ما يعرف في مصطلحات علم الاجتماع بالعائلة الممتدة(Extended)ويقصد بأن ثلاثة أجيال تعيش تحت سقف واحد, وعكس ذلك العائلة النووية (Nuclear) يقصد بها أسرة صغيرة يعيش فيها زوج و زوجة وأطفالهما, بدأت تسود في المجتمع العربي الحضري في منتصف القرن العشرين, وهذا لا يعني بأن الروابط والالتزامات بين الأقارب تلاشت مثل المجتمع الغربي الذي تلاشت فيه الروابط القرابة, بل أنها لا زالت راسخة في المجتمع العربي, التقليدي وغير التقليدي.

ثانياً: أنماط الزواج والطلاق

1.غاية الزواج وترتيبه

لقد اعتُبر الزواج تقليدياً شأناً عائلياَ ومجتمعياً أكثر من كونه شأن فردي, إذ اعتادت العائلة ترتيبه متجاوزة سعادة الفرد (خاصة المرأة) في ضوء مصالحها وطموحاتها ومفاهيمها, كما أنه من أهم الشروط المتوقعة من البنت هو الحفاظ على عذريتها لعريسها, بينما ليس مستحب بين الرجال أن يحتفظ بعذريته لعروسه, فيفاخر بين أصحابه سراً وعلانية بمغامراته الحقيقية والمتخيلة, وتنعكس إرادة المجتمع بأن تحفظ الفتاة بعذريتها من خلال طقوس الاحتفال بالأعراس, وحتى بالزغاريد بلغة واقعية أو مجازية. ومن تلك التقاليد في أعراس دمشق؛ مثال على زغاريد بلغة مجازية:

آوها

في بيْتنا رمّانِه

آوها

حلوِه ولفّانِه

آوها

حَلَفْتْ ما اقطفْها

آوها

حتى يجي العريس (وتذكر اسم) بالسلامه: لولولوليش

والرمانة هنا تشبيه لعذرية الفتاة وأن الزوج يأتي ويقتطفها.

 

2. الزواج الداخلي

تتسم العائلة العربية بالنزوع نحو الزواج الداخلي (Endogamy) فقد جرى العرف ضمن الجماعات التقليدية على أن الزواج من ابنة العم والأنسباء هو الزواج المفضّل, حتى إن ابن العم في بعض الأواسط التقليدية أصبح يعتبر ذلك حقاً من حقوقه, وتذهب كثير من الدراسات بأن الزواج من بنت العم هو الزواج المفضل تقليدياً عند العرب, حتّى لقبت الزوجة بـ “بنت العم”, أما في القرن العشرين أصبحت نسبة الزواج من بنت العم تتراوح في الأبحاث الميدانية ما بين 3% و 38% في مناطق مختلفة من البلدان العربية.

يرجع حليم بركات أسباب الزواج الداخلي إلى: (ضرورة المحافظة على الأملاك والثروة ضمن العائلة, تعزيز الوحدة الأسرية وترابطها, توثيق العلاقات فيما بينها, تخفيض قيمة المهر, بقاء البنت قريبة من أهلها, التقليل من احتمالات الطلاق).

 

3.المهر

يعتبر المهر قوة رادعة ضد الطلاق, يهدف إلى حماية حقوق الزوجة, وفي الإسلام لا يعتبر الزواج شرعياً بدونه.

 

4. سن الزواج

لقد حدّد القانون العثماني سن زواج الفتاة على أن يكون تسع سنوات على الأقل, ولكن العمر المقبول حسب التقاليد هو سن البلوغ أي ما بين 12و13 سنة, وحسب آراء البعض فإن العبرة في الزواج هي في الدخول وليس في العقد.

 

5. تعدد الزوجات

أباح الإسلام للرجل حق الزواج بأربع نساء شرط العدل بينهن والقدرة على الانفاق, وفسّر الفقهاء بأن المقصود من العدل هو العدل المادي أي المساواة بينهن في القسمة والنفقة وغير ذلك من الأمور المادية, وليس في المحبة, وعلى صعيد القوانين الرسمية المتبعة في البلدان العربية فانقسمت إلى ثلاث: قسم أباح بالتعدد في نطاق الأحكام الدينية مثل: (السعودية والكويت والإمارات واليمن والسودان وليبيا والجزائر والأردن ولبنان ومصر) أما القسم الثاني أباح بقيود فمنهم من قيد التعدد بشرط العدل بين الزوجات مثل : (المغرب) ومنهم من قيد التعدد بشرط القدرة على الانفاق (سورية والعراق), القسم الثالث حرمت التعدد مثل : (تونس)

أقرت وزارة العدل في تونس (2015) قانون خاصة باعتباره حماية للمرأة من عنف الزوج ضد زوجته, فصُدر من مجلة الأحوال الشخصية الفصل18 “تعدد الزوجات ممنوع, كل من تزوج وهو في حالة الزوجية وقبل فك عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدة عام وبخطية قدرها مائتان وأربعون ألف فرانك أو بإحدى العقوبتين ولو أن الزواج الجديد لم يبرم طبق أحكام القانون”, متجاهلاً الأثر الإيجابي للتعدد على المجتمع, فيعتبر التعدد أحد السبل لتقليل حالات الطلاق في حين كانت الزوجة تعاني من العقم أو عدم مقدرتها في كفاية رغبة زوجها الجنسية, فقد ينتج عن هذا التشريع ارتفاع نسبة الانحراف السلوكي لدى الرجل, أيضاً يعتبر التعدد هو الحل للحد من الآثار السلبية على الأبناء الناتجة عن انفصال الزوجين, كما أن منع الزواج بامرأة أخرى قد ينتج عنه ارتفاع في نسبة تأخر الزواج عند الفتيات, فلم يحمي القانون حق المرأة المتزوجة في هذه المادة, كما زعم البعض.

 

6. أنماط الطلاق

كان الطلاق شائعاً قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية, فكا كان الرجل يستطيع أن يطلق زوجته متى شاء فإن بإمكان الزوجة أن تطلق زوجها بسهولة مشابهة عند بعض القبائل الأخرى, فذكر طريقة تطلّيق الزوجة لزوجها, فكانت الزوجة تغير وجهة باب خيمتها فيعلم الرجل بأنه طالق, فيبكي ويحمل حوائجه عائداً إلى قبيلته.

 

ثالثاً: الأسرة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى والمجتمع

إن شبكة من العلاقات الوثيقة تجمع بين العائلة والدين والطبقة الاجتماعية والسياسية في نسيج شديد التعقيد والتشعب, ولا يمكن دراسة أي منهم بمعزل عن الأخر, والصحيح النظر في شبكة هذه العلاقات في إطار المجتمع ككل.

فمن حيث علاقة العائلة بالنظام الطبقي ظهر لنا تشكل وحدة اجتماعية اقتصادية, فمن خلالها يرث الأفراد والجماعات انتماءهم الطبقي, كذلك تبدأ ظاهرة الفروق الطبقية بالنزوع نحو حصر الإرث في نطاق الأسرة وحدة؛ أي أن الدين لم يسمح بالتصرف بأكثر من ثلث أمواله يوصي بها لغير وارث شرعي بعد وفاته, فنلاحظ أن هناك علاقة وثيقة بين كل من الأسرة والطبقة والدين معاً.

 


 المراجع:

    1. بركات, حليم (2009) المجتمع العربي المعاصر. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
    2. شرابي, هشام (1987) البنية البطركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر. بيروت: دار الطليعة.
    3. شرابي، هشام (1974) مقدمات لدراسة المجتمع العربي. بيروت: الدار المتحدة للنشر.
    4. علي, عبد الجليل(2001) الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة. الإسكندرية: مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية.
    5. العودات, حسين (1996) المرأة العربية في الدين والمجتمع. دمشق: دار الأهالي.
    6. الغزالي, أحمد؛ علي, عبد الحليم(2009) أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي. الإسكندرية: دار الفكر الجامعي.
    7. وزارة العدل في تونس (2015) مجلة الأحوال الشخصية . متاح على الرابط : http://www.e-justice.tn/fileadmin/fichiers_site_arabe/codes_juridiques/code_statut_personel_ar_01_12_2009.pdf (تاريخ الدخول: 27/5/2016 ).
  1. Bourdieu, P., (2004) Gender and symbolic violence. Na.
  2. Walby, Sylvia(1991)Theorizing patriarchy. Cambridge: Basil Blackwell Inc.